تغييرات

تعديل وصلات
سطر 2: سطر 2:  
----
 
----
   −
تتقاطع قضية [[العنف الجنسي]]، والتي هي في صلب سؤال [[الحركة النسوية]]، مع سياقات سياسية واجتماعية وثقافية أوسع ومع هويات متنوعة للمعتدين والناجيات بخلاف [[النوع الاجتماعي]] كالعرق أو الطبقة، وتطرح عدة تساؤلات حول علاقات القوى المرتبطة بتلك الهويات المتنوعة والمتقاطعة. إن قضية العنف الجنسي قضية شديدة الحساسية بطبيعة الحال لطرحها قضية انتهاك الجسد من ناحية ولتشابكها مع عدة قضايا كالعنصرية والطبقية من ناحية أخرى.
+
تتقاطع قضية [[عنف جنسي | العنف الجنسي]]، والتي هي في صلب سؤال [[حركة نسوية | الحركة النسوية]]، مع سياقات سياسية واجتماعية وثقافية أوسع ومع هويات متنوعة للمعتدين والناجيات بخلاف [[جندر | النوع الاجتماعي]] كالعرق أو الطبقة، وتطرح عدة تساؤلات حول علاقات القوى المرتبطة بتلك الهويات المتنوعة والمتقاطعة. إن قضية العنف الجنسي قضية شديدة الحساسية بطبيعة الحال لطرحها قضية انتهاك الجسد من ناحية ولتشابكها مع عدة قضايا كالعنصرية والطبقية من ناحية أخرى.
    
وتأتي [[عنف_جنسي#الاعتداءات_الجماعية|الاعتداءات الجنسية الجماعية]] التي وقعت ليلة رأس السنة الجديدة هذا العام 2016 في مدينة كولونيا الألمانية (وثمانية مدن ألمانية أخرى) من قبل مجموعة من الرجال أُثير أن أغلبهم من المهاجرين واللاجئين العرب والشرق أوسطيين لتذكرنا بهذه التعقيدات. تباينت ردود الأفعال على أحداث كولونيا في أغلبها بين قراءة عنصرية في خطابها تجاه المسلمين والعرب تبشر بتزايد لممارسات عنصرية شرسة ضد اللاجئين أو المهاجرين من أصول عربية ومسلمة، وقراءة أخرى تتبنى خطاب اعتذاري تجاه الجناة في مواجهة الخطاب العنصري. وأذاعت بعض الصحف مؤخرا أن ثلاثة فقط من المشتبه بهم هم من اللاجئين مع التأكيد أن باقي المشتبه بهم من أصول عربية ومسلمة مما أدي إلى فتح النقاش مجددا حول هذه الأحداث وما إذا كانت استخدمت لأغراض عنصرية. ويضعنا هذا السجال أمام مهمة صعبة وهي محاولة طرح خطاب يحاول ان يتطرق الي كل أوجه الحدث ولا يغفل جانب لحساب الآخر.
 
وتأتي [[عنف_جنسي#الاعتداءات_الجماعية|الاعتداءات الجنسية الجماعية]] التي وقعت ليلة رأس السنة الجديدة هذا العام 2016 في مدينة كولونيا الألمانية (وثمانية مدن ألمانية أخرى) من قبل مجموعة من الرجال أُثير أن أغلبهم من المهاجرين واللاجئين العرب والشرق أوسطيين لتذكرنا بهذه التعقيدات. تباينت ردود الأفعال على أحداث كولونيا في أغلبها بين قراءة عنصرية في خطابها تجاه المسلمين والعرب تبشر بتزايد لممارسات عنصرية شرسة ضد اللاجئين أو المهاجرين من أصول عربية ومسلمة، وقراءة أخرى تتبنى خطاب اعتذاري تجاه الجناة في مواجهة الخطاب العنصري. وأذاعت بعض الصحف مؤخرا أن ثلاثة فقط من المشتبه بهم هم من اللاجئين مع التأكيد أن باقي المشتبه بهم من أصول عربية ومسلمة مما أدي إلى فتح النقاش مجددا حول هذه الأحداث وما إذا كانت استخدمت لأغراض عنصرية. ويضعنا هذا السجال أمام مهمة صعبة وهي محاولة طرح خطاب يحاول ان يتطرق الي كل أوجه الحدث ولا يغفل جانب لحساب الآخر.
 
   
 
   
ونحن نطرح علي أنفسنا مهمة الاشتباك مع [http://www.dw.com/ar/%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D9%83%D9%88%D9%84%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%83%D9%88%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%B3-%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%B1%D8%A3%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9/a-18971338 اعتداءات كولونيا]- أو بالأحرى تفرض هي نفسها علينا- لعدة أسباب مرتبطة بهويتنا كنسويات عموما وكنسويات مصريات خصوصاً. فنحن نؤمن أن التضامن النسوي هو مفهوم عالمي يتخطى حدودنا وبالتالي نؤمن بمسئوليتنا في التصدي [[العنف الجنسي|للعنف الجنسي]] أينما وقع والتضامن مع [[الناجيات من العنف]] أينما كانوا كما نؤمن انه واجبنا أن نظل دائما جزءًا فعالًا من النقاشات الدائرة حول هذه القضية. ويأتي اشتباكنا مع أحداث كولونيا أيضا من موقعنا كنسويات مصريات بشكل خاص حيث أن المأزق التي وضعت فيه أحداث كولونيا النسويات الغربيات يذكرنا بما اختبرناه نحن من خلال تجربة الاعتداءات الجنسية الجماعية والاغتصابات التي وقعت في محيط ميدان التحرير. فمع انطلاق الثورات العربية وبالأخص الثورة المصرية، شاهدنا مقاومة شديدة من قبل بعض القوى الديمقراطية والسياسية للاعتراف بالانتهاكات التي تتعرض لها النساء في التظاهرات والمجال العام عموما والتي اتخذت أشكالاً مفزعة من [[الاعتداء الجنسي الجماعي|الاعتداءات الجنسية الجماعية]] إلى [[الاغتصاب]] بالآلات الحادة و ذلك لعدة أسباب، أولها عدم اعتبار [[العنف الجنسي]] قضية عامة أو سياسية تهم جميع الفاعلين في المجتمع و حصرها في كونها قضية هامشية تخص فئة معينة. و كما طرحت اعتداءات التحرير سؤال النسوية و السياسية تعيد كولونيا طرح هذا السؤال اذا عرفنا السياسة بمفهومها الواسع لتشمل علاقات القوى و البنى السياسية و الاجتماعية التي يتحرك في إطارها الفاعلون المختلفون. ولأن الكثير من القوى السياسية و الاجتماعية لا يرى التقاطع بين [[القضايا النسوية]] وقضايا المجال العام والسياسي، يتم التعامل بتنحية [[حقوق النساء]] جانبا ايثارا لقضية تبدو أعم أو أكثر أهمية مثل "الثورة" أو حقوق اللاجئين. فكما تجاهل البعض اعتداءات التحرير خوفاً من أن يضر ذلك بالثورة، يخشي البعض أن تضر إدانة اعتداءات كولونيا بحقوق اللاجئين و المهاجرين في أوروبا. وفي الواقع، أن صعوبة التعاطي مع [[الاعتداءات الجنسية الجماعية في ميدان التحرير|اعتداءات التحرير]] ومع أحداث كولونيا ترتبط خصيصًا بصعوبة الاعتراف بوجود إشكاليات كبرى في الفئات التي ننتمي إليها أو نناصرها ومنها [[الأبوية]] الراسخة التي تتجلى في أشكال [[العنف الجنسي]].
+
ونحن نطرح علي أنفسنا مهمة الاشتباك مع [http://www.dw.com/ar/%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D9%83%D9%88%D9%84%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%83%D9%88%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%B3-%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%B1%D8%A3%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9/a-18971338 اعتداءات كولونيا]- أو بالأحرى تفرض هي نفسها علينا- لعدة أسباب مرتبطة بهويتنا كنسويات عموما وكنسويات مصريات خصوصاً. فنحن نؤمن أن التضامن النسوي هو مفهوم عالمي يتخطى حدودنا وبالتالي نؤمن بمسئوليتنا في التصدي [[عنف جنسي | للعنف الجنسي]] أينما وقع والتضامن مع [[ناجيات من العنف |
 +
الناجيات من العنف]] أينما كانوا كما نؤمن انه واجبنا أن نظل دائما جزءًا فعالًا من النقاشات الدائرة حول هذه القضية. ويأتي اشتباكنا مع أحداث كولونيا أيضا من موقعنا كنسويات مصريات بشكل خاص حيث أن المأزق التي وضعت فيه أحداث كولونيا النسويات الغربيات يذكرنا بما اختبرناه نحن من خلال تجربة الاعتداءات الجنسية الجماعية والاغتصابات التي وقعت في محيط ميدان التحرير. فمع انطلاق الثورات العربية وبالأخص الثورة المصرية، شاهدنا مقاومة شديدة من قبل بعض القوى الديمقراطية والسياسية للاعتراف بالانتهاكات التي تتعرض لها النساء في التظاهرات والمجال العام عموما والتي اتخذت أشكالاً مفزعة من [[الاعتداء الجنسي الجماعي|الاعتداءات الجنسية الجماعية]] إلى [[اغتصاب | الاغتصاب]] بالآلات الحادة و ذلك لعدة أسباب، أولها عدم اعتبار [[العنف الجنسي]] قضية عامة أو سياسية تهم جميع الفاعلين في المجتمع و حصرها في كونها قضية هامشية تخص فئة معينة. و كما طرحت اعتداءات التحرير سؤال النسوية و السياسية تعيد كولونيا طرح هذا السؤال اذا عرفنا السياسة بمفهومها الواسع لتشمل علاقات القوى و البنى السياسية و الاجتماعية التي يتحرك في إطارها الفاعلون المختلفون. ولأن الكثير من القوى السياسية و الاجتماعية لا يرى التقاطع بين [[قضايا نسوية | القضايا النسوية]] وقضايا المجال العام والسياسي، يتم التعامل بتنحية [[حقوق النساء]] جانبا ايثارا لقضية تبدو أعم أو أكثر أهمية مثل "الثورة" أو حقوق اللاجئين. فكما تجاهل البعض اعتداءات التحرير خوفاً من أن يضر ذلك بالثورة، يخشي البعض أن تضر إدانة اعتداءات كولونيا بحقوق اللاجئين و المهاجرين في أوروبا. وفي الواقع، أن صعوبة التعاطي مع [[الاعتداءات الجنسية الجماعية في ميدان التحرير|اعتداءات التحرير]] ومع أحداث كولونيا ترتبط خصيصًا بصعوبة الاعتراف بوجود إشكاليات كبرى في الفئات التي ننتمي إليها أو نناصرها ومنها [[الأبوية]] الراسخة التي تتجلى في أشكال [[عنف جنسي | العنف الجنسي]].
   −
إن إدانة [[الاعتداء الجنسي الجماعي|الاعتداءات الجنسية الجماعية]] على النساء في كولونيا مع التأكيد على حقوق اللاجئين والمهاجرين باعتبار أن لا علاقة للحادث بالخلفية العربية والإسلامية لأغلب الجناة أمر سهل. أما السؤال الأصعب فهو: هل لتلك الاعتداءات الجنسية ارتباطا بالخلفية العربية أو الشرق الأوسطية للمعتدين؟ وكيف ندين تلك الاعتداءات ونرجعها لأسبابها المتصلة بعوامل ثقافية ضمن عوامل أخري دون الوقوع في فخ العنصرية أو التعميم المخل؟!، خاصة مع الوضع الهش والحساس لمجتمعات المهاجرين واللاجئين في أوروبا؟
+
إن إدانة [[اعتداء جنسي جماعي | الاعتداءات الجنسية الجماعية]] على النساء في كولونيا مع التأكيد على حقوق اللاجئين والمهاجرين باعتبار أن لا علاقة للحادث بالخلفية العربية والإسلامية لأغلب الجناة أمر سهل. أما السؤال الأصعب فهو: هل لتلك الاعتداءات الجنسية ارتباطا بالخلفية العربية أو الشرق الأوسطية للمعتدين؟ وكيف ندين تلك الاعتداءات ونرجعها لأسبابها المتصلة بعوامل ثقافية ضمن عوامل أخري دون الوقوع في فخ العنصرية أو التعميم المخل؟!، خاصة مع الوضع الهش والحساس لمجتمعات المهاجرين واللاجئين في أوروبا؟
   −
يفرز هذا التساؤل عدة إشكاليات أولها إشكالية نظرية وهي أن المقاربة الثقافية وربطها بالمسألة النسوية لطالما اقترنت بالخطاب الاستشراقي والاستعماري سواء في القرن التاسع عشر أو في الحروب الاستعمارية الجديدة في أفغانستان والعراق، والإشكالية الثانية هي إشكالية عملية تخص عدم التذرع بطرح تلك الاسئلة لعقاب اللاجئين والمهاجرين جماعيا خاصة مع النقاش الدائر في أوروبا حول استقبال اللاجئين وصعود بعض التيارات العنصرية مؤخراً إلا أن تجاهل تلك الأسئلة الصعبة التي تخص الثقافة و الممارسات التي تستند لعادات دينية في المجتمعات العربية والإسلامية وعلاقتها بالعنف ضد النساء بشكل عام و[[العنف الجنسي]] بشكل خاص به إشكالية أخرى وهي التواطؤ مع العنف الأبوي ومع بعض مسبباته المتعلقة بتلك الأسئلة. و لقد علمتنا التجربة أن تجاهل الأسئلة الصعبة لا ينتج سوى المزيد من [[العنف ضد النساء]] و التسامح معه. و في الحقيقة أن تجاهل تلك الأسئلة – سواء في تجربة التحرير أو في أحداث كولونيا- ينبع من التعامل مع الاعتداءات الجنسية من منظور يتجاهل [[قضايا النساء]] أو لا يربط قضايا النساء بقضايا أخرى . و لكننا ان أردنا التعامل مع هذه الاعتداءات من [[المنظور النسوي|منظور نسوي]] يرى [[الناجيات من العنف|الناجيات]] كأولوية و يقرأ الحدث كواقعة عنف ضد النساء في المقام الأول، فينبغي طرح تلك الأسئلة بعمق وتمعن.
+
يفرز هذا التساؤل عدة إشكاليات أولها إشكالية نظرية وهي أن المقاربة الثقافية وربطها بالمسألة النسوية لطالما اقترنت بالخطاب الاستشراقي والاستعماري سواء في القرن التاسع عشر أو في الحروب الاستعمارية الجديدة في أفغانستان والعراق، والإشكالية الثانية هي إشكالية عملية تخص عدم التذرع بطرح تلك الاسئلة لعقاب اللاجئين والمهاجرين جماعيا خاصة مع النقاش الدائر في أوروبا حول استقبال اللاجئين وصعود بعض التيارات العنصرية مؤخراً إلا أن تجاهل تلك الأسئلة الصعبة التي تخص الثقافة و الممارسات التي تستند لعادات دينية في المجتمعات العربية والإسلامية وعلاقتها بالعنف ضد النساء بشكل عام و[[العنف الجنسي]] بشكل خاص به إشكالية أخرى وهي التواطؤ مع العنف الأبوي ومع بعض مسبباته المتعلقة بتلك الأسئلة. و لقد علمتنا التجربة أن تجاهل الأسئلة الصعبة لا ينتج سوى المزيد من [[عنف ضد النساء | العنف ضد النساء]] و التسامح معه. و في الحقيقة أن تجاهل تلك الأسئلة – سواء في تجربة التحرير أو في أحداث كولونيا- ينبع من التعامل مع الاعتداءات الجنسية من منظور يتجاهل [[قضايا النساء]] أو لا يربط قضايا النساء بقضايا أخرى . و لكننا ان أردنا التعامل مع هذه الاعتداءات من [[المنظور النسوي|منظور نسوي]] يرى [[ناجيات من العنف|الناجيات]] كأولوية و يقرأ الحدث كواقعة عنف ضد النساء في المقام الأول، فينبغي طرح تلك الأسئلة بعمق وتمعن.
    
ولذلك وبالرغم من الإشكاليات التي تحاصر أي نقاش حول أحداث كولونيا، فنحن نؤمن بضرورة التطرق إلى تلك الاحداث بصراحة وجدية ويتطلب ذلك ربطها بالخلفية الثقافية والاجتماعية للمعتدين لا كالعامل الوحيد ولكن كعامل مؤثر وفعال ضمن سياقات سياسية واقتصادية أخري. كما نؤمن بإمكانية إعادة طرح الأسئلة المتعلقة بالثقافة والهوية بشكل غير متماه مع الخطابات العنصرية أو الاستعمارية الاستشراقية. وربما يصعب على النسويات الغربيات طرح تلك الأسئلة في السياق المجتمعي المعادي للعرب والمسلمين مما يجعلهن يتفادونها في بعض الأحيان لتقديرهن أن الرسالة الأهم في مجتمعاتهن في موقف مماثل هي التصدي للهجمات العنصرية التي ستواجه آلاف من الأبرياء من العرب والمسلمين. ونتفهم هذا الموقف رغم اختلافنا معه، ولكننا كنسويات مصريات انخرطنا في أنشطة مختلفة للتصدي للعنف الجنسي خلال السنوات الخمس الماضية موقعنا مختلف وموقفنا من جريمة كولونيا يجب أن يوجه أيضا إلى مجتمعاتنا ويتسق مع واقعنا والذي يعتبر العنف الجنسي ممارسة قد تكون شبه يومية.
 
ولذلك وبالرغم من الإشكاليات التي تحاصر أي نقاش حول أحداث كولونيا، فنحن نؤمن بضرورة التطرق إلى تلك الاحداث بصراحة وجدية ويتطلب ذلك ربطها بالخلفية الثقافية والاجتماعية للمعتدين لا كالعامل الوحيد ولكن كعامل مؤثر وفعال ضمن سياقات سياسية واقتصادية أخري. كما نؤمن بإمكانية إعادة طرح الأسئلة المتعلقة بالثقافة والهوية بشكل غير متماه مع الخطابات العنصرية أو الاستعمارية الاستشراقية. وربما يصعب على النسويات الغربيات طرح تلك الأسئلة في السياق المجتمعي المعادي للعرب والمسلمين مما يجعلهن يتفادونها في بعض الأحيان لتقديرهن أن الرسالة الأهم في مجتمعاتهن في موقف مماثل هي التصدي للهجمات العنصرية التي ستواجه آلاف من الأبرياء من العرب والمسلمين. ونتفهم هذا الموقف رغم اختلافنا معه، ولكننا كنسويات مصريات انخرطنا في أنشطة مختلفة للتصدي للعنف الجنسي خلال السنوات الخمس الماضية موقعنا مختلف وموقفنا من جريمة كولونيا يجب أن يوجه أيضا إلى مجتمعاتنا ويتسق مع واقعنا والذي يعتبر العنف الجنسي ممارسة قد تكون شبه يومية.
   −
ومن هذا المنطلق تقدم [[نظرة للدراسات النسوية]] هذه الورقة التحليلية حول أحداث كولونيا من منظور نسوي نؤمن به ويقف على أرضية صلبة فيما يخص الإيمان بحقوق اللاجئين ومواجهة العنصرية، إلا أنه لا يقبل استخدام هذه المبادئ كأدوات للابتزاز والمساومة على حقوق النساء. فيجب أن تقع على عاتق كل النسويات مسئولية تقديم موقف جاد وشجاع من الأحداث كي لا نترك الدفاع عن [[قضايا النساء]] لأصحاب الخطابات العنصرية الذين سيستخدمون القضية للهجوم على المهاجرين واللاجئين فقط . ولذلك فهو دورنا نحن أن نتبنى خطابًا يدافع عن سلامة النساء دون اللجوء للعنصرية والتعميم. وسنحاول صياغة موقفنا هذا أولاً عن طريق إعادة النظر إلى الحدث وأسبابه من [[منظور النوع الاجتماعي]] (gender) وثانيا وضع هذا الحدث في سياق [[العنف ضد النساء]] (و[[العنف الجنسي]] بشكل خاص) في مجتمعاتنا لطرح مسألة ما يطلق عليه "الثقافة" والتي تعد من أكثر الإشكاليات عند طرح قضايا النساء ، وأخيرا نتطرق إلى مشكلة حماية اللاجئين والمهاجرين من أصول عربية ومسلمة.
+
ومن هذا المنطلق تقدم [[نظرة للدراسات النسوية]] هذه الورقة التحليلية حول أحداث كولونيا من منظور نسوي نؤمن به ويقف على أرضية صلبة فيما يخص الإيمان بحقوق اللاجئين ومواجهة العنصرية، إلا أنه لا يقبل استخدام هذه المبادئ كأدوات للابتزاز والمساومة على حقوق النساء. فيجب أن تقع على عاتق كل النسويات مسئولية تقديم موقف جاد وشجاع من الأحداث كي لا نترك الدفاع عن [[قضايا النساء]] لأصحاب الخطابات العنصرية الذين سيستخدمون القضية للهجوم على المهاجرين واللاجئين فقط . ولذلك فهو دورنا نحن أن نتبنى خطابًا يدافع عن سلامة النساء دون اللجوء للعنصرية والتعميم. وسنحاول صياغة موقفنا هذا أولاً عن طريق إعادة النظر إلى الحدث وأسبابه من [[منظور النوع الاجتماعي]] (gender) وثانيا وضع هذا الحدث في سياق العنف ضد النساء (و[[عنف جنسي | العنف الجنسي]] بشكل خاص) في مجتمعاتنا لطرح مسألة ما يطلق عليه "الثقافة" والتي تعد من أكثر الإشكاليات عند طرح قضايا النساء ، وأخيرا نتطرق إلى مشكلة حماية اللاجئين والمهاجرين من أصول عربية ومسلمة.
    
==نبذة عن أحداث كولونيا==
 
==نبذة عن أحداث كولونيا==
 
تعرضت [http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/01/160105_germany_shocked_by_cologne_assaults عدة نساء في مدينة كولونيا الألمانية] ليلة رأس السنة الجديدة إلى [[الاعتداء الجنسي الجماعي|اعتداءات جنسية جماعية]] من قبل مجموعة من الشباب الذي قيل أن بدا على ملامحهم أنهم "قادمون من الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا" طبقا لوصف [[الناجيات من العنف|الناجيات]] ورجال الشرطة وتعرضت أيضا بعض النساء إلى حوادث سرقة من قبل المعتدين. وتحقق الشرطة الألمانية الآن في 516 شكوى مقدمة بخصوص تلك الأحداث ومنهم 40% شكاوى [[الاعتداء الجنسي|اعتداء جنسي]] و شكوتي [[الاغتصاب|اغتصاب]]. حتي الآن تضاربت الأرقام ما بين ضبط 32 مشتبه بهم من قبل الشرطة المحلية من بينهم 22 لاجئ أغلبهم من الدول العربية مع وجود عدد قليل جدا من دول أوروبية وما بين ضبط 58 مشتبه به منهم ثلاثة لاجئين و الباقي مهاجرين من أصول عربية.
 
تعرضت [http://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/01/160105_germany_shocked_by_cologne_assaults عدة نساء في مدينة كولونيا الألمانية] ليلة رأس السنة الجديدة إلى [[الاعتداء الجنسي الجماعي|اعتداءات جنسية جماعية]] من قبل مجموعة من الشباب الذي قيل أن بدا على ملامحهم أنهم "قادمون من الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا" طبقا لوصف [[الناجيات من العنف|الناجيات]] ورجال الشرطة وتعرضت أيضا بعض النساء إلى حوادث سرقة من قبل المعتدين. وتحقق الشرطة الألمانية الآن في 516 شكوى مقدمة بخصوص تلك الأحداث ومنهم 40% شكاوى [[الاعتداء الجنسي|اعتداء جنسي]] و شكوتي [[الاغتصاب|اغتصاب]]. حتي الآن تضاربت الأرقام ما بين ضبط 32 مشتبه بهم من قبل الشرطة المحلية من بينهم 22 لاجئ أغلبهم من الدول العربية مع وجود عدد قليل جدا من دول أوروبية وما بين ضبط 58 مشتبه به منهم ثلاثة لاجئين و الباقي مهاجرين من أصول عربية.
   −
وعلي أثر هذه الأحداث تم اتخاذ بعض الاجراءات ومن بينها إعفاء مدير أمن مدينة كولونيا من مهامه لاتهامه بالتقصير كما أعلنت رئيسة الوزراء الألمانية ميركل عن ترحيل اللاجئين الذين تثبت عليهم تهمة [[الاعتداء الجنسي]] طبقا للقانون الذي يلغي حق اللجوء للمحكوم عليهم أو المدانين بجرائم.
+
وعلي أثر هذه الأحداث تم اتخاذ بعض الاجراءات ومن بينها إعفاء مدير أمن مدينة كولونيا من مهامه لاتهامه بالتقصير كما أعلنت رئيسة الوزراء الألمانية ميركل عن ترحيل اللاجئين الذين تثبت عليهم تهمة [[اعتداء جنسي | الاعتداء الجنسي]] طبقا للقانون الذي يلغي حق اللجوء للمحكوم عليهم أو المدانين بجرائم.
    
وفي الواقع لم تكن اعتداءات مدينة كولونيا هي الوحيدة من نوعها، فهناك اعتداءات مماثلة تم الابلاغ عنها في ثمان مدن ألمانية أخرى منها هامبورج وشتوتجارت وميونيخ (وخارج ألمانيا في سويسرا والنمسا) إلا أن اعتداءات كولونيا كانت الأكثر فجاجة من حيث عدد النساء المعتدى عليهن. و ربما تسرع الاعلام العنصري في نسب الأحداث للاجئين العرب و المسلمين إلا أن التغطية الاعلامية للأحداث من قبل الإعلام المتعاطف مع قضية اللاجئين كان متباطئا. كانت ردة الفعل الأولي هي محاولة التستر على الأحداث أو تجاهلها كما تم تجاهل أحداث مشابهة و ان كانت أقل فجاجة وكأن قضية العنف الجنسي تستحق أن تثار فقط عندما يصل الأمر [[الاعتداء الجنسي الجماعي|للاعتداء الجماعي]] على مئات النساء. بالرغم من إيماننا أن العنف ضد النساء موجود في جميع المجتمعات و ليس حكراً على عرق أو طبقة معينة إلا أن هذه الورقة مستوحاة من أحداث كولونيا المؤسفة، بالتالي هي تسلط الضوء على دلالات هذا الحادث لتطرح إشكاليات أكبر متعلقة ب[[العنف الجنسي]] عموماً و أسئلة مرتبطة بإشكاليات و أسئلة ما يطلق عليه "الهوية" و"الثقافة".
 
وفي الواقع لم تكن اعتداءات مدينة كولونيا هي الوحيدة من نوعها، فهناك اعتداءات مماثلة تم الابلاغ عنها في ثمان مدن ألمانية أخرى منها هامبورج وشتوتجارت وميونيخ (وخارج ألمانيا في سويسرا والنمسا) إلا أن اعتداءات كولونيا كانت الأكثر فجاجة من حيث عدد النساء المعتدى عليهن. و ربما تسرع الاعلام العنصري في نسب الأحداث للاجئين العرب و المسلمين إلا أن التغطية الاعلامية للأحداث من قبل الإعلام المتعاطف مع قضية اللاجئين كان متباطئا. كانت ردة الفعل الأولي هي محاولة التستر على الأحداث أو تجاهلها كما تم تجاهل أحداث مشابهة و ان كانت أقل فجاجة وكأن قضية العنف الجنسي تستحق أن تثار فقط عندما يصل الأمر [[الاعتداء الجنسي الجماعي|للاعتداء الجماعي]] على مئات النساء. بالرغم من إيماننا أن العنف ضد النساء موجود في جميع المجتمعات و ليس حكراً على عرق أو طبقة معينة إلا أن هذه الورقة مستوحاة من أحداث كولونيا المؤسفة، بالتالي هي تسلط الضوء على دلالات هذا الحادث لتطرح إشكاليات أكبر متعلقة ب[[العنف الجنسي]] عموماً و أسئلة مرتبطة بإشكاليات و أسئلة ما يطلق عليه "الهوية" و"الثقافة".
سطر 27: سطر 28:  
إن إحدى المشاكل الأساسية التي تواجه التعاطي مع أحداث كولونيا هي النظر للموضوع من خلال زوايا أخرى بعيدة عن النوع الاجتماعي بينما نؤمن نحن بضرورة تبني منظور النوع الاجتماعي سواء لفهم الحدث في حد ذاته أو أسبابه ومن ثم ردود الأفعال عليه.
 
إن إحدى المشاكل الأساسية التي تواجه التعاطي مع أحداث كولونيا هي النظر للموضوع من خلال زوايا أخرى بعيدة عن النوع الاجتماعي بينما نؤمن نحن بضرورة تبني منظور النوع الاجتماعي سواء لفهم الحدث في حد ذاته أو أسبابه ومن ثم ردود الأفعال عليه.
 
   
 
   
رأى البعض أن تسليط الضوء على هذه الأحداث له مبرر عنصري حيث أن الإعلام يهتم بشكل خاص بحوادث [[الاعتداء الجنسي]] عندما يرتكبها العرب أو المسلمون أو عندما ترتكب ضد نساء ذات بشرة بيضاء وأن هذا الحادث سيعطي مبررات لاستهداف اللاجئين العرب والمسلمين. وفي حقيقة الأمر هذه النقاط مشروعة ولها وجاهتها ولكن هناك إشكالية كبرى في طرحها كأولوية وتحويل الواقعة من حادث اعتداء جنسي على النساء إلى ساحة للدفاع عن المسلمين والعرب وتحويل محور النقاش من مشكلة العنف الأبوي إلى مشكلة العنصرية دون الربط بينهما . فبداية، أول ما يجب علينا رؤيته في أحداث كولونيا هو أن مجموعة من الرجال اعتدت جنسيا على مجموعة من النساء وهي جريمة تستدعي العقاب بغض النظر عن كونهم مهاجرين أو لاجئين أو مهمشين بشكل عام. فالمسألة هنا هي في المقام الأول مسألة تخص [[النوع الاجتماعي]]. لقد تم الاعتداء على تلك النساء لكونهن نساء، ويمكن قراءة المسألة وتحليلها بالعلاقة مع لونهن وطبقتهن وخلفيتهن العرقية، ولكن في سياقهن كنساء ناجيات من العنف الجنسي. عدم رؤية الحدث كاعتداء جنسي وانتهاك لأجساد النساء قبل أي شئ هو تواطؤ مع العنف الأبوي. بالطبع، تحتاج مجتمعات المهاجرين واللاجئين إلى حماية من العنصرية والاضطهاد ولكن النساء أيضا لهن الحق في الحماية من التمييز و[[العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي|العنف القائم على أساس النوع]] وفي هذه الواقعة بالتحديد تم الاعتداء على النساء دون غيرهم ولذلك فلا ينبغي لأي حسابات سياسية أو حتى إنسانية أن تأخذ الأولوية على حق النساء [[الناجيات من العنف]]، وكون الاعتداء عليهن تم من فئة أخري مهمشة لا يقلل من بشاعة الجرم.
+
رأى البعض أن تسليط الضوء على هذه الأحداث له مبرر عنصري حيث أن الإعلام يهتم بشكل خاص بحوادث الاعتداء الجنسي عندما يرتكبها العرب أو المسلمون أو عندما ترتكب ضد نساء ذات بشرة بيضاء وأن هذا الحادث سيعطي مبررات لاستهداف اللاجئين العرب والمسلمين. وفي حقيقة الأمر هذه النقاط مشروعة ولها وجاهتها ولكن هناك إشكالية كبرى في طرحها كأولوية وتحويل الواقعة من حادث اعتداء جنسي على النساء إلى ساحة للدفاع عن المسلمين والعرب وتحويل محور النقاش من مشكلة العنف الأبوي إلى مشكلة العنصرية دون الربط بينهما . فبداية، أول ما يجب علينا رؤيته في أحداث كولونيا هو أن مجموعة من الرجال اعتدت جنسيا على مجموعة من النساء وهي جريمة تستدعي العقاب بغض النظر عن كونهم مهاجرين أو لاجئين أو مهمشين بشكل عام. فالمسألة هنا هي في المقام الأول مسألة تخص [[جندر | النوع الاجتماعي]]. لقد تم الاعتداء على تلك النساء لكونهن نساء، ويمكن قراءة المسألة وتحليلها بالعلاقة مع لونهن وطبقتهن وخلفيتهن العرقية، ولكن في سياقهن كنساء ناجيات من العنف الجنسي. عدم رؤية الحدث كاعتداء جنسي وانتهاك لأجساد النساء قبل أي شئ هو تواطؤ مع العنف الأبوي. بالطبع، تحتاج مجتمعات المهاجرين واللاجئين إلى حماية من العنصرية والاضطهاد ولكن النساء أيضا لهن الحق في الحماية من التمييز و[[العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي|العنف القائم على أساس النوع]] وفي هذه الواقعة بالتحديد تم الاعتداء على النساء دون غيرهم ولذلك فلا ينبغي لأي حسابات سياسية أو حتى إنسانية أن تأخذ الأولوية على حق النساء الناجيات من العنف، وكون الاعتداء عليهن تم من فئة أخري مهمشة لا يقلل من بشاعة الجرم.
 
   
 
   
 
ان وضع الامر كمقارنة اما [[حقوق النساء]] أو حقوق المهمشين والمهاجرين و اللاجئين هو ما يخرج الأمر من سياقه ويسفر عن قراءة قد تكون قاصرة أو غير عادلة للنساء.
 
ان وضع الامر كمقارنة اما [[حقوق النساء]] أو حقوق المهمشين والمهاجرين و اللاجئين هو ما يخرج الأمر من سياقه ويسفر عن قراءة قد تكون قاصرة أو غير عادلة للنساء.
 
   
 
   
إن تعرض فئة من المجتمع للتمييز ولتكن على سبيل المثال اللاجئين والمهاجرين في هذا السياق لا يعني اعتبارها ضحية تلقائياً ولا يعني إعفاء أفراد منها من المسئولية إذا قامت بارتكاب جرائم. الخطاب الاعتذاري الذي يبرر أو يتستر على الاعتداءات لاعتباره أن المعتدين "ضحايا" و"مهمشين" أو لمناهضة العنصرية والاسلاموفوبيا هو في حقيقة الأمر خطاب مهين للمهاجرين وإن كان يبدو متعاطفاً معهم، فهو يفترض أن مجتمعات المهاجرين واللاجئين مسلوبة الإرادة أو العقلانية ولا تجد أمامها اختيارات سوى اللجوء [[العنف الجنسي|للعنف الجنسي]] كرد فعل على تهميشهم ومعانتهم.ونحن نفترض على النقيض أن اللاجئين والمهاجرين أناس مسئولة عن أفعالهم كما لا نعتبر المهاجرين كتلة واحدة متجانسة تماما، بل كأي فئة مجتمعية أخرى منهم من يحترم [[حقوق النساء]] ومنهم من لا يحترمها. وفي الواقع هذا الطرح يعزز لاحترام حقوق اللاجئين والمهاجرين. فالخطاب القاصر الذي يعتبر جميع اللاجئين والمهاجرين كتلة واحدة من الضحايا والمستضعفين وفقط هو الذي يرسخ لفكرة العقاب الجماعي عندما يتم خرق القانون من قبل بعض الأفراد من هذه المجموعات، أما اعتبار اللاجئين والمهاجرين كسائر فئات المجتمع كمجموعات متنوعة لها حقوقها وواجباتها فيرسخ لفكرة أنه كما ينبغي معاقبة من أخلوا بواجباتهم، فينبغي أيضا عدم المساس بحقوق أساسيه مثل حق السلامة الجسدية . أن مواجهة العنصرية والاستشراق بتلك الطريقة التي تتعامل برومانسية مع المهاجرين العرب واللاجئين هي جزء من نظرة قد تصل الي عنصرية واستشراقية مستترة وكأن لهؤلاء الرجال قدرات عقلية ومعايير أخلاقية أدنى تغني عن محاسبتهم كما يجب أن يحاسب سائر البشر.
+
إن تعرض فئة من المجتمع للتمييز ولتكن على سبيل المثال اللاجئين والمهاجرين في هذا السياق لا يعني اعتبارها ضحية تلقائياً ولا يعني إعفاء أفراد منها من المسئولية إذا قامت بارتكاب جرائم. الخطاب الاعتذاري الذي يبرر أو يتستر على الاعتداءات لاعتباره أن المعتدين "ضحايا" و"مهمشين" أو لمناهضة العنصرية والاسلاموفوبيا هو في حقيقة الأمر خطاب مهين للمهاجرين وإن كان يبدو متعاطفاً معهم، فهو يفترض أن مجتمعات المهاجرين واللاجئين مسلوبة الإرادة أو العقلانية ولا تجد أمامها اختيارات سوى اللجوء [[عنف جنسي |للعنف الجنسي]] كرد فعل على تهميشهم ومعانتهم.ونحن نفترض على النقيض أن اللاجئين والمهاجرين أناس مسئولة عن أفعالهم كما لا نعتبر المهاجرين كتلة واحدة متجانسة تماما، بل كأي فئة مجتمعية أخرى منهم من يحترم [[حقوق النساء]] ومنهم من لا يحترمها. وفي الواقع هذا الطرح يعزز لاحترام حقوق اللاجئين والمهاجرين. فالخطاب القاصر الذي يعتبر جميع اللاجئين والمهاجرين كتلة واحدة من الضحايا والمستضعفين وفقط هو الذي يرسخ لفكرة العقاب الجماعي عندما يتم خرق القانون من قبل بعض الأفراد من هذه المجموعات، أما اعتبار اللاجئين والمهاجرين كسائر فئات المجتمع كمجموعات متنوعة لها حقوقها وواجباتها فيرسخ لفكرة أنه كما ينبغي معاقبة من أخلوا بواجباتهم، فينبغي أيضا عدم المساس بحقوق أساسيه مثل حق السلامة الجسدية . أن مواجهة العنصرية والاستشراق بتلك الطريقة التي تتعامل برومانسية مع المهاجرين العرب واللاجئين هي جزء من نظرة قد تصل الي عنصرية واستشراقية مستترة وكأن لهؤلاء الرجال قدرات عقلية ومعايير أخلاقية أدنى تغني عن محاسبتهم كما يجب أن يحاسب سائر البشر.
 
   
 
   
ونفس الخطاب الذي تجاهل حماية النساء لحساب حماية اللاجئين في حادثة [[الاعتداء الجنسي|اعتداء جنسي]] هو الذي يُرجع ارتكاب تلك الجرائم حصرا إلى الظلم الذي يتعرض له اللاجئين وعوامل الفقر والتهميش والظروف الاقتصادية للفئات المهمشة. وبالطبع المقاربة الاقتصادية والسياسية للموضوع ضرورية ولا يمكن تجاهلها حيث أن العنصرية والفقر هي عوامل مهمة ومؤثرة تؤخذ بعين الاعتبار عند ارتكاب أي جريمة، إلا أن هناك عدة إشكاليات في هذا الطرح الذي يتجاهل تماماً منظور النوع الاجتماعي. أولاً يعزز هذا الطرح للتطبيع مع جريمة العنف الجنسي كأنها رد فعل طبيعي للظلم المجتمعي ويتجاهل أن العنف الجنسي اختيار واع لصاحبه. ثانيًا، يتجاهل هذا الخطاب أيضا آلاف الرجال من اللاجئين والمهاجرين الذين لم يختاروا العنف الجنسي كملاذ للتعبير عن معاناتهم وقهرهم. ثالثا ينزع هذا الخطاب العنف الجنسي من سياقه الأوسع ويفترض أن [[العنف ضد النساء]] هو حكر على طبقة أو عرق معين أو على المهمشين فقط، ويتجاهل أن هذه الجريمة يتم ارتكابها يوميا من رجال من خلفيات اجتماعية وسياسية مختلفة. فجريمة العنف الجنسي لا تنفصل عن الرؤية الدونية للنساء واستباحة أجسادهن.
+
ونفس الخطاب الذي تجاهل حماية النساء لحساب حماية اللاجئين في حادثة [[ااعتداء جنسي]] هو الذي يُرجع ارتكاب تلك الجرائم حصرا إلى الظلم الذي يتعرض له اللاجئين وعوامل الفقر والتهميش والظروف الاقتصادية للفئات المهمشة. وبالطبع المقاربة الاقتصادية والسياسية للموضوع ضرورية ولا يمكن تجاهلها حيث أن العنصرية والفقر هي عوامل مهمة ومؤثرة تؤخذ بعين الاعتبار عند ارتكاب أي جريمة، إلا أن هناك عدة إشكاليات في هذا الطرح الذي يتجاهل تماماً منظور النوع الاجتماعي. أولاً يعزز هذا الطرح للتطبيع مع جريمة العنف الجنسي كأنها رد فعل طبيعي للظلم المجتمعي ويتجاهل أن العنف الجنسي اختيار واع لصاحبه. ثانيًا، يتجاهل هذا الخطاب أيضا آلاف الرجال من اللاجئين والمهاجرين الذين لم يختاروا العنف الجنسي كملاذ للتعبير عن معاناتهم وقهرهم. ثالثا ينزع هذا الخطاب العنف الجنسي من سياقه الأوسع ويفترض أن [[العنف ضد النساء]] هو حكر على طبقة أو عرق معين أو على المهمشين فقط، ويتجاهل أن هذه الجريمة يتم ارتكابها يوميا من رجال من خلفيات اجتماعية وسياسية مختلفة. فجريمة العنف الجنسي لا تنفصل عن الرؤية الدونية للنساء واستباحة أجسادهن.
 
   
 
   
 
ففي واقع الأمر، الخطاب الذي يدين الظلم المجتمعي والتهميش الاقتصادي كالمسئول الأول عن جريمة [[العنف الجنسي]] هو خطابا تبريرياً ومحافظاً من منظور النوع الاجتماعي وإن كان يبدو غير ذلك. وإن كان هذا الخطاب غير مطابق بالطبع للخطاب الذي يلقي مسئولية العنف الجنسي على النساء، إلا أنه يصر على وضع المعتدي في خانة الضحية بشكل أو بآخر، ويلقي اللوم على "شئ ما" خارج إرادته ويفشل بالتالي في رؤية الاعتداء الجنسي كتجلي للمنطق [[الأبوية|الأبوي]] والنظرة الدونية للنساء ويراه على العكس تجلياً لأشكال مختلفة من الظلم الذي يتعرض له المعتدي (العنصرية – القهر الطبقي – الاضطهاد، إلخ). وفي الحقيقة أن هذا الخطاب مثله مثل الخطاب الذي يستخدم معاناة النساء لأغراض عنصرية لا يزيد إلا من الأثر السلبي على [[الناجيات من العنف|الناجيات]] ولا يساعدهن على تجاوز كرب ما بعد الصدمة الذي سيعانين منه طوال حياتهن بدرجات متفاوتة، حيث أن كلا الخطابين يتعاملان مع النساء على أنهن مجرد "مشكلة" ثانوية أو أداوات سياسية في الصراع المتعلق بقضية اللاجئين ولا يتم النظر إلى قضيتهن هن كناجيات من العنف الجنسي. ولذلك فتبني منظور [[النوع الاجتماعي]] كعدسة لرؤية تلك الأحداث يندرج تحتها العوامل الاقتصادية والسياسية وليس العكس هي ضرورة للنظر إلى الحدث من زاوية تتجنب التواطؤ مع العنف.
 
ففي واقع الأمر، الخطاب الذي يدين الظلم المجتمعي والتهميش الاقتصادي كالمسئول الأول عن جريمة [[العنف الجنسي]] هو خطابا تبريرياً ومحافظاً من منظور النوع الاجتماعي وإن كان يبدو غير ذلك. وإن كان هذا الخطاب غير مطابق بالطبع للخطاب الذي يلقي مسئولية العنف الجنسي على النساء، إلا أنه يصر على وضع المعتدي في خانة الضحية بشكل أو بآخر، ويلقي اللوم على "شئ ما" خارج إرادته ويفشل بالتالي في رؤية الاعتداء الجنسي كتجلي للمنطق [[الأبوية|الأبوي]] والنظرة الدونية للنساء ويراه على العكس تجلياً لأشكال مختلفة من الظلم الذي يتعرض له المعتدي (العنصرية – القهر الطبقي – الاضطهاد، إلخ). وفي الحقيقة أن هذا الخطاب مثله مثل الخطاب الذي يستخدم معاناة النساء لأغراض عنصرية لا يزيد إلا من الأثر السلبي على [[الناجيات من العنف|الناجيات]] ولا يساعدهن على تجاوز كرب ما بعد الصدمة الذي سيعانين منه طوال حياتهن بدرجات متفاوتة، حيث أن كلا الخطابين يتعاملان مع النساء على أنهن مجرد "مشكلة" ثانوية أو أداوات سياسية في الصراع المتعلق بقضية اللاجئين ولا يتم النظر إلى قضيتهن هن كناجيات من العنف الجنسي. ولذلك فتبني منظور [[النوع الاجتماعي]] كعدسة لرؤية تلك الأحداث يندرج تحتها العوامل الاقتصادية والسياسية وليس العكس هي ضرورة للنظر إلى الحدث من زاوية تتجنب التواطؤ مع العنف.
سطر 56: سطر 57:  
   
 
   
 
==خلاصة==
 
==خلاصة==
ستظل قضية [[العنف الجنسي]] قضية شائكة بطبيعتها وقضية اللاجئين هي بدورها قضية حساسة في الوقت الراهن ولا يمكن لتقاطع القضيتين كما حدث في كولونيا إلا إنتاج موقف معقد يصعب التعامل معه بإجابات "سهلة" أو "مثالية" أو "جاهزة" عن عدم التعميم، وتفريغ الموضوع من جميع الأسئلة الجدلية التي تصاحبه. سنظل نواجه معضلات أخلاقية وسياسية أصعب طالما اهتممنا بقضايا النساء في سياق محلي وإقليمي ودولي ملتبس وعلاقات القوى به متغيرة وظالمة لأكثر من فئة. وندرك تماما حساسية طرح أسئلة متعلقة بالثقافة والدين في ظل التربص باللاجئين في المجتمعات الأوروبية، إلا أن تجاهل تلك الأسئلة لفترات طويلة أدي إلى وجود مزاج سائد متسامح مع العنف الأبوي في أحيان كثيرة. إن لم يكن الآن، فمتى يتسنى لنا طرح تلك الأسئلة الصعبة والمؤلمة؟
+
ستظل قضية [[عنف جنسي | العنف الجنسي]] قضية شائكة بطبيعتها وقضية اللاجئين هي بدورها قضية حساسة في الوقت الراهن ولا يمكن لتقاطع القضيتين كما حدث في كولونيا إلا إنتاج موقف معقد يصعب التعامل معه بإجابات "سهلة" أو "مثالية" أو "جاهزة" عن عدم التعميم، وتفريغ الموضوع من جميع الأسئلة الجدلية التي تصاحبه. سنظل نواجه معضلات أخلاقية وسياسية أصعب طالما اهتممنا بقضايا النساء في سياق محلي وإقليمي ودولي ملتبس وعلاقات القوى به متغيرة وظالمة لأكثر من فئة. وندرك تماما حساسية طرح أسئلة متعلقة بالثقافة والدين في ظل التربص باللاجئين في المجتمعات الأوروبية، إلا أن تجاهل تلك الأسئلة لفترات طويلة أدي إلى وجود مزاج سائد متسامح مع العنف الأبوي في أحيان كثيرة. إن لم يكن الآن، فمتى يتسنى لنا طرح تلك الأسئلة الصعبة والمؤلمة؟
    
وفي كل الأحوال، لا ينبغي أن يكون تعاملنا مع المعضلات التي تواجهنا وستواجهنا حتما عن طريق التسامح مع انتهاك النساء أو اعتبار قضيتهن مسألة "ثانوية"، بل هناك ضرورة للمحاسبة والمسائلة بشأن جرائم [[العنف ضد النساء]] أيا كان مرتكبيها وأينما كانوا، فآن الأوان لوصم من يتبنون خطابات تلوم الناجيات أو تغلّب مصلحة ما على حق سلامتهن الجسدية.
 
وفي كل الأحوال، لا ينبغي أن يكون تعاملنا مع المعضلات التي تواجهنا وستواجهنا حتما عن طريق التسامح مع انتهاك النساء أو اعتبار قضيتهن مسألة "ثانوية"، بل هناك ضرورة للمحاسبة والمسائلة بشأن جرائم [[العنف ضد النساء]] أيا كان مرتكبيها وأينما كانوا، فآن الأوان لوصم من يتبنون خطابات تلوم الناجيات أو تغلّب مصلحة ما على حق سلامتهن الجسدية.
7٬893

تعديل