تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ط
تنسيق واضافة هوامش
سطر 23: سطر 23:       −
لا يعني غياب سردية «وباء الإيدز» عن العالم العربي ومخيلته بالضرورة غياب خطابات مشابهة<ref>نتيجةً لعوامل مركبة ومعقدة عديدة، لم ينتشر مرض متلازمة المناعة بالشكل الوبائي نفسه في معظم العالم العربي مثلما حدث في الولايات المتحدة في الثمانينات، على سبيل المثال. غياب «سردية الوباء» لا يعني أنه لم أو لا توجد حالات إصابة، بل العكس: المنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة تقريباً التي ما زالت تشهد ازدياداً في نسب الإصابة بالمرض حالياً. كما أن عدم انتشاره بشكل وبائي في الثمانينات لا يعني أيضاً عدم وجود تمييز شديد القسوة والعنف ضد مرضى متلازمة المناعة في العالم العربي، لكن ذلك التمييز، رغم شروره، لم ينتج حراكاً سياسياً واسعاً، أو تعبئة مجتمعية على غرار دولٍ أخرى.</ref>، بشكل مدهش، لما أنتجته ماكينة سياسة المحافظين في الولايات المتحدة. لقد خلقت حالة الوباء والهلع، وعدّاد الموت الذي تجاوز الآلاف في أقل من بضع سنوات حالة استثنائية  فرضت على مجتمع الميم التحرك بسرعة وإيجاد وسائل لمواجهة ذلك الوضع السياسي المميت، المميت حرفياً. ورغم اختلاف السياق، فإن ما حدث في العالم العربي هو إنتاج خطابات مشابهة (أخلاقية، قانونية، دينية،...إلخ) معادية للمثلية رغم غياب تلك الحالة الاستثنائية للوباء. إن تنكيل النظام المصري بمجتمع الميم يُعدّ الأسوأ من نوعه في تاريخ نظام يوليو، وربما في تاريخ الدولة الحديثة<ref>لاشك أنه لدى نظام يوليو تاريخ طويل وحافل في التنكيل بالفصائل السياسية المعارضة، من الشيوعيين واليسار إلى الإخوان المسلميين وأتباعهم. لكن الملاحقة الأمنية لمعارض سياسي لا تتساوى إطلاقاً مع التنكيل بإنسان نتيجة لاختيارات/ها الجنسية والحميمية، فلا يوجد جوهر إيدولوجي معارض للنظام فيما يخص الاختيارات الحميمة (هناك بالطبع قراءة فوكو للجنسانية كمساحة لتكثيف حضور السلطة وسيطرتها على أجساد البشر في سياق الدولة القومية الحديثة، ولكن فوكو نفسه لا يقول أن هناك جوهراً إيدولوجياً للاختيارات الجنسانية. يوجد هوس معرفي لاستنطاق الأجساد والنفوس، ولكن لا يوجد جوهر إيدولوجي له تطلعات سياسية أو تصورات ميتافيزيقية عن السلطة). بالطبع هناك تسييس للاختلاف من قبل النشطاء الكويريين، ولكن مثل هذا التسييس مرتبط بالأساس بكسر أنماط السلطة المعنوية والمادية للنظام الأبوي-الرأسمالي، وفي نهاية الأمر لا يمكننا اعتبار جميع المثليين كويريين، أو فرض تلك القراءة الإيدولوجية عليهم.<ref/>. لم تشهد مصر مثل تلك الحملات الممنهجة لترصّد مجتمع الميم والنيل منهم كما يحدث الآن، ولم تُسخِّر الدولة كل أجهزتها الإعلامية لخلق حالة من «الفزع الأخلاقي» بهذا الشكل من قبل.  
+
لا يعني غياب سردية «وباء الإيدز» عن العالم العربي ومخيلته بالضرورة غياب خطابات مشابهة<ref>نتيجةً لعوامل مركبة ومعقدة عديدة، لم ينتشر مرض متلازمة المناعة بالشكل الوبائي نفسه في معظم العالم العربي مثلما حدث في الولايات المتحدة في الثمانينات، على سبيل المثال. غياب «سردية الوباء» لا يعني أنه لم أو لا توجد حالات إصابة، بل العكس: المنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة تقريباً التي ما زالت تشهد ازدياداً في نسب الإصابة بالمرض حالياً. كما أن عدم انتشاره بشكل وبائي في الثمانينات لا يعني أيضاً عدم وجود تمييز شديد القسوة والعنف ضد مرضى متلازمة المناعة في العالم العربي، لكن ذلك التمييز، رغم شروره، لم ينتج حراكاً سياسياً واسعاً، أو تعبئة مجتمعية على غرار دولٍ أخرى.</ref>، بشكل مدهش، لما أنتجته ماكينة سياسة المحافظين في الولايات المتحدة. لقد خلقت حالة الوباء والهلع، وعدّاد الموت الذي تجاوز الآلاف في أقل من بضع سنوات حالة استثنائية  فرضت على مجتمع الميم التحرك بسرعة وإيجاد وسائل لمواجهة ذلك الوضع السياسي المميت، المميت حرفياً. ورغم اختلاف السياق، فإن ما حدث في العالم العربي هو إنتاج خطابات مشابهة (أخلاقية، قانونية، دينية،...إلخ) معادية للمثلية رغم غياب تلك الحالة الاستثنائية للوباء. إن تنكيل النظام المصري بمجتمع الميم يُعدّ الأسوأ من نوعه في تاريخ نظام يوليو، وربما في تاريخ الدولة الحديثة<ref>لاشك أنه لدى نظام يوليو تاريخ طويل وحافل في التنكيل بالفصائل السياسية المعارضة، من الشيوعيين واليسار إلى الإخوان المسلميين وأتباعهم. لكن الملاحقة الأمنية لمعارض سياسي لا تتساوى إطلاقاً مع التنكيل بإنسان نتيجة لاختيارات/ها الجنسية والحميمية، فلا يوجد جوهر إيدولوجي معارض للنظام فيما يخص الاختيارات الحميمة (هناك بالطبع قراءة فوكو للجنسانية كمساحة لتكثيف حضور السلطة وسيطرتها على أجساد البشر في سياق الدولة القومية الحديثة، ولكن فوكو نفسه لا يقول أن هناك جوهراً إيدولوجياً للاختيارات الجنسانية. يوجد هوس معرفي لاستنطاق الأجساد والنفوس، ولكن لا يوجد جوهر إيدولوجي له تطلعات سياسية أو تصورات ميتافيزيقية عن السلطة). بالطبع هناك تسييس للاختلاف من قبل النشطاء الكويريين، ولكن مثل هذا التسييس مرتبط بالأساس بكسر أنماط السلطة المعنوية والمادية للنظام الأبوي-الرأسمالي، وفي نهاية الأمر لا يمكننا اعتبار جميع المثليين كويريين، أو فرض تلك القراءة الإيدولوجية عليهم.</ref>
 +
لم تشهد مصر مثل تلك الحملات الممنهجة لترصّد مجتمع الميم والنيل منهم كما يحدث الآن، ولم تُسخِّر الدولة كل أجهزتها الإعلامية لخلق حالة من «الفزع الأخلاقي» بهذا الشكل من قبل.  
      سطر 38: سطر 39:       −
'''1- أين المثليات؟'''<big>نص كبير</big>
+
'''1- أين المثليات؟'''
    
إن محاولة استلهام التفكيك كمنهج لقراءة عدد من النصوص العربية التي تركز على المثليين، وعلى التصورات الأدبية أو المتخيلة عنهم، هي  اختيار واضح، إن لم يكن مقصوداً بشكل حتمي. ويفرض ذلك الاختيار السؤال: «أين المثليات من تلك التصورات أو السرديات؟».
 
إن محاولة استلهام التفكيك كمنهج لقراءة عدد من النصوص العربية التي تركز على المثليين، وعلى التصورات الأدبية أو المتخيلة عنهم، هي  اختيار واضح، إن لم يكن مقصوداً بشكل حتمي. ويفرض ذلك الاختيار السؤال: «أين المثليات من تلك التصورات أو السرديات؟».
سطر 51: سطر 52:       −
'''2- هناك انحياز نسوي واضح'''<big>نص كبير</big>
+
'''2- هناك انحياز نسوي واضح'''
    
رغم غياب سرديات المثليات في هذه القراءة، وعدم التركيز بالأساس على تجارب الغيريين من الرجال والنساء، إلا أن  هذه القراءة محكومة بانحيازات نسوية أساسية. وأعني بـ «انحيازات نسوية» مجمل الأعمال النظرية التي اتخذت من موقع النساء في المجتمع، بوصفهنَّ فصيلاً تم سلب أو قمع أو تهميش فاعليته بسبب نوعه الاجتماعي، الذي يفرض على النساء دوراً محدداً وسردية محددة (على سبيل المثال لا الحصر، النساء كمستودع الشرف؛ النساء كوعاء الأبناء والنسل والقائمات على مهمة الإنجاب والتربية؛ النساء كأجساد خلقت لمتعة الرجل ورغباته،...إلخ). إن نقد الأبوية والذكورية الذي أنتجته النساء على مر قرنين من الزمان هو جزء لا يتجزأ من تاريخ نضال المثليين ونقدهم، هم كذلك، للمجتمع الحداثي بشكله الرأسمالي-الأبوي الذي نعرفه. ولا يمكننا فهم حالة الهلع والتقزز التي تصيب الكثير من الرجال عند مشاهدة المتحولات جنسياً في العالم العربي دون الرجوع إلى نقد النسويات للذكورية وما يكشفه ذلك عن احتقار أو رفض لكل ما هو «أنثوي»/«نسائي» كمقابل موضوعي لما هو «ذكوري»/«رجولي»، كما لا يمكننا أن نفهم ذلك الرعب الذي ينتاب الكثيرين بناءاً على معتقدهم بأن المثلية أو المثليين هما نهاية الجنس البشري دون الرجوع إلى النقد النسوي للأبوية بوصفها التصور الأوحد للاجتماع البشري في صورة أسرة يترأسها أب، ذكر، غيري، منجب، وتشمل أماً وأولاداً من نسل ذلك الذكر. ذلك النقد العميق للأبوية، وما تفرضه من تصورات أحادية للشكل الاجتماعي المقبول والمتوقع من الجميع، ندين به جميعاً للنسويات والنسوية<ref>على سبيل المثال لا الحصر: كتابات سيمون دي بوفوار الجنس الآخر، 1949؛ كايت ميليت السياسات الجنسية، 1971؛ كريستيان دلفي، استغلال حميمي، 1992.</ref>.
 
رغم غياب سرديات المثليات في هذه القراءة، وعدم التركيز بالأساس على تجارب الغيريين من الرجال والنساء، إلا أن  هذه القراءة محكومة بانحيازات نسوية أساسية. وأعني بـ «انحيازات نسوية» مجمل الأعمال النظرية التي اتخذت من موقع النساء في المجتمع، بوصفهنَّ فصيلاً تم سلب أو قمع أو تهميش فاعليته بسبب نوعه الاجتماعي، الذي يفرض على النساء دوراً محدداً وسردية محددة (على سبيل المثال لا الحصر، النساء كمستودع الشرف؛ النساء كوعاء الأبناء والنسل والقائمات على مهمة الإنجاب والتربية؛ النساء كأجساد خلقت لمتعة الرجل ورغباته،...إلخ). إن نقد الأبوية والذكورية الذي أنتجته النساء على مر قرنين من الزمان هو جزء لا يتجزأ من تاريخ نضال المثليين ونقدهم، هم كذلك، للمجتمع الحداثي بشكله الرأسمالي-الأبوي الذي نعرفه. ولا يمكننا فهم حالة الهلع والتقزز التي تصيب الكثير من الرجال عند مشاهدة المتحولات جنسياً في العالم العربي دون الرجوع إلى نقد النسويات للذكورية وما يكشفه ذلك عن احتقار أو رفض لكل ما هو «أنثوي»/«نسائي» كمقابل موضوعي لما هو «ذكوري»/«رجولي»، كما لا يمكننا أن نفهم ذلك الرعب الذي ينتاب الكثيرين بناءاً على معتقدهم بأن المثلية أو المثليين هما نهاية الجنس البشري دون الرجوع إلى النقد النسوي للأبوية بوصفها التصور الأوحد للاجتماع البشري في صورة أسرة يترأسها أب، ذكر، غيري، منجب، وتشمل أماً وأولاداً من نسل ذلك الذكر. ذلك النقد العميق للأبوية، وما تفرضه من تصورات أحادية للشكل الاجتماعي المقبول والمتوقع من الجميع، ندين به جميعاً للنسويات والنسوية<ref>على سبيل المثال لا الحصر: كتابات سيمون دي بوفوار الجنس الآخر، 1949؛ كايت ميليت السياسات الجنسية، 1971؛ كريستيان دلفي، استغلال حميمي، 1992.</ref>.
    +
 +
'''3-  أين الدين من كل هذا؟'''
      −
'''3- أين الدين من كل هذا؟'''<big>نص كبير</big>
      
مَن منا لم يجد إشارة أو حتى سرداً طويلاً عن قصة قوم لوط في أي إشارة من قريب أو من بعيد للمثليين باللغة العربية؟ ليس هذا فقط استدعاءً للسلطة الأخلاقية والسياسة للنص، ولكنه أيضاً تاريخ طويل من التأصيل الفقهي لموقف الدين من المثليين. وهو موقف مأزوم تماماً مثل توصيفه، فحتى التوصيف «اللواط» توصيف إشكالي إلى حدّ كبير، يعكس تلك العلاقة المأزومة، فكأن المسلمين الأوائل فقدوا منطق اللغة حين «واجهوا» المثلية، فنسبوا فعلاَ «شديد الفحش» -كما يصفه الفقهاء- لـنبي معصوم» (ولو كنت من هواة التلاعب باللغة لبدأت حركة تدعو إلى إعادة تأهيل لفظ «اللواط» كسنة حميدة تنسب إلى نبي)<ref>بالمقارنة بالتراث اليهودي-المسيحي، نجد أن الأوقع أن الفعل يُنسب إلى أصحابه، فـ «لواط» كانت دائما ما يشار إليها بلفظ «سدومية»، نسبةً إلى المكان وليس الشخص.</ref>. ورغم غياب أي حكم واضح في النص القرآني لـ «جريمة اللواط» (قارن مع حدود الزنا أو الحرابة أو السرقة، على سبيل المثال) فإن إدانة قوم لوط وما فعلوه (سواء كانت المثلية أو غيرها) في النص القرأني، لا شكَّ فيها<ref>ذُكر قوم لوط في القرآن في ثمانية مواضع مختلفة: في سور الأعراف: الآيات 80-84، هود :الآيات 69-83، الحجر :الآيات 58-78، الأنبياء: الآيات 71-75، الشعراء: الآيات 160- 175، النمل: الآيات 54-59، العنكبوت: الآيات 28- 35، القمر:الآيات 33-39. ولا يكاد يخلو موضع ذكر دون إدانة أو استنكار لأفعالهم، تارة جملة ودون تخصيص، وتارة أخرى بتفصيل منكر ما فعلوه.</ref>. ورغم غياب أي إجماع على حكم أقره النبي عند معظم الفقهاء، إلا أن ما جاء على لسان الصحابة والتابعين فيه شبه إجماع على الموت كعقوبة ملائمة للفعل، وتبعتهم في ذلك أغلب المذاهب (فيما عدا أبو حنيفة وما تأخر من فقه الشافعي) واختلفوا في طريقة القتل<ref>هناك جدل في المباحث الفقهية عن صحة ما ورد عن النبي والصحابة  في حكم اللواط (فتم استبعاد أغلب الأحاديث، على سبيل المثال، لضعف إسنادها). ولكن إجماع الفقهاء وأهل الرأي على تجريم الفعل، وخاصة الفقهاء اللاحقين، يكاد يتجاوز أي مُساءلة حقيقية لأدلة تحديد العقاب، والتركيز بشكل كامل على ضرورة العقاب في حد ذاته.</ref>.
 
مَن منا لم يجد إشارة أو حتى سرداً طويلاً عن قصة قوم لوط في أي إشارة من قريب أو من بعيد للمثليين باللغة العربية؟ ليس هذا فقط استدعاءً للسلطة الأخلاقية والسياسة للنص، ولكنه أيضاً تاريخ طويل من التأصيل الفقهي لموقف الدين من المثليين. وهو موقف مأزوم تماماً مثل توصيفه، فحتى التوصيف «اللواط» توصيف إشكالي إلى حدّ كبير، يعكس تلك العلاقة المأزومة، فكأن المسلمين الأوائل فقدوا منطق اللغة حين «واجهوا» المثلية، فنسبوا فعلاَ «شديد الفحش» -كما يصفه الفقهاء- لـنبي معصوم» (ولو كنت من هواة التلاعب باللغة لبدأت حركة تدعو إلى إعادة تأهيل لفظ «اللواط» كسنة حميدة تنسب إلى نبي)<ref>بالمقارنة بالتراث اليهودي-المسيحي، نجد أن الأوقع أن الفعل يُنسب إلى أصحابه، فـ «لواط» كانت دائما ما يشار إليها بلفظ «سدومية»، نسبةً إلى المكان وليس الشخص.</ref>. ورغم غياب أي حكم واضح في النص القرآني لـ «جريمة اللواط» (قارن مع حدود الزنا أو الحرابة أو السرقة، على سبيل المثال) فإن إدانة قوم لوط وما فعلوه (سواء كانت المثلية أو غيرها) في النص القرأني، لا شكَّ فيها<ref>ذُكر قوم لوط في القرآن في ثمانية مواضع مختلفة: في سور الأعراف: الآيات 80-84، هود :الآيات 69-83، الحجر :الآيات 58-78، الأنبياء: الآيات 71-75، الشعراء: الآيات 160- 175، النمل: الآيات 54-59، العنكبوت: الآيات 28- 35، القمر:الآيات 33-39. ولا يكاد يخلو موضع ذكر دون إدانة أو استنكار لأفعالهم، تارة جملة ودون تخصيص، وتارة أخرى بتفصيل منكر ما فعلوه.</ref>. ورغم غياب أي إجماع على حكم أقره النبي عند معظم الفقهاء، إلا أن ما جاء على لسان الصحابة والتابعين فيه شبه إجماع على الموت كعقوبة ملائمة للفعل، وتبعتهم في ذلك أغلب المذاهب (فيما عدا أبو حنيفة وما تأخر من فقه الشافعي) واختلفوا في طريقة القتل<ref>هناك جدل في المباحث الفقهية عن صحة ما ورد عن النبي والصحابة  في حكم اللواط (فتم استبعاد أغلب الأحاديث، على سبيل المثال، لضعف إسنادها). ولكن إجماع الفقهاء وأهل الرأي على تجريم الفعل، وخاصة الفقهاء اللاحقين، يكاد يتجاوز أي مُساءلة حقيقية لأدلة تحديد العقاب، والتركيز بشكل كامل على ضرورة العقاب في حد ذاته.</ref>.
سطر 66: سطر 68:  
بطبيعة الحال، هناك حاجة وضرورة لإعادة قراءة النص الديني وما تواتره الفقهاء والمحدثين، وأخذ تاريخانية تلك الأحكام بعين الاعتبار، والتساؤل عن هذا «التساهل» العجيب مع غياب حجة أو نص والإيمان المطلق بحتمية الموت/الإبادة خاصة فيما يخص المثلية. ولكن مثل ذلك البحث أو النقد يتجاوز هدف هذه القراءة، فمثلما فعل معظم الأدباء العرب عند تناولهم المثلية، خاصة نجيب محفوظ، وكتبوا من موقع «حداثي» بكل ما يعنيه «حداثي» من تجاوز إطلاق النص الديني ومركزيته وخلق مساحة من التردد (وهذا ليس تجاوزاً كاملاً بالطبع)، فإن هذه القراءة تحاول الاشتباك مع تلك النصوص من الموضع نفسه.
 
بطبيعة الحال، هناك حاجة وضرورة لإعادة قراءة النص الديني وما تواتره الفقهاء والمحدثين، وأخذ تاريخانية تلك الأحكام بعين الاعتبار، والتساؤل عن هذا «التساهل» العجيب مع غياب حجة أو نص والإيمان المطلق بحتمية الموت/الإبادة خاصة فيما يخص المثلية. ولكن مثل ذلك البحث أو النقد يتجاوز هدف هذه القراءة، فمثلما فعل معظم الأدباء العرب عند تناولهم المثلية، خاصة نجيب محفوظ، وكتبوا من موقع «حداثي» بكل ما يعنيه «حداثي» من تجاوز إطلاق النص الديني ومركزيته وخلق مساحة من التردد (وهذا ليس تجاوزاً كاملاً بالطبع)، فإن هذه القراءة تحاول الاشتباك مع تلك النصوص من الموضع نفسه.
   −
'''4- التفكيك ليس نهاية الطريق'''<big>نص كبير</big>
+
 
 +
'''4- التفكيك ليس نهاية الطريق'''
    
كتبت سيدجويك في عن معرفة الخزانة عن استخدامها للتفكيك كمنهج لمحاولة قراءة تراكم تاريخي، أرتأته هي بما يعكس على واقعها في الولايات المتحدة في الثمانينات. وأرى، بشكل شخصي، أن تلك القراءة كانت مفيدة ومنتجة لتحليل يُمكّننا كقراء عرب أن نشتبك معه في سياقنا الحالي. ولكن لا يمكن اعتبار التفكيك -بحدّ ذاته- أكثر من مجرد أداة أو «عدسة» ، للتحليل أو النقد. إذ أنني لا أعترف بالتفكيك كـ «غاية» في حد ذاته، ولا أرى أنه مفيد كإطار نهائي، مطلق، لفهم العالم. فاستعارتي لمنهج سيدجويك، أو استخدامي لتحليلها، هو استخدام نفعي/براغماتي بالأساس، لأني ما زالت أؤمن بضرورة التفكير في سردية تفسر لنا الظواهر المحيطة بنا. وأدرك مدى سذاجة مثل ذلك الموقف، الذي قد يرى البعض أن الزمان قد عفا عنه  (فلقد انتهى زمن السرديات الكبرى، كما يحلو لكثيرين القول). ولكن التفكيك، في حد ذاته، كنقطة في مسار تاريخي معين، مرتبط بمقاربات ما بعد الحداثة، هو منهج أو أداة تحليلية تفتقر إلى موقف واضح من السؤال: «وماذا يمكننا أن نفعله الآن؟»
 
كتبت سيدجويك في عن معرفة الخزانة عن استخدامها للتفكيك كمنهج لمحاولة قراءة تراكم تاريخي، أرتأته هي بما يعكس على واقعها في الولايات المتحدة في الثمانينات. وأرى، بشكل شخصي، أن تلك القراءة كانت مفيدة ومنتجة لتحليل يُمكّننا كقراء عرب أن نشتبك معه في سياقنا الحالي. ولكن لا يمكن اعتبار التفكيك -بحدّ ذاته- أكثر من مجرد أداة أو «عدسة» ، للتحليل أو النقد. إذ أنني لا أعترف بالتفكيك كـ «غاية» في حد ذاته، ولا أرى أنه مفيد كإطار نهائي، مطلق، لفهم العالم. فاستعارتي لمنهج سيدجويك، أو استخدامي لتحليلها، هو استخدام نفعي/براغماتي بالأساس، لأني ما زالت أؤمن بضرورة التفكير في سردية تفسر لنا الظواهر المحيطة بنا. وأدرك مدى سذاجة مثل ذلك الموقف، الذي قد يرى البعض أن الزمان قد عفا عنه  (فلقد انتهى زمن السرديات الكبرى، كما يحلو لكثيرين القول). ولكن التفكيك، في حد ذاته، كنقطة في مسار تاريخي معين، مرتبط بمقاربات ما بعد الحداثة، هو منهج أو أداة تحليلية تفتقر إلى موقف واضح من السؤال: «وماذا يمكننا أن نفعله الآن؟»
سطر 74: سطر 77:  
==قصص لا زلنا نرددها==
 
==قصص لا زلنا نرددها==
   −
''
+
 
ورفع الشيخ درويش رأسه بغتة وقال دون أن يلتفت نحو المعلم:
+
''ورفع الشيخ درويش رأسه بغتة وقال دون أن يلتفت نحو المعلم:
    
يا معلم، إمرأتك قوية، فيها من الرجولة ما يعوز الكثيرين من الرجال، وهي ذكر وليست بأنثى، فلماذا لا تحبها؟
 
يا معلم، إمرأتك قوية، فيها من الرجولة ما يعوز الكثيرين من الرجال، وهي ذكر وليست بأنثى، فلماذا لا تحبها؟
سطر 108: سطر 111:  
==سيماهم على وجوههم أو هم لا يبصرون==
 
==سيماهم على وجوههم أو هم لا يبصرون==
   −
''فرأى المعلم كرشة، بجسمه الطويل النحيل، ووجهه الضارب للسواد، وعينيه المظلمتين النائمتين»
     −
«كان السيد رضوان الحسيني ذا طلعة مهيبة، تمتد طولاً و عرضاً، وتنطوي عباءته الفضفاضة السوداء على جسم ضخم، يلوح منه وجه كبير أبيض مشرب بحمرة، ذو لحية صهباء، يتسع النور من غرة جبينه، وتقطر صفحته بهاء وسماحة وإيمانا» و«زاد وجهه الجميل بعد هذا القول تألقاً، شأن الكريم الفاضل يحب الخير ويصنعه ويزداد بصنعه رضاً وجمالاً».
+
''فرأى المعلم كرشة، بجسمه الطويل النحيل، ووجهه الضارب للسواد، وعينيه المظلمتين النائمتين
 +
 
 +
كان السيد رضوان الحسيني ذا طلعة مهيبة، تمتد طولاً و عرضاً، وتنطوي عباءته الفضفاضة السوداء على جسم ضخم، يلوح منه وجه كبير أبيض مشرب بحمرة، ذو لحية صهباء، يتسع النور من غرة جبينه، وتقطر صفحته بهاء وسماحة وإيمانا» و«زاد وجهه الجميل بعد هذا القول تألقاً، شأن الكريم الفاضل يحب الخير ويصنعه ويزداد بصنعه رضاً وجمالاً.
    
نجيب محفوظ، زقاق المدق؛ ص 9،10''
 
نجيب محفوظ، زقاق المدق؛ ص 9،10''
سطر 141: سطر 145:     
==ذلك المصطلح المبهم: «فطرة»==
 
==ذلك المصطلح المبهم: «فطرة»==
 +
      سطر 165: سطر 170:     
ليس هناك أي مواربة في الخيالات الدموية لأم حسين، زوجة المعلم كرشة، التي لم تتوان عن إطلاق جماح خيالها في تصور أشد وأفظع أنواع العقاب لزوجها «الشاذ»، بل أنها ذهبت إلى حدّ إحراق الزقاق بأكمله كعقاب على سكوته وتواطئه مع فجور زوجها وشذوذه. ورغم أن أم حسين لم تضرم النار في الزقاق كما هددت،  إلا أنها أدت مشهداً لا يضاهيه أي مشهد آخر ربما في تاريخ الرواية العربية الحديثة، في دراميته أو سخريته.  
 
ليس هناك أي مواربة في الخيالات الدموية لأم حسين، زوجة المعلم كرشة، التي لم تتوان عن إطلاق جماح خيالها في تصور أشد وأفظع أنواع العقاب لزوجها «الشاذ»، بل أنها ذهبت إلى حدّ إحراق الزقاق بأكمله كعقاب على سكوته وتواطئه مع فجور زوجها وشذوذه. ورغم أن أم حسين لم تضرم النار في الزقاق كما هددت،  إلا أنها أدت مشهداً لا يضاهيه أي مشهد آخر ربما في تاريخ الرواية العربية الحديثة، في دراميته أو سخريته.  
 +
    
''وصرخت بصوت كادت أن تتصدع له أركان القهوة: يا حشاش، يا مدهول، يا وسخ، يا ابن الستين، يا أبا الخمسة، وجد العشرين، يا عرة، يا رطل، سفخص على وجهك الأسود
 
''وصرخت بصوت كادت أن تتصدع له أركان القهوة: يا حشاش، يا مدهول، يا وسخ، يا ابن الستين، يا أبا الخمسة، وجد العشرين، يا عرة، يا رطل، سفخص على وجهك الأسود
staff
2٬186

تعديل

قائمة التصفح