تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ط
إضافة روابط داخلية
سطر 25: سطر 25:  
'''مقدّمة: حكايا الدفاع عن النفس'''
 
'''مقدّمة: حكايا الدفاع عن النفس'''
   −
في العام 2010، تخيّل المخرج محمد دياب في فيلمه 678 ما يمكن أن يحدث في القاهرة فيما لو توقّفت النساء عن تحمّل التحرّش الجنسي في الطرقات وفي وسائل النقل العام، وقرّرن بدلًا من ذلك الردّ على هذه التطفّلات بالعنف. وفي مشهدٍ بارزٍ، تصعد فايزة، إحدى الشخصيات الرئيسة في الفيلم، إلى باصٍ مكتظٍّ كالعادة حيث تتعرّض للملامسات في غالب الأحيان، لتجد مشهدًا شديد الغرابة: الركاب مصطفّون/ات باحترامٍ، الرجال في جهةٍ والنساء في جهةٍ أخرى، تفصل بين المجموعتين مسافة معيّنة. “ما خطب الرجال اليوم؟” تصرخ إحدى النساء في الباص، غير عالمةٍ بعمليات الطعن التي ملأت أخبارها عناوين الصحف في ذلك الصباح. يقدّم دياب مسألة الدفاع عن النفس كتدبيرٍ أخيرٍ للوضع غير المحتمل الذي يدفع بالنساء إلى حافّة الجنون. وبينما تضطرّ فايزة في كلّ يومٍ إلى تحمّل التحرّش الجنسي، تلجأ صِبا، بطلة الفيلم الأخرى، إلى الدفاع عن النفس بعد تعرّضها لاعتداءٍ جنسيٍ جماعيٍّ في خلال الإحتفالات بفوز المنتخب المصري في كرة القدم. وتولّد صدمة الإعتداء مسافةً بين صِبا وزوجها الذي يعجز عن التعامل مع ألم زوجته: إذ بعد مشاهدته انتهاك زوجته العلنيّ، يُصاب بالذنب والعار لفشله في تأدية دوره كحامٍ لها.
+
في العام 2010، تخيّل المخرج محمد دياب في فيلمه 678 ما يمكن أن يحدث في القاهرة فيما لو توقّفت النساء عن تحمّل التحرّش الجنسي في الطرقات وفي وسائل النقل العام، وقرّرن بدلًا من ذلك الردّ على هذه التطفّلات بالعنف. وفي مشهدٍ بارزٍ، تصعد فايزة، إحدى الشخصيات الرئيسة في الفيلم، إلى باصٍ مكتظٍّ كالعادة حيث تتعرّض للملامسات في غالب الأحيان، لتجد مشهدًا شديد الغرابة: الركاب مصطفّون/ات باحترامٍ، الرجال في جهةٍ والنساء في جهةٍ أخرى، تفصل بين المجموعتين مسافة معيّنة. “ما خطب الرجال اليوم؟” تصرخ إحدى النساء في الباص، غير عالمةٍ بعمليات الطعن التي ملأت أخبارها عناوين الصحف في ذلك الصباح. يقدّم دياب مسألة الدفاع عن النفس كتدبيرٍ أخيرٍ للوضع غير المحتمل الذي يدفع بالنساء إلى حافّة الجنون. وبينما تضطرّ فايزة في كلّ يومٍ إلى تحمّل [[التحرش الجنسي|التحرّش الجنسي]]، تلجأ صِبا، بطلة الفيلم الأخرى، إلى الدفاع عن النفس بعد تعرّضها لاعتداءٍ جنسيٍ جماعيٍّ في خلال الإحتفالات بفوز المنتخب المصري في كرة القدم. وتولّد صدمة الإعتداء مسافةً بين صِبا وزوجها الذي يعجز عن التعامل مع ألم زوجته: إذ بعد مشاهدته انتهاك زوجته العلنيّ، يُصاب بالذنب والعار لفشله في تأدية دوره كحامٍ لها.
    
ويطرح دياب في الفيلم ما يُقصد به التوصّل إلى خاتمةٍ سعيدةٍ كحلٍّ لهذا الخيال السياسي، إذ يقرّر التحرّي المسؤول عن التحقيق في حوادث الطعن العفو عن النساء بعد وفاة زوجته في أثناء المخاض، تاركةً إيّاه من دون وريثٍ ذكرٍ كان يرغب به بشدّة. عوضًا عن ذلك، يبدو أن طفلة التحرّي المولودة حديثًا تفتح عينَي أبيها على محنة النساء المصريّات. وفي المشهد الختامي، تظهر نيللي، البطلة الثالثة في الفيلم، وهي في المحكمة تتعرّض للضغوط من حموَيها المستقبليّين لتسقط الدّعوى ضدّ رجلٍ أمسك بها من الفان في أثناء سيرها إلى منزلها. وعندما يطلب إليها القاضي تأكيد طلب محاميها بإسقاط دعوى التحرّش الجنسي، يعارض خطيبها علنًا قرارها بسحب الشّكوى، ويشجّعها على السّير بها. ينتهي الفيلم بإشارةٍ إلى إدانة المتحرّش وتجريم التحرّش الجنسي في مصر، وهو حدثٌ يحاكي القصّة الحقيقيّة لنهى رشدي، المرأة التي فازت بأوّل قضيّة تحرشٍ جنسيِ في مصر في العام 2009.<ref>مع الإشارة إلى أن تجريم التحرّش الجنسي – كما أشير لاحقًا في هذا المقال – لم يتحقّق فعليًا حتى يونيو من العام 2014. للإطلاع على بعض التأمّلات في قضية نهى رشدي، راجع/ي Amar 2011 وAbdelmonem 2015 (بالإنكليزية).</ref> وضمن هذه السرديّة، تُقدّم الدولة المتجسّدة في شخصَي التحرّي والقاضي كحاميةٍ جديدةٍ للنساء في سياقٍ لم تعد تُعتبر فيه أشكال الحماية الذكورية التقليديّة فعّالة. هكذا، بتبنّيه التغيير القانوني والسياسي والدّعم الضروري من الرجال، يستبعد دياب إمكانية لجوء النساء إلى الوسائل المستقلّة ذاتيًا للدفاع عن النفس، طارحًا حلًا أكثر محافظةً للتحرّش الجنسي في المكان العام
 
ويطرح دياب في الفيلم ما يُقصد به التوصّل إلى خاتمةٍ سعيدةٍ كحلٍّ لهذا الخيال السياسي، إذ يقرّر التحرّي المسؤول عن التحقيق في حوادث الطعن العفو عن النساء بعد وفاة زوجته في أثناء المخاض، تاركةً إيّاه من دون وريثٍ ذكرٍ كان يرغب به بشدّة. عوضًا عن ذلك، يبدو أن طفلة التحرّي المولودة حديثًا تفتح عينَي أبيها على محنة النساء المصريّات. وفي المشهد الختامي، تظهر نيللي، البطلة الثالثة في الفيلم، وهي في المحكمة تتعرّض للضغوط من حموَيها المستقبليّين لتسقط الدّعوى ضدّ رجلٍ أمسك بها من الفان في أثناء سيرها إلى منزلها. وعندما يطلب إليها القاضي تأكيد طلب محاميها بإسقاط دعوى التحرّش الجنسي، يعارض خطيبها علنًا قرارها بسحب الشّكوى، ويشجّعها على السّير بها. ينتهي الفيلم بإشارةٍ إلى إدانة المتحرّش وتجريم التحرّش الجنسي في مصر، وهو حدثٌ يحاكي القصّة الحقيقيّة لنهى رشدي، المرأة التي فازت بأوّل قضيّة تحرشٍ جنسيِ في مصر في العام 2009.<ref>مع الإشارة إلى أن تجريم التحرّش الجنسي – كما أشير لاحقًا في هذا المقال – لم يتحقّق فعليًا حتى يونيو من العام 2014. للإطلاع على بعض التأمّلات في قضية نهى رشدي، راجع/ي Amar 2011 وAbdelmonem 2015 (بالإنكليزية).</ref> وضمن هذه السرديّة، تُقدّم الدولة المتجسّدة في شخصَي التحرّي والقاضي كحاميةٍ جديدةٍ للنساء في سياقٍ لم تعد تُعتبر فيه أشكال الحماية الذكورية التقليديّة فعّالة. هكذا، بتبنّيه التغيير القانوني والسياسي والدّعم الضروري من الرجال، يستبعد دياب إمكانية لجوء النساء إلى الوسائل المستقلّة ذاتيًا للدفاع عن النفس، طارحًا حلًا أكثر محافظةً للتحرّش الجنسي في المكان العام
سطر 36: سطر 36:  
'''الخوف من الفوضى والدفاع عن النفس في مصر'''
 
'''الخوف من الفوضى والدفاع عن النفس في مصر'''
   −
راج تكتيك الدفاع عن النفس في إثر ثورة 25 يناير، لكن ليس بالضرورة بطرقٍ تحرّرية. بالطبع، المثال الأكثر خطورةً على استخدام الدفاع عن النفس كتبريرٍ لاستخدام العنف ورد في خطاب اللواء السّيسي في تاريخ 26 يونيو 2011، حين صرّح بأنّ القوات العسكرية أجرت فحوص عذريّةٍ للمتظاهرات من النساء “دفاعًا عن النفس ضد الإتهامات المحتملة بالإغتصاب” (Borkan 2011). وشكّل هذا التصريح جزءًا من حملةٍ عامةٍ أوسع للتشكيك في المناضلين/ات الثوريين/ات في خلال فترة الحكم العسكري التي تلت إسقاط حسني مبارك في تاريخ 11 فبراير 2001 (Hafez 2014: 24). ومن خلال خطابٍ فعّل قيم العائلة الأبوية والقواعد الأخلاقية، هدف المجلس الأعلى للقوات المسلّحة إلى إعادة فرض سيطرته على المساحة العامة بعد الثورة، عبر طرح المتظاهرات النساء كـ”منحلّات جنسيًا” وبالتالي شرعنة استخدام العنف الجنسي ضدّهن (المرجع السابق: 27).
+
راج تكتيك الدفاع عن النفس في إثر ثورة 25 يناير، لكن ليس بالضرورة بطرقٍ تحرّرية. بالطبع، المثال الأكثر خطورةً على استخدام الدفاع عن النفس كتبريرٍ لاستخدام العنف ورد في خطاب اللواء السّيسي في تاريخ 26 يونيو 2011، حين صرّح بأنّ القوات العسكرية أجرت [[فحوص العذرية|فحوص عذريّةٍ]] للمتظاهرات من النساء [[قضية كشوف العذرية العسكرية للمتظاهرات بميدان التحرير 2011|“دفاعًا عن النفس ضد الإتهامات المحتملة بالإغتصاب”]] (Borkan 2011). وشكّل هذا التصريح جزءًا من حملةٍ عامةٍ أوسع للتشكيك في المناضلين/ات الثوريين/ات في خلال فترة الحكم العسكري التي تلت إسقاط حسني مبارك في تاريخ 11 فبراير 2001 (Hafez 2014: 24). ومن خلال خطابٍ فعّل قيم العائلة [[نظام أبوي|الأبوية]] والقواعد الأخلاقية، هدف المجلس الأعلى للقوات المسلّحة إلى إعادة فرض سيطرته على المساحة العامة بعد الثورة، عبر طرح المتظاهرات النساء كـ”منحلّات جنسيًا” وبالتالي شرعنة استخدام العنف الجنسي ضدّهن (المرجع السابق: 27).
    
عملت مشاريع الدفاع عن النفس التي ظهرت في البلاد في خلال أيام الثورة الثمانية عشر (من 25 يناير حتى 11 فبراير، 2011) وفق أنظمةٍ جندريةٍ أكثر تباينًا. في يوم 29 يناير 2011، هرب عدّة آلاف من المساجين من سجن وادي النطرون ومن ثلاثة سجونٍ أخرى (Fayed and Saleh 2011)، وترافق هذا مع انسحاب الشرطة من الشوارع، ما ولّد شائعاتٍ كثيرةً عن وجود عصاباتٍ مسلّحةٍ من المجرمين والسّارقين حول القاهرة (Saleh 2011; Tisdall 2011). واستجابةً لهذه التهديدات المتصوّرة، برزت بسرعةٍ ممارسات الدفاع عن النفس الجماعية. في مجتمع “سيتي فيو” المبوّب في ضاحية 6 أكتوبر في القاهرة، أغلق السكّان الذكور وطواقم الأمن البوّابات بالمركبات، ونظّموا أنفسهم في دواماتٍ نهاريّةٍ وليليّةٍ لحراسة المجمّع من الدّخلاء. “لم نكن نعلم كميّة السلاح التي كانت في حوزة الناس” قالت لي إحدى القاطنات المصريّات (مقابلة 23 مايو، 2015) مستذكرةً الإضطراب في تلك الأيام، ثمّ أضافت أنّ السكّان كانوا “محظوظين/ات” أن كان من بينهم/ن قنّاصٌ سابقٌ في الجيش، إذ كان يراقب الأرض الخالية حول المكان ليلًا، ويصعد إلى أعلى نقطةٍ في المجمّع حاملًا بندقيّته المزوّدة بمنظارٍ ليلي (المرجع السابق)<ref> مع الإشارة إلى أن الخوف من الجريمة ومن الفوضى المدينيّة لدى الطبقات العليا يسبق ثورة 25 يناير، وقد شكّل دافعًا لقرار كثيرٍ من الأسر المصرية الثرية الإنتقال إلى مجمّعاتٍ سكنيّةٍ مؤمنَنةٍ كتلك التي انتشرت حول القاهرة منذ التسعينات (Kuppinger 2004: 44)، إلا أنّ هذا القلق تنامى على نحوٍ مطّردٍ بعد العام 2011. للإطلاع على مناقشة المجتمعات المبوّبة في مصر، راجع/ي Mitchell 1999.</ref>.
 
عملت مشاريع الدفاع عن النفس التي ظهرت في البلاد في خلال أيام الثورة الثمانية عشر (من 25 يناير حتى 11 فبراير، 2011) وفق أنظمةٍ جندريةٍ أكثر تباينًا. في يوم 29 يناير 2011، هرب عدّة آلاف من المساجين من سجن وادي النطرون ومن ثلاثة سجونٍ أخرى (Fayed and Saleh 2011)، وترافق هذا مع انسحاب الشرطة من الشوارع، ما ولّد شائعاتٍ كثيرةً عن وجود عصاباتٍ مسلّحةٍ من المجرمين والسّارقين حول القاهرة (Saleh 2011; Tisdall 2011). واستجابةً لهذه التهديدات المتصوّرة، برزت بسرعةٍ ممارسات الدفاع عن النفس الجماعية. في مجتمع “سيتي فيو” المبوّب في ضاحية 6 أكتوبر في القاهرة، أغلق السكّان الذكور وطواقم الأمن البوّابات بالمركبات، ونظّموا أنفسهم في دواماتٍ نهاريّةٍ وليليّةٍ لحراسة المجمّع من الدّخلاء. “لم نكن نعلم كميّة السلاح التي كانت في حوزة الناس” قالت لي إحدى القاطنات المصريّات (مقابلة 23 مايو، 2015) مستذكرةً الإضطراب في تلك الأيام، ثمّ أضافت أنّ السكّان كانوا “محظوظين/ات” أن كان من بينهم/ن قنّاصٌ سابقٌ في الجيش، إذ كان يراقب الأرض الخالية حول المكان ليلًا، ويصعد إلى أعلى نقطةٍ في المجمّع حاملًا بندقيّته المزوّدة بمنظارٍ ليلي (المرجع السابق)<ref> مع الإشارة إلى أن الخوف من الجريمة ومن الفوضى المدينيّة لدى الطبقات العليا يسبق ثورة 25 يناير، وقد شكّل دافعًا لقرار كثيرٍ من الأسر المصرية الثرية الإنتقال إلى مجمّعاتٍ سكنيّةٍ مؤمنَنةٍ كتلك التي انتشرت حول القاهرة منذ التسعينات (Kuppinger 2004: 44)، إلا أنّ هذا القلق تنامى على نحوٍ مطّردٍ بعد العام 2011. للإطلاع على مناقشة المجتمعات المبوّبة في مصر، راجع/ي Mitchell 1999.</ref>.
سطر 70: سطر 70:  
لكن ممارسات الدفاع الجماعي عن النفس كانت حاضرةً في ميدان التحرير منذ أواخر العام 2012. وفي 30 نوفمبر من العام 2012، نشأت مبادرة “قوّة ضد التحرّش” ردًّا على تعرّض تسع نساءٍ للإعتداء الجنسي في محيط الميدان<ref>للمزيد من المعلومات، راجع/ي https://www.facebook.com/opantish/?fref=ts and https://twitter.com/OpAntiSH.</ref>، وكانت مهمّتها المباشرة منع ووقف الإعتداءات الجنسية الجماعية التي غدت شائعةً في المنطقة آنذاك، واستخدام العنف حينما يلزم الأمر. ولهذا الغرض، إعتمدت المبادرة على عددٍ متزايدٍ من المتطوّعين/ات من الشابّات والشبّان الذين/اللواتي كانوا/كنّ ناشطين/ات في التظاهرات أو في مجموعاتٍ تعمل على مسائل التحرّش والإعتداء الجنسي في المكان العام، مثل “نظرة للدراسات النسوية” أو “خريطة التحرّش” (HarassMap). وكما تلحظ دالية عبد الحميد، مسؤولة الجندر وحقوق النساء في “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” (EIPR) والمتطوّعة في “قوّة ضد التحرّش”، فإنّ “قوّة ضد التحرّش” تحدّت “التقسيم النمطيّ للعمل” الذي ينصّ على وجوب مشاركة الرجال فقط في فرق التدخّل التي كانت تنقذ النساء المُعتدى عليهنّ، إذ رفضت المجموعة منذ البداية حصر دور المتطوّعات في المهمّات والدّعم اللّوجستي (مقابلة 16 مارس، 2015).
 
لكن ممارسات الدفاع الجماعي عن النفس كانت حاضرةً في ميدان التحرير منذ أواخر العام 2012. وفي 30 نوفمبر من العام 2012، نشأت مبادرة “قوّة ضد التحرّش” ردًّا على تعرّض تسع نساءٍ للإعتداء الجنسي في محيط الميدان<ref>للمزيد من المعلومات، راجع/ي https://www.facebook.com/opantish/?fref=ts and https://twitter.com/OpAntiSH.</ref>، وكانت مهمّتها المباشرة منع ووقف الإعتداءات الجنسية الجماعية التي غدت شائعةً في المنطقة آنذاك، واستخدام العنف حينما يلزم الأمر. ولهذا الغرض، إعتمدت المبادرة على عددٍ متزايدٍ من المتطوّعين/ات من الشابّات والشبّان الذين/اللواتي كانوا/كنّ ناشطين/ات في التظاهرات أو في مجموعاتٍ تعمل على مسائل التحرّش والإعتداء الجنسي في المكان العام، مثل “نظرة للدراسات النسوية” أو “خريطة التحرّش” (HarassMap). وكما تلحظ دالية عبد الحميد، مسؤولة الجندر وحقوق النساء في “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” (EIPR) والمتطوّعة في “قوّة ضد التحرّش”، فإنّ “قوّة ضد التحرّش” تحدّت “التقسيم النمطيّ للعمل” الذي ينصّ على وجوب مشاركة الرجال فقط في فرق التدخّل التي كانت تنقذ النساء المُعتدى عليهنّ، إذ رفضت المجموعة منذ البداية حصر دور المتطوّعات في المهمّات والدّعم اللّوجستي (مقابلة 16 مارس، 2015).
   −
وعرّفت مبادرة “قوّة ضد التحرّش” عن نفسها كمشروعٍ “يساري-نسوي-ثوري”، رافضةً السرديّات التي فعّلت مفاهيم الشرف لإدانة العنف الجنسي في المكان العام، أو تلك التي خاطبت المنطق الذكوري الحمائي مطالبةً الرجال بمعاملة الناشطات كما يعاملون أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم (المرجع السابق). وبالنسبة إلى الصحافية والمتطوّعة في “قوّة ضد التحرّش” ياسمين الرفاعي، فإنّ العمل التعاوني والنقاشات التي نتجت عن الجهود الذاتية للتنظيم الذاتي، كانت “تحويليّة بشدّةٍ” ومثّلت تجربةً تعلّميةً لمئات المتطوّعين/ات الذين/اللواتي شاركوا/شاركن فيها، ما سمح بمزيدٍ من التفاعلات النقديّة مع مسألة العنف الجنسي في المكان العام في مصر (مقابلة 28 مارس، 2015). وفي الوقت الذي توقّفت فيه “قوّة ضد التحرّش” عن العمل في ميدان التحرير في إثر الإنقلاب العسكري في 3 يوليو من العام 2013، كانت المجموعة وضعت نظامًا بالغ الدقّة لمجابهة العنف ضد النساء في التظاهرات. وإلى جانب الفرق التي كانت تتدخّل مباشرةً لوقف الإعتداءات، كانت هناك فرق حمايةٍ تنقل الناجيات إلى مكانٍ آمنٍ أو إلى المستشفى، و”فرق الميدان” التي كانت توزّع الرقم الساخن في الميدان، وفرق الكشّافة التي كانت تراقب المنطقة من على سطوح المباني والشرفات، بالإضافة إلى غرفة العمليّات التي كانت تنسّق ما بين الفرق المختلفة. كذلك تعاونت المبادرة مع كلٍّ من “نظرة” و”مركز النديم” لتوفير الدعم الطبّي والقانوني والنفسي للناجيات.
+
وعرّفت مبادرة “قوّة ضد التحرّش” عن نفسها كمشروعٍ “يساري-نسوي-ثوري”، رافضةً السرديّات التي فعّلت مفاهيم الشرف لإدانة العنف الجنسي في المكان العام، أو تلك التي خاطبت المنطق الذكوري الحمائي مطالبةً الرجال بمعاملة الناشطات كما يعاملون أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم (المرجع السابق). وبالنسبة إلى الصحافية والمتطوّعة في “قوّة ضد التحرّش” ياسمين الرفاعي، فإنّ العمل التعاوني والنقاشات التي نتجت عن الجهود الذاتية للتنظيم الذاتي، كانت “تحويليّة بشدّةٍ” ومثّلت تجربةً تعلّميةً لمئات المتطوّعين/ات الذين/اللواتي شاركوا/شاركن فيها، ما سمح بمزيدٍ من التفاعلات النقديّة مع مسألة العنف الجنسي في المكان العام في مصر (مقابلة 28 مارس، 2015). وفي الوقت الذي توقّفت فيه “قوّة ضد التحرّش” عن العمل في ميدان التحرير في إثر الإنقلاب العسكري في 3 يوليو من العام 2013، كانت المجموعة وضعت نظامًا بالغ الدقّة لمجابهة العنف ضد النساء في التظاهرات. وإلى جانب الفرق التي كانت تتدخّل مباشرةً لوقف الإعتداءات، كانت هناك فرق حمايةٍ تنقل الناجيات إلى مكانٍ آمنٍ أو إلى المستشفى، و”فرق الميدان” التي كانت توزّع الرقم الساخن في الميدان، وفرق الكشّافة التي كانت تراقب المنطقة من على سطوح المباني والشرفات، بالإضافة إلى غرفة العمليّات التي كانت تنسّق ما بين الفرق المختلفة. كذلك تعاونت المبادرة مع كلٍّ من [[نظرة للدراسات النسوية|“نظرة”]] [[النديم|و”مركز النديم”]] لتوفير الدعم الطبّي والقانوني والنفسي [[ناجية|للناجيات]].
    
وبعيدًا عن ميدان التحرير، برزت أمثلةٌ أخرى من الدفاع النسوي عن النفس منذ العام 2013 في القاهرة وفي غيرها من المدن، كمبادرة “ويندو مصر” (WenDo Egypt) التي تقدّم ورش عملٍ للدفاع عن النفس، يمكن فيها للنساء تعلّم كيفية الردّ باستخدام تعابير الوجه والصّوت ولغة الجسد عندما يتجاوز أحدٌ ما حدودهنّ، وكيفية تطوير التقنيات الجسدية للدفاع عن أنفسهنّ ضدّ معتدٍ ما. وهذا الصفّ الذي تعلّمه نساءٌ وتحضره نساءٌ فقط، يوفّر مساحةً آمنةً تمكّن المشارِكات من كافّة الأعمار، والأشكال، والأحجام، والقدرات ومستويات اللّياقة البدنية من اكتساب مهاراتٍ عمليّةٍ يمكنهنّ استخدامها في المواقف الخطرة، ويتيح لهنّ في الوقت عينه استكشاف جذور مخاوفهنّ وتردّدهن في الردّ على التطفّلات الجنسية، عبر الدفاع عن النفس باستخدام الأدوات اللفظيّة والجسديّة. وبحسب مدرّبة ويندو فاطمة عاطف، فإنّ نقص الثقة بالنفس لدى النساء وتصوّرهن بأنهنّ “لسن قادراتٍ كفايةً للدفاع عن أنفسهنّ” هما السبب وراء هذه الممانعة (مقابلة 18 أبريل، 2015).
 
وبعيدًا عن ميدان التحرير، برزت أمثلةٌ أخرى من الدفاع النسوي عن النفس منذ العام 2013 في القاهرة وفي غيرها من المدن، كمبادرة “ويندو مصر” (WenDo Egypt) التي تقدّم ورش عملٍ للدفاع عن النفس، يمكن فيها للنساء تعلّم كيفية الردّ باستخدام تعابير الوجه والصّوت ولغة الجسد عندما يتجاوز أحدٌ ما حدودهنّ، وكيفية تطوير التقنيات الجسدية للدفاع عن أنفسهنّ ضدّ معتدٍ ما. وهذا الصفّ الذي تعلّمه نساءٌ وتحضره نساءٌ فقط، يوفّر مساحةً آمنةً تمكّن المشارِكات من كافّة الأعمار، والأشكال، والأحجام، والقدرات ومستويات اللّياقة البدنية من اكتساب مهاراتٍ عمليّةٍ يمكنهنّ استخدامها في المواقف الخطرة، ويتيح لهنّ في الوقت عينه استكشاف جذور مخاوفهنّ وتردّدهن في الردّ على التطفّلات الجنسية، عبر الدفاع عن النفس باستخدام الأدوات اللفظيّة والجسديّة. وبحسب مدرّبة ويندو فاطمة عاطف، فإنّ نقص الثقة بالنفس لدى النساء وتصوّرهن بأنهنّ “لسن قادراتٍ كفايةً للدفاع عن أنفسهنّ” هما السبب وراء هذه الممانعة (مقابلة 18 أبريل، 2015).
staff
2٬186

تعديل

قائمة التصفح