تغييرات

عناوين فرعية من نسخة المجلة
سطر 24: سطر 24:     
سألت الأوريات، ربات الغابة، (ربما [[ميشيل فوكو | فوكو]] أو [[جاك لاكان | لاكان]] أو.. من كان يقف معهما كشهود للواقعة، شهود التحديق): من الذي يحدق؟  
 
سألت الأوريات، ربات الغابة، (ربما [[ميشيل فوكو | فوكو]] أو [[جاك لاكان | لاكان]] أو.. من كان يقف معهما كشهود للواقعة، شهود التحديق): من الذي يحدق؟  
 
+
==التحديق والسلطة==
 
لاكان يخبر بأن من ارتكب التحديق هو الآخر الذي لم يظهر في المشهد. من هو هذا الآخر؟ الآخر الذي رأنى. كان نرسيس مسكونا به، بينما الآخر كان يحدق فيه، يلتف التفاف حبل حول بالجسد، يدور حوله، يحيطه. الآخر هو الخيالي الذي يحل في المرآة. هذا الذي يسن شرائع الذات باسم الأب وبقانون الأب وهو مشرع قوانين هذا المجال وهو منشىء تخيلاته وصوره. أنا بدوري ضحية التحديق الذي طالنى في منزل الأب، وفى مفازته المحروسة بشرائعه وأبجديته الأبوية. أنا رغبة الآخر، الآخر يتكلم عبري ونحوى وبي وأنا ألوذ بالبحيرة خوفا من الصور التي يزين بها أبى المنزل/البيت، صورتي تتلألأ فأذهب نحوها، هناك، فأموت. لا خلاص من البيت ولا من صور الأب الميت.
 
لاكان يخبر بأن من ارتكب التحديق هو الآخر الذي لم يظهر في المشهد. من هو هذا الآخر؟ الآخر الذي رأنى. كان نرسيس مسكونا به، بينما الآخر كان يحدق فيه، يلتف التفاف حبل حول بالجسد، يدور حوله، يحيطه. الآخر هو الخيالي الذي يحل في المرآة. هذا الذي يسن شرائع الذات باسم الأب وبقانون الأب وهو مشرع قوانين هذا المجال وهو منشىء تخيلاته وصوره. أنا بدوري ضحية التحديق الذي طالنى في منزل الأب، وفى مفازته المحروسة بشرائعه وأبجديته الأبوية. أنا رغبة الآخر، الآخر يتكلم عبري ونحوى وبي وأنا ألوذ بالبحيرة خوفا من الصور التي يزين بها أبى المنزل/البيت، صورتي تتلألأ فأذهب نحوها، هناك، فأموت. لا خلاص من البيت ولا من صور الأب الميت.
    
فوكو يتفحص رسوبيات هذا الموقع ويقلب أرشيف العيادة (في [[ميلاد العيادة (كتاب) | ميلاد العيادة]] 1960) ويضع يده على سجل التحديق بوصفه أداة السلطة الطبية لإخضاع جسد المريض/الخارج/المجنون، وهى الأداة التي أثبتت فاعلية عالية في السيطرة على جسد النزيل، كان عليه(المجنون) أن يدرك أنه موضوع النظرة، هذه النظرة التي لا يمكن الرد عليها، التي من شأنها أن تنظم العالم من حوله لكي يتطابق مع صورته،بوصفه غريبا، شاذا، مجنونا، وكان على توك، طبيب مستشفى دار الشفاء بانجلترا،"أن ينظم ما يشبه الفرجة الاحتفالية حول سلوكيات النظرة"(فوكو).إن السلطة ليست عمياء كما يعتقد بل هي عين؛ تحرس وتراقب وتكافىء أيضا.
 
فوكو يتفحص رسوبيات هذا الموقع ويقلب أرشيف العيادة (في [[ميلاد العيادة (كتاب) | ميلاد العيادة]] 1960) ويضع يده على سجل التحديق بوصفه أداة السلطة الطبية لإخضاع جسد المريض/الخارج/المجنون، وهى الأداة التي أثبتت فاعلية عالية في السيطرة على جسد النزيل، كان عليه(المجنون) أن يدرك أنه موضوع النظرة، هذه النظرة التي لا يمكن الرد عليها، التي من شأنها أن تنظم العالم من حوله لكي يتطابق مع صورته،بوصفه غريبا، شاذا، مجنونا، وكان على توك، طبيب مستشفى دار الشفاء بانجلترا،"أن ينظم ما يشبه الفرجة الاحتفالية حول سلوكيات النظرة"(فوكو).إن السلطة ليست عمياء كما يعتقد بل هي عين؛ تحرس وتراقب وتكافىء أيضا.
    +
==نظرة الرجل وتحديق المرأة المعكوس==
 
لقد انتقل مفهوم التحديق بكامل فاعليته بل وتم مضاعفته وتهجينه عبر الدراسات [[ما بعد النسوية]] ليعمل على سطح أكثر تشتتا ومرآوية. لقد تساءلت [[لورا مولفي]] عن الطريقة/العين التي ينظر الرجل بها إلى المرأة، وطريقة نظر النساء إلى أنفسهن في "[[اللذة البصرية وسينما السرد (مقالة) |
 
لقد انتقل مفهوم التحديق بكامل فاعليته بل وتم مضاعفته وتهجينه عبر الدراسات [[ما بعد النسوية]] ليعمل على سطح أكثر تشتتا ومرآوية. لقد تساءلت [[لورا مولفي]] عن الطريقة/العين التي ينظر الرجل بها إلى المرأة، وطريقة نظر النساء إلى أنفسهن في "[[اللذة البصرية وسينما السرد (مقالة) |
 
  المتعة البصرية والسرد السينمائي]]"، وكشفت عن تمثيل المرأة بوصفها موضوعا قابلا للامتلاك وللغواية، كائنا مثيرا ومغريا، تقدم إلى مشاهدين ذكور وتلمع أمام كاميرا ذكورية وممثلين ذكور وهذا لا ينفصل بالضرورة عن طرحها كسلعة عبر سرد سينمائي يعمل على مضاعفة العالم الخيالي الذكورى وذلك عن طريق الرموز الجنسية، والصور العارية. فيدخل المشاهد في أحلامه وهلوساته؛ فعندما أكون في السينما يكون الآخر الذي يظهر على الشاشة موضوعا لتحديقي.  
 
  المتعة البصرية والسرد السينمائي]]"، وكشفت عن تمثيل المرأة بوصفها موضوعا قابلا للامتلاك وللغواية، كائنا مثيرا ومغريا، تقدم إلى مشاهدين ذكور وتلمع أمام كاميرا ذكورية وممثلين ذكور وهذا لا ينفصل بالضرورة عن طرحها كسلعة عبر سرد سينمائي يعمل على مضاعفة العالم الخيالي الذكورى وذلك عن طريق الرموز الجنسية، والصور العارية. فيدخل المشاهد في أحلامه وهلوساته؛ فعندما أكون في السينما يكون الآخر الذي يظهر على الشاشة موضوعا لتحديقي.  
سطر 36: سطر 37:  
ومرة ثانية يظهر لاكان:"التحديق هو امتلاك الآخر في مجال الرؤية"، لقد أصبحت المرأة امتدادا لذات الرجل أو عبدا في إمبراطورية الذات الذكورية، فالتحديق يجعل الذات حاضرة أمام مرآتها، ويجعل المرأة مرآة مصقولة لتعكس صورة المحدق، ويتم تجهيزها(المرأة) لكي تكون مرآة أكثر لمعانا، فتنة، تأثيرا، وموشحة بلباس الفضيلة أيضا، لكي تعكس قيم وخيالات المجتمع الأبوي، ومتطلباته الدينية والدنيوية. إن التحديق هو استراتيجية ذكورية لتثبيت المرأة في رمزها التاريخي/الممثل، أي تثبيتها كرمز ثقافي وهوية. هو استراتيجية لتثبيتها [[الآخر | كآخر]]، فهي ليست رجلا، بل كائنا غريبا، شاذا، ناقصا، ضلعا أعوج...الخ. وهذا لكي يبقى الرجل على امتيازه بوصفه الذات/الأصل/العقل.
 
ومرة ثانية يظهر لاكان:"التحديق هو امتلاك الآخر في مجال الرؤية"، لقد أصبحت المرأة امتدادا لذات الرجل أو عبدا في إمبراطورية الذات الذكورية، فالتحديق يجعل الذات حاضرة أمام مرآتها، ويجعل المرأة مرآة مصقولة لتعكس صورة المحدق، ويتم تجهيزها(المرأة) لكي تكون مرآة أكثر لمعانا، فتنة، تأثيرا، وموشحة بلباس الفضيلة أيضا، لكي تعكس قيم وخيالات المجتمع الأبوي، ومتطلباته الدينية والدنيوية. إن التحديق هو استراتيجية ذكورية لتثبيت المرأة في رمزها التاريخي/الممثل، أي تثبيتها كرمز ثقافي وهوية. هو استراتيجية لتثبيتها [[الآخر | كآخر]]، فهي ليست رجلا، بل كائنا غريبا، شاذا، ناقصا، ضلعا أعوج...الخ. وهذا لكي يبقى الرجل على امتيازه بوصفه الذات/الأصل/العقل.
    +
==التحديق فى القاموس العربى والإنجليزى والشارع==
 
ربما علينا أن نقوم بخطوة أخرى تجاه لفظة التحديق، أن نتفحص دلالاتها في معجمنا العربي. جاء في لسان العرب أن "حدَقَ به الشيءُ وأَحدقَ: اسْتَدارَ؛ وكل شيء اسْتَدار بشيء وأَحاطَ به، فقد أَحدَقَ به. والحَدِيقة: كلُّ أَرض استدارت وأَحدق بها حاجزٌ أو أَرض مرتفعة؛ وقيل: الحديقةُ البُسْتانُ والحائط وخص بعضهم به الجَنةَ من النخل والعنب؛ لا يُحْدَق عليه إلا وهو مَضْنُون به مُنْفِسٌ، وكلُّ بُستان كان عليه حائط، فهو حديقة، وما لم يكن عليه حائط لم يُقَل له حديقة".  
 
ربما علينا أن نقوم بخطوة أخرى تجاه لفظة التحديق، أن نتفحص دلالاتها في معجمنا العربي. جاء في لسان العرب أن "حدَقَ به الشيءُ وأَحدقَ: اسْتَدارَ؛ وكل شيء اسْتَدار بشيء وأَحاطَ به، فقد أَحدَقَ به. والحَدِيقة: كلُّ أَرض استدارت وأَحدق بها حاجزٌ أو أَرض مرتفعة؛ وقيل: الحديقةُ البُسْتانُ والحائط وخص بعضهم به الجَنةَ من النخل والعنب؛ لا يُحْدَق عليه إلا وهو مَضْنُون به مُنْفِسٌ، وكلُّ بُستان كان عليه حائط، فهو حديقة، وما لم يكن عليه حائط لم يُقَل له حديقة".  
 
وكأن فوكو ينطق بحفرية لسانية من رسوبيات هذا المعجم. استدار والتف لكي يستحوذ أو يقبض علي شيء، لكي يسوره، يحيط به، يحفظه ويصونه، وكأن التحديق يأتي للحماية أو للتعيين مثل سور أو ساتر، أو غطاء، فالحديقة إذن لا تسمى حديقة بدون سور، فهي كالمرأة لا تصبح امرأة بدون تحديق.
 
وكأن فوكو ينطق بحفرية لسانية من رسوبيات هذا المعجم. استدار والتف لكي يستحوذ أو يقبض علي شيء، لكي يسوره، يحيط به، يحفظه ويصونه، وكأن التحديق يأتي للحماية أو للتعيين مثل سور أو ساتر، أو غطاء، فالحديقة إذن لا تسمى حديقة بدون سور، فهي كالمرأة لا تصبح امرأة بدون تحديق.
سطر 72: سطر 74:  
إن الحركات النسوية أو النشاطات النسوية تقع في مواجهة تحديقين: تحديق الخارج عبر طرح تمثيل للنساء كافة على اعتبار أن النوع عابر للقارات والطبقات، وإن المرأة أخت للمرأة في أي مكان، هذا الطرح يذكرك بالمسلم أخ للمسلم ولو في باكستان، وتحديق الداخل مرة تحت رعاية الأمة والوطن، ومرة تحت نزق الهوية، فعبر خطاب وطني صاغت النساء البرجوازيات، هذه النسوية المنتخبة، خطابا ممثلا للريفيات والفقيرات، فالنساء البرجوازيات هن اللواتي يقمن بالبحث وإنتاج المعرفة حول وضعهن ووضع النساء الآخريات، ومن هنا عليهن أن يتلمسن طريقا ينأى بهن عن التحديق ويكشف عن التناقضات التي تحيط بمواقع النساء داخل الهياكل الإنتاجية المختلفة وأيضا عن وعيهن المحجب والمبطن للتوصل إلى فعل سياسي مغاير، إلى استكشاف نقاط المقاومة التي يقفن عليها، واستكشاف قدرتهن أو حيلهن الضعيفة في مواجهة الاستبداد والفقر المحدقين بهن، فمثلا لا يمكن أن ننظر إلى النساء وكأنهن خضعن لمطالب التحديق برمتها وهذا ما يكشف عنه تحجبهن، ولكن في الوقت الذي يتحجبن فهن يتجملن؛ بمزيد من الإكسسوارات والمساحيق ونوعية القماش ...الخ. وهناك بعض النساء يفسرن امتثالهن للتحديق ولجوؤهن إلى الحجاب بدافع الحصول على الأمن النابع من قبول المجتمع لهن، فالخوف يكمن في إحساسهن بالرفض من قبل هذا المجتمع. ويمكن النظر إلى هذا على أنه حيلة من حيل التوافق أو طريقة من طرق المهادنة.  
 
إن الحركات النسوية أو النشاطات النسوية تقع في مواجهة تحديقين: تحديق الخارج عبر طرح تمثيل للنساء كافة على اعتبار أن النوع عابر للقارات والطبقات، وإن المرأة أخت للمرأة في أي مكان، هذا الطرح يذكرك بالمسلم أخ للمسلم ولو في باكستان، وتحديق الداخل مرة تحت رعاية الأمة والوطن، ومرة تحت نزق الهوية، فعبر خطاب وطني صاغت النساء البرجوازيات، هذه النسوية المنتخبة، خطابا ممثلا للريفيات والفقيرات، فالنساء البرجوازيات هن اللواتي يقمن بالبحث وإنتاج المعرفة حول وضعهن ووضع النساء الآخريات، ومن هنا عليهن أن يتلمسن طريقا ينأى بهن عن التحديق ويكشف عن التناقضات التي تحيط بمواقع النساء داخل الهياكل الإنتاجية المختلفة وأيضا عن وعيهن المحجب والمبطن للتوصل إلى فعل سياسي مغاير، إلى استكشاف نقاط المقاومة التي يقفن عليها، واستكشاف قدرتهن أو حيلهن الضعيفة في مواجهة الاستبداد والفقر المحدقين بهن، فمثلا لا يمكن أن ننظر إلى النساء وكأنهن خضعن لمطالب التحديق برمتها وهذا ما يكشف عنه تحجبهن، ولكن في الوقت الذي يتحجبن فهن يتجملن؛ بمزيد من الإكسسوارات والمساحيق ونوعية القماش ...الخ. وهناك بعض النساء يفسرن امتثالهن للتحديق ولجوؤهن إلى الحجاب بدافع الحصول على الأمن النابع من قبول المجتمع لهن، فالخوف يكمن في إحساسهن بالرفض من قبل هذا المجتمع. ويمكن النظر إلى هذا على أنه حيلة من حيل التوافق أو طريقة من طرق المهادنة.  
   −
ما هو المأسوي؟
+
==ما هو المأسوي؟==
    
المأسوي أن تستثمر السلطة وهذه الجماعات هذا التحديق حتى يصير موضوعا للمتعة واختبارا للسلطة والنفوذ، فترغب النساء في التحديق مثلما ترغب الجماهير في السلطة. وهنا نعود إلى "لسان العرب" عندما قال بأن الحديقة لا تسمى حديقة ما لم تكن مسورة أو يدور بها سور أو حائط. فهل المرأة لا تسمى امرأة بدون تحديق وبدون محدقين؟! ربما سلوك المنقبات يظهر ارتباط التحديق بالسلطة، فهن يسرن في الشوارع وكأنهن يتمتعن بسلطة أو بفضيلة يجب على الجميع احترامها والمثول لها، فعلى الرجال أن يوسعوا لهن طريقهن، ويتكلموا معهن عبر مسافة، وأن يقفوا في المواصلات لجلوسهن وكأن لسان حالهن:لقد منحناكم الفضيلة، وتحاشينا غوايتكم وفتنتكم، وحفظنا على فروجنا فعليكم إذن أن تقدرونا حق تقدير.!!
 
المأسوي أن تستثمر السلطة وهذه الجماعات هذا التحديق حتى يصير موضوعا للمتعة واختبارا للسلطة والنفوذ، فترغب النساء في التحديق مثلما ترغب الجماهير في السلطة. وهنا نعود إلى "لسان العرب" عندما قال بأن الحديقة لا تسمى حديقة ما لم تكن مسورة أو يدور بها سور أو حائط. فهل المرأة لا تسمى امرأة بدون تحديق وبدون محدقين؟! ربما سلوك المنقبات يظهر ارتباط التحديق بالسلطة، فهن يسرن في الشوارع وكأنهن يتمتعن بسلطة أو بفضيلة يجب على الجميع احترامها والمثول لها، فعلى الرجال أن يوسعوا لهن طريقهن، ويتكلموا معهن عبر مسافة، وأن يقفوا في المواصلات لجلوسهن وكأن لسان حالهن:لقد منحناكم الفضيلة، وتحاشينا غوايتكم وفتنتكم، وحفظنا على فروجنا فعليكم إذن أن تقدرونا حق تقدير.!!
7٬893

تعديل