تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وصلات وتصنيف
سطر 26: سطر 26:     
“جرح الأم” بدأ كمفهوم تشخيصي لشرح آثار ذلك على نفسية الابنة، كالذنب الذي تحمله حيال أمّها، والذي تعذّيه الأم عبر التلاعب العاطفي في كثير من الأحيان، والتقنيات السيئة للتعامل مع الضغط الاجتماعي التي تجعل أولئك الأمهات عنيفات وسيئات تجاه بناتهن.
 
“جرح الأم” بدأ كمفهوم تشخيصي لشرح آثار ذلك على نفسية الابنة، كالذنب الذي تحمله حيال أمّها، والذي تعذّيه الأم عبر التلاعب العاطفي في كثير من الأحيان، والتقنيات السيئة للتعامل مع الضغط الاجتماعي التي تجعل أولئك الأمهات عنيفات وسيئات تجاه بناتهن.
 +
 
صدرت كتابات نسوية منذ فترة أعطت للعبارة بعض الشهرة، فابتعدت قليلاً عن البعد التشخيصي لتركّز على الديناميات الموجودة في علاقاتنا مع أمهّاتنا في ظلّ الشبكة المعقّدة من المسؤوليات والذنب والعنف والخوف. الفكرة بحد ذاتها ليست بجديدة، فعندما ننظر لمؤسسة العائلة وكيف تعيد إنتاج نفسها وإنتاج الأفكار المهيمنة في المجتمع، يصبح من السهل فهم تلك الحالة العامّة جدّاً، وفي الوقت نفسه، نسف مصداقية عبارة “المرأة هي أكبر عدو للمرأة”. ففي كل مرّة نسمع خبراً عن امرأة عنيفة أو ظالمة بحق إبنتها، إن كان عبر قصص إجبار الأمهّات لبناتهن على الخضوع [[ختان الإناث|للختان]]، أو تزويجهن غصباً، أو التشجيع على تأديبهن بشتّى الطرق عند إخلالهن بمعايير الأنوثة والشرف، يقال لنا أنّنا نحن المسؤولات عن العنف ضدّنا. ثقافة تلوم النساء على العنف الذي يخضعن له هي ثقافة وليدة للأبوية، متماشية مع ثقافة [[لوم الضحية|لوم الضحيّة]] عندما تتعرض للإغتصاب [[التحرش|والتحرّش]]، ثقافة تسألنا عمّا فعلت ضحيّة القتل على يد شريكها لتتعرض لهذا كله.
 
صدرت كتابات نسوية منذ فترة أعطت للعبارة بعض الشهرة، فابتعدت قليلاً عن البعد التشخيصي لتركّز على الديناميات الموجودة في علاقاتنا مع أمهّاتنا في ظلّ الشبكة المعقّدة من المسؤوليات والذنب والعنف والخوف. الفكرة بحد ذاتها ليست بجديدة، فعندما ننظر لمؤسسة العائلة وكيف تعيد إنتاج نفسها وإنتاج الأفكار المهيمنة في المجتمع، يصبح من السهل فهم تلك الحالة العامّة جدّاً، وفي الوقت نفسه، نسف مصداقية عبارة “المرأة هي أكبر عدو للمرأة”. ففي كل مرّة نسمع خبراً عن امرأة عنيفة أو ظالمة بحق إبنتها، إن كان عبر قصص إجبار الأمهّات لبناتهن على الخضوع [[ختان الإناث|للختان]]، أو تزويجهن غصباً، أو التشجيع على تأديبهن بشتّى الطرق عند إخلالهن بمعايير الأنوثة والشرف، يقال لنا أنّنا نحن المسؤولات عن العنف ضدّنا. ثقافة تلوم النساء على العنف الذي يخضعن له هي ثقافة وليدة للأبوية، متماشية مع ثقافة [[لوم الضحية|لوم الضحيّة]] عندما تتعرض للإغتصاب [[التحرش|والتحرّش]]، ثقافة تسألنا عمّا فعلت ضحيّة القتل على يد شريكها لتتعرض لهذا كله.
   −
نتعلّم إذاً كنسويات عند محاولتنا فهم العالم عبر فحصنا له بأدوات نسوية جديدة، أنّ العائلة ليست مجرّد مؤسسة عاطفية، بل هي مؤسسة سياسية بإمتياز، ومسؤولية التربية ليست بمسؤولية عبثية، بل تمّت هندستها جيّداً ليكون دور الوالدين فيها تعليمي، والأم عليها المسؤولية الأكبر كالراعية الأساسية. فنقل الأخلاقيات والسلوكيات والأفكار الأبوية يقع في صلب دور الأم التعليمي، ومن مهامها التأكيد على نشأة جيل جديد يعرف أدواره الجندرية الاجتماعية، ويتصرف حسب ثنائية بنت/صبي، ولا يتحدّى تلك الأفكار. فإذا الأم قامت بمهمتها تلك على أكمل وجه، وربّت أطفالاً يعرفون حدودهم الاجتماعية ويعيشون حياة ذات مسار تقليدي، نجحت في أن تضمن أن المجتمع لن يحاسبها، بل سيكرمها كأم مثالية، مربيّة ومضحية (وعلى الرغم من كل ذلك، يجد المجتمع أسبابه ليحاسب النساء). أمّا إذا فشلت الأم في نقل تلك الأفكار، أي إذا لم تنجح في ضمان أن أولادها يتصرفون كالرجال وبناتها كالبنات، ولاحقاً كالنساء، فهي الملامة لتقصيرها، وهي التي ستتلقى العقاب على هذا التقصير. يأتي العقاب بأشكال عدّة تمتد من النقد الدائم إلى الضرب.
+
نتعلّم إذاً [[نسوية | كنسويات]] عند محاولتنا فهم العالم عبر فحصنا له بأدوات نسوية جديدة، أنّ العائلة ليست مجرّد مؤسسة عاطفية، بل هي مؤسسة سياسية بإمتياز، ومسؤولية التربية ليست بمسؤولية عبثية، بل تمّت هندستها جيّداً ليكون دور الوالدين فيها تعليمي، والأم عليها المسؤولية الأكبر كالراعية الأساسية. فنقل الأخلاقيات والسلوكيات والأفكار الأبوية يقع في صلب دور الأم التعليمي، ومن مهامها التأكيد على نشأة جيل جديد يعرف أدواره الجندرية الاجتماعية، ويتصرف حسب ثنائية بنت/صبي، ولا يتحدّى تلك الأفكار. فإذا الأم قامت بمهمتها تلك على أكمل وجه، وربّت أطفالاً يعرفون حدودهم الاجتماعية ويعيشون حياة ذات مسار تقليدي، نجحت في أن تضمن أن المجتمع لن يحاسبها، بل سيكرمها كأم مثالية، مربيّة ومضحية (وعلى الرغم من كل ذلك، يجد المجتمع أسبابه ليحاسب النساء). أمّا إذا فشلت الأم في نقل تلك الأفكار، أي إذا لم تنجح في ضمان أن أولادها يتصرفون كالرجال وبناتها كالبنات، ولاحقاً كالنساء، فهي الملامة لتقصيرها، وهي التي ستتلقى العقاب على هذا التقصير. يأتي العقاب بأشكال عدّة تمتد من النقد الدائم إلى الضرب.
 +
 
 +
لذا، تجد الأمهات أنفسهن بين خيارين قاسيين، أحياناً لا يعين دورهن بها، لكنهن يعين تبعات أي مسار يتخذنه. فالأم التي تجبر بناتها على أمور ذكورية، لا تضمن ألّا تُعاقب وحسب، بل تضمن ألّا يتم معاقبة إبنتها أيضاً من قبل المجتمع. فالعذاب النفسي والجسدي والعاطفي التي تمر به البنات لا يُقارن بالأذى الذي سيلحقهن إذا كسرن القواعد النمطية لل[[أنوثة]] والشرف. الأم نفسها مرّت بنفس المسار، ربما كرهته، وربما وجدته طبيعياً لأنّه المسار الذي تمر به جميع البنات، ولكن في الحالتين، حتّى إذا أرادت التمرد يوماً ما، يعاد ترويضها عندما تصبح أمّاً من خلال التهديد الدائم بالعقاب. فالنساء مضطرات أن يستبطن أنّ اضطهادهن مجتمعياً هو لمصلحتهن والمصلحة العامة، وإلّا لما استطاع النظام الأبوي الاستمرار.
   −
لذا، تجد الأمهات أنفسهن بين خيارين قاسيين، أحياناً لا يعين دورهن بها، لكنهن يعين تبعات أي مسار يتخذنه. فالأم التي تجبر بناتها على أمور ذكورية، لا تضمن ألّا تُعاقب وحسب، بل تضمن ألّا يتم معاقبة إبنتها أيضاً من قبل المجتمع. فالعذاب النفسي والجسدي والعاطفي التي تمر به البنات لا يُقارن بالأذى الذي سيلحقهن إذا كسرن القواعد النمطية للأنوثة والشرف. الأم نفسها مرّت بنفس المسار، ربما كرهته، وربما وجدته طبيعياً لأنّه المسار الذي تمر به جميع البنات، ولكن في الحالتين، حتّى إذا أرادت التمرد يوماً ما، يعاد ترويضها عندما تصبح أمّاً من خلال التهديد الدائم بالعقاب. فالنساء مضطرات أن يستبطن أنّ اضطهادهن مجتمعياً هو لمصلحتهن والمصلحة العامة، وإلّا لما استطاع النظام الأبوي الاستمرار.
   
لذا، تجرح الأمّهات بناتهن، وتكبر البنات ليصبحن أمّهات، فيعدن ليجرحن بناتهن بدورهن. فتخلق حلقة من “جرح الأم” يصعب دملها أو التصالح معها إلا إذا ما كسّر الفكر النسوي والوعي بالظلم الجندري تلك الحلقة. وعندما يكسرها، أعي أنا البنت ذاك الجرح وأعي آثاره، وأجدها في تصرفاتي وسلوكياتي، وفي مشاعري تجاه الأمومة، وفي علاقاتي مع الآخرين. أجد ذلك الجرح في ردّات فعلي على العنف والأذى، وفي تصالحي معه، وأجدني أحمل ذنباً لا أعرف التعامل معه، وأحمل معضلةً تحوم كغيمة فوق علاقاتي مع أمّي.
 
لذا، تجرح الأمّهات بناتهن، وتكبر البنات ليصبحن أمّهات، فيعدن ليجرحن بناتهن بدورهن. فتخلق حلقة من “جرح الأم” يصعب دملها أو التصالح معها إلا إذا ما كسّر الفكر النسوي والوعي بالظلم الجندري تلك الحلقة. وعندما يكسرها، أعي أنا البنت ذاك الجرح وأعي آثاره، وأجدها في تصرفاتي وسلوكياتي، وفي مشاعري تجاه الأمومة، وفي علاقاتي مع الآخرين. أجد ذلك الجرح في ردّات فعلي على العنف والأذى، وفي تصالحي معه، وأجدني أحمل ذنباً لا أعرف التعامل معه، وأحمل معضلةً تحوم كغيمة فوق علاقاتي مع أمّي.
   سطر 45: سطر 47:  
[[تصنيف:أمومة]]
 
[[تصنيف:أمومة]]
 
[[تصنيف:شهادات وقصص]]
 
[[تصنيف:شهادات وقصص]]
 +
[[تصنيف:نظام أبوي]]
7٬893

تعديل

قائمة التصفح