ترجمة:المجتمع الأمومي - النظرية والتعريف

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Tango Globe of Letters.svg

محتوى متن هذه الصفحة مترجم من لغة غير العربية أنجزته المساهموت في ويكي الجندر وفق سياسة الترجمة.

شعار ويكي الجندر.svg
ورقة بحثية
ترجمة مي طرّاف من الإنجليزية
تحرير
بيانات الأصل:
العنوان الأصلي Matriarchal Society: Definition and Theory
المصدر Matriarchiv
تأليف هايدا جوتنر ابندروث
تاريخ النشر 2004
تاريخ الاسترجاع 2018-05-29
مسار الأصل http://www.matriarchiv.info/uploads/HGA-E-Matriarchal-Society-Definition-and-Theory.pdf


نشرت هذه الورقة البحثية ضمن كتاب "المنْح: تحليل نسوي"، روما 2004 (The Gift, A Feminist Analysis, Athanor book, Meltemi editore, Roma 2004)
قد توجد وثائق أخرى من نفس المصدر مصنّفة على تصنيف:وثائق مصدرها Matriarchiv

{{#createpageifnotex:تصنيف:أوراق بحثية|{{صفحة_تصنيف_نوع_وثائق}}}} {{#createpageifnotex:تصنيف:وثائق مصدرها Matriarchiv |{{صفحة_تصنيف_مصدر_وثائق}}}}




نحو تطوير علم اجتماع جديد

بعد انتهائي من درجة الدكتوراه في الفلسفة بجامعة ميونخ في موضوع منطق التفسير، قمت بتدريس فلسفة ونظرية العلم في جامعة ميونخ من سنة 1973 إلى سنة 1983. ثم تركت التدريس بالجامعة لأنني وجدت مهمة أكثر أهمية واتصالًا بالمجتمع. فمنذ عام 1976 أقوم بعمل متفرد مع زميلاتي لتأسيس مساق دراسات المرأة في غرب ألمانيا. وفي هذا السياق قدمت لأول مرة الإطار العام لنظريتي عن المجتمعات الأمومية. بدأت العمل على تطوير هذه النظرية منذ أن كنت طالبة في الخامسة والعشرين من عمري، حيث غُصت في جميع المكتبات بفروعها العلمية المختلفة لتعزيز بحثي متعدد التخصصات، كما سافرت كثيرًا لزيارة العديد من المواقع الأثرية. كانت تلك الأبحاث بمثابة دراسة غير رسمية أقوم بها إلى جانب دراستي الرسمية في الفلسفة التحليلية ونظرية العلم والمنطق الرسمي.

عرضت نظريتي على الملأ لأول مرة سنة 1976، ومن ثم نُشر أوّل كتاب لي في هذا المجال بعنوان "الربّة الأنثى وأبطالها" (The Goddess and her Heros) باللغة الألمانية سنة 1980 وباللغة الإنجليزية سنة 1995. ومنذ سنة 1983 فصاعدًا، كرست نفسي كليًا لهذه المهمة التي لم تحظى عندها باعتراف رسمي في أي من الجامعات داخل ألمانيا. ولكن كان هناك جمهورٌ آخر يهتم بشدة لهذا العمل، فقد كان كتابي بمثابة انطلاقة لإثارة النقاش حول المجتمعات المتمركزة حول النساء والأمومية داخل الحركة النسوية الجديدة في ألمانيا الغربية. كنت واعية تمامًا أن لهذه المناقشة تراثٌ طويل في الدول الأوروبية المتحدثة باللغة الألمانية مثل سويسرا والنمسا وألمانيا، رجوعًا بالزمن إلى عمل باخوفن الشهير "الأسطورة والدين وحق الأم"، الذي نُشر سنة 1861. وقد استمرت المناقشة حول "حق الأم" و"الأمومية" لما يزيد عن قرن، حيث استُخدم هذا الموضوع واستُغل أيضًا من قبل جميع المدارس الفكرية والأحزاب السياسية، كلٌّ من وجهة نظره المختلفة تمامًا. أكثر ما أقلقني في هذا التلقي والتناول لأفكار باخوفن كان الافتقار التام لتعريف واضح للموضوع المطروح. وعلاوة على ذلك، الكم الهائل من المشاعر والأيديولوجيات التي انخرطت في المناقشة. كما أن هذا المزيج من التعريفات غير الواضحة والعاطفة المفرطة يتواجد أصلًا في عمل باخوفن نفسه.

يُعدّ عمل باخوفن، والذي يُحسب على مجال تاريخ الثقافات، موازيًا مثاليًا لعمل لويس مورجان (في مجال الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا) الذي بحث في المجتمعات الأمومية عند قبائل الإيروكوا في زمنه (سنة 1851 والسنوات ما بين 1871 و1877). ولكن قوبلت أعمال كلٍّ من الباحثين بتقييم مختلفٍ جدًا؛ وتُلقي هذه الاختلافات الضوء على أن موضوع المجتمع الأمومي هو محض شأن سياسي في قلب المجتمع الأبوي.

الباحثون في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، والذين من المفترض أن يكونوا شديدي الاهتمام بنتائج عمل باخوفن، تجاهلوا أو سخروا من معظمها، في حين أشادوا بعمل مورجان وأطلقوا عليه لقب "أبو الإثنولوجيا"، لتأسيسه علوم الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا الجديدة، وذلك في الوقت ذاته الذي أسس باخوفن فيه علمًا جديدًا: علم المجتمعات غير الأبوية أو علم المجتمعات الأمومية، غير أنه لم يُكرّم ويُحتفى به بنفس القدر. وسبب هذا الفرق بسيط جدًا، فلو أُخذ عمل باخوفن على محمل الجد، لتسبب ذلك في بدايات انهيار الأيدلوجية الأبوية ورؤية العالم من خلالها، فهو يسجّل بداية تطوير نموذج جديد لتاريخ الإنسانية، ومن هنا كانت هناك خطورة شديدة في الاعتراف على نحو كافٍ!

بعد كل هذه الأفكار قررت - استنادًا على أساسات أدواتي الفلسفية - أن أمنح الدراسات الأمومية، الدراسات التي تهتم بكل أشكال المجتمعات غير الأبوية سواء في الماضي والحاضر، أسسًا علمية حديثة. أقدر هذا المجال البحثي كمجال ذي أهمية كبيرة ولا يمكن إهماله بهذا الشكل، وقد انخرطت داخله بنفسي أيضًا كباحثة. "أن أمنح هذا المجال أسسًا علمية حديثة" يعني صياغة تعريف يدمج المواد الكثيرة المرتبطة به، وتطوير إطار نظري داعم. في ضوء صياغة هذا الإطار النظري، فإن العديد من الدراسات المتخصصة الممتازة التي أُجريت بالفعل في هذا المجال، ستعرض بشكل أوضح ترابطاتها المتبادلة، كما من الممكن أن تُلهم المزيد من الأبحاث المستقبلية وتوجّهها. إن تطوير نظرية شاملة لا يعني أبدًا تقييدها في نظام مغلق (اتجاه فلسفي تقليدي، يصبح باليًا يومًا ما)، ولكن يعني أن نمنحها إطارًا مفتوحًا يقدم توضيحًا ومساعدة لكل عمل بحثي، بما فيهم بحثي أنا شخصيًا. في بداية عملي على هذه المهمة، قضيت مبدئيًا عشر سنوات في تطوير منهجية بحثية لمجال الأمومية؛ منهجية متعددة التخصصات في الأساس، وتعتمد على نقد الأيديولوجية الأبوية.

الجزء الأول من هذا العمل كان ربط مختلف فروع المعرفة المستخدمة في هذا البحث ببعضهم البعض، وفعل ذلك بشكل ممنهج وليس اعتباطيًا كما يحدث غالبًا. أما الجزء الثاني فكان تطوير منهجية خاصة للنقد الأيديولوجي لتقصّي مختلف جوانب الأيدولوجيا الأبوية وليس فقط إعادة إنتاجها من جديد بلا وعي. خطوةً بخطوة، طورت الإطار العام لـ"نظرية الأمومية"، والتي أود أن أعرض ملخصًا لها الآن. بعد ذلك أرغب في تقديم إطار للتعريف المنهجي لماهية "المجتمع الأمومي" والذي هو أساس "النظرية الأمومية". إن كلا الإطارين نتاج ثلاثين سنة من البحث في مجال المجتمعات الأمومية، حيث تطوّرا عبر عملية طويلة من التجارب والأخطاء. وهما ليسا في أي حال من الأحوال فرضيات استنتاجية، على الرغم من أنني أعرضهما هنا بشكل مكثّف ومجرّد.

الجزء الأول

أود أن أبدأ ببعض الملاحظات الخاصة باستخدامي لمصطلح "أمومية". فبالرغم من صعوبة الدلالات المرتبطة بهذه الكلمة، إلا أنني أُطلق على كل المجتمعات غير الأبوية مسمّى "مجتمعات أمومية" لعدة أسباب:

1- اشتهر مصطلح "أمومية" من النقاشات التي دارت منذ سنة 1861 (باخوفن)، وهو اليوم مصطلح شائع بالفعل.

2- غالبًا ما ترجع إعادة التعريفات الفلسفية والعلمية إلى كلمات معروفة جدًا ثم تعيد وضع تعريفاتٍ لها. بعدها، يصبح بإمكان الباحثين العمل مع تلك الكلمات، ولكن دون أن يفقدوا الاتصال بلغة المجتمع. في هذه العملية تأخذ الكلمات غالبًا معنى جديدًا أكثر وضوحًا واتساعًا حتى في اللغة الشعبية، وهذا نفسه متأثر جدًا بما يقوم به الباحثين من نشاطات في إعادة التعريفات. وفي حالة مصطلح "الأمومية" سيكون لإعادة التعريف هذه ميزة عظيمة خاصة للنساء، فاستعادة هذا المصطلح سيؤدي بالضرورة إلى استعادة المعرفة بالثقافات والحضارات التي أنشأتها النساء.

3- في رأيي، قد لا يكون من المجدي دومًا أن ننشئ مصطلحًا علميًا جديدًا مثل: بؤرية الأم، مركزية الأم، سلطة الأم، الجيلنكية، وغيرها. بعض هذه المصطلحات مثل "بؤرية الأم" و"الجيلنكية" مصطنعة تمامًا وليس لها أية صلة باللغة الشعبية. وأخرى مثل "مركزية الأم" و"سلطة الأم" مصطلحات ضعيفة للغاية، حيث تترك انطباعًا بأن المجتمعات غير الأبوية لا تعني أي شيء سوى أنها تتركز حول الأمهات، ما ينتج نظرة محدودة نوعًا ما لهذه المجتمعات، من قبل الباحثين وكذلك النقاد، نظرةٌ تهمل الشبكة المركبة من العلاقات والشبكات الاجتماعية المعقدة التي تُميزهذه الثقافات.

4- نحن لسنا ملزمات/ين باتباع التفسير الحالي، المنحاز للذكور، لكلمة "أمومية" (Matriarchy)، والتي يفسرونها على أنها تمنح الهيمنة للنساء وحسب. السبب الوحيد لتفسيرها بهذا الشكل هو كونها على وزن كلمة "patriarchy" أي الأبوية. لكن كلمة "arché" اليونانية تحمل معنى مزدوجًا؛ فهي تعني "البداية" وتعني كذلك "الهيمنة". من هنا، نستطيع ترجمة مصطلح الأمومية بدقّة على أنها "الأمهات منذ البداية"، في حين نترجم مصطلح الأبوية على أنها "هيمنة الآباء".

5- استخدام مصطلح الأمومية بمعناه الموضّح والمعاد تعريفه هو أمر ذو أهمية سياسية أيضًا. فهذا المصطلح لا يتجنب المناقشة مع المتخصصين والجمهور المهتم، الأمر الذي غدا في غاية الضرورة. وقد يحدث ذلك بسهولة مع المصطلحات الأخرى، الأمر الذي يميل إلى التكتّم والاستخفاف. على الباحثات والباحثين أن لا يتهرّبن أو يخجلوا من الدلالة الاستفزازية لكلمة أمومية، وذلك لسببين؛ أولًا لأن البحث في هذا المجال هام للغاية، وثانيًا لأنه وحده الاستفزاز السياسي المستمر ما سيحدث تغييرًا في العقول.


نطاق البحث الحديث في الأمومية

بعد النقاشات التي دارت حول عملي الرئيسي (الأمومية)، الذي نشر بشكل متتابع على عدة مراحل.اريد باختصار عرض نظريتي عن المجتمعات الأمومية. فهي توضح نطاق البحث الحديث للأمومية. كبحث هام موجود بالفعل ويتم العمل عليه و تطويره في نطاق هذا الإطار.أعطيت في الخطوة الأولى من تطوير هذه النظرية نظرة عامة على البحوث السابقة في الأمومية وبعد ذلك اتبعت مسار البحث مستخدمة نماذج علمية وسياسية والذى أوضح نقص في تعريف واضح وكامل للأمومية. وضعت في هذا الكتاب ايضا النقد الأيديولوجي بمصطلحات صحيحة. هذه المنهجية ضرورية في نطاق الدراسة لان اغلب الكتابات المبكرة والمعاصرة في هذا الموضوع تحتوي على كم ضخم من الايدلوجيا الأبوية (انظري: الامومية، تاريخ استكشافها، كولمار 1988- 1995)

صغت في الخطوة الثانية من تطوير النظرية تعريف بنيوي كامل للأمومية، نحتاجه بالفعل، يحدد الخصائص الضرورية والملائمة لهذا الشكل المجتمعي، غير مجرد الصياغة ولكن تم صياغته بالكثير من التحرير والتدقيق في المواد العلمية الاثنولوجية. أصبحت الخطوات المنظمة للبحث الإثنولوجي واضحة الآن. كرست العشر أعوام الماضية لهذا البحث، لأننا لا يمكننا وضع تعريف كامل لمصطلح الأمومية فقط من التاريخ الثقافي وحدة، والذى نتعامل فيه مع بقايا وحطام المجتمعات السابقة، هذا غير كافي لصورة شاملة.

لا نستطيع انكار اهمية او كثرة هذه البقايا، لكنها لا تعطينا سوى بعض المعلومات المتناثرة. فالبحث الثقافي وحده لا يمكننا من معرفة كيف كان الأفراد الأموميين يفكرون ويشعرون، كيف كانوا ينظمون أنماطهم الاجتماعية، أو أحداثهم السياسية، والذي يعطينا صورة عن كيف تم تنظيم مجتمعهم ككل. للحصول على المعرفة بهذه الأشياء، ينتج عنها انجاز تعريف كامل لمصطلح الأمومية، لابد ان نبحث نماذج حية من المجتمعات الأمومية ولحسن الحظ مازال موجود نماذج من هذه المجتمعات في جميع القارات عدا قارة أوروبا. عرضت هذه الثقافات في المرحلة الثانية من النظرية حين كنت أقدم كل المجتمعات الامومية الموجودة في جميع أنحاء العالم. (انظري: الأمومية 2 المجتمعات القبلية في شرق اسيا , اندونسيا,اوفيانوسيا كولمار 1991\1995)، (انظري أيضا الامومية 2\2 المجتمعات القبلية في أمريكا, الهند , افريقيا كولمار 2000 )

استخدمت في المرحلة الثالثة من تطوير النظرية التعريف الكامل لمصطلح أمومية، والذي اتخذته كأداة علمية لمراجعة تاريخ الثقافة الإنسانية. فهذا التاريخ أطول بكثير من الأربعة أو خمسة آلاف عاما الذي يسرده التاريخ الأبوي. كانت المجتمعات في الفترة الأطول من أعمار المجتمعات القديمة مجتمعات غير أبوية، حيث النساء هن اللاتي يصنعن الثقافة، ويجسدن المركز المتكامل للمجتمع. المجتمعات الأمومية الموجودة حتى الآن هي أقرب الأمثلة. لحسن الحظ يوجد في هذا المجال بعض الأبحاث الممتازة متاحة بالفعل، حيث تم تطويرها حديثا، لكن ينقصها في كل الأحوال إطار منهجي مترابط ، يعطي صورة عامة لتاريخ طويل من الامومية. (المشروع:الأمومية 3، التاريخ الثقافي للمدينة، قيد التطوير)

كان من الواضح أن هذه المهمة الضخمة مستحيل إنجازها بدون وضع تعريف كامل للأمومية. وبعد صياغته في الجزء الإثنولوجي للبحث، أصبح لدينا الآن ولأول مرة الفرصة الكافية لكتابة تاريخ كامل للإنسانية، بدون تشتت الانحيازات الأبوية. هذه الصياغة الجديدة للتاريخ باتت ضرورية بشكل عاجل اليوم، لأن الصياغة الابوية للتاريخ تثبت خطأها وقدمها يوما عن يوم.


كتبت في المرحلة الرابعة من تطوير النظرية عن مشكلة صعود الأبوية. ومن الضروري هنا الإجابة عن سؤالين مهمين:

1- كيف استطاعت النظم الابوية أن تتطور منذ البداية؟

2- كيف استطاعوا نشرها في جميع أنحاء العالم؟ وهذا الأخير ليس واضحا على الإطلاق.

في رأيي لم يتم اجابة هذه الأسئلة بشكل كاف حتى الآن، لكن قُدمت الكثير من التفسيرات غير الصحيحة، اذا اردنا تفسير تطور المجتمعات الابوية لابد أولا: أن يكون لدينا معرفة واضحة عن شكل المجتمعات الموجودة من قبلها، أقصد هنا الامومية بالتأكيد.في الوقت الحاضر هذه المعرفة في طور التطوير، هذا شرط مسبق لتفسير تطوير الابوية غير ذلك سنبدأ في اتباع مسيرة الافتراضات الخاطئة. ثانيا: نظرية تطور الابوية لابد وأن تفسر لماذا ظهرت النظم الابوية في أماكن مختلفة، في قارات مختلفة، في أوقات مختلفة، تحت ظروف مختلفة أيضا، الاجابات ستكون مختلفة تماما في كل منطقة في العالم وهذا العمل لم ينفذ بعد علي الاطلاق. (مشروع : الامومية 4، تشكيل الابوية، قيد التطوير)


حللت في المرحلة الخامسة من تطوير هذه النظرية تاريخ الأبوية، يكتب تاريخ الأبوية حتى الأن كتاريخ للسلطة، كتاريخ فوقي يكتب من الأعلى، لكن هناك أيضا منظور آخر للتاريخ، التاريخ الذي يكتب من الأدنى، الذى يظهر صورة مختلفة تماما، يشمل تاريخ النساء، والطبقات الدنيا، والمهمشين، والأقليات الثقافية المختلفة، والذي يظهر أن الابوية لم تستطيع النجاح في هدم التقاليد الأمومية القديمة على مستوى جميع القارات، في النهاية ترعرعت الأبوية كطفيل على هذه التقاليد.

يظهر هذا العمل أن هذه التقاليد ( التقاليد الشفاهية، العادات، الأساطير، الشعائر الفلكلورية) لهم جذور من الثقافة السابقة ألا وهي الأمومية، لكننا ندرك ذلك فقط بمساعدة التعريف الكامل للأمومية، إذا استطعنا تتبع هذه الآثار عبر تاريخ الأبوية، والذى يعني إستعادة تراثنا. (مشروع: التقاليد والأمومية في المجتمعات الابوية، قيد التطوير)

الجزء الثاني: تعريف المجتمعات الأمومية

يمكنني الآن إعطاء تعريف بنيوي للأمومية، مما يعني انه لا نستطيع أن نترك أي معيار من المعايير لكي يكون التعريف صحيحا، سأقوم بعرض المعايير للمجتمعات الأمومية على ثلاثة أصعدة، الصعيد الاقتصادي، صعيد الأنظمة الاجتماعية، الصعيد الثقافي.

على الصعيد الاقتصادي

كانت أغلب المجتمعات الأمومية مجتمعات زراعية. طوروا فيها تقنيات الزراعة من الزراعة البسيطة، إلى الزراعة الكاملة بالمحراث (في بداية العصر الحجري الحديث،من 10 آلاف عام)، وأخيرا إلى نظام الري الحديث في الثقافات الحضرية المبكرة. في الوقت نفسه استمرت اشكال الأمومية المجتمعية لتصبح متمايزة تماما في غضون آلاف السنين. فارتبط صعود الأمومية بشكل مباشر بهذه التقنيات الجديدة. تقسم البضاعة طبقا الي نظام متطابق تماما مع مستويات القرابة ونظم الزواج، هذا النظام يمنع تراكم البضائع لدى شخص واحد أو مجموعة واحدة، بالتالي ظلت مبادئ المساواة قائمة بشكل واعي والمجتمع مساواتي وغير تراكمي. من وجهة نظر سياسية كانت المجتمعات الأمومية تشاركية بشكل مثالي، كل نفع او ضرر يخص كسب البضائع كانت يخضع إلى قانون اجتماعي، على سبيل المثال احتفالات القرية: كان الزاما علي العشائر الغنية استضافة كل سكان القرية، هم ينظمون المآدب التي يوزعون فيها ثرواتهم لأكتساب الشرف. لذلك على الصعيد الاقتصادي أطلقت على المجتمعات الامومية مجتمعات تبادلية.

على الصعيد الاجتماعي

الامومية قائمة على اتحاد القبائل الممتدة حيث يعيش الناس مع بعضهم البعض في قبائل كبيرة، التي تتكون طبقا لمبدأ له علاقة بالقرابة الامومية، أي أن القرابة تعرف فقط عن طريق الإناث.يمرر أسم العشيرة وكل المناصب الاجتماعية والألقاب السياسية من خلال خط نسب الأم.العشيرة الأمومية تتكون على الأقل من ثلاث أجيال من النساء: أم العشيرة، بناتها، حفيداتها، والاقرباء من الرجال: أخوة الأم، والأبناء، والأحفاد. بشكل عام تعيش العشيرة الأمومية في بيت واحد كبير يسمى بيت العشيرة، يعيش فيه قرابة من عشرة إلى مائة شخص، بحسب الحجم والشكل الهندسي للبيت، تعيش النساء هناك بشكل دائم؛ لأن الابنة والحفيدة لا يمكنها مغادرة بيت عشيرة أمهاتهن عندما تتزوج، يسمي ذلك "أمومية المكان".

أهم ما في الأمر هو حقيقة أن النساء لديها القدرة علي التصرف في موارد العشيرة، بالأخص قوة التحكم في موارد الغذاء، والأرض، والطعام. وهذه الخصائص بجانب أمومية النسب وأمومية المكان تمنح الأم موضع قوي، تجعل من هذه المجتمعات مجتمعات أمومية. (لم يميز الانثروبولوجيين بين أمومية النسب فقط والمجتمعات الأمومية بالكامل، وهذا مازال يسبب ارتباكا كبيرا.) هذه العشائر الأمومية في منزل العشيرة وعلى أرض العشيرة هي مجموعات تعتمد على الدعم الذاتي. كيف يمكن للأفراد من مجموعة تعتمد على الدعم الذاتي التواصل مع قبائل اخرى من نفس القرية ؟، هذا يتأثر بنظم الزواج، خاصة النظام الزواج التبادلي بين قبيلتين.

الزواج التبادلي بين عشيرتين ليس زواجا فرديا، بل زواجا جماعيا يؤدي الى تزاوج اجتماعي علي سبيل المثال شاب من عشيرة (أ) تزوج فتاة من عشيرة (ب) وشاب من عشيرة (ب) تزوج شابة من عشيرة (أ) هذا يسمي زواجا تبادليا بين عشيرتين في قرية امومية. وهذا أيضا يحدث ما بين العشائر الأخرى علي سبيل المثال عشيرة (س) مع عشيرة (ص) و عشيرة (ج) مع عشيرة (ح) حتي يكون هناك أنظمة إضافية من الزواج بين كل العشائر. في النهاية كل شخص في القرية الامومية او المدينة الامومية هو قريب لكل الاخرين بالولادة او بالزواج، لذلك اطلقت علي المجتمعات الامومية بانها مجتمعات القرابة.

لا يضطر الشاب الذي ترك بيت أمه بعد زواجه أن يذهب بعيدا، في الواقع يذهبون ليلا إلى بيوت الجوار حيث يعيش زوجاتهم ويعودون مبكرا في الفجر. هذا الشكل من الزواج يسمى زواج الزيارات، وهو محدد فقط بوقت الليل. هذا يعني أن الرجال الذين يعيشون في ظل نظام أمومي لا يحق لهم العيش في بيت زوجاتهم، بيتهم هو بيت عشيرة الأم، وهناك يقومون بدورهم بالعمل في الحقول او الجنائن وأيضا يشتركون في اخذ القرارات للعشيرة، هم لديهم حقوق وعليهم واجبات. لا يعتبر الرجل الأمومي أبناء زوجته علي أنهم أبنائه ايضا، لأنهم لا يأخذون اسم عشيرته هم يأخذون اسم الأم واسم عشيرة الأم.الرجل في النظام الأمومي قريب اكثر لأبناء وبنات اخته لانهم يشاركونه نفس اسم العشيرة. يكون لأبناء وبنات الأخت كل اهتمامه، ورعايته، وتوريث ممتلكاته الشخصية. الأبوة البيولوجية لم تكن معروفة وقتها أو لم يكن يعيروا ذلك أي اهتمام فهو ليس عاملا مجتمعيا. الرجل في ظل النظام الأمومي يرعى أولاد وبنات اخته كنوع من الابوة المجتمعية.

حتى عملية اتخاذ القرارات السياسية هي عملية منظمة على التوازي من القرابة الأمومية، ففي بيت العشيرة يجتمع الرجال والنساء في مجلس العشيرة لكي يناقشوا الأمور الداخلية الخاصة بهم، ولا يتم إقصاء أي من افراد المنزل وبعد كل هذه المناقشات يتم اتخاذ القرار بالإجماع، يحدث ذلك أيضا علي مستوي القرية حيث يحضر نائبا عن كل عشيرة في مجلس القرية إذا كان ذلك أمر يخص القرية كلها، هؤلاء النواب من الممكن أن يكونوا أكبر النساء في القرية عمرا أو الأخوة والأبناء، من الممكن أن يتم اختيارهم للتمثيل عن العشيرة ولا يستطيع احد اتخاذ القرار يخص القرية كلها بدون إجماع كل العشائر، وهذا يعني ان هؤلاء النواب الذين يناقشون الامر ليسوا هم من يتخذون القرار، هو ليس مجلسا لصنع السياسات لأن هذا المجلس ليس إلا وسيلة للتواصل، اذا لاحظ المجلس أن العشيرة لم توافق بعد يرجع العضو المنتدب الي بيت العشيرة ليناقش معهم بشكل موسع، بهذا الشكل يتفق الجميع في القرية على رأي واحد خطوة بخطوة.

الأفراد الذين يعيشون في منطقة واحدة يأخذون القرارات بنفس الشكل: نواب من كل قرية يجتمعون يتبادلون القرارات الخاصة بمجتمعهم، وظيفتهم هنا كوسيلة اتصال بمجتمعاتهم ليس أكثر، في هذه الحالة يكونوا رجال تم انتخابهم من قريتهم حيث أن السيدات لا تغادر بيوت القبيلة او أراضيها.في مقابل الأخطاء الاثنولوجية المتكررة عن هؤلاء الرجال، هم ليسوا رؤساء ولا يقررون أي شيءفي الحقيقة. كل قرية وكل عشيرة في هذه القرية مشتركة في عملية اتخاذ القرار حتى يتم الاتفاق على رأي واحد على مستوى المنطقة كلها، من وجهة نظر سياسية أطلقت على المجتمعات الأمومية مجتمعات المساواة أو مجتمعات توافقية.هذه الأنظمة السياسية لا تسمح بتراكم القوة السياسية، بهذا المعنى هم احرار من أي سلطة حيث لا يوجد طبقات من الحكام او المحكومين، أي هم لا يعرفون هيئات تنفيذية، التي هي أساس تكوين السلطة.

على المستوى الثقافي

هذه المجتمعات لا تتميز بوفرة المعتقدات، هذا العرض المبسط يشوه حقيقة أن هذة المجتمعات لديها نظام ديني معقد. المبدأ الأساسي هنا أن الأشخاص الأموميين يملكون الكون ويمتلكون حياتهم، المعتقد الذي يمارسونه في شكل طقوس عديدة أو اساطير او عبادات روحية هو معتقد لإعادة الميلاد، هو ليس فكرة مجردة عن تناسخ الأرواح كما ظهر بعد ذلك في الهندوسية والبوذية ولكن فكرة إعادة الميلاد على وجه دقيق: أن كل أعضاء القبيلة يعلمون أنه بعد الموت سوف يتم إعادة إحيائها من جديد عن طريق امرأة من قبيلتهم من بيتهم وقريتهم، كل شخص متوفي يعود إلى الحياة مباشرة كطفل صغير لنفس القبيلة.

تحترم المجتمعات الامومية النساء وتقدرهم للغاية لأنهن اللاتي يضمن إعادة الحياة، هن يجددن و يمددن من حياة العشيرة. هذه الفكرة هي من الأفكار الأساسية التي يرى بها الاموميين الحياة، تبنوها من العالم الطبيعي المحيط بهم والذي يعيشون فيه، في الطبيعة هناك مراحل: النمو، ثم الازدهار، ثم الذبول، ومن ثم تدور دورة حياة النباتات بهذا الشكل كل عام. الأموميين مقتنعين ان كل نبات يذبل في الخريف يستعيد حياته مجددا في الربيع، ولذلك الأرض هي الأم العظيمة التي تمنح الحياة والرعاية لجميع المخلوقات. في السماء هم يراقبون نفس العملية من الذهاب والمجيء، كل الأجرام السماوية تشرق، ثم تسطع، ثم تغرب كل يوم وكل ليل. هم ينظرون للكون على أنه ربة عظيمة للسماء والخلق، هي باستمرار تخلق كل شيء، هي التي تمنح تنظيم الوقت، تمنح الحياة للنجوم في الشرق لتعبر في السماء حتى يموتون من قوتها في الغرب. مثال جيد على الفكرة الأمومية الكونية هي الربة المصرية نوت، ربة السماء. تمنح الحياة لابنها رع-الذي يعني الشمس- في كل صباح و تبدده كل مساء، فقط لتعطيه الحياة مجددا مع كل إشراق. في الكون وفي الأرض، الأشخاص الأموميين يراقبون دورة الحياة والموت وإعادة الحياة. طبقا للمبدأ الأمومي للاتصال بين الكون الأصغر والكون الأكبر، هم يرون أن نفس الدورة موجودة في الحياة الإنسانية. الوجود الإنساني ليس مختلفا كثيرا عن دورة حياة الطبيعة هي تتبع نفس القواعد. مفهومهم عن الطبيعة وعن العالم الإنساني الذى يفتقد الثنائية التي يفكر بها النظام الأبوي التي تفصل الروح والطبيعة أو المجتمع والطبيعة.

وما أبعد من ذلك هي تفتقر لمبدأ ثنائية الأخلاق، التي تُعرف ماهو الخير وتفصله عن ما هو شر. من وجهة نظر امومية الحياة جالبة للممات، والممات يجلب الحياة مرة اخري، كل شيء له أوان. لو كانت كل الأشياء ضرورية في وقتها، هذا التعارض بين الخير والشر سيكون ليس له معنى. علي نفس هذا النهج، فالأنثى والذكر هم أقطاب الكون. كان من المستحيل في المجتمعات الأمومية اعتبار أي جنس منهم أدنى أو أضعف من الاخر كما هو شائع في المجتمعات الأبوية، النظرة العامة للكون عند الأموميين مصممة بشكل غير ثنائي. لا يوجد فارق كبير بين ما هو مُدنس وما هو مقدس. كل العالم بمظهره الأنثوي هو إلهي ومقدس لجميع الناس، هم يحترمون و يبجلون الطبيعة كقدس الأقداس، ولا يستغلونها ابدا ولا يدمرونها. على سبيل المثال كل بيت هو مكان مقدس يحتوي على مدفأة مقدسة حيث يلتقي الأسلاف الأوائل والأحياء معا. كل مهمة يومية وكل إشارة مشتركة تحمل معنى رمزي ما، كل الأفعال يتم تحويلها إلى طقوس. ولذلك علي الصعيد الثقافي اسمي المجتمعات الأمومية بالمجتمعات المقدسة أو ثقافات الربة الأنثى.

ملخص لمعايير المجتمع الأمومي

  • معايير اقتصادية : المجتمعات ذات الدعم الذاتي للزراعة، الأرض والبيت هم ملكية للعشيرة حيث لا يوجد ملكية خاصة، النساء هم من يملكن حق توزيع مصادر الغذاء، تعديل مستمر لمستوى الثروة من خلال توزيع البضائع الحيوية على هيئة هدايا في الحفلات، فهي مجتمعات تبادلية.
  • معايير مجتمعية: العشائر الأمومية والتي تتكون عن طريق أمومية النسب وأمومية المكان، يكون فيها الزواج تبادلي بين العشيرتين، زواج الزيارات مع حرية جنسية كاملة لكل من الجنسين، ابوة مجتمعية، مجتمع غير تصاعدي – قرابة أفقية وليست هرمية.
  • معايير سياسية: مبدأ التوافقية في بيت العشيرة وعلى مستوى القرية وعلى مستوى المنطقة، النواب هم وسيلة اتصال وليس متخذي قرار، غياب للطبقات وهيكل السلطة، فهي مجتمعات المساواة واتخاذ رأي الجماعة.
  • معايير ثقافية: معتقد معين في إعادة الاحياء داخل نفس القبيلة، عبادة الأجداد والجدات، عبادة الأرض الأم وربة الكون، الوهية العالم بأكمله، غياب ثنائية الاخلاق، كل شيء في الحياة هو جزء من نظام رمزي فهي مجتمعات مقدسة و ثقافات الربة الأنثى.