أُضيف 42٬596 بايت
، قبل 6 سنوات
{{بيانات وثيقة
|نوع الوثيقة=حوار صحفي
|مؤلف=
|محرر=حاورها: يوسف الصمعان، وحسين القطان
|لغة=العربية
|ترجمة= حسين القطان
|المصدر=مجلة حكمة الألكترونية
|تاريخ النشر=1-6-2018
|تاريخ الاسترجاع=
|مسار الاسترجاع=
|نسخة أرشيفية=
|هل ترجمة=
|مترجم=
|لغة الأصل=الانجليزية
|العنوان الأصلي= Gender and Sexuality:
An Interview with Judith Butler
|النص الأصلي=
|ملاحظة=
|قوالب فرعية=
}}
مقدمة
ضيفتنا الليلة هي الفيلسوفة الأمريكية والمنظرة في القضايا الجندرية د. جوديث بتلر. كتبت ضيفتنا العديد من الأعمال فيما يخص الفلسفة السياسية، الجندر، الأخلاق، الجنسانية والتحليل النفسي في كتبها “صور الحرب: متى تكون الحياة قابلة للأسى”، و “إلغاء الجندر”، و “الحياة الهشة”، و”مشكلة الجندر” والعديد من المقالات والمحاضرات المرئية، ترجم بعضها إلى العربية في حكمة. البروفيسور جوديث بتلر أهلاً بكِ في مجلة حكمة.
مر أكثر من ثلاثين عاماً منذ صدور كتابك “مشكلة الجندر”، ما هي أهم التصورات الخاطئة عن الكتاب؟
بتلر: أولاً دعوني أشكركم جزيل الشكر على عرضكم لي هذه المقابلة. أنا سعيدة بالظهور في صفحات حكمة. كما تعلمون، تمت ترجمة مشكلة الجندر إلى ما يقارب الـ٢٥ لغة، وكل ترجمة تنتج كتاباً جديداً، ومجموعة جديدة من الإمكانيات والاحتمالات للقراءة. وهكذا يظهر لنا السؤال التالي: ما هو الفرق بين إمكانية جديدة لقراءة نص ما وإساءة قراءته؟ ضمن حقل النقد الأدبي التفكيكي، يمكننا أن ننهي السؤال مباشرة وندعي ببساطة، بأن كل قراءة هي إساءة للقراءة. ولكن لعل في هذا تسرّع في الحكم. كل ترجمة تقريباً تمنح معنىً جديداً لأن لغة النص جديدة الآن، وهي تحمل إشارات وارتباطات مختلفة. إذاً فكل ترجمة تمنع القصد – أياً كان هذا القصد – الذي كنت أحمله عند كتابة الكتاب، حيث أن المؤلف يعمل غالباً تحت وهم السلطة التأليفية. وفي الوقت نفسه، فإن كل ترجمة هبة، فهي تمنحني شيئاً من لغة أخرى لم أتوقعه أبداً. إذاً فأنا أفقد سلطتي كمؤلفة حيث أجد أن لغتي تبدلت وتضخمت بفعل لغة أخرى.
بعد قول ذلك، لعل هنالك ثلاثة نقاط أساسية أسيء فهمها، ولكن حتى هذه “الأخطاء” مثيرة للاهتمام. الأول هو أن الجندر يتم اختياره بحرية. والثاني هو أن الجندر محتم مسبقاً بشكل تام. بالفعل، فقراء الكتاب يمكن أن ينتهوا إلى أيٍ من هذين الاستنتاجين، ولكن النقطة التي أردت توضيحها هي أن الجندر يُشكل من قبل المعايير، ولكن لا تحتمه هذه المعايير، ويمنح هذا المشهد لـ”البنية الثقافية” المجال لصور سيادة لا تختزل بالحرية الفردية. المشكلة الأخرى التي تظهر عند بعض قراء النص هو أنها بدت وكأنها تنكر مادية الجسد. وفكرتي هي أن مادية الجسد لا يمكن فصلها بشكل تام عن الشروط الثقافية التي عاشت من خلالها. لا يعني هذا بأنه لا وجود لمادية، ولكننا نجد بأن المادية في صور الحياة المُعاشة مُشكلة من قبل الثقافة.
منذ ذلك الحين، وصفت طريقتك بالتعبير بالصعبة، الثورية، المتجاوزة للقواعد اللغوية الموجودة، رجوع بالكتابة الفلسفية إلى الهيغلي/هايدغري/لاكاني أو بأنها صعبة القراءة. هل تتفقين مع بعض هذه التعليقات؟ وهل اللغة الحالية غير فعالة بما يكفي للتفلسف؟
بتلر: عندما نتكلم عن “اللغة الحالية” نحمل عادة لغة معينة في أذهاننا. إذا كانت الانجليزية، عندها نعم، أنا سعيدة بأن أدفع حدود القواعد اللغوية للغة الانجليزية إلى منتهاها. ربما يتم فعل ذلك بصورة أكثر جمالا عبر الشعر والنثر التجريبي، ولكن النظرية تدفع الحدود كذلك ضداً للطريقة التي تنظم فيها القواعد اللغوية أفكارنا. في بعض اللغات، لا وجود لكلمة لـ”الجندر”، ولذلك فهي تظهر كمستورد أمريكي، كما لو أنها المقابل اللغوي لماكدونالدز. آمل بأنني لم أساهم بالإمبريالية الثقافية الأمريكية. أجد أنه من المثير للاهتمام حين يعمل أناس ضمن لغات غير أمريكية لإيجاد طرق لمقاربة فكرة الجندر، حتى لو تكن نفسها للإنجليزية. لا يجدر بـ”الجندر” أن ينتمي للإنجليزية، ولكنه يجب أن يخضع دائما للتحولات التي تنشأ من الترجمة.
كيف ترين كتابات دريدا عن الأخلاق الآن وبعد مرور عقدين وتغير العالم؟ أما زلتِ ترين بأن الأخلاق دائما “غير محددة” عند النظر لغياب الإرادة السياسية والاضمحلال العام للمجتمع المدني؟
بتلر: دريدا، على الرغم من غيابه، فإنه ما زال يذكرنا بأنه بالإمكان التفكير بمَثَلٍ للعدالة حتى لو لم يجسد العالم هذا المَثَل في الوقت الحالي. يجب علينا أن نعيش دائما كما لو كانت هنالك عدالة، وبهذه الطريقة يستمر بتقديم فلسفة للأمل، بل حتى تقديم التزام بالمبدأ.
لا يمكن فهم أعمالك الفكرية الأساسية من دون التقاليد الما بعد-بنيوية. يمكن فهم التفاعلية “interactivity“، والأدائية “performativity” في العديد من الآراء الما بعد-بنيوية وكل الأشياء المشابهة فقط بصفتها نظام متزامن أو زمني حيث لا وجود لتاريخ حقيقي. مؤخراً، تركزين على السياسة والتوليتارية التي هي بشكل عام مجالات ذات منحىً تاريخي. ما هي التعديلات التي قمتِ بها في منهجيتكِ ومقاربتكِ؟
بتلر: لأنني لست متخصصة بالعلوم الاجتماعية، ولأنني فيلسوفة تأثَّرت بشدة بتقاليد النظرية النقدية وما بعد-البنيوية (هيغل، والنسوية، والتحليل النفسي كذلك)، لا أدعي بأنني أحمل، أو أتّبع، منهجية واحدة. أحاول أن أسمح لموضوع التحليل بأن يأخذ الأولوية، ومن ثم أعدل نظرياً مع استمراري بالعمل. لم أعمل كثيراً على فوكو، على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة لأن صور القوة التي نشهدها لم تُتخيل بشكل كامل في نصوصه. ولذلك فأنا أجمع النظريات معاً بصورة توفيقية، أو أقدم أطاراً نظرياً عندما يناسب الحقيقة التاريخية. أنا أحاول دائما أن أجلب المصادر التي أملكها لمواجهة ظروف حالية كالحرب، الهشاشة، انعدام الجنسية، العنف، الجندر، الجنسانية، الدين والعلمانية.
يمكن لبعض طرق التفكير عن الزمنية من داخل الإطار الما بعد-بنيوي أن تُنقل للتحليل التاريخي. كيف يمكننا، على سبيل المثال، أن نتتبع التكرارات المختلفة للمعيار الجندري ضمن مجتمع ما، أو ضمن مجتمعات مختلفة؟ كيف نتطرق لدول تعتبر نفسها كليات اجتماعية حتى حين يكون ما يُعرفها تحديداً هو ذلك الذي تقصيه؟ كيف يمكننا أن محتفظ بمفهوم للعدالة في ظروف يكون فيها النظام القضائي عنيفا وغير عادل؟ كيف يمكننا أن نفكر بالمجموعات المنسية وأولئك الذين “تركوا ليموتوا”؟ كان هذا أحد أسئلة فوكو، يمكن القول بأنه بعد بنيوي، وهي تذكرنا بالظروف التي يتم فيها استهداف مجموعة ما من عبر الأسلحة أو، بالفعل، استهدافها عبر سياسات الإهمال والترك. عندما يدعي أحدهم بأن هويته “طبيعية” عندها كيف يمكننا أن نفرق بين ما هو اجتماعي وما هو طبيعي؟ هل هذه ثنائية ضرورية، أو يجب علينا التفكير بصورة مختلفة، خصوصا في الإطار الثقافي حيث تصبغ الطبيعة بمعانٍ ثقافية ودينية؟
إن عملك مثير للجدل، قدّم باحثون مثل نانسي فريزر، جيوف باوجر ومارثا نوسباوم بعض النقد من أوجه مختلفة يمكن تلخيصه بالنقاط الثلاث:
أ- إن الإطار النظري لجوديث بتلر غير قادر على تقديم إجابات للأسئلة المعيارية. على سبيل المثال، لماذا يعد تقويض الجندر أمراً مرغوباً؟
ب- إن القبول غير النقدي لبتلر لتفكيك دريدا لنظرية الكلام – الفعل (حقل مهتم بالطرق التي لا تستعمل فيها الكلمات لتقديم معلومات ولكن بالكيفية التي تدفع فيها لتنفيذ أفعالٍ أيضا) قد أضعفت البنية التحتية لنظريتها الأدائية نظراً للقصور في مفهوم دريدا ل”الاقتباسية”.
ج- تصور بتلر للمقاومة على أنها متخيلة دائماً كفردية، خاصة بصورة أو بأخرى، لا يتضمن عملاً عاماً منظماً للتغيير القضائي أو المؤسساتي.
ما هو ردك على الانتقادات المذكورة أعلاه؟
بتلر: ترجع هذه الانتقادات لزمنٍ ماضٍ، على الرغم من أنني لا أْعرف جيوف باوجر ولم أعلم بنقده إلا الآن، إلا أنني سأسعد بالرد. في عام ١٩٨٩، نشر كتاب مشكلة الجندر وجزء كبير من أعمالي بعد ذلك سعى لمراجعة أو التوسع في هذه الأطروحة ولكن أيضاً إلى الرجوع إلى موضوعات أخرى في الأخلاق والفلسفة السياسية. ترجع كل هذه الانتقادات التي ذكرتها لعمل نُشر قبل ٣٠ سنةٍ تقريباً، وقد أمضيت زمناً في محاولة الرد والمراجعة، كما يمكنك أن تتخيل. نقد فريزر في ذلك الوقت يتعلق بسعيي لإنتاج إمكانيات جديدة للجندر (حياة جندرية، هوية جندرية)، ولكنني لم أملك سبيلاً يمكنني من تمييز الإمكانيات الحسنة والسيئة.
إجابتي ذات بعدين: (١) لا أعتقد بأن الجندر يمكن أن يكون صحيحاً أو خاطئاً إلا حين يشعر بذلك الشخص الذي تم تعيين جندر غير مناسب له. (٢) أنا أرى بأنه بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يعيشون ويتعذبون خارج معايير الجندر فإن فتح المجال لإمكانات جديدة جيد بالتحديد لأنه يجعل الحياة ممكنة العيش أكثر. إن الهدف من تخريب الجندر ليس الاحتفال بالتخريب كغاية في حد ذاته، ولكنه جعل الحياة ممكنة العيش أكثر بالنسبة لأولئك الذين وجدوا المعايير الجندرية مقيِّدة ومؤلمة.
فكرة أنني أخذت فكرة دريدا للاقتباسية دون نقد ستفاجئ الدريديين الذين يتهمونني باستعمال دريدا لأجل أهدافي الخاصة. ولكن هكذا هو النقد: في بعض الأحيان ينتقد المرء من قبل طرفين متضادين. حجتي التي قدمتها هي أن تصور فوكو للقوة يمكن تحسينه عبر استعمال نظرية دريدا للاقتباسية. فعندما نرى، مع فوكو، بأن القوة والخطاب ينتجان ذاتا، يجب علينا أن نُظهر كيف يتم هذا الإنتاج. ما يكشفه لنا دريدا هو أن تكرار المعايير لا يعطي دائما النتيجة نفسها. ولذلك يمكننا أن نرى، على سبيل المثال، كيف يمكن لتكرار المعايير التي تحكم الهويات الوطنية أو الجنسية أن يفتح المجال لإمكانيات جديدة في مسار هذا التكرار. أرى بأن المعايير مترسب تاريخي، ولا يعالج دريدا هذه المشكلة، وبذلك ابتعد عن دريدا حين أجد قصورا هناك.
بدا “نقد” نوسباوم مبنياً على أراء وملاحظات خاصة بها، ولكنها لم تأخذ شكل مجموعة من الحجج الفعلية. وهذا غريب بالنسبة لفيلسوف، وأرى بأن موضوع نقدها انفعالي بصورة عامة. كتاب مشكلة الجندر كان جزءً من حركة LGBTQ (مجموعة مهتمة بحقوق السحاقياتLesbians ، المثليين Gays، ذوي الميول الثنائية Bisexual، المتحولين جنسياTrans ، والغريبين Queer (اسم جامع للأقليات الجندرية التي لا تحمل ميولاً غيرية)) حركة كنت جزءً منها لعدد من السنين، و قد كانت جزءً من مشاريع نشطة متعلقة بتمويل بحوث الأيدز، معارضة القوانين اللوطية (قوانين تجرم بعض الأفعال الجنسية)، و مطالبات بالاعتراف العلني بالمنتمين لحركة الـLGBTQ وقد كنت جزءً من عدد من المنظمات، ونشاطي كعضو في حركة الـBDS (حركة المقاطعة، سحب الاستثمارات، وفرض العقوبات) معروف، و كذلك تفاعلي مع مركز الحقوق الدستورية، من لم يتم تدوينهم، و من ليست لهم جنسية، والصراع من أجل الحفاظ على الحرية الأكاديمية للباحثين في ظل الرقابة في عدد من الدول. مراجعات في القوانين القضائية وقوانين الطب النفسي لم تتأثر فقط بمشكلة الجندر، بل بالحقل الكامل للنظرية المتعلقة بالغرباء queer الذي كان الكتاب جزءً منه. صحيح بالتأكيد، إن كتاب مشكلة الجندر لم يطرح برنامجاً أو استراتيجيةً سياسية، ولكن جزءً كبيراً من العمل الذي يليه في السياسة قد فعل ذلك بالتأكيد.
في ربيع عام ١٩٩٨، قمت بمقابلة مع اليزابيث قروز، فينغ جيه ودروسيلا كورنيل في مجلة دياكريتيكس. في هذه المقابلة، أنكرتِ أثر لوس إيغاراي على أعمالك. يرى بعض الباحثين بأن إنكاركِ لأثر لوس إيغاراي يرجع للموجة الرافضة ل”الجوهرانية” في العلوم الإنسانية في التسعينيات. في الثمانينات، شُلت النسوية الأمريكية عبر حرب بين النسويات المؤيدات والمعارضات للجوهرانية. وصولاً للتسعينات، ساهمت الدراسات الجندرية والتفكيكية بجعل الطرف المناهض للجوهرانية الطرف الأقوى في النسوية الأكاديمية. يدعي هؤلاء الباحثون بأنك أردت فصل نفسك عن النسويات مثل إيغاراي، التي ارتبطت ب”الجواهرانية”. ما هو ردك على هذا الادعاء؟
بتلر: في ذلك الوقت كنت أنتمي لمعسكر أولئك الرافضين للجواهرانية وبشدة، إلا إني قد قرأت أعمال إيغاراي ودرستها. أعتقد بأنها ذكية جداً، وبأن هنالك طرقاً لقراءتها لا تكون جوهرانية. أعتقد بأن تلك النقاشات لم تعد كما اعتادت أن تكون. يحاجج الناس حالياً حول إذا ما كان بإمكان الهوية أن تكون الأساس لموقف سياسي، وأنا أستمر باقتراح أن الهوية ليست الأساس، على الرغم من أنها يمكن أن تكون شديدة الأهمية في تنظيم موقف سياسي.
الاستهلاكية وباء في العالمين الحقيقي والافتراضي، كيف يؤثر ذلك على التوازن بين التمكين والإضعاف؟
بتلر: بالبداية، هنالك فارق جذري بين أولئك الذين يملكون المال وأولئك الذين لا يملكونه، ولذلك فعلى الرغم من الاستهلاكية جذابة لكل الطبقات الاقتصادية، إلا أن بعضهم فقط هم من يمكنهم أن يشبعوا هذه الرغبات. إن المقلق هو أن هذه الرغبات تُنتج عبر إعلانات تعد بحياة أسعد وأفضل، وذلك يدفع الناس لإنفاق أموالهم من أجل شراء منتجات استهلاكية تعد بالسعادة. بالتأكيد لا يوجد غرض يمكنه أن يشبع بهذه الطريقة، وما يعد به خاطئ دائما. ورغم ذلك فإن العديد من الناس يستغلون من قبل الشركات والإعلانات التي تسعى لإنتاج واستغلال رغبتهم بحياة أفضل. الإجابة الوحيدة لأجل حياة أفضل توجد في تنظيم أكثر عدالة للاقتصاد، تنظيم ذو التزام أساسي برفع الفقر، الجهل، وانعدام الجنسية.
إن المحللة النفسية البريطانية ميلاني كلاين متواجدة في كتاباتك ومحاضراتك. إذا أمكن تعميم السؤال، لأي مدى أثّر التحليل النفسي بالفلسفة/الفلاسفة؟ وإذا ما رغبتِ بالحديث عن موقف مارتن بوبر تجاه فرويد في فيينا، الذي كان ذا تأثير على مسار حياتك في بداياته ورفض كارل بوبر للتحليل النفسي كعلم؟
بتلر: كلاين مثيرة للاهتمام بالنسبة لي لأنها تقبل وجود الدمار هناك في عمق الرغبات البشرية. ولأي شخص يسعى لبناء فلسفة أخلاقية تسعى للحد من العنف، من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أصول وأهداف التدمير حتى لا تتحقق هذه النزعات في سلوكيات وممارسات عنيفة. وهي شديدة الواقعية فيما يتعلق بموضوع النفس الإنسانية، ويبدو ذلك مفيدا لي في هذه الأوقات. وهي تقبل كذلك حقيقة أن البشر مرتبطون ببعضهم البعض من خلال علاقات اعتماد متبادل، مقدمة لنا عبر ذلك نقداً ضمنيا للفردانية.
نقد بوبر للتحليل النفسي على أنه غير علمي يعتمد على تصور العلم كإيجابية. إذاً فهو محق: التحليل النفسي ليس إيجابياً. في اللغة الألمانية “wissenschaft” – العلم- يشير للعلوم الإنسانية والطبيعية معاً. فهو يصف شكلاً من أشكال البحث الذي يسعى لإدراك موضوعه، حتى لو يمكن هذا البحث إيجابياً. قدم لنا فرويد نفسه تصوراً مهماً للتفسير في كتابه، تفسير الأحلام، وهو مهم لفهم العلاقة بين العلوم الاجتماعية التفسيرية والنقد الأدبي، على سبيل المثال. فقد فهم إن اللاوعي لا يمكن أن يظهر إلا بصورة علامات وأعراض، وبأن هذا يعني بأنه يجب علينا أن نصبح قرّاءً لفهم اللاوعي. لا يمكن أن نجده على صورة “حقيقة” أو “مجموعة من الحقائق” وهو يثبت بذلك أن الإيجابية مقاربة غير كافية للوصول للنفس البشرية.
كيف ترين الاتجاه الذي يجعل من الجندر مرضا في التيار السائد للطب النفسي؟ ومن ناحية أخرى، كيف ترين النظرة للتحليل النفسي على أنه يملك قيمة تضيف للحركة النسوية؟
بتلر: إن السواد الأعظم في الطب النفسي الآن ليس تحليلياً، متجهاً لنماذج أخرى للعقل، ومبتعداً عن “العلاج بالكلمات” لفرويد. بالتأكيد لا يمكن لفرويد أن يتخيل كل أشكال العذاب النفسي، خصوصاً تلك التي أنتجتها أحداث تاريخية تلت زمن نظريته. ولكن بعض صور التحليل النفسي، خصوصاً تصور “الأنا” في علم النفس، قد نجت في الولايات المتحدة لأنها أكدت على المَثَل المصور لحرية إرادة الفرد إضافة إلى حاجة الفرد لإطاعة أو التكيف مع مجتمعه كما هو. هنالك اتجاهات محافظة. يمكن للمرء أن يجد أفكاراً معيارية حول الكيفية التي يجب أن يعيش بها كجندر في بعض آراء التحليل النفسي، من ضمنها الآراء اللاكانية. هنالك فكرة الطبيعي والمرضي، وأنا أرفض هذا التمييز. يمكن للنسوية أن تجد التحليل النفسي مفيداً من حيث أنها ترينا كيف تشكل الخيالات جزءً كبيراً من حيواتنا الواعية. يمكننا أن نفهم كيف تعمل ثقافتنا، كيف تعمل جنسانيتنا وعنفنا، جزئياً من خلال سؤالنا عن الخيالات التي تحكم عمله. ولكن يمكن لنا كذلك أن نتخيل عوالم أخرى، أن نقوم بالتخمين الطوباوي، والاعتراض على المعايير المقبولة عبر فعل الخيال، خصوصاً بالفن.
يرى التحليل النفسي بشكل عام -من ضمنه رأي ميلاني كلاين في “الحياة العاطفية للرجل والمرأة المتحضريْن” عام ١٩٣٦ ل م.كلاين و ج.ريفيير- لو صح فهمي، أن مشاعر الغضب، والإحباط والغيض لا يمكن التعبير عنها إلا من خلال العنف. إذا لم يكن الأمر كذلك فعلاً، كيف يمكن التعبير عنها بصور أخرى مختلفة عن العنف؟
بتلر: صحيح إن ميلاني كلاين لا ترى بأنه الممكن لنا أن نتخلص من الجوانب المدمرة لطبيعتنا. ولكن يمكننا أن نؤكد بصورة أعمق على العلاقات الاجتماعية التي نحملها تجاه بعضنا البعض، وأن نرى بذلك أن العالم معرّف، جزئياً، عبر علاقات اعتماد متبادل في مجالات الثقافة، الاقتصاد، والسياسة. فبالقدر نفسه الذي نرغب فيه بتدمير أولئك الذين يؤذوننا، يجب علينا كذلك أن نفكر برغبتنا بالحفاظ على الطبيعة الاجتماعية المعقدة لهذا العالم. بالنسبة لكلاين فإننا محكومون برغبات متضاربة، وهذا جيد، بما أنه يمكن أن تراقب نزعتنا بتحويل غضبنا لعنف نزعة أخرى، تلك التي ترغب بالحفاظ على العالم المعقد اجتماعياً.
كيف ترين عمل فرانز فانون “المعذبون في الأرض” وفكرته عن “العنف المبرر”؟
بتلر: أنا أدرس فانون دائماً، وأتصارع مع كتاباته بشكل مستمر. من المثير للاهتمام أن نلحظ الفرق بين “البشرات السوداء، والأقنعة البيضاء” و “المعذبون في الأرض“. ففي الكتاب الأول، يطلب أن يتم اعتبار الإنسان الأسود إنساناً، ساعياً لأن يكون جزءً من إنسانيةٍ لا تفّرق وتقسّم الناس بناء على عرقهم. أما في الكتاب الثاني، خصوصاً المقالة “فيما يتعلق بالعنف”، فيبدو بأنه يحاجج بأنه يمكن للأسود من خلال العنف فقط أن يتحصل على فرصة لأن يكون إنساناً. يمكن للمرء أن يسأل عما إذا كان “man” (كلمة man في الانجليزية تحتمل المعنيين إنسان ورجل، اخترت ترجمتها في الجملة السابقة على أنها تشير للإنسان) تعني إنسان أو أنها تشير للموضع الجندري للذكورة، ومن المهم أن نفهم الفرق بين الإثنين. فهو يحاجج في “فيما يتعلق بالعنف” من أجل إسقاط الكولونيالية حتى يُدمر التمييز بين المستعمِر والمستعمَر. فحتى هنا فهنالك توقع لمساواة، رغبة في بناء تعايش بعد تحلل القوة الكولونيالية. رهانه كان على أن العنف يمكن أن يظل كأداة أو وسيلة من أجل تحقيق العدالة والمساواة معاً. أحمل عدة أسئلة تجاه هذا الموضوع. فقد نرغب بأن يكون العنف وسيلة وليس غاية، ولكن كل فعل عنيف يجعل العالم أكثر عنفاً. العنف يملك آلية يصبح بها معدياً، معيداً لأنتاج نفسه، ولأن يصبح طريقة للحياة. إذاً فعلى الرغم من أنني أتفهم حجته، وأحمل تعاطفاً بالغاً تجاه أهدافه، إلا أنني لست مقتنعة بأن العنف يمكن أن يظل كمجرد وسيلة.
لو انتقلنا إلى كافكا، الذي ألقيتِ عنه عدداً من المحاضرات كمحاضِرة في الجامعة الأوروبية للخريجين، هل ترين الروائيين كفلاسفة موهوبين؟ أو أنه يجب تفسيرهم وصياغة أفكارهم فلسفياً؟
بتلر: يرينا كافكا أن الأسئلة الفلسفية يمكن أن تُطرح من خلال أعمال أدبية، ولكنه يرينا أيضاً بأن أسئلة القانون يمكن في بعض الأحيان أن تكون أفضل مقاربة فلسفية لها عبر صور أدبية كالأمثولة. لو حاولنا فهم القانون – ما الذي يؤسس القانون (من أين يستمد شرعيته)؟ ما الذي يتطلبه القانون؟ – نصبح قراءً للقانون، محاولين التدقيق في منطقه الداخلي وحقيقته. ولكن في بعض صوره لا يمكن الوصول للقانون تماماً. إنه يعمل عبر قوة ليس لها تبرير كامل، وبذلك ستحبط كل جهودنا لدخول القانون. ولكن هنالك نقطة أكثر أهمية يمكن الإشارة إليه هنا. ينتظر العديد من اللاجئين الآن “أمام القانون” – إنهم ينتظرون في مخيمات، محتجزون لأمد غير محدد. إنهم يعيشون في عالم يمكن أن يسمح لهم أو ألا يسمح لهم فيه بالحركة، الاستقرار، العمل، أن يصبحوا مواطنين، وليست هنالك ضمانة بأنهم سيصبحون قادرين على الحركة. تأملوا الظرف المذهل لمخيمات اللاجئين في لبنان حيث يعيش العديد من الفلسطينيين لأجيال عديدة. إنهم يبدؤون وينهون حياتهم في حالة من الاعتقال غير المنتهي. يساعدنا كافكا في فهم مثل هذه الحياة، وعدم عدالتها.
في مقالتك “ما النقد” ما الذي يجعل النقد ضرورة أو فضيلة؟
بتلر: قد يكون بأن يحاول من خلاله المرء أن يعرض وجهة نظر مرفوضة جذرياً أو يبدو بأنها غير عقلانية أو تخاطر بجعله يبدو كوحش. في مثل تلك الأوقات، نعتبر خارجين عن النظام المنتصر للمفهومية. وعند ذلك، يمكن لنا أن نكون صامتين أو أن نقبل بأننا نحمل مشكلةً نفسيةً، أو، إذا ما اعتقدنا بعدالة آرائنا، أن نستمر بالحديث والتصرف. ومن الأفضل أن نقوم بذلك مع آخرين حتى نستطيع بذلك أن نكون معنىً بديلاً عن ماهية الحقيقة السياسية، ولأننا نحتاج للتآخي من أجل أن نستمر. إذاً نعم، النقد يتطلب الشجاعة والرفقة.
كيف تمنحنا آراء فوكو عن “أسلبة الأخلاق” في “فن الوجود” إمكانات تحررية جديدة؟
بتلر: لست متأكدة، أعلم فقط بأن مثل هذه الآراء تُضم في الغالب مع صورة للفردانية، وأعتقد بأن هذا خاطئ. يجب علينا أن نسأل ما تعنيه الحرية، وعما إذا كان يجب تعريفها على أنها حرية من كل القيود. ما يثير اهتمامي هو الكيفية التي نعمل بها ضمن الظروف التي تفرضها هذه القيود لإنتاج إمكانات جديدة. فإننا بالنهاية، نظهر إلى العالم حاملين تواريخ، كأجزاء من ثقافة وارتباطات ما تعبر عن بُعدٍ مهم عما نحن عليه. نحن نعيد إنتاج هذه العوالم في الوقت نفسه الذي نجد في طرقاً للخروج بإمكانات جديدة. يمكننا أن نسمي هذه الممارسة بـ”الأسلبة”.
يقسم تشومسكي الصهيونية إلى مرحلة حميدة (غير مؤذية)، يرى نفسه كمنتمٍ لها، والصهيونية الحديثة التي يرفضها. لأي مدى تتفقين مع تصنيفه هذا؟ وما الذي يجعل نقد الصهيونية موضوعاً تصعب مناقشته؟
بتلر: يميز تشومسكي بين صهيونية ثقافية وجدت قبل حرب ١٩٦٧ وصهيونية سياسية. الصهيونية الثقافية في أوروبا لم ترغب بأخذ أرض أو بناء دولة، ولكنها أرادت فقط تجديد مجتمع روحاني. سعت الصهيونية السياسية إلى أخذ أرض وبناء دولة. في عام ١٩٤٨، فازت الصهيونية السياسية بالتأكيد. كانت هنالك مقاومة مستمرة لمشروع الدولة الإسرائيلي من قبل الصهيونية الثقافية، على الرغم من أنهم استفادوا بشكل واضح من كونهم مواطنين إسرائيليين. إننا قد تمكننا ضمن كتابات الصهاينة الثقافيين من رؤية سعي يهودي خاص لتخيل الدولة ذات القوميتين. بقيت هذه الرؤية حية لأقلية صغيرة فقط ضمن اليسار الإسرائيلي. المشكلة هي أنه على الرغم من صهاينة يهود هم من كانوا يتخيلون الدولة ذات القوميتين، إلا أنهم لم يفعلوا ذلك بالتوافق مع الفلسطينيين. ولذلك فأنا لا أنتمي للصهيونية الثقافية أو السياسية، بما إنني أؤيد الدولة ذات القوميتين، أو بناء دولة جديدة، ستبنى من قبل كل أولئك الموجودين على تلك الأرض، محترِمة حق العودة للفلسطينيين.
كيف يمكننا فهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل أفضل من خلال مفهوم الهشاشة؟
بتلر: لست متأكدة. ولكن لو فكّرت بالكيفية التي تقسم فيها الكهرباء والماء من قبل دولة إسرائيل، ستستطيع عندها أن ترى كيف يعمل مفهوم “الهشاشة المستحدثة”. أو لو فكرت بالكيفية التي يُعتقل فيها الشباب الفلسطيني، أو يصابون أو يقتلون، سترى عندها كيف تعامل مجموعة سكانية على أنها قابلة للاستغناء عنها، ومعرضة بشكل متمايز لظروف الهشاشة، ومدفوعة لتعيش حياة هشة.
في كتابك “مفترق الطرق: اليهودية ونقد الصهيونية”، ميزت بين الإثنين. لأي مدىً ترين بأن العرب يقومون بهذا التمييز؟ وكيف يمكن مقاربة هذا الموضوع بشكل أفضل؟
بتلر: لست متأكدة عن أي “اثنين” تتحدث؟ ولكن لو كنت تقصد بين صهيونية ثقافية وصهيونية سياسية، إذاً لربما كان من الأفضل أن الصهيونية تساوت مع قوة الدولة الإسرائيلية مع مرور الزمن، ولكن بالأصل، فقد عارض العديد من الصهاينة دولة لليهود.
هل الكتابة عن هذين الموضوعين (السياسة وعلم النفس) بصورة تدمج ما بينهما محاولة “لبعث جديد لمدرسة فرانكفورت”؟
بتلر: أرى بالفعل بأن مدرسة فرانكفورت قد سعت لفهم المتطلبات التاريخية لزمانهم عبر الرجوع لدراسة جامعة لتخصصات مختلفة، وبأننا الآن في ظرف تاريخي مختلف، مواجهون بمطالب على نطاق واسع. إذاً نحتاج لمساءلة التمييز الصارم بين التخصصات، أو بأن نتعلم الطريقة المثلى للحديث متعدين لهذا التمييز بينها، من أجل أن نكون متفاعلين مع عالمنا التاريخي. أشارت مدرسة فرانكفورت إلى أن العديد من المشروعات المعرفية تقوم ببساطة بإعادة إنتاج الصورة الموجودة مسبقا للقوة في المجتمع. لو أردنا أن نحول مجتمعاتنا باتجاه العدالة، فسيجب علينا أن نجد نمطنا العالمي الخاص بنا للنظرية النقدية.
أنت محبوبة جداً في العالم العربي ليس فقط من قبل النسويات، ولكنك محبوبة أيضًا بالقدر نفسه بسبب موقفك في الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، وارتباطك كذلك بأعمال مع مفكرين عرب أو مسلمين مثل إدوارد سعيد، طلال أسد وآخرين. هل تتابعين النسوية العربية/الإسلامية في الشرق الأوسط؟ بالتحديد الحركة النسوية السعودية المستمرة لزمن ليس بقليل في وسائل التواصل الاجتماعي؟
بتلر: نعم، أحاول أن أتابع النسوية في العالم العربي، وأعتمد على العديد من الأصدقاء المتحدثين بالعربية لفهم ما يحصل. وقد قضيت كذلك مدةً من الزمن في برنامج دراسات المرأة في بيرزيت وتعلمت الكثير عما أراد الطلبة دراسته، وعن أسئلتهم تجاه النسوية. وارتبطت كذلك بمسرح الحرية في مخيم جنين، وتعلمت هناك عن الصراع النسوي في مجتمع جنين. أنا مهتمة جداً بالحركات النسوية الإسلامية، وكيف تعرف هذه الحركات أهدافها وأسس تضامنها. أحد أهم الصراعات التي يجب على النسويات القتال من أجلها هي الإسلاموفوبيا الشديدة في بعض الأطراف الأوروبية، الأسترالية، والأمريكية. كنت قد تعلمت الكثير عن الدين والعلمانية من طلال أسد وصبا محمود، ويستمر ذلك في تزويدي بالأفكار إلى لآن. وبالتأكيد. أنا -إضافة للعديد من الناس- أدين بالكثير لإدوارد سعيد صاحب الشجاعة والذكاء المثاليين.
أغلب الفلاسفة المعاصرين مطلعون على التاريخ والأساطير المسيحية- اليهودية، وهي تعبر عنها أعمالهم بشكل جيد. ولكن، ديانات أخرى، بما فيها دين إبراهيمي آخر كالإسلام، مفقودة. لأي مدى ترين تأثير ذلك على القراء من الديانات الأخرى؟ خصوصاً حين يتحدث الفلاسفة عن عالمية الثقافة؟
بتلر: إن هذا السؤال شديد الأهمية ولا أستطيع أن أوفيه حقه هنا. ولكن نعم، فنحن نجد على الدوام ضمن المراجع الفلسفية إشارات للقيم اليهودية-المسيحية التي يفترض بأنها تعرف العقلانية الأوروبية وتضع الحدود لأفكار عن العالمية. يغيب الإسلام عادة، إضافة إلى العديد من الديانات من جنوب وشرق آسيا. يقوم العديد من الفلاسفة الآن بنقد هذه الافتراضات. هنالك تناقضان مثيران للاهتمام هنا. الأول، اعتمدت الكثير من الكلاسيكيات الإغريقية في نقلها على الباحثين والمؤسسات الإسلامية، ولم نكن لنحصل إلا على جزء بسيط من أرسطو لولا الإسلام. الثاني، بالنسبة لأولئك الذين يدافعون عن فكرة العالمية ويقصون في الوقت نفسه الإسلام منها، فهم يظهرون بأن نسختهم عن العالمية متناقضة في شروطها. فهي فكرة ضيقة الأفق أو مناطقية للعالمي. ما زلنا ننتظر عالمية حقيقية.
كتبت سابقاً عن انتخاب الرئيس ترامب، وقد ترجم ذلك للعربية في حكمة، مرت أكثر من ٩ شهور على التنصيب، ما الذي تريدين إضافته؟
بتلر: ربما يجب علينا التفكير في الفروقات بين الصور الجديدة للفاشية والسلطوية وتلك التي سيطرت على القرن العشرين. لا يمكننا أن نأخذ لحظة تاريخية قديمة كأساس لتعريفنا المعاصر. إن الصراع ضد ترامب صراع وطني، ولكنه عالمي كذلك، بما أن تكتيكاته تتشارك مع العديد من الأنظمة في العالم. لقد رأينا كيف أن مظاهرات وتجمعات سميَّت بـ”أحداث شغب” في مصر، تركيا، فلسطين وفنزويلا، و كيف تظهر صور للقوة معادية للديمقراطية الدستورية، غارقة في الوطنية و العنصرية، و تخدم عبر ذلك قوة النخب الاقتصادية. يجب علينا أن نسترجع دولنا، ولكن يجب علينا كذلك أن نتصرف ونفكر بطريقة عالمية. يجب إن يصبح ترامب الشخص أقل أهمية وصدمة من ترامب النظام. كنظام، هو ظاهرة عالمية، ونحن نحتاج لحركة عالمية ستجدد السياسات الديمقراطية الراديكالية في وقتنا هذا.