سطر 9: |
سطر 9: |
| |تاريخ النشر=2020-03-05 | | |تاريخ النشر=2020-03-05 |
| |تاريخ الاسترجاع=2020-03-07 | | |تاريخ الاسترجاع=2020-03-07 |
− | |مسار الاسترجاع=https://aljumhuriya.net/ar/content/%D8%AD%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A7%D8%AA | + | |مسار الاسترجاع=https://www.aljumhuriya.net/ar/content/حس-الدعابة-عند-النسويات |
| |نسخة أرشيفية= | | |نسخة أرشيفية= |
| |بالعربية= | | |بالعربية= |
سطر 22: |
سطر 22: |
| }} | | }} |
| | | |
− | في الماضي، ومع بدايات الموجة التحررية الثانية، كان الناس الطيبون يرتبكون من الأفكار النِسوية ولا يصدقونها. وإن لم يشرعوا بشرح أن كل شيء على ما يرام (فالأمومة مهمة عظيمة، والإمكانيات مفتوحة لكل امرأة طموحة)، سوف يصمتون: أفكاركِ لا تناسب عقولهم النيّرة، ولا يوجد تواؤم بينكم. | + | في الماضي، ومع بدايات الموجة التحررية الثانية، كان الناس الطيبون يرتبكون من الأفكار [[نسوية | النِسوية]] ولا يصدقونها. وإن لم يشرعوا بشرح أن كل شيء على ما يرام (فال[[أمومة]] مهمة عظيمة، والإمكانيات مفتوحة لكل امرأة طموحة)، سوف يصمتون: أفكاركِ لا تناسب عقولهم النيّرة، ولا يوجد تواؤم بينكم. |
| | | |
| لا بد أن هؤلاء الطيبين قد قرأوا شيئًا منذ ذلك الحين، وباتوا يتفقون معكِ أنه من الأفضل لو عمِل كلّ من الأب والأم دوامًا جزئيًا. كما استنتجوا أننا بحاجة لكتابة نوعٍ مختلفٍ من كتب الأطفال. غير أن هذا لا يعني أنهم باتوا يدركون فعلًا عمّا تتكلمين. يقولون: «أنتِ محقة، غير أنكنّ جديّات حتى الموت، ما أشبهكنّ بالجماعات الكنسية، ألا ينقصكنَّ بعض الفكاهة؟». | | لا بد أن هؤلاء الطيبين قد قرأوا شيئًا منذ ذلك الحين، وباتوا يتفقون معكِ أنه من الأفضل لو عمِل كلّ من الأب والأم دوامًا جزئيًا. كما استنتجوا أننا بحاجة لكتابة نوعٍ مختلفٍ من كتب الأطفال. غير أن هذا لا يعني أنهم باتوا يدركون فعلًا عمّا تتكلمين. يقولون: «أنتِ محقة، غير أنكنّ جديّات حتى الموت، ما أشبهكنّ بالجماعات الكنسية، ألا ينقصكنَّ بعض الفكاهة؟». |
سطر 53: |
سطر 53: |
| تختلف أجساد الرجال والنساء من ناحية الوزن، غير أنه يتم تضخيم هذه الفروق من الناحية النفسية: على الرجل أن يكون من الوزن الثقيل وتحتفظ المرأة بوزن الريشة. وحين لا يتبع الرجال والنساء هذا التقسيم، سيعاقبون أشد عقاب. في حال لم ينجح الرجل بالضغط بكامل ثقله، «ينزّل من قيمته إلى مستوى النساء»، وسيقال عنه مَرَة أو حُرمة. أما حين تضغط السيدة بكامل ثقلها على الحياة، لأنها امرأة تقاوم وتفتح كل سجلات العنف عند اللزوم، سيقال أنها وقحة أو مشكلجية أو حسن صبي، أي أن الثقافة تعتبرها باختصار: مسترجلة. | | تختلف أجساد الرجال والنساء من ناحية الوزن، غير أنه يتم تضخيم هذه الفروق من الناحية النفسية: على الرجل أن يكون من الوزن الثقيل وتحتفظ المرأة بوزن الريشة. وحين لا يتبع الرجال والنساء هذا التقسيم، سيعاقبون أشد عقاب. في حال لم ينجح الرجل بالضغط بكامل ثقله، «ينزّل من قيمته إلى مستوى النساء»، وسيقال عنه مَرَة أو حُرمة. أما حين تضغط السيدة بكامل ثقلها على الحياة، لأنها امرأة تقاوم وتفتح كل سجلات العنف عند اللزوم، سيقال أنها وقحة أو مشكلجية أو حسن صبي، أي أن الثقافة تعتبرها باختصار: مسترجلة. |
| | | |
− | المرأة المسترجلة أو الرجل الحُرمة لا يرضخان للأدوار المرتبطة بجنسيهما، وسوف يعاقبان بفقدان جاذبيتهما الجنسية. ولقد عبّر الكاتب الهولندي كارميخلت عن ذلك بكامل البراءة والوضوح حين كتب في إحدى مداخلاته أنه وجد في الشارع صورة لفتاة قد تُعتبر ملامحها متناسقة، ولكنها ليست جميلة، لا بل مخيفة. كانت تنقصها مسحة العجز. | + | المرأة المسترجلة أو الرجل الحُرمة لا يرضخان [[أدوار جندرية | للأدوار المرتبطة بجنسيهما]]، وسوف يعاقبان بفقدان [[جاذبية جنسية | جاذبيتهما الجنسية]]. ولقد عبّر الكاتب الهولندي كارميخلت عن ذلك بكامل البراءة والوضوح حين كتب في إحدى مداخلاته أنه وجد في الشارع صورة لفتاة قد تُعتبر ملامحها متناسقة، ولكنها ليست جميلة، لا بل مخيفة. كانت تنقصها مسحة العجز. |
| | | |
− | أعتقد أننا وصلنا الآن إلى جوهر القضية: الرجال ينجذبون للعجز في النساء. بعضهم يحتاج إلى جرعة كبيرة منه، بينما يكتفي آخرون بـ «مِسحة». وثمة من يبدل المذاق مع مرور العمر. يبحثون عن الهشاشة قبل أن يشتد عودهم، وحينما يصبحون أشداء يجربون أسنانهم على شيء أقسى. ولكن هناك من يفعل العكس: حين تتخلص زوجتهم الأولى من عجزها، ينتقلون إلى نسخة يافعة لم تفقد ارتعابها البناتي بعد. | + | أعتقد أننا وصلنا الآن إلى جوهر القضية: الرجال ينجذبون للعجز في النساء. بعضهم يحتاج إلى جرعة كبيرة منه، بينما يكتفي آخرون ب «مِسحة». وثمة من يبدل المذاق مع مرور العمر. يبحثون عن الهشاشة قبل أن يشتد عودهم، وحينما يصبحون أشداء يجربون أسنانهم على شيء أقسى. ولكن هناك من يفعل العكس: حين تتخلص زوجتهم الأولى من عجزها، ينتقلون إلى نسخة يافعة لم تفقد ارتعابها البناتي بعد. |
| | | |
| وأؤكد للذين في آذانهم وقر على أني لا أتهم الرجل الوسطي بنوايا شيطانية، ولا جماعة الرجال بميول مؤمراتية. كل ما أريد قوله هو أن الثقافة تفرض معايير مختلفة على الرجال والنساء، وأن عملية التأهيل الاجتماعي تهدف إلى إنتاج أفراد تتوفر فيهم شروط معينة: يجب أن يكون حضور الرجل كبيرًا، والمرأة صغيرًا. | | وأؤكد للذين في آذانهم وقر على أني لا أتهم الرجل الوسطي بنوايا شيطانية، ولا جماعة الرجال بميول مؤمراتية. كل ما أريد قوله هو أن الثقافة تفرض معايير مختلفة على الرجال والنساء، وأن عملية التأهيل الاجتماعي تهدف إلى إنتاج أفراد تتوفر فيهم شروط معينة: يجب أن يكون حضور الرجل كبيرًا، والمرأة صغيرًا. |
سطر 77: |
سطر 77: |
| وهذا يعلل لماذا نتجنب الأمكنة التي تعيث فيها العنصرية الجنسية، ولماذا نصمت حين يصدف أن نتواجد هناك، ولماذا نطالب بالأشياء التي يطالب بها الجميع حين نفكر يومًا أن نرفع صوتنا – هذا يجنبنا التهكم. وأخيرًا لماذا لا نتكلم عن آلامنا – لأننا بذلك نوفر على أنفسنا تلك الضحكة المتكبرة. غير أن هذا السلوك الهروبي يرسخ مشاعر التفوق عند الرجال. وقد عبّرت نِسوية فرنسية ذات خبرة واسعة في مجال السياسة بالطريقة التالية: «لا أظن أن النساء في وضع يسمح لهن بالقتال في البرلمان. فغالبًا ما يبقينَ في الخلفية، خوفًا من وجه زميلهم الساخر، وبذلك يتقبلن عن لا وعي تلك الصورة التي يتأملها الرجال منهنّ». | | وهذا يعلل لماذا نتجنب الأمكنة التي تعيث فيها العنصرية الجنسية، ولماذا نصمت حين يصدف أن نتواجد هناك، ولماذا نطالب بالأشياء التي يطالب بها الجميع حين نفكر يومًا أن نرفع صوتنا – هذا يجنبنا التهكم. وأخيرًا لماذا لا نتكلم عن آلامنا – لأننا بذلك نوفر على أنفسنا تلك الضحكة المتكبرة. غير أن هذا السلوك الهروبي يرسخ مشاعر التفوق عند الرجال. وقد عبّرت نِسوية فرنسية ذات خبرة واسعة في مجال السياسة بالطريقة التالية: «لا أظن أن النساء في وضع يسمح لهن بالقتال في البرلمان. فغالبًا ما يبقينَ في الخلفية، خوفًا من وجه زميلهم الساخر، وبذلك يتقبلن عن لا وعي تلك الصورة التي يتأملها الرجال منهنّ». |
| | | |
− | بمعنى آخر: نحن لسنا جريئات. ولكن إذا كنا نطمح لتغيير الوضع الراهن، فعلينا أن نتخلص من سلوك التهرب، هذا يعني أن علينا ألا نصطنع الهبل حين تبدأ لعبة الدجاجة والديك، وأن نلعب لعبة الوجه الخالي من التعابير التي كانت شلومايث فايرستون تحلم بها. هذا يعني أيضًا أن علينا أن نكشف الكياسة المزيفة ومحاولات الغزل المتصنعة على حقيقتها، فهي ليست سوى إهانات مغلفة تستحق شد الأذن. كما يجب الاستعجال بشد الأذن ماديًا أو معنويًا، وإلا سيستغبون علينا: ألم يكونوا نبلاء؟ نية العنصريين سيئة، ولا أحلى على قلوبهم من توريطنا بنقاش نلعب فيه دور السخيفة، لأننا غضبنا من أمر «بريء». | + | بمعنى آخر: نحن لسنا جريئات. ولكن إذا كنا نطمح لتغيير الوضع الراهن، فعلينا أن نتخلص من سلوك التهرب، هذا يعني أن علينا ألا نصطنع الهبل حين تبدأ لعبة الدجاجة والديك، وأن نلعب لعبة الوجه الخالي من التعابير التي كانت [[شلومايث فايرستون]] تحلم بها. هذا يعني أيضًا أن علينا أن نكشف الكياسة المزيفة ومحاولات الغزل المتصنعة على حقيقتها، فهي ليست سوى إهانات مغلفة تستحق شد الأذن. كما يجب الاستعجال بشد الأذن ماديًا أو معنويًا، وإلا سيستغبون علينا: ألم يكونوا نبلاء؟ نية العنصريين سيئة، ولا أحلى على قلوبهم من توريطنا بنقاش نلعب فيه دور السخيفة، لأننا غضبنا من أمر «بريء». |
| | | |
− | ينبغي أن نتعلم المقاومة في حربٍ نفسية. فإذا أردنا أن ندفع النِسوية على المضي قدمًا، فلا يمكن أن نكتفي بصياغة برنامج عمل ونشره. ينبغي تهيئة أنفسنا عقليًا للمعركة، لأن المتسلطين الذكور هم الذين يقررون فيما إذا كنا سنحصل على وظيفة معينة، أو راتب للعناية التي نقدمها، وفيما إذا ستتم قوننة الإجهاض، أو إلغاء مدارس التدبير المنزلي أم لا. وهم الذين يقررون ما هو المهم وغير المهم. ربما كانت الاكتشافات بخصوص المرأة جاهزة قبل مجيء [[النسوية]] الجديدة، كما قالت جيسي برنارد، ولكن لم يستثمرها أحد، لأن الرجال متعودون أن يعتبروا النساء ومشاكل النساء قضايا هامشية. | + | ينبغي أن نتعلم المقاومة في حربٍ نفسية. فإذا أردنا أن ندفع النِسوية على المضي قدمًا، فلا يمكن أن نكتفي بصياغة برنامج عمل ونشره. ينبغي تهيئة أنفسنا عقليًا للمعركة، لأن المتسلطين الذكور هم الذين يقررون فيما إذا كنا سنحصل على وظيفة معينة، أو راتب للعناية التي نقدمها، وفيما إذا ستتم قوننة الإجهاض، أو إلغاء مدارس التدبير المنزلي أم لا. وهم الذين يقررون ما هو المهم وغير المهم. ربما كانت الاكتشافات بخصوص المرأة جاهزة قبل مجيء [[النسوية]] الجديدة، كما قالت [[جيسي برنارد]]، ولكن لم يستثمرها أحد، لأن الرجال متعودون أن يعتبروا النساء ومشاكل النساء قضايا هامشية. |
| | | |
| أرى أن علينا التركيز على النساء، ولكن هذا لا يعني أني أعتبر البؤساء الآخرين أقل أهمية. كل ما هنالك أني أشجع على أن نأخذ أنفسنا ومشاكلنا على محمل الجد أخيرًا، ونغير صورتنا عن ذواتنا، ونتحول من وزن الريشة إلى الوزن الثقيل. كذلك لأنه يجب إجبار المتسلطين الذكور على أخذنا ومطالبنا على محمل الجد. | | أرى أن علينا التركيز على النساء، ولكن هذا لا يعني أني أعتبر البؤساء الآخرين أقل أهمية. كل ما هنالك أني أشجع على أن نأخذ أنفسنا ومشاكلنا على محمل الجد أخيرًا، ونغير صورتنا عن ذواتنا، ونتحول من وزن الريشة إلى الوزن الثقيل. كذلك لأنه يجب إجبار المتسلطين الذكور على أخذنا ومطالبنا على محمل الجد. |
سطر 120: |
سطر 120: |
| | | |
| ==هوامش== | | ==هوامش== |
| + | |
| + | [[تصنيف:نمطية جندرية]] |