تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إضافة روابط داخلية
سطر 26: سطر 26:  
=== كبوش فداء وقرابين مجتمعية ===
 
=== كبوش فداء وقرابين مجتمعية ===
   −
حنين حسام ليست المواطنة الأولى التي يتم القبض عليها بسبب تهديدها للآداب العامة، أو اتهامها بالتحريض على الفسق والفجور، وبالتأكيد ليست الأخيرة. شهدنا على مدار السنوات الماضية القبض على عدة نساء بتهم تخص الفجور والفسق، منهنّ سلمى الفولي  -بطلة كليب «سيب إيدي» والتي ألقي القبض عليها في شتاء  2016 وشيما -بطلة كليب «عندي ظروف»، والتي ألقي القبض عليها في صيف 2017. أما عام 2018 فتقدّم أحد الأشخاص ببلاغ للنائب العام المصري ضد الفنانة رانيا يوسف لارتدائها فستان شفاف بمهرجان القاهرة السينمائي، ولم يتم التنازل عن البلاغ حتى اعتذرت علانية في برنامج حواري مع الإعلامي عمرو أديب. في عام 2019، تم القبض على الممثلتين مُنى فاروق وشيماء الحاج بتهم الفسق والفجور بسبب انتشار فيديو جنسي يجمعهما بالمخرج والبرلماني خالد يوسف الذي صرّح أنه لم يتم توجيه أي اتهامات له. وعلى الرغم من أن الفيديو تم تسريبه ولم يتم نشره بموافقتهما، إلا أنه اُعتبر تحريضًا على الفجور ونشر للرذيلة بسبب ممارستهما للجنس الثلاثي. يُذكر أيضًا أنه في عام 2016، تم إلقاء القبض على الكاتب والروائي أحمد ناجي بتهمة خدش الحياء العام والتحريض على الفسق والفجور بسبب نشر فصل من روايته «استخدام الحياة» يحتوي على كلمات جنسية بجريدة «أخبار الأدب»، قبل أن يتم إخلاء سبيله في ديسمبر 2016، ثم قضت محكمة الجنايات ببراءته في 2017. أما في سبتمبر من نفس العام، فكان حافلًا بالقبض على مجموعة من الأشخاص بسبب رفع علم التعددية الجنسية «رينبو» بحفلة لفرقة «مشروع ليلى» بالقاهرة. منهم أشخاص تم التعرّف عليهم من صور التقطت لهم أثناء حضور الحفل انتشرت في الإعلام تدّعي أنهم يحاولون نشر الفجور والفسق و«الشذوذ» في المجتمع المصري، ومنهم أفرادًا تم نصب فخاخ إلكترونية لهم على تطبيقات المواعدة الخاصة بالمثليين والمثليات للإيقاع بهم/ن والقبض عليهم/ن. جميع هذه الوقائع وغيرها يسبقها ويتبعها وقائع أخرى لمواطنين ومواطنات يتم القبض عليهم بتهم التحريض على الفسق والفجور/ نشر الرذيلة/ خدش الحياء العام/ ومخالفة الآداب العامة.
+
حنين حسام ليست المواطنة الأولى التي يتم القبض عليها بسبب تهديدها للآداب العامة، أو اتهامها بالتحريض على الفسق والفجور، وبالتأكيد ليست الأخيرة. شهدنا على مدار السنوات الماضية القبض على عدة نساء بتهم تخص الفجور والفسق، منهنّ سلمى الفولي  -بطلة كليب «سيب إيدي» والتي ألقي القبض عليها في شتاء  2016 وشيما -بطلة كليب «عندي ظروف»، والتي ألقي القبض عليها في صيف 2017. أما عام 2018 فتقدّم أحد الأشخاص ببلاغ للنائب العام المصري ضد الفنانة رانيا يوسف لارتدائها فستان شفاف بمهرجان القاهرة السينمائي، ولم يتم التنازل عن البلاغ حتى اعتذرت علانية في برنامج حواري مع الإعلامي عمرو أديب. في عام 2019، تم [[اتهام شيماء الحاج ومنى فاروق بارتكاب أفعال فاضحة في مصر في 2018|القبض على الممثلتين مُنى فاروق وشيماء الحاج بتهم الفسق والفجور]] بسبب انتشار فيديو جنسي يجمعهما بالمخرج والبرلماني خالد يوسف الذي صرّح أنه لم يتم توجيه أي اتهامات له. وعلى الرغم من أن الفيديو تم تسريبه ولم يتم نشره بموافقتهما، إلا أنه اُعتبر تحريضًا على الفجور ونشر للرذيلة بسبب ممارستهما للجنس الثلاثي. يُذكر أيضًا أنه في عام 2016، تم إلقاء القبض على الكاتب والروائي أحمد ناجي بتهمة خدش الحياء العام والتحريض على الفسق والفجور بسبب نشر فصل من روايته «استخدام الحياة» يحتوي على كلمات جنسية بجريدة «أخبار الأدب»، قبل أن يتم إخلاء سبيله في ديسمبر 2016، ثم قضت محكمة الجنايات ببراءته في 2017. أما في سبتمبر من نفس العام، فكان حافلًا بالقبض على مجموعة من الأشخاص بسبب [[القبض على أشخاص على خلفية رفع علم قوس قزح بحفل موسيقي مصر في 2017|رفع علم التعددية الجنسية «رينبو» بحفلة لفرقة «مشروع ليلى»]] بالقاهرة. منهم أشخاص تم التعرّف عليهم من صور التقطت لهم أثناء حضور الحفل انتشرت في الإعلام تدّعي أنهم يحاولون نشر الفجور والفسق و«الشذوذ» في المجتمع المصري، ومنهم أفرادًا تم نصب فخاخ إلكترونية لهم على تطبيقات المواعدة الخاصة بالمثليين والمثليات للإيقاع بهم/ن والقبض عليهم/ن. جميع هذه الوقائع وغيرها يسبقها ويتبعها وقائع أخرى لمواطنين ومواطنات يتم القبض عليهم بتهم التحريض على الفسق والفجور/ نشر الرذيلة/ خدش الحياء العام/ ومخالفة الآداب العامة.
   −
النهج الذي تتبعه الدولة المصرية مُمَثلة في أنظمتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، نهج أمني ذي غطاء مجتمعي، يستهدف استقطاب الأغلبية المحافظة لتثبيت قدم النظام السياسي بتصويره الحارس الأول للأخلاق والفضيلة. تنص المادة رقم (10) من الدستور المصري الصادر عام 2014 أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها». الأسرة المُشار إليها في المادة هي أسرة غيرية تجمع رجل وامرأة تحت مسمى الزواج وهو الإطار الوحيد القانوني لممارسة الجنس، وما عاداه يعتبر علاقة غير قانونية قد تقع تحت بند قانون مكافحة الدعارة رقم (10) لسنة 1961، بالأخص إن ثبت تلقي المال مقابل ممارسة الجنس. يُشير مصطفى محمود، محامٍ مصري، أن بنود مواد هذا القانون يتمّ استخدامها عادة في قضايا المجموعات الكويرية، خاصة المثليين والمثليات، بسبب عدم وجود نص صريح يُجرم المثلية الجنسية في القانون المصري. ويُضيف أن اللغة المستخدمة بالقانون، وبعض مواد قانون العقوبات الخاصة بمخالفة الآداب العامة، لغة «عائمة، غامضة ومطاطة» لا تُعرّف الأفعال التي يتم تجريمها، وإنما تضعها تحت مظلة واسعة من التفسيرات. فمثلًا، قد تُستخدم ألفاظ «فسق/ فجور/ رذيلة» في قضايا مخالفة الآداب العامة وخاصة المجتمعات الكويرية، وتُترك لتقدير القاضي إن كان يعتد بالفعل محل الاتهام كجريمة أو لا، ويكون مصير المتهمين/ات مرهون بتقديرات القاضي ومعاييره الشخصية.
+
النهج الذي تتبعه الدولة المصرية مُمَثلة في أنظمتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، نهج أمني ذي غطاء مجتمعي، يستهدف استقطاب الأغلبية المحافظة لتثبيت قدم النظام السياسي بتصويره الحارس الأول للأخلاق والفضيلة. تنص المادة رقم (10) من الدستور المصري الصادر عام 2014 أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها». الأسرة المُشار إليها في المادة هي أسرة غيرية تجمع رجل وامرأة تحت مسمى الزواج وهو الإطار الوحيد القانوني لممارسة الجنس، وما عاداه يعتبر علاقة غير قانونية قد تقع تحت بند قانون مكافحة الدعارة رقم (10) لسنة 1961، بالأخص إن ثبت تلقي المال مقابل ممارسة الجنس. يُشير مصطفى محمود، محامٍ مصري، أن بنود مواد هذا القانون يتمّ استخدامها عادة في قضايا المجموعات الكويرية، خاصة المثليين والمثليات، بسبب عدم وجود نص صريح يُجرم [[المثلية الجنسية]] في القانون المصري. ويُضيف أن اللغة المستخدمة بالقانون، وبعض مواد قانون العقوبات الخاصة بمخالفة الآداب العامة، لغة «عائمة، غامضة ومطاطة» لا تُعرّف الأفعال التي يتم تجريمها، وإنما تضعها تحت مظلة واسعة من التفسيرات. فمثلًا، قد تُستخدم ألفاظ «فسق/ فجور/ رذيلة» في قضايا مخالفة الآداب العامة وخاصة المجتمعات الكويرية، وتُترك لتقدير القاضي إن كان يعتد بالفعل محل الاتهام كجريمة أو لا، ويكون مصير المتهمين/ات مرهون بتقديرات القاضي ومعاييره الشخصية.
    
أما قوام هذه الأسرة، فهو مجموعة من المفاهيم الفضفاضة مثل الدين والأخلاق والوطنية، تقع مسؤوليتها على عاتق مؤسسات الدولة. لذلك تعتمد هذه المادة من الدستور المصري على الربط بين مفهوم الأسرة ومفهوم الأخلاق، وهو ربط مستمر منذ عقود في الدساتير المصرية المختلفة منذ دستور 1923. تقول الباحثة حنان خلوصي في ورقة نشرتها دورية «أوراق القاهرة في العلوم الاجتماعية» بدار نشر «الجامعة الأمريكية بالقاهرة» عام 2014 إن الربط العام بين الأسرة الغيرية وبين مفهوم الأخلاق والآداب العامة في بداية القرن العشرين أدى إلى ما يُعرف بأزمة الزواج في الطبقات المتوسطة والتي فضّل الرجال فيها استكمال دراساتهم على الزواج. ما أدى إلى حالة هلع اجتماعية حول مصير الأسرة، وصفتها بعض الشخصيات العامة آنذاك أنها «أزمة أخلاق». استمرت حالة الهلع الأخلاقي في النصف الثاني من القرن العشرين، وعلى إثرها تم تجريم الجنس التجاري وصدر قانون مكافحة الدعارة والبغاء عام 1961 كما تقول الباحثة لورا بيير في كتابها «النسوية، الحداثة، والدولة في عهد عبد الناصر» الصادر عام 2011. ومع تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي، بدأ الدور الأمني للدولة في الاتساع، كجزء من عمليات أمننة (Securitization) موسعة، تفرض فيها الدولة هيمنتها على المجموعات والأفراد، بما في ذلك استهداف الأشخاص الذين/اللاتي لا يتبعون النظام الاجتماعي المُقَر سلفًا من الدولة، مثل عاملي/ات الجنس التجاري، أفراد ذوي ميول وهويات جنسية غير سائدة، تحت مسمى الحفاظ على النظام الاجتماعي وحفظ الآداب العامة، وكذلك مجموعات سياسية.
 
أما قوام هذه الأسرة، فهو مجموعة من المفاهيم الفضفاضة مثل الدين والأخلاق والوطنية، تقع مسؤوليتها على عاتق مؤسسات الدولة. لذلك تعتمد هذه المادة من الدستور المصري على الربط بين مفهوم الأسرة ومفهوم الأخلاق، وهو ربط مستمر منذ عقود في الدساتير المصرية المختلفة منذ دستور 1923. تقول الباحثة حنان خلوصي في ورقة نشرتها دورية «أوراق القاهرة في العلوم الاجتماعية» بدار نشر «الجامعة الأمريكية بالقاهرة» عام 2014 إن الربط العام بين الأسرة الغيرية وبين مفهوم الأخلاق والآداب العامة في بداية القرن العشرين أدى إلى ما يُعرف بأزمة الزواج في الطبقات المتوسطة والتي فضّل الرجال فيها استكمال دراساتهم على الزواج. ما أدى إلى حالة هلع اجتماعية حول مصير الأسرة، وصفتها بعض الشخصيات العامة آنذاك أنها «أزمة أخلاق». استمرت حالة الهلع الأخلاقي في النصف الثاني من القرن العشرين، وعلى إثرها تم تجريم الجنس التجاري وصدر قانون مكافحة الدعارة والبغاء عام 1961 كما تقول الباحثة لورا بيير في كتابها «النسوية، الحداثة، والدولة في عهد عبد الناصر» الصادر عام 2011. ومع تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي، بدأ الدور الأمني للدولة في الاتساع، كجزء من عمليات أمننة (Securitization) موسعة، تفرض فيها الدولة هيمنتها على المجموعات والأفراد، بما في ذلك استهداف الأشخاص الذين/اللاتي لا يتبعون النظام الاجتماعي المُقَر سلفًا من الدولة، مثل عاملي/ات الجنس التجاري، أفراد ذوي ميول وهويات جنسية غير سائدة، تحت مسمى الحفاظ على النظام الاجتماعي وحفظ الآداب العامة، وكذلك مجموعات سياسية.
   −
استمرت عمليات الأمننة في عهد مبارك في التوغل داخل النظام الاجتماعي. تحت مسمى «شرطة الفضيلة»، يقول حسام بهجت الصحفي حاليًا بـ«مدى مصر»، والباحث ومدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية سابقًا،  في ورقة نشرها عام 2004 بعنوان: «الحماية الافتراضية للأخلاق في مصر»، إن الدولة الأمنية تضع نفسها موضع الحارس على الآداب العامة على حساب أشخاص ومجموعات لا ينصاعون لمعاييرها الاجتماعية، وتصنّفهم كخطر أمني ثم تلاحقهم بناء على ذلك، مُشيرًا إلى واقعة «الكوين بوت» والتي تم القبض فيها على أكثر من 50 شخصًا عام 2001 بتهم الفجور و«الشذوذ» والتجسس. في نفس الصدد، أشار الكاتب المصري خالد منصور في ورقة بحثية منشورة عام 2016 بعنوان: «حرية التعبير في مصر: كيف يُهدد الشعر الطويل، التنورات الورديّة، الروايات والفيديوهات النظام الاجتماعي والآداب العامة»، أن ملاحقة الأشخاص أمنيًا لا تكون فقط في حالات «التلبس» بالمعنى القانوني، ولكن تتعداها إلى حالات الاشتباه، كأن يتم إيقاف أشخاص من قِبل ضباط شرطة بسبب اشتباههم أنهم مثليين جنسيًا بسبب ملابسهم أو تصرفاتهم. يستدعي كذلك واقعة تطليق قسري لزوجة الكاتب المصري نصر حامد أبو زيد؛ بسبب رفع دعوى قضائية ضده بأن زواجهما باطل استنادًا على أراءه الدينية التي أثارت جدلًا مجتمعيًا.
+
استمرت عمليات الأمننة في عهد مبارك في التوغل داخل النظام الاجتماعي. تحت مسمى «شرطة الفضيلة»، يقول حسام بهجت الصحفي حاليًا بـ«مدى مصر»، والباحث ومدير [[المبادرة المصرية للحقوق الشخصية]] سابقًا،  في ورقة نشرها عام 2004 بعنوان: «الحماية الافتراضية للأخلاق في مصر»، إن الدولة الأمنية تضع نفسها موضع الحارس على الآداب العامة على حساب أشخاص ومجموعات لا ينصاعون لمعاييرها الاجتماعية، وتصنّفهم كخطر أمني ثم تلاحقهم بناء على ذلك، مُشيرًا إلى واقعة «الكوين بوت» والتي تم القبض فيها على أكثر من 50 شخصًا عام 2001 بتهم الفجور و«الشذوذ» والتجسس. في نفس الصدد، أشار الكاتب المصري خالد منصور في ورقة بحثية منشورة عام 2016 بعنوان: «حرية التعبير في مصر: كيف يُهدد الشعر الطويل، التنورات الورديّة، الروايات والفيديوهات النظام الاجتماعي والآداب العامة»، أن ملاحقة الأشخاص أمنيًا لا تكون فقط في حالات «التلبس» بالمعنى القانوني، ولكن تتعداها إلى حالات الاشتباه، كأن يتم إيقاف أشخاص من قِبل ضباط شرطة بسبب اشتباههم أنهم مثليين جنسيًا بسبب ملابسهم أو تصرفاتهم. يستدعي كذلك واقعة تطليق قسري لزوجة الكاتب المصري نصر حامد أبو زيد؛ بسبب رفع دعوى قضائية ضده بأن زواجهما باطل استنادًا على أراءه الدينية التي أثارت جدلًا مجتمعيًا.
    
=== الأسرة، الهوية الوطنية، والأمن القومي ===
 
=== الأسرة، الهوية الوطنية، والأمن القومي ===
سطر 38: سطر 38:  
قبل القبض على حنين حسام، انتشرت مقاطع فيديو لأشخاص على موقعي «يوتيوب» و«فيسبوك» تطالب بتدخل أجهزة الدولة لأن حنين حسام تُحرّض الشابات على ممارسة الجنس التجاري الرقمي، أو كما وصفوه «دعارة إلكترونية». اعتمد ناشرو المقاطع على خطاب الأخلاق والحفاظ على الأسرة وحماية النساء، للإيقاع بحنين حسام. كارت يتم استخدامه دائمًا لاستدعاء التدخل الأمني في كل ما يخص الحفاظ على ما يُسمى بالآداب العامة. تتدخل الدولة وتلعب دور المُنقذ حافظ النظام الاجتماعي، فتكتسب بذلك نقطة في سجل التأييد الشعبي. علاوة على ذلك، تتدخل الدولة ليس فقط استجابة لمواطنين، لكن لتعلو سلطتها ويسير الجميع في الخط المرسوم لهم. أما الإعلام المصري، فقد تولى مسؤولية الإبلاغ والمطالبة بتدخل النائب العام، مصحوبًا بعبارات مثيرة للهلع مثل: «طمنونا بإجراء للحفاظ على هوية الأسرة المصرية» والتي تبرع بها مقدم برنامج «بالورقة والقلم» نشأت الديهي.
 
قبل القبض على حنين حسام، انتشرت مقاطع فيديو لأشخاص على موقعي «يوتيوب» و«فيسبوك» تطالب بتدخل أجهزة الدولة لأن حنين حسام تُحرّض الشابات على ممارسة الجنس التجاري الرقمي، أو كما وصفوه «دعارة إلكترونية». اعتمد ناشرو المقاطع على خطاب الأخلاق والحفاظ على الأسرة وحماية النساء، للإيقاع بحنين حسام. كارت يتم استخدامه دائمًا لاستدعاء التدخل الأمني في كل ما يخص الحفاظ على ما يُسمى بالآداب العامة. تتدخل الدولة وتلعب دور المُنقذ حافظ النظام الاجتماعي، فتكتسب بذلك نقطة في سجل التأييد الشعبي. علاوة على ذلك، تتدخل الدولة ليس فقط استجابة لمواطنين، لكن لتعلو سلطتها ويسير الجميع في الخط المرسوم لهم. أما الإعلام المصري، فقد تولى مسؤولية الإبلاغ والمطالبة بتدخل النائب العام، مصحوبًا بعبارات مثيرة للهلع مثل: «طمنونا بإجراء للحفاظ على هوية الأسرة المصرية» والتي تبرع بها مقدم برنامج «بالورقة والقلم» نشأت الديهي.
   −
لفهم سياق جملة الديهي، علينا تفكيك جملته التي جمعت بين الدولة والهوية والأسرة. تُفسّر باحثة الأنثروبولوجيا نيكولا برات، في ورقة بحثية نشرتها جامعة كامبريدج عام 2007 بعنوان: «الكوين بوت: الجنسانية، الأمن القومي، وسيادة الدولة»، هوس الدولة بفرض سيادتها على المجال الاجتماعي بأنه رغبة في إحكام قبضتها الأمنية، وترسيخ لما يُعرف بالهوية الوطنية والثقافية لمصر. وتضيف أن تلك الهوية المُتخيّلة تعتمد بشكل رئيسي على توزيع الأدوار والهويات الاجتماعية بمأسسة الزواج من جهة، وبمحاولة دائمة لتمييز نفسها عن الهوية الغربية من جهة أخرى. تربط ذلك بعدة نقاط، منها التراجع الاقتصادي الذي أثر على توزيع الأدوار الاجتماعية داخل نظام الأسرة، وتأثر القرارات السياسية والاقتصادية في مصر بالسوق العالمية، خاصة إجراءات القروض من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. ما تسبب في وجود هوّة في هوية الدولة نفسها كسيادة، وبالتالي محاولة استعادة تلك السيادة بالسيطرة على المجال الاجتماعي، بتخيّله كمجال «خاص» بسيادة الدولة. ومن هنا يأتي دور جنسانية الأفراد كمُهدد لنظام اجتماعي تنظّمه الدولة، واعتباره قضية أمن قومي إن أخل بشروط العلاقات الجنسية: رجل وامرأة يجمعهما الزواج. تصف كذلك ما حدث في قضية «الكوين بوت»، بأنه كان فرصة دولة مبارك لإثبات سيادتها القومية، خاصة بعد نجاح تيار «الإخوان المسلمين» آنذاك في الفوز بمقاعد البرلمان عام 2000 وتبعها سيل من الأخبار الإعلامية تُدين المثلية الجنسية بوصفها مستوردة من الغرب الذي يسعى لتفكيك الأسرة المصرية والهوية الإسلامية للشعب المصري. وفي رحلتها لتأطير الأشخاص المقبوض عليهم في الواقعة كعناصر فاسدة دينيًا، روّجت وسائل الإعلام أن «الكوين بوت» هي مكان لممارسة عبادة الشيطان. ولتأطيرهم كعناصر مُهددة للأمن القومي، تم توجيه اتهامات بالتجسس لصالح جهات أجنبية. كل ذلك لم يحدث في معزل عن اتهامهم بالفسق والفجور وممارسة الرذيلة، ومخالفة الآداب العامة.
+
لفهم سياق جملة الديهي، علينا تفكيك جملته التي جمعت بين الدولة والهوية والأسرة. تُفسّر باحثة الأنثروبولوجيا نيكولا برات، في ورقة بحثية نشرتها جامعة كامبريدج عام 2007 بعنوان: «[[حادثة كوين بوت|الكوين بوت]]: الجنسانية، الأمن القومي، وسيادة الدولة»، هوس الدولة بفرض سيادتها على المجال الاجتماعي بأنه رغبة في إحكام قبضتها الأمنية، وترسيخ لما يُعرف بالهوية الوطنية والثقافية لمصر. وتضيف أن تلك الهوية المُتخيّلة تعتمد بشكل رئيسي على توزيع الأدوار والهويات الاجتماعية بمأسسة الزواج من جهة، وبمحاولة دائمة لتمييز نفسها عن الهوية الغربية من جهة أخرى. تربط ذلك بعدة نقاط، منها التراجع الاقتصادي الذي أثر على توزيع الأدوار الاجتماعية داخل نظام الأسرة، وتأثر القرارات السياسية والاقتصادية في مصر بالسوق العالمية، خاصة إجراءات القروض من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. ما تسبب في وجود هوّة في هوية الدولة نفسها كسيادة، وبالتالي محاولة استعادة تلك السيادة بالسيطرة على المجال الاجتماعي، بتخيّله كمجال «خاص» بسيادة الدولة. ومن هنا يأتي دور جنسانية الأفراد كمُهدد لنظام اجتماعي تنظّمه الدولة، واعتباره قضية أمن قومي إن أخل بشروط العلاقات الجنسية: رجل وامرأة يجمعهما الزواج. تصف كذلك ما حدث في قضية «الكوين بوت»، بأنه كان فرصة دولة مبارك لإثبات سيادتها القومية، خاصة بعد نجاح تيار «الإخوان المسلمين» آنذاك في الفوز بمقاعد البرلمان عام 2000 وتبعها سيل من الأخبار الإعلامية تُدين المثلية الجنسية بوصفها مستوردة من الغرب الذي يسعى لتفكيك الأسرة المصرية والهوية الإسلامية للشعب المصري. وفي رحلتها لتأطير الأشخاص المقبوض عليهم في الواقعة كعناصر فاسدة دينيًا، روّجت وسائل الإعلام أن «الكوين بوت» هي مكان لممارسة عبادة الشيطان. ولتأطيرهم كعناصر مُهددة للأمن القومي، تم توجيه اتهامات بالتجسس لصالح جهات أجنبية. كل ذلك لم يحدث في معزل عن اتهامهم بالفسق والفجور وممارسة الرذيلة، ومخالفة الآداب العامة.
   −
تظل واقعة «الكوين بوت» مثال حي على استخدام الدولة قوتها الأمنية ونظاميها التشريعي والقضائي لانتهاك الحياة الخاصة للمواطنين، وتقديمهم إعلاميًا كمواطنين فسدة، جواسيس، ويهددون ثقافة المجتمع المصري المحافظ. كما كانت خطوة على طريق بدأت فيه أجهزة الدولة مراقبة الإنترنت ومستخدميه كجزء من سياسة حماية الأمن القومي. يذكر حسام بهجت، بمقاله المنشور في 2004، واقعة إلقاء القبض على ابن الشاعر نجيب سرور، لأنه نشر قصيدة لجده تحتوي على ألفاظ جنسية، وتم اتهامه بحيازة مواد إباحية بغرض نشرها بموجب المادة 178 من قانون العقوبات المصري. قيل آنذاك إن الدولة لن تتسامح في نشر محتويات تخالف الآداب العامة على الإنترنت. ولن تتهاون في تطبيق عقوبات رادعة على المخالفين للقانون والذين يظنون أن الإنترنت مساحة مفتوحة يمكنهم فيها ممارسة الفجور أو الدعوة إليه. في توثيقها لانتهاكات الدولة ضد أشخاص مُعتقد أنهم يخالفون الآداب العامة، تقول الباحثة المصرية داليا عبد الحميد، في ورقة نشرها جورنال دراسات النساء في الشرق الأوسط عام 2018، أن عدد المقبوض عليهم بتهم الفسق والفجور تضاعف خمس مرات بعد عام 2013 مقارنة بما قبله.
+
تظل واقعة «الكوين بوت» مثال حي على استخدام الدولة قوتها الأمنية ونظاميها التشريعي والقضائي لانتهاك الحياة الخاصة للمواطنين، وتقديمهم إعلاميًا كمواطنين فسدة، جواسيس، ويهددون ثقافة المجتمع المصري المحافظ. كما كانت خطوة على طريق بدأت فيه أجهزة الدولة مراقبة الإنترنت ومستخدميه كجزء من سياسة حماية الأمن القومي. يذكر حسام بهجت، بمقاله المنشور في 2004، واقعة إلقاء القبض على ابن الشاعر نجيب سرور، لأنه نشر قصيدة لجده تحتوي على ألفاظ جنسية، وتم اتهامه بحيازة مواد إباحية بغرض نشرها بموجب المادة 178 من [[وثيقة:قانون العقوبات في مصر - سنة 1937 - تعديل 2 أبريل 2018|قانون العقوبات المصري]]. قيل آنذاك إن الدولة لن تتسامح في نشر محتويات تخالف الآداب العامة على الإنترنت. ولن تتهاون في تطبيق عقوبات رادعة على المخالفين للقانون والذين يظنون أن الإنترنت مساحة مفتوحة يمكنهم فيها ممارسة الفجور أو الدعوة إليه. في توثيقها لانتهاكات الدولة ضد أشخاص مُعتقد أنهم يخالفون الآداب العامة، تقول الباحثة المصرية داليا عبد الحميد، في ورقة نشرها جورنال دراسات النساء في الشرق الأوسط عام 2018، أن عدد المقبوض عليهم بتهم الفسق والفجور تضاعف خمس مرات بعد عام 2013 مقارنة بما قبله.
    
ما حدث مع حنين حسام شبيه بما حدث، ويحدث من رقابة على المواطنين ومحاولات ردعهم بالقوة الأمنية عن مخالفة الآداب العامة، وتتطلب الحبكة استدعاء مفردات مثل: الهوية، الأسرة، الأمن القومي، معتمدة على خطاب الأخلاق الذي يُنظم سلوكيات الأفراد داخل المجتمع، تارة بالعنف مثلما يفعل الآباء والأمهات، وتارة بالنبذ الاجتماعي والوصم أنهم غير أخلاقيين، وتارة بإلقاء القبض عليهم واستعداء الدولة لهم رسميًا.
 
ما حدث مع حنين حسام شبيه بما حدث، ويحدث من رقابة على المواطنين ومحاولات ردعهم بالقوة الأمنية عن مخالفة الآداب العامة، وتتطلب الحبكة استدعاء مفردات مثل: الهوية، الأسرة، الأمن القومي، معتمدة على خطاب الأخلاق الذي يُنظم سلوكيات الأفراد داخل المجتمع، تارة بالعنف مثلما يفعل الآباء والأمهات، وتارة بالنبذ الاجتماعي والوصم أنهم غير أخلاقيين، وتارة بإلقاء القبض عليهم واستعداء الدولة لهم رسميًا.
سطر 46: سطر 46:  
=== أينما كنتم تُدرككم السلطة الأبوية ===
 
=== أينما كنتم تُدرككم السلطة الأبوية ===
   −
ممارسة الأبوية غير مقتصرة على نظام العائلة. فالدولة تمارس سلطتها الأبوية بأشكال مختلفة، يُمكننا التركيز على الملاحقات الأمنية والقانونية، ومباركة العنف المجتمعي ضد المواطنين. في القضايا المذكورة سلفًا، لعبت الدولة دور الأب، مُستغلة سلطتها التنفيذية وأذرعها الإعلامية. هذا الأب قد نتخيله رجُل ذو هوية رجولية مُهيمنة، أو رجل ينطبق عليه المفهوم الاجتماعي للرجولة: عنيف، حازم، مُسيطر، مُتحكم. في تراتبية النظام الأبوي، يكون الرجال أعلى الهرم، بينما تشغل النساء منزلة أقل. ولكي يستمر الأب في السيطرة على العائلة، عليه السيطرة على مَن هم على درجات أقل منه في السلطة، كالنساء، الأطفال، والرجال الآخرين الذين يقعون تحت سلطته بفعل السن أو الطبقة تحت شعار الحماية أو المصلحة العامة. في الأنظمة الأبوية، لا يحق للأفراد حرية التصرف في أجسامهم.
+
ممارسة الأبوية غير مقتصرة على نظام العائلة. فالدولة تمارس سلطتها الأبوية بأشكال مختلفة، يُمكننا التركيز على الملاحقات الأمنية والقانونية، ومباركة العنف المجتمعي ضد المواطنين. في القضايا المذكورة سلفًا، لعبت الدولة دور الأب، مُستغلة سلطتها التنفيذية وأذرعها الإعلامية. هذا الأب قد نتخيله رجُل ذو هوية رجولية مُهيمنة، أو رجل ينطبق عليه المفهوم الاجتماعي للرجولة: عنيف، حازم، مُسيطر، مُتحكم. في تراتبية النظام الأبوي، يكون الرجال أعلى الهرم، بينما تشغل النساء منزلة أقل. ولكي يستمر الأب في السيطرة على العائلة، عليه السيطرة على مَن هم على درجات أقل منه في السلطة، كالنساء، الأطفال، والرجال الآخرين الذين يقعون تحت سلطته بفعل السن أو الطبقة تحت شعار الحماية أو المصلحة العامة. في [[نظام أبوي|الأنظمة الأبوية]]، لا يحق للأفراد حرية التصرف في أجسامهم.
   −
تعتبر السيطرة على نساء العائلة هنا، ليست فقط إحكام لسلطة الأب، إنما هي تحكّم في أوضاع هؤلاء النساء وأجسامهم وما ترمز إليه. ترمز أجسام النساء في الأنظمة الأبوية للشرف والفضيلة، ولا يُسمح بالمساس بها، وإلا يتم وصم الأشخاص المفترض أنهم مسيطرين على تلك الأجسام- الرجال. أجسام النساء أيضًا هي أدوات إنتاج اجتماعي، وضمانة لاستمرار نظام العائلة الغيرية. في هذه الثنائية الجندرية، يعتبر خضوع النساء للسلطة الأبوية جزء أصيل من تحقق الهوية الرجولية، كما تقول الكاتبة النسوية سينثيا إنلو، في كتاب «النسوية الفضولية» الصادر عام 2004. لكي تستمر المنظومة الأبوية، عليها ضمان استمرار الأشخاص في أماكنهم، كلٍ ملتزم بدوره الاجتماعي وبهويته الاجتماعية وميله الجنسي. ولكي يتحقق ذلك، تستخدم كل وسائل العنف المتاحة، يسبقها أساليب المراقبة والملاحقة، وهو أسلوب تتبعه السلطات المصرية في فرض هيمنتها بوصفها الأب الأكبر والمسؤؤل عن إخضاع أفراد العائلة مُتمثلة في المواطنين والمواطنات.
+
تعتبر السيطرة على نساء العائلة هنا، ليست فقط إحكام لسلطة الأب، إنما هي تحكّم في أوضاع هؤلاء النساء وأجسامهم وما ترمز إليه. ترمز أجسام النساء في الأنظمة الأبوية للشرف والفضيلة، ولا يُسمح بالمساس بها، وإلا يتم وصم الأشخاص المفترض أنهم مسيطرين على تلك الأجسام- الرجال. أجسام النساء أيضًا هي أدوات إنتاج اجتماعي، وضمانة لاستمرار نظام العائلة الغيرية. في هذه الثنائية الجندرية، يعتبر خضوع النساء للسلطة الأبوية جزء أصيل من تحقق الهوية الرجولية، كما تقول الكاتبة النسوية سينثيا إنلو، في كتاب «النسوية الفضولية» الصادر عام 2004. لكي تستمر المنظومة الأبوية، عليها ضمان استمرار الأشخاص في أماكنهم، كلٍ ملتزم بدوره الاجتماعي وبهويته الاجتماعية [[ميل جنسي|وميله الجنسي]]. ولكي يتحقق ذلك، تستخدم كل وسائل العنف المتاحة، يسبقها أساليب المراقبة والملاحقة، وهو أسلوب تتبعه السلطات المصرية في فرض هيمنتها بوصفها الأب الأكبر والمسؤؤل عن إخضاع أفراد العائلة مُتمثلة في المواطنين والمواطنات.
    
   
 
   
staff
2٬186

تعديل

قائمة التصفح