تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عمل وصلات
سطر 34: سطر 34:  
تبدأ الورقة بالنظر على كيفية قراءة أجساد النساء المصريات للمجال العام بوجه عام، وميدان التحرير بشكل خاص، خلال مظاهرات واعتصام ال18 يوماً الأولى من ثورة يناير 2011، حيث يحاول هذا الجزء توضيح الأسباب التي بناء عليها يتم التعامل مع تواجد النساء في ميدان التحرير خلال أيام الثورة الأولى باعتباره لحظة تحول في تاريخ علاقة أجسادهن بالمجال العام في مصر. كذلك يركز هذا الجزء على الأدوار التي لعبتها النساء المصريات في الثورة والتي ساهمت في رسم خريطة توقعاتهن بأن يكون لقضاياهن أولوية في حراك ما بعد الثورة.
 
تبدأ الورقة بالنظر على كيفية قراءة أجساد النساء المصريات للمجال العام بوجه عام، وميدان التحرير بشكل خاص، خلال مظاهرات واعتصام ال18 يوماً الأولى من ثورة يناير 2011، حيث يحاول هذا الجزء توضيح الأسباب التي بناء عليها يتم التعامل مع تواجد النساء في ميدان التحرير خلال أيام الثورة الأولى باعتباره لحظة تحول في تاريخ علاقة أجسادهن بالمجال العام في مصر. كذلك يركز هذا الجزء على الأدوار التي لعبتها النساء المصريات في الثورة والتي ساهمت في رسم خريطة توقعاتهن بأن يكون لقضاياهن أولوية في حراك ما بعد الثورة.
   −
"طالما تواجدت النساء جنباً إلى جنب الرجال في الميدان، يهفتن، يستمعن إلى الناس، يكتبن الخطابات، يوزعن الطعام وينفذون اللافتات الحماسية، يداوين المصابين ويسعين للحفاظ على هذه الحالة من التضامن والمقاومة بين الناس. كان هناك مئات بل آلاف النساء يساهمن في توفير الطعام والأدوية واللافتات وكذلك في تنظيم المسيرات وشحذ الهمم لصالح الحراك بشكل عام. لم يكن هناك اختلافات تذكر بين النساء المحجبات أو غير المحجبات، بين الأمهات وبين من النساء المستقلات، بل وبين الشابات والنساء الكبيرة في السن" (2). هكذا وصفت د. هانيا شلقامي بعضاً من ملامح الدور الذي لعبته النساء المصرية في ثورة 25 يناير 2011 وبالتحديد خلال اعتصام ال18 يوماً بميدان التحرير. في إطار محاولتها لطرح تصوراتها عن كيف يمكن للنساء المصريات بشكل عام والنسويات منهن بشكل خاص الاستفادة من الأدوار التي لعبنها خلال الثورة لخلق مساحات لهن في الحراك السياسي تسعى لدعم قضاياهن، تلقي د. شلقامي الضوء على التواجد المكثف لأجساد النساء في قلب المظاهرات والاعتصامات وخاصة خلال ال18 يوم. وفقاً ل د. شلقامي، فإن تلك اللحظة الثورية كانت واحدة من أهم اللحظات التحررية بالنسبة للنساء المصريات بشكل عام وللحراك النسوي في ارتباطه بالحراك السياسي والاجتماعي بشكل خاص، فلأول مرة منذ سنوات طويلة تشعر النساء المصريات وكأن أجسادهن مرحب بها في المجال العام. وهو الأمر الذي كان محفزاً لهن ليس فقط لكي يشاركن في ذلك الحراك الثوري باعتبارهن جزء أصيل منه كمواطنات مصريات، وإنما أيضاً لكي يتوقعن أن يجدن لأنفسهن مساحات في التحركات السياسية والاجتماعية المختلفة بعد الثورة.
+
"طالما تواجدت النساء جنباً إلى جنب الرجال في الميدان، يهفتن، يستمعن إلى الناس، يكتبن الخطابات، يوزعن الطعام وينفذون اللافتات الحماسية، يداوين المصابين ويسعين للحفاظ على هذه الحالة من التضامن والمقاومة بين الناس. كان هناك مئات بل آلاف النساء يساهمن في توفير الطعام والأدوية واللافتات وكذلك في تنظيم المسيرات وشحذ الهمم لصالح الحراك بشكل عام. لم يكن هناك اختلافات تذكر بين النساء المحجبات أو غير المحجبات، بين الأمهات وبين من النساء المستقلات، بل وبين الشابات والنساء الكبيرة في السن" (2).  
 +
 
 +
هكذا وصفت د. هانيا شلقامي بعضاً من ملامح الدور الذي لعبته النساء المصرية في ثورة 25 يناير 2011 وبالتحديد خلال اعتصام ال18 يوماً بميدان التحرير. في إطار محاولتها لطرح تصوراتها عن كيف يمكن للنساء المصريات بشكل عام والنسويات منهن بشكل خاص الاستفادة من الأدوار التي لعبنها خلال الثورة لخلق مساحات لهن في الحراك السياسي تسعى لدعم قضاياهن، تلقي د. شلقامي الضوء على التواجد المكثف لأجساد النساء في قلب المظاهرات والاعتصامات وخاصة خلال ال18 يوم. وفقاً ل د. شلقامي، فإن تلك اللحظة الثورية كانت واحدة من أهم اللحظات التحررية بالنسبة للنساء المصريات بشكل عام وللحراك النسوي في ارتباطه بالحراك السياسي والاجتماعي بشكل خاص، فلأول مرة منذ سنوات طويلة تشعر النساء المصريات وكأن أجسادهن مرحب بها في المجال العام. وهو الأمر الذي كان محفزاً لهن ليس فقط لكي يشاركن في ذلك الحراك الثوري باعتبارهن جزء أصيل منه كمواطنات مصريات، وإنما أيضاً لكي يتوقعن أن يجدن لأنفسهن مساحات في التحركات السياسية والاجتماعية المختلفة بعد الثورة.
    
لم يكن هذا التواجد المكثف لأجساد النساء في المجال العام جديداً ، فكما تقول الباحثة النسوية "لوسيا سوربيرا" (3)، والتي تابعت عن قرب السنوات الأولى للثورة في مصر، فإن التاريخ المعاصر للنساء المصريات عبارة عن محاولات مستمرة لإعادة صياغة علاقة أجسادهن بالمجال العام. فرغم أبوية ذلك المجال العام ورغم محاولاته المضنية لإقصاء تلك الأجساد عنه، إلا أن هؤلاء النساء ناضلن لسنوات طويلة لكي يخلقن لأنفسهن مساحات به بشكل عام ولكي يكونوا جزءاً من أي حراك وطني أو سياسي أو مجتمعي، بل ولكي تكون لهن أدوار فاعلة ومؤثرة في الحركات السياسية المختلفة. إلا أن سوربيرا تعود لتؤكد على أن تواجد أجساد النساء في ميدان التحرير خلال ثورة يناير 2011 بدا وكأنه نقطة مختلفة في مسار علاقتهن بالمجال العام إلى الحد الذي دفع بعض هؤلاء النساء للقول بأنهن شعرن وكأن تاريخ التمييز الأبوي ضدهن قد تم تعطيله أثناء تواجدهن في الميدان أو أن الثورة بالنسبة لهن كانت ثورة شخصية ايضاً، وهو الأمر الذي وضعته سوربيرا موضع تساؤل في محاولتها لتحليل مدى اختلاف علاقة النساء بالمجال العام المصري بعد 25 يناير 2011.
 
لم يكن هذا التواجد المكثف لأجساد النساء في المجال العام جديداً ، فكما تقول الباحثة النسوية "لوسيا سوربيرا" (3)، والتي تابعت عن قرب السنوات الأولى للثورة في مصر، فإن التاريخ المعاصر للنساء المصريات عبارة عن محاولات مستمرة لإعادة صياغة علاقة أجسادهن بالمجال العام. فرغم أبوية ذلك المجال العام ورغم محاولاته المضنية لإقصاء تلك الأجساد عنه، إلا أن هؤلاء النساء ناضلن لسنوات طويلة لكي يخلقن لأنفسهن مساحات به بشكل عام ولكي يكونوا جزءاً من أي حراك وطني أو سياسي أو مجتمعي، بل ولكي تكون لهن أدوار فاعلة ومؤثرة في الحركات السياسية المختلفة. إلا أن سوربيرا تعود لتؤكد على أن تواجد أجساد النساء في ميدان التحرير خلال ثورة يناير 2011 بدا وكأنه نقطة مختلفة في مسار علاقتهن بالمجال العام إلى الحد الذي دفع بعض هؤلاء النساء للقول بأنهن شعرن وكأن تاريخ التمييز الأبوي ضدهن قد تم تعطيله أثناء تواجدهن في الميدان أو أن الثورة بالنسبة لهن كانت ثورة شخصية ايضاً، وهو الأمر الذي وضعته سوربيرا موضع تساؤل في محاولتها لتحليل مدى اختلاف علاقة النساء بالمجال العام المصري بعد 25 يناير 2011.
سطر 63: سطر 65:  
ورغم أنه يمكن الاختلاف نسوياً في قراءة واقعة صور الجسد العاري إلا أن هذا الاختلاف ليس من المفترض أن يتعارض مع واقع أن صور الجسد العاري كانت محاولة  من قبل الفتاة للتأكيد على حريتها في امتلاك جسدها وعلى أن أولويات الحراك السياسي والاجتماعي بعد الثورة لا تعني منعها من التعبير عن جسدها بالشكل الذي تراه مناسباً إذا تعارض مع تلك الأولويات مثلما قالت هي نفسها في حوار مع إحدى المواقع الإخبارية في عام 2011 (11).
 
ورغم أنه يمكن الاختلاف نسوياً في قراءة واقعة صور الجسد العاري إلا أن هذا الاختلاف ليس من المفترض أن يتعارض مع واقع أن صور الجسد العاري كانت محاولة  من قبل الفتاة للتأكيد على حريتها في امتلاك جسدها وعلى أن أولويات الحراك السياسي والاجتماعي بعد الثورة لا تعني منعها من التعبير عن جسدها بالشكل الذي تراه مناسباً إذا تعارض مع تلك الأولويات مثلما قالت هي نفسها في حوار مع إحدى المواقع الإخبارية في عام 2011 (11).
   −
قراءة التغيرات المرتبطة بسؤال أجساد النساء خلال السنوات التي تلت الثورة تستدعي الوقوف عند واقعة الفتاة التي تم سحل جسدها وتعريته أثناء فض الاعتصام في نهايات عام 2011، والتي عرفت فيما بعد باسم [[جرافيتي ست البنات.jpg|"ست البنات"]] بعد أن انتشرت صور وفيديوهات ما حدث معها عبر وسائل الإعلام الاجتماعي والوسائل التقليدية على حد سواء (12).تعرضت تلك الفتاة للتشهير من قبل عدد من الإعلاميين المصريين الذين فعلوا معها مثلما فعلوا مع فتاة واقعة كشوف العذرية الإجبارية، حيث تم تكذيب روايتها وإنكارها والتعامل مع جسدها باعتباره جسداً موصوماً مجتمعياً وسياسياً.
+
قراءة التغيرات المرتبطة بسؤال أجساد النساء خلال السنوات التي تلت الثورة تستدعي الوقوف عند واقعة الفتاة التي تم سحل جسدها وتعريته أثناء فض الاعتصام في نهايات عام 2011، والتي عرفت فيما بعد باسم "ست البنات" بعد أن انتشرت صور وفيديوهات ما حدث معها عبر وسائل الإعلام الاجتماعي والوسائل التقليدية على حد سواء (12).
ومع ذلك فإن حالة التضامن معها نتج عنها واحدة من أقوى المسيرات التي خرجت في ديسمبر 2012 وبها آلاف من النساء لتقول بشكل واضح: "أجساد نساء مصر خط أحمر"، وهو الأمر الذي يشير إلى إدراك النساء في ذلك الوقت المبكر من عمر الثورة للسؤال المرتبط بأجسادهن في المجال العام بل وأيضاً لقدرتهن على خلق حراك مرتبط بتلك الأسئلة (13). في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه لم يتفوق على هذه المسيرة عدداً سوى المسيرة التي خرجت في فبراير 2013 مع تصاعد وتيرة الاعتداءات الجنسية والاغتصابات الجماعية في ميدان التحرير والمناطق المحيطة به لتضع سؤال أجساد النساء من جديد في صدارة المشهد السياسي والاجتماعي في مصر بعد الثورة أيضاً.
+
 
 +
تعرضت تلك الفتاة للتشهير من قبل عدد من الإعلاميين المصريين الذين فعلوا معها مثلما فعلوا مع فتاة واقعة كشوف العذرية الإجبارية، حيث تم تكذيب روايتها وإنكارها والتعامل مع جسدها باعتباره جسداً موصوماً مجتمعياً وسياسياً.
 +
 
 +
ومع ذلك فإن حالة التضامن معها نتج عنها واحدة من أقوى المسيرات التي خرجت في ديسمبر 2012 وبها آلاف من النساء لتقول بشكل واضح: "أجساد نساء مصر خط أحمر"، وهو الأمر الذي يشير إلى إدراك النساء في ذلك الوقت المبكر من عمر الثورة للسؤال المرتبط بأجسادهن في المجال العام بل وأيضاً لقدرتهن على خلق حراك مرتبط بتلك الأسئلة (13). في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه لم يتفوق على هذه المسيرة عدداً سوى المسيرة التي خرجت في فبراير 2013 مع تصاعد وتيرة الاعتداءات الجنسية والاغتصابات الجماعية في ميدان التحرير والمناطق المحيطة به لتضع سؤال أجساد النساء من جديد في صدارة المشهد السياسي والاجتماعي في مصر بعد الثورة أيضاً.
    
'''العنف الجنسي وتطور أسئلة الجسد والحراك النسوي في مصر'''
 
'''العنف الجنسي وتطور أسئلة الجسد والحراك النسوي في مصر'''
سطر 72: سطر 77:  
لم تكن تلك المعركة سهلة بأي حال من الأحوال، خاصة وأن بداياتها ظهرت منذ يوم تنحي مبارك في 2011، عندما تعرضت مراسلة صحفية أمريكية لاعتداء جنسي جماعي في ميدان التحرير يومها (15)، إلا أن الحديث عن الاعتداءات الجنسية الجماعية ضد النساء في ميدان التحرير أصبح جلياً بداية من منتصف عام 2012 (16) ووصل إلى لحظات ذروته في يناير ويونيو 2013 بعد أن ازدادت وحشية تلك الاغتصابات والاعتداءات الجنسية ضد النساء كماً وكيفاً، وهو الأمر الذي دفع المجموعات النسوية إلى مطالبة القوى السياسية المختلفة بالوقوف في حسم في مواجهة ذلك العنف الذي يعمل على إرهاب أجساد النساء واقصائها من المجال العام (17) وكذلك إدانة ردود أفعال بعض مؤسسات الدولة وقتها على التزايد المرعب في أرقام النساء الناجيات من تلك الاعتداءات، لأن تلك الردود كانت غير مسؤولة (18). ابتداء من 2012 كانت بعض المجموعات المستقلة قد بدأت في الظهور والعمل على التدخل بنفسها أملاً في التصدي لتلك الاعتداءات الجنسية الجماعية.
 
لم تكن تلك المعركة سهلة بأي حال من الأحوال، خاصة وأن بداياتها ظهرت منذ يوم تنحي مبارك في 2011، عندما تعرضت مراسلة صحفية أمريكية لاعتداء جنسي جماعي في ميدان التحرير يومها (15)، إلا أن الحديث عن الاعتداءات الجنسية الجماعية ضد النساء في ميدان التحرير أصبح جلياً بداية من منتصف عام 2012 (16) ووصل إلى لحظات ذروته في يناير ويونيو 2013 بعد أن ازدادت وحشية تلك الاغتصابات والاعتداءات الجنسية ضد النساء كماً وكيفاً، وهو الأمر الذي دفع المجموعات النسوية إلى مطالبة القوى السياسية المختلفة بالوقوف في حسم في مواجهة ذلك العنف الذي يعمل على إرهاب أجساد النساء واقصائها من المجال العام (17) وكذلك إدانة ردود أفعال بعض مؤسسات الدولة وقتها على التزايد المرعب في أرقام النساء الناجيات من تلك الاعتداءات، لأن تلك الردود كانت غير مسؤولة (18). ابتداء من 2012 كانت بعض المجموعات المستقلة قد بدأت في الظهور والعمل على التدخل بنفسها أملاً في التصدي لتلك الاعتداءات الجنسية الجماعية.
   −
إن الأدوار التي لعبتها تلك المجموعات التي ظهرت للتدخل في مواجهة العنف الجنسي إلى جانب الدور الذي لعبته بشكل أساسي المجموعات والمنظمات النسوية في مصر ساهمت في الانتقال بسؤال العنف الجنسي وما يرتبط به من أسئلة خاصة بأجساد النساء إلى المساحات الإعلامية والسياسية والمجتمعية المختلفة، وهو الأمر الذي مهد الطريق لنقاشات داخلية بين مجموعات التدخل وكذلك نقاشات اجتماعية وسياسية واسعة ومستمرة حتى الآن حول القضايا المرتبطة بحقوق واختيارات النساء الجسدية. (انظر/ انظري مرجع 3). بالإضافة لذلك، تؤكد د. كمال على أن المجهودات التي بذلتها المجموعات النسوية من أجل وضع قضية العنف الجنسي على طاولة النقاشات السياسية والمجتمعية ومن أجل الوصول بقضية العنف الجنسي إلى المحافظات المختلفة بل وداخل الجامعات المصرية، نجحت في كسر حاجز الصمت وتحفيز النساء على التحدث عن ذلك العنف (انظر/انظري مرجع 1).
+
إن الأدوار التي لعبتها تلك المجموعات التي ظهرت للتدخل في مواجهة العنف الجنسي إلى جانب الدور الذي لعبته بشكل أساسي المجموعات والمنظمات النسوية في مصر ساهمت في الانتقال بسؤال العنف الجنسي وما يرتبط به من أسئلة خاصة بأجساد النساء إلى المساحات الإعلامية والسياسية والمجتمعية المختلفة، وهو الأمر الذي مهد الطريق لنقاشات داخلية بين مجموعات التدخل وكذلك نقاشات اجتماعية وسياسية واسعة ومستمرة حتى الآن حول القضايا المرتبطة بحقوق واختيارات النساء الجسدية. (انظر/ انظري مرجع 3). بالإضافة لذلك، تؤكد د. كمال على أن المجهودات التي بذلتها المجموعات النسوية من أجل وضع قضية العنف الجنسي على طاولة النقاشات السياسية والمجتمعية ومن أجل الوصول بقضية [[عنف جنسي|العنف الجنسي]] إلى المحافظات المختلفة بل وداخل الجامعات المصرية، نجحت في كسر حاجز الصمت وتحفيز النساء على التحدث عن ذلك العنف (انظر/انظري مرجع 1).
      سطر 79: سطر 84:  
بالعودة إلى المشهد النسوي المصري الحالي، يمكن ملاحظة كيف شهد خلال السنوات الماضية من بعد الثورة ظهور جيل من النسويات الشابات، واللائي انخرطن في مجموعات ومبادرات نسوية شابة بمحافظات مصرية مختلفة من أجل العمل على القضايا المختلفة والمرتبطة بشكل أساسي بأجساد النساء وسلامتها وحقوقها. بالإضافة إلى ذلك يمكن قراءة التغييرات التي أحدثها ذلك الجيل من النسويات في الحراك المرتبط بأسئلة الجسد من منظور نسوي.
 
بالعودة إلى المشهد النسوي المصري الحالي، يمكن ملاحظة كيف شهد خلال السنوات الماضية من بعد الثورة ظهور جيل من النسويات الشابات، واللائي انخرطن في مجموعات ومبادرات نسوية شابة بمحافظات مصرية مختلفة من أجل العمل على القضايا المختلفة والمرتبطة بشكل أساسي بأجساد النساء وسلامتها وحقوقها. بالإضافة إلى ذلك يمكن قراءة التغييرات التي أحدثها ذلك الجيل من النسويات في الحراك المرتبط بأسئلة الجسد من منظور نسوي.
   −
بالرجوع إلى ما كتبته د. كمال في "لمحات من مطالب الحركة النسوية المصرية عبر تاريخها" (انظر/ انظري مرجع 1)، يصبح واضحاً كيف أن معارك الحركة النسوية عبر موجاتها الأربعة كانت ومازالت معنية بشكل أساسي في كسر الحواجز السياسية والمجتمعية والثقافية التي تقف حائلاً دون التواجد الكامل والآمن للنساء وأجسادها في المجال العام، مثلما كانت القضايا المرتبطة بالجسد والجنسانية سواء في المجال الخاص أو العام تحتل مكاناً محورياً في قائمة أولويات هذه الحركة. وفقاً ل د. كمال، ارتباط الموجة الرابعة من الحركة النسوية بسؤال الجسد جاء منطقياً لسببين هامين. السبب الأول مرتبط بظهور مجموعات تقودها نسويات شابات مهتمات بالأسئلة الخاصة بأجساد النساء، بينما يرتبط السبب الثاني بقضية العنف الجنسي ضد النساء والذي ازدادت درجة توحشه خلال السنوات الماضية. بناء على ذلك، يمكن القول بأن حراك السنوات الماضية والمرتبط بالحقوق الجسدية للنساء انطلق في اتجاهين أساسيين. الاتجاه الأول كان ومازال مهتماً بالتركيز على قضايا أجساد النساء وجنسانياتها بشكل عام مثل الحقوق الإنجابية والجنسية على سبيل المثال وخاصة في المجال الخاص، بينما كان ومازال الاتجاه الثاني معنياً بالتركيز على قضايا العنف الجنسي في المجال العام، مع الأخذ في الاعتبار أن الاتجاهين يتقاطعان معظم الوقت. هنا تجدر الإشارة إلى أن التعامل مع الجنسانية في هذا السياق يأتي باعتبارها "منطقة محورية تتقاطع فيها هياكل المجتمع مع الحياة الخاصة لأفراده بشكل يمس حياة كل فرد في هذا المجتمع في صورة تعبر كل الفوارق وإن اختلفت باختلاف الطبقات والظروف الفردية. وبينما تمثل الجنسانية تعبيراً عن أكثر المشاعر حميمية وخصوصية في حياة المرأة، فإنها تتعدى ذلك إلى كونها من أكثر المناطق تعرضاً للإدارة والتحكم بواسطة الدولة وكذلك بواسطة الهياكل الاجتماعية والثقافية والدينية.  فالجنسانية تعني أكثر بكثير من مجرد النشاط الجنسي، وتجد طرقاً عديدة للتسرب في حياتنا اليومية والظهور في عدة أشكال كالعنف الأسري، والتحرش الجنسي، وختان الإناث، والفصل بين الجنسين، وقواعد الملبس، وقوانين الأحوال الشخصية" (19).
+
بالرجوع إلى ما كتبته د. كمال في "لمحات من مطالب الحركة النسوية المصرية عبر تاريخها" (انظر/ انظري مرجع 1)، يصبح واضحاً كيف أن معارك الحركة النسوية عبر موجاتها الأربعة كانت ومازالت معنية بشكل أساسي في كسر الحواجز السياسية والمجتمعية والثقافية التي تقف حائلاً دون التواجد الكامل والآمن للنساء وأجسادها في المجال العام، مثلما كانت القضايا المرتبطة بالجسد والجنسانية سواء في المجال الخاص أو العام تحتل مكاناً محورياً في قائمة أولويات هذه الحركة. وفقاً ل د. كمال، ارتباط الموجة الرابعة من الحركة النسوية بسؤال الجسد جاء منطقياً لسببين هامين. السبب الأول مرتبط بظهور مجموعات تقودها نسويات شابات مهتمات بالأسئلة الخاصة بأجساد النساء، بينما يرتبط السبب الثاني بقضية العنف الجنسي ضد النساء والذي ازدادت درجة توحشه خلال السنوات الماضية. بناء على ذلك، يمكن القول بأن حراك السنوات الماضية والمرتبط بالحقوق الجسدية للنساء انطلق في اتجاهين أساسيين. الاتجاه الأول كان ومازال مهتماً بالتركيز على قضايا أجساد النساء وجنسانياتها بشكل عام مثل الحقوق الإنجابية والجنسية على سبيل المثال وخاصة في المجال الخاص، بينما كان ومازال الاتجاه الثاني معنياً بالتركيز على قضايا العنف الجنسي في المجال العام، مع الأخذ في الاعتبار أن الاتجاهين يتقاطعان معظم الوقت.  
 +
 
 +
هنا تجدر الإشارة إلى أن التعامل مع [[جنسانية|الجنسانية]] في هذا السياق يأتي باعتبارها "منطقة محورية تتقاطع فيها هياكل المجتمع مع الحياة الخاصة لأفراده بشكل يمس حياة كل فرد في هذا المجتمع في صورة تعبر كل الفوارق وإن اختلفت باختلاف الطبقات والظروف الفردية. وبينما تمثل الجنسانية تعبيراً عن أكثر المشاعر حميمية وخصوصية في حياة المرأة، فإنها تتعدى ذلك إلى كونها من أكثر المناطق تعرضاً للإدارة والتحكم بواسطة الدولة وكذلك بواسطة الهياكل الاجتماعية والثقافية والدينية.  فالجنسانية تعني أكثر بكثير من مجرد النشاط الجنسي، وتجد طرقاً عديدة للتسرب في حياتنا اليومية والظهور في عدة أشكال ك[[عنف أسري|العنف الأسري]]، و[[تحرش جنسي|التحرش الجنسي]]، و[[ختان]]الإناث، والفصل بين الجنسين، وقواعد الملبس، وقوانين الأحوال الشخصية" (19).
 +
 
 +
كما تمت الإشارة من قبل، فإن الأسئلة الخاصة بأجساد النساء لم تكن فقط مرتبطة بواقع الانتهاك، وإنما ارتبطت كذلك بتكنيكات للمقاومة وبحراك نسوي شاب اعتبر القضايا المرتبطة بأجساد النساء أولوية في تعامله مع متغيرات ما بعد الثورة بموجاتها الأولى والثانية السياسية والاجتماعية. فعام 2012 على سبيل المثال شهد ظهور عدداً من المبادرات النسوية أو الداعمة لقضايا النساء بشكل عام وقضايا الجسد بشكل خاص. تلك المبادرات، والتي عمدت إلى الاستفادة من الفرص التي قدمتها لها الثورة من حيث التواجد في المجال العام وقتها كما تمت الاشارة من قبل، ساهمت في دعم الحراك النسوي في المصري بالتركيز على قضايا أجساد النساء وبخلق خطاب حولها. ف"ثورة البنات" (20) على سبيل المثال والتي ظهرت في يناير 2012 عملت على دعم اختيارات النساء المختلفة وخاصة تلك المرتبطة بالجسد وحرية الملبس.
 +
 
 +
كذلك [[مبادرة جرافيتي حريمي|"جرافيتي حريمي"]] والتي كانت معنية بأجساد النساء في المجال العام ولذا احتفلت في عام 2012 بيوم المرأة العالمي بأن خلقت لنساء ومدافعات عن حقوق الإنسان مساحات على جدران ميدان التحرير والميادين المختلفة من خلال الجرافيتي (انظر/انظري مرجع 3).
   −
كما تمت الإشارة من قبل، فإن الأسئلة الخاصة بأجساد النساء لم تكن فقط مرتبطة بواقع الانتهاك، وإنما ارتبطت كذلك بتكنيكات للمقاومة وبحراك نسوي شاب اعتبر القضايا المرتبطة بأجساد النساء أولوية في تعامله مع متغيرات ما بعد الثورة بموجاتها الأولى والثانية السياسية والاجتماعية. فعام 2012 على سبيل المثال شهد ظهور عدداً من المبادرات النسوية أو الداعمة لقضايا النساء بشكل عام وقضايا الجسد بشكل خاص. تلك المبادرات، والتي عمدت إلى الاستفادة من الفرص التي قدمتها لها الثورة من حيث التواجد في المجال العام وقتها كما تمت الاشارة من قبل، ساهمت في دعم الحراك النسوي في المصري بالتركيز على قضايا أجساد النساء وبخلق خطاب حولها. ف"ثورة البنات" (20) على سبيل المثال والتي ظهرت في يناير 2012 عملت على دعم اختيارات النساء المختلفة وخاصة تلك المرتبطة بالجسد وحرية الملبس. كذلك "جرافيتي حريمي" والتي كانت معنية بأجساد النساء في المجال العام ولذا احتفلت في عام 2012 بيوم المرأة العالمي بأن خلقت لنساء ومدافعات عن حقوق الإنسان مساحات على جدران ميدان التحرير والميادين المختلفة من خلال الجرافيتي (انظر/انظري مرجع 3). بنهاية عام 2012، كانت مجموعة "جنوبية حرة" والتي هي الآن مؤسسة مشهرة، قد خرجت إلى النور في أسوان لتدعم لامركزية الحراك النسوي في مصر ولتخلق مساحات آمنة لدعم النساء وسلامتهن الجسدية في جنوب مصر (21). إلى جانب تلك المجموعات، ظهرت خلال السنوات الماضية أعداداً أكبر من المجموعات النسوية التي يركز كل منها على قضايا مختلفة وشائكة مرتبطة بأجساد النساء مثل القضايا المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية للنساء إلى جانب المجموعات المعنية بالفتيات المستقلات بعيداً عن عائلاتهن واللائي يعملن على صياغة خطاب مرتبط بقضاياهن وتمريره مجتمعياً عبر الوسائط المختلفة (22).
+
بنهاية عام 2012، كانت مجموعة "[[جنوبية حرة]]" والتي هي الآن مؤسسة مشهرة، قد خرجت إلى النور في أسوان لتدعم لامركزية الحراك النسوي في مصر ولتخلق مساحات آمنة لدعم النساء وسلامتهن الجسدية في جنوب مصر (21). إلى جانب تلك المجموعات، ظهرت خلال السنوات الماضية أعداداً أكبر من المجموعات النسوية التي يركز كل منها على قضايا مختلفة وشائكة مرتبطة بأجساد النساء مثل القضايا المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية للنساء إلى جانب المجموعات المعنية بالفتيات المستقلات بعيداً عن عائلاتهن واللائي يعملن على صياغة خطاب مرتبط بقضاياهن وتمريره مجتمعياً عبر الوسائط المختلفة (22).
    
من أهم سمات تلك المبادرات والمجموعات النسوية الشابة هو ربطها بين إشكاليات أجساد النساء في المجال الخاص وبين الإشكاليات الخاصة بتلك الأجساد في المجال العام، وهي السمة التي حتى يمكن قراءتها يمكن الرجوع إلى ما كتبته الباحثة والكاتبة النسوية دينيز كانديوتي عما أسمته هي "المفاوضات/ المساومات مع الأبوية" (23). وفقاً لكانديوتي، فإن النساء عادة ما تلجأ إلى التفاوض مع الأبوية من أجل الحصول على مساحات تمكنها من نيل حقوقها، خاصة وأن المواجهة المباشرة يكون ثمنها في كثير من الأحوال العنف والإيذاء النفسي أو البدني أو الجنسي. في السياق المرتبط بالموجة النسوية الرابعة يمكن استعارة "مفاوضات" كانديوتي والاختلاف معها في الوقت نفسه. إن وجود هذا الجيل من النسويات الشابات بعد الثورة عادة ما صاحبه تفاوض مع المنظومة الأبوية التي تعيش بداخلها وبالتحديد الأسرة حتى يمكنها التحرك بحرية أكبر في المجال العام، إلا أنه مع الوقت ومع تصاعد حالة العنف في المجال العام ضد النساء، أصبح ثمن الخروج من المنزل أو المجال الخاص أكبر مما تستطيع توفيره المفاوضات التقليدية، ونظراً لتصاعد ظاهرة [[عنف جنسي| العنف الجنسي]] وما طرحته من أسئلة حول أجساد النساء، أصبح على هؤلاء الفتيات التفاوض مع منظومة أبوية تمارس العنف في المجالين الخاص والعام على حد سواء. نتيجة ذلك كانت أن قررت هؤلاء الفتيات الخروج على مستوى حراكهن النسوي بأسئلتهن المرتبطة بأجساد النساء سواء على مستوى العنف الذي تتعرض له تلك الأجساد أو على مستوى الحقوق التي يجب أن تتمتع بها من المجال الخاص لربطها بأسئلتهن الخاصة بالمجال العام.
 
من أهم سمات تلك المبادرات والمجموعات النسوية الشابة هو ربطها بين إشكاليات أجساد النساء في المجال الخاص وبين الإشكاليات الخاصة بتلك الأجساد في المجال العام، وهي السمة التي حتى يمكن قراءتها يمكن الرجوع إلى ما كتبته الباحثة والكاتبة النسوية دينيز كانديوتي عما أسمته هي "المفاوضات/ المساومات مع الأبوية" (23). وفقاً لكانديوتي، فإن النساء عادة ما تلجأ إلى التفاوض مع الأبوية من أجل الحصول على مساحات تمكنها من نيل حقوقها، خاصة وأن المواجهة المباشرة يكون ثمنها في كثير من الأحوال العنف والإيذاء النفسي أو البدني أو الجنسي. في السياق المرتبط بالموجة النسوية الرابعة يمكن استعارة "مفاوضات" كانديوتي والاختلاف معها في الوقت نفسه. إن وجود هذا الجيل من النسويات الشابات بعد الثورة عادة ما صاحبه تفاوض مع المنظومة الأبوية التي تعيش بداخلها وبالتحديد الأسرة حتى يمكنها التحرك بحرية أكبر في المجال العام، إلا أنه مع الوقت ومع تصاعد حالة العنف في المجال العام ضد النساء، أصبح ثمن الخروج من المنزل أو المجال الخاص أكبر مما تستطيع توفيره المفاوضات التقليدية، ونظراً لتصاعد ظاهرة [[عنف جنسي| العنف الجنسي]] وما طرحته من أسئلة حول أجساد النساء، أصبح على هؤلاء الفتيات التفاوض مع منظومة أبوية تمارس العنف في المجالين الخاص والعام على حد سواء. نتيجة ذلك كانت أن قررت هؤلاء الفتيات الخروج على مستوى حراكهن النسوي بأسئلتهن المرتبطة بأجساد النساء سواء على مستوى العنف الذي تتعرض له تلك الأجساد أو على مستوى الحقوق التي يجب أن تتمتع بها من المجال الخاص لربطها بأسئلتهن الخاصة بالمجال العام.
   −
تذكرنا من جديد د. كمال (انظر/انظري مرجع 1) بمدى ارتباط الموجات النسوية ببعضها البعض، وهو الأمر الذي يبدو واضحاً عند متابعة المشهد النسوي في مصر الآن، حيث الحملات التي تنظمها المجموعات والمبادرات النسوية الشابة والتي تعيد قراءة القضايا المرتبطة بجنسانية النساء وبحقوقها الجسدية والانجابية التي عملت عليها النسويات والمجموعات النسوية المنتمية للموجات السابقة لها مثل الختان والاغتصاب الزوجي. وفي الوقت نفسه تسعى تلك المجموعات الشابة للعمل على قضايا أخرى مرتبطة بما تراه هي كمعارك نسوية، مثل العمل على القوانين المرتبطة بالعنف الأسري (24) أو حتى العمل على الحبس المنزلي الذي يسعى لاحتجاز أجساد النساء والفتيات وتقييد حركتها (25). بالإضافة لذلك، فإن وجود هذه المجموعات والنسويات الشابات في محافظات مصر المختلفة (26-27-28) ينفي التصورات المرتبطة بمركزية أو هيراركية الحراك النسوي في مصر الآن.
+
تذكرنا من جديد د. كمال (انظر/انظري مرجع 1) بمدى ارتباط الموجات النسوية ببعضها البعض، وهو الأمر الذي يبدو واضحاً عند متابعة المشهد النسوي في مصر الآن، حيث الحملات التي تنظمها المجموعات والمبادرات النسوية الشابة والتي تعيد قراءة القضايا المرتبطة بجنسانية النساء وبحقوقها الجسدية والانجابية التي عملت عليها النسويات والمجموعات النسوية المنتمية للموجات السابقة لها مثل [[الختان]] و[[اغتصاب زوجي|الاغتصاب الزوجي]]. وفي الوقت نفسه تسعى تلك المجموعات الشابة للعمل على قضايا أخرى مرتبطة بما تراه هي كمعارك نسوية، مثل العمل على القوانين المرتبطة ب[[عنف أسري|العنف الأسري]] (24) أو حتى العمل على الحبس المنزلي الذي يسعى لاحتجاز أجساد النساء والفتيات وتقييد حركتها (25). بالإضافة لذلك، فإن وجود هذه المجموعات والنسويات الشابات في محافظات مصر المختلفة (26-27-28) ينفي التصورات المرتبطة بمركزية أو هيراركية الحراك النسوي في مصر الآن.
       
'''الخاتمة:'''
 
'''الخاتمة:'''
   −
قررت امرأة شابة في يناير 2017 أن تخرج الى المجتمع المصري من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي في البداية ثم من خلال وسائل الإعلام التقليدية بعد ذلك معلنة أنها قررت الاحتفاظ بطفلها رغم تخلي زوجها عنها، خاصة وأن الزواج كان به أزمة قانونية لها علاقة بكونه غير موثق (زواجاً عرفياً) وأن الزوج طالبها بالتخلي عن الطفل إلا أنها رفضت طلبه. وقتها تسبب ما كتبته عبر صفحتها الشخصية على (فايسبوك) في ضجة سرعان ما تحولت إلى نقاش مجتمعي انتقل من الإعلام الإلكتروني الى شاشات التليفزيون، وصفحات الجرائد بل والبيوت المصرية بشكل عام. النقاش الذي بدأ بالتركيز على التعامل معها باعتبارها (أم عزباء) بما تضمنه ذلك من موجات تضامن مع اللقب ودلالاته وكذلك موجات الوصم لها ولللقب ودلالاته انتهى بالتطرق إلى حرية النساء في امتلاك أجسادهن وحريتهن في أن يخترن الاحتفاظ بطفل حتى لو رفض الأب والمجتمع أو حريتهن في الإجهاض. الملفت للانتباه في هذه الواقعة هو أن صوت التضامن مع اختيارها كان نسبياً أقوى من صوت الهجوم والوصم (29). للوهلة الأولى تبدو تلك الواقعة أقرب الى ما تم ذكره أعلاه فيما يخص مجهودات النسويات الشابات والمجموعات النسوية على مدار السبع سنوات الماضية في الدفاع عن اختيارات النساء وحقوقها الجسدية والجنسية، إلا أن تلك الحالة من التضامن معها ربما لم تكن لتحدث لولا المعارك التي خاضتها المجموعات النسوية منذ بداية الثورة وحتى الآن في مواجهة العنف الجنسي ضد النساء. فالمعركة النسوية المصرية ضد العنف الجنسي بعد الثورة وخلال السنوات الماضية لم يقف عند حد مواجهة توحش ذلك العنف، وإنما تجاوز ذلك بفتح نقاش مستمر حتى الآن حول أسئلة مختلفة مرتبطة بأجساد النساء سواء كنا نتحدث عن التوافق، أو العنف، أو حرية الملبس، أو الاختيارات الجنسية والجسدية. بمعنى آخر، أهم ما يحسب للمعارك التي خاضتها النساء ضد العنف الجنسي منذ 2011 وحتى الآن هو كسر حواجز الصمت والوصم ليس فقط على مستوى سؤال العنف الجنسي وإنما على مستوى الأسئلة الخاصة بأجساد النساء واختياراتها وكرامتها وسلامتها من منظور نسوي (انظر/ انظري مرجع 3). ليس ذلك فقط، بل أن من يتابع كتابات عضوات كثير من المجموعات النسوية الشابة التي ظهرت خلال السنوات الماضية، يستطيع أن يلاحظ كيف أدى اشتباكهن مع قضايا العنف الجنسي ضد النساء في المجال العام لإعادة فتح ملفات أخرى شديدة الارتباط بسؤال أجساد النساء، سواء كان الحديث عن [[ختان| الختان ]](30) أو [[اغتصاب زوجي| الاغتصاب الزوجي]] (31) أو [[عنف أسري| العنف المنزلي]](32) أو غيرهم من القضايا المرتبطة بشكل كبير [[جنسانية| بجنسانية]] النساء في المجال الخاص.
+
قررت امرأة شابة في يناير 2017 أن تخرج الى المجتمع المصري من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي في البداية ثم من خلال وسائل الإعلام التقليدية بعد ذلك معلنة أنها قررت الاحتفاظ بطفلها رغم تخلي زوجها عنها، خاصة وأن الزواج كان به أزمة قانونية لها علاقة بكونه غير موثق (زواجاً عرفياً) وأن الزوج طالبها بالتخلي عن الطفل إلا أنها رفضت طلبه. وقتها تسبب ما كتبته عبر صفحتها الشخصية على (فايسبوك) في ضجة سرعان ما تحولت إلى نقاش مجتمعي انتقل من الإعلام الإلكتروني الى شاشات التليفزيون، وصفحات الجرائد بل والبيوت المصرية بشكل عام.  
 +
 
 +
النقاش الذي بدأ بالتركيز على التعامل معها باعتبارها (أم عزباء) بما تضمنه ذلك من موجات تضامن مع اللقب ودلالاته وكذلك موجات الوصم لها ولللقب ودلالاته انتهى بالتطرق إلى حرية النساء في امتلاك أجسادهن وحريتهن في أن يخترن الاحتفاظ بطفل حتى لو رفض الأب والمجتمع أو حريتهن في الإجهاض. الملفت للانتباه في هذه الواقعة هو أن صوت التضامن مع اختيارها كان نسبياً أقوى من صوت الهجوم والوصم (29). للوهلة الأولى تبدو تلك الواقعة أقرب الى ما تم ذكره أعلاه فيما يخص مجهودات النسويات الشابات والمجموعات النسوية على مدار السبع سنوات الماضية في الدفاع عن اختيارات النساء وحقوقها الجسدية والجنسية، إلا أن تلك الحالة من التضامن معها ربما لم تكن لتحدث لولا المعارك التي خاضتها المجموعات النسوية منذ بداية الثورة وحتى الآن في مواجهة العنف الجنسي ضد النساء.
 +
 
 +
فالمعركة النسوية المصرية ضد [[العنف الجنسي]] بعد الثورة وخلال السنوات الماضية لم يقف عند حد مواجهة توحش ذلك العنف، وإنما تجاوز ذلك بفتح نقاش مستمر حتى الآن حول أسئلة مختلفة مرتبطة بأجساد النساء سواء كنا نتحدث عن التوافق، أو العنف، أو حرية الملبس، أو الاختيارات الجنسية والجسدية. بمعنى آخر، أهم ما يحسب للمعارك التي خاضتها النساء ضد العنف الجنسي منذ 2011 وحتى الآن هو كسر حواجز الصمت والوصم ليس فقط على مستوى سؤال [[العنف الجنسي]] وإنما على مستوى الأسئلة الخاصة بأجساد النساء واختياراتها وكرامتها وسلامتها من منظور نسوي (انظر/ انظري مرجع 3). ليس ذلك فقط، بل أن من يتابع كتابات عضوات كثير من المجموعات النسوية الشابة التي ظهرت خلال السنوات الماضية، يستطيع أن يلاحظ كيف أدى اشتباكهن مع قضايا [[العنف الجنسي]] ضد النساء في المجال العام لإعادة فتح ملفات أخرى شديدة الارتباط بسؤال أجساد النساء، سواء كان الحديث عن [[ختان| الختان ]](30) أو [[اغتصاب زوجي| الاغتصاب الزوجي]] (31) أو [[عنف أسري| العنف المنزلي]](32) أو غيرهم من القضايا المرتبطة بشكل كبير [[جنسانية| بجنسانية]] النساء في المجال الخاص.
    
ختاماً، تجدر الإشارة إلى أن المجال العام في مصر يواجه الآن واحداً من أكثر أنماط غلقه تضييقا على التيار المدني والمجموعات الحقوقية بشكل عام، وعلى المجموعات النسوية والنساء بشكل خاص (33). هذه الانغلاقة وذلك التضييق، وفقاً لعديد من المجموعات النسوية (34) يشكلان خطراً حقيقياً على كل ما سعت الحركة النسوية المصرية بأجيالها المختلفة على مدار السبع سنوات الماضية في تحقيقه على مستوى حقوق النساء بشكل عام وفيما يخص قضايا الجسد بشكل خاص.
 
ختاماً، تجدر الإشارة إلى أن المجال العام في مصر يواجه الآن واحداً من أكثر أنماط غلقه تضييقا على التيار المدني والمجموعات الحقوقية بشكل عام، وعلى المجموعات النسوية والنساء بشكل خاص (33). هذه الانغلاقة وذلك التضييق، وفقاً لعديد من المجموعات النسوية (34) يشكلان خطراً حقيقياً على كل ما سعت الحركة النسوية المصرية بأجيالها المختلفة على مدار السبع سنوات الماضية في تحقيقه على مستوى حقوق النساء بشكل عام وفيما يخص قضايا الجسد بشكل خاص.
1٬247

تعديل

قائمة التصفح