تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إضافة الهوامش
سطر 28: سطر 28:  
تصوير العنف الموجه ضد النساء كموضوع خارجي، يقوم به "الغرباء"، يغفل أن العنف واقعاً يومياً للنساء في لبنان، وليس استثناءً. ففي عام 2017 وحدها حصلت جرائم عنف كثيرة في لبنان ضد النساء، تم توثيق ثمانية جرائم عنف جنسي منها<ref> جريدة المستقبل، في الجلسة الأخيرة من محاكمته بقتل زوجته منال عاصي محمد النحيلي: «أنا نادم وأطلب الشفقة»، 4 تشرين الأول 2017، http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=750659</ref> راح ضحيتها في الأغلب نساء لبنانيات على أيدي أحد أفراد أسرهن من الرجال. مرت هذه الجرائم مرور الكرام، وبالكاد تم تداولها في وسائل الإعلام. فلم تجد هذه الأخيرة، في هذه الأحداث موضوعا "مثيرا" بشكل كافٍ لتحريك العصبيات الطائفية والعنصرية، من جهة. ومن جهة أخرى، يحيل هذا التكتم إلى التواطؤ مع العنف الجنسي خاصة متى كان المعتدي أحد أقرباء الضحية. فالإفصاح عن جرائم مماثلة يعتبر وصمة عار للضحايا وللناجيات ووصمة لـ"شرف" عائلاتهن معاً.
 
تصوير العنف الموجه ضد النساء كموضوع خارجي، يقوم به "الغرباء"، يغفل أن العنف واقعاً يومياً للنساء في لبنان، وليس استثناءً. ففي عام 2017 وحدها حصلت جرائم عنف كثيرة في لبنان ضد النساء، تم توثيق ثمانية جرائم عنف جنسي منها<ref> جريدة المستقبل، في الجلسة الأخيرة من محاكمته بقتل زوجته منال عاصي محمد النحيلي: «أنا نادم وأطلب الشفقة»، 4 تشرين الأول 2017، http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=750659</ref> راح ضحيتها في الأغلب نساء لبنانيات على أيدي أحد أفراد أسرهن من الرجال. مرت هذه الجرائم مرور الكرام، وبالكاد تم تداولها في وسائل الإعلام. فلم تجد هذه الأخيرة، في هذه الأحداث موضوعا "مثيرا" بشكل كافٍ لتحريك العصبيات الطائفية والعنصرية، من جهة. ومن جهة أخرى، يحيل هذا التكتم إلى التواطؤ مع العنف الجنسي خاصة متى كان المعتدي أحد أقرباء الضحية. فالإفصاح عن جرائم مماثلة يعتبر وصمة عار للضحايا وللناجيات ووصمة لـ"شرف" عائلاتهن معاً.
   −
إلى ذلك، يستفيد المغتصب من تبريرات المجتمع والدولة لأفعاله وحمايتها له، وهذا ما يتجلّى في التصريحاتٍ الرسمية، وفي الأحكام القانونيّة التخفيفية، كما وفي غالبية الخطابات الإعلامية والإجتماعية السائدة التي تبرر للمعنِف والمغتصب، وتلوم الضحيّة/ الناجية. وغالبا ما رافقت مطالب الحركة النسوية في لبنان التي تطالب بقوانين تجرم العنف ضد النساء بمواقف الطبقة الحاكمة والسلطة السياسية الكارهة للنساء، سواء المبررة للعنف والتي تلوم النساء عليه، أو المتهكمة من تجارب النساء أو بتوفير الحماية السياسيّة للرجال المعنّفين. فهذه حقيقة النظام اللبناني، هو نظام ذكوري عنيف يقتل النساء ويمشي في جنازاتهن، قبل أن يخلي سبيل قاتليهن ويلقي باللائمة عليهن. ألم يتحصّن محامي قاتل منال العاصي بالضبط بهذه الإيديولوجيا السائدة المتساهلة مع العنف ضد النساء في سياق دفاعه عن القاتل؟
+
إلى ذلك، يستفيد المغتصب من تبريرات المجتمع والدولة لأفعاله وحمايتها له، وهذا ما يتجلّى في التصريحاتٍ الرسمية، وفي الأحكام القانونيّة التخفيفية، كما وفي غالبية الخطابات الإعلامية والإجتماعية السائدة التي تبرر للمعنِف والمغتصب، وتلوم الضحيّة/ الناجية. وغالبا ما رافقت مطالب الحركة النسوية في لبنان التي تطالب بقوانين تجرم العنف ضد النساء بمواقف الطبقة الحاكمة والسلطة السياسية الكارهة للنساء، سواء المبررة للعنف والتي تلوم النساء عليه، أو المتهكمة من تجارب النساء أو بتوفير الحماية السياسيّة للرجال المعنّفين. فهذه حقيقة النظام اللبناني، هو نظام ذكوري عنيف يقتل النساء ويمشي في جنازاتهن، قبل أن يخلي سبيل قاتليهن ويلقي باللائمة عليهن. ألم يتحصّن محامي قاتل منال العاصي بالضبط بهذه الإيديولوجيا السائدة المتساهلة مع العنف ضد النساء في سياق دفاعه عن القاتل؟<ref> Civil Society Knowledge Center, Mapping of incidents of violence against women, http://civilsociety-centre.org/map/gen/kafa.vaw?field__rep_date_of_viola</ref>
    
إذا، من الصعب إنكار حقيقة أن الكثير من حقوق النساء غير مكفولة في لبنان. ومن الصعب أيضا إنكار حقيقة أن العنف الجنسي هو ظاهرة تتعرض لها النساء بشكل يومي، والأهم من ذلك هو الترسيخ للإفلات من العقاب والتسامح من الدولة والمجتمع تجاه هذه الجرائم. ولا يمكننا إثارة تلك المشكلات دون تسليط الضوء على الدور الذي يلعبه الحيّز الخاص في إعادة إنتاج المزاج المتسامح مع العنف ضد النساء، الذي يشمل إضافة إلى العنف الجسدي والمعنوي والجنسي، تقييد حرية الحركة والاختيار والوصاية الأبوية علي أجساد النساء.  
 
إذا، من الصعب إنكار حقيقة أن الكثير من حقوق النساء غير مكفولة في لبنان. ومن الصعب أيضا إنكار حقيقة أن العنف الجنسي هو ظاهرة تتعرض لها النساء بشكل يومي، والأهم من ذلك هو الترسيخ للإفلات من العقاب والتسامح من الدولة والمجتمع تجاه هذه الجرائم. ولا يمكننا إثارة تلك المشكلات دون تسليط الضوء على الدور الذي يلعبه الحيّز الخاص في إعادة إنتاج المزاج المتسامح مع العنف ضد النساء، الذي يشمل إضافة إلى العنف الجسدي والمعنوي والجنسي، تقييد حرية الحركة والاختيار والوصاية الأبوية علي أجساد النساء.  
سطر 36: سطر 36:  
==عن دعاء: ليس للمرأة السورية من يغضب لها==
 
==عن دعاء: ليس للمرأة السورية من يغضب لها==
   −
في مطلع أيلول، أي قبل أسبوعين على الجريمة التي راحت ضحيتها ريا، وأثناء تواجد دعاء أبو دحلوش، فتاة سورية، على متن "فان" وبعد ترجّل جميع الركاب ما عداها، سألها السائق اللبناني إن كانت تحمل أوراقا ثبوتية، فأجابته أن تواجدها في لبنان غير قانوني. حينها حاول اغتصابها مهدداً إياها بتسليمها إلى القوى الأمنية إن قاومته. فما كان من دعاء إلا وأن فتحت باب الفان ورمت بنفسها محاولة النجاة بحياتها، إلا أن جسدها ارتطم بالأرض وتوفيت. تقول منظمة العفو الدولية4 أن أغلب النساء السوريات في لبنان لا يشعرن بالأمان ويتعرضن للاستغلال وللتحرش الجنسي باستمرار ويخضعن للابتزاز نتيجة هشاشة وضعهن الاقتصادي والاجتماعي والقانوني. فقد استغل سائق الفان واقع افتقاد دعاء للأوراق القانونية مهدداً إياها بالإغتصاب وملوحاً باللجوء للسلطة الأمنية في حال عدم استجابتها. راحت دعاء ضحية عنف جنسي من جهة وآخر أمني. لم تجد دعاء من يغضب لها، ولا من يطالب بالاقتصاص من قاتلها ومن من حاول اغتصابها، ولم تخرج مظاهرات مطالبة بالإعدام لمرتكب الجريمة، ولم يطالب أحدهم بحظر تجول سائقي الفانات في المنطقة وبطردهم من المدينة!  
+
في مطلع أيلول، أي قبل أسبوعين على الجريمة التي راحت ضحيتها ريا، وأثناء تواجد دعاء أبو دحلوش، فتاة سورية، على متن "فان" وبعد ترجّل جميع الركاب ما عداها، سألها السائق اللبناني إن كانت تحمل أوراقا ثبوتية، فأجابته أن تواجدها في لبنان غير قانوني. حينها حاول اغتصابها مهدداً إياها بتسليمها إلى القوى الأمنية إن قاومته. فما كان من دعاء إلا وأن فتحت باب الفان ورمت بنفسها محاولة النجاة بحياتها، إلا أن جسدها ارتطم بالأرض وتوفيت. تقول منظمة العفو الدولية<ref> Civil Society Knowledge Center, Mapping of incidents of violence against women, http://civilsociety-centre.org/map/gen/kafa.vaw?field__rep_date_of_viola</ref> أن أغلب النساء السوريات في لبنان لا يشعرن بالأمان ويتعرضن للاستغلال وللتحرش الجنسي باستمرار ويخضعن للابتزاز نتيجة هشاشة وضعهن الاقتصادي والاجتماعي والقانوني. فقد استغل سائق الفان واقع افتقاد دعاء للأوراق القانونية مهدداً إياها بالإغتصاب وملوحاً باللجوء للسلطة الأمنية في حال عدم استجابتها. راحت دعاء ضحية عنف جنسي من جهة وآخر أمني. لم تجد دعاء من يغضب لها، ولا من يطالب بالاقتصاص من قاتلها ومن من حاول اغتصابها، ولم تخرج مظاهرات مطالبة بالإعدام لمرتكب الجريمة، ولم يطالب أحدهم بحظر تجول سائقي الفانات في المنطقة وبطردهم من المدينة!  
    
الفارق الكبير في ردات الفعل إزاء الجريمتين التي راحت ضحيتهما كل من ريا ودعاء، يقول لنا إن الغضب المجتمعي تجاه جرائم العنف ضد النساء هو انتقائي ومشروط بسياقات سياسية واجتماعية واقتصادية وهويات كل من المعتدين والناجيات القومية والطبقية والجندرية. كما يتم استغلاله بشكل استنسابي وانتهازي بحسب الأجندات السياسية. وإن التعامل الإعلامي والاجتماعي مع الاعتداءات الجنسية لا ينطلق من منظور العدالة للنساء، بل أن دافعه الأساسي قد يكون أي شيء ما عدا وقف التمييز والتعدي على أجسادهن.   
 
الفارق الكبير في ردات الفعل إزاء الجريمتين التي راحت ضحيتهما كل من ريا ودعاء، يقول لنا إن الغضب المجتمعي تجاه جرائم العنف ضد النساء هو انتقائي ومشروط بسياقات سياسية واجتماعية واقتصادية وهويات كل من المعتدين والناجيات القومية والطبقية والجندرية. كما يتم استغلاله بشكل استنسابي وانتهازي بحسب الأجندات السياسية. وإن التعامل الإعلامي والاجتماعي مع الاعتداءات الجنسية لا ينطلق من منظور العدالة للنساء، بل أن دافعه الأساسي قد يكون أي شيء ما عدا وقف التمييز والتعدي على أجسادهن.   
staff
184

تعديل

قائمة التصفح