سطر 13: |
سطر 13: |
| كيف ننهي العنف الموجه ضدنا كنساء؟ يعتبر هذا السؤال، سؤالًا أساسيًا في أسئلة النسوية، ولعل هذا السؤال لا يمكن تقديم إجابته بهذه السهولة، إذ يحمل في طيّاته مستويات اضطهاد عدة تستلزم عملًا مضنيًا على كل الجهات. وإننا بتخصيص السؤال أكثر في واقع النساء في فلسطين عامّة والمناطق الخاضعة للسيطرة المباشرة للإحتلال في القدس ومناطق الـ48 خاصة، يكون السؤال كالآتي: هل اللجوء لشرطة الاحتلال في حالة التعرض للعنف الموجه ضد النساء يُعد خيارًا؟ وهو سؤال تبدأ الإجابة عليه بتعريف المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين وما الذي يسعى إليه. | | كيف ننهي العنف الموجه ضدنا كنساء؟ يعتبر هذا السؤال، سؤالًا أساسيًا في أسئلة النسوية، ولعل هذا السؤال لا يمكن تقديم إجابته بهذه السهولة، إذ يحمل في طيّاته مستويات اضطهاد عدة تستلزم عملًا مضنيًا على كل الجهات. وإننا بتخصيص السؤال أكثر في واقع النساء في فلسطين عامّة والمناطق الخاضعة للسيطرة المباشرة للإحتلال في القدس ومناطق الـ48 خاصة، يكون السؤال كالآتي: هل اللجوء لشرطة الاحتلال في حالة التعرض للعنف الموجه ضد النساء يُعد خيارًا؟ وهو سؤال تبدأ الإجابة عليه بتعريف المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين وما الذي يسعى إليه. |
| | | |
− | ===الاستعمار الساعي للمحو \ الإلغاء والنسوية الإلغائية===
| + | ==الاستعمار الساعي للمحو \ الإلغاء والنسوية الإلغائية== |
| | | |
| يُعرف باتريك وولف الكولونيالية الاستيطانية بأنها تحمل منطق المحو/الإلغاء البنيوي الممنهج، أي أنها ليست حدثًا يحصل لمرة واحدة فقط وينتهي، ولكنها منظومة مستمرة تهدف إلى المحو متعدد المستويات للسيطرة المستمرة على الأرض، فالاستعمار الاستيطاني يدمر ليحل، بدئًا بهدم البيوت والاستيلاء على الأراضي، وليس انتهاءً بالسعي طويل الأمد لمحو\إلغاء مجتمعات السكان الأصليين وأدواتها (وولف، 2006). وهذا يقودنا إلى سؤال، إلى أي مدى يكون مفيدًا لمجتمعات تقع تحت الاستعمار أن تلجأ إلى تأمين عدالتها من خلال نظام يسعى لإبادة المجتمع، وهو نفسه متورط في إدامة العنف وانتاجه ضدها، وعلى هذا الأساس تُنظّر الفلسفة النسوية الأصلانية (indigenous feminism) لمفهوم العنف ضد النساء على أنه مبني على أساس الجسد، ولكنها كذلك تحدد موقع الجسد كموقع أيديولوجي ثقافي مرتبط بالعلاقة بالأرض في منظومة الاستعمار (Dorries, Hargo، 2020) ففي المنظومة الاستعمارية، الجسد يحمل أيديولوجية الأرض وهما مستهدفان معًا. | | يُعرف باتريك وولف الكولونيالية الاستيطانية بأنها تحمل منطق المحو/الإلغاء البنيوي الممنهج، أي أنها ليست حدثًا يحصل لمرة واحدة فقط وينتهي، ولكنها منظومة مستمرة تهدف إلى المحو متعدد المستويات للسيطرة المستمرة على الأرض، فالاستعمار الاستيطاني يدمر ليحل، بدئًا بهدم البيوت والاستيلاء على الأراضي، وليس انتهاءً بالسعي طويل الأمد لمحو\إلغاء مجتمعات السكان الأصليين وأدواتها (وولف، 2006). وهذا يقودنا إلى سؤال، إلى أي مدى يكون مفيدًا لمجتمعات تقع تحت الاستعمار أن تلجأ إلى تأمين عدالتها من خلال نظام يسعى لإبادة المجتمع، وهو نفسه متورط في إدامة العنف وانتاجه ضدها، وعلى هذا الأساس تُنظّر الفلسفة النسوية الأصلانية (indigenous feminism) لمفهوم العنف ضد النساء على أنه مبني على أساس الجسد، ولكنها كذلك تحدد موقع الجسد كموقع أيديولوجي ثقافي مرتبط بالعلاقة بالأرض في منظومة الاستعمار (Dorries, Hargo، 2020) ففي المنظومة الاستعمارية، الجسد يحمل أيديولوجية الأرض وهما مستهدفان معًا. |
سطر 29: |
سطر 29: |
| يُحلل مصطفى حجازي عملية إعادة إنتاج العنف من خلال منظور علم النفس المجتمعي، الذي يضع عدسة تراكيب السياق المتعددة ضمن إطار تحديد وتعريف المشاكل النفسية، فيُعرف الإنسان الذي عانى من تبعات الاستعمار والأنظمة العنيفة، بالمقهور الواقع تحت سلطات القهر المتعددة التي تعمل على إنتاج عوامل قهره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي متسببة في إنتاج معاناته من عقد النقص، وعقد العار والتي يعدها تتمة طبيعية لعقد النقص لدى الإنسان المقهور الذي يخجل من ذاته وهو في حالة دفاع دائم ضد افتضاح أمره (مهووس بالسمعة) ويخشى أن ينكشف باستمرار فيتمسك بمظهره الخارجي، إذ أن همه الأول هو اجتياز الامتحان باحتفاظه بالسترة ويعتبر نظرة الآخرين و تعليقاتهم أمرًا مهددًا لمكانته الركيكة واعتباره الذاتي، فحسب حجازي هذا الرجل المقهور يُسقط كل عقد العار التي لديه على المرأة التي يعتبرها بدوره موطن الضعف والعيب، ويربط شرفه كليًا بها، ولأنه لا يشعر أنه يستطيع مجابهة العالم الخارجي يصب على المرأة، كل مشاعر العار والضعف والعجز والرضوخ، فكل ما يمارسه عليه العالم الخارجي يعود فيمارسه على زوجته ونساء أسرته (حجازي، 2005) وبهذا يتم إنتاج العنف ضد النساء في فلسطين ضمن هذه التركيبة المعقدة من المنظومة الأبوية الذكورية، ومن هيكلية الاستعمار العنيفة الساعية للمحو المستمر. | | يُحلل مصطفى حجازي عملية إعادة إنتاج العنف من خلال منظور علم النفس المجتمعي، الذي يضع عدسة تراكيب السياق المتعددة ضمن إطار تحديد وتعريف المشاكل النفسية، فيُعرف الإنسان الذي عانى من تبعات الاستعمار والأنظمة العنيفة، بالمقهور الواقع تحت سلطات القهر المتعددة التي تعمل على إنتاج عوامل قهره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي متسببة في إنتاج معاناته من عقد النقص، وعقد العار والتي يعدها تتمة طبيعية لعقد النقص لدى الإنسان المقهور الذي يخجل من ذاته وهو في حالة دفاع دائم ضد افتضاح أمره (مهووس بالسمعة) ويخشى أن ينكشف باستمرار فيتمسك بمظهره الخارجي، إذ أن همه الأول هو اجتياز الامتحان باحتفاظه بالسترة ويعتبر نظرة الآخرين و تعليقاتهم أمرًا مهددًا لمكانته الركيكة واعتباره الذاتي، فحسب حجازي هذا الرجل المقهور يُسقط كل عقد العار التي لديه على المرأة التي يعتبرها بدوره موطن الضعف والعيب، ويربط شرفه كليًا بها، ولأنه لا يشعر أنه يستطيع مجابهة العالم الخارجي يصب على المرأة، كل مشاعر العار والضعف والعجز والرضوخ، فكل ما يمارسه عليه العالم الخارجي يعود فيمارسه على زوجته ونساء أسرته (حجازي، 2005) وبهذا يتم إنتاج العنف ضد النساء في فلسطين ضمن هذه التركيبة المعقدة من المنظومة الأبوية الذكورية، ومن هيكلية الاستعمار العنيفة الساعية للمحو المستمر. |
| | | |
− | ===سردية الاستعمار والسردية المضادة===
| + | ==سردية الاستعمار والسردية المضادة== |
| | | |
| تتحدث النسوية الأصلانية عن أن غياب سردية الاستعمار تجعلنا عالقين مع سردية (الخراب)، أي أننا كمجتمعات مستعمَرة عندما تغيب عن أذهاننا سردية الاستعمار في المواجهة اليومية، سنقع فريسة لسردية الخراب التي يُصدّرها المستعمِر إلى أذهاننا باستمرار، أي أننا مجتمعات فاسدة غير قادرة على إدارة شؤونها وحدها (Dorries, Hargo، 2020) فيقدم الاستعمار نفسه كمنقذ للنساء من ثقافة المجتمعات المُستعمَرة الموصومة بالتخلف والخراب، ليعمل على حيازة الخطاب النسوي وإعادة إنتاجه في منظومته الاستعمارية. ولهذا تدعو النسوية الأصلانية إلى إنتاج سردية مضادة تضع سردية الاستعمار باستمرار في سياقاتها اليومية، و تضع النساء في إطار أيديولوجي منتمي لإطار عائلي مجتمعي أممي (Dorries, Hargo، 2020)، وفي حالة المجتمع الفلسطيني، فإننا بحاجة إلى إعادة إنتاج قيمي لرؤية مجتمعاتنا بعدسات نسوية قادرة على إبداع وخلق وتجديد أدواتها لتفكيك المنظومات الذكورية القاهرة ومنظومات الاستعمار الصهيوني الساعية لاستهداف الجسد لفلسطينيته، في عملية متوازية لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وحتى لا يتم استغلال المنظومة الاستعمارية لواقع النساء كأداة ضد المجتمع و محاولة إخراج المرأة من فلسطينيتها، ووصم ثقافة المجتمع بـ”الخراب”. | | تتحدث النسوية الأصلانية عن أن غياب سردية الاستعمار تجعلنا عالقين مع سردية (الخراب)، أي أننا كمجتمعات مستعمَرة عندما تغيب عن أذهاننا سردية الاستعمار في المواجهة اليومية، سنقع فريسة لسردية الخراب التي يُصدّرها المستعمِر إلى أذهاننا باستمرار، أي أننا مجتمعات فاسدة غير قادرة على إدارة شؤونها وحدها (Dorries, Hargo، 2020) فيقدم الاستعمار نفسه كمنقذ للنساء من ثقافة المجتمعات المُستعمَرة الموصومة بالتخلف والخراب، ليعمل على حيازة الخطاب النسوي وإعادة إنتاجه في منظومته الاستعمارية. ولهذا تدعو النسوية الأصلانية إلى إنتاج سردية مضادة تضع سردية الاستعمار باستمرار في سياقاتها اليومية، و تضع النساء في إطار أيديولوجي منتمي لإطار عائلي مجتمعي أممي (Dorries, Hargo، 2020)، وفي حالة المجتمع الفلسطيني، فإننا بحاجة إلى إعادة إنتاج قيمي لرؤية مجتمعاتنا بعدسات نسوية قادرة على إبداع وخلق وتجديد أدواتها لتفكيك المنظومات الذكورية القاهرة ومنظومات الاستعمار الصهيوني الساعية لاستهداف الجسد لفلسطينيته، في عملية متوازية لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وحتى لا يتم استغلال المنظومة الاستعمارية لواقع النساء كأداة ضد المجتمع و محاولة إخراج المرأة من فلسطينيتها، ووصم ثقافة المجتمع بـ”الخراب”. |
| | | |
− | ===نظام العدالة النسوية البديلة===
| + | ==نظام العدالة النسوية البديلة== |
| | | |
| سعت العديد من المجتمعات إلى محاولة خلق أنظمة عدالة بديلة عن نظام الشرطة والاعتقال، ضمن أطر أدوات السياق، لتعمل على تجديدها وتطويرها. إن هذا السعي إلى خلق الأنظمة البديلة، جاء نتيجة عجز نظام السجن والشرطة العنيفة عن حل المشاكل بل عملت على تفاقمها وازدياد أعداد المعتقلين وتضخمها وهذا ما تدعو إليه النسوية الإلغائية حيث تطالب بنسف المنظومة كاملة دون الدعوة إلى إجراء أي تصليحات داخلية ليبرالية، بل إلى إلغاء جذري كامل، وهو ما سيعمل على فتح المجال أمام تصنيف المشكلات وتقديم الحلول المناسبة لها، بدًلا من زجْ وإقحام عقوبة الحبس لكافة أنواع المشاكل دون تمييز( 2022, Davis, Dent, Meiners, Richie). | | سعت العديد من المجتمعات إلى محاولة خلق أنظمة عدالة بديلة عن نظام الشرطة والاعتقال، ضمن أطر أدوات السياق، لتعمل على تجديدها وتطويرها. إن هذا السعي إلى خلق الأنظمة البديلة، جاء نتيجة عجز نظام السجن والشرطة العنيفة عن حل المشاكل بل عملت على تفاقمها وازدياد أعداد المعتقلين وتضخمها وهذا ما تدعو إليه النسوية الإلغائية حيث تطالب بنسف المنظومة كاملة دون الدعوة إلى إجراء أي تصليحات داخلية ليبرالية، بل إلى إلغاء جذري كامل، وهو ما سيعمل على فتح المجال أمام تصنيف المشكلات وتقديم الحلول المناسبة لها، بدًلا من زجْ وإقحام عقوبة الحبس لكافة أنواع المشاكل دون تمييز( 2022, Davis, Dent, Meiners, Richie). |