تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا يوجد ملخص تحرير
سطر 5: سطر 5:  
|لغة=ar
 
|لغة=ar
 
|بالعربية=
 
|بالعربية=
|المصدر=جدلية
+
|المصدر=حكاية ما انحكت
 
|تاريخ النشر=2020-10-13
 
|تاريخ النشر=2020-10-13
 
|تاريخ الاسترجاع=2024-03-28
 
|تاريخ الاسترجاع=2024-03-28
سطر 22: سطر 22:     
'''شرخ الإنتماء الأول!'''
 
'''شرخ الإنتماء الأول!'''
 +
 
في البداية ظننت أنّ هذا هو الحال مع الجميع، فأنت لاتدرك اختلافك إلا حين تقارن نفسك بالآخرين. ثم في درسٍ ما، وكنت لا أزال حينها تقريباً في السابعة من عمري، قالت لنا المعلمة في الصف أنّ هذا البلد إسمه سوريا، ونحن نعيش فيه، لكنّنا لسنا سوريين، نحن فلسطينيون واسم بلدنا فلسطين.
 
في البداية ظننت أنّ هذا هو الحال مع الجميع، فأنت لاتدرك اختلافك إلا حين تقارن نفسك بالآخرين. ثم في درسٍ ما، وكنت لا أزال حينها تقريباً في السابعة من عمري، قالت لنا المعلمة في الصف أنّ هذا البلد إسمه سوريا، ونحن نعيش فيه، لكنّنا لسنا سوريين، نحن فلسطينيون واسم بلدنا فلسطين.
   سطر 31: سطر 32:     
'''"هل أنت شب أم بنت؟"'''
 
'''"هل أنت شب أم بنت؟"'''
 +
 
الانتماء تلك الكلمة الرحم، والتي تحدّد معظم السلوك الإنساني وتقف وراء الكثير من المواقف التي قد يتبناها الإنسان، والتي تؤثر على سير حياته. يولد الإنسان وقد اختاروا له اسمه ودينه ووطنه، ثم يُلقى به إلى الحياة وتبدأ المعركة. كل ما عليه هو النجاة مع الحفاظ على ما آُعطي له من أدوات، ويصرف عمره وهو يدافع عمّا فُرض عليه، وهو في الغالب لا يكون عارفاً بأنه قد يكون مدافعاً عمّا لا يريد. لكن ليس الواقع بهذه البساطة بالنسبة للجميع، فهناك من لا يناسبه اسمه ولا يقتنع بدينه ويكون وطنه ليس إلا معتقلاً كبيراً يسعى دائما للهرب منه. فأنا لم أكن أمشي في  شوارع وطني، بل كنت دائما أهرب فيها. معظم الأحيان كنت أضطر لاستئجار سيارة تكسي لطريق يعدّ المشي فيه خياراً أفضل، صرفت في سبيل ذلك نصف دخلي الشهري من الوظيفة تقريباً، كي أتجنّب ما استطعت تحديق الآخرين بي وسؤالهم لي: "هل أنت شب أم بنت؟". كنت عابساً معظم الوقت كي أبعد عني الكلمات، جلفاً في المعاملة كي لا أتيح لأحد السؤال عن خصوصيتي.  أما المعركة الحقيقية، فكانت في المراهقة حين كان المشي خياراً مفروضاً، فأنا كنت لا أزال طالباً وتكلفة التاكسي غير متوفرة. كنت أختار الطرق الفرعية للسير عوضاً عن المزدحمة المسلية لأمشي وحيداً دون تنمّر أو نظرات متطفلة. كل مشوار يحمل في جوفه عقوبة، فلماذا يحدث هذا إن كنت أنتمي لتلك الشوارع ومن سكانها؟
 
الانتماء تلك الكلمة الرحم، والتي تحدّد معظم السلوك الإنساني وتقف وراء الكثير من المواقف التي قد يتبناها الإنسان، والتي تؤثر على سير حياته. يولد الإنسان وقد اختاروا له اسمه ودينه ووطنه، ثم يُلقى به إلى الحياة وتبدأ المعركة. كل ما عليه هو النجاة مع الحفاظ على ما آُعطي له من أدوات، ويصرف عمره وهو يدافع عمّا فُرض عليه، وهو في الغالب لا يكون عارفاً بأنه قد يكون مدافعاً عمّا لا يريد. لكن ليس الواقع بهذه البساطة بالنسبة للجميع، فهناك من لا يناسبه اسمه ولا يقتنع بدينه ويكون وطنه ليس إلا معتقلاً كبيراً يسعى دائما للهرب منه. فأنا لم أكن أمشي في  شوارع وطني، بل كنت دائما أهرب فيها. معظم الأحيان كنت أضطر لاستئجار سيارة تكسي لطريق يعدّ المشي فيه خياراً أفضل، صرفت في سبيل ذلك نصف دخلي الشهري من الوظيفة تقريباً، كي أتجنّب ما استطعت تحديق الآخرين بي وسؤالهم لي: "هل أنت شب أم بنت؟". كنت عابساً معظم الوقت كي أبعد عني الكلمات، جلفاً في المعاملة كي لا أتيح لأحد السؤال عن خصوصيتي.  أما المعركة الحقيقية، فكانت في المراهقة حين كان المشي خياراً مفروضاً، فأنا كنت لا أزال طالباً وتكلفة التاكسي غير متوفرة. كنت أختار الطرق الفرعية للسير عوضاً عن المزدحمة المسلية لأمشي وحيداً دون تنمّر أو نظرات متطفلة. كل مشوار يحمل في جوفه عقوبة، فلماذا يحدث هذا إن كنت أنتمي لتلك الشوارع ومن سكانها؟
    
'''"هذه البلد ليست لنا"'''
 
'''"هذه البلد ليست لنا"'''
 +
 
مع تقدمي في العمر، اكتشفت أنني لست الوحيد في سوريا الذي لديه هذه المعضلة. والغريب في الأمر أنّ الجميع تقريباً كان لديه تشوّه ما في هذه النقطة على اختلاف الخلفيات والطوائف. حين قامت الثورة مثلاً، وفي حديث لي مع صديقة مسيحية عن الوطن قالت لي حرفياً "هذه البلد ليست لنا"، وهي جملة تكرّرت من سني ومن درزية (أعتذر عن ذكر أسماء الطوائف لكني أحاول أن أبيّن أن المشكلة هناك لم تكن يوماً طائفية). وجِد دائماً إحساسٌ مشترك عند الجميع أو لنقل لا شعور جمعي بالتهديد الدائم بالخطر. كان هذا الإحساس يزداد حيث الكثير من الخطوط الحمراء التي ليس عليك المساس بها.
 
مع تقدمي في العمر، اكتشفت أنني لست الوحيد في سوريا الذي لديه هذه المعضلة. والغريب في الأمر أنّ الجميع تقريباً كان لديه تشوّه ما في هذه النقطة على اختلاف الخلفيات والطوائف. حين قامت الثورة مثلاً، وفي حديث لي مع صديقة مسيحية عن الوطن قالت لي حرفياً "هذه البلد ليست لنا"، وهي جملة تكرّرت من سني ومن درزية (أعتذر عن ذكر أسماء الطوائف لكني أحاول أن أبيّن أن المشكلة هناك لم تكن يوماً طائفية). وجِد دائماً إحساسٌ مشترك عند الجميع أو لنقل لا شعور جمعي بالتهديد الدائم بالخطر. كان هذا الإحساس يزداد حيث الكثير من الخطوط الحمراء التي ليس عليك المساس بها.
   سطر 47: سطر 50:     
'''كنّا جميعا داخل خزانات مختلفة'''
 
'''كنّا جميعا داخل خزانات مختلفة'''
 +
 
هناك مفهوم متعارف عليه في مجتمع الميم – عين، يدعى "الخزانة". والخزانة هي أو حالة الخزانة، تعني السرية. أي أن تكون من مجتمع الميم - عين دون أن تعلن عن هويتك. تكون مختبئاً كمن يجلس في خزانة مجازياً، ولربما أرادوا منك أن تخلع حقيقتك وتخبئها لترتدي ما يناسب النمط المفروض عليك مجتمعياً وقانونياً. وكسوريين كنّا جميعا داخل خزانات مختلفة، لم نكن نعرف أنفسنا ولا نعرف بعضنا. اليوم خرج الجميع من خزاناتهم، ولا بد من الفوضى، فأنت تعيد خلق ذاتك من جديد وتخلق معها أسماءك، جسدك، هويتك، ووطنك.
 
هناك مفهوم متعارف عليه في مجتمع الميم – عين، يدعى "الخزانة". والخزانة هي أو حالة الخزانة، تعني السرية. أي أن تكون من مجتمع الميم - عين دون أن تعلن عن هويتك. تكون مختبئاً كمن يجلس في خزانة مجازياً، ولربما أرادوا منك أن تخلع حقيقتك وتخبئها لترتدي ما يناسب النمط المفروض عليك مجتمعياً وقانونياً. وكسوريين كنّا جميعا داخل خزانات مختلفة، لم نكن نعرف أنفسنا ولا نعرف بعضنا. اليوم خرج الجميع من خزاناتهم، ولا بد من الفوضى، فأنت تعيد خلق ذاتك من جديد وتخلق معها أسماءك، جسدك، هويتك، ووطنك.
  
99

تعديل

قائمة التصفح