أُضيف 10٬655 بايت
، قبل 6 سنوات
==القضيب كبناء إجتماعي==
لطالما كان الوجود المادي للجسد مُكَوَّد/ مُعرّف/ مُحدد جندرياً، ولذلك فإن الجسد يُعد بمثابة الساحة الأولية لتجسيد الهوية الجندرية المقبولة اجتماعياً والمُعدة مسبقاً من قِبل النظام الأبوي<ref>[ file:///C:/Users/smart/Downloads/fulltext%20(1).pdf/ Kate O'Neill, "Phallacies of modern masculinity", B.A, September 2006, p.12]</ref>، ولهذا يُحَمَّل الجسد بالكثير من المعاني التي تتخطى تشريحه البيولوجي وتمتد لوجوده الإجتماعي وما يُفرض عليه من معايير متعلقة بالصحة والفاعلية والقوة التي يجب عليه أن يلبيها.
فحسم الجنس البيولوجي لفرد ما في مجتمع يتم من خلال تطبيق معايير بيولوجية مُتفق عليها إجتماعياً لتصنيف الأشخاص في فئتين مُحددتين (الذكور والإناث)، يُمكن أن تكون المعايير البيولوجية التي يتم القياس عليها هي شكل الأعضاء الجنسية عند الولادة أو عمل فحص لكروموزومات الجنين قبل الولادة، وليس من الضروري أن يتوافق هذان المعيارين معاً لتسكين أحدهم في إحدى فئات الجنس المُحددة<ref>[https://www.gla.ac.uk/0t4/crcees/files/summerschool/readings/WestZimmerman_1987_DoingGender.pdf/ Candace West; Don H. Zimmerman, "Doing gender", Gender and Society, Vol. 1, No. 2, Jun., 1987, p.127]</ref>.
ومن هنا تكتسب الفوارق البيولوجية بين الذكور والإناث، خاصةً المُتعلقة بإختلاف شكل الأعضاء الجنسية ونسب هورمونات الذكورة والأنوثة وتكوين الكروموزومات، أهمية كبيرة على مدار التطور التاريخي للتفاعلات الإجتماعية، يتم تسكين الفرد في إحدى الفئتين من خلال تطبيق المعايير البيولوجيةـ ولكن أيضاً يتم تأسيس وترسيخ وإعادة إنتاج التصنيف نفسه وتعريفاته من خلال الممارسات اليومية والتعبيرات السلوكية المطلوبة اجتماعياً ليُعلن فرد ما إنتمائه لأحد التصنيفين.
اكتسب القضيب كبناء اجتماعي معانِ مختلفة في ظل التطور التاريخي للتفاعلات الإجتماعية وارتبطت هذه المعاني بالأيدويولوجيات الاستعمارية، وتقاطع أنظمة القهر المختلفة كالرأسمالية مع النظام الأبوي لاستدامة واعادة إنتاج واستغلال الأنماط الجندرية والجنسية الأبوية والذكورية لتحقيق التراكم الرأسمالي والربح.
ولهذا نناقش هنا القضيب كعضو جنسي يتخطى تشريحه البيولوجي ويمتد لتكوينه الإجتماعي الذي يرتبط من ناحية بالسلطة الإجتماعية التي تمنح المولدين به إمتيازات كذكور بيولوجياً ورجال بالمعنى الإجتماعي، وتضع من ناحية أخرى أعباء إجتماعية مُتعلقة بضرورة السلوك والتعبير والتعايش اليومي من خلال تصنيف ونمط مُحددين، كما تضع على حامليه عبئ تلبية تصورات الرجولة عن شكله وحجمه وفاعليته ودوره في الممارسات الجنسية والإجتماعية المختلفة.
==مفهوم الرجولة وارتباطه بالجسد==
الرجولة كمفهوم إجتماعي، هو الطريقة المُتوَقع من خلالها أن يؤدي الذكور/ الرجال دورهم الإجتماعي وهي تحتوي على كل الصفات والأنماط السلوكية والأدوار الإجتماعية المرتبطة بكون الإنسان ذكر/ رجل بالمعنى الإجتماعي.
فمن ضمن سمات "الرجولة، على سبيل المثال لا الحصر، أن يكون الشخص مُتحمل للمسئولية وأن يمتلك صفات الجدعنة كأن يكون متواجداً في أوقات الشدة مع أصدقائه وأن يفي بعهده، أن يتعامل مع الأمور اليومية بشكل عقلاني أي لا يدع مساحة لمشاعره بالتحكم في أفعاله، ولا يدع أيضاً مساحة للتعبير عن ضعفه أو هشاشته، أن يكون قوي جسدياً، وفي حالة بلوغه أن يكون هو المُعيل الأساسي مادياً لقريباته من النساء (الزوجة/ الأم/ الأخت .. إلخ)، أن يكون "غيور" على ذويه من النساء، وأن يفرض سيطرته على حياتهن كأن يتحكم في مظهرهن واختياراتهن وسلوكهن، وغيرها من الصفات الأخرى.
ومن هذا التعريف، نلاحظ أن الرجولة هي جزء من بنية إجتماعية أكبر مرتبطة بشكل مباشر بثنائية النوع الإجتماعي شديدة التضاد (الرجل في مقابل المرأة)، فدائماً ما يُتوقع من النساء اجتماعياً أن يحملن كل ما هو نقيض للصفات الرجولية، كأن يكنَّ عاطفيات، ضعيفات، غير متحملات للمسئولية، لا يمتلكن المهارات الكافية للإنخراط في سوق العمل، غير قادرات على حماية أنفسهن، وغيرها من الصفات الأخرى.
كذلك تلعب الأجساد أدواراً محورية في تجسيد بعض الصفات الحصرية المرتبطة بانتماء الفرد لأحد الجنسين الحصريين واعلان إنتمائه/ا هذا بالتمسك بمظهر معين لجسده/ا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، المُتوقع دائماً من أجساد النساء أن تكون ناعمة ورقيقة وضعيفة البنية وغير فاعلة في الأشغال اليومية، خاصةً تلك التي تتطلب مجهود بدني. بينما المتوقع دائماً من أجساد الرجال أن تكون قوية وصلبة وقادرة على تحمل الألم وقادرة على بذل المجهود الشاق وخشنة ودورها فاعل في كل الأنشطة الإجتماعية التي ينخرط فيها الذكور.
وبهذا يلعب القضيب دوراُ كبيراً في تشكيل الهوية الجندرية الرجولية، حيثُ أنه أحد المظاهر الجسدية التي يتم الرجوع إليها لتكريس وإعادة إنتاج التصنيف الثنائي البيولوجي/الإجتماعي القائم (ذكر/أنثى)، وبالتالي تضفي الرجولة على القضيب معانِ أخرى غير مرتبطة فقط بوظيفته البيولوجية، ولكنها تقدم أيضاً حدود لنمط القضيب المقبول إجتماعياً، كأن يكون حجمه كبيراً، ومستعد دائماً للممارسة الجنسية، وأن يكون فاعلاً أثناء تلك الممارسة.
فالمُتوقع من القضيب، و المتوقع من أجساد الرجال ككل، أن يجسد كل المعايير الرجولية كالقوة والصلابة والقدرة على الإحتمال، وتكون كل تلك الصفات مقبولة، بل ومُمجدة من قِبل المجتمع، ويصبح امتلاكها بمثابة أرضية لإثبات خواص هوية الذكور/ الرجال، وتُقَدَم هذه الصفات باعتبارها النموذج الأمثل في بُنا القوة والسلطة الإجتماعية<ref>[ file:///C:/Users/smart/Downloads/fulltext%20(1).pdf/ Kate O'Neill, "Phallacies of modern masculinity", B.A, September 2006, p.14]</ref>.
==الرجولة المهيمنة والرجولة البيضاء==
فهناك دائماً نمط مهيمن في الوعي الجمعي عن شكل الرجولة الأمثل (Hegemonic masculinity)، والتي عرفتها راوين كونيل (R.W. Connell) في ورقتها Hegemonic masculinity: Rethinking the concept، "أن النمط المهيمن عن شكل الرجولة الأمثل هو تجسيد الطريقة الأمثل في وقت ما لأن تكون رجلاً، وهذا يضع الرجال الآخرين في موقع مقارنة معه، وهو بالضرورة يشرعن الخضوع الكلي من النساء للرجال. ليس من المفترض أن يكون النمط المهيمن عن شكل الرجولة الأمثل هو الطبيعي، بالمعنى الإحصائي، أي أن أقلية شديدة من الرجال يُمكنها أن تكونه، ولكنه بالضرورة مقبول وممجد إجتماعياً (Normative masculinity)
"<ref>[http://journals.sagepub.com/doi/10.1177/0891243205278639/ R.W. Connel; James W. Messerschmidt, "Hegemonic Masculinity: Rethinking the concept", Gender and society, December 2005, p.832]</ref>
بكلمات أخرى، إن الرجولة المُمارسة بشكل يومي والمقبولة إجتماعياً (normative masculinity) تعطي طيف أوسع نسبياً للحركة فيه، فيستطيع الرجال أن يحيدوا نسبياً، وفي حدود شديدة الضيق، عن النمط المهيمن في الوعي الجمعي عن شكل الرجولة الأمثل (Hegemonic masculinity)، فعلى سبيل المثال التصور الأمثل للرجل في الوعي الجمعي أن يكون قوي بدنياً وعضلياً، ولكن لا يتم التعامل مع الرجال الأضعف بدنياً، في حدود معينة ليست شديدة الوضوح، على أساس أنهم ليسوا رجال.
إذاً فهناك قبول إجتماعي لصور رجولية لا تجسد النمط المهيمن في الوعي الجمعي عن شكل الرجولة الأمثل (Hegemonic masculinity)، ولكنه مقبول في الممارسة الإجتماعية اليومية.
==المصادر==
<references/>