سطر 142: |
سطر 142: |
| | | |
| ويبدو أن هذه المرحلة هي المرحلة التي بدأت منذ نهاية الاستعمار وحتى اللحظة الحالية في الوطن العربي، فمنذ سقوط الخلافة العثمانية وما تلاها من استعمار وتحرر، ظل البحث عن الهوية السياسية لدى الإنسان العربي مستمرًا، ومعه استمرتْ العائلة في كونها تحمل حمولاتٍ سياسية وثقافية واجتماعية تتميز بالسلطوية، ولم تتفكك لتمنح “الفرد” مساحةً كافيةً لممارسة فرديته. | | ويبدو أن هذه المرحلة هي المرحلة التي بدأت منذ نهاية الاستعمار وحتى اللحظة الحالية في الوطن العربي، فمنذ سقوط الخلافة العثمانية وما تلاها من استعمار وتحرر، ظل البحث عن الهوية السياسية لدى الإنسان العربي مستمرًا، ومعه استمرتْ العائلة في كونها تحمل حمولاتٍ سياسية وثقافية واجتماعية تتميز بالسلطوية، ولم تتفكك لتمنح “الفرد” مساحةً كافيةً لممارسة فرديته. |
| + | |
| + | |
| + | |
| + | من أهم ملامح المجتمع الإسلامي تلك الأهمية التي تُعلق على المرأة باعتبارها الوحدة الأسرية المركزية، وحجر الزاوية في مجتمع متوازن، نظرًا لطبيعة دورها ومسئولياتها داخل الأسرة، والمتمثلة في ذلك الاستقرار، والتماسك، والدعم البدني، والنفسي، والتربوي. |
| + | |
| + | ولا تزال قضايا التشريعات الإسلامية، ولا سيما تلك المتعلقة بحقوق المرأة، قضايا ذات حضور، تحظى باهتمامٍ كبيرٍ من جانب وسائط الإعلام الغربية، كما يُنظر إليها كدليل على قمع وتهميش النساء المسلمات. وعلى الرغم من أنه ما يزال هناك الكثير مما يمكن عمله لتحسين وضع المرأة في الثقافة الغربية، إلّا أن إعلامهم ونخبتهم يُصِرّون على الحديث عن المرأة المسلمة وحقوقها تاركين ما تعانيه النساء في مجتمعاتهم. |
| + | |
| + | |
| + | وتعمل وسائط الإعلام الغربية على إنشاء صورة نمطية للمرأة المتحررة-حسب زعمهم-تُصوّر فيها المرأة التي يُريدون كصاحبة سلطة وسيادة وقرار، مصحوبة برسائل وتصورات مفادها أن النساء المسلمات كائنات مضطهَدة، في حاجة ماسة إلى التحرر من السلطة الأبوية والزوجية المسلمة التي تمنع تقدمها. |
| + | |
| + | لتنشأ عن تلك الصورة محاولات ساذجة لنقل مجموعة غربية من القواعد والقيم، ومحاولة تطبيقها على نساء مع تاريخ وثقافة مختلفة وبعيدة كل البعد عن تلك الثقافة. وما يُعزز من زخم وحضور هذه التصورات هو سوء الفهم لحقيقة تلك الصورة النمطية وأسبابها وتبعاتها. كذلك الجهل بمقاصد الشريعة الإسلامية ومكانة المرأة فيها. |
| + | |
| + | عانت المرأة الغربية خلال عصور الظلام الأوروبي إجحافًا وقهرًا وعدم مساواة في الحقوق الاجتماعية والقانونية، بِدءًا بقضايا التعليم والتوظيف وقوانين الزواج، وما توارثته الذاكرة الأوروبية من أفكار سلبية عن المرأة من خلال صورة المرأة في التراث اليهودي والمسيحي بأن المرأة هي أصل الخطيئة. بل امتدت هذه الصورة السلبية لتشمل عقول المفكرين والفلاسفة الغربيين تجاه المرأة كأفلاطون الذي يصنف المرأة في درجة دنيا مع العبيد والأشرار والمرضى. |
| + | |
| + | وتشكلت جراء ذلك حركة فكرية أضحت تسمى «النزعة النسوية»: وهي الحركة الفلسفية التي تقوم على أن المرأة تعيش إجحافًا وظلمًا وقهرًا من الرجال، وتسعى إلى تحقيق المساواة الشاملة بين الرجل والمرأة في كل مجالات الحياة. |
| + | |
| + | وتُعرّف النسوية حسب سارة جامبل في كتابها النسوية وما بعد النسوية: بأنها مصطلح يشير إلى كل من يعتقد أن المرأة تأخذ مكانة أدنى من الرجل في المجتمعات التي تضع الرجال والنساء في تصانيف اقتصادية أو ثقافية مختلفة، وتصر النسوية على أن هذا الظلم ليس ثابتًا أو محتومًا، وأن المرأة تستطيع أن تغير النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي عن طريق العمل الجماعي.i |
| + | |
| + | وامتدت هذه الفلسفة والصراع بين النساء والمجتمع الغربي لينسحب إلى الدين الإسلامي بوصفه “دينًا”، وتم تعميم الفكرة عليه دون الفهم السليم لمرتكزات هذا الدين ومقاصده الشرعية وما يعطيه للمرأة من حقوق، وساهم في هذا الانتشار الحملات التغريبية التي تعرض لها المجتمع الإسلامي وأفراده. |
| + | |
| + | الفرضيّة (الثقافويّة) القاضية بأنّ قسمًا من الأسباب الكامنة وراء تخلّف أوضاع المرأة في مجتمعاتنا يكمَن في تعاليم الدين وأحكام نصوصه، وما تقضي به (تلك الأحكام) من تضييقٍ على حقوق المرأة – كما يزْعُم البعض – وتوسيعٍ على مثيلها لدى الرجال، تذهب إلى القول إنّ المسألة ليست في نصوص الأحكام تلك، وإنّما هي في تأويلها. والتأويل، مثلما يعرف كلُّ مَن تَمَرّس بالتأويليّات المعاصرة (= الهيرمينوطقيا)، فعْلٌ معرفيّ تتحكّم فيه جملةٌ من العوامل والخلفيّات – المُوعى بها وغيرِ المُوعى بها – تتدخّل في بنائه وتكييفه، وفي جملة العوامل تلك: المصالح، ومستوى المَدَارك، والأفكار واليقينيّات القبْليّة، والمكان والزمان، ومنظومة القيم السائدة... إلخ. |
| + | |
| + | وهكذا، فإنّ متأوّل نصوص الأحكام المتعلّقة بالمرأة وحقوقها، في الإسلام وفي غير الإسلام، لا يَقْوى على التحرُّر من تأثير قبْلياته الذكوريّة، فتجده يتأوّلها بما يكرّس أرجحيّة الرجل ويرسّخ دونيّة المرأة، ويقدّم تأويله للنصّ الدينيّ بوصفه التفسير الأمين لأحكام الدين. يكفي المرءَ منّا أن يستعرض ما كُتِبَ ويُكتَب في الموضوع، في الدائرة العربيّة الإسلاميّة، لِيَلْحَظ إلى أيّ حدٍّ يجنح تأويل النصوص نحو التعبير عن نفسه كتأويلٍ ذكوريّ! ولسنا ننفي، في هذا المعرض، وجود قراءات أخرى اجتهاديّة (للنصّ الدينيّ) تحفَظ للمرأة اعتبارها وكرامتها، وتُقِرّ لها حقوقًا يستكثرها عليها آخرون باسم الدين، بل تنفي أن تكون تعاليم الدين هي من صَادَرَ تلك الحقوق منها. |
| + | |
| + | هكذا نتأدّى من السياق السابق إلى فكرتيْن رئيستيْن: أولاهما أنّ المنزِع الذكوريّ يمكن أن يَتَلَبّس الوعي القارئ لنصوص الدين وأحكامه تجاه المرأة، فيكيّف الوعيَ ذاك ويوجّهه على النحو الذي يُغلّب مَرتبيّة الرجل وحقوقه ويبتخس ما للمرأة كإنسان (كمخلوق) من حقوق. وحينها، أعني حين نفهم المسألةَ على هذا النحو – نبرّئ ساحةَ الدين، ونوجّه إِصْبَع الاتّهام إلى النزعة الذكوريّة المتحكّمة في وعي المتديّن وسلوكه (وفهمه للدين). وثانيهما أنّ النزاع على حقوق المرأة في الشرع؛ بين رؤيةٍ محافظة إنكاريّة ورؤية منفتحة أنواريّة، صراع على تأويل النصّ. |
| + | |
| + | وهذا صراع ليس مجرّدًا – مثلما – ألمحنا – من تأثيرات المصالح والخلفيّات والأهداف المُتَغَيّاة من تأويلات المؤوّلين. وبكلمة، هو صراع بشريّ، مدنيّ لا علاقة للدين وتعاليمه به. وهكذا يعود بنا إلى جذر المسألة الذي انطلقنا منه، وهو: إنّ مسألة المرأة، في بلادنا كما في العالم، مسألةٌ اجتماعيّةٌ – سياسيّة في المقام الأوّل. |
| + | |
| + | |
| + | |
| + | ===الحجاب والابوية=== |
| | | |
| | | |