تغييرات

تحرير وتصحيح إملائي
سطر 41: سطر 41:     
   
 
   
رأى البعض أن تسليط الضوء على هذه الأحداث له مبرر عنصري حيث أن الإعلام يهتم بشكل خاص بحوادث [[الاعتداء الجنسي]] عندما يرتكبها العرب أو المسلمون أو عندما ترتكب ضد نساء ذات بشرة بيضاء وأن هذا الحادث سيعطي مبررات لاستهداف اللاجئين العرب والمسلمين. وفي حقيقة الأمر هذه النقاط مشروعة ولها وجاهتها ولكن هناك إشكالية كبرى في طرحها كأولوية وتحويل الواقعة من حادث اعتداء جنسي علي النساء إلى ساحة للدفاع عن المسلمين والعرب وتحويل محور النقاش من مشكلة العنف الأبوي إلى مشكلة العنصرية دون الربط بينهما . فبداية، أول ما يجب علينا رؤيته في أحداث كولونيا هو أن مجموعة من الرجال اعتدت جنسيا علي مجموعة من النساء وهي جريمة تستدعي العقاب بغض النظر عن كونهم مهاجرين أو لاجئين أو مهمشين بشكل عام. فالمسألة هنا هي في المقام الأول مسألة تخص [[النوع الاجتماعي]]. لقد تم الاعتداء علي تلك النساء لكونهن نساء، ويمكن قراءة المسألة وتحليلها بالعلاقة مع لونهن وطبقتهن وخلفيتهن العرقية، ولكن في سياقهن كنساء ناجيات من العنف الجنسي. عدم رؤية الحدث كاعتداء جنسي وانتهاك لأجساد النساء قبل أي شئ هو تواطؤ مع العنف الأبوي. بالطبع، تحتاج مجتمعات المهاجرين واللاجئين إلى حماية من العنصرية والاضطهاد ولكن النساء أيضا لهن الحق في الحماية من التمييز والعنف القائم علي أساس النوع وفي هذه الواقعة بالتحديد تم الاعتداء علي النساء دون غيرهم ولذلك فلا ينبغي لأي حسابات سياسية أو حتى إنسانية أن تأخذ الأولوية على حق النساء [[الناجيات من العنف]]، وكون الاعتداء عليهن تم من فئة أخري مهمشة لا يقلل من بشاعة الجرم.
+
رأى البعض أن تسليط الضوء على هذه الأحداث له مبرر عنصري حيث أن الإعلام يهتم بشكل خاص بحوادث [[الاعتداء الجنسي]] عندما يرتكبها العرب أو المسلمون أو عندما ترتكب ضد نساء ذات بشرة بيضاء وأن هذا الحادث سيعطي مبررات لاستهداف اللاجئين العرب والمسلمين. وفي حقيقة الأمر هذه النقاط مشروعة ولها وجاهتها ولكن هناك إشكالية كبرى في طرحها كأولوية وتحويل الواقعة من حادث اعتداء جنسي على النساء إلى ساحة للدفاع عن المسلمين والعرب وتحويل محور النقاش من مشكلة العنف الأبوي إلى مشكلة العنصرية دون الربط بينهما . فبداية، أول ما يجب علينا رؤيته في أحداث كولونيا هو أن مجموعة من الرجال اعتدت جنسيا على مجموعة من النساء وهي جريمة تستدعي العقاب بغض النظر عن كونهم مهاجرين أو لاجئين أو مهمشين بشكل عام. فالمسألة هنا هي في المقام الأول مسألة تخص [[النوع الاجتماعي]]. لقد تم الاعتداء على تلك النساء لكونهن نساء، ويمكن قراءة المسألة وتحليلها بالعلاقة مع لونهن وطبقتهن وخلفيتهن العرقية، ولكن في سياقهن كنساء ناجيات من العنف الجنسي. عدم رؤية الحدث كاعتداء جنسي وانتهاك لأجساد النساء قبل أي شئ هو تواطؤ مع العنف الأبوي. بالطبع، تحتاج مجتمعات المهاجرين واللاجئين إلى حماية من العنصرية والاضطهاد ولكن النساء أيضا لهن الحق في الحماية من التمييز و[[العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي|العنف القائم على أساس النوع]] وفي هذه الواقعة بالتحديد تم الاعتداء على النساء دون غيرهم ولذلك فلا ينبغي لأي حسابات سياسية أو حتى إنسانية أن تأخذ الأولوية على حق النساء [[الناجيات من العنف]]، وكون الاعتداء عليهن تم من فئة أخري مهمشة لا يقلل من بشاعة الجرم.
    
   
 
   
سطر 47: سطر 47:     
   
 
   
إن تعرض فئة من المجتمع للتمييز ولتكن على سبيل المثال  اللاجئين والمهاجرين في هذا السياق لا يعني اعتبارها ضحية تلقائياً ولا يعني إعفاء أفراد منها  من المسئولية إذا قامت بارتكاب جرائم. الخطاب الاعتذاري الذي يبرر أو يتستر علي الاعتداءات لاعتباره أن المعتدين "ضحايا" و"مهمشين" أو لمناهضة العنصرية والاسلاموفوبيا هو في حقيقة الأمر خطاب مهين للمهاجرين وإن كان يبدو متعاطفاً معهم، فهو يفترض أن مجتمعات المهاجرين واللاجئين مسلوبة الإرادة أو العقلانية ولا تجد أمامها اختيارات سوى اللجوء [[العنف الجنسي|للعنف الجنسي]]  كرد فعل على تهميشهم ومعانتهم.ونحن نفترض على النقيض أن اللاجئين والمهاجرين أناس مسئولة عن أفعالهم كما لا نعتبر المهاجرين كتلة واحدة متجانسة تماما، بل كأي فئة مجتمعية أخرى منهم من يحترم [[حقوق النساء]] ومنهم من لا يحترمها. وفي الواقع هذا الطرح يعزز لاحترام حقوق اللاجئين والمهاجرين. فالخطاب القاصر الذي يعتبر جميع اللاجئين والمهاجرين كتلة واحدة من الضحايا والمستضعفين وفقط هو الذي يرسخ لفكرة العقاب الجماعي عندما يتم خرق القانون من قبل بعض الأفراد من هذه المجموعات، أما اعتبار اللاجئين والمهاجرين كسائر فئات المجتمع  كمجموعات متنوعة لها حقوقها وواجباتها فيرسخ لفكرة أنه كما ينبغي معاقبة من أخلوا بواجباتهم، فينبغي أيضا عدم المساس بحقوق أساسيه مثل حق السلامة الجسدية  . أن مواجهة العنصرية والاستشراق بتلك الطريقة التي تتعامل برومانسية مع المهاجرين العرب واللاجئين هي جزء من نظرة قد تصل الي  عنصرية واستشراقية مستترة وكأن لهؤلاء الرجال قدرات عقلية ومعايير أخلاقية أدنى تغني عن محاسبتهم كما يجب أن  يحاسب سائر البشر.
+
إن تعرض فئة من المجتمع للتمييز ولتكن على سبيل المثال  اللاجئين والمهاجرين في هذا السياق لا يعني اعتبارها ضحية تلقائياً ولا يعني إعفاء أفراد منها  من المسئولية إذا قامت بارتكاب جرائم. الخطاب الاعتذاري الذي يبرر أو يتستر على الاعتداءات لاعتباره أن المعتدين "ضحايا" و"مهمشين" أو لمناهضة العنصرية والاسلاموفوبيا هو في حقيقة الأمر خطاب مهين للمهاجرين وإن كان يبدو متعاطفاً معهم، فهو يفترض أن مجتمعات المهاجرين واللاجئين مسلوبة الإرادة أو العقلانية ولا تجد أمامها اختيارات سوى اللجوء [[العنف الجنسي|للعنف الجنسي]]  كرد فعل على تهميشهم ومعانتهم.ونحن نفترض على النقيض أن اللاجئين والمهاجرين أناس مسئولة عن أفعالهم كما لا نعتبر المهاجرين كتلة واحدة متجانسة تماما، بل كأي فئة مجتمعية أخرى منهم من يحترم [[حقوق النساء]] ومنهم من لا يحترمها. وفي الواقع هذا الطرح يعزز لاحترام حقوق اللاجئين والمهاجرين. فالخطاب القاصر الذي يعتبر جميع اللاجئين والمهاجرين كتلة واحدة من الضحايا والمستضعفين وفقط هو الذي يرسخ لفكرة العقاب الجماعي عندما يتم خرق القانون من قبل بعض الأفراد من هذه المجموعات، أما اعتبار اللاجئين والمهاجرين كسائر فئات المجتمع  كمجموعات متنوعة لها حقوقها وواجباتها فيرسخ لفكرة أنه كما ينبغي معاقبة من أخلوا بواجباتهم، فينبغي أيضا عدم المساس بحقوق أساسيه مثل حق السلامة الجسدية  . أن مواجهة العنصرية والاستشراق بتلك الطريقة التي تتعامل برومانسية مع المهاجرين العرب واللاجئين هي جزء من نظرة قد تصل الي  عنصرية واستشراقية مستترة وكأن لهؤلاء الرجال قدرات عقلية ومعايير أخلاقية أدنى تغني عن محاسبتهم كما يجب أن  يحاسب سائر البشر.
    
   
 
   
ونفس الخطاب الذي  تجاهل حماية النساء لحساب حماية اللاجئين في حادثة [[الاعتداء الجنسي|اعتداء جنسي]] هو الذي يُرجع ارتكاب تلك الجرائم حصرا إلى الظلم الذي يتعرض له اللاجئين وعوامل الفقر والتهميش والظروف الاقتصادية للفئات المهمشة. وبالطبع المقاربة الاقتصادية والسياسية للموضوع ضرورية ولا يمكن تجاهلها حيث أن العنصرية والفقر هي عوامل مهمة ومؤثرة تؤخذ بعين الاعتبار عند ارتكاب أي جريمة، إلا أن هناك عدة إشكاليات في هذا الطرح الذي يتجاهل تماماً منظور النوع الاجتماعي. أولاً يعزز هذا الطرح للتطبيع مع جريمة العنف الجنسي كأنها رد فعل طبيعي للظلم المجتمعي ويتجاهل أن العنف الجنسي اختيار واع لصاحبه. ثانيًا،  يتجاهل هذا الخطاب أيضا آلاف الرجال من اللاجئين والمهاجرين الذين لم يختاروا العنف الجنسي كملاذ للتعبير عن معاناتهم وقهرهم. ثالثا ينزع هذا الخطاب العنف الجنسي من سياقه الأوسع ويفترض أن [[العنف ضد النساء]] هو حكر علي طبقة أو عرق معين أو على المهمشين فقط، ويتجاهل أن هذه الجريمة يتم ارتكابها يوميا من رجال من خلفيات اجتماعية وسياسية مختلفة. فجريمة العنف الجنسي لا تنفصل عن الرؤية الدونية للنساء واستباحة أجسادهن.
+
ونفس الخطاب الذي  تجاهل حماية النساء لحساب حماية اللاجئين في حادثة [[الاعتداء الجنسي|اعتداء جنسي]] هو الذي يُرجع ارتكاب تلك الجرائم حصرا إلى الظلم الذي يتعرض له اللاجئين وعوامل الفقر والتهميش والظروف الاقتصادية للفئات المهمشة. وبالطبع المقاربة الاقتصادية والسياسية للموضوع ضرورية ولا يمكن تجاهلها حيث أن العنصرية والفقر هي عوامل مهمة ومؤثرة تؤخذ بعين الاعتبار عند ارتكاب أي جريمة، إلا أن هناك عدة إشكاليات في هذا الطرح الذي يتجاهل تماماً منظور النوع الاجتماعي. أولاً يعزز هذا الطرح للتطبيع مع جريمة العنف الجنسي كأنها رد فعل طبيعي للظلم المجتمعي ويتجاهل أن العنف الجنسي اختيار واع لصاحبه. ثانيًا،  يتجاهل هذا الخطاب أيضا آلاف الرجال من اللاجئين والمهاجرين الذين لم يختاروا العنف الجنسي كملاذ للتعبير عن معاناتهم وقهرهم. ثالثا ينزع هذا الخطاب العنف الجنسي من سياقه الأوسع ويفترض أن [[العنف ضد النساء]] هو حكر على طبقة أو عرق معين أو على المهمشين فقط، ويتجاهل أن هذه الجريمة يتم ارتكابها يوميا من رجال من خلفيات اجتماعية وسياسية مختلفة. فجريمة العنف الجنسي لا تنفصل عن الرؤية الدونية للنساء واستباحة أجسادهن.
    
   
 
   
ففي واقع الأمر، الخطاب الذي يدين الظلم المجتمعي والتهميش الاقتصادي كالمسئول الأول عن جريمة [[العنف الجنسي]] هو خطابا تبريرياً ومحافظاً من منظور النوع الاجتماعي وإن كان يبدو غير ذلك. وإن كان هذا الخطاب غير مطابق بالطبع للخطاب الذي يلقي مسئولية العنف الجنسي على النساء، إلا أنه يصر علي وضع المعتدي في خانة الضحية بشكل أو بآخر، ويلقي اللوم على "شئ ما" خارج إرادته ويفشل بالتالي في رؤية الاعتداء الجنسي كتجلي للمنطق [[الأبوية|الأبوي]] والنظرة الدونية للنساء ويراه علي العكس تجلياً لأشكال مختلفة من الظلم الذي يتعرض له المعتدي (العنصرية –  القهر الطبقي – الاضطهاد، إلخ). وفي الحقيقة أن هذا  الخطاب مثله مثل الخطاب  الذي يستخدم معاناة  النساء لأغراض عنصرية لا يزيد إلا من الأثر السلبي علي [[الناجيات من العنف|الناجيات]] ولا يساعدهن على تجاوز كرب ما بعد الصدمة الذي سيعانين منه طوال حياتهن بدرجات متفاوتة،  حيث أن كلا الخطابين يتعاملان مع النساء علي أنهن مجرد "مشكلة" ثانوية أو أداوات سياسية في الصراع المتعلق بقضية اللاجئين ولا يتم النظر إلى قضيتهن هن كناجيات من العنف الجنسي. ولذلك فتبني منظور [[النوع الاجتماعي]] كعدسة لرؤية تلك الأحداث يندرج تحتها العوامل الاقتصادية والسياسية وليس العكس هي ضرورة للنظر إلى الحدث من زاوية  تتجنب التواطؤ مع العنف.
+
ففي واقع الأمر، الخطاب الذي يدين الظلم المجتمعي والتهميش الاقتصادي كالمسئول الأول عن جريمة [[العنف الجنسي]] هو خطابا تبريرياً ومحافظاً من منظور النوع الاجتماعي وإن كان يبدو غير ذلك. وإن كان هذا الخطاب غير مطابق بالطبع للخطاب الذي يلقي مسئولية العنف الجنسي على النساء، إلا أنه يصر على وضع المعتدي في خانة الضحية بشكل أو بآخر، ويلقي اللوم على "شئ ما" خارج إرادته ويفشل بالتالي في رؤية الاعتداء الجنسي كتجلي للمنطق [[الأبوية|الأبوي]] والنظرة الدونية للنساء ويراه على العكس تجلياً لأشكال مختلفة من الظلم الذي يتعرض له المعتدي (العنصرية –  القهر الطبقي – الاضطهاد، إلخ). وفي الحقيقة أن هذا  الخطاب مثله مثل الخطاب  الذي يستخدم معاناة  النساء لأغراض عنصرية لا يزيد إلا من الأثر السلبي على [[الناجيات من العنف|الناجيات]] ولا يساعدهن على تجاوز كرب ما بعد الصدمة الذي سيعانين منه طوال حياتهن بدرجات متفاوتة،  حيث أن كلا الخطابين يتعاملان مع النساء على أنهن مجرد "مشكلة" ثانوية أو أداوات سياسية في الصراع المتعلق بقضية اللاجئين ولا يتم النظر إلى قضيتهن هن كناجيات من العنف الجنسي. ولذلك فتبني منظور [[النوع الاجتماعي]] كعدسة لرؤية تلك الأحداث يندرج تحتها العوامل الاقتصادية والسياسية وليس العكس هي ضرورة للنظر إلى الحدث من زاوية  تتجنب التواطؤ مع العنف.
   −
   
==وضع أحداث كولونيا في سياق "ثقافة العنف الجنسي ضد النساء"==
 
==وضع أحداث كولونيا في سياق "ثقافة العنف الجنسي ضد النساء"==
  
1٬327

تعديل