تغييرات

قالب بيانات وثيقة وشوية وصلات
سطر 1: سطر 1: −
محاضرة "النسوية في النقد الأدبي" قدمها الشاعر والكاتب الفلسطيني علي نصوح مواسي في الجامعة الأردنية. نُشرَت المحاضرة على موقع عرب 48 بتاريخ 2011-02-25 وتم استرجاعها بتاريخ 2018-03-19. مسار الاسترجاع [https://www.arab48.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA/2011/02/25/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%91%D8%B3%D9%88%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%91%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D9%8A%D9%91--%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%AD-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B3%D9%8A* صفحة محاضرة النسوية في النقد الأدبي على موقع عرب 48]
+
{{بيانات وثيقة
 
+
|المصدر=عرب 48
 +
|نوع المحتوى=رأي
 +
|مؤلف=علي نصوح مواسي  
 +
|مترجم=
 +
|العنوان الأصلي=
 +
|لغة الأصل=
 +
|لغة=ar
 +
|محرر=
 +
|موقع المصدر=https://www.arab48.com
 +
|تاريخ النشر=25-02-2011
 +
|تاريخ الاسترجاع=19-03-2018
 +
|مسار الاسترجاع=/ثقافة-وفنون/مقالات-ودراسات/2011/02/25/النّسويّة-في-النّقد-الأدبيّ--علي-نصوح-مواسي*
 +
|نسخة أرشيفية=
 +
|شعار=شعار موقع عرب 48.png
 +
|لون الإطار=
 +
|وسوم=
 +
}}
    
== مقدمة ==
 
== مقدمة ==
تُناقش المحاضرة النظرة السلبية والتهميش الذي يمارسة [[النظام الأبوي|المجتمع الأبوي]] ضد المرأة لا لشيء سوى لكونها ليست رجل. ويستعرض الكاتب تاريخ النسوية ومفهوم الكتابة النسوية والفرق بينها وبين الكتابة الأنثوية، ومفهوم النقد الأدبي النسوي والطرق المختلفة للنقد النسوي للأدب والتي من وجهة نظره جميعها تسعى الى تحليل آليات الانتاج والاستهلاك والممارسات المختلفة في النصوص الأدبية من منظور نسوي ومتابعة دور المرأة في اثراء الانتاج الأدبي.   
+
تُناقش المحاضرة النظرة السلبية والتهميش الذي يمارسة [[النظام الأبوي|المجتمع الأبوي]] ضد المرأة لا لشيء سوى لكونها ليست رجل. ويستعرض الكاتب [[تاريخ الحركة النسوية | تاريخ النسوية]] ومفهوم الكتابة ال[[نسوية]] والفرق بينها وبين الكتابة الأنثوية، ومفهوم [[نقد أدبي نسوي | النقد الأدبي النسوي]] والطرق المختلفة للنقد النسوي للأدب والتي من وجهة نظره جميعها تسعى الى تحليل آليات الانتاج والاستهلاك والممارسات المختلفة في النصوص الأدبية من منظور نسوي ومتابعة دور المرأة في اثراء الانتاج الأدبي.   
 
وتقدم المحاضرة المدارس النسوية المختلفة: [[نسوية ليبرالية|النسوية الليبرالية]]، و[[نسوية راديكالية|النسوية الراديكالية]]، و[[نسوية ماركسية|النسوية الماركسية]]، و[[نسوية ما بعد البنيوية|النسوية ما بعد البنيوية]]، و[[نسوية سوداء|النسوية السوداء ونسوية العالم الثالث]].  
 
وتقدم المحاضرة المدارس النسوية المختلفة: [[نسوية ليبرالية|النسوية الليبرالية]]، و[[نسوية راديكالية|النسوية الراديكالية]]، و[[نسوية ماركسية|النسوية الماركسية]]، و[[نسوية ما بعد البنيوية|النسوية ما بعد البنيوية]]، و[[نسوية سوداء|النسوية السوداء ونسوية العالم الثالث]].  
   سطر 20: سطر 36:  
أما الفكرة التي مفادها أن الرجل يمكنه تبني موقفٍ نسويٍّ فهي محل خلاف؛ ف[[''تانيا مودلسكي'']] مثلاً تميز بين إسهام الرجل الذي ينطوي على تحليل وتفكيك السلطة الذكوريّة، وبين الرجل الذي يقوم بالحديث نيابة عن المرأة أو انطلاقا من موقف المرأة.
 
أما الفكرة التي مفادها أن الرجل يمكنه تبني موقفٍ نسويٍّ فهي محل خلاف؛ ف[[''تانيا مودلسكي'']] مثلاً تميز بين إسهام الرجل الذي ينطوي على تحليل وتفكيك السلطة الذكوريّة، وبين الرجل الذي يقوم بالحديث نيابة عن المرأة أو انطلاقا من موقف المرأة.
   −
وفي مجال دراسة الأدب والثقافة والسينما، يتخذ النقد النسوي صورة تحليل آليات الانتاج والاستهلاك المتعلّقة بنصوصٍ أو ممارساتٍ بعينها من منظور نسويّ، علمًا أنّ هناك طرقًا مختلفة للتّناول، جميعها نسويّة، وكلّها تسمح بالتّعدّد في إطار المعارف المختلفة وفي إطار النّسويّة نفسها. تقول ''ماجي هام'' في مقدّمة كتاب "الاتّجاهات النّسويّة: مجموعة مقالات " (1992): تعتبر النّسويّة حركةً متعدّدة الجوانب من النّاحية الثّقافيّة والتّاريخيّة، وقد لاقت أهدافها تأييدًا في شتّى أنحاء العالم، ويمكن تقييم مدى فعاليّة النّسويّة إذا نظرنا إلى الخطاب النّسويّ وإلى مدى تغلغله في التّفكير على مستوى الحياة اليوميّة.
+
وفي مجال دراسة الأدب والثقافة والسينما، يتخذ [[نقد نسوي | النقد النسوي]] صورة تحليل آليات الانتاج والاستهلاك المتعلّقة بنصوصٍ أو ممارساتٍ بعينها من منظور نسويّ، علمًا أنّ هناك طرقًا مختلفة للتّناول، جميعها نسويّة، وكلّها تسمح بالتّعدّد في إطار المعارف المختلفة وفي إطار النّسويّة نفسها. تقول ''ماجي هام'' في مقدّمة كتاب "الاتّجاهات النّسويّة: مجموعة مقالات " (1992): تعتبر النّسويّة حركةً متعدّدة الجوانب من النّاحية الثّقافيّة والتّاريخيّة، وقد لاقت أهدافها تأييدًا في شتّى أنحاء العالم، ويمكن تقييم مدى فعاليّة النّسويّة إذا نظرنا إلى الخطاب النّسويّ وإلى مدى تغلغله في التّفكير على مستوى الحياة اليوميّة.
    
وكان الظّهور الأوّل لمصطلح "[[نسوية|النّسويّة]] في أدبيّات الفكر الغربيّ عام 1895، أمّا مفهوم المصطلح المتمثّل في فعل نسويّ مطالب بحقوق المرأة فقد بدأ مع نهايات القرن الثّامن عشر. أمّا اعتماد مصطلح النّسويّة في حقول العلوم الانسانيّة فقد بدأ رسميّا عام 1910، وذلك في مؤتمر دوليّ ساهمت في عقده النّسويّة البارزة ''كلارا زاتكين''، حين أعلن الثّامن من آذار عيدًا عالميّا للمرأة، وهو التّاريخ الّذي اعتمدته عصبة الأمم لإحياء ذكرى العصيان المدنيّ الّذي قامت به العاملات في نيو يورك علم 1895 احتجاجًا على الأوضاع البائسة الّتي كنّ يعانين منها، وقد ماتت فيه بعض هؤلاء العاملات.
 
وكان الظّهور الأوّل لمصطلح "[[نسوية|النّسويّة]] في أدبيّات الفكر الغربيّ عام 1895، أمّا مفهوم المصطلح المتمثّل في فعل نسويّ مطالب بحقوق المرأة فقد بدأ مع نهايات القرن الثّامن عشر. أمّا اعتماد مصطلح النّسويّة في حقول العلوم الانسانيّة فقد بدأ رسميّا عام 1910، وذلك في مؤتمر دوليّ ساهمت في عقده النّسويّة البارزة ''كلارا زاتكين''، حين أعلن الثّامن من آذار عيدًا عالميّا للمرأة، وهو التّاريخ الّذي اعتمدته عصبة الأمم لإحياء ذكرى العصيان المدنيّ الّذي قامت به العاملات في نيو يورك علم 1895 احتجاجًا على الأوضاع البائسة الّتي كنّ يعانين منها، وقد ماتت فيه بعض هؤلاء العاملات.
سطر 48: سطر 64:     
وتتبنّى كلّ من التّيارات النّسويّة الثلاثة التّالية وجهة النّظر هذه القائلة إنّ التّفرقة مبنيّة على المفاهيم الثّقافيّة التي تشكّل المجتمعات، وأنّها ليست حتميّة، وبالتّالي يمكن تغييرها بما يسمح بتحقيق مساواة بين كلّ المجموعات الاجتماعيّة.
 
وتتبنّى كلّ من التّيارات النّسويّة الثلاثة التّالية وجهة النّظر هذه القائلة إنّ التّفرقة مبنيّة على المفاهيم الثّقافيّة التي تشكّل المجتمعات، وأنّها ليست حتميّة، وبالتّالي يمكن تغييرها بما يسمح بتحقيق مساواة بين كلّ المجموعات الاجتماعيّة.
 +
 
=== ثالثًا – [[نسوية ماركسية|النسوية الماركسية]]===
 
=== ثالثًا – [[نسوية ماركسية|النسوية الماركسية]]===
 
يؤكّد أصحاب هذا الاتّجاه على البعد الاقتصاديّ في التفضيل النّوعي، ويرون أنّه يخدم مصالح الرأسمالية المستغلّة، فالقول بعدم كفاءة النّساء يسمح باستغلالهنّ من خلال إدخالهنّ وإخراجهنّ إلى ومن سوق العمل بسهولةٍ بدعوى عدم كفاءتهنّ، بينما يكون هذا التّلاعب بأقواتهنّ لخدمة رأس المال؛ كذلك يرى الكتّاب المنتمون لهذا التيّار أن الرّجال عمومًا قد أعادوا إنتاج هذا النّظام المستغلّ في المجال الخاصّ، فالكثير ممّا يقال عن دور المرأة كزوجة وأم يهدف في الأساس إلى تسخيرها للعمل في المنزل دون تقاضي أيّ أجرٍ عن مجهوداتها ووقتها، ويرون أنّ الإنجاب يقوم على شراكة المرأة والرّجل، وبالتّالي فعليهم أيضًا الاشتراك في تنشئة الأبناء، وهم، بطبيعة الحال، يختلفون مع الرّاديكاليين حول هذه القضيّة، فلا يرون أن النساء يستأثرن دون الرّجال بمهمّة الابقاء على الحياة من خلال الإنجاب، وبالتّالي لا يفضّلون طرفًا على الآخر، وإنّما يدعون إلى أن تنسحب هذه الشراكة والمساواة على كلّ ما يقومون به من أعمالٍ ومهامّ في النّطاقين العام والخاصّ، كما يطالبون بضرورة المساواة في الأجور وساعات العمل بين الرّجال والنّساء وعدم إقصاء أيّ منهم من أيّ مجال انتاجيّ بسبب نوعه، والكفّ عن توزيع بعض مجالات العمل حسب النّوع فيدفع الرّجال لأن يكونوا أطباء مثلاً، ويقتصر مجال التّمريض على النّساء.
 
يؤكّد أصحاب هذا الاتّجاه على البعد الاقتصاديّ في التفضيل النّوعي، ويرون أنّه يخدم مصالح الرأسمالية المستغلّة، فالقول بعدم كفاءة النّساء يسمح باستغلالهنّ من خلال إدخالهنّ وإخراجهنّ إلى ومن سوق العمل بسهولةٍ بدعوى عدم كفاءتهنّ، بينما يكون هذا التّلاعب بأقواتهنّ لخدمة رأس المال؛ كذلك يرى الكتّاب المنتمون لهذا التيّار أن الرّجال عمومًا قد أعادوا إنتاج هذا النّظام المستغلّ في المجال الخاصّ، فالكثير ممّا يقال عن دور المرأة كزوجة وأم يهدف في الأساس إلى تسخيرها للعمل في المنزل دون تقاضي أيّ أجرٍ عن مجهوداتها ووقتها، ويرون أنّ الإنجاب يقوم على شراكة المرأة والرّجل، وبالتّالي فعليهم أيضًا الاشتراك في تنشئة الأبناء، وهم، بطبيعة الحال، يختلفون مع الرّاديكاليين حول هذه القضيّة، فلا يرون أن النساء يستأثرن دون الرّجال بمهمّة الابقاء على الحياة من خلال الإنجاب، وبالتّالي لا يفضّلون طرفًا على الآخر، وإنّما يدعون إلى أن تنسحب هذه الشراكة والمساواة على كلّ ما يقومون به من أعمالٍ ومهامّ في النّطاقين العام والخاصّ، كما يطالبون بضرورة المساواة في الأجور وساعات العمل بين الرّجال والنّساء وعدم إقصاء أيّ منهم من أيّ مجال انتاجيّ بسبب نوعه، والكفّ عن توزيع بعض مجالات العمل حسب النّوع فيدفع الرّجال لأن يكونوا أطباء مثلاً، ويقتصر مجال التّمريض على النّساء.
سطر 58: سطر 75:  
في مقابل هذه الرّؤية، ترى الكاتبات من هذا التيار أن الأفراد يمكن أن يجمعوا بين الذّكاء والحساسية مع كونها صفات مجنسة لغويّا، وهنّ يرون أنّ القسمة اللّغويّة الثّقافيّة هي نسق قهريّ يدمّر بعض جوانب الشّخصيّة لكلّ من النّساء والرّجال على حدّ سواء، فمطالبة الرّجل بعدم البكاء لتكتمل رجولته مجتمعيّا، لهو أسلوب كابت قاهر للرّجل، حيث أنّه في الأصل يشترك مع النّساء في القدرة على الإحساس، وبالتّالي فمن حقّه التّعبير عن مكنونه، كذلك هو الأمر عند مطالبة النّساء بعدم التّفكير وإقصائهنّ عن المشاركة في حلّ المشاكل الّتي تتطلّب تعاملاً عقلانيّا، ففي ذلك أيضًا صيغة قهريّة إقصائيّة، فهنّ شأنهن شأن الرّجال، يمتلكن قدرات قد تبدو لغويّا وثقافيّا متناقضة.
 
في مقابل هذه الرّؤية، ترى الكاتبات من هذا التيار أن الأفراد يمكن أن يجمعوا بين الذّكاء والحساسية مع كونها صفات مجنسة لغويّا، وهنّ يرون أنّ القسمة اللّغويّة الثّقافيّة هي نسق قهريّ يدمّر بعض جوانب الشّخصيّة لكلّ من النّساء والرّجال على حدّ سواء، فمطالبة الرّجل بعدم البكاء لتكتمل رجولته مجتمعيّا، لهو أسلوب كابت قاهر للرّجل، حيث أنّه في الأصل يشترك مع النّساء في القدرة على الإحساس، وبالتّالي فمن حقّه التّعبير عن مكنونه، كذلك هو الأمر عند مطالبة النّساء بعدم التّفكير وإقصائهنّ عن المشاركة في حلّ المشاكل الّتي تتطلّب تعاملاً عقلانيّا، ففي ذلك أيضًا صيغة قهريّة إقصائيّة، فهنّ شأنهن شأن الرّجال، يمتلكن قدرات قد تبدو لغويّا وثقافيّا متناقضة.
   −
وترى نسويات هذا التيار (وهو الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في الوقت الحالي)، الخروج من ثنائيّة الرّجل/المرأة، إلى ساحة ثالثة جامعة يتمّ فيها الاعتراف بكلّ الصّفات وتقديرها جميعًا دون تمييز، وإقرار إمكانيّة وجود ما قد يبدو متناقضًا. ولذلك نجدهنّ يركّزن على فكرة قبول الاختلاف كنسق ذهني يعمل على التّعايش ويعطل سياسات الصّدام والصّراع، سيما أنهنّ يُعرّفن ساحة الاختلاف هذه التي توجد فيها الأضداد على أنّها الكيان، وهذا الكيان قد يكون التركيبة السيكولوجيّة للفرد أو الثّقافة أو المجتمع أو خلافه؛ فقبول الاختلاف والاعتراف بكلّ جوانب الشّخصيّة دون تمييز يبشّر بحياةٍ أفضل للفرد سواء كان ذكرًا أو أنثى. وهنّ مقتنعات أنّ [[التمييز الجنسي|التّمييز النّوعي]] وما أنتجه من إشكاليّات اجتماعيّة ونفسيّة هو نسقٌ ثقافيّ ذهنيّ لا علاقة له من قريب أو بعيد بالاختلاف البيولوجيّ بين الذّكور والإناث، والّذي تمّ إسقاط معانٍ كثيرة عليه دون أن تنطق به لا أجساد النّساء ولا الرّجال.
+
وترى نسويات هذا التيار (وهو الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في الوقت الحالي)، الخروج من ثنائيّة الرّجل/المرأة، إلى ساحة ثالثة جامعة يتمّ فيها الاعتراف بكلّ الصّفات وتقديرها جميعًا دون تمييز، وإقرار إمكانيّة وجود ما قد يبدو متناقضًا. ولذلك نجدهنّ يركّزن على فكرة قبول الاختلاف كنسق ذهني يعمل على التّعايش ويعطل سياسات الصّدام والصّراع، سيما أنهنّ يُعرّفن ساحة الاختلاف هذه التي توجد فيها الأضداد على أنّها الكيان، وهذا الكيان قد يكون التركيبة السيكولوجيّة للفرد أو الثّقافة أو المجتمع أو خلافه؛ فقبول الاختلاف والاعتراف بكلّ جوانب الشّخصيّة دون تمييز يبشّر بحياةٍ أفضل للفرد سواء كان ذكرًا أو أنثى. وهنّ مقتنعات أنّ [[تمييز جنسي|التّمييز النّوعي]] وما أنتجه من إشكاليّات اجتماعيّة ونفسيّة هو نسقٌ ثقافيّ ذهنيّ لا علاقة له من قريب أو بعيد بالاختلاف البيولوجيّ بين الذّكور والإناث، والّذي تمّ إسقاط معانٍ كثيرة عليه دون أن تنطق به لا أجساد النّساء ولا الرّجال.
    
=== خامسًا – [[نسوية سوداء|النسوية السوداء]] ونسوية العالم الثالث===
 
=== خامسًا – [[نسوية سوداء|النسوية السوداء]] ونسوية العالم الثالث===
سطر 78: سطر 95:  
== حول مصطلح النقد الأدبي النسوي ومفهومه الأول==
 
== حول مصطلح النقد الأدبي النسوي ومفهومه الأول==
   −
كان لآراء النّاقدة الأمريكيّة '''إيلين شوالتر - Showalter Elain''' أكبر أثرٍ في إيجاد هذا المصطلح وترسيخه، وذلك في كتابها "نحو بلاغة نسويّة" (1979)، والّذي تصف فيه طرق تصوير المرأة في النّصوص الّتي يكتبها الرّجل، أو حذف هذه الصّورة منها، مستخدمةً مصطلح "[[نقد نسوي|النقد النسوي]] – Feminist Critique " أثناء معالجتها تلك المفاهيم.
+
كان لآراء النّاقدة الأمريكيّة '''[[إيلين شوالتر]] - Showalter Elain''' أكبر أثرٍ في إيجاد هذا المصطلح وترسيخه، وذلك في كتابها "نحو بلاغة نسويّة" (1979)، والّذي تصف فيه طرق تصوير المرأة في النّصوص الّتي يكتبها الرّجل، أو حذف هذه الصّورة منها، مستخدمةً مصطلح "[[نقد نسوي|النقد النسوي]] – Feminist Critique " أثناء معالجتها تلك المفاهيم.
   −
كما يشير البعض إلى جهود '''[[فيرجينيا وولف]] -  Virginia Woolf''' في هذا السّياق، معتبرًا إيّاها أم النّقد النّسويّ الغربيّ، لأنّها أوّل من ساهم في تحديد مفاهيمه الأولى، ففي كتابها '''"[[A Room Of Ones Own]]"'''، والّذي نشر عام 1919، دعت وولف النّساء إلى الشّروع في تأسيس هويّة خاصّة بهنّ، والخروج على البناء الاجتماعيّ القائم، مشيرةً إلى أنّ فقدان الموهبة لدى النّساء ما هو إلاّ نتيجةٌ طبيعيّةٌ لموقف ذلك البناء الاجتماعيّ السّلبيّ من المرأة، وراحت تحثّ النّساء على معالجة مشكلاتهنّ الاجتماعيّة والاقتصاديّة بأنفسهنّ، والتّغلب عليها في سبيل تحرير طاقاتهنّ الابداعيّة والتّعبير عن عاطفتهنّ الانثويّة بصدق من خلال استحضار تجاربهنّ الخاصّة.
+
كما يشير البعض إلى جهود '''[[فرجينيا وولف]] -  Virginia Woolf''' في هذا السّياق، معتبرًا إيّاها أم النّقد النّسويّ الغربيّ، لأنّها أوّل من ساهم في تحديد مفاهيمه الأولى، ففي كتابها '''"[[غرفة تخص المرء وحده | A Room Of Ones Own]]"'''، والّذي نشر عام 1919، دعت وولف النّساء إلى الشّروع في تأسيس هويّة خاصّة بهنّ، والخروج على البناء الاجتماعيّ القائم، مشيرةً إلى أنّ فقدان الموهبة لدى النّساء ما هو إلاّ نتيجةٌ طبيعيّةٌ لموقف ذلك البناء الاجتماعيّ السّلبيّ من المرأة، وراحت تحثّ النّساء على معالجة مشكلاتهنّ الاجتماعيّة والاقتصاديّة بأنفسهنّ، والتّغلب عليها في سبيل تحرير طاقاتهنّ الابداعيّة والتّعبير عن عاطفتهنّ الانثويّة بصدق من خلال استحضار تجاربهنّ الخاصّة.
    
ويمكن القول إنّ النّقد الأدبيّ النّسويّ هو ذلك النّقد الّذي يهتمّ بدراسة تاريخ المرأة وتأكيد اختلافها عن القوالب التّقليديّة الّتي توضع من أجل إقصاء المرأة وتهميش دورها في الإبداع، ودراسة كيفيّة تأثّر المتلقّي بالصّور الاقصائيّة والاختزاليّة للمرأة. كما يهتمّ بقراءة الأدب بصفة عامّة، ويتتبع ما فيه من صور لكلّ من الرّجل والمرأة، بغية الكشف عمّا فيه من الانسجام مع الأيدولوجيا الأبويّة أو الاختلاف.
 
ويمكن القول إنّ النّقد الأدبيّ النّسويّ هو ذلك النّقد الّذي يهتمّ بدراسة تاريخ المرأة وتأكيد اختلافها عن القوالب التّقليديّة الّتي توضع من أجل إقصاء المرأة وتهميش دورها في الإبداع، ودراسة كيفيّة تأثّر المتلقّي بالصّور الاقصائيّة والاختزاليّة للمرأة. كما يهتمّ بقراءة الأدب بصفة عامّة، ويتتبع ما فيه من صور لكلّ من الرّجل والمرأة، بغية الكشف عمّا فيه من الانسجام مع الأيدولوجيا الأبويّة أو الاختلاف.
سطر 90: سطر 107:  
==قراءة مضادة للقراءة الأبوية==
 
==قراءة مضادة للقراءة الأبوية==
   −
لا يمكن فصل النّقد الأدبيّ النّسويّ عن الحركة النّسويّة، إذ تمكّنت [[نسوية|النّسويّة]] من التّوحيد بين ما هو سياسيّ وثقافيّ أو أدبيّ، مؤكّدة الرّأي القائل إنّ كلّ نظريّة نقديّة هي نظريّة سياسيّة أصلاً، ذلك أنّ كلّ نظريّة تسعى دائمًا للسّيطرة على الخطاب والتّحكّم به، وبذلك يفسّر ارتباط الظّهور الأوّل للنّقد النّسويّ بنشوء الموجة الأولى من [[حركة نسوية|الحركة النّسويّة]] في الولايات المتّحدة أواخر ستينيّات القرن العشرين، إذ ظهرت حينها دعواتٌ واضحةٌ تنادي بمنح المرأة دورًا أكثر تأثيرًا في النّتاج الأدبيّ، كتابةً وقراءةً، كما استخدمت مصطلحاتٌ جديدةٌ في وصف الأدب النّسويّ أسلوبًا وفحوى، ورافق هذا التّوجّه التفاتٌ نحو التّراث النّسويّ واستخدامٌ لوسائل العلوم الانسانيّة في إبراز التّجربة النّسويّة في مجالات السّياسة، والاجتماع والثقّافة؛ فنجد النّقد الأنجلو – أمريكي يهتمّ بدراسة إبداع المرأة والتّأكيد على خلوّه من كلّ ما ألصق به من خصائص تتعلّق بالعرضيّ والسّطحيّ والهامشيّ، والبعد عن كلّ ما هو جوهريّ، وقد نهضت بهذا الجانب كاتباتٌ متخصّصاتٌ في التّاريخ الحضاريّ والثّقافيّ، فضلاً عن علم الاجتماع وعلم النّفس التّحليليّ، ومن أشهر الكتب الّتي ظهرت في هذا السّياق، كتاب '''ماري إلمان "التّفكير بالمرأة"''' (1968)، وكتاب '''فيلس شيلو "النّساء والجنون"'''، و كتاب '''كاتي ميلليت "السياسة الجنسية"''' (1977)، وقد ذهبت أولئك النّاقدات وغيرهنّ إلى أنّ النّقد النّسويّ ردّة فعلٍ لفعل الصّمت الذّكوريّ المتعمّد الّذي قوبل به إبداع المرأة
+
لا يمكن فصل النّقد الأدبيّ النّسويّ عن الحركة النّسويّة، إذ تمكّنت [[نسوية|النّسويّة]] من التّوحيد بين ما هو سياسيّ وثقافيّ أو أدبيّ، مؤكّدة الرّأي القائل إنّ كلّ نظريّة نقديّة هي نظريّة سياسيّة أصلاً، ذلك أنّ كلّ نظريّة تسعى دائمًا للسّيطرة على الخطاب والتّحكّم به، وبذلك يفسّر ارتباط الظّهور الأوّل للنّقد النّسويّ بنشوء [[موجة نسوية أولى | الموجة الأولى]] من [[حركة نسوية|الحركة النّسويّة]] في الولايات المتّحدة أواخر ستينيّات القرن العشرين، إذ ظهرت حينها دعواتٌ واضحةٌ تنادي بمنح المرأة دورًا أكثر تأثيرًا في النّتاج الأدبيّ، كتابةً وقراءةً، كما استخدمت مصطلحاتٌ جديدةٌ في وصف [[أدب نسوي | الأدب النّسويّ]] أسلوبًا وفحوى، ورافق هذا التّوجّه التفاتٌ نحو التّراث النّسويّ واستخدامٌ لوسائل العلوم الانسانيّة في إبراز التّجربة النّسويّة في مجالات السّياسة، والاجتماع والثقّافة؛ فنجد النّقد الأنجلو – أمريكي يهتمّ بدراسة إبداع المرأة والتّأكيد على خلوّه من كلّ ما ألصق به من خصائص تتعلّق بالعرضيّ والسّطحيّ والهامشيّ، والبعد عن كلّ ما هو جوهريّ، وقد نهضت بهذا الجانب كاتباتٌ متخصّصاتٌ في التّاريخ الحضاريّ والثّقافيّ، فضلاً عن علم الاجتماع وعلم النّفس التّحليليّ، ومن أشهر الكتب الّتي ظهرت في هذا السّياق، كتاب '''[[ماري إلمان]] "التّفكير بالمرأة"''' (1968)، وكتاب '''[[فيلس شيلو]] "النّساء والجنون"'''، و كتاب '''[[كيت ميلليت]] "[[السياسة الجنسية (كتاب)
 +
السياسة الجنسية]]"''' (1977)، وقد ذهبت أولئك النّاقدات وغيرهنّ إلى أنّ النّقد النّسويّ ردّة فعلٍ لفعل الصّمت الذّكوريّ المتعمّد الّذي قوبل به إبداع المرأة
    
ومن مهام النّقد الأدبيّ النّسويّ إقصاء القراءة الأبويّة واستبدالها بقراءة أخرى أكثر صحّة من المنظور النّسويّ، يكون لها حضورٌ مساوٍ للقراءة البطريركيّة الّتي تعكس رؤية الرّجل فقط، إضافةً إلى قيامه بتحليل أدب المرأة وتطوير نماذج وأشكال نقديّة حديثة قائمة على دراسة أدب المرأة وخبرتها بعيدًا عن النّظريّات النّقديّة الّتي وضعها الرّجال، إذ لا يعترف هذا النّقد بالارث النّظريّ، ويصفه بالذّكوريّة، ويسعى إلى إيجاد خطاب أنثويّ حرّ غير مقيّد بذلك الارث، وهو ما تؤكّد عليه '''شوالتر - Showalter''' اعتقادًا منها أنّه لا يجوز تبنّي أيّ نظريّة توافق عليها المؤسّسات الاكاديميّة إطلاقًا، فالنّظريّات في تلك المؤسّسات ذكوريّة تمامًا في رأيها.
 
ومن مهام النّقد الأدبيّ النّسويّ إقصاء القراءة الأبويّة واستبدالها بقراءة أخرى أكثر صحّة من المنظور النّسويّ، يكون لها حضورٌ مساوٍ للقراءة البطريركيّة الّتي تعكس رؤية الرّجل فقط، إضافةً إلى قيامه بتحليل أدب المرأة وتطوير نماذج وأشكال نقديّة حديثة قائمة على دراسة أدب المرأة وخبرتها بعيدًا عن النّظريّات النّقديّة الّتي وضعها الرّجال، إذ لا يعترف هذا النّقد بالارث النّظريّ، ويصفه بالذّكوريّة، ويسعى إلى إيجاد خطاب أنثويّ حرّ غير مقيّد بذلك الارث، وهو ما تؤكّد عليه '''شوالتر - Showalter''' اعتقادًا منها أنّه لا يجوز تبنّي أيّ نظريّة توافق عليها المؤسّسات الاكاديميّة إطلاقًا، فالنّظريّات في تلك المؤسّسات ذكوريّة تمامًا في رأيها.
   −
وتذهب النّسويّات إلى أنّ النّظريّات النّقديّة ومنظومات القيم الّتي ينتجها رجال، تمنحهم امتيازاتٍ ليس بمقدورهم التّنازل عنها بسهولة لصالح المرأة، ولذلك يدعون إلى توخّي الحذر أثناء التّعامل مع كلّ نظريّة نقديّة ينتجها رجل، وإن كان بعضها يعالج قضايا المرأة إيجابيّا؛ وبما أنّ كلّ نظريّة نقديّة هي نظريّة سياسيّة، فكلّ واحدة من تلك النّظريّات تحاول السّيطرة على الخطاب والتّحكّم به، كما ترى '''ماري إيجلتون - Eaglton Mary'''، وهو رأي يستهوي النّقد النّسويّ عادة، ترفض النّسويّة النّظريّات القديمة وتسعى إلى إيجاد نظريّة خاصّة بهنّ في الأدب أو غير الأدب(23).
+
وتذهب النّسويّات إلى أنّ النّظريّات النّقديّة ومنظومات القيم الّتي ينتجها رجال، تمنحهم امتيازاتٍ ليس بمقدورهم التّنازل عنها بسهولة لصالح المرأة، ولذلك يدعون إلى توخّي الحذر أثناء التّعامل مع كلّ نظريّة نقديّة ينتجها رجل، وإن كان بعضها يعالج قضايا المرأة إيجابيّا؛ وبما أنّ كلّ نظريّة نقديّة هي نظريّة سياسيّة، فكلّ واحدة من تلك النّظريّات تحاول السّيطرة على الخطاب والتّحكّم به، كما ترى '''[[ماري إيجلتون]] - Eaglton Mary'''، وهو رأي يستهوي النّقد النّسويّ عادة، ترفض النّسويّة النّظريّات القديمة وتسعى إلى إيجاد نظريّة خاصّة بهنّ في الأدب أو غير الأدب(23).
    
ومن هنا جاء نقد النّسويّات لكثير من النّظريّات الأدبيّة، مثل '''[[نظرية نقيضة التمركز حول القضيب]]/Phallo-centric، لـفرويد - Frued'''، وغيرها، والدّعوة إلى النّظر في مقاييس الأدب القديمة، ومعاييره، وإعادة تشكيلها مع كلّ تغيير في موازين القوى، بين النّاقدات والنّقّاد، ومع كلّ جديد يظهر في نظريّة الجنس، إذ لا يمكن لهذا النّقد أن يعتمد نظريّةً ما على نحو شامل، وثابت، وكلّيّ.
 
ومن هنا جاء نقد النّسويّات لكثير من النّظريّات الأدبيّة، مثل '''[[نظرية نقيضة التمركز حول القضيب]]/Phallo-centric، لـفرويد - Frued'''، وغيرها، والدّعوة إلى النّظر في مقاييس الأدب القديمة، ومعاييره، وإعادة تشكيلها مع كلّ تغيير في موازين القوى، بين النّاقدات والنّقّاد، ومع كلّ جديد يظهر في نظريّة الجنس، إذ لا يمكن لهذا النّقد أن يعتمد نظريّةً ما على نحو شامل، وثابت، وكلّيّ.
سطر 104: سطر 122:  
ولذلك ذهبت '''ميلليت''' إلى اعتبار أنّ مقولة "[[جنس بيولوجي|الجنس]] – Sex" لا تعدو أن تكون مقولة ذكوريّة ونظريّة قديمة عفا عليها الزّمن، ويجب أن تستبدل بها مقولة أخرى هي "الهويّة الثّقافيّة" أو "[[جندر|الجندر]] – Gender" ، فالجنس يتحدّد بيولوجيّا، أمّا الجندر فهو مفهومٌ ثقافيّ مكتسب، فلا يهمّنا في رأيها إن كان الكاتب ذكرًا أم أنثى بيولوجيّا، لكن الّذي يهمّنا هو كيف نستخلص هويّة المرأة الثّقافيّة من النّصّ، ولذلك نجدها تهاجم علماء الاجتماع الّذين يتناولون الصّفات الانثويّة المكتسبة ثقافيّا، كالسّلبيّة، بوصفها صفات بيولوجيّة طبيعيّة، وتعترف بأنّ المرأة تساهم أحيانًا في ترسيخ هذه الاتّجاهات.
 
ولذلك ذهبت '''ميلليت''' إلى اعتبار أنّ مقولة "[[جنس بيولوجي|الجنس]] – Sex" لا تعدو أن تكون مقولة ذكوريّة ونظريّة قديمة عفا عليها الزّمن، ويجب أن تستبدل بها مقولة أخرى هي "الهويّة الثّقافيّة" أو "[[جندر|الجندر]] – Gender" ، فالجنس يتحدّد بيولوجيّا، أمّا الجندر فهو مفهومٌ ثقافيّ مكتسب، فلا يهمّنا في رأيها إن كان الكاتب ذكرًا أم أنثى بيولوجيّا، لكن الّذي يهمّنا هو كيف نستخلص هويّة المرأة الثّقافيّة من النّصّ، ولذلك نجدها تهاجم علماء الاجتماع الّذين يتناولون الصّفات الانثويّة المكتسبة ثقافيّا، كالسّلبيّة، بوصفها صفات بيولوجيّة طبيعيّة، وتعترف بأنّ المرأة تساهم أحيانًا في ترسيخ هذه الاتّجاهات.
   −
لكن ثمّة رأيّ نسويّ يخالف الاجماع النّسويّ على كيفيّة التّعامل مع نظريّات الرّجال، فمن النّسويّات من يرين أنّ خدمة قضايا المرأة لا تتأتّي إلاّ بالانخراط في حقل النّظريّة الموجودة والمستقرّة أوّلا، ثمّ الانطلاق منها نحو خلق وتطوير خطاب معرفيّ ومنهجيّ خاصّ بالمرأة، بل تذهب بعض النّسويّات إلى أبعد من ذلك فيطالبن باستثمار الارث النّظريّ في خدمة النّظريّة الأدبيّة النّسويّة والنّقد النّسويّ، منهنّ الكاتبة '''توريل موي - Toril Moi'''، إذ ترى أنّه لا تتوافر احتمالات وخيارات تنظيريّة كثيرة يمكن أن تنبثق منها نظريّة نسويّة منقطعة تمامًا عن نظريّات الرّجال، ثمّ إنّ النّظريّات الرّجاليّة لديها، سيميائيّة أو ماركسيّة، بنيويّة أو نفسيّة أو غيرها، مفيدةٌ جدّا للنٌّقد الأدبيّ النّسويّ، ويجب استغلالها.
+
لكن ثمّة رأيّ نسويّ يخالف الاجماع النّسويّ على كيفيّة التّعامل مع نظريّات الرّجال، فمن النّسويّات من يرين أنّ خدمة قضايا المرأة لا تتأتّي إلاّ بالانخراط في حقل النّظريّة الموجودة والمستقرّة أوّلا، ثمّ الانطلاق منها نحو خلق وتطوير خطاب معرفيّ ومنهجيّ خاصّ بالمرأة، بل تذهب بعض النّسويّات إلى أبعد من ذلك فيطالبن باستثمار الارث النّظريّ في خدمة النّظريّة الأدبيّة النّسويّة والنّقد النّسويّ، منهنّ الكاتبة '''[[توريل موي]] - Toril Moi'''، إذ ترى أنّه لا تتوافر احتمالات وخيارات تنظيريّة كثيرة يمكن أن تنبثق منها نظريّة نسويّة منقطعة تمامًا عن نظريّات الرّجال، ثمّ إنّ النّظريّات الرّجاليّة لديها، سيميائيّة أو ماركسيّة، بنيويّة أو نفسيّة أو غيرها، مفيدةٌ جدّا للنٌّقد الأدبيّ النّسويّ، ويجب استغلالها.
    
== الوقوع في النّقيض ==
 
== الوقوع في النّقيض ==
   −
ومن المفارقة أنّه ومع شدّة تأكيد النّسويّات على تحرير خطاب المرأة من التّراث النّظريّ النّقديّ الذّكوريّ، إلاّ أنّ كثرًا منهنّ قد وقعن في نقيض ما يدعون إليه، فنجد '''[[سيمون دي بوفوار]]''' مثلاً، صاحبة مقولة ((الواحدة منّا لا تولد امرأة، بل تصير امرأة))، متأثّرة في كتابها "[[الجنس الآخر|الجنس الثّاني]]" بآراء '''سارتر''' الوجوديّة إلى حدّ بعيد، كما نجد النّاقدة '''توريل موي''' متأثّرة بآراء '''ماركس'''، الذي استبعد أن تكون النسوية من القضايا الرئيسية في فكره، وقد تحدثت الناقدة الامريكية، '''هايدي هارتمان'''، عما وصفته بالزواج التعيس بين الماركسية و[[حركة نسوية|الحركة النسوية]]، إذ تقدّم الأولى قضايا الصّراع الطّبقيّ على قضايا النّوع، فتهمل معالجة المرأة وشؤونها، والنّسويّة لم تعد قادرة على انتظار تحقّق الثّورة ليتمّ تناول قضايا النّوع جدّيّا، بل إنّ بعض النّسويّات يعتقدن بأنّ الثّورة لن تقوم إلاّ إذا حلّت قضايا النّوع أوّلاً، ثمّ إنّ الشّيوعيّة قد تحالفت مع القوى الأبويّة، ممّا أدّى بالنّسويّات اللّائي كنّ منتميات لها إلى شنّ هجمة قتال عنيفة ضدّها.
+
ومن المفارقة أنّه ومع شدّة تأكيد النّسويّات على تحرير خطاب المرأة من التّراث النّظريّ النّقديّ الذّكوريّ، إلاّ أنّ كثرًا منهنّ قد وقعن في نقيض ما يدعون إليه، فنجد '''[[سيمون دي بوفوار]]''' مثلاً، صاحبة مقولة ((الواحدة منّا لا تولد امرأة، بل تصير امرأة))، متأثّرة في كتابها "[[الجنس الآخر|الجنس الثّاني]]" بآراء '''سارتر''' الوجوديّة إلى حدّ بعيد، كما نجد النّاقدة '''[[توريل موي]]''' متأثّرة بآراء '''ماركس'''، الذي استبعد أن تكون النسوية من القضايا الرئيسية في فكره، وقد تحدثت الناقدة الامريكية، '''[[هايدي هارتمان]]'''، عما وصفته بالزواج التعيس بين الماركسية و[[حركة نسوية|الحركة النسوية]]، إذ تقدّم الأولى قضايا الصّراع الطّبقيّ على قضايا النّوع، فتهمل معالجة المرأة وشؤونها، والنّسويّة لم تعد قادرة على انتظار تحقّق الثّورة ليتمّ تناول قضايا النّوع جدّيّا، بل إنّ بعض النّسويّات يعتقدن بأنّ الثّورة لن تقوم إلاّ إذا حلّت قضايا النّوع أوّلاً، ثمّ إنّ الشّيوعيّة قد تحالفت مع القوى الأبويّة، ممّا أدّى بالنّسويّات اللّائي كنّ منتميات لها إلى شنّ هجمة قتال عنيفة ضدّها.
   −
كما نجد '''كاتي ميلليت''' تعتمد كثيرًا على آراء '''جاك دريدا'''، صاحب النّظريّة التّقكيكيّة، ونجد '''ماري وول - Mary Woll''' متأثّرة بكتابات مفكّري الثّورة الفرنسيّة، فتطوّع كتابتهم لخدمة قضايا المرأة، ومنهم جان جاك روسو، مع أنّ له مواقف جدّ سلبيّة تجاه المرأة، كما أنّ '''لاكان'''، الفيلسوف وعالم النّفس، لقي حظوة كبيرة في أوساط النّسويّات الفرنسيّات والفرنكفونيّات، وقد اعتمدن على آرائه في طروحاتهنّ النّسويّة، وقد وصفته '''جان جالوب''' بالدّيك وسط دجاجات يسعين لإرضائه، ثمّ سرعان ما بدأن هجومهنّ عليه، وقد اعتبرت النّاقدة '''هيلين سيسو -Helen Cixous'''  النّظريّة النّفسيّة الفرنسيّة '''للاكان''' رؤية ذكوريّة للعالم، تفترض سيطرة الذّكر، وتدعم النّظام القائم على الذّكورة باعتبارها دلالة قوّة، وتوافق النّاقدة '''لوسي إريجاري''' زميتلها '''سيسو''' في رأيها ذلك، إلاّ أنّنا نجد الأولى تعتمد على آراء '''لاكان''' حول مفهوم الخياليّة، وذلك في محاولة إثباتها تميّز العقل النّسائيّ من باب أنّ خياليّته أكثر حيويّة وخصوبة وحركيّة ممّا هي عليه في لدى الرّجل.
+
كما نجد '''كاتي ميلليت''' تعتمد كثيرًا على آراء '''جاك دريدا'''، صاحب النّظريّة التّقكيكيّة، ونجد '''[[ماري وول]] - Mary Woll''' متأثّرة بكتابات مفكّري الثّورة الفرنسيّة، فتطوّع كتابتهم لخدمة قضايا المرأة، ومنهم جان جاك روسو، مع أنّ له مواقف جدّ سلبيّة تجاه المرأة، كما أنّ '''لاكان'''، الفيلسوف وعالم النّفس، لقي حظوة كبيرة في أوساط النّسويّات الفرنسيّات والفرنكفونيّات، وقد اعتمدن على آرائه في طروحاتهنّ النّسويّة، وقد وصفته '''جان جالوب''' بالدّيك وسط دجاجات يسعين لإرضائه، ثمّ سرعان ما بدأن هجومهنّ عليه، وقد اعتبرت النّاقدة '''[[هيلين سيسو]] -Helen Cixous'''  النّظريّة النّفسيّة الفرنسيّة '''للاكان''' رؤية ذكوريّة للعالم، تفترض سيطرة الذّكر، وتدعم النّظام القائم على الذّكورة باعتبارها دلالة قوّة، وتوافق النّاقدة '''[[لوسي إريجاري]]''' زميتلها '''سيسو''' في رأيها ذلك، إلاّ أنّنا نجد الأولى تعتمد على آراء '''لاكان''' حول مفهوم الخياليّة، وذلك في محاولة إثباتها تميّز العقل النّسائيّ من باب أنّ خياليّته أكثر حيويّة وخصوبة وحركيّة ممّا هي عليه في لدى الرّجل.
   −
وتعبّر '''ماري جاكوب''' في كتابها "قراءة المرأة" عن تأثّر النّسويّات بنظريّات الرّجال تأثّرًا كبيرًا، إذ تقول إنّه كان من النّادر كتابة نقد أدبيّ نسويّ في الثّمانينيّات دونما اعترافٍ بتأثير النّقّاد الفرنسيين أو الفرانكفونيين.
+
وتعبّر '''[[ماري جاكوب]]''' في كتابها "قراءة المرأة" عن تأثّر النّسويّات بنظريّات الرّجال تأثّرًا كبيرًا، إذ تقول إنّه كان من النّادر كتابة نقد أدبيّ نسويّ في الثّمانينيّات دونما اعترافٍ بتأثير النّقّاد الفرنسيين أو الفرانكفونيين.
    
ولعلّ أكثر ما يدهش، ما وقعت فيه '''شوالتر''' من تناقض ما بين التّنظير والتّطبيق، فهي معروفة بشراسة تهجّمها الّذي يبلغ حدّ التّهكّم على النّسويّات لاعتمادهنّ على نظريّات الرّجال، فقد اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على آراء عالميّ الاجتماع '''إيدوين وشيرلي آردينير – Edwin & Shirly Ardener''' من جامعة أوكسفورد، واللّذين اعتبرا النّساء جماعة صامتة تتطابق ثقافتها وحقيقتها مع ثقافة وحضارة جماعة الرّجال المهيمنة، ولم ينظرا إليهنّ باعتبارهنّ مواطنات لهنّ أجواؤهنّ المنفصلة، وهي الّتي جعلت الموضع الثّقافيّ محدّدًا للهويّة الأدبيّة النّسائيّة؛ ويؤخذ عليها أيضًا اعتمادها على نص '''جيفري هارتمان'''.
 
ولعلّ أكثر ما يدهش، ما وقعت فيه '''شوالتر''' من تناقض ما بين التّنظير والتّطبيق، فهي معروفة بشراسة تهجّمها الّذي يبلغ حدّ التّهكّم على النّسويّات لاعتمادهنّ على نظريّات الرّجال، فقد اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على آراء عالميّ الاجتماع '''إيدوين وشيرلي آردينير – Edwin & Shirly Ardener''' من جامعة أوكسفورد، واللّذين اعتبرا النّساء جماعة صامتة تتطابق ثقافتها وحقيقتها مع ثقافة وحضارة جماعة الرّجال المهيمنة، ولم ينظرا إليهنّ باعتبارهنّ مواطنات لهنّ أجواؤهنّ المنفصلة، وهي الّتي جعلت الموضع الثّقافيّ محدّدًا للهويّة الأدبيّة النّسائيّة؛ ويؤخذ عليها أيضًا اعتمادها على نص '''جيفري هارتمان'''.
سطر 132: سطر 150:  
وفيه اتّضح التّمايز في الوعي والتّجربة النّسويّة تجاه وعي الذّكورة وتجاربها، ففي هذه المرحلة ركّزت النّسويّة على الفروق بين الجنسين، وعلى إسهامات النّساء الحضاريّة المميّزة، وخصوصيّة لذّتهنّ الجنسيّة، وخصوصيّة كتابتهنّ، فالنّساء يكتبن على نحو مختلف لا لاختلافهنّ بيولوجيّا أو نفسيّا عن الرّجال، بل لاختلاف تجاربهنّ الاجتماعيّة.
 
وفيه اتّضح التّمايز في الوعي والتّجربة النّسويّة تجاه وعي الذّكورة وتجاربها، ففي هذه المرحلة ركّزت النّسويّة على الفروق بين الجنسين، وعلى إسهامات النّساء الحضاريّة المميّزة، وخصوصيّة لذّتهنّ الجنسيّة، وخصوصيّة كتابتهنّ، فالنّساء يكتبن على نحو مختلف لا لاختلافهنّ بيولوجيّا أو نفسيّا عن الرّجال، بل لاختلاف تجاربهنّ الاجتماعيّة.
   −
وتضيف '''جوليا كريستيفا''' لتلك المراحل الثّلاث، والّتي تعتبرها إيجابيّة، مرحلةً رابعة سلبيّة، هي: مرحلة الانزلاق الدّوغمائيّ اليساريّ في تشكيل نواة سطلويّة نقديّة تنتظم حول امرأة "زعيمة" لا تختلف عن أيّ زعيم رجل.
+
وتضيف '''[[جوليا كريستيفا]]''' لتلك المراحل الثّلاث، والّتي تعتبرها إيجابيّة، مرحلةً رابعة سلبيّة، هي: مرحلة الانزلاق الدّوغمائيّ اليساريّ في تشكيل نواة سطلويّة نقديّة تنتظم حول امرأة "زعيمة" لا تختلف عن أيّ زعيم رجل.
    
== ما الكتابة النسوية؟ ==
 
== ما الكتابة النسوية؟ ==
سطر 138: سطر 156:  
يحاول النّقد الأدبيّ النّسويّ إيجاد تعريفٍ علمي ودقيق لما يسمّى '''"كتابة نسوية"'''، إلاّ أنّه لم ينجح في بلوغ ذلك إلى الآن، ذلك أنّ تصوّر مفهوم تلك الكتابة أمرٌ عسير، لأنّ هويّة المرأة نفسها غير قابلة للحصر، متمدّدة ومتشعّبة ومتنوّعة، وبالتّالي فإنّ أيّ كتابة يمكن أن توصف بالنّسويّة لا يمكن لهاأن تحيط بتلك الهويّة، وإن افترضنا لتلك الكتابة وجودًا حقيقيّا فإنّنا نكون قد قيّدناها بتعريفاتٍ قد تضيق عنها، ويستخدم لتوصيف هذه الاشكاليّة عادةً مصطلح '''(اللاّ ممكن تحديده Undecidability)'''، وهو مصطلح نقدي.
 
يحاول النّقد الأدبيّ النّسويّ إيجاد تعريفٍ علمي ودقيق لما يسمّى '''"كتابة نسوية"'''، إلاّ أنّه لم ينجح في بلوغ ذلك إلى الآن، ذلك أنّ تصوّر مفهوم تلك الكتابة أمرٌ عسير، لأنّ هويّة المرأة نفسها غير قابلة للحصر، متمدّدة ومتشعّبة ومتنوّعة، وبالتّالي فإنّ أيّ كتابة يمكن أن توصف بالنّسويّة لا يمكن لهاأن تحيط بتلك الهويّة، وإن افترضنا لتلك الكتابة وجودًا حقيقيّا فإنّنا نكون قد قيّدناها بتعريفاتٍ قد تضيق عنها، ويستخدم لتوصيف هذه الاشكاليّة عادةً مصطلح '''(اللاّ ممكن تحديده Undecidability)'''، وهو مصطلح نقدي.
   −
من أهمّ من يطرح ذلك الرأّي النّاقدة '''لوسي إرجاري''' و'''جوليا كريستيفا'''، وهما تذهبان أيضًا إلى أنّ محاولة تحديد مفهوم للكتابة النّسويّة يؤدّي إلى وضع المرأة والرّجل في إطار تكوينيهما البيولوجيّين، وهو أمر غير مقبول أبدًا لدى النّسويّات المعارضات للماهويّة البيولوجيّة.
+
من أهمّ من يطرح ذلك الرأّي النّاقدة '''[[لوسي إرجاري]]''' و'''جوليا كريستيفا'''، وهما تذهبان أيضًا إلى أنّ محاولة تحديد مفهوم للكتابة النّسويّة يؤدّي إلى وضع المرأة والرّجل في إطار تكوينيهما البيولوجيّين، وهو أمر غير مقبول أبدًا لدى النّسويّات المعارضات للماهويّة البيولوجيّة.
   −
ويذهب النّقد الأدبيّ النّسويّ إلى تخطئة وصف الأعمال الأدبيّة المتعلّقة بالمرأة بأنّها نسوية لمجرد إقبال المرأة على قراءتها، فمنها ما لا يتعاطف أبدًا مع المرأة بل ويتخذ مواقف ضدها، ومع ذلك نجد كثيرًا من النّساء يقبلن على قراءتها، كذلك لا يمكن وصف الأعمال الّتي تكتبها النساء أو الّتي تكتب عنهن بالنسوية للسبب ذاته.
+
ويذهب [[نقد أدبي نسوي | النّقد الأدبيّ النّسويّ]] إلى تخطئة وصف الأعمال الأدبيّة المتعلّقة بالمرأة بأنّها نسوية لمجرد إقبال المرأة على قراءتها، فمنها ما لا يتعاطف أبدًا مع المرأة بل ويتخذ مواقف ضدها، ومع ذلك نجد كثيرًا من النّساء يقبلن على قراءتها، كذلك لا يمكن وصف الأعمال الّتي تكتبها النساء أو الّتي تكتب عنهن بالنسوية للسبب ذاته.
   −
ويمكن معرفة أهمّ سمات ما يسمّى بـ"الأدب النّسوي" من خلال الوقوف على ما جاء في كتاب النّاقدة النسوية '''ماري إيجلتون: "النظرية الأدبية النسوية"'''، إذ يعتبر الأدب نسويّا إذا عبر النص الأدبي عن تجربة المرأة الخاصة وواقع حياتها بشكل صادق ومخالف للأنماط الّتي صوّرت بها المرأة طويلاً، والّتي تنافي إلى حدّ بعيد الحقيقة والواقع.
+
ويمكن معرفة أهمّ سمات ما يسمّى بـ"[[أدب نسوي | الأدب النّسوي]]" من خلال الوقوف على ما جاء في كتاب النّاقدة النسوية '''ماري إيجلتون: "النظرية الأدبية النسوية"'''، إذ يعتبر الأدب نسويّا إذا عبر النص الأدبي عن تجربة المرأة الخاصة وواقع حياتها بشكل صادق ومخالف للأنماط الّتي صوّرت بها المرأة طويلاً، والّتي تنافي إلى حدّ بعيد الحقيقة والواقع.
    
ونجد أنّ النّصوص الّتي تقتبسها '''إيجلتون''' وتوظفها في كتابها، أو تلك التي تكتبها بنفسها، تستخدم عددًا من المصطلحات التي يمكن اعتبارها مهمة عند الحديث عن أدب نسوي، منها: الموثوقيّة - Authenticity، الحقيقة - Truth، التجربة - Experience، واقعيّ - Realistic، هويّة - Identity، أصيل -  Authentic.
 
ونجد أنّ النّصوص الّتي تقتبسها '''إيجلتون''' وتوظفها في كتابها، أو تلك التي تكتبها بنفسها، تستخدم عددًا من المصطلحات التي يمكن اعتبارها مهمة عند الحديث عن أدب نسوي، منها: الموثوقيّة - Authenticity، الحقيقة - Truth، التجربة - Experience، واقعيّ - Realistic، هويّة - Identity، أصيل -  Authentic.
   −
وإذا كان النقد النّسوي يرى وجوب تناول موضوعات المرأة بطريقة تساهم في بيان التجربة الأنثوية وتعريف الناس بها، فإن أبلغ من يتحدث في الموضوعات الخاصة بالمرأة في رأيه، هي المرأة نفسها، إذ إن النساء وحدهن يعانين تجارب الحياة الأنثوية النوعية، وهن وحدهن اللائي بمقدورهن الحديث في شؤون بنات جنسهن بتفاصيلها الفكرية والانفعالية الخاصة بهن، فالمرأة ترى الأشياء من منظورٍ مختلفٍ مرتبطٍ بذاتها وبتجربتها التي تعيشها بنفسها وليس كما ينظر إليها الرجل، وتختلف مشاعرها وأفكارها إزاء ما هو مهم وغير مهم، ولذلك يجب أن يقرأ الأدب قراءة نسوية تدرس التمثيل الأدبي لتلك الاختلافات في كتابة المرأة، ويكون بمقدورها تمييز الجوانب التي لم يكن الناقد معنيا بها أو بملاحظتها أصلاً، على أن تكون قراءةً متحررةً من تحكم الرجل في الخطاب، ومتحررةً من الضعف، والتردد، والتركيز على المبتذل والتافه، وهي سمات الخطاب النسائي السائد كما جاء لدى '''روبين لاكوف'''، ويطلق على من يقوم بقراءة الأعمال الأدبية تلك القراءة اسم '''"ناقد/ة الخصائص النسوية"'''.
+
وإذا كان النقد النّسوي يرى وجوب تناول موضوعات المرأة بطريقة تساهم في بيان التجربة الأنثوية وتعريف الناس بها، فإن أبلغ من يتحدث في الموضوعات الخاصة بالمرأة في رأيه، هي المرأة نفسها، إذ إن النساء وحدهن يعانين تجارب الحياة الأنثوية النوعية، وهن وحدهن اللائي بمقدورهن الحديث في شؤون بنات جنسهن بتفاصيلها الفكرية والانفعالية الخاصة بهن، فالمرأة ترى الأشياء من منظورٍ مختلفٍ مرتبطٍ بذاتها وبتجربتها التي تعيشها بنفسها وليس كما ينظر إليها الرجل، وتختلف مشاعرها وأفكارها إزاء ما هو مهم وغير مهم، ولذلك يجب أن يقرأ الأدب قراءة نسوية تدرس التمثيل الأدبي لتلك الاختلافات في كتابة المرأة، ويكون بمقدورها تمييز الجوانب التي لم يكن الناقد معنيا بها أو بملاحظتها أصلاً، على أن تكون قراءةً متحررةً من تحكم الرجل في الخطاب، ومتحررةً من الضعف، والتردد، والتركيز على المبتذل والتافه، وهي سمات الخطاب النسائي السائد كما جاء لدى '''[[روبين لاكوف]]'''، ويطلق على من يقوم بقراءة الأعمال الأدبية تلك القراءة اسم '''"ناقد/ة الخصائص النسوية"'''.
   −
كما تؤكد '''باتريشا سباكس – Patricia Spacks''' على أن النقد النسوي هو ذلك النقد الذي يهتم اهتمامًا كبيرًا لطبيعة التجربة الأنثوية داخل النص.  
+
كما تؤكد '''[[باتريشا سباكس]] – Patricia Spacks''' على أن النقد النسوي هو ذلك النقد الذي يهتم اهتمامًا كبيرًا لطبيعة التجربة الأنثوية داخل النص.  
    
وعلى ضوء ذلك يمكننا القول إن التأكيد على التجربة الأنثوية الخاصة لدى الناقدات النسويات يعدّ معلمًا واضحًا من معالم الأدب النّسويّ.  
 
وعلى ضوء ذلك يمكننا القول إن التأكيد على التجربة الأنثوية الخاصة لدى الناقدات النسويات يعدّ معلمًا واضحًا من معالم الأدب النّسويّ.  
   −
فمعالجة موضوعات مثل الزواج والاستقرار والطلاق، والعذرية والأمومة وقضايا الأرامل والاغتصاب والإنجاب ورعاية المنزل، وما إلى ذلك من أمور تتعلق بالمرأة، هو ما تريده الناقدات النسويات من النص الأدبي، واللّائي يدعون النساء للإقبال على قراءة المرأة كونها امرأة، ويطالبن الناقدات النسويات بتوجيه القارئات ومساعدتهن على الاستمتاع بقراءة الأدب النسوي، وممن يذهبن إلى ذلك الناقدة النسوية '''ماغي هوم - Maggie Humm''' في كتابها: "النقد النسوي: المرأة كناقدة معاصرة"، بينما ترفضه أخريات رفضًا مطلقًا مثل '''شولميت فايرستون - Shulamith Firestone'''، التي تذهب في كتابها '''"جدل الجنس"''' إلى رفض التأكيد على طبيعة الاختلاف الانثوي على اعتبار أن أي شيء يفرق بين المرأة والرجل مؤداه اللا مساواة والقمع، ولذلك نجدها تتمنى أن يأتي يوم يتمكن فيه التطور العلمي إعفاء المرأة من الانجاب على الإطلاق لتتحقق المساواة التامة بين الذكر والأنثى.
+
فمعالجة موضوعات مثل الزواج والاستقرار والطلاق، وال[[عذرية]] والأمومة وقضايا الأرامل وال[[اغتصاب]] والإنجاب ورعاية المنزل، وما إلى ذلك من أمور تتعلق بالمرأة، هو ما تريده الناقدات النسويات من النص الأدبي، واللّائي يدعون النساء للإقبال على قراءة المرأة كونها امرأة، ويطالبن الناقدات النسويات بتوجيه القارئات ومساعدتهن على الاستمتاع بقراءة الأدب النسوي، وممن يذهبن إلى ذلك الناقدة النسوية '''[[ماغي هوم]] - Maggie Humm''' في كتابها: "النقد النسوي: المرأة كناقدة معاصرة"، بينما ترفضه أخريات رفضًا مطلقًا مثل '''[[شولميث فايرستون]] - Shulamith Firestone'''، التي تذهب في كتابها '''"[[جدلية الجنس]]"''' إلى رفض التأكيد على طبيعة الاختلاف الانثوي على اعتبار أن أي شيء يفرق بين المرأة والرجل مؤداه اللا مساواة والقمع، ولذلك نجدها تتمنى أن يأتي يوم يتمكن فيه التطور العلمي إعفاء المرأة من الانجاب على الإطلاق لتتحقق المساواة التامة بين الذكر والأنثى.
    
لا مفر من الدخول في ثنائية البيولوجيا والبعد الاجتماعي متى دار الحديث عن كتابة الرجل وكتابة المرأة، فنجد الذكوريين يركزون على الجوانب البيولوجية سعيًا منهم لإبقاء المرأة في مكانتها، بينما تركز عليها بعض النسويات الراديكاليات للإعلاء من شأن الصفات البيولوجيّة للمرأة بوصفها مصادر للتفوق لا الدونية، فنجد أنفسنا لا نزال في نفس الأجواء المتطرفة الاقصائية، وفي ذلك تناقضٌ كبيرٌ مع مبادئ الفكر النسوي الليبيرالي الذي يدعو إلى احتواء الآخر والانفتاح عليه.
 
لا مفر من الدخول في ثنائية البيولوجيا والبعد الاجتماعي متى دار الحديث عن كتابة الرجل وكتابة المرأة، فنجد الذكوريين يركزون على الجوانب البيولوجية سعيًا منهم لإبقاء المرأة في مكانتها، بينما تركز عليها بعض النسويات الراديكاليات للإعلاء من شأن الصفات البيولوجيّة للمرأة بوصفها مصادر للتفوق لا الدونية، فنجد أنفسنا لا نزال في نفس الأجواء المتطرفة الاقصائية، وفي ذلك تناقضٌ كبيرٌ مع مبادئ الفكر النسوي الليبيرالي الذي يدعو إلى احتواء الآخر والانفتاح عليه.
سطر 166: سطر 184:  
أما التمييز الذي تفضله النسويات عموما بين الكتابة الذكورية والانثوية، فيعتمد على معيار ((السلطة Authority)) في التشخيص، وهو عنصر من عناصر الخطاب، وليس أمرًا بيولوجيا ولا علاقة له بالجنس، ولذلك فالنسويات الرافضات الاعتراف بوجود كتابتين على أساس الجنس، مذكرة ومؤنثة، يوافقن على هذا التّمييز.
 
أما التمييز الذي تفضله النسويات عموما بين الكتابة الذكورية والانثوية، فيعتمد على معيار ((السلطة Authority)) في التشخيص، وهو عنصر من عناصر الخطاب، وليس أمرًا بيولوجيا ولا علاقة له بالجنس، ولذلك فالنسويات الرافضات الاعتراف بوجود كتابتين على أساس الجنس، مذكرة ومؤنثة، يوافقن على هذا التّمييز.
   −
نجد '''ماري إلمان - Mary Ellman''' و'''نورمان ميلر - Norman Mailer''' يشخصان الكتابة من خلال توظيف معيار السلطة، فتصف '''إلمان''' كتابة الناقدة '''[[سيمون دي بوفوار]]''' بالذكورية بسبب نبرتها السلطوية الواضحة، فهي ترى أن الصوت الذكوري ليس محصورًا في جنس الذكور، كما هو الحال أيضًا مع الصوت الانثوي، فهو ليس محصورًا في جنس النساء، ولكن عادةً ما تكون النبرة السلطوية غائبة تمامًا في الخطاب الأنثى وبالتّالي في كتابتها.
+
نجد '''[[ماري إلمان]] - Mary Ellman''' و'''[[نورمان ميلر]] - Norman Mailer''' يشخصان الكتابة من خلال توظيف معيار السلطة، فتصف '''إلمان''' كتابة الناقدة '''[[سيمون دي بوفوار]]''' بالذكورية بسبب نبرتها السلطوية الواضحة، فهي ترى أن الصوت الذكوري ليس محصورًا في جنس الذكور، كما هو الحال أيضًا مع الصوت الانثوي، فهو ليس محصورًا في جنس النساء، ولكن عادةً ما تكون النبرة السلطوية غائبة تمامًا في الخطاب الأنثى وبالتّالي في كتابتها.
    
أما '''ميلر''' فيحاول تحديد مميزات للكتابة الانثوية غير غياب معيار السلطة منها، فيقول إنها مزيج من حكمة وطيش وبعد نظر وتهور وجرأة وتهكم، ونجده يشجع ويثني على الكتابة التي تضع نفسها في مواجهة صدامية مع خطاب السلطة المميز للكتابة الذكورية.
 
أما '''ميلر''' فيحاول تحديد مميزات للكتابة الانثوية غير غياب معيار السلطة منها، فيقول إنها مزيج من حكمة وطيش وبعد نظر وتهور وجرأة وتهكم، ونجده يشجع ويثني على الكتابة التي تضع نفسها في مواجهة صدامية مع خطاب السلطة المميز للكتابة الذكورية.
سطر 180: سطر 198:  
يطالب النقد الأدبي النسوي بتوظيف الأدب لزيادة وعي العنصر النسائي، فيوفر العمل الروائي مثلاً، مساحةً تسمح للمتلقية أن تقارن مشكلاتها مع مشكلات الشّخصيات في الرواية، من دون أن تطرح المؤلّفة حلولاً صريحةً من خلال تلك الشّخصيّات، بل يترك الأمر للمتلقّية لتحلّل وتشخّص أسباب المشكلات من خلال المقارنة، ثمّ تتّخذ حلاّ مناسبا.
 
يطالب النقد الأدبي النسوي بتوظيف الأدب لزيادة وعي العنصر النسائي، فيوفر العمل الروائي مثلاً، مساحةً تسمح للمتلقية أن تقارن مشكلاتها مع مشكلات الشّخصيات في الرواية، من دون أن تطرح المؤلّفة حلولاً صريحةً من خلال تلك الشّخصيّات، بل يترك الأمر للمتلقّية لتحلّل وتشخّص أسباب المشكلات من خلال المقارنة، ثمّ تتّخذ حلاّ مناسبا.
   −
ولتحقيق ذلك، ينصح النّقد النّسويّ الرّوائيّات بصياغة شخصيّات من واقع حياة النّساء، تتماهى معها الأخيرات ويحسسن بالتجارب المشتركة لدى الطّرفين، وينصح كذلك بالاستغناء عن المبالغة في تصوير اضطّهاد النّساء وقمعهنّ وإظهارهنّ بصورة الضّحيّة المتألّمة دومًا، لدرجة يغدو معها من الصّعب تصديق ما يقرأ وبالتّالي لا يحصل أيّ تعاطف بين القارئ والشّخصيّات، فلا يمكن قبول كلّ رواية واعتبارها نسويّة لإظهارها المرأة ضحيّة عاجزة، كما تقول '''إريكا يونغ  - Erica Jong'''.
+
ولتحقيق ذلك، ينصح النّقد النّسويّ الرّوائيّات بصياغة شخصيّات من واقع حياة النّساء، تتماهى معها الأخيرات ويحسسن بالتجارب المشتركة لدى الطّرفين، وينصح كذلك بالاستغناء عن المبالغة في تصوير اضطّهاد النّساء وقمعهنّ وإظهارهنّ بصورة الضّحيّة المتألّمة دومًا، لدرجة يغدو معها من الصّعب تصديق ما يقرأ وبالتّالي لا يحصل أيّ تعاطف بين القارئ والشّخصيّات، فلا يمكن قبول كلّ رواية واعتبارها نسويّة لإظهارها المرأة ضحيّة عاجزة، كما تقول '''[[إريكا يونغ]] - Erica Jong'''.
   −
كما تطمح النّسويّة لخلق مجتمع إنسانيّ متآخ، وإقصاء التّوتّر والضّغينة من منظومة العلاقات البشريّة، وخصوصًا العلاقات بين النّساء، إذ لاحظت '''[[فرجينيا وولف[]]''' أنّ علاقات النّساء في عالم الأدب يسودها الاضطّراب وتداخلها الكراهيّة الّتي قد تكون نابعةً من عزلة النّساء أو المنافسة فيما بينهنّ.
+
كما تطمح النّسويّة لخلق مجتمع إنسانيّ متآخ، وإقصاء التّوتّر والضّغينة من منظومة العلاقات البشريّة، وخصوصًا العلاقات بين النّساء، إذ لاحظت '''[[فرجينيا وولف]]''' أنّ علاقات النّساء في عالم الأدب يسودها الاضطّراب وتداخلها الكراهيّة الّتي قد تكون نابعةً من عزلة النّساء أو المنافسة فيما بينهنّ.
    
وتحقيق ذلك ممكن باللّجوء إلى الأدب وأدواته، إذ يمكن للأدب أن يخلق رابطة قويّة تجمع ما بين المتلقّية والكاتبة من جهة، والمتلقّية الواحدة وباقي المتلقّيات من جهة ثانية، وذلك من خلال تقديم تجارب مشتركة لديهنّ جميعًا، تولّد لديهنّ ردود فعل مشتركة تجاه العمل الّذي يتلقّينه، فيخرجن بمواقف متقاربة توحّد بينهنّ، فالمرء منّا يقرأ ما يماثله على حدّ تعبير '''هارولد بلوم -Harold Blom'''.
 
وتحقيق ذلك ممكن باللّجوء إلى الأدب وأدواته، إذ يمكن للأدب أن يخلق رابطة قويّة تجمع ما بين المتلقّية والكاتبة من جهة، والمتلقّية الواحدة وباقي المتلقّيات من جهة ثانية، وذلك من خلال تقديم تجارب مشتركة لديهنّ جميعًا، تولّد لديهنّ ردود فعل مشتركة تجاه العمل الّذي يتلقّينه، فيخرجن بمواقف متقاربة توحّد بينهنّ، فالمرء منّا يقرأ ما يماثله على حدّ تعبير '''هارولد بلوم -Harold Blom'''.
سطر 188: سطر 206:  
== وعي الجسد الانثوي==
 
== وعي الجسد الانثوي==
   −
اختلفت المدرستان النّسويّتان، الفرنسيّة والامريكيّة، حول هذا المفهوم ومدى شرعيّة وعمليّة المناداة به وتطبيقه في حقول الأدب والنّقد النّسويين. فالمدرسة الفرنسيّة ترى استحالة إقصاء الجسد الانثويّ أو إهماله أثناء الحديث عن التّجربة الانثويّة الحقيقيّة، إذ هو مصدرٌ من مصادر الكتابة الانثويّة في نظرها، فالمرأة بكتابتها عن جسدها ذهبت إلى التّعبير عن نفسها لإدراكها حقائق ذلك الجسد إدراكًا واعيًا واكتشافها له، ولذلك نجد النّسويّات الفرنسيّات يشجّعن النّساء للبحث عمّا هو مختلفٌ لديهنّ عن الرّجال واكتشاف جنسهنّ انطلاقًا من بيولوجيّة أجسادهنّ، وأن يبرزن ما قامت الذّكوريّة بقمعه، فوعي الجسد يعني بالضّرورة وعيًا للذّات الانثويّة الّتي غيّبت أو أسيء تمثيلها في الخطاب الذّكوريّ.
+
اختلفت المدرستان النّسويّتان، الفرنسيّة والامريكيّة، حول هذا المفهوم ومدى شرعيّة وعمليّة المناداة به وتطبيقه في حقول الأدب والنّقد النّسويين. فالمدرسة الفرنسيّة ترى استحالة إقصاء [[الجسد]] الانثويّ أو إهماله أثناء الحديث عن التّجربة الانثويّة الحقيقيّة، إذ هو مصدرٌ من مصادر الكتابة الانثويّة في نظرها، فالمرأة بكتابتها عن جسدها ذهبت إلى التّعبير عن نفسها لإدراكها حقائق ذلك الجسد إدراكًا واعيًا واكتشافها له، ولذلك نجد النّسويّات الفرنسيّات يشجّعن النّساء للبحث عمّا هو مختلفٌ لديهنّ عن الرّجال واكتشاف جنسهنّ انطلاقًا من بيولوجيّة أجسادهنّ، وأن يبرزن ما قامت الذّكوريّة بقمعه، فوعي الجسد يعني بالضّرورة وعيًا للذّات الانثويّة الّتي غيّبت أو أسيء تمثيلها في الخطاب الذّكوريّ.
    
أمّا النّسويّة الامريكيّة فترفض ما تطرحه النّسويّة الفرنسيّة لأنّ الأخيرة تحاول فرض صوت شهوانيّ واحد للتّعبير عن كلّ نساء العالم، لا يحاول إيجاد مفاهيم نسويّة عالميّة، وفي ذلك تجاهلٌ لخصوصيّات الشّعوب والمجتمعات الثّقافيّة والدّينيّة والاجتماعيّة، إذ تتفاوتُ مسألة "وعي الجسد" لدى نساء العالم وفقًا للطّبقة والجنس والثّقافة، ولذلك لا يمكن أن تكون البيولوجيا الانثويّة منفذًا للخروج على الذّكوريّة وعزلها للنّساء.
 
أمّا النّسويّة الامريكيّة فترفض ما تطرحه النّسويّة الفرنسيّة لأنّ الأخيرة تحاول فرض صوت شهوانيّ واحد للتّعبير عن كلّ نساء العالم، لا يحاول إيجاد مفاهيم نسويّة عالميّة، وفي ذلك تجاهلٌ لخصوصيّات الشّعوب والمجتمعات الثّقافيّة والدّينيّة والاجتماعيّة، إذ تتفاوتُ مسألة "وعي الجسد" لدى نساء العالم وفقًا للطّبقة والجنس والثّقافة، ولذلك لا يمكن أن تكون البيولوجيا الانثويّة منفذًا للخروج على الذّكوريّة وعزلها للنّساء.
سطر 202: سطر 220:  
تناقش '''إيلمان''' في كتابها نطاقًا واسعًا من الكتابات الأدبيّة والنّقديّة لتوضح ما الّذي يفعله التّعصّب الجنسيّ المنتشر في البيت الأدبيّ، فترينا كيف أنّ تفكير كبار الكتّاب والنّقّاد الذّكور في النّساء، يتميّز بالمزاعم النّمطيّة الّتي تسيئ تمثيل النّساء وكتاباتهنّ وتصفها بأنّها بلا شكل، وأنّها انفعاليّة وينقصها التّحكّم والطّابع الثّقافيّ، وأنّ تلك الأفكار تصوّر النّساء وأعمالهنّ في الأدب على أنّه كلّ شيئٍ منافٍ لما هو عليه الرّجال.
 
تناقش '''إيلمان''' في كتابها نطاقًا واسعًا من الكتابات الأدبيّة والنّقديّة لتوضح ما الّذي يفعله التّعصّب الجنسيّ المنتشر في البيت الأدبيّ، فترينا كيف أنّ تفكير كبار الكتّاب والنّقّاد الذّكور في النّساء، يتميّز بالمزاعم النّمطيّة الّتي تسيئ تمثيل النّساء وكتاباتهنّ وتصفها بأنّها بلا شكل، وأنّها انفعاليّة وينقصها التّحكّم والطّابع الثّقافيّ، وأنّ تلك الأفكار تصوّر النّساء وأعمالهنّ في الأدب على أنّه كلّ شيئٍ منافٍ لما هو عليه الرّجال.
   −
أمّا كتاب '''"السّياسات الجنسيّة"''' ل'''كاتي ميلليت''' فقد أثار ضجّة أكبر، وسرعان ما أصبح أكثر الكتب مبيعًا، فلهجته كما تصفها '''بام موريس'''، أكثر مشاكسةً، والقطع الأدبيّة الّتي يناقشها أكثر حساسيّة؛ وقد صدم القرّاء بهجومه الشّديد على بعض الكتّاب الذّكور المعروفين والّذين يحظون بتقدير رفيع، مثل '''هنري ميللير'''، و'''نورمان مايلر'''، و'''د. هـ. لورانس'''، وانتقاده تركيزهم أساسا على التّمثيل الوسواسيّ للعلاقات الجنسيّة في أعمالهم.
+
أمّا كتاب '''"[[السياسات الجنسية | السّياسات الجنسيّة]]"''' ل'''كاتي ميلليت''' فقد أثار ضجّة أكبر، وسرعان ما أصبح أكثر الكتب مبيعًا، فلهجته كما تصفها '''بام موريس'''، أكثر مشاكسةً، والقطع الأدبيّة الّتي يناقشها أكثر حساسيّة؛ وقد صدم القرّاء بهجومه الشّديد على بعض الكتّاب الذّكور المعروفين والّذين يحظون بتقدير رفيع، مثل '''هنري ميللير'''، و'''نورمان مايلر'''، و'''د. هـ. لورانس'''، وانتقاده تركيزهم أساسا على التّمثيل الوسواسيّ للعلاقات الجنسيّة في أعمالهم.
    
ومفاد ما تقوله '''ميلليت''' في كتابها ذلك، إنّ القوّة الأبويّة تستمر وتفعل فعلها عن طريق تحكّم الرّجال في العلاقة الجنسيّة، وهذا الاحتياج للمحافظة على الهيمنة الجنسيّة يفسّر تكرار تصوير النّساء في النّصوص الأدبيّة بأسلوب فيه كراهيّة لهنّ في جميع الأحوال، على أنّهنّ عاهرات أو عذراوات، باردات أو مفرطات الشّبق عفيفات أو فاسقات، وترى '''ميلليت''' أنّ لهذه الصّور وظيفة، وهي أنّها تبرّر الهيمنة الجنسيّة للذّكور، والإكراه والعنف اللّذين يستخدمونهما للحفاظ على تلك الهيمنة.
 
ومفاد ما تقوله '''ميلليت''' في كتابها ذلك، إنّ القوّة الأبويّة تستمر وتفعل فعلها عن طريق تحكّم الرّجال في العلاقة الجنسيّة، وهذا الاحتياج للمحافظة على الهيمنة الجنسيّة يفسّر تكرار تصوير النّساء في النّصوص الأدبيّة بأسلوب فيه كراهيّة لهنّ في جميع الأحوال، على أنّهنّ عاهرات أو عذراوات، باردات أو مفرطات الشّبق عفيفات أو فاسقات، وترى '''ميلليت''' أنّ لهذه الصّور وظيفة، وهي أنّها تبرّر الهيمنة الجنسيّة للذّكور، والإكراه والعنف اللّذين يستخدمونهما للحفاظ على تلك الهيمنة.
سطر 218: سطر 236:  
ومن أبرز الصّور النّمطيّة للمرأة في كتابات الرّجال، والّتي حاولت النّسويّات تقديم تفسيرٍ لتوظيف الرّجال لها:
 
ومن أبرز الصّور النّمطيّة للمرأة في كتابات الرّجال، والّتي حاولت النّسويّات تقديم تفسيرٍ لتوظيف الرّجال لها:
   −
1. '''صورة المرأة المغوية:''' يأتي هذا التّمثيل السّلبيّ للنّساء على أنّهنّ مغريات جنسيّا للرّجل، ليبرّر نزوع الذّكوريّة إلى السّلطويّة من خلال فرض رقابةٍ أخلاقيّةٍ على المرأة ومعاقبتها، وذلك لخوف الرّجال الدّائم من فقدان القوّة وقدرة التّحكّم في الفعل الجنسيّ.
+
# '''صورة المرأة المغوية:''' يأتي هذا التّمثيل السّلبيّ للنّساء على أنّهنّ مغريات جنسيّا للرّجل، ليبرّر نزوع الذّكوريّة إلى السّلطويّة من خلال فرض رقابةٍ أخلاقيّةٍ على المرأة ومعاقبتها، وذلك لخوف الرّجال الدّائم من فقدان القوّة وقدرة التّحكّم في الفعل الجنسيّ.
   −
2.  '''صورة القوارير الضّعيفة:''' ترى النّسويّة أنّ الرّجل يدرك حقيقة كون إنجاب المرأة أمرٌ سائد ومضمون، على عكس ما هو لدى الرّجل، وهذا مصدر آخر لقلق الذّكور، الأمر الّذي يؤدّي بهم إلى اعتبار الابداع والمعرفة خصائص شبه إلهيّة تخصّ صنف الرّجال من وجهة النّظر الذّكوريّة، والّتي تصرّ على أنّ النّساء دائمات الاتّكال على الرّجال، وذلك في سبيل تعويض النّقص لديهم.
+
# '''صورة القوارير الضّعيفة:''' ترى النّسويّة أنّ الرّجل يدرك حقيقة كون إنجاب المرأة أمرٌ سائد ومضمون، على عكس ما هو لدى الرّجل، وهذا مصدر آخر لقلق الذّكور، الأمر الّذي يؤدّي بهم إلى اعتبار الابداع والمعرفة خصائص شبه إلهيّة تخصّ صنف الرّجال من وجهة النّظر الذّكوريّة، والّتي تصرّ على أنّ النّساء دائمات الاتّكال على الرّجال، وذلك في سبيل تعويض النّقص لديهم.
   −
3. '''صورة المرأة الكاملة/العفيفة:'''العفّة والخضوع هما دائمًا فضيلة النّساء، المتزوّجات منهنّ والعزباوات، هذا ما وجدته النّسويّة في قراءتها لأعمال الرّجال حول النّساء؛ وقد ذهبت في تفسير توظيف تينك الخصلتين في أعمال الذّكور إلى أنّهم يلجئون إلى ذلك لأنّهم لا يرون النّساء إلاّ بشروط نمطيّة تعيق معرفتهم بهنّ المعرفة الحقيقيّة، فإقصاؤهم الدّائم لهنّ جعلهم يجهلوهنّ، ولهذا فهم دائمًا يشعرون بالخوف وعدم الأمان ناحيتهنّ، فينشدون امرأة كاملةً لا تخطئ أبدًا، عفيفةً طاهرة خاضعة مذعنة.
+
# '''صورة المرأة الكاملة/العفيفة:'''العفّة والخضوع هما دائمًا فضيلة النّساء، المتزوّجات منهنّ والعزباوات، هذا ما وجدته النّسويّة في قراءتها لأعمال الرّجال حول النّساء؛ وقد ذهبت في تفسير توظيف تينك الخصلتين في أعمال الذّكور إلى أنّهم يلجئون إلى ذلك لأنّهم لا يرون النّساء إلاّ بشروط نمطيّة تعيق معرفتهم بهنّ المعرفة الحقيقيّة، فإقصاؤهم الدّائم لهنّ جعلهم يجهلوهنّ، ولهذا فهم دائمًا يشعرون بالخوف وعدم الأمان ناحيتهنّ، فينشدون امرأة كاملةً لا تخطئ أبدًا، عفيفةً طاهرة خاضعة مذعنة.
   −
4. '''صورة النّساء المشاكسات الوقحات:''' ترى النّسويّة أنّ توظيف هذه الصّورة النّمطيّة للمرأة في كتابات الرّجال نابعةٌ من اعتقادهم بأنّ النّساء اللّواتي لا يمكن إخضاعهنّ بسهولة، وغير المغويات لهم بأنوثتهنّ السّلبيّة الخاضعة، يشكلن تهديدًا أكبر على سلطة الرّجال من كلّ أصناف النّساء الأخريات، ولهذا فهنّ نشازٌ ويستحققن العقابَ، وبحاجة إلى رجل قادر على ضبطهنّ.
+
# '''صورة النّساء المشاكسات الوقحات:''' ترى النّسويّة أنّ توظيف هذه الصّورة النّمطيّة للمرأة في كتابات الرّجال نابعةٌ من اعتقادهم بأنّ النّساء اللّواتي لا يمكن إخضاعهنّ بسهولة، وغير المغويات لهم بأنوثتهنّ السّلبيّة الخاضعة، يشكلن تهديدًا أكبر على سلطة الرّجال من كلّ أصناف النّساء الأخريات، ولهذا فهنّ نشازٌ ويستحققن العقابَ، وبحاجة إلى رجل قادر على ضبطهنّ.
    
== أسئلة النّقد النّسويّ==
 
== أسئلة النّقد النّسويّ==
سطر 230: سطر 248:  
يحاول النّقد النّسويّ الإجابة على مجموعةٍ كبيرة من الأسئلة على اختلاف المناهج المتّبعة في المعالجة النّسويّة، وهي أسئلة إمّا يطرحها على نفسه، أو يطرحها المشكّكون أو الحائرون عليه، منها:
 
يحاول النّقد النّسويّ الإجابة على مجموعةٍ كبيرة من الأسئلة على اختلاف المناهج المتّبعة في المعالجة النّسويّة، وهي أسئلة إمّا يطرحها على نفسه، أو يطرحها المشكّكون أو الحائرون عليه، منها:
   −
1. هل لجنس الكاتب علاقة بصورة المرأة في النّصّ؟
+
# هل لجنس الكاتب علاقة بصورة المرأة في النّصّ؟
   −
2. ما الأدوار الّتي تقوم به المرأة في النّصّ، وهل الشّخصيّات الأنثويّة مركزيّة أم ثانويّة  فيه؟ ولماذا جعلت المرأة في تلك الأدوار؟
+
# ما الأدوار الّتي تقوم به المرأة في النّصّ، وهل الشّخصيّات الأنثويّة مركزيّة أم ثانويّة  فيه؟ ولماذا جعلت المرأة في تلك الأدوار؟
   −
3. هل يعبّر النّصّ عن أي خصائص تنميطيّة للمرأة، وكيف يفعل ذلك؟
+
# هل يعبّر النّصّ عن أي خصائص تنميطيّة للمرأة، وكيف يفعل ذلك؟
   −
4. ما المواقفُ الّتي تتبنّاها الشخصيّات الذّكور تجاه المرأة، وما هو موقف المؤلّف /المؤلّفة تجاه المرأة في المجتمع؟ وهل ترتبط مواقف الشّخصيّات الذّكور في النّصّ مع موقف المؤلّف؟
+
# ما المواقفُ الّتي تتبنّاها الشخصيّات الذّكور تجاه المرأة، وما هو موقف المؤلّف /المؤلّفة تجاه المرأة في المجتمع؟ وهل ترتبط مواقف الشّخصيّات الذّكور في النّصّ مع موقف المؤلّف؟
   −
5. كيف تؤثّر ثقافة المؤلّف/المؤلّفة في موقفه/موقفها من المرأة؟
+
# كيف تؤثّر ثقافة المؤلّف/المؤلّفة في موقفه/موقفها من المرأة؟
   −
6. هل يحتوي النّصّ صورًا مؤنّثة؟ وإن كان الأمر كذلك فما أهميّة مثل هذه الصّور؟
+
# هل يحتوي النّصّ صورًا مؤنّثة؟ وإن كان الأمر كذلك فما أهميّة مثل هذه الصّور؟
   −
7. هل هناك اختلافٌ في شكل الخطاب ونوعه بين الإناث والذّكور في النّصّ ؟ كيف ذلك، وما هي نسبه؟
+
# هل هناك اختلافٌ في شكل الخطاب ونوعه بين الإناث والذّكور في النّصّ ؟ كيف ذلك، وما هي نسبه؟
   −
8. ما هي الكتابة الانثويّة وما هي الكتابة الذّكوريّة؟ وما خصائص كلّ من الكتابتين؟
+
# ما هي الكتابة الانثويّة وما هي الكتابة الذّكوريّة؟ وما خصائص كلّ من الكتابتين؟
   −
9. هل للمرأة لغة تختلف عن تلك الّتي للرّجل؟ وإن كان كذلك فعلاً، فما الفرق بين اللّغتين؟
+
# هل للمرأة لغة تختلف عن تلك الّتي للرّجل؟ وإن كان كذلك فعلاً، فما الفرق بين اللّغتين؟
   −
10. ما علاقة كتابة المرأة بالحرّيّة والتّنفيس عن القهر والغضب؟
+
# ما علاقة كتابة المرأة بالحرّيّة والتّنفيس عن القهر والغضب؟
   −
11. هل يختلف خيال المرأة عن خيال الرّجل في الأعمال الابداعيّة، على اعتبار أنّ الأدب ابن الخيال؟
+
# هل يختلف خيال المرأة عن خيال الرّجل في الأعمال الابداعيّة، على اعتبار أنّ الأدب ابن الخيال؟
   −
12. وإذا كانت المرأة تبدع ضمن منطق الأجناس الأدبيّة أو الفنيّة المتعارف عليها بين النّقّاد والقرّاء، فهل كتابتها قادرة على أن تحوّل هذه الأجناس من حيث هي أجناس أدبيّة أو فنيّة إلى أجناس أخرى خاصّة بالمرأة؟
+
# وإذا كانت المرأة تبدع ضمن منطق الأجناس الأدبيّة أو الفنيّة المتعارف عليها بين النّقّاد والقرّاء، فهل كتابتها قادرة على أن تحوّل هذه الأجناس من حيث هي أجناس أدبيّة أو فنيّة إلى أجناس أخرى خاصّة بالمرأة؟
   −
13. هل يفيد تميّز الابداع النّسائيّ أو النّظرة الجنسويّة إلى الإبداع في تعزيز الطّاقات الابداعيّة للمرأة؟ وإذا كان موضوع الابداع النّسائيّ يطرح من وجهة نظر اجتماعيّة، فهل يؤدّي هذا الابداع الّذي تقدّمه المرأة إلى دعم موقفها في المجتمع وإلى حلّ مشكلاتها، أم يكرّس وضعها المتردّي؟
+
# هل يفيد تميّز الابداع النّسائيّ أو النّظرة الجنسويّة إلى الإبداع في تعزيز الطّاقات الابداعيّة للمرأة؟ وإذا كان موضوع الابداع النّسائيّ يطرح من وجهة نظر اجتماعيّة، فهل يؤدّي هذا الابداع الّذي تقدّمه المرأة إلى دعم موقفها في المجتمع وإلى حلّ مشكلاتها، أم يكرّس وضعها المتردّي؟
   −
14. هل تنتفع قضايا المرأة الاجتماعيّة من الطّرح النّسويّ إن لم تستفد قضاياها الابداعيّة؟
+
# هل تنتفع قضايا المرأة الاجتماعيّة من الطّرح النّسويّ إن لم تستفد قضاياها الابداعيّة؟
    
== النقد النسوي السحاقي، الأسود، والطبقي==
 
== النقد النسوي السحاقي، الأسود، والطبقي==
سطر 293: سطر 311:     
وعلى أساس مثل هذه الافتراضات العلميّة حول اللّغة في الدّوائر الأكاديميّة الأبويّة، صاغت جينيفير كوتس قاعدة التّحيّز للرّجل، وذلك في كتابها " المرأة والرّجل واللّغة " (1986)، ومفاد تلك القاعدة: يعتبر السّلوك اللّغويّ للرّجل متوافقًا مع رأي الكاتب عمّا يراه مرغوبًا أو جديرًا بالإعجاب، أمّا المرأة فيلقى عليها باللّوم لأيّ حالة لغويّة أو تطوّر لغويّ يعتبره الكاتب سلبيًّا أو مثيرًا للاستياء.
 
وعلى أساس مثل هذه الافتراضات العلميّة حول اللّغة في الدّوائر الأكاديميّة الأبويّة، صاغت جينيفير كوتس قاعدة التّحيّز للرّجل، وذلك في كتابها " المرأة والرّجل واللّغة " (1986)، ومفاد تلك القاعدة: يعتبر السّلوك اللّغويّ للرّجل متوافقًا مع رأي الكاتب عمّا يراه مرغوبًا أو جديرًا بالإعجاب، أمّا المرأة فيلقى عليها باللّوم لأيّ حالة لغويّة أو تطوّر لغويّ يعتبره الكاتب سلبيًّا أو مثيرًا للاستياء.
      
كما وجّهت النّاقدات النّسويّات انتقادًا آخر، لا إلى الدّوائر الأكاديميّة الّتي اهتمّت بدراسة لغة المرأة والرّجل، بل إلى نسق المعنى في اللّغة الانجليزيّة واستعمالاتها، فقد لاحظت المعترضات على التّحيّز اللّغويّ على أساس الجنس أنّ هناك استخدامات لغويّة تكرّس فكرة (الرّجل المعيار)، مثل الاستخدام شبه العمومي للفظ Man، بمعنى الإنسان رجلاً كان أم امرأة، ومن أبرز من تناولن هذه القضيّة النّاقدة '''ميورييل شولتس'''، فنجد لها مقالةً عنوانها '''"الاستهانة بالمرأة على مستوى المعاني"''' (1975)، وهي ترى أنّ المصطلحات الّتي توصف بأنّها مؤنّثة في اللّغة الانجليزيّة، تتعرّض بصورة منهجيّة للحطّ في المكانة.
 
كما وجّهت النّاقدات النّسويّات انتقادًا آخر، لا إلى الدّوائر الأكاديميّة الّتي اهتمّت بدراسة لغة المرأة والرّجل، بل إلى نسق المعنى في اللّغة الانجليزيّة واستعمالاتها، فقد لاحظت المعترضات على التّحيّز اللّغويّ على أساس الجنس أنّ هناك استخدامات لغويّة تكرّس فكرة (الرّجل المعيار)، مثل الاستخدام شبه العمومي للفظ Man، بمعنى الإنسان رجلاً كان أم امرأة، ومن أبرز من تناولن هذه القضيّة النّاقدة '''ميورييل شولتس'''، فنجد لها مقالةً عنوانها '''"الاستهانة بالمرأة على مستوى المعاني"''' (1975)، وهي ترى أنّ المصطلحات الّتي توصف بأنّها مؤنّثة في اللّغة الانجليزيّة، تتعرّض بصورة منهجيّة للحطّ في المكانة.
سطر 315: سطر 332:  
ومع ذلك فإنّنا نجد أنفسنا، ولأغراض البحث، مضطّرين أن نستأنس بالقليل المتاح، مسجّلين بعض الملاحظات حول النّقد النّسويّة في العالم العربيّ.
 
ومع ذلك فإنّنا نجد أنفسنا، ولأغراض البحث، مضطّرين أن نستأنس بالقليل المتاح، مسجّلين بعض الملاحظات حول النّقد النّسويّة في العالم العربيّ.
   −
كما في الغرب، بدأت الحركة النّسويّة في العالم العربيّ بكتابات وجهود لرجال دعوا إلى تحرير المرأة من القيود الاجتماعيّة ومنحها حقوقها المدنيّة بالتّساوي مع الرّجل، كحقّها في التّعليم والخروج من البيت والعمل والمشاركة السّياسيّة، ومن أشهر أولئك '''رفاعة رافع الطّهطاوي''' و'''قاسم أمين''' و'''أحمد فارس الشّدياق''' و'''محمّد عبده''' وغيرهم، وسرعان ما بدأت بعد ذلك مرحلة تأنيث قضيّة المرأة، لنشهد أسماء مثل '''[[ملك حفني ناصف]]'''، و'''هدى الشعراوي'''، و'''منيرة ثابت''' و'''[[درية شفيق]]''' وغيرهنّ، يتناولن قضايا المرأة كتابة وفعلاً سياسيّا واجتماعيّا.
+
كما في الغرب، بدأت الحركة النّسويّة في العالم العربيّ بكتابات وجهود لرجال دعوا إلى تحرير المرأة من القيود الاجتماعيّة ومنحها حقوقها المدنيّة بالتّساوي مع الرّجل، كحقّها في التّعليم والخروج من البيت والعمل والمشاركة السّياسيّة، ومن أشهر أولئك '''رفاعة رافع الطّهطاوي''' و'''[[قاسم أمين]]''' و'''أحمد فارس الشّدياق''' و'''محمّد عبده''' وغيرهم، وسرعان ما بدأت بعد ذلك مرحلة تأنيث قضيّة المرأة، لنشهد أسماء مثل '''[[ملك حفني ناصف]]'''، و'''[[هدى الشعراوي]]'''، و'''منيرة ثابت''' و'''[[درية شفيق]]''' وغيرهنّ، يتناولن قضايا المرأة كتابة وفعلاً سياسيّا واجتماعيّا.
    
يطلق على المرحلة الّتي وجد فيها كلّ هؤلاء بـ"عصر النّهضة العربيّة"، وكان ثقلها الأكبر في مصر، إذ ترتبط تلك المرحلة بحملة نابوليون بونابارت على مصر وبلاد الشّام، ثمّ بانفتاح الأسرة العلويّة الحاكمة في مصر على الغرب، وخصوصًا فرنسا، وإرسال البعثات العلميّة إلى أوروبا للاستفادة من الثّقافة والعلوم الغربيّة، لتسير على نهجها بعد ذلك أقطار عربيّة عديدة، فكان لا بدّ أن يتأثّر أبناء تلك المرحلة بالتّفاعلات السّياسيّة والثّقافيّة في أوروبا، ومنها الدّعوات والتّنظيمات المطالبة بتحرير المرأة ومنحها حقوقها.
 
يطلق على المرحلة الّتي وجد فيها كلّ هؤلاء بـ"عصر النّهضة العربيّة"، وكان ثقلها الأكبر في مصر، إذ ترتبط تلك المرحلة بحملة نابوليون بونابارت على مصر وبلاد الشّام، ثمّ بانفتاح الأسرة العلويّة الحاكمة في مصر على الغرب، وخصوصًا فرنسا، وإرسال البعثات العلميّة إلى أوروبا للاستفادة من الثّقافة والعلوم الغربيّة، لتسير على نهجها بعد ذلك أقطار عربيّة عديدة، فكان لا بدّ أن يتأثّر أبناء تلك المرحلة بالتّفاعلات السّياسيّة والثّقافيّة في أوروبا، ومنها الدّعوات والتّنظيمات المطالبة بتحرير المرأة ومنحها حقوقها.
سطر 321: سطر 338:  
وقد بدأت المرأة العربيّة الكتابة الفعليّة مع بداية النّهضة، فمارست مستويات الابداع كافّة، وقد أنشأت الرّائدات في سبيل إبراز قضيّة المرأة العربيّة مجلاّت نسويّة بين عاميّ 1892 و 1950، يبغ عددها حوالي خمسين مجلّة، ساعدت على التّأسيس لانتشار الكتابة النّسويّة، وتطوّر أفكار النّساء التّحرريّة، وكتابة بعض الرّوايات والأشعار التّعليميّة، والأبحاث المتنوّرة.
 
وقد بدأت المرأة العربيّة الكتابة الفعليّة مع بداية النّهضة، فمارست مستويات الابداع كافّة، وقد أنشأت الرّائدات في سبيل إبراز قضيّة المرأة العربيّة مجلاّت نسويّة بين عاميّ 1892 و 1950، يبغ عددها حوالي خمسين مجلّة، ساعدت على التّأسيس لانتشار الكتابة النّسويّة، وتطوّر أفكار النّساء التّحرريّة، وكتابة بعض الرّوايات والأشعار التّعليميّة، والأبحاث المتنوّرة.
   −
إذا فبواكير النّسويّة العربيّة، بدأت بعد مرور ستين عامًا تقريبا على بواكير النّسويّة الغربيّة، فكان ظهور الأولى في منتصف القرن التّاسع عشر مع '''رفاعة الطّهطاوي''' و'''أحمد فارس الشّدياق'''، وكان ظهور الثّانية في تسعينيّات القرن الثّامن عشر مع '''ماري ولستونكفورت''''، وتحديدًا عام 1792، إذ أصدرت كتابها: '''"دفاعا عن حقوق المرأة"'''.
+
إذا فبواكير النّسويّة العربيّة، بدأت بعد مرور ستين عامًا تقريبا على بواكير النّسويّة الغربيّة، فكان ظهور الأولى في منتصف القرن التّاسع عشر مع '''رفاعة الطّهطاوي''' و'''أحمد فارس الشّدياق'''، وكان ظهور الثّانية في تسعينيّات القرن الثّامن عشر مع '''[[ماري وولستونكفورت]]''''، وتحديدًا عام 1792، إذ أصدرت كتابها: '''"[[دفاعا عن حقوق المرأة]]"'''.
   −
يلاحظ إذًا أنّ المدّة الفارقة بين الانطلاقتين للنّسويّة، الغربيّة والعربيّة، ليست بطويلة نسبيّا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ظروف البلدان العربيّة المتردّية والمتهافتة مقارنة مع الأوروبيّة في ذلك الزّمان، إن كان على مستوى القوى السّياسيّة والاقتصاديّة والحراكات الثّقافيّة والعلميّة والصّناعيّة، ممّا يعني أنّ التّواصل العربيّ الغربيّ كان سريع التّأثير؛ لكن ثمّة فرق جوهريّ بين التّجربتين، وهو أنّ الموجة النّسويّة الأولى في أوروبا والّتي انتهت في أواخر عشرينيّات القرن الماضي وبدايات الثّلاثينيّات، تمكّنت من مأسسة نفسها والخروج بمنجزات قانونيّة ودستوريّة وباعترافات رسميّة، أمّا في العالم العربيّ، فلم تحقّق شيئًا رسميّا ملموسًا يذكر حتّى خمسينيّات القرن العشرين، وكانت حينها النّسويّة الغربيّة قد قطعت شوطًا طويلاً نحو ما يسمّى بـ"الموجة النّسويّة الثّانية" والّتي بدأت في ستينيّات القرن العشرين.
+
يلاحظ إذًا أنّ المدّة الفارقة بين الانطلاقتين للنّسويّة، الغربيّة والعربيّة، ليست بطويلة نسبيّا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ظروف البلدان العربيّة المتردّية والمتهافتة مقارنة مع الأوروبيّة في ذلك الزّمان، إن كان على مستوى القوى السّياسيّة والاقتصاديّة والحراكات الثّقافيّة والعلميّة والصّناعيّة، ممّا يعني أنّ التّواصل العربيّ الغربيّ كان سريع التّأثير؛ لكن ثمّة فرق جوهريّ بين التّجربتين، وهو أنّ الموجة النّسويّة الأولى في أوروبا والّتي انتهت في أواخر عشرينيّات القرن الماضي وبدايات الثّلاثينيّات، تمكّنت من مأسسة نفسها والخروج بمنجزات قانونيّة ودستوريّة وباعترافات رسميّة، أمّا في العالم العربيّ، فلم تحقّق شيئًا رسميّا ملموسًا يذكر حتّى خمسينيّات القرن العشرين، وكانت حينها النّسويّة الغربيّة قد قطعت شوطًا طويلاً نحو ما يسمّى بـ"[[موجة نسوية ثانية | الموجة النّسويّة الثّانية]]" والّتي بدأت في ستينيّات القرن العشرين.
    
فرقٌ جوهريّ آخر، بين انطلافة النّسويّتين، العربيّة والغربيّة، أنّ الأولى كانت مذكّرة في بداياتها، إذ كان الدّاعون والفاعلون لمنح المرأة حقوقها رجالا، ثمّ أنّثت بعد ذلك، أمّا النّسويّة الغربيّة، فهي ومنذ البداية نسائيّة الفعل والحراك.
 
فرقٌ جوهريّ آخر، بين انطلافة النّسويّتين، العربيّة والغربيّة، أنّ الأولى كانت مذكّرة في بداياتها، إذ كان الدّاعون والفاعلون لمنح المرأة حقوقها رجالا، ثمّ أنّثت بعد ذلك، أمّا النّسويّة الغربيّة، فهي ومنذ البداية نسائيّة الفعل والحراك.
سطر 351: سطر 368:  
قليلة هي الكتب والدراسات العربية التي تعالج موضوعة النسوية وعلاقتها بالأدب والنقد، وأكثرها صادر في '''تسعينيّات القرن العشرين'''، ويبدو التّأثر بالنسوية الغربية فيها واضحًا تمام الوضوح كما أشرنا سابقًا، وهي لا تدل على وجود منهجية نسوية عربية متكاملة وموحدة في مواجهة الأبوية أو في قراءة الأدب، ولكن يمكن اعتبارها نواة تواصلية ما بين الثقافتين، العربية والغربية، منها:
 
قليلة هي الكتب والدراسات العربية التي تعالج موضوعة النسوية وعلاقتها بالأدب والنقد، وأكثرها صادر في '''تسعينيّات القرن العشرين'''، ويبدو التّأثر بالنسوية الغربية فيها واضحًا تمام الوضوح كما أشرنا سابقًا، وهي لا تدل على وجود منهجية نسوية عربية متكاملة وموحدة في مواجهة الأبوية أو في قراءة الأدب، ولكن يمكن اعتبارها نواة تواصلية ما بين الثقافتين، العربية والغربية، منها:
   −
1. الحميدي: أحمد جاسم: المرأة في كتاباتها - أنثى برجوازية في عالم الرجل؛ 1986.
+
# الحميدي: أحمد جاسم: المرأة في كتاباتها - أنثى برجوازية في عالم الرجل؛ 1986.
   −
2. أفاية، محمد نور الدين: الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش؛ 1988.
+
# أفاية، محمد نور الدين: الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش؛ 1988.
   −
3. ناجي، سوسن: المرأة في المرآة - دراسة نقديّة للرّواية النّسائيّة في مصر؛  1989.
+
# ناجي، سوسن: المرأة في المرآة - دراسة نقديّة للرّواية النّسائيّة في مصر؛  1989.
   −
4.دوغلاس، فدوى مالطي: كلمة المرأة، جسد المرأة: الهويّة الجنسيّة والخطاب في الكتابة العربيّة الاسلاميّة؛ 1990.
+
# دوغلاس، فدوى مالطي: كلمة المرأة، جسد المرأة: الهويّة الجنسيّة والخطاب في الكتابة العربيّة الاسلاميّة؛ 1990.
   −
5. بنمسعود، رشيدة: المرأة والكتابة، سؤال الخصوصيّة، بلاغة الاختلاف؛ 1994.
+
# بنمسعود، رشيدة: المرأة والكتابة، سؤال الخصوصيّة، بلاغة الاختلاف؛ 1994.
   −
6. دوغلاس، فدوى مالطي: الرّجال والنّساء والآلهة: نوال السّعداوي وفنّ الأدب النّسويّ العربيّ؛ 1995.
+
# دوغلاس، فدوى مالطي: الرّجال والنّساء والآلهة: نوال السّعداوي وفنّ الأدب النّسويّ العربيّ؛ 1995.
   −
7. ناجي، سوسن: صورة الرّجل في القصص النّسائيّ؛ 1995.
+
# ناجي، سوسن: صورة الرّجل في القصص النّسائيّ؛ 1995.
   −
8. الأعرجي، نازك: صوت الأنثى - دراسات في الكتابة النّسويّة العربيّة؛  1997.
+
# الأعرجي، نازك: صوت الأنثى - دراسات في الكتابة النّسويّة العربيّة؛  1997.
   −
9. شعبان، بثينة: مئة عام من الرّواية النّسائيّة العربيّة؛ 1999.
+
# شعبان، بثينة: مئة عام من الرّواية النّسائيّة العربيّة؛ 1999.
   −
10. الغذّامي، عبدالله: المرأة واللّغة؛ 2000.  
+
# الغذّامي، عبدالله: المرأة واللّغة؛ 2000.  
       
'''مآخذ على النقد الأدبي النسوي:'''
 
'''مآخذ على النقد الأدبي النسوي:'''
   −
1. يجعل النّقد النّسويّ من الكتابة أمرًا يخضع لأهدافٍ وأفكارٍ محدّدةٍ مسبقًا، الأمر الّذي يخالف نظرة المناهج النّقديّة الأدبيّة عمومًا تجاه الكتابة باعتبارها إبداعًا لا يجدر بنا قولبته في إطار نظريّ معدّ مسبقًا، وإلاّ ضعفت وتخلخلت، فالمعروف أنّ الكتابة حصيلة مؤثّراتٍ متعدّدة، بعضها مرتبطٌ بقناعاتٍ أيدولوجيّة معيّنة، ولكنّها لا تقتصر عليها ولا تحصر بها.
+
# يجعل النّقد النّسويّ من الكتابة أمرًا يخضع لأهدافٍ وأفكارٍ محدّدةٍ مسبقًا، الأمر الّذي يخالف نظرة المناهج النّقديّة الأدبيّة عمومًا تجاه الكتابة باعتبارها إبداعًا لا يجدر بنا قولبته في إطار نظريّ معدّ مسبقًا، وإلاّ ضعفت وتخلخلت، فالمعروف أنّ الكتابة حصيلة مؤثّراتٍ متعدّدة، بعضها مرتبطٌ بقناعاتٍ أيدولوجيّة معيّنة، ولكنّها لا تقتصر عليها ولا تحصر بها.
   −
2. لم يتمكّن النّقد النّسويّ إلى الآن من طرح أيّ أمر جوهريّ يجعله يبدو مختلفًا عن المذاهب النّقديّة الأدبيّة الأخرى، وهو ومنذ بدايات ظهوره لم يشكّل طرحًا موحّدًا واضح المعالم، مع أنّ عمره يكاد يتجاوز الأربعين عامّا، فنجده في حالة تجدّد وتغيّر دائم على مستوى المفاهيم، وذلك لاختلاف وتعدّد منطلقات أصحابه الفكريّة والثّقافيّة، وإن كان التّجدّد والتّطوّر أمرًا يستحسن في العلوم والفكر، فإنّه إذا تحوّل إلى حالة عدم استقرارٍ دائمٍ يصبح عيبًا وعائقًا، خاصّة في حقول النّقد الأدبيّة، ذلك أنّنا نكون بحاجةٍ إلى قواعد منهجيّة واضحة وبيّنة، متكاملة وشاملة ودقيقة الأدوات، يمكننا تطبيقها على نصّ أدبيّ، أمّا في حالة النّقد النّسويّ فنكادُ لا نجد ذلك.
+
# لم يتمكّن النّقد النّسويّ إلى الآن من طرح أيّ أمر جوهريّ يجعله يبدو مختلفًا عن المذاهب النّقديّة الأدبيّة الأخرى، وهو ومنذ بدايات ظهوره لم يشكّل طرحًا موحّدًا واضح المعالم، مع أنّ عمره يكاد يتجاوز الأربعين عامّا، فنجده في حالة تجدّد وتغيّر دائم على مستوى المفاهيم، وذلك لاختلاف وتعدّد منطلقات أصحابه الفكريّة والثّقافيّة، وإن كان التّجدّد والتّطوّر أمرًا يستحسن في العلوم والفكر، فإنّه إذا تحوّل إلى حالة عدم استقرارٍ دائمٍ يصبح عيبًا وعائقًا، خاصّة في حقول النّقد الأدبيّة، ذلك أنّنا نكون بحاجةٍ إلى قواعد منهجيّة واضحة وبيّنة، متكاملة وشاملة ودقيقة الأدوات، يمكننا تطبيقها على نصّ أدبيّ، أمّا في حالة النّقد النّسويّ فنكادُ لا نجد ذلك.
   −
3. قام النّقد النّسويّ عمومًا بسلخ نفسه عن النّظريّات النّقديّة السّابقة كونها نتاجات ذكوريّة أبويّة لا تراعي للمرأة وجودًا وخصوصيّة، فأقصى بذلك المرأة وعزلها في جزيرةٍ خاصّة، الأمر الّذي يناقض طروحات النّسويّة وأخلاقيّاتها بالانفتاح على الآخر واحتوائه وتعزيز مبادئ المساواة والمشاركة والتّعاون بين البشر.
+
# قام النّقد النّسويّ عمومًا بسلخ نفسه عن النّظريّات النّقديّة السّابقة كونها نتاجات ذكوريّة أبويّة لا تراعي للمرأة وجودًا وخصوصيّة، فأقصى بذلك المرأة وعزلها في جزيرةٍ خاصّة، الأمر الّذي يناقض طروحات النّسويّة وأخلاقيّاتها بالانفتاح على الآخر واحتوائه وتعزيز مبادئ المساواة والمشاركة والتّعاون بين البشر.
   −
4. مع أنّ النّاقدات النّسويّات طالبن دومًا بإيجاد نظريّة نقديّة أدبيّة بعيدة عن سلطة الخطاب الذّكوريّ، والأبويّة والبطريركيّة، تراعي شؤون النّساء وتخلّصهنّ من قيود نظريّات الرّجال، فإنّنا نجد أهمّ النّاقدات النّسويّات، ومن حيث لا يعلمن متأثّرات فيما يكتبن بنظريّات من نتاجات الرّجال، مثل '''ماركس''' و'''سارتر''' و'''فرويد''' و'''لاكان''' و'''سوسير''' وغيرهم، فيهاجمنهم ويلجأن إليهم في الوقت ذاته.
+
# مع أنّ النّاقدات النّسويّات طالبن دومًا بإيجاد نظريّة نقديّة أدبيّة بعيدة عن سلطة الخطاب الذّكوريّ، والأبويّة والبطريركيّة، تراعي شؤون النّساء وتخلّصهنّ من قيود نظريّات الرّجال، فإنّنا نجد أهمّ النّاقدات النّسويّات، ومن حيث لا يعلمن متأثّرات فيما يكتبن بنظريّات من نتاجات الرّجال، مثل '''ماركس''' و'''سارتر''' و'''فرويد''' و'''لاكان''' و'''سوسير''' وغيرهم، فيهاجمنهم ويلجأن إليهم في الوقت ذاته.
   −
5. يناقض النّقد النّسويّ نفسه في أكثر من قضيّة، منها أنّه ينكر تقسيم الأدب إلى أنثويّ وذكوريّ، في الوقت الّذي يحاول فيه إقناعنا بوجود معايير وأقيسة فنيّة وجماليّات خاصّة بالأدب النّسويّ، وأخرى خاصّة بالأدب الذّكوريّ، ومنها أيضًا أنّه يعتقد وجود كتابة أنثويّة من منطلقات بيولوجيّة، ويهاجم في الوقت نفسه أيّ تمييز بين الرّجل والمرأة على أساس بيولوجيّ.
+
# يناقض النّقد النّسويّ نفسه في أكثر من قضيّة، منها أنّه ينكر تقسيم الأدب إلى أنثويّ وذكوريّ، في الوقت الّذي يحاول فيه إقناعنا بوجود معايير وأقيسة فنيّة وجماليّات خاصّة بالأدب النّسويّ، وأخرى خاصّة بالأدب الذّكوريّ، ومنها أيضًا أنّه يعتقد وجود كتابة أنثويّة من منطلقات بيولوجيّة، ويهاجم في الوقت نفسه أيّ تمييز بين الرّجل والمرأة على أساس بيولوجيّ.
    
== خاتمة ==
 
== خاتمة ==
7٬893

تعديل