تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أنشؤوا الصفحة بالمحتوى:'{{بيانات_وثيقة |نوع الوثيقة=مقالة رأي |العنوان=وثيقة: النسوية الإلغائية في فلسطين...'
{{بيانات_وثيقة
|نوع الوثيقة=مقالة رأي
|العنوان=وثيقة: النسوية الإلغائية في فلسطين
|مؤلف= فاطمة م. علي
|محرر=
|لغة= ar
|ترجمة=
|المصدر= نحو وعي نسوي
|تاريخ النشر= 21/02/2019
|تاريخ الاسترجاع= 14/05/2023
|مسار الاسترجاع= https://feministconsciousnessrevolution.wordpress.com/2023/01/21/النسوية-الإلغائية-في-فلسطين/
}}
===الاستعمار الساعي للمحو \ الإلغاء والنسوية الإلغائية===

يُعرف باتريك وولف الكولونيالية الاستيطانية بأنها تحمل منطق المحو/الإلغاء البنيوي الممنهج، أي أنها ليست حدثًا يحصل لمرة واحدة فقط وينتهي، ولكنها منظومة مستمرة تهدف إلى المحو متعدد المستويات للسيطرة المستمرة على الأرض، فالاستعمار الاستيطاني يدمر ليحل، بدئًا بهدم البيوت والاستيلاء على الأراضي، وليس انتهاءً بالسعي طويل الأمد لمحو\إلغاء مجتمعات السكان الأصليين وأدواتها (وولف، 2006). وهذا يقودنا إلى سؤال، إلى أي مدى يكون مفيدًا لمجتمعات تقع تحت الاستعمار أن تلجأ إلى تأمين عدالتها من خلال نظام يسعى لإبادة المجتمع، وهو نفسه متورط في إدامة العنف وانتاجه ضدها، وعلى هذا الأساس تُنظّر الفلسفة النسوية الأصلانية (indigenous feminism) لمفهوم العنف ضد النساء على أنه مبني على أساس الجسد، ولكنها كذلك تحدد موقع الجسد كموقع أيديولوجي ثقافي مرتبط بالعلاقة بالأرض في منظومة الاستعمار (Dorries, Hargo، 2020) ففي المنظومة الاستعمارية، الجسد يحمل أيديولوجية الأرض وهما مستهدفان معًا.

وهذا ما يتقاطع به نضال النسوية الأصلانية، مع فلسفة النسوية الإلغائية التي ترى أن عنف المنظومة المتمثلة بالسجون والاعتقال، وكل ما يرتبط بها من مؤسسات سواء الشرطة أو القضاء، يعمل على إعادة إنتاج العنف ضد النساء وليس على تقليله، حيث ترى أنجيلا ديفيس، أنه لا يمكن فصل النسوية عن النضال المتعلق بإلغاء منظومة حكم السجون والمعتقلات وكل ما يتعلق بها، هذا لأن كل العنف الذي يتم إنتاجه داخل هذه المنظومة يقع أولًا وأخيرًا على النساء، إذ تجادل أن النساء لهن علاقة بأشخاص تم وضعهم خلف قضبان السجون بطريقة أو بأخرى ليعود هؤلاء الأشخاص ليمارسوا العنف ضدهن في عملية إعادة إنتاج مستمرة للعنف الذي يتم انتاجه كذلك ضمن هيكلية عنصرية بيضاء تستهدف مجتمعات السود والمجتمعات الأصلانية ( 2022, Davis, Dent, Meiners, Richie).

إذن العنف الفردي الممارس في المجتمع يتم انتاجه من العنف المؤسساتي وبهذا يكون العنف المؤسساتي متورطًا في إنتاج العنف الجندري ضد النساء وكيف إذا كان عنفًا مؤسساتي ذكوري واستعماري أيضًا؟ أي أن منظومة السجن والشرطة والدولة في فلسطين، وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال المباشرة بالأخص، هي بالحقيقة منظومة دولة الاستعمار الصهيوني، ولا يلجأ إليها المجتمع بالعموم لحل مشاكله، إذ يعد اللجوء لشرطة الاحتلال وصمة اجتماعية، وهي جزء من مقاومة المجتمع لمحاولات الاحتلال الرامية للسيطرة عليه ومحو أدواته، فكيف يمكن للنساء التعامل مع واقع استعماري مؤسساتي وكذلك واقع مجتمعي ذكوري لا يتوقف عن معاداة الحراك النسوي ووصمه؟

تنظر فلسفة النسوية الإلغائية لأهمية التقاطعية بالنضال، وتقاطع منظومات العنف المؤسساتي الذكوري هذه التي تتعدد تركيباتها في السياق الموجودة فيه، كالسياق الاستعماري في فلسطين، فحسب ديفيس يتقاطع نضال النسوية الإلغائية مع نضال النسوية الفلسطينية لرؤية الأخيرة لعملية تفكيك المنظومة الاستعمارية الصهيونية جزءًا أساسيًا ورئيسيًا بالتحرر النسوي في جوهره بدءًا من “مؤتمر السيدات العربيات الفلسطينيات” الذي انطلق في أواخر عشرينيات القرن الماضي وليس انتهاءً بحراك “طالعات“. ولهذا تدعو النسوية الإلغائية لتقاطع الجهود مع النضال الفلسطيني ضد الاستعمار الصهيوني كتوجه يسعى لتوجيه النضال النسوي نحو المنظومات القاهرة متعددة المستويات (2022, Davis, Dent, Meiners, Richie).

تتعارض فلسفة النسوية الإلغائية بشكل صارخ مع رؤية النسوية العقابية، التي تؤمن بالعقاب كأداة ناجعة للرد على العنف، فتدعو لتوسيع المراقبة والشرطة وأداة الحبس والاعتقال كَرَد وأداة أساسية للتغلب على العنف ضد المرأة، والتي تعتمد على تجريم الجاني لتعزز من الجانب العقابي، وهذا ما لا يمكن تقبله في الواقع الفلسطيني، لارتباط منظومة الاعتقال بالدولة الاستعمارية الصهيونية في فلسطين، والذي سيعمل بالضرورة على وقوع النضال النسوي في الجهة المعادية للنضال الوطني، حيث يعتبرها عموم الناس خيانة للمجتمع، وللوطن بتسليم رجاله إلى أعدائه، وبالتالي استمرار وصم الحراك النسوي وربطه بأدوات الاستعمار. إلى جانب عدم فعالية المنظومة العقابية لشرطة الاحتلال، نتيجة استخفاف الأخيرة بشكاوى النساء وربطها بعادات وتقاليد وثقافة المجتمع، وتواطؤ الشرطة مع الأنظمة العشائرية، فمثلًا في الحالات التي تتوجه فيها فتاة إلى شرطة الاحتلال طلبًا للحماية، توظف شرطة الاحتلال شبكة علاقاتها مع كبار العائلة أو الحمولة للتصالح والمشورة لحماية المرأة وإعادتها للعائلة ثم تقتل، وتتواطئ شرطة الاحتلال كذلك مع عصابات الإجرام المنتشرة في مجتمع الداخل الفلسطيني المحتل الذي ترتفع فيه جرائم القتل بوتيرة متسارعة.

في الوقت الذي تستلزم النسوية المناصرة للإلغاء، الرؤية السياسية لوضع العنف ضد المرأة ضمن سياقه السياسي المكوَّن من مستويات مختلفة من الاضطهاد البنيوي الموجه، الذي يشكله العنف المؤسسي من هياكل أيديولوجية للنظام الأبوي والعنصري الأبيض و الاستعماري ( 2022, Davis, Dent, Meiners, Richie)، فهي تكون أقرب للسياق الفلسطيني.

يُحلل مصطفى حجازي عملية إعادة إنتاج العنف من خلال منظور علم النفس المجتمعي، الذي يضع عدسة تراكيب السياق المتعددة ضمن إطار تحديد وتعريف المشاكل النفسية، فيُعرف الإنسان الذي عانى من تبعات الاستعمار والأنظمة العنيفة، بالمقهور الواقع تحت سلطات القهر المتعددة التي تعمل على إنتاج عوامل قهره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي متسببة في إنتاج معاناته من عقد النقص، وعقد العار والتي يعدها تتمة طبيعية لعقد النقص لدى الإنسان المقهور الذي يخجل من ذاته وهو في حالة دفاع دائم ضد افتضاح أمره (مهووس بالسمعة) ويخشى أن ينكشف باستمرار فيتمسك بمظهره الخارجي، إذ أن همه الأول هو اجتياز الامتحان باحتفاظه بالسترة ويعتبر نظرة الآخرين و تعليقاتهم أمرًا مهددًا لمكانته الركيكة واعتباره الذاتي، فحسب حجازي هذا الرجل المقهور يُسقط كل عقد العار التي لديه على المرأة التي يعتبرها بدوره موطن الضعف والعيب، ويربط شرفه كليًا بها، ولأنه لا يشعر أنه يستطيع مجابهة العالم الخارجي يصب على المرأة، كل مشاعر العار والضعف والعجز والرضوخ، فكل ما يمارسه عليه العالم الخارجي يعود فيمارسه على زوجته ونساء أسرته (حجازي، 2005) وبهذا يتم إنتاج العنف ضد النساء في فلسطين ضمن هذه التركيبة المعقدة من المنظومة الأبوية الذكورية، ومن هيكلية الاستعمار العنيفة الساعية للمحو المستمر.

===سردية الاستعمار والسردية المضادة===

تتحدث النسوية الأصلانية عن أن غياب سردية الاستعمار تجعلنا عالقين مع سردية (الخراب)، أي أننا كمجتمعات مستعمَرة عندما تغيب عن أذهاننا سردية الاستعمار في المواجهة اليومية، سنقع فريسة لسردية الخراب التي يُصدّرها المستعمِر إلى أذهاننا باستمرار، أي أننا مجتمعات فاسدة غير قادرة على إدارة شؤونها وحدها (Dorries, Hargo، 2020) فيقدم الاستعمار نفسه كمنقذ للنساء من ثقافة المجتمعات المُستعمَرة الموصومة بالتخلف والخراب، ليعمل على حيازة الخطاب النسوي وإعادة إنتاجه في منظومته الاستعمارية. ولهذا تدعو النسوية الأصلانية إلى إنتاج سردية مضادة تضع سردية الاستعمار باستمرار في سياقاتها اليومية، و تضع النساء في إطار أيديولوجي منتمي لإطار عائلي مجتمعي أممي (Dorries, Hargo، 2020)، وفي حالة المجتمع الفلسطيني، فإننا بحاجة إلى إعادة إنتاج قيمي لرؤية مجتمعاتنا بعدسات نسوية قادرة على إبداع وخلق وتجديد أدواتها لتفكيك المنظومات الذكورية القاهرة ومنظومات الاستعمار الصهيوني الساعية لاستهداف الجسد لفلسطينيته، في عملية متوازية لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وحتى لا يتم استغلال المنظومة الاستعمارية لواقع النساء كأداة ضد المجتمع و محاولة إخراج المرأة من فلسطينيتها، ووصم ثقافة المجتمع بـ”الخراب”.

===نظام العدالة النسوية البديلة===

سعت العديد من المجتمعات إلى محاولة خلق أنظمة عدالة بديلة عن نظام الشرطة والاعتقال، ضمن أطر أدوات السياق، لتعمل على تجديدها وتطويرها. إن هذا السعي إلى خلق الأنظمة البديلة، جاء نتيجة عجز نظام السجن والشرطة العنيفة عن حل المشاكل بل عملت على تفاقمها وازدياد أعداد المعتقلين وتضخمها وهذا ما تدعو إليه النسوية الإلغائية حيث تطالب بنسف المنظومة كاملة دون الدعوة إلى إجراء أي تصليحات داخلية ليبرالية، بل إلى إلغاء جذري كامل، وهو ما سيعمل على فتح المجال أمام تصنيف المشكلات وتقديم الحلول المناسبة لها، بدًلا من زجْ وإقحام عقوبة الحبس لكافة أنواع المشاكل دون تمييز( 2022, Davis, Dent, Meiners, Richie).

يعرض كتاب The revolution starts at home قصص واستراتيجيات لمحاولة إعادة السيطرة للمجتمعات والعائلات لبناء نظام المحاسبة المجتمعي، بعيدًا عن سياسات الدولة العقابية العنصرية الطبقية الغير مجدية، وإذ نحن كفلسطينيات/يين واقعات/ون تحت الاستعمار الذي يسعى بكل سياساته إلى السيطرة والقضاء على المجتمع، فإن العودة لأدوات المجتمع القادرة على تحقيق العدالة من أهم السبل الرامية إلى التحرر، إذ كيف يمكن بناء حركة تحررية دون وجود قواعد مجتمعية قادرة على تشبيك المجتمع والحفاظ على تواصله وتكوينه، فمثلًا نستطيع أن نطرح تساؤلاتنا النسوية عن النظام العشائري، كيف فقدت هذه الاداة المجتمعية قدرتها على إحقاق العدالة، وكيف يطرح النضال النسوي رؤيته لها على أسس نسوية؟ ويعيد بنائها وتجديدها ليعيد السيطرة عليها!

في مقالة Some strategies from the field في الكتاب السابق ذكره، تتحدث الكاتبة عن استراتيجيات اختارها أصحابها للتعامل من خلالها مع المشاكل التي واجهوها، بعيدًا عن أدوات الدولة العنيفة، وقد اقترحت ثلاثة أسئلة لا بد من طرحها لكي نعرف كيف يمكن التصرف مع المعتدي، وهي :

1- ماذا يحتاج الناجي\ة ليشعر أنه آمن؟ (الاجابة محتملة التغير مع الوقت) من الممكن أن تتضمن، أن يمشي أحد معي بالطريق، أو أن يترك المعتدي منصبه!

2- مَنْ حلفاء الناجي\ة؟ من سيستمع إلى المعتدي؟

3- ما الذي يعطيه المعتدي أهمية؟ العمل؟ البيت؟ أن يبقى خارج السجن؟

وعلى أساس هذه الأسئلة تم تقديم الاستراتيجيات المقترحة في القصص المذكورة. في أحد القصص التي كان المعتدي (شريك سابق ) يرسل ابتزازات جنسية للناجية التي هي ناشطة مجتمعية، قامت بتوقيع عريضة من 40 شخص مؤثر في السياق الاجتماعي المشترك، على أنه إذا تم تكرار العمل المؤذي سيتم الرد عليه من قبلهم جميعًا، وبعد ذلك لم يعاود المعتدي الاتصال بها مجددًا.

وعلى هذا فإننا بحاجة إلى إعادة توطيد قنوات التواصل في المجتمع لإعادة بناء هذه الشبكات والخلايا الاجتماعية على أسس نسوية تحررية تؤسس لنضال تحرري من الاستعمار ومن العنف الذكوري المؤسساتي.

إن محاولة خلق البديل الثوري في السياق الفلسطيني، لا يمكن أن نفكر بها بمعزل عن السياق الاستعماري الصهيوني، وفي حين ستؤسس هذه الخلايا الاجتماعية لنواة أنظمة عدالة بديلة، فهي كذلك تؤسس لنواة عمل ثوري تحرري من الاستعمار. في مقالة مثيرة للاهتمام تم نشرها في مجلة الأخبار اللبنانية في عام ١٩٧٣ وأعيد نشرها على مدونة إلكترونية فلسطينية حديثًا ، تتحدث الكاتبة عن كيف حرر الدور الثوري للنساء في الثورة الفلسطينية من قيود المجتمع ومن أدوارها الجندرية.

إن إمتلاك العنف الثوري لمواجهة العنف الاستعماري الصهيوني في فلسطين ضرورة يُحتمها السياق للتعامل معها، لذلك يختلف مفهوم العنف الثوري عن مفهوم العنف الذي ينتجه الاستعمار ومؤسسات الدولة، الذي نحارب إعادة إنتاجه. قد جادل العديد من المنظرين في مفهوم العنف الثوري الذي يعمل القانون ومؤسسات الدولة على تشويهه وتجريمه، وبالضرورة مؤسسات دولة الاستعمار، التي تصف عنف المستعمَر بالمَرضي أو بالاضطراب والتشوّه النفسي، وليس فعلًا يعبر عن إرادة حرة بمواجهة منظومات عنيفة بالأساس (فانون، 2015)، حيث جادلت النسوية الإلغائية بعنف هذه المؤسسات. ويرى فانون أن عملية التغلب على الذات المضطهدة والمُستعمَرة هي عملية عنيفة بالضرورة (فانون، 2015)، وأن العنف الثوري هذا ليس هو العنف الفوضوي الذي لا يستند إلى أية قضايا إيمانية أو قيم أخلاقية (Anderson, 2007).

إن إعادة السيطرة على الأدوار الثورية للنضال ضد الاستعمار باختلاف تشكّلاته، هو الأداة الأبهى والأكثر قدرة على خلق مساحة بمفاهيم تحررية تستطيع دخول المجالات العامة بقوة، بثورية العنف وتسيسه وإخراج النضال النسوي من الهامش إلى المتن، ومن صوره النمطية إلى حقيقة مبتغاه الرامي إلى تحرير المجتمع بكافة أطيافه. إن النضال النسوي لا يمكن أن يحقق مبتغاه، دون الانخراط بكل ميادين النضال على تعدد وتشابك مستوياتها المعقدة، كما نظّرت بيل هوكس بأن الحركة النسوية هي حركة سياسية ثورية شاملة تسعى لتحرير الإنسان من كل أشكال الاضطهاد السياسي والاجتماعي ولكي لا يتم استغلالها من قبل قوى الاضطهاد والاستعمار ليتم إعادة إنتاج المنظومة (Hooks, 1982). فحين توجه النساء رصاصاتها لقلب الكيان الصهيوني، فإنها كذلك تمزق معها كل أدوارها الجندرية التي حوصرت فيها.

في ثورة زاباتيستا التي قادها الشعب في إقليم تشاباس جنوب المكسيك ضد الحكومة المكسيكية، أعلنت فيها الثورة مبادئ أساسية للتعامل مع النساء تضمنت المبادئ حق مشاركة النساء جميعًا دون تمييز في الثورة على قدر رغبتهن وقدرتهن على المشاركة، وتضمنت بنودًا تتعلق بحق التعليم وحق اختيار عدد الأطفال وحق العمل، التي قامت بكتابتها النساء خلال مشاركتها في الثورة الرامية إلى تحرير الأرض وحق الفلاحين في السيطرة على أراضيهم ضد السياسات النيوليبرالية، فقبل الثورة لم تكن النساء قادرات على امتلاك حياتهن وحقوقهن، الثورة عملت على تحقيق آمالهن في التحرر.

“طالعات” من الحراكات النسوية التي دعت إلى إعادة السيطرة على الأدوار الثورية للنضال ضد الاستعمار،ومن الحركات النسوية التي سعت إلى تقديم خطاب سياسي للحراك النسوي، وربط النضال النسوي في النضال ضد الاستعمار، والذي كان شعاره (لا وجود لوطن حر بدون نساء حرة)، لكنه مرة أخرى يقع في فخ ردود الفعل، وليس صناعة الفعل نفسه، حيث خرجت أول مظاهرة لحراك طالعات ردًا على جريمة قتل إسراء غريب، التي تواطئت فيها منظومة الشرطة الفلسطينية والقضاء في الضفة الغربية المحتلة مع القاتلين.

لكن بعدها تناقصت فعالية الحراك النسوي ككل رويدًا رويدًا، ليقع في فخ فقد الأدوات مرة أخرى، وليصبح حراكًا منغلقًا على دوائره.

إن ما مرّت به العزيزتان فاطمة ووسام في قطاع غزة المحاصر، يضعنا جميعًا أمام تساؤلات واقع العمل النسوي. إن قدرة الأب المختل على استغلال الخطاب الوطني وتحويل الخطاب النسوي لخطاب معادي للمجتمع، واستغلال الواقع السياسي والاستعماري في قطاع غزة يضع العمل النسوي في مأزق حقيقي، وتساؤل جدّي عن جدوى كل الأدوات التي اتبعها في نضاله، كاللجوء للمؤسسات الغير قادرة على تقديم أي مساعدة في هذا الواقع الاستعماري الأبوي العنيف، وغير قادرة على مواجهة لا سلطات المجتمع ولا سلطات الاستعمار، وضرورة تأطير قضية وسام وفاطمة مثلًا ضمن الإطار الاستعماري الذي يحاصر القطاع وكان سببًا مباشرًا في خلق طبقات من القهر العنيف على كاهل الفتيات.

إن محاولة خلق الأدوات البديلة في واقع العمل النسوي التي تعتمد بشكل أساسي على ترتيب خطط انقاذ فردية للفتيات قائمة على حلول فردية غير قادرة على انتزاع حقوق الفتيات داخل حدود الوطن، لن تعمل على مراكمة قوة مجتمعية وسياسية واقتصادية قادرة على مواجهة هذه المنظومة العنيفة، التي تنزع عن النساء أحقيتهن العادلة في ممارسة حياتهن والدفاع عنها.

عملية تقديم الإجابة عن سؤال رفع العنف عن النساء في السياق الفلسطيني، لا يمكن الاجابة عليه بسهولة التقديم النظري له، لكنها محاولة لطرح الأسئلة، ووحده الميدان قادر على طرح الحلول وتقديم الإجابات، ووحدها العودة إلى العنف الثوري بالشارع قادرة على تقديم الأطر العملية اللازمة، مع علمنا المسبق بحاجة الثورة إلى تقديم التضحيات.
136

تعديل

قائمة التصفح