وثيقة:بتاخدوا رخص ازاي انتوا؟!
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | بلبل |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | مجلة شباك |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://www.shubbakmag.com/articles/33
|
تاريخ الاسترجاع |
|
نُشرت هذه المقالة في العدد 2 من مجلة شباك
قد توجد وثائق أخرى مصدرها مجلة شباك
"بتاخدوا رُخَص إزاي انتو؟؟" جملةٌ قطعت حبل أفكاري وأنا على كوبري أكتوبر مُتجهاً إلى العمل، كنت أفكّر في الشّجار الذي دار بيني وبين زوجتي قبل مغادرتي المنزل، وكيف أنّ حياتي تعيسةٌ بعد الزواج. وصلتُ إلى عملي الذي لا أحبه ولا أحب زملائي فيه ذوي الابتسامات الصفراء المتصنّعة، بدأتُ أسترجعُ الحادثة التي كنتُ على وشكِ أن أعيشَها وأنا في طريقي إلى هذا المكان الأشبهِ بمدرسةٍ متهالكةِ المبنى، الكئيبِ كالقبور، التعيسِ كموظَّفٍ آخر الشهر. بدأتُ في تذكُّر ذلك الشّاب الذي أعادتني جُملته إلى أرض الواقع، بدأتُ أتذكَّرُ ملامحَه الحادة ووجهَه الوسيم، صدرَه العريضَ وذراعيهِ الكبيرتين اللتين أتمنّى أن أمضيَ بينهما الليل ..
"ما هذا الذي أفكّر فيه؟ لقد عاهدّتُ نفسيَ أني لن أعود إلى هذا الفعل مرةً أخرى". نعم .. لن أفعل هذا مرةً أخرى، لكن لمَ لا؟ لقد عاهدّتُ نفسي من قبلٍ أني لن أفعلَ وفعلت. أتذكّرُ أولَ مرةٍ عاهدتُ نفسي فيها أني لن أفعل هذا ثانيةً، كانت في عام 2005 عندما ذهبتُ إلى الدكتور الفُلاني وقال لي أنَّهُ سيشفيني من هذا المرض اللعين. بدأتُ بالذهاب إليه بعد أن تركنِي أقربُ إنسانٍ لقلبي، الّذي أعلمُ الآن أنَّه لم يحبّني أحدٌ قط بقدرِه؛ لكنَّه ملَّ وضجرَ قلبُهُ، بقيَ بجانبي سنين يحاولُ مساعدتي لأتقبّل نفسي وحقيقةَ كياني، وأنا بقيْتُ متمسّكاً بقناعاتي بصلابة ورافضاً لحبّه. رحلَ، رحلَ ورحلَت فرصتِي في النجاة.
بدأ الدكتور في مُساءَلتي عن متى كانت أولُ مرةٍ أشعر فيها بميولٍ جنسيةٍ تجاه الرجال، وبدأتُ بالكلامِ فراحَ يعرِّف ميولي الجنسية وهويَّتي الجندريّة بالمرض، وبدأ ببثِّ ما اكتشفتُ في وقتٍ مُتأخرٍ أنها مُجرّد خرافاتٍ توقَّف العلم عن استخدامها منذ عشرات السنين. أخبرَني كم أنا شخصٌ مريضٌ ويجبُ علاجي، وكيف أنّ ميولي الجنسية تتعارضُ مع دوري في الكنيسة. بدأ بالحديثِ عن حُرمانيّة ما أفعله، واتّجه حديثُه إلى خطابٍ دينيّ، فبدأت بالإحساس أنني في أحد الاجتماعاتِ وليس مع طبيبٍ أو عالم. أخبرني كيف يبغضُ إلهي ما أفعله وهو من دواعي غضبِه ولعناتِه، ولكنّه في ذات الوقت راحَ يدعوني مبشِّراً أنّ بابَ التوبةِ مفتوحٌ وأنه يجب الابتعاد عن هذه المعصية في أقرب وقتٍ ممكنٍ. تركتُ عيادتَه وأنا مليءٌ بالأمل أنني سوف أكون "طبيعيّاً" في وقتٍ قصيرٍ وأنني تلميذٌ نجيبٌ، وقويّ الإيمان، وسأنجزُ المهمّة في وقتٍ قياسيٍّ ولن يستمرّ الأمر لسنواتٍ مثلما أخبرني.
استمرّت زياراتي إلى "قاهر المثلية"، وبدأتُ إيهامَ نفسي أنني أتحسّن، زياراتٌ كثيرةٌ وأموالٌ أكثر، بالإضافةِ لمهامٍ يجب القيام بها لم يكُن لها جدوى، وكتاباتٍ أسردها على الورق آلَ مصيرُها للقمامة. بدأت تنفذ مُدّخراتي من المال والرّجاء، ومازلتُ أنجذبُ إلى نفس جنسي. أقنَعني "الدكتور" بالزواج وأنّه هو الحل، وبالفعل بدأتُ بالبحثِ حتى رشَّح لي أبونا إنسانةً جميلةً، حسنة الخُلق والمظهر وذات تعليمٍ عالٍ ومن عائلةٍ مرموقة.. تزوّجنا في أسرع وقت، وظننت أنني شُفيت... لكن لم أكن أعلمُ أنَّ فرحتي لن تكتملَ...
بدأتُ باشتهاءِ الرجال ثانيةً وأكثرَ من ذي قبل، "يا إلهي لقد عُدّت.. عُدتُ للسّقامِ الذي ظننتُ أنّني أفلتُّ من قبضَتِهِ للأبد... ولكن هذه المرة أنا لستُ وحيداً! فأنا رجل مُتزوجٌ وسأظلُّ معها حتي يُفرّق الموتُ بيننا". كنتُ أشعر باشمئزازٍ لا يُوصف وأنا في علاقةٍ مع زوجتي، لكن كان يجب عليّ فعلُها فهي لها حقوقٌ في هذه العلاقة غير عادلةٍ لأيٍّ من الطرفين.
ذاتَ يومٍ وأنا في طريقِ عودتي من العمل توقّفتُ في بُقعةٍ معروفةٍ للقاء الرجال الباحثين عن علاقةٍ عابرة.. حصلتُ على ما كنتُ أبحثُ عنه.. وكأنَّ الحياة عادت لي بعد سنواتٍ من الموت! وكأنّني كنتُ مقيّداً سجيناً في زنزانةٍ مظلمةٍ بجهلٍ ونكرانٍ وكبت، والآنَ، الآن فقط، اقتنيتُ حرّيّتي!
واستمرَّيتُ في المرور بهذه البُقعة بشكلٍ يوميٍّ، وكيفَ لي أن أترُكها وهي مصدرُ سعادتِي الأوحد؛ ازدادت هذهِ السعادةُ أضعافاً حين رأيتُه من بعيدٍ في أحد تلك الأيام، شخصاً ليس بالغريب، رأيته يقف بعيداً في انتظار من يشاركه وحدته.. "هل هذا هو حقاً؟ ذلك الشخص الذي لم يدقّ قلبي إلا لغيرِه؟". أخذتُ بالاقتراب و أنا أفكّر في ردّة فعلِه، تسارعت خطواتي وأنا مُتلهّفٌ لاحتضانه ومعانقتِه عناقاً تتلاقى فيه أضلُعنا، اشتقت إليه شوقاً لا يُختَزنُ في كلمات. وقفتُ أمامه عاجزاً عن الكلمات، تسمّرتُ في مكاني ولم أقوَ على التفوُّهِ بكلمة؛ وإذا بِهِ يرفعُ وجهَهُ ليُلاقيَ عينيَّ المدمعتَين، إنه شخصٌ آخر، يشبهه في الكثير لكنه ليس هو. ابتسم هذا الغريبُ لي ابتسامة ترحيبٍ، قابلتُها بدمعةٍ جارية تبعتها خطواتُ ابتعاديَ عنهُ.
توقّفتُ عن المرورِ بهذه البُقعة، ليس إلا يوم وضعَت زوجتي باكورةَ إنتاجنا، فتاةٌ جميلةٌ مثل والدتِها، ومنذ ذلك اليوم عاهدّتُ نفسي أنني لن أعود لهذا الفعل ولا هذا المكان.
وتمرُّ الأيام والسنين، وتنطفئ شُعلة الحياةِ بداخلي، ولكن هذه المرة أكثرَ من ذي قبل. ليس باليدِ حيلة، إن لم أعد لمكان إحيائي أموت! وعُدتُ إلى البُقعة، وعادتِ الحياةُ معها... استمرَّيتُ في الابتعادِ عن مصدرِ الحياةِ والعودةَ له كل آونةٍ، حتَّى توصَّلت للقناعةِ أنَّه لا منفعةَ من هذا التخضخضِ والمماطلة، سأقبعُ هنا طيلةَ ما بقيَ لي من أيام، لن أسمحَ لشيءٍ بإطفاءِ ما بداخلي وتقييدي من جديد!
عُدتُ مرَّةً أخرى إلى الحاضر، وبدأتُ أتذكّرُ الشجارَ الذي دار صباحَ اليوم، لأنّ زوجتي تظنُّ أنني أقوم بخيانتِها مع امرأةٍ أخرى "آه لو تعلمين يا عزيزتي.. فالوضع أخطرُ مما تظنّين". ليته من في القلبِ بقيَ بجانبِهِ علَّ شفائي من كُرهِ ذاتي جاءني بيدِهِ، ليتني لم أذهب إلى تلك العيادةِ يوماً، ليتني لم أستمع إلى كلماتِه الواعدة التي ألقَت بي في جحيمٍ على الأرض. لقد كان يعلمُ ما سوف يحدث فأنا لستُ أولَ من يُدمّر حياتَه، فقد عبثَ بحياةِ المئاتِ قبلي والآلاف بعدي. كيف فعل هذا بي بقلبٍ باردٍ؟ دمّر حياتي، لا.. بل دمّر حياة 3 أشخاصٍ. فما ذنبُ تلك المرأة التي دمّرتُ حياتَها بسبب انخداعِي بوهم العلاج من هذا الدجال؟ دفعَني إلى الزواج، أوهمَني بالعلاج فأوهمتُها بالحب فأحبّتني بالفعل.. تظنُّ أنني أخونُها مع أخرى... قد كنت أخونُكِ في خيالي أثناء التفاف ذراعي حولكِ، وأنتِ تُخبرينني كم أنتِ سعيدةً وكيف أنها الحياةُ التي طالما كنتِ تحلُمين بها. لقد كُنتِ تعيشين كذبةً كبيرةً هو السبب فيها.
ذلك الدجّالُ ذائعُ الصيتِ الآن، من يستضيفُه المُحاورون والقساوسة وآباؤنا الكهنة فيروحُ يُشعِرُ عن إعجازه العلمي، وسلسلة كُتبه المُنتشرة في كل مكان، واكتشافه العظيم الذي شفى المئات، فحصلوا على زوجاتٍ وعائلاتٍ.. هو على حقّ، لقد حصلتُ على زوجةٍ وعائلة، ولكنني أصبحتُ غيرَ سويّ ومُشتتاً وخائناً. لقد كنتَ تعلمُ منذ البداية أنها ليست مرضاً.. أفرغتُ جيوبي، أفسدتُ شبابي، قتلتُ روحي، دمّرتُ حياتي وحياتَيّ اثنتَينِ غيري. يظهرُ على الشاشات مفتخِراً بعلاج ما هو ليس مرض، أشاهدُه وأتساءل ما الدواء لانعدامِ الإنسانيّة...
ولم يتمّ إيقافه عن مزاولةِ مهنة الطب حتى الآن. "بتاخدوا رُخَص إزاي انتو؟"