سطر 156: |
سطر 156: |
| ==لا حل غير الإبادة== | | ==لا حل غير الإبادة== |
| | | |
− | ''إنه رجل فاجر لا يرده عن شهوة لا سن ولا زوجة ولا أبناء. ولعلك علمت بأمر هذا الشاب الرقيع الذي يوافيه كل ليلة إلى القهوة؟! هذه هي فضيحتنا الجديدة... ولكني إذا يئست من إصلاحه فسأشب النار في الزقاق جميعاً وأجعل من جسده النجس حطاما لها!. | + | |
− | نجيب محفوظ، زقاق المدق؛ ص 100'' | + | ''إنه رجل فاجر لا يرده عن شهوة لا سن ولا زوجة ولا أبناء. ولعلك علمت بأمر هذا الشاب الرقيع الذي يوافيه كل ليلة إلى القهوة؟! هذه هي فضيحتنا الجديدة... ولكني إذا يئست من إصلاحه فسأشب النار في الزقاق جميعاً وأجعل من جسده النجس حطاما لها!.'' |
| + | |
| + | ''نجيب محفوظ، زقاق المدق؛ ص 100'' |
| | | |
| | | |
سطر 163: |
سطر 165: |
| | | |
| | | |
− | ''وصرخت بصوت كادت أن تتصدع له أركان القهوة: يا حشاش، يا مدهول، يا وسخ، يا ابن الستين، يا أبا الخمسة، وجد العشرين، يا عرة، يا رطل، سفخص على وجهك الأسود | + | ''وصرخت بصوت كادت أن تتصدع له أركان القهوة: يا حشاش، يا مدهول، يا وسخ، يا ابن الستين، يا أبا الخمسة، وجد العشرين، يا عرة، يا رطل، سفخص على وجهك الأسود'' |
− | فحدجها المعلم بنظرة قاسية وهو منتفض من الانفعال. وصاح بها: | + | |
− | لمي لسانك يا مرة، وسدي هذا المرحاض الذي يقذفنا بوسخه! | + | ''فحدجها المعلم بنظرة قاسية وهو منتفض من الانفعال. وصاح بها:'' |
− | قطع لسانك ما مرحاض إلا أنت، يا خرع، يا مفضوح، يا ظل العيال'' | + | |
| + | ''لمي لسانك يا مرة، وسدي هذا المرحاض الذي يقذفنا بوسخه!'' |
| + | |
| + | ''قطع لسانك ما مرحاض إلا أنت، يا خرع، يا مفضوح، يا ظل العيال'' |
| | | |
| | | |
سطر 177: |
سطر 182: |
| | | |
| | | |
− | ''ظل عبده واقفاً في وسط الحجرة حتى استجمع الأمر في ذهنه، ثم أصدر صوتا غليظاً أشبه بحشرجة حيوان متوحش غاضب، وانقضّ على حاتم يركله ويلكمه بيديه وقدميه، ثم أمسك به من رقبته وأخذ يضرب رأسه في الجدار بكل قوته حتى أحس بدمه ينبثق حاراً لزجاً على يديه. | + | ''ظل عبده واقفاً في وسط الحجرة حتى استجمع الأمر في ذهنه، ثم أصدر صوتا غليظاً أشبه بحشرجة حيوان متوحش غاضب، وانقضّ على حاتم يركله ويلكمه بيديه وقدميه، ثم أمسك به من رقبته وأخذ يضرب رأسه في الجدار بكل قوته حتى أحس بدمه ينبثق حاراً لزجاً على يديه.'' |
− | علاء الأسواني، عمارة يعقوبيان؛ ص 334''
| |
− | | |
| | | |
− | تفتقد لغة وأسلوب الأسواني جزالة وتعقيد محفوظ بلا شك، وتصوير ذلك المشهد يبدو أشبه بالكتابة التليفزيونية والسينمائية عنها بالكتابة الأدبية. ولعل ذلك يزيد من فجاجة المشهد وقبحه. وقع الأسواني في فخ تقديم شخصية مثلية، وحاول أن يكون في تصويرها شيء من التوازن، إذا كان هذا ممكناً مع كل هذا الرُهاب والوصم الأخلاقي. كما حاولَ أن يخلق علاقة مثلية تكاد تكون لها استمرارية تتجاوز الدعارة الصريحة (لكن لا تخلو من الاستغلال الطبقي؛ التلاعب بنفسية من هم أقل سناً وخبرةً وتعليماً؛ الهوس العنصري بشكل وطبيعة جسد ما بشكل استشراقي فج… إلخ). ولكن لأن حتمية الإبادة تفوق أي اعتبار آخر، كان لزاماً عليه أن يقتل الشخصية المثلية بأقصى درجات العنف والانتقام، حتى لا يعتقد القارىء أن الأسواني تعاطف مع شخصيته أو تخيل، ولو للحظة، أن لها مصيراً غير الموت الحتمي. يصبح مشهد الإبادة هو اعتذار الأسواني عن تصور شخصية مثلية من الممكن للبعض منا التعاطف معها، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح: الإبادة ولا بديل عنها.
| + | ''علاء الأسواني، عمارة يعقوبيان؛ ص 334'' |
| | | |
| | | |
| + | تفتقد لغة وأسلوب الأسواني جزالة وتعقيد محفوظ بلا شك، وتصوير ذلك المشهد يبدو أشبه بالكتابة التليفزيونية والسينمائية عنها بالكتابة الأدبية. ولعل ذلك يزيد من فجاجة المشهد وقبحه. وقع الأسواني في فخ تقديم شخصية مثلية، وحاول أن يكون في تصويرها شيء من التوازن، إذا كان هذا ممكناً مع كل هذا الرُهاب والوصم الأخلاقي. كما حاولَ أن يخلق علاقة مثلية تكاد تكون لها استمرارية تتجاوز الدعارة الصريحة (لكن لا تخلو من الاستغلال الطبقي؛ التلاعب بنفسية من هم أقل سناً وخبرةً وتعليماً؛ الهوس العنصري بشكل وطبيعة جسد ما بشكل استشراقي فج… إلخ). ولكن لأن حتمية الإبادة تفوق أي اعتبار آخر، كان لزاماً عليه أن يقتل الشخصية المثلية بأقصى درجات العنف والانتقام، حتى لا يعتقد القارىء أن الأسواني تعاطف مع شخصيته أو تخيل، ولو للحظة، أن لها مصيراً غير الموت الحتمي. يصبح مشهد الإبادة هو اعتذار الأسواني عن تصور شخصية مثلية من الممكن للبعض منا التعاطف معها، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح: الإبادة ولا بديل عنها. |
| | | |
| ==ألا للخلاص من سبيل؟== | | ==ألا للخلاص من سبيل؟== |