سطر 1: |
سطر 1: |
| {{بيانات_وثيقة | | {{بيانات_وثيقة |
| |نوع الوثيقة= | | |نوع الوثيقة= |
− | |العنوان= التاريخ الذي لم ينته بعد | + | |العنوان= |
− | |مؤلف= امل اقعيق | + | |مؤلف= أمل اقعيق |
| |محرر= | | |محرر= |
| |لغة=ar | | |لغة=ar |
سطر 23: |
سطر 23: |
| | | |
| | | |
− | توطئة | + | === توطئة === |
| | | |
− | "التاريخ الذي لم ينته بعد" هو حوار بيني وبين الباحث المكسيكي لويس مارتينس أندرادي، المُتخصص في الدراسات الاجتماعية وتاريخ لاهوت التحرّر في أميركا اللاتينيّة. نُشِر هذا الحوار في أنطولوجيا "نسويات خارج السرب"1 عن دار نشر لاڤوراخين في إسبانيا، وتشمل الأنطولوجيا ستّ عشرة مقابلة شخصيّة أجراها لويس بالإسبانيّة والفرنسيّة مع باحثات ومفكّرات نسويّات من الجنوب العالمي. تشكّل هذه المقابلات حواراً عابراً للأجيال والقارّات بين نسويّات عريقات ساهمن في تطوير لغة نسويّة مناهضة للعنف الجنسي والعنصريّة والرأسماليّة مثل ريتا سيغاتو (الأرجنتين) سيلڤيا فيدريتشي (إيطاليا) وفرانسوا ڤيرچيس (فرنسا) ونسويّات صاعدات من أميركا اللاتينيّة والكاريبي مثل كارينا أوتشوا (المكسيك) ومارغرا مييان (المكسيك) اللواتي شاركن في تأسيس حراك نسوي تحرّري في إطار مستقلّ ضمن الحركات الاجتماعية للشعوب الأصليّة. وقد أثبتت هذه الحركات من خلال تجربتها التاريخية الطويلة مع أطياف الماركسية وتعدّدية أنواع الاشتراكية أنّ عنف الدولة في أميركا اللاتينيّة والكاريبي وحلول الإصلاحات المؤسساتية التي تقدّمها للسكّان الأصليين والنساء، ما هي إلّا نسخة مُحدّثة لسياسات الاستعمار الرأسمالي، وبالتالي يجب على النضال النسوي أن يتصدّى لأساليب وطرح الحداثة الكولونيالية لأنها ترسخ الهرمية العرقية والاقتصادية التي بَناها الاستعمار الأوروبي. | + | "التاريخ الذي لم ينته بعد" هو حوار بيني وبين الباحث المكسيكي لويس مارتينس أندرادي، المُتخصص في الدراسات الاجتماعية وتاريخ لاهوت التحرّر في أميركا اللاتينيّة. نُشِر هذا الحوار في أنطولوجيا "نسويات خارج السرب"<ref> https://voravi.com/producto/feminismos-a-la-contra/</ref> عن دار نشر لاڤوراخين في إسبانيا، وتشمل الأنطولوجيا ستّ عشرة مقابلة شخصيّة أجراها لويس بالإسبانيّة والفرنسيّة مع باحثات ومفكّرات نسويّات من الجنوب العالمي. تشكّل هذه المقابلات حواراً عابراً للأجيال والقارّات بين نسويّات عريقات ساهمن في تطوير لغة نسويّة مناهضة [[العنف الجنسي|للعنف الجنسي]] والعنصريّة والرأسماليّة مثل [[ريتا سيغاتو]] (الأرجنتين) [[سيلفيا فيديريتشي|سيلڤيا فيدريتشي]] (إيطاليا) وفرانسوا ڤيرچيس (فرنسا) ونسويّات صاعدات من أميركا اللاتينيّة والكاريبي مثل كارينا أوتشوا (المكسيك) ومارغرا مييان (المكسيك) اللواتي شاركن في تأسيس حراك نسوي تحرّري في إطار مستقلّ ضمن الحركات الاجتماعية للشعوب الأصليّة. وقد أثبتت هذه الحركات من خلال تجربتها التاريخية الطويلة مع أطياف الماركسية وتعدّدية أنواع الاشتراكية أنّ عنف الدولة في أميركا اللاتينيّة والكاريبي وحلول الإصلاحات المؤسساتية التي تقدّمها للسكّان الأصليين والنساء، ما هي إلّا نسخة مُحدّثة لسياسات الاستعمار الرأسمالي، وبالتالي يجب على النضال النسوي أن يتصدّى لأساليب وطرح الحداثة الكولونيالية لأنها ترسخ الهرمية العرقية والاقتصادية التي بَناها الاستعمار الأوروبي. |
| | | |
| ربمّا من المفارقة أن حواري مع لويس قد تمّ في إحدى مراكز الشمال العالمي وتحديداً بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي. ولكن في الحقيقة هذه المفارقة ليست غريبة، لأننا لو نظرنا إلى مصطلح الجنوب العالمي كجغرافية المسحوقين/ات والتابعين/ات بالإضافة لكونه نظرية تحرّرية ترصد تضاريس الخريطة الاستعمارية التي تُعيد إنتاج علاقات القوّة بين العالم الأول والعالم الثالث، سنكتشف أنّ الجنوب يتواجد في صُلب مدن الشمال. على سبيل المثال، العنصرية تجاه المسلمين/ات والمهاجرين/ات من أفريقيا في ضواحي باريس وفي المناطق التي يسكنها المهاجرون/ات المكسيكيون/ات واللاجئون/ات الصوماليون/ات والأَفارِقة-الأميركيون/الأفريقيات-الأمريكيات في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا، التي أصبحت عاصمة جديدة للثورة السوداء أخيراً بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأميركية بسبب لون بشرته السوداء، هي دليل على القمع البنيوي الذي تمارسه الدول الاستعمارية والإمبريالية داخل حدودها تجاه من تعتبرهم/هن قادمين/ات من العالم الثالث أو تابعين/ات للجنوب. وفي هذا السياق تطرح الأنطولوجيا سؤالين مهمّين: كيف تتشابك إذن النسويات في الجنوب العالمي مع هذه التركيبة الجغرافية والتاريخية لواقع الجنوب العالمي العابر للحدود؟ وما هي التقاطعات والتحالفات التي لا بدّ من تطويرها وبنائها في سياق عولمة نضال الأقلّيات المُهاجرة والأصلانية؟ | | ربمّا من المفارقة أن حواري مع لويس قد تمّ في إحدى مراكز الشمال العالمي وتحديداً بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي. ولكن في الحقيقة هذه المفارقة ليست غريبة، لأننا لو نظرنا إلى مصطلح الجنوب العالمي كجغرافية المسحوقين/ات والتابعين/ات بالإضافة لكونه نظرية تحرّرية ترصد تضاريس الخريطة الاستعمارية التي تُعيد إنتاج علاقات القوّة بين العالم الأول والعالم الثالث، سنكتشف أنّ الجنوب يتواجد في صُلب مدن الشمال. على سبيل المثال، العنصرية تجاه المسلمين/ات والمهاجرين/ات من أفريقيا في ضواحي باريس وفي المناطق التي يسكنها المهاجرون/ات المكسيكيون/ات واللاجئون/ات الصوماليون/ات والأَفارِقة-الأميركيون/الأفريقيات-الأمريكيات في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا، التي أصبحت عاصمة جديدة للثورة السوداء أخيراً بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأميركية بسبب لون بشرته السوداء، هي دليل على القمع البنيوي الذي تمارسه الدول الاستعمارية والإمبريالية داخل حدودها تجاه من تعتبرهم/هن قادمين/ات من العالم الثالث أو تابعين/ات للجنوب. وفي هذا السياق تطرح الأنطولوجيا سؤالين مهمّين: كيف تتشابك إذن النسويات في الجنوب العالمي مع هذه التركيبة الجغرافية والتاريخية لواقع الجنوب العالمي العابر للحدود؟ وما هي التقاطعات والتحالفات التي لا بدّ من تطويرها وبنائها في سياق عولمة نضال الأقلّيات المُهاجرة والأصلانية؟ |
| | | |
− | في محاولاتي المتواصلة للإجابة على هذين السؤالين في بحثي حول الأدب الأصلاني في الجنوب العالمي وعملي الأكاديمي في الولايات المتّحدة كنسويّة من فلسطين، أدركت أنّه بالإضافة لمقاومة الأبويّة والذكوريّة والاستعمار والرأسماليّة لا بّد من الأخذ بعين الاعتبار تجلّيات العَنصرة وتأثيرها على تشكيل علاقات القوّة التي تصاحب التداخلات بين العرق والطبقة والنوع الاجتماعي والسلوك الجنسي كما تداولتها الموجة الثانية والثالثة للحركة النسويّة في سبعينيّات وثمانينيّات القرن الماضي في الولايات المتّحدة، والتي تأثّرت بها لاحقاً العديد من النسويّات الفلسطينيّات والعربيّات. من الجدير بالذكر هنا أنّ حواري مع لويس انبثق من حوار مسبق ومستمرّ في بروكسل مع صديقنا المُشترك المفكّر التحرّري والباحث الاقتصادي المناهض للرأسمالية سُهيل شيشاح. في هذه الحوارات حول المقاربات بين مفهوم الأَصلانيّة في فلسطين وأوروبا اتضح لي أن هناك جيل صاعد من أبناء وبنات المهاجرين/ات من أصول مغاربية وأفريقية في بلجيكا وفرنسا يتبّنى بشكل متزايد مصطلح الأصلانيّة كأداة سياسية نضالية لمحاربة التهميش الاقتصادي والإقصاء الاجتماعي بالإضافة إلى العنصرية الممنهجة التي تمارس ضدهم/ن في بلاد ما زالت تعتبرهم/ن مواطنين/ات من الدرجة الثانية رغم ولادتهم/ن ونشأتهم/ن فيها. اتضح كذلك أن منظومة الاقتصاد السياسي والعنف الاستعماري والمراقبة البوليسية التي تنتج أحياء المهاجرين/ات في ضواحي باريس وبروكسل على هيئة "چيتوهات"، تتماثل إلى حدّ كبير مع ممارسات التمييز العنصري والقهر الاقتصادي والتضييق المعماري والمحاصرة الأمنية التي تقمع الفلسطينيين/ات في القرى والمدن الفلسطينية المختلطة في إسرائيل. رغم اختلاف الحيثيات التاريخية بين الحالتين، هناك جوانب مشتركة لاستخدام مفهوم الأصلانية في سياق مواطَنة من الدرجة الثانية تثبت أن الامتدادين الجغرافي والزمني للإرث الاستعماري الأوروبي يتوازى مع نتاج النكبة المستمرّة في الداخل الفلسطيني وإن كان لا يشبهها. علاوة على ذلك، هناك أيضا تقاطعات مركّبة بين العَنصرة والنوع الاجتماعي والتي بدورها تخلق خللاً في نمط الأبويّة والذكوريّة التقليديّة من خلال بروز شخصية "الرجل المُسيطِر-المُسيطَر عليه". | + | في محاولاتي المتواصلة للإجابة على هذين السؤالين في بحثي حول الأدب الأصلاني في الجنوب العالمي وعملي الأكاديمي في الولايات المتّحدة كنسويّة من فلسطين، أدركت أنّه بالإضافة لمقاومة [[نظام أبوي|الأبويّة]] والذكوريّة والاستعمار والرأسماليّة لا بّد من الأخذ بعين الاعتبار تجلّيات العَنصرة وتأثيرها على تشكيل علاقات القوّة التي تصاحب التداخلات بين العرق والطبقة والنوع الاجتماعي والسلوك الجنسي كما تداولتها الموجة الثانية والثالثة للحركة النسويّة في سبعينيّات وثمانينيّات القرن الماضي في الولايات المتّحدة، والتي تأثّرت بها لاحقاً العديد من النسويّات الفلسطينيّات والعربيّات. من الجدير بالذكر هنا أنّ حواري مع لويس انبثق من حوار مسبق ومستمرّ في بروكسل مع صديقنا المُشترك المفكّر التحرّري والباحث الاقتصادي المناهض للرأسمالية سُهيل شيشاح. في هذه الحوارات حول المقاربات بين مفهوم الأَصلانيّة في فلسطين وأوروبا اتضح لي أن هناك جيل صاعد من أبناء وبنات المهاجرين/ات من أصول مغاربية وأفريقية في بلجيكا وفرنسا يتبّنى بشكل متزايد مصطلح الأصلانيّة كأداة سياسية نضالية لمحاربة التهميش الاقتصادي والإقصاء الاجتماعي بالإضافة إلى العنصرية الممنهجة التي تمارس ضدهم/ن في بلاد ما زالت تعتبرهم/ن مواطنين/ات من الدرجة الثانية رغم ولادتهم/ن ونشأتهم/ن فيها. اتضح كذلك أن منظومة الاقتصاد السياسي والعنف الاستعماري والمراقبة البوليسية التي تنتج أحياء المهاجرين/ات في ضواحي باريس وبروكسل على هيئة "چيتوهات"، تتماثل إلى حدّ كبير مع ممارسات التمييز العنصري والقهر الاقتصادي والتضييق المعماري والمحاصرة الأمنية التي تقمع الفلسطينيين/ات في القرى والمدن الفلسطينية المختلطة في إسرائيل. رغم اختلاف الحيثيات التاريخية بين الحالتين، هناك جوانب مشتركة لاستخدام مفهوم الأصلانية في سياق مواطَنة من الدرجة الثانية تثبت أن الامتدادين الجغرافي والزمني للإرث الاستعماري الأوروبي يتوازى مع نتاج النكبة المستمرّة في الداخل الفلسطيني وإن كان لا يشبهها. علاوة على ذلك، هناك أيضا تقاطعات مركّبة بين العَنصرة والنوع الاجتماعي والتي بدورها تخلق خللاً في نمط الأبويّة [[الذكورية|والذكوريّة]] التقليديّة من خلال بروز شخصية "الرجل المُسيطِر-المُسيطَر عليه". |
| | | |
| من المثير للاهتمام أنّ التقاطع بين الأصلانيّة والعَنصرة والدين في سياق المغرب العربي واشتباكه مع تاريخ الاستعمار الفرنسي برز في المقابلات مع مشاركتين في الأنطولوجيا من أصول مغربية وجزائرية هما: نوريا والي (أستاذة علم الاجتماع في كلية الفلسفة والدراسات الاجتماعية في جامعة بروكسل الحرّة) وليلى بن حجوجة (أستاذ علم الاجتماع في كلية علم الاجتماع والانثروبولوجيا في جامعة أوتوا في كندا). في حوارهما مع لويس تطرّقت كلتاهما إلى قضية عَنصرة الأقليّات وعلم اجتماع العلاقات الإثنية والعرقية في السياق الفرانكوفوني في بلجيكا وكندا مستمّدات نظريات من الدراسات الأصلانيّة لرصد التمييز في قطاع العمل المغاربي عامة والأمازيغي خاصةً في أوروبا والجالية المسلمة في كيبك. أكّدت كلتاهما أهمية الجمع بين مفهوم الأصلانيّة السياسي والمنظور النسوي التحرّري لفهم التباينات الهيكلية لثالوث الاضطهاد الطبقي والأبوي والعنصري في مجتمعات المهاجرين/ات التي تعيش على الهامش في ظروف إرث استعماري فرنسي يمتدّ من الجزائر إلى بلجيكا وكندا ويتقاطع مع الهيمنة المزدوجة للرأسمالية العنصرية والنسوية الأوروبية البيضاء. | | من المثير للاهتمام أنّ التقاطع بين الأصلانيّة والعَنصرة والدين في سياق المغرب العربي واشتباكه مع تاريخ الاستعمار الفرنسي برز في المقابلات مع مشاركتين في الأنطولوجيا من أصول مغربية وجزائرية هما: نوريا والي (أستاذة علم الاجتماع في كلية الفلسفة والدراسات الاجتماعية في جامعة بروكسل الحرّة) وليلى بن حجوجة (أستاذ علم الاجتماع في كلية علم الاجتماع والانثروبولوجيا في جامعة أوتوا في كندا). في حوارهما مع لويس تطرّقت كلتاهما إلى قضية عَنصرة الأقليّات وعلم اجتماع العلاقات الإثنية والعرقية في السياق الفرانكوفوني في بلجيكا وكندا مستمّدات نظريات من الدراسات الأصلانيّة لرصد التمييز في قطاع العمل المغاربي عامة والأمازيغي خاصةً في أوروبا والجالية المسلمة في كيبك. أكّدت كلتاهما أهمية الجمع بين مفهوم الأصلانيّة السياسي والمنظور النسوي التحرّري لفهم التباينات الهيكلية لثالوث الاضطهاد الطبقي والأبوي والعنصري في مجتمعات المهاجرين/ات التي تعيش على الهامش في ظروف إرث استعماري فرنسي يمتدّ من الجزائر إلى بلجيكا وكندا ويتقاطع مع الهيمنة المزدوجة للرأسمالية العنصرية والنسوية الأوروبية البيضاء. |
| | | |
− | موضوع الأصلانيّة برز كذلك في الحوارات الأخرى مع نسويّات من المكسيك مثل روزڤالدا عايدة هرنندس كاستييو وماريانا مورا بايو اللتان تطرّقتا لتحدّيات النضال النسوي في المكسيك ضد آفة جرائم العنف ضد النساء. في حين تسعى النسويات لتطوير آليات مجتمعيّة مستقلّة خارج المنظمات الحقوقية والدولة بسبب تقصيرها الفجّ في مجابهة ظاهرة قتل النساء واستباحتهن. تدعو هاتان الباحثتان في الانثروبولوجيا والدراسات الأصلانية إلى اللجوء إلى تاريخ النضال السياسي والاقتصادي للسكّان الأصليين وخصوصاً في ولاية تشياباس، حيث نجحت ثورة الزاباتيستا منذ منتصف التسعينيات في سنّ قوانين نسويّة وجعلها من أركان الحكم الذاتي للسكّان الأصليين. وتضمن هذه القوانين للنساء حقوقاً مدنيّة كمواطنات من الدرجة الأولى بعكس تعامل دولة المكسيك معهن كتابعات من الدرجة الثانية بسبب العنصرية تجاه كل ما هو أصلاني. | + | موضوع الأصلانيّة برز كذلك في الحوارات الأخرى مع نسويّات من المكسيك مثل روزڤالدا عايدة هرنندس كاستييو وماريانا مورا بايو اللتان تطرّقتا لتحدّيات النضال النسوي في المكسيك ضد آفة جرائم [[العنف ضد النساء]]. في حين تسعى النسويات لتطوير آليات مجتمعيّة مستقلّة خارج المنظمات الحقوقية والدولة بسبب تقصيرها الفجّ في مجابهة ظاهرة قتل النساء واستباحتهن. تدعو هاتان الباحثتان في الانثروبولوجيا والدراسات الأصلانية إلى اللجوء إلى تاريخ النضال السياسي والاقتصادي للسكّان الأصليين وخصوصاً في ولاية تشياباس، حيث نجحت ثورة الزاباتيستا منذ منتصف التسعينيات في سنّ قوانين نسويّة وجعلها من أركان الحكم الذاتي للسكّان الأصليين. وتضمن هذه القوانين للنساء حقوقاً مدنيّة كمواطنات من الدرجة الأولى بعكس تعامل دولة المكسيك معهن كتابعات من الدرجة الثانية بسبب العنصرية تجاه كل ما هو أصلاني. |
| | | |
| يجب الإشارة إلى أنّ الأنطولوجيا اعتمدت أسلوب الحوار الشخصي، وذلك إيماناً من المؤلّف أن هذا النوع من التبادل بإمكانه توثيق شهادات شخصية تكشف عن التاريخ المعرفي للذّات الفاعلة لكلّ من النسويّات المشاركات وتعاملهن مع التوتّر القائم بين البحث المحارب والعمل الأكاديمي والنشاط النسوي. ويضيف لويس في مقدمة الأنطولوجيا أنّ قوّة الحوار وجهاً لوجه تكمن في قدرتها على كسر رتابة المونولچ الأكاديمي وقيود التحكيم التي تفرضها المجلّات الأكاديمية. بناءً عليه، يمنح الحوار فرصة للتأمّل المباشر في الأسئلة والاستبطان في سيرورة الإنتاج المعرفي لتصبح منهجية التفكير ذاتها صيرورة فعلية ومرجعية نسوية. ومن المهم الإشارة هنا أيضاً أنّ هذه الميزة المعرفية للحوار تجلّت في حوارٍ موازٍ مع المترجمة تقوى مَساعدة التي ترجمت حواري مع لويس من الإسبانية للعربية ببراعة وسلاسة فائقتين. تخلّلت عملية الترجمة مراسلات متواصلة بيننا للتداول في احتمالات المعنى الأدقّ لمفردات ومصطلحات إسبانية وليدة سياق استعماري محدّد لجغرافية الامبريالية الاسبانية مثل مفهوم "المسيتساخة" (Mestizaje) او التهجين العرقي، ولكن فيما يتعلّق بترجمة كلمة (Historia) في العنوان فقد آثرنا استخدام كلمة التاريخ بدلاً من المعاني الإضافية للكلمة مثل الحكاية أو القصّة، وذلك للتأكيد اللغوي على حقيقتين: "حكاية فلسطين بعدها ما خلصت" لأنّ التاريخ لم ينته بعد. ما زالت النساء من / في فلسطين يكتبن هذا التاريخ بكلّ فصوله وحكايته وقصصه. | | يجب الإشارة إلى أنّ الأنطولوجيا اعتمدت أسلوب الحوار الشخصي، وذلك إيماناً من المؤلّف أن هذا النوع من التبادل بإمكانه توثيق شهادات شخصية تكشف عن التاريخ المعرفي للذّات الفاعلة لكلّ من النسويّات المشاركات وتعاملهن مع التوتّر القائم بين البحث المحارب والعمل الأكاديمي والنشاط النسوي. ويضيف لويس في مقدمة الأنطولوجيا أنّ قوّة الحوار وجهاً لوجه تكمن في قدرتها على كسر رتابة المونولچ الأكاديمي وقيود التحكيم التي تفرضها المجلّات الأكاديمية. بناءً عليه، يمنح الحوار فرصة للتأمّل المباشر في الأسئلة والاستبطان في سيرورة الإنتاج المعرفي لتصبح منهجية التفكير ذاتها صيرورة فعلية ومرجعية نسوية. ومن المهم الإشارة هنا أيضاً أنّ هذه الميزة المعرفية للحوار تجلّت في حوارٍ موازٍ مع المترجمة تقوى مَساعدة التي ترجمت حواري مع لويس من الإسبانية للعربية ببراعة وسلاسة فائقتين. تخلّلت عملية الترجمة مراسلات متواصلة بيننا للتداول في احتمالات المعنى الأدقّ لمفردات ومصطلحات إسبانية وليدة سياق استعماري محدّد لجغرافية الامبريالية الاسبانية مثل مفهوم "المسيتساخة" (Mestizaje) او التهجين العرقي، ولكن فيما يتعلّق بترجمة كلمة (Historia) في العنوان فقد آثرنا استخدام كلمة التاريخ بدلاً من المعاني الإضافية للكلمة مثل الحكاية أو القصّة، وذلك للتأكيد اللغوي على حقيقتين: "حكاية فلسطين بعدها ما خلصت" لأنّ التاريخ لم ينته بعد. ما زالت النساء من / في فلسطين يكتبن هذا التاريخ بكلّ فصوله وحكايته وقصصه. |
سطر 39: |
سطر 39: |
| | | |
| | | |
− | "التاريخ الذي لم ينتهِ بعد"2 | + | === "التاريخ الذي لم ينتهِ بعد"<ref> حوار أُجري في بروكسل في ٢٩ آذار ٢٠١٨. ترجمته من الإسبانية تقوى مَساعدة.</ref> === |
| | | |
| | | |
| | | |
− | هل يمكنك أن تحدّثينا عن مسيرتك كأكاديميّة ومحاربة؟ كيف تكوّنت هاتان المسيرتان؟ | + | '''هل يمكنك أن تحدّثينا عن مسيرتك كأكاديميّة ومحاربة؟ كيف تكوّنت هاتان المسيرتان؟''' |
| | | |
| لستُ متيقّنة من كوني محاربة، ففئة المحاربات تذكّرني بالمناضِلات المسلّحات أو الرفيقات اللواتي ضحّين بالكثير ليتمكّنَّ من الوقوف في وجه النظام. أما أنا فأعمل في وظيفة جيّدة وأتمتّع برفاهيّة أن أعيش حياةً مريحةً كما هي حياتي كأستاذةٍ جامعية في مؤسسة أكاديميّة متميّزة. إلّا أنني كبرتُ في حيّ أهله من الطبقة العاملة، ويشكِّل إحساسي بالطبقة المُهَمَّشة القاعدة التي ينطلق منها فكري السياسيّ. يتعيّن عليّ يوميّاً أن أتعامل مع التوتّر بين الوعي الاجتماعيّ والطموحات الرأسماليّة لنظامٍ أكاديميّ أبيض، يسخّر كلّ ما هو محارب لصالحه، بما في ذلك خطاب المقهورين. | | لستُ متيقّنة من كوني محاربة، ففئة المحاربات تذكّرني بالمناضِلات المسلّحات أو الرفيقات اللواتي ضحّين بالكثير ليتمكّنَّ من الوقوف في وجه النظام. أما أنا فأعمل في وظيفة جيّدة وأتمتّع برفاهيّة أن أعيش حياةً مريحةً كما هي حياتي كأستاذةٍ جامعية في مؤسسة أكاديميّة متميّزة. إلّا أنني كبرتُ في حيّ أهله من الطبقة العاملة، ويشكِّل إحساسي بالطبقة المُهَمَّشة القاعدة التي ينطلق منها فكري السياسيّ. يتعيّن عليّ يوميّاً أن أتعامل مع التوتّر بين الوعي الاجتماعيّ والطموحات الرأسماليّة لنظامٍ أكاديميّ أبيض، يسخّر كلّ ما هو محارب لصالحه، بما في ذلك خطاب المقهورين. |
سطر 77: |
سطر 77: |
| وجدتُ الكثير من نفسي في صوتها، وفكّرت: "إنه صوتي، إنّها ذاتي الأُخرى". الحقيقة أنّ لي ذاتين أخريين من المكسيك: فريدا كالو وغلوريا آنزالدوا. وجدتُ الكثير من نفسي في فريدا كالو بسبب إعاقتي الجسدية ورؤيتي الفنيّة، وفي آنزالدوا لأننا عشنا تجارب متشابهةً كذاتين تقاطعتا مع الحدود. في رسالتي للماجستير في الأدب المقارن تناولت نصوص آنزالدوا والكاتب الفلسطيني إميل حبيبي. | | وجدتُ الكثير من نفسي في صوتها، وفكّرت: "إنه صوتي، إنّها ذاتي الأُخرى". الحقيقة أنّ لي ذاتين أخريين من المكسيك: فريدا كالو وغلوريا آنزالدوا. وجدتُ الكثير من نفسي في فريدا كالو بسبب إعاقتي الجسدية ورؤيتي الفنيّة، وفي آنزالدوا لأننا عشنا تجارب متشابهةً كذاتين تقاطعتا مع الحدود. في رسالتي للماجستير في الأدب المقارن تناولت نصوص آنزالدوا والكاتب الفلسطيني إميل حبيبي. |
| | | |
− | درستُ لاحقاً خلال مرحلة الدكتوراه حالة ولاية تشياباس جنوب المكسيك، فبينما كنت أتعمّق في أعمال آنزالدوا وأدرس الصراع في تشياباس، أدركت أنّ هنالك تشابهاً بين ذلك الصراع وبين الصراع في فلسطين: عنف الدولة، ومسألة النضال من أجل الأرض، ومسألة الحدود. أدركت أنّ مشكلة الأرض أساسيّةٌ في تشياباس كما هي في فلسطين. في السبعينيّات، حدث إضرابٌ مهمّ جدّاً في فلسطين للمطالبة بكلّ الأراضي المسروقة، لكن الدولة ردّت على المطالب بمذبحة، ماذا يحدث عندما يطالب الناس بأرضهم؟ كيف نواجه الدولة الاستعماريّة؟ تبرز حينها قضايا مثل الحكم الذاتي والعرق. لاحظتُ هناك أنّ التاريخ لم ينتهِ بعد، ونحن لسنا في ما يُسمّى الآن بفترة "ما بعد الاستعمار". حاليّاً، هُنالك أشكال من الاستعمار الداخلي. فلسطين وتشياباس هما الدليل على أن الاستعمار لم ينتهِ بعد. | + | درستُ لاحقاً خلال مرحلة الدكتوراه حالة ولاية تشياباس جنوب المكسيك، فبينما كنت أتعمّق في أعمال [[غلوريا آنزالدوا|آنزالدوا]] وأدرس الصراع في تشياباس، أدركت أنّ هنالك تشابهاً بين ذلك الصراع وبين الصراع في فلسطين: عنف الدولة، ومسألة النضال من أجل الأرض، ومسألة الحدود. أدركت أنّ مشكلة الأرض أساسيّةٌ في تشياباس كما هي في فلسطين. في السبعينيّات، حدث إضرابٌ مهمّ جدّاً في فلسطين للمطالبة بكلّ الأراضي المسروقة، لكن الدولة ردّت على المطالب بمذبحة، ماذا يحدث عندما يطالب الناس بأرضهم؟ كيف نواجه الدولة الاستعماريّة؟ تبرز حينها قضايا مثل الحكم الذاتي والعرق. لاحظتُ هناك أنّ التاريخ لم ينتهِ بعد، ونحن لسنا في ما يُسمّى الآن بفترة "ما بعد الاستعمار". حاليّاً، هُنالك أشكال من الاستعمار الداخلي. فلسطين وتشياباس هما الدليل على أن الاستعمار لم ينتهِ بعد. |
| | | |
| قرّرتُ فعلاً أن أسافر إلى تشياباس لأرى ما كان يجري هناك، وفي وقت لاحق، كتبت رسالة الدكتوراه: "كتابة الأصلانيّ: أدب المايا المعاصر في تشياباس – المكسيك، والأدب الفلسطينيّ في إسرائيل". من الواضح أنّ هناك اختلافات ثقافيّة وتاريخيّة. ومع ذلك أعتقد أنّ دراسة هذه الظواهر من منظورٍ مقارن فيها فائدة كبيرة جدّاً، فممّا لا شكّ فيه أنّ هذه التجربة جعلتني أتجاوز حدود الدول وحدود نموذج الاستعمار. | | قرّرتُ فعلاً أن أسافر إلى تشياباس لأرى ما كان يجري هناك، وفي وقت لاحق، كتبت رسالة الدكتوراه: "كتابة الأصلانيّ: أدب المايا المعاصر في تشياباس – المكسيك، والأدب الفلسطينيّ في إسرائيل". من الواضح أنّ هناك اختلافات ثقافيّة وتاريخيّة. ومع ذلك أعتقد أنّ دراسة هذه الظواهر من منظورٍ مقارن فيها فائدة كبيرة جدّاً، فممّا لا شكّ فيه أنّ هذه التجربة جعلتني أتجاوز حدود الدول وحدود نموذج الاستعمار. |
سطر 86: |
سطر 86: |
| | | |
| | | |
− | | + | '''أنت متخصصة في الأدب المقارن وإحدى كاتباتك المُفَضَّلات هي عالِمة الاجتماع المغربيّة فاطمة المرنيسي، التي لسوء الحظ لم تُقَدَّر أعمالها بحقّ. ما هو دور الفنّ بشكلٍ عام أو دور الأدب بشكلٍ خاصّ في عمليّات إعادة بناء الروابط الاجتماعيّة؟''' |
− | أنت متخصصة في الأدب المقارن وإحدى كاتباتك المُفَضَّلات هي عالِمة الاجتماع المغربيّة فاطمة المرنيسي، التي لسوء الحظ لم تُقَدَّر أعمالها بحقّ. ما هو دور الفنّ بشكلٍ عام أو دور الأدب بشكلٍ خاصّ في عمليّات إعادة بناء الروابط الاجتماعيّة؟ | |
| | | |
| يتجلّى الفن في مساحةٍ رمزيّة. يمكن للفن رصد وتجسيد تاريخ آخر من خلال الاستعارة والسرديّات الأخرى والذكريات والأساطير. يوجد في الأدب الفلسطيني مفهوم دقيقٌ جدّاً هو "التشاؤل". هو مفهوم استخدمه إميل حبيبي في إحدى رواياته التي حملت عنوان "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" والتي تتحرّك في فضاءٍ ثالث على الحدود بين ماضي الشّعوب الأصلانيّة والحاضر الاستعماريّ. يرسم الخطوط العريضة لمفارقة المحو. في الأدب، في كلٍّ من تشياباس وفلسطين، وخاصّة في أعمال النساء، يمكننا ملاحظة المساحات الهرميّة، وليس ذلك فحسب بل يمكننا ملاحظة تقاطع أشكال مختلفة من الاضطهاد: العنصريّ والطبقيّ والجندريّ. وهذا لا يُلاحَظ في الأدب فحسب (حيث يكون مفهوم الحدود حاضراً دائماً) ولكن أيضًا في مسيرة الكاتبات. في الفنّ، باعتباره شكلاً من أشكال التعبير والتمثيل والمجاز، يمكننا التقاط أشكال مختلفة رمزية أو سيميائية لوصف أشكال مختلفة من الوجود والكينونة. تكمن إمكانات الفن في قدرته على تخيُّلِ عالمٍ آخر وبالتالي يمكنه أن يزعج النظام. من المثير للاهتمام ملاحظة ظاهرة الأدب المكتوب بلغة المايا لأنها تُظهرُ مساحةً من مقاومة الاستعمار. كما يسترعي الاهتمام أن نتساءل عن نوع الفلسفة الكامنة وراء هذه اللغة: ما هو مفهومُ الزمان والمكان في هذه الّلغة الحديثة المكتوبة بأحرفٍ لاتينيّة وما زالت تحافظ على فلسفات المخطوطات المرسومة يدوياً (كوديكس) قبل العهد الإسبانيّ؟ نلاحظ هنا أهمية الفنّ لأنّه يمكّننا من فهم قصص ومعارف أخرى عن عوالم أخرى، بطرق نظنّ أنّها قد اختفت ولكنها ما تزال موجودة. | | يتجلّى الفن في مساحةٍ رمزيّة. يمكن للفن رصد وتجسيد تاريخ آخر من خلال الاستعارة والسرديّات الأخرى والذكريات والأساطير. يوجد في الأدب الفلسطيني مفهوم دقيقٌ جدّاً هو "التشاؤل". هو مفهوم استخدمه إميل حبيبي في إحدى رواياته التي حملت عنوان "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" والتي تتحرّك في فضاءٍ ثالث على الحدود بين ماضي الشّعوب الأصلانيّة والحاضر الاستعماريّ. يرسم الخطوط العريضة لمفارقة المحو. في الأدب، في كلٍّ من تشياباس وفلسطين، وخاصّة في أعمال النساء، يمكننا ملاحظة المساحات الهرميّة، وليس ذلك فحسب بل يمكننا ملاحظة تقاطع أشكال مختلفة من الاضطهاد: العنصريّ والطبقيّ والجندريّ. وهذا لا يُلاحَظ في الأدب فحسب (حيث يكون مفهوم الحدود حاضراً دائماً) ولكن أيضًا في مسيرة الكاتبات. في الفنّ، باعتباره شكلاً من أشكال التعبير والتمثيل والمجاز، يمكننا التقاط أشكال مختلفة رمزية أو سيميائية لوصف أشكال مختلفة من الوجود والكينونة. تكمن إمكانات الفن في قدرته على تخيُّلِ عالمٍ آخر وبالتالي يمكنه أن يزعج النظام. من المثير للاهتمام ملاحظة ظاهرة الأدب المكتوب بلغة المايا لأنها تُظهرُ مساحةً من مقاومة الاستعمار. كما يسترعي الاهتمام أن نتساءل عن نوع الفلسفة الكامنة وراء هذه اللغة: ما هو مفهومُ الزمان والمكان في هذه الّلغة الحديثة المكتوبة بأحرفٍ لاتينيّة وما زالت تحافظ على فلسفات المخطوطات المرسومة يدوياً (كوديكس) قبل العهد الإسبانيّ؟ نلاحظ هنا أهمية الفنّ لأنّه يمكّننا من فهم قصص ومعارف أخرى عن عوالم أخرى، بطرق نظنّ أنّها قد اختفت ولكنها ما تزال موجودة. |
سطر 109: |
سطر 108: |
| | | |
| | | |
− | هل يمكنك أن تعطينا لمحةً سريعة عن مشهد النسويّة العربيّة العابرة للحدود؟ | + | '''هل يمكنك أن تعطينا لمحةً سريعة عن مشهد النسويّة العربيّة العابرة للحدود؟''' |
| | | |
− | أعتقد أنّ النسويّة وصلت إلى العالم الثالث من خلال الحركات الوطنيّة كما جرى في أميركا اللاتينيّة. يبدو لي أنّ أغلب النسويّات في العالم العربي من الجيل الأول، ركّزنَ في المقام الأوّل على قضية النوع الاجتماعي داخل إطار القوميّة. | + | أعتقد أنّ [[النسوية|النسويّة]] وصلت إلى العالم الثالث من خلال الحركات الوطنيّة كما جرى في أميركا اللاتينيّة. يبدو لي أنّ أغلب النسويّات في العالم العربي من الجيل الأول، ركّزنَ في المقام الأوّل على قضية النوع الاجتماعي داخل إطار القوميّة. |
| | | |
− | يمكننا القول إنّ هذا ما جرى في عقد السبعينيّات أثناء توطيد القوميّة في الدول العربيّة التي كانت حديثة التكوّن بشكلها القوميّ. لا يمكننا تجاهل دور المرأة المصريّة في العشرينيّات في مؤتمر نساء العالم الذي عُقِدَ في روما، أو تجاهل دور هدى شعراوي (١٨٧٩-١٩٤٧)، التي أسّست الاتحاد النسائيّ المصريّ، ودور سيزا نبراوي (١٨٧٩-١٩٥٨). نسويّات مصريّات كنّ جزءاً من جبهة وطنيّة معادية للاستعمار. إذا تحدّثنا عن النسويّة العربيّة العابرة للحدود، فيمكن ربطها بحركات العالم الثالث خلال الستينيّات. يبدو لي أن الطموحات وحّدتهن أكثر مما وحّدهنّ الحوار. | + | يمكننا القول إنّ هذا ما جرى في عقد السبعينيّات أثناء توطيد القوميّة في الدول العربيّة التي كانت حديثة التكوّن بشكلها القوميّ. لا يمكننا تجاهل دور المرأة المصريّة في العشرينيّات في مؤتمر نساء العالم الذي عُقِدَ في روما، أو تجاهل دور هدى شعراوي (١٨٧٩-١٩٤٧)، التي أسّست الاتحاد النسائيّ المصريّ، ودور [[سيزا نبراوي]] (١٨٧٩-١٩٥٨). نسويّات مصريّات كنّ جزءاً من جبهة وطنيّة معادية للاستعمار. إذا تحدّثنا عن النسويّة العربيّة العابرة للحدود، فيمكن ربطها بحركات العالم الثالث خلال الستينيّات. يبدو لي أن الطموحات وحّدتهن أكثر مما وحّدهنّ الحوار. |
| | | |
− | تأثير الكاتبات العربيّات أكثر وضوحاً حاليّاً. فاطمة المرنيسي (١٩٤٠- ٢٠١٥) مثلاً، التي كتبت كثيراً عن الإسلام كان أثرها أكبر خارج الحدود، ونفس الكلام ينطبق على الكاتبة الجزائريّة آسيا جبار، فقد كان لرواياتها وكتاباتها الإثنية أثرٌ على حياة النساء في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسيّ والثورة الجزائريّة. خلقت كتاباتها تحوّلاً في أدب ما بعد الاستعمار في العالم الفرنكوفوني والعربيّ. | + | تأثير الكاتبات العربيّات أكثر وضوحاً حاليّاً. [[فاطمة المرنيسي]] (١٩٤٠- ٢٠١٥) مثلاً، التي كتبت كثيراً عن الإسلام كان أثرها أكبر خارج الحدود، ونفس الكلام ينطبق على الكاتبة الجزائريّة [[آسيا جبار]]، فقد كان لرواياتها وكتاباتها الإثنية أثرٌ على حياة النساء في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسيّ والثورة الجزائريّة. خلقت كتاباتها تحوّلاً في أدب ما بعد الاستعمار في العالم الفرنكوفوني والعربيّ. |
| | | |
− | من ناحية أخرى، أعتقد أن النسويّات الفلسطينيّات يسهمن بشكلٍ كبير في بناء هذه النسويّة العابرة الحدود، لأنّ فلسطين تُعتبر قضيّة عابرةً للحدود من الدرجة الأولى. أعتقد أنه ونتيجةً للشتات فإنّ هنالك حواراً بين الفلسطينيّات الموجودات في الخارج. هناك حاجة إلى بناء وتعزيز هذا الحوار مع تيّار النسويّة السوداء والنسويات في جنوب أفريقيا، ومع نسويّات الشعوب الأصليّة للولايات المتحدة وأميركا اللاتينيّة، ومع النّساء المهاجرات في أوروبا، إلخ... ومع ذلك، لا بدّ من القول أنّ هذا الحوار لا يزال يدور داخل حدود الفضاء الأكاديميّ. | + | من ناحية أخرى، أعتقد أن النسويّات الفلسطينيّات يسهمن بشكلٍ كبير في بناء هذه النسويّة العابرة الحدود، لأنّ فلسطين تُعتبر قضيّة عابرةً للحدود من الدرجة الأولى. أعتقد أنه ونتيجةً للشتات فإنّ هنالك حواراً بين الفلسطينيّات الموجودات في الخارج. هناك حاجة إلى بناء وتعزيز هذا الحوار مع تيّار [[نسوية سوداء|النسويّة السوداء]] والنسويات في جنوب أفريقيا، ومع نسويّات الشعوب الأصليّة للولايات المتحدة وأميركا اللاتينيّة، ومع النّساء المهاجرات في أوروبا، إلخ... ومع ذلك، لا بدّ من القول أنّ هذا الحوار لا يزال يدور داخل حدود الفضاء الأكاديميّ. |
| | | |
| نحتاج إلى تعزيز البُعد العابر للحدود لهذا الحوار من خلال بناء قواعد إجتماعية وناشطات نسويّة تخترق الحدود. على سبيل المثال لا الحصر، يمكنني أن أذكر حالة مغنية الراب الفلسطينيّة البريطانيّة شادية منصور التي تعاونت مع مغنّية الراب التشيليّة آنا تيجو في أغنية "نحن الجنوب". هذه الأغنية نشيدٌ نسوي للتعبير عن التضامن بين الشعوب الأصلانية في الجنوب العالميّ. مثال آخر من الفضاء الأكاديمي هي النسويّة الفلسطينيّة رباب عبد الهادي، وهي أستاذة وباحثة في الدراسات الإثنية في سان فرانسيسكو، وقد عملت أيضاً على موضوع بورتوريكو ونظّمت تبادلات أكاديميّة وورش عمل بين نسويّات من السكّان الأصليين واللاتينيّات في الولايات المتحدة مع نسويّات فلسطينيّات. | | نحتاج إلى تعزيز البُعد العابر للحدود لهذا الحوار من خلال بناء قواعد إجتماعية وناشطات نسويّة تخترق الحدود. على سبيل المثال لا الحصر، يمكنني أن أذكر حالة مغنية الراب الفلسطينيّة البريطانيّة شادية منصور التي تعاونت مع مغنّية الراب التشيليّة آنا تيجو في أغنية "نحن الجنوب". هذه الأغنية نشيدٌ نسوي للتعبير عن التضامن بين الشعوب الأصلانية في الجنوب العالميّ. مثال آخر من الفضاء الأكاديمي هي النسويّة الفلسطينيّة رباب عبد الهادي، وهي أستاذة وباحثة في الدراسات الإثنية في سان فرانسيسكو، وقد عملت أيضاً على موضوع بورتوريكو ونظّمت تبادلات أكاديميّة وورش عمل بين نسويّات من السكّان الأصليين واللاتينيّات في الولايات المتحدة مع نسويّات فلسطينيّات. |
سطر 125: |
سطر 124: |
| أريد أن أذكر أيضاً أنّ أعمال فاطمة المرنيسي كانت اكتشافاً رائعًا آخر بالنسبة لي. لقد غيّرتني. كانت تملك موهبة الكتابة على الورق عن النِّساء الأمِّيات وذاكرتهن الاجتماعيّة، وتمكّنت من تصوير نضال النساء في أعمالها دون الوقوع في فخّ الفضول الاستعماريّ مع أنّها إتُهمت بالاستشراق الذاتي. صحيح أنّها كانت تنتمي للطبقة العليا وكانت تعيش في قصر، ولكنّها كانت تملك أدوات سوسيولوجيّة مكّنتها من تفكيك الرموز الاجتماعية-الثقافية. كتبت عن الدين، وعن دور التلفزيون، وعن الديموقراطيّة. كتبها: "نساء على أجنحة الحلم: مذكّرات طفلة من الحريم"، و"شهرزاد تذهب للغرب: ثقافات مختلفة، حريم مختلف"، هي كتب سيرة ذاتيّة، وفي أحدها فصلٌ تتحدث فيه عن تمثيل المرأة في الفنّ في الشرق وفي الغرب. في الشرق تمثيل المرأة في الفن هو الاستبعاد: الحريم. لا تظهر النساء في الفضاء العامّ. في الفن الغربي، يتمّ رسم النساء كأشياء سلبيّة، صامتة على الدوام. بالنسبة لها، فإن هذا التمييز هو سمة من سمات الاستشراق الذي كان يتخيّل المرأة العربيّة دائماً على أنّها فريسة الحريم. | | أريد أن أذكر أيضاً أنّ أعمال فاطمة المرنيسي كانت اكتشافاً رائعًا آخر بالنسبة لي. لقد غيّرتني. كانت تملك موهبة الكتابة على الورق عن النِّساء الأمِّيات وذاكرتهن الاجتماعيّة، وتمكّنت من تصوير نضال النساء في أعمالها دون الوقوع في فخّ الفضول الاستعماريّ مع أنّها إتُهمت بالاستشراق الذاتي. صحيح أنّها كانت تنتمي للطبقة العليا وكانت تعيش في قصر، ولكنّها كانت تملك أدوات سوسيولوجيّة مكّنتها من تفكيك الرموز الاجتماعية-الثقافية. كتبت عن الدين، وعن دور التلفزيون، وعن الديموقراطيّة. كتبها: "نساء على أجنحة الحلم: مذكّرات طفلة من الحريم"، و"شهرزاد تذهب للغرب: ثقافات مختلفة، حريم مختلف"، هي كتب سيرة ذاتيّة، وفي أحدها فصلٌ تتحدث فيه عن تمثيل المرأة في الفنّ في الشرق وفي الغرب. في الشرق تمثيل المرأة في الفن هو الاستبعاد: الحريم. لا تظهر النساء في الفضاء العامّ. في الفن الغربي، يتمّ رسم النساء كأشياء سلبيّة، صامتة على الدوام. بالنسبة لها، فإن هذا التمييز هو سمة من سمات الاستشراق الذي كان يتخيّل المرأة العربيّة دائماً على أنّها فريسة الحريم. |
| | | |
− | لكنّها أصرّت أننا إذا أردنا التفكير في قضيّة النوع الاجتماعيّ فإنّه يتوجّب علينا أن نحارب من أجل مشاركة المرأة في الفضاء العام. يمكن لفاطمة المرنيسي أن تقدّم تفسيراتٍ ممتازة من خلال الخطاب الأيقوني. كما أنّها كتبت كتاباً ممتازاً عن الحجاب. ومع ذلك، فإن بعض الأوساط التي لا تتفق مع أُطروحاتها سخرت منها، قائلةً إنها ليست مختّصة في العلوم الدينيّة، واختزلت عملها ببضعة تعليقات سوسيولوجيّة أو أنثروبولوجية بسيطة. مع ذلك، فقد احتفتِ النّسويّات العربيّات بأعمالها لأنها فتحت باب النقاش في قضية الحجاب الاجتماعيّة. كان عملها متعدّد التّخصصات بحقّ لأنه لم يبخل في التعبير عن التاريخ وعلم الاجتماع واللاهوت. على مستوى الإبداع الأدبيّ، فإنّ أعمال فاطمة المرنيسي مثيرة للإعجاب: صورها، وموضوعاتها، وأسلوبها. أعتقد أنّنا يمكن أن نسجّل أعمالها على دربِ نسويّةٍ أدبيّة. | + | لكنّها أصرّت أننا إذا أردنا التفكير في قضيّة [[النوع الاجتماعي|النوع الاجتماعيّ]] فإنّه يتوجّب علينا أن نحارب من أجل مشاركة المرأة في الفضاء العام. يمكن لفاطمة المرنيسي أن تقدّم تفسيراتٍ ممتازة من خلال الخطاب الأيقوني. كما أنّها كتبت كتاباً ممتازاً عن الحجاب. ومع ذلك، فإن بعض الأوساط التي لا تتفق مع أُطروحاتها سخرت منها، قائلةً إنها ليست مختّصة في العلوم الدينيّة، واختزلت عملها ببضعة تعليقات سوسيولوجيّة أو أنثروبولوجية بسيطة. مع ذلك، فقد احتفتِ النّسويّات العربيّات بأعمالها لأنها فتحت باب النقاش في قضية الحجاب الاجتماعيّة. كان عملها متعدّد التّخصصات بحقّ لأنه لم يبخل في التعبير عن التاريخ وعلم الاجتماع واللاهوت. على مستوى الإبداع الأدبيّ، فإنّ أعمال فاطمة المرنيسي مثيرة للإعجاب: صورها، وموضوعاتها، وأسلوبها. أعتقد أنّنا يمكن أن نسجّل أعمالها على دربِ نسويّةٍ أدبيّة. |
| + | |
| + | ==هوامش== |