تغييرات

تغليظ العناوين الثانوية
سطر 24: سطر 24:  
في هذا الإطار، لا بد من طرح جملة من التساؤلات: من أين يأتي هذا الغضب المجتمعي؟ هل هو غضب تجاه الجريمة أم هو غضب تجاه هوية المرتكب؟ ألم يؤدِ تحويل الجريمة من قضية اعتداء جنسي وقتل لامرأة إلى ساحة للهجوم على السوريين، إلى تحويل النقاش من مشكلة العنف الأبوي إلى إشكالية اللجوء السوري؟ ألا يعتبر تغييب الحدث هذا، كقضية اعتداء جنسي وانتهاك لجسد المرأة، تواطؤاً مباشراً مع العنف الأبوي؟ ألا يفترض الخطاب العنصري الذي جرى الترويج له أن جميع السوريين كتلة واحدة من المجرمين المحتملين، أن العنف ضد النساء هو حكر على طبقة أو جنسية معينة؟ ألا يتجاهل هذا الخطاب الجرائم التي يتم ارتكابها يومياً من رجال من خلفيات اجتماعية مختلفة في لبنان؟ ألا يتعامل الخطاب الذي يستخدم معاناة  النساء لأغراض عنصرية، على أنهن مجرد "مشكلة" ثانوية أو أداة سياسية في الصراع المتعلق بقضية اللاجئين؟ أليس غريباً كيف يجري التطبيع مع العنف ضد النساء في مجتمعنا والتستر عليه عندما تكون هوية المرتكب معروفة كأحد الأقارب أو أحد أفراد العائلة أو القرية أو حتى الطائفة، في حين ينتفض المجتمع شيباً وشباباً مطالباً بالثأر متى كان المرتكب "غريباً"؟ ألا يحيل هذا التناقض إلى الاعتقاد بأن أجساد النساء متاحة حصراً لرجال العائلة والطائفة والوطن، لتقييدها والتسلّط عليها وتعنيفها، دون غيرهم؟ حقيقة القول، أن بهذا ريا تقتل مرتين، مرة على يد قاتلها، ومرة على يد مجتمع يصرّ على نفي مسؤوليته تجاه العنف الأبوي ملقياً باللوم على "الآخر" و"الغريب".  
 
في هذا الإطار، لا بد من طرح جملة من التساؤلات: من أين يأتي هذا الغضب المجتمعي؟ هل هو غضب تجاه الجريمة أم هو غضب تجاه هوية المرتكب؟ ألم يؤدِ تحويل الجريمة من قضية اعتداء جنسي وقتل لامرأة إلى ساحة للهجوم على السوريين، إلى تحويل النقاش من مشكلة العنف الأبوي إلى إشكالية اللجوء السوري؟ ألا يعتبر تغييب الحدث هذا، كقضية اعتداء جنسي وانتهاك لجسد المرأة، تواطؤاً مباشراً مع العنف الأبوي؟ ألا يفترض الخطاب العنصري الذي جرى الترويج له أن جميع السوريين كتلة واحدة من المجرمين المحتملين، أن العنف ضد النساء هو حكر على طبقة أو جنسية معينة؟ ألا يتجاهل هذا الخطاب الجرائم التي يتم ارتكابها يومياً من رجال من خلفيات اجتماعية مختلفة في لبنان؟ ألا يتعامل الخطاب الذي يستخدم معاناة  النساء لأغراض عنصرية، على أنهن مجرد "مشكلة" ثانوية أو أداة سياسية في الصراع المتعلق بقضية اللاجئين؟ أليس غريباً كيف يجري التطبيع مع العنف ضد النساء في مجتمعنا والتستر عليه عندما تكون هوية المرتكب معروفة كأحد الأقارب أو أحد أفراد العائلة أو القرية أو حتى الطائفة، في حين ينتفض المجتمع شيباً وشباباً مطالباً بالثأر متى كان المرتكب "غريباً"؟ ألا يحيل هذا التناقض إلى الاعتقاد بأن أجساد النساء متاحة حصراً لرجال العائلة والطائفة والوطن، لتقييدها والتسلّط عليها وتعنيفها، دون غيرهم؟ حقيقة القول، أن بهذا ريا تقتل مرتين، مرة على يد قاتلها، ومرة على يد مجتمع يصرّ على نفي مسؤوليته تجاه العنف الأبوي ملقياً باللوم على "الآخر" و"الغريب".  
   −
إخراج العنف الجنسي من دائرة الاستثناء
+
'''إخراج العنف الجنسي من دائرة الاستثناء'''
    
تصوير العنف الموجه ضد النساء كموضوع خارجي، يقوم به "الغرباء"، يغفل أن العنف واقعاً يومياً للنساء في لبنان، وليس استثناءً. ففي عام 2017 وحدها حصلت جرائم عنف كثيرة في لبنان ضد النساء، تم توثيق ثمانية جرائم عنف جنسي منها2 راح ضحيتها في الأغلب نساء لبنانيات على أيدي أحد أفراد أسرهن من الرجال. مرت هذه الجرائم مرور الكرام، وبالكاد تم تداولها في وسائل الإعلام. فلم تجد هذه الأخيرة، في هذه الأحداث موضوعا "مثيرا" بشكل كافٍ لتحريك العصبيات الطائفية والعنصرية، من جهة. ومن جهة أخرى، يحيل هذا التكتم إلى التواطؤ مع العنف الجنسي خاصة متى كان المعتدي أحد أقرباء الضحية. فالإفصاح عن جرائم مماثلة يعتبر وصمة عار للضحايا وللناجيات ووصمة لـ"شرف" عائلاتهن معاً.
 
تصوير العنف الموجه ضد النساء كموضوع خارجي، يقوم به "الغرباء"، يغفل أن العنف واقعاً يومياً للنساء في لبنان، وليس استثناءً. ففي عام 2017 وحدها حصلت جرائم عنف كثيرة في لبنان ضد النساء، تم توثيق ثمانية جرائم عنف جنسي منها2 راح ضحيتها في الأغلب نساء لبنانيات على أيدي أحد أفراد أسرهن من الرجال. مرت هذه الجرائم مرور الكرام، وبالكاد تم تداولها في وسائل الإعلام. فلم تجد هذه الأخيرة، في هذه الأحداث موضوعا "مثيرا" بشكل كافٍ لتحريك العصبيات الطائفية والعنصرية، من جهة. ومن جهة أخرى، يحيل هذا التكتم إلى التواطؤ مع العنف الجنسي خاصة متى كان المعتدي أحد أقرباء الضحية. فالإفصاح عن جرائم مماثلة يعتبر وصمة عار للضحايا وللناجيات ووصمة لـ"شرف" عائلاتهن معاً.
سطر 33: سطر 33:  
تؤصّل هذه الوصاية لفكرة عدم "ملكية" النساء لأجسادهن والتي يمتلكها الرجل، كأب وأخ وزوج. ويعتبر العنف الجنسي في المجال العام امتداداً لهذا المنطق الأبوي والذي يعتبر أن النساء يتعدين على الحيّز العام وبالتالي يستسهل استباحة أجسادهن لتأديبهن هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، تتسامح الدولة مع العنف ضد المرأة سواء عن طريق الممانعة في سن قوانين تحمي النساء أو التخاذل في تطبيق ما وجد منها. وهذا بالضبط المقصود بثقافة العنف الجنسي، أي أن السياق المجتمعي والمستند غالبا إلى سلطة المؤسسات الدينية والطائفية يرسخ للتسامح مع العنف ضد النساء وانتشاره في المجتمع. فهل يمكننا قراءة جريمة مزيارة بمعزل عن هذا الواقع المؤلم لغالبية النساء، سواء كنّ لبنانيات أو غير لبنانيات؟  
 
تؤصّل هذه الوصاية لفكرة عدم "ملكية" النساء لأجسادهن والتي يمتلكها الرجل، كأب وأخ وزوج. ويعتبر العنف الجنسي في المجال العام امتداداً لهذا المنطق الأبوي والذي يعتبر أن النساء يتعدين على الحيّز العام وبالتالي يستسهل استباحة أجسادهن لتأديبهن هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، تتسامح الدولة مع العنف ضد المرأة سواء عن طريق الممانعة في سن قوانين تحمي النساء أو التخاذل في تطبيق ما وجد منها. وهذا بالضبط المقصود بثقافة العنف الجنسي، أي أن السياق المجتمعي والمستند غالبا إلى سلطة المؤسسات الدينية والطائفية يرسخ للتسامح مع العنف ضد النساء وانتشاره في المجتمع. فهل يمكننا قراءة جريمة مزيارة بمعزل عن هذا الواقع المؤلم لغالبية النساء، سواء كنّ لبنانيات أو غير لبنانيات؟  
   −
عن دعاء: ليس للمرأة السورية من يغضب لها
+
'''عن دعاء: ليس للمرأة السورية من يغضب لها'''
    
في مطلع أيلول، أي قبل أسبوعين على الجريمة التي راحت ضحيتها ريا، وأثناء تواجد دعاء أبو دحلوش، فتاة سورية، على متن "فان" وبعد ترجّل جميع الركاب ما عداها، سألها السائق اللبناني إن كانت تحمل أوراقا ثبوتية، فأجابته أن تواجدها في لبنان غير قانوني. حينها حاول اغتصابها مهدداً إياها بتسليمها إلى القوى الأمنية إن قاومته. فما كان من دعاء إلا وأن فتحت باب الفان ورمت بنفسها محاولة النجاة بحياتها، إلا أن جسدها ارتطم بالأرض وتوفيت. تقول منظمة العفو الدولية4 أن أغلب النساء السوريات في لبنان لا يشعرن بالأمان ويتعرضن للاستغلال وللتحرش الجنسي باستمرار ويخضعن للابتزاز نتيجة هشاشة وضعهن الاقتصادي والاجتماعي والقانوني. فقد استغل سائق الفان واقع افتقاد دعاء للأوراق القانونية مهدداً إياها بالإغتصاب وملوحاً باللجوء للسلطة الأمنية في حال عدم استجابتها. راحت دعاء ضحية عنف جنسي من جهة وآخر أمني. لم تجد دعاء من يغضب لها، ولا من يطالب بالاقتصاص من قاتلها ومن من حاول اغتصابها، ولم تخرج مظاهرات مطالبة بالإعدام لمرتكب الجريمة، ولم يطالب أحدهم بحظر تجول سائقي الفانات في المنطقة وبطردهم من المدينة!  
 
في مطلع أيلول، أي قبل أسبوعين على الجريمة التي راحت ضحيتها ريا، وأثناء تواجد دعاء أبو دحلوش، فتاة سورية، على متن "فان" وبعد ترجّل جميع الركاب ما عداها، سألها السائق اللبناني إن كانت تحمل أوراقا ثبوتية، فأجابته أن تواجدها في لبنان غير قانوني. حينها حاول اغتصابها مهدداً إياها بتسليمها إلى القوى الأمنية إن قاومته. فما كان من دعاء إلا وأن فتحت باب الفان ورمت بنفسها محاولة النجاة بحياتها، إلا أن جسدها ارتطم بالأرض وتوفيت. تقول منظمة العفو الدولية4 أن أغلب النساء السوريات في لبنان لا يشعرن بالأمان ويتعرضن للاستغلال وللتحرش الجنسي باستمرار ويخضعن للابتزاز نتيجة هشاشة وضعهن الاقتصادي والاجتماعي والقانوني. فقد استغل سائق الفان واقع افتقاد دعاء للأوراق القانونية مهدداً إياها بالإغتصاب وملوحاً باللجوء للسلطة الأمنية في حال عدم استجابتها. راحت دعاء ضحية عنف جنسي من جهة وآخر أمني. لم تجد دعاء من يغضب لها، ولا من يطالب بالاقتصاص من قاتلها ومن من حاول اغتصابها، ولم تخرج مظاهرات مطالبة بالإعدام لمرتكب الجريمة، ولم يطالب أحدهم بحظر تجول سائقي الفانات في المنطقة وبطردهم من المدينة!  
staff
184

تعديل