سطر 25: |
سطر 25: |
| تعتبر النسوية حركة سياسية اجتماعية ظهرت في الغرب للمطالبة بحقوق المرأة، تعتمد على فلسفة تجاه الرؤية [[الذكورية]] التي شكلت وجودها القيمي. فالنسوية -كإطار فكري وفلسفي وحركة سياسية- تمثل توجها يدافع عن حقوق المرأة، ووضع حد لأشكال التحيز و[[التمييز]] التي عانت منها المرأة على مدى التاريخ. فهي تعني الاعتقاد أن المرأة لا تعامل على قدم المساواة في المجتمع الذي ينظم شؤونه ويحدد أولوياته حسب رؤية الرجل واهتماماته ( سارة جامبل: النسوية وما بعد النسوية تر. أحمد الشامي المجلس الأعلى للثقافة القاهرة مصر الطبعة الأولى ص13). وتتعدد نقاط النسوية بحسب تعدد تياراتها، فمن طلب المساواة بين الجنسين في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلى المساواة التامة على كل الأصعدة، وبعضها يدعو للتمركز حول الأنثى. | | تعتبر النسوية حركة سياسية اجتماعية ظهرت في الغرب للمطالبة بحقوق المرأة، تعتمد على فلسفة تجاه الرؤية [[الذكورية]] التي شكلت وجودها القيمي. فالنسوية -كإطار فكري وفلسفي وحركة سياسية- تمثل توجها يدافع عن حقوق المرأة، ووضع حد لأشكال التحيز و[[التمييز]] التي عانت منها المرأة على مدى التاريخ. فهي تعني الاعتقاد أن المرأة لا تعامل على قدم المساواة في المجتمع الذي ينظم شؤونه ويحدد أولوياته حسب رؤية الرجل واهتماماته ( سارة جامبل: النسوية وما بعد النسوية تر. أحمد الشامي المجلس الأعلى للثقافة القاهرة مصر الطبعة الأولى ص13). وتتعدد نقاط النسوية بحسب تعدد تياراتها، فمن طلب المساواة بين الجنسين في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلى المساواة التامة على كل الأصعدة، وبعضها يدعو للتمركز حول الأنثى. |
| | | |
− | لم يظهر مفهوم النسوية دفعة واحدة، بل تكوّن على شكل موجات بحسب تطور الجدل الفكري ومسارات الصراع ، ففي أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وبعد رواج الدعوة للحقوق بتأثير الثورة الفرنسية بدأت الموجة الأولى التي تشكلت عقب المراجعات النقدية لأطر الفكر الغربي أدت إلى بلورة رؤية أثبتت أن النظرة الدونية للمرأة ما هي إلا نتاج الثقافات السائدة إذ أنها نتاج النظام الأبوي الذي أدى إلى علاقات تراتبية بين الجنسين (مية الرحبي: النسوية مفاهيم وقضايا الرحبة للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 2014 دمشق سوريا، ص 16)، فتمت الدعوة لحق المرأة في التعليم الذي كان مقصورا على النساء النبيلات والرجال فقط، والدعوة لحق الملكية وحق الرعاية وحق إقامة دعوى الطلاق والمساواة القانونية وحق التصويت. | + | لم يظهر مفهوم النسوية دفعة واحدة، بل تكوّن على شكل موجات بحسب تطور الجدل الفكري ومسارات الصراع، ففي أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وبعد رواج الدعوة للحقوق بتأثير الثورة الفرنسية بدأت الموجة الأولى التي تشكلت عقب المراجعات النقدية لأطر الفكر الغربي أدت إلى بلورة رؤية أثبتت أن النظرة الدونية للمرأة ما هي إلا نتاج الثقافات السائدة إذ أنها نتاج النظام الأبوي الذي أدى إلى علاقات تراتبية بين الجنسين (مية الرحبي: النسوية مفاهيم وقضايا الرحبة للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 2014 دمشق سوريا، ص 16)، فتمت الدعوة لحق المرأة في التعليم الذي كان مقصورا على النساء النبيلات والرجال فقط، والدعوة لحق الملكية وحق الرعاية وحق إقامة دعوى الطلاق والمساواة القانونية وحق التصويت. |
| | | |
| جاءت الموجة الثانية بعد الحرب العالمية الثانية وازدهرت في الستينيات وحتى منتصف السبعينات، وكانت طليعتها المجموعة اليسارية، وتأثرت هذه الموجة بالأفكار الاشتراكية وحقوق العمال، وتم نقد التفرقة بين الجنسين باعتباره نتاج التنشئة والمجتمع الظالم، وطرحت فكرة المساواة الجنسية وفكرة الجندر، ودعت إلى إعادة تشكيل الصورة الثقافية للأنوثة (المرجع السابق ص17). | | جاءت الموجة الثانية بعد الحرب العالمية الثانية وازدهرت في الستينيات وحتى منتصف السبعينات، وكانت طليعتها المجموعة اليسارية، وتأثرت هذه الموجة بالأفكار الاشتراكية وحقوق العمال، وتم نقد التفرقة بين الجنسين باعتباره نتاج التنشئة والمجتمع الظالم، وطرحت فكرة المساواة الجنسية وفكرة الجندر، ودعت إلى إعادة تشكيل الصورة الثقافية للأنوثة (المرجع السابق ص17). |
| | | |
− | أعقب هذا التوجه ظهور مدارس نسوية متعددة تأثرا بالفلسفات الكبرى، فالنسوية الليبرالية نادت بالتدرج والاقتصار على القضايا التي لا تصادم المجتمع ولا تتناقض مع قيَمه الأساسية واقتصرت على حقوق المرأة السياسية والاجتماعية، وهوجم هذا التيار من النسويات الأخريات باعتباره منحازا لنساء الطبقة الوسطى. أما النسوية الماركسية فهي ثورية بطبيعتها ومنقلبة على المجتمع والفكر والفلسفة السائدة، ولذلك فهي تريد دمج المرأة في دورة الإنتاج. أما النسوية الراديكالية وهي القطاع الأوسع تأثيرا في نهاية هذه المرحلة فقد ركزت على هدم النظام الأبوي القائم على العلاقة الجنسية بين الجنسين. | + | أعقب هذا التوجه ظهور مدارس نسوية متعددة تأثرا بالفلسفات الكبرى، فالنسوية الليبرالية نادت بالتدرج والاقتصار على القضايا التي لا تصادم المجتمع ولا تتناقض مع قيَمه الأساسية واقتصرت على حقوق المرأة السياسية والاجتماعية، وهوجم هذا التيار من النسويات الأخريات باعتباره منحازا لنساء الطبقة الوسطى. أما [[النسوية الماركسية]] فهي ثورية بطبيعتها ومنقلبة على المجتمع والفكر والفلسفة السائدة، ولذلك فهي تريد دمج المرأة في دورة الإنتاج. أما النسوية الراديكالية وهي القطاع الأوسع تأثيرا في نهاية هذه المرحلة فقد ركزت على هدم النظام الأبوي القائم على العلاقة الجنسية بين الجنسين. |
| | | |
− | وجاءت الموجة الثالثة بعد تحول النسوية لفكرة عالمية وسمّيت ما بعد النسوية واعتمدت على تحولات ما بعد الحداثة في النظر إلى الذات العارفة ودورها في عملية المعرفة وأضافت إليها تأثيرات الجنوسة (المرجع السابق ص 32)، فظهرت النسوية السوداء ونسوية العالم الثالث، وأصبح هناك اهتمام بسياسات الهوية والشواغل الثقافية للمرأة. | + | وجاءت الموجة الثالثة بعد تحول النسوية لفكرة عالمية وسمّيت ما بعد النسوية واعتمدت على تحولات ما بعد الحداثة في النظر إلى الذات العارفة ودورها في عملية المعرفة وأضافت إليها تأثيرات الجنوسة (المرجع السابق ص 32)، فظهرت [[نسوية سوداء|النسوية السوداء]] ونسوية العالم الثالث، وأصبح هناك اهتمام [[سياسات الهوية|بسياسات الهوية]] والشواغل الثقافية للمرأة. |
| | | |
− | داخل هذا التيار، برز مفهوم النسوية الثقافية أو النسوية “التقاطعية” عندما صاغت الحقوقية الأميركية كيمبرلي ويليامز كرينشو هذا المصطلح سنة 1989 في مقالتها بعنوان “إلغاء الهامش: التقاطعية، سياسات الهوية والعنف ضد النساء الملونات”، لوصف وتحليل تجارب الاضطهاد والتمييز المتنوعة التي تتعرض لها النساء السود في أميركا، أو بالأحرى الإشارة إلى السبل المختلفة التي يتفاعل بها العنصر والجنوسة لتشكيل الأبعاد المختلفة لخبرات النساء السود (كيمبرلي ويليامز كرينشو”: إلغاء الهامش، التقاطعية سياسات الهوية والعنف ضد النساء الملونات ترجمة تامر مواقي وحدة الإنتاج المعرفي باختيار د/ت الصفحة 05). فكان مفهوم “النسوية التقاطعية” رداً على “النسوية البيضاء” التي كانت مُهيمنة على الفكر الغربي الأميركي والتي تُركز فقط على تجارب النساء البيض متجاهلةً تجارب النساء من باقي الأعراق والخلفيات والطبقات الاجتماعية. من هنا فإن مصطلح “النسوية التقاطعية” يُشير إلى كيف تُؤثر نُظم القمع والاضطهاد المنهجية على تجارب النساء المتنوعة وفقاً لتقاطع عوامل مختلفة كالجندر والعرق والطبقة الاجتماعية والدين والأصل الوطني والإعاقة والمستوى التعليمي والتوجه الجنسي.(المرجع السابق ص8). ففكرة التقاطعية (Intersectionality) كإطار تحليلي هو محاولة لفهم تجارب النساء الملوّنات وتقاطع مصادر الاضطهاد اللاتي تعانين منه سواء على أساس اللون (العرق) أو الجنس، بحيث يمكن الوصول إلى نسوية أكثر شمولية. وتطورت هذه النظرية بعد ذلك لتشمل كل تقاطعات أشكال وأنظمة القهر والهيمنة والتمييز وتفاعل ذلك مع الجندر والعرق واللون والطبقة الاقتصادية والاجتماعية والميل الجنسي والتوجه الجندري والقدرات العقلية والجسدية، لفهم تجارب النساء المركّبة. | + | داخل هذا التيار، برز مفهوم النسوية الثقافية أو النسوية “[[التقاطعية]]” عندما صاغت الحقوقية الأميركية [[كيمبرلي ويليامز كرينشو]] هذا المصطلح سنة 1989 في مقالتها بعنوان “إلغاء الهامش: التقاطعية، سياسات الهوية والعنف ضد النساء الملونات”، لوصف وتحليل تجارب الاضطهاد والتمييز المتنوعة التي تتعرض لها النساء السود في أميركا، أو بالأحرى الإشارة إلى السبل المختلفة التي يتفاعل بها العنصر والجنوسة لتشكيل الأبعاد المختلفة لخبرات النساء السود (كيمبرلي ويليامز كرينشو”: إلغاء الهامش، التقاطعية سياسات الهوية والعنف ضد النساء الملونات ترجمة تامر مواقي وحدة الإنتاج المعرفي باختيار د/ت الصفحة 05). فكان مفهوم “النسوية التقاطعية” رداً على “النسوية البيضاء” التي كانت مُهيمنة على الفكر الغربي الأميركي والتي تُركز فقط على تجارب النساء البيض متجاهلةً تجارب النساء من باقي الأعراق والخلفيات والطبقات الاجتماعية. من هنا فإن مصطلح “النسوية التقاطعية” يُشير إلى كيف تُؤثر نُظم القمع والاضطهاد المنهجية على تجارب النساء المتنوعة وفقاً لتقاطع عوامل مختلفة كالجندر والعرق والطبقة الاجتماعية والدين والأصل الوطني والإعاقة والمستوى التعليمي والتوجه الجنسي.(المرجع السابق ص8). ففكرة التقاطعية (Intersectionality) كإطار تحليلي هو محاولة لفهم تجارب النساء الملوّنات وتقاطع مصادر الاضطهاد اللاتي تعانين منه سواء على أساس اللون (العرق) أو الجنس، بحيث يمكن الوصول إلى نسوية أكثر شمولية. وتطورت هذه النظرية بعد ذلك لتشمل كل تقاطعات أشكال وأنظمة القهر والهيمنة والتمييز وتفاعل ذلك مع الجندر والعرق واللون والطبقة الاقتصادية والاجتماعية والميل الجنسي والتوجه الجندري والقدرات العقلية والجسدية، لفهم تجارب النساء المركّبة. |
| | | |
| تبنّت عدد من النّسويّات الملوّنات في الولايات المتّحدة ومن العالم الثّالث، المنظور ما بعد البنيويّ المقرّ بحقّ الاعتراف بالمختلف ثقافيا دون أيّ حاجة إلى إقصائه أو مواراته أو إبراز الجوانب الأكثر قبولاً على غيرها، عملاً بمعايير ثقافيّة ومجتمعيّة إقصائيّة، فالنسوية الثقافية عند ليندا ألكوف هي “أيديولوجيا لطبيعة الأنثى أو الماهية الأنثوية المعاد تخصيصها من قبل النسويات للإقرار بالأنثى المقلل من قيمتها (ليندا ألكوف الحركات النسوية الثقافية مقابل مابعد البنيوية ضمن كتاب النظرية النسوية مقتطفات مختارة ترجمة عماد إبراهيم مراجعة عماد عمر دار الأهلية للنشر والتوزيع عمان الأردن 2008 الصفحة 227). | | تبنّت عدد من النّسويّات الملوّنات في الولايات المتّحدة ومن العالم الثّالث، المنظور ما بعد البنيويّ المقرّ بحقّ الاعتراف بالمختلف ثقافيا دون أيّ حاجة إلى إقصائه أو مواراته أو إبراز الجوانب الأكثر قبولاً على غيرها، عملاً بمعايير ثقافيّة ومجتمعيّة إقصائيّة، فالنسوية الثقافية عند ليندا ألكوف هي “أيديولوجيا لطبيعة الأنثى أو الماهية الأنثوية المعاد تخصيصها من قبل النسويات للإقرار بالأنثى المقلل من قيمتها (ليندا ألكوف الحركات النسوية الثقافية مقابل مابعد البنيوية ضمن كتاب النظرية النسوية مقتطفات مختارة ترجمة عماد إبراهيم مراجعة عماد عمر دار الأهلية للنشر والتوزيع عمان الأردن 2008 الصفحة 227). |
| | | |
− | انطلاقا من هذا المفهوم، هاجمت النّسويّات المنتميات لهذا التيار كل الحركات النسويّة المنادية بخلق مظلّة واحدةٍ، وأجندة عالمية تشترك فيها وتعمل على تحقيقها كل نساء العالم، سواء كانت هذه الأجندة ليبيرالية أو ماركسية أو راديكالية، فقد أكدت هذه النساء على أن تجاربهن وتورايخهن وقناعاتهنّ الثقافيّة تختلف عن تجارب وتواريخ وقناعات النّساء الغربيّات، فقهرهنّ كان قهرًا مضاعفًا من نتاج ثقافة مجتمعاتهنّ والاستعمار الغربيّ معًا، وهو استعمارٌ نفّذه كلّ من الرّجل والمرأة البيضاء، إعلاء لعقيدة الفوقية البيضاء، وتبني تراتبيّة ثقافيّة قائلة بأفضليّة الثّقافة الغربيّة على ما سواها من ثقافات، ومن هنا كانت شريكةً للرّجل الأبيض في استعمار الشّعوب واستعباد الملوّنين (شارون سميت في تنظير قمع المرأة: النسوية السوداء والتقاطعية شارون الحوار المتمدن -العدد: 6155/ 24-2- 2019). وتوظّف نسويّات العالم الثّالث والملوّنات هذا المفهوم للتّأكيد على أنّ رؤاهنّ وأطروحاتهنّ المتأثّرة بموقعهنّ الثّقافيّ ستنتج رؤى مختلفة، وبذلك سيكون لهنّ دور في إثراء الحركة النّسويّة ذاتها بطرح ما قد لا تراه الغربيّات النّاظرات من زوايا ومواقع ثقافيّة متشابهة، ومنه طورت النسويات السود، وبجانبهن اللاتينيّات والملوّنات الأخريات ومنذ وقت العبودية، تراثًا سياسيًا متمايزًا مستندًا على فهم منهجي لأنواع الاضطهاد المتشابكة: العرقية، والجندرية، والطبقية (المرجع نفسه). | + | انطلاقا من هذا المفهوم، هاجمت النّسويّات المنتميات لهذا التيار كل الحركات النسويّة المنادية بخلق مظلّة واحدةٍ، وأجندة عالمية تشترك فيها وتعمل على تحقيقها كل نساء العالم، سواء كانت هذه الأجندة ليبيرالية أو ماركسية أو راديكالية، فقد أكدت هذه النساء على أن تجاربهن وتورايخهن وقناعاتهنّ الثقافيّة تختلف عن تجارب وتواريخ وقناعات النّساء الغربيّات، فقهرهنّ كان قهرًا مضاعفًا من نتاج ثقافة مجتمعاتهنّ والاستعمار الغربيّ معًا، وهو استعمارٌ نفّذه كلّ من الرّجل والمرأة البيضاء، إعلاء لعقيدة الفوقية البيضاء، وتبني تراتبيّة ثقافيّة قائلة بأفضليّة الثّقافة الغربيّة على ما سواها من ثقافات، ومن هنا كانت شريكةً للرّجل الأبيض في استعمار الشّعوب واستعباد الملوّنين (شارون سميت في تنظير قمع المرأة: النسوية السوداء والتقاطعية شارون الحوار المتمدن -العدد: 6155/ 24-2- 2019). وتوظّف نسويّات العالم الثّالث والملوّنات هذا المفهوم للتّأكيد على أنّ رؤاهنّ وأطروحاتهنّ المتأثّرة بموقعهنّ الثّقافيّ ستنتج رؤى مختلفة، وبذلك سيكون لهنّ دور في إثراء [[حركة نسوية|الحركة النّسويّة]] ذاتها بطرح ما قد لا تراه الغربيّات النّاظرات من زوايا ومواقع ثقافيّة متشابهة، ومنه طورت النسويات السود، وبجانبهن اللاتينيّات والملوّنات الأخريات ومنذ وقت العبودية، تراثًا سياسيًا متمايزًا مستندًا على فهم منهجي لأنواع الاضطهاد المتشابكة: العرقية، والجندرية، والطبقية (المرجع نفسه). |
| | | |
| ===النسوية وما بعد الكولونيالية=== | | ===النسوية وما بعد الكولونيالية=== |
سطر 49: |
سطر 49: |
| بدت ملامح النسوية في الفكر النسوي ما بعد الكولونيالي ضمن مقولات المركز/الهامش ليتحول الهامش النسوي داخل هذه النظرية إلى النساء المقهورات المضطهدات من قبل المنظومة الاستعمارية، و[[نظام أبوي|المنظومة الأبوية]] الذكورية التي مارست هي أيضًا تهميشًا للنساء. فالعلاقة بين النساء بوصفهن ذوات تاريخية وعمليات إعادة تمثيل المرأة التي تتم بواسطة الخطابات المهيمنة ليست علاقة هوية مباشرة أو علاقة تضمين إنما هي علاقات عشوائية تشكلها ثقافات بعينها (هدى الصدة: أصوات بديلة: المرأة والعرق والوطن في العالم الثالث ترجمة هالة كمال، المجلس الأعلى للثقافة القاهرة مصر 2002 الصفحة 53). | | بدت ملامح النسوية في الفكر النسوي ما بعد الكولونيالي ضمن مقولات المركز/الهامش ليتحول الهامش النسوي داخل هذه النظرية إلى النساء المقهورات المضطهدات من قبل المنظومة الاستعمارية، و[[نظام أبوي|المنظومة الأبوية]] الذكورية التي مارست هي أيضًا تهميشًا للنساء. فالعلاقة بين النساء بوصفهن ذوات تاريخية وعمليات إعادة تمثيل المرأة التي تتم بواسطة الخطابات المهيمنة ليست علاقة هوية مباشرة أو علاقة تضمين إنما هي علاقات عشوائية تشكلها ثقافات بعينها (هدى الصدة: أصوات بديلة: المرأة والعرق والوطن في العالم الثالث ترجمة هالة كمال، المجلس الأعلى للثقافة القاهرة مصر 2002 الصفحة 53). |
| | | |
− | ارتكزت تحليلات الدراسات النسوية ما بعد الكولونيالية على أفكار الرؤى الاستعمارية والاستشراقية تجاه النساء في المستعمرات القديمة وكنّ صُنعن طبقًا للمتخيل في أدبيات الرحلات الاستشراقية، ولا سيما تلك المرتبطة بالحريم الشرقي والبطريركية والإيروتيكية، والتي أدخلها الاستعمار ضمن مفهوم معرفة الشرق. ففي عالم التمثلات تصبح المعرفة مرتبطة بالسلطة المنتجة لها لذلك وجب تفكيك العلاقة الملتبسة بين الذات الاستعمارية والآخر الشرقي الأنثوي (آنيا لومبا، في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية، ترجمة محمد عبدالغني غنوم- دار الحوار للنشر والتوزيع سوريا ط1 2007، الصفحة 58). | + | ارتكزت تحليلات [[نسوية ما بعد الاستعمار|الدراسات النسوية ما بعد الكولونيالية]] على أفكار الرؤى الاستعمارية والاستشراقية تجاه النساء في المستعمرات القديمة وكنّ صُنعن طبقًا للمتخيل في أدبيات الرحلات الاستشراقية، ولا سيما تلك المرتبطة بالحريم الشرقي والبطريركية والإيروتيكية، والتي أدخلها الاستعمار ضمن مفهوم معرفة الشرق. ففي عالم التمثلات تصبح المعرفة مرتبطة بالسلطة المنتجة لها لذلك وجب تفكيك العلاقة الملتبسة بين الذات الاستعمارية والآخر الشرقي الأنثوي (آنيا لومبا، في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية، ترجمة محمد عبدالغني غنوم- دار الحوار للنشر والتوزيع سوريا ط1 2007، الصفحة 58). |
| | | |
| فقد أبرز إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق امتدادات الخطاب السياسي وانصهاره في مختلف أشكال الإنتاجين المعرفي والثقافي (إدوارد سعيد، الاستشراق المفاهيم الغربية للشرق، تر. محمد عناني دار رؤية للنشر والتوزيع القاهرة مصر الطبعة الأولى 2006 الصفحة 29) ، أوضح إدوارد سعيد المنظومات الاستشراقية ومجازات الخيال الأوروبي كرموز جنسية نمطية للشرق المتخيل، قدمهتا الخيالات الذكورية الغربية، وكان في هذه الروايات الأوروبية التي تصف الآخر مقولتان لافتتان للنظر: الأولى: الإلحاح على الادعاء بأن الشرق هو (مكان الفسق والملذات)، والثانية: أن هذا الشرق هو (عالم العنف المتأصل). وكان لهاتين المقولتين أهميتهما في فكر العصور الوسطى، وظلتا تترددان بدرجات متفاوتة من القوة حتى وقتنا الحاضر (رنا قباني: أساطير أوروبا عن الشرق: لَفِّق تَسُدْ، ترجمة: صباح قباني، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1993م ص 19-20). | | فقد أبرز إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق امتدادات الخطاب السياسي وانصهاره في مختلف أشكال الإنتاجين المعرفي والثقافي (إدوارد سعيد، الاستشراق المفاهيم الغربية للشرق، تر. محمد عناني دار رؤية للنشر والتوزيع القاهرة مصر الطبعة الأولى 2006 الصفحة 29) ، أوضح إدوارد سعيد المنظومات الاستشراقية ومجازات الخيال الأوروبي كرموز جنسية نمطية للشرق المتخيل، قدمهتا الخيالات الذكورية الغربية، وكان في هذه الروايات الأوروبية التي تصف الآخر مقولتان لافتتان للنظر: الأولى: الإلحاح على الادعاء بأن الشرق هو (مكان الفسق والملذات)، والثانية: أن هذا الشرق هو (عالم العنف المتأصل). وكان لهاتين المقولتين أهميتهما في فكر العصور الوسطى، وظلتا تترددان بدرجات متفاوتة من القوة حتى وقتنا الحاضر (رنا قباني: أساطير أوروبا عن الشرق: لَفِّق تَسُدْ، ترجمة: صباح قباني، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1993م ص 19-20). |
سطر 55: |
سطر 55: |
| إن مقولة إدوارد سعيد أعادت التفكير في العلاقات المتشابكة بين الشرق والغرب، حيث أدت نظرته إلى صقل المقاربات النسوية وتطوير الدراسات ما بعد الكولونيالية. فقد كان أول من ربط الخيالات الجنسية للرحّالة بنزعة الهروب إلى الشرق. ونتج عن هذا الوعي إنتاج فكري مهم حول الجندر في الحقبة الكولونيالية وما بعد الكولونيالية. | | إن مقولة إدوارد سعيد أعادت التفكير في العلاقات المتشابكة بين الشرق والغرب، حيث أدت نظرته إلى صقل المقاربات النسوية وتطوير الدراسات ما بعد الكولونيالية. فقد كان أول من ربط الخيالات الجنسية للرحّالة بنزعة الهروب إلى الشرق. ونتج عن هذا الوعي إنتاج فكري مهم حول الجندر في الحقبة الكولونيالية وما بعد الكولونيالية. |
| | | |
− | أنتجت «الدراسات ما بعد الكولونيالية» ما يطلق عليه «دراسات التابع” (Subaltern Studies)، (ديبيش شاكرابارتي دراسات التابع والتأريخ مابعد الكولونيالي ترجمة ثائر ذيب مجلة سطور القاهرة مصر العدد 3 2016 الصفحة 08)، وداخل هذا الحقل المعرفي برزت المنظرة الهندية [[غاياتري سبيفاك|غياتري سبيفاك]] التي اهتمت بالدفاع عن المرأة المضطهدة، وانصب عملها على الهامش والمركز للبحث عن خصوصية وضعية النساء بصورة مقارنة بين المرأة في العالم الثالث المهمشة، والمرأة في العالم الأول السائدة، فكشفت طبيعة التعارض بين الثقافات الأصلية والثقافات الاستعمارية. وطورت جوانب حيوية في مجال دراسة المرأة، حيث فُتِحَ مجالٌ أمام كتابة تاريخ جديد للأنوثة، عبر التركيز على دراسة مفهوم الجنوسة، لكشف الجانب المغيب للأنوثة لأن تمثيلها عرف غيابًا في خطابات مدارس الحداثة، وما بعد الحداثة (ريتا فرج النسوية مابعد الكولونيالية: تفكيك الخطاب الاستشراقي حول نساء الهامش، مجلة الفيصل ع 498 أبريل 2018 مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات- الصفحة 60). | + | أنتجت «الدراسات ما بعد الكولونيالية» ما يطلق عليه «دراسات التابع” (Subaltern Studies)، (ديبيش شاكرابارتي دراسات التابع والتأريخ مابعد الكولونيالي ترجمة ثائر ذيب مجلة سطور القاهرة مصر العدد 3 2016 الصفحة 08)، وداخل هذا الحقل المعرفي برزت المنظرة الهندية [[غاياتري سبيفاك|غياتري سبيفاك]] التي اهتمت بالدفاع عن المرأة المضطهدة، وانصب عملها على الهامش والمركز للبحث عن خصوصية وضعية النساء بصورة مقارنة بين المرأة في العالم الثالث المهمشة، والمرأة في العالم الأول السائدة، فكشفت طبيعة التعارض بين الثقافات الأصلية والثقافات الاستعمارية. وطورت جوانب حيوية في مجال دراسة المرأة، حيث فُتِحَ مجالٌ أمام كتابة تاريخ جديد للأنوثة، عبر التركيز على دراسة مفهوم [[جنوسة|الجنوسة]]، لكشف الجانب المغيب للأنوثة لأن تمثيلها عرف غيابًا في خطابات مدارس الحداثة، وما بعد الحداثة (ريتا فرج النسوية مابعد الكولونيالية: تفكيك الخطاب الاستشراقي حول نساء الهامش، مجلة الفيصل ع 498 أبريل 2018 مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات- الصفحة 60). |
| | | |
| في بحثها: «هل يستطيع التابع أن يتكلم؟» (Can th Subaltern Speak? ) (نفس المرجع نفس الصفحة)، تطرح سبيفاك سؤالًا جوهريًّا «هل توافرت السياقات الثقافية المواتية للتابع كي يتكلم؟ هل يتمكن من الحديث كي يسمع صوته؟ ويمكن متابعة هذه المسألة من طريق مثال “ساتي” (Sati) وهو طقس هندوسي تقوم فيه الأرملة برمي نفسها في محرقة زوجها؛ وهذا التقليد الهندوسي يساعد على فهم ما تطلق عليه سبيفاك «العزل المضاعف» للمرأة في الهند، وأن هذا الطقس الهندوسي منظّم بواسطة العادات الأبوية في الهند، والقانون البريطاني الاستعماري. فالوطنيون الهنود الذين يستندون إلى النظام الأبوي يؤسسون خطابًا، يرون فيه أن المرأة نفسها هي التي ترغب في أن تموت، في حين أن البريطانيين شرعوا قانون منع هذا الطقس عام 1929م أثناء انتدابهم للهند. كانوا يؤسسون تشريعهم هذا على أساس ينطلق من مفهوم التحضر الشامل، ؛ ولذلك فإن صوت المرأة يغيب في كلا الموقفين: الموقف الاستعماري، والموقف الأبوي. وتصل سبيفاك إلى نتيجة مهمة في فهم تاريخ «ساتي» تتمثل في أنه “تاريخ للقمع المضاعف وسرد يقوم على المرأة المهمشة والتابعة” (نفس المرجع نفس الصفحة). | | في بحثها: «هل يستطيع التابع أن يتكلم؟» (Can th Subaltern Speak? ) (نفس المرجع نفس الصفحة)، تطرح سبيفاك سؤالًا جوهريًّا «هل توافرت السياقات الثقافية المواتية للتابع كي يتكلم؟ هل يتمكن من الحديث كي يسمع صوته؟ ويمكن متابعة هذه المسألة من طريق مثال “ساتي” (Sati) وهو طقس هندوسي تقوم فيه الأرملة برمي نفسها في محرقة زوجها؛ وهذا التقليد الهندوسي يساعد على فهم ما تطلق عليه سبيفاك «العزل المضاعف» للمرأة في الهند، وأن هذا الطقس الهندوسي منظّم بواسطة العادات الأبوية في الهند، والقانون البريطاني الاستعماري. فالوطنيون الهنود الذين يستندون إلى النظام الأبوي يؤسسون خطابًا، يرون فيه أن المرأة نفسها هي التي ترغب في أن تموت، في حين أن البريطانيين شرعوا قانون منع هذا الطقس عام 1929م أثناء انتدابهم للهند. كانوا يؤسسون تشريعهم هذا على أساس ينطلق من مفهوم التحضر الشامل، ؛ ولذلك فإن صوت المرأة يغيب في كلا الموقفين: الموقف الاستعماري، والموقف الأبوي. وتصل سبيفاك إلى نتيجة مهمة في فهم تاريخ «ساتي» تتمثل في أنه “تاريخ للقمع المضاعف وسرد يقوم على المرأة المهمشة والتابعة” (نفس المرجع نفس الصفحة). |
سطر 111: |
سطر 111: |
| مثلت النسوية كنظرية وفلسفة رؤية تجاه القيم الذكورية التي شكلت وجودها القيمي، وكذا أشكال التهميش والاضطهاد التي عانت منه المرأة عبر التاريخ، وقد تكوّن هذا الاتجاه على شكل موجات بحسب تطور الجدل الفكري ومسارات التاريخ ووضع المرأة داخله. وقد بدت ملامح النسوية في الفكر النسوي ما بعد الكولونيالي ضمن مقولات المركز/الهامش وارتكز التحليل ما بعد الكولونيالي داخل هذه النظرية حول النساء المقهورات المظطهدات من قبل المنظومة الاستعمارية والمنظومة الأبوية الذكورية التي مارست هي أيضًا تهميشًا على النساء. وداخل الاتجاه ما بعد الكولونيالي درس فرانز فانون المنظور النسوي انطلاقا من نظرته للعلاقة بين المستعمر والمستعمر معتمدا على النظرية النفسية التحليلية لفهم الإحساس بالنقص، فخصص المفكر فرانز فانون فصلا من كتابه ”بشرة سوداء أقنعة بيضاء” لقضية المرأة السوداء وعلاقتها بالرجل الأبيض، حيث أشار للبعد النفسي في العقلية المستعمَرة، التي تعكسه العلاقة بين المرأة الملونة والرجل الأبيض وكيف ساهم الوضع الاستعماري في خلق شرخ نفسي أدى إلى حالة عصابية وهذيانية للإنسان الأسود والمرأة السوداء. | | مثلت النسوية كنظرية وفلسفة رؤية تجاه القيم الذكورية التي شكلت وجودها القيمي، وكذا أشكال التهميش والاضطهاد التي عانت منه المرأة عبر التاريخ، وقد تكوّن هذا الاتجاه على شكل موجات بحسب تطور الجدل الفكري ومسارات التاريخ ووضع المرأة داخله. وقد بدت ملامح النسوية في الفكر النسوي ما بعد الكولونيالي ضمن مقولات المركز/الهامش وارتكز التحليل ما بعد الكولونيالي داخل هذه النظرية حول النساء المقهورات المظطهدات من قبل المنظومة الاستعمارية والمنظومة الأبوية الذكورية التي مارست هي أيضًا تهميشًا على النساء. وداخل الاتجاه ما بعد الكولونيالي درس فرانز فانون المنظور النسوي انطلاقا من نظرته للعلاقة بين المستعمر والمستعمر معتمدا على النظرية النفسية التحليلية لفهم الإحساس بالنقص، فخصص المفكر فرانز فانون فصلا من كتابه ”بشرة سوداء أقنعة بيضاء” لقضية المرأة السوداء وعلاقتها بالرجل الأبيض، حيث أشار للبعد النفسي في العقلية المستعمَرة، التي تعكسه العلاقة بين المرأة الملونة والرجل الأبيض وكيف ساهم الوضع الاستعماري في خلق شرخ نفسي أدى إلى حالة عصابية وهذيانية للإنسان الأسود والمرأة السوداء. |
| | | |
− | أما بالنسبة إلى المرأة في سياق الثورة الجزائرية فقد خصص فانون تحليلاته أولا حول قضية الحجاب التي رأى أنها مسألة سياسة وأيديولوجية استعمارية تهدف لمحاولة خرق المجتمع الجزائري وإخضاعه وتفكيكه عبر مرافعات نموذجية وعلمية دقيقة تختفي وراء المدافعة عن المرأة الجزائرية والتي استطاعت أن تتجاوزه بانخراطها في الثورة وتغير معطيات النظرة الاستعمارية بأكثر فعالية. كما أشار فانون إلى التغيرات التي طرأت على شكل العائلة والنظام الأسري أثناء الثورة، وكنتيجة لحرب التحرر.. وعكس من المنظور الاجتماعي ارتباط المرأة بالنظام الأبوي الذكوري وكيف حركت الثورة التحريرية نظام الذكورة وأعادت تأسيس منظومة قيم اختلفت عما عهدته النساء وعهده الرجال من قبل. | + | أما بالنسبة إلى المرأة في سياق الثورة الجزائرية فقد خصص فانون تحليلاته أولا حول قضية الحجاب التي رأى أنها مسألة سياسة وأيديولوجية استعمارية تهدف لمحاولة خرق المجتمع الجزائري وإخضاعه وتفكيكه عبر مرافعات نموذجية وعلمية دقيقة تختفي وراء المدافعة عن المرأة الجزائرية والتي استطاعت أن تتجاوزه بانخراطها في الثورة وتغير معطيات النظرة الاستعمارية بأكثر فعالية. كما أشار فانون إلى التغيرات التي طرأت على شكل العائلة والنظام الأسري أثناء الثورة، وكنتيجة لحرب التحرر.. وعكس من المنظور الاجتماعي ارتباط المرأة [[نظام أبوي|بالنظام الأبوي]] الذكوري وكيف حركت الثورة التحريرية نظام الذكورة وأعادت تأسيس منظومة قيم اختلفت عما عهدته النساء وعهده الرجال من قبل. |
| + | |
| + | [[تصنيف: نسوية ما بعد الاستعمار]] |