تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وصلات داخلية وعناوين فرعية
سطر 27: سطر 27:  
'''مقدّمة'''
 
'''مقدّمة'''
   −
تشكّل المرحلة الراهنة مناسبة ملفتة وجديرة بالاهتمام للتمعّن في التوتّرات التي يشهدها بناء الحركات النسويّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فها نحن اليوم نشهد على تلاشي زخم انتفاضات "الربيع العربيّ" في وجه الأنظمة القمعيّة والديكتاتوريّة على امتداد الرقعة الجغرافيّة للمنطقة. شملت الانتفاضات الشعبيّة بلدانًا عدّة، وإن في تواقيت مختلفة وتداعيات وتأثيرات متمايزة، من بينها تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والمغرب والعراق والجزائر ولبنان والأردن والسودان. ورغم اختلاف السياقات، فإن هذه الانتفاضات تحمل اليوم قاسمًا مشتركًا أساسيًّا. تصف "خميس" (2018، ص. 8) كيف شكّلت هذه الانتفاضات "لحظة تحوّل مهمّة في التاريخ العربيّ المعاصر، و[كونها] نقطة ارتكاز مفصليّة كانت لها تداعيات متعدّدة في مسيرة النضال المستمرّة للنساء العربيّات على الأصعدة السياسيّة والاجتماعيّة والقانونيّة". بالفعل، كانت النساء فاعلات مؤثرّات في هذه التظاهرات الاحتجاجيّة نظرًا لانخراطهنّ في نضال متعدّد الأوجه ضد الأنظمة القمعيّة التي تهدّد أمنهنّ واستمراريّتهنّ كمواطنات من جهة وكنساء تقترن مواطنيّتهنّ بالبعدين الجندريّ والإثنيّ من جهة أخرى. وبعيدًا عن الأوهام حول وجود علاقة سببيّة مباشرة بين الانتفاضات الشعبيّة وبين التغيير الاجتماعي والسياسيّ الطويل الأمد، إلا أنه يمكننا القول إنّ حضور النساء في ساحات المواجهة والنضال وتأديتهنّ أدوارًا متخطّية للأعراف وللمعايير المجتمعيّة السائدة، قد انعكس فاعليّة وقوّة مستجدّتين لا تزال آثارهما جليّة وملموسة بعد مرور تسع سنوات. وبالنظر إلى الدور الأساسيّ الذي أدّته النساء ولا زلن تؤدّينه اليوم في الاحتجاجات الأخيرة في لبنان والجزائر والسودان، يتبيّن أنّ الحدود الفاصلة بين الفضاء الخاصّ الذي لطالما اعتبر مساحة للنساء وبين الفضاء العامّ الذكوري قد تلاشت معالمها.
+
تشكّل المرحلة الراهنة مناسبة ملفتة وجديرة بالاهتمام للتمعّن في التوتّرات التي يشهدها بناء [[حركات نسوية | الحركات النسويّة]] في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فها نحن اليوم نشهد على تلاشي زخم انتفاضات "الربيع العربيّ" في وجه الأنظمة القمعيّة والديكتاتوريّة على امتداد الرقعة الجغرافيّة للمنطقة. شملت الانتفاضات الشعبيّة بلدانًا عدّة، وإن في تواقيت مختلفة وتداعيات وتأثيرات متمايزة، من بينها تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والمغرب والعراق والجزائر ولبنان والأردن والسودان. ورغم اختلاف السياقات، فإن هذه الانتفاضات تحمل اليوم قاسمًا مشتركًا أساسيًّا. تصف "خميس" (2018، ص. 8) كيف شكّلت هذه الانتفاضات "لحظة تحوّل مهمّة في التاريخ العربيّ المعاصر، و[كونها] نقطة ارتكاز مفصليّة كانت لها تداعيات متعدّدة في مسيرة النضال المستمرّة للنساء العربيّات على الأصعدة السياسيّة والاجتماعيّة والقانونيّة". بالفعل، كانت النساء فاعلات مؤثرّات في هذه التظاهرات الاحتجاجيّة نظرًا لانخراطهنّ في نضال متعدّد الأوجه ضد الأنظمة القمعيّة التي تهدّد أمنهنّ واستمراريّتهنّ كمواطنات من جهة وكنساء تقترن مواطنيّتهنّ بالبعدين الجندريّ والإثنيّ من جهة أخرى. وبعيدًا عن الأوهام حول وجود علاقة سببيّة مباشرة بين الانتفاضات الشعبيّة وبين التغيير الاجتماعي والسياسيّ الطويل الأمد، إلا أنه يمكننا القول إنّ حضور النساء في ساحات المواجهة والنضال وتأديتهنّ أدوارًا متخطّية للأعراف وللمعايير المجتمعيّة السائدة، قد انعكس فاعليّة وقوّة مستجدّتين لا تزال آثارهما جليّة وملموسة بعد مرور تسع سنوات. وبالنظر إلى الدور الأساسيّ الذي أدّته النساء ولا زلن تؤدّينه اليوم في الاحتجاجات الأخيرة في لبنان والجزائر والسودان، يتبيّن أنّ الحدود الفاصلة بين الفضاء الخاصّ الذي لطالما اعتبر مساحة للنساء وبين الفضاء العامّ الذكوري قد تلاشت معالمها.
    
ويشهد الوقت الراهن صراعات جيوسياسيّة تعمّ أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يفرض تحدّياته الخاصّة على واقع بناء الحركات النسويّة على المستوى الإقليميّ. فبدءًا من الاحتجاجات الحاليّة ضدّ النخبة السياسيّة الفاسدة في لبنان وصولًا إلى مخطّط "السلام" الأخير الذي باشرته إدارة ترامب، تطرح هذه الديناميكيّات عراقيل جديدة في وجه تعزيز أي نوع من النشاط النسوي في المنطقة، كما تخلق فرصًا لم تكن متاحة من قبل. أمّا التحدّي الحاسم في هذا الإطار فيتمثّل بالجائحة العالميّة التي نتخبّط في وسطها والتي تستدعي، اليوم أكثر من أي وقت مضى، تعزيز شبكات التضامن والتعاون الإقليميّ والعابر للحدود وإعادة تقييم نواقص النظام النيوليبرالي المعولم الذي نعيشه والذي تنعكس مفاعيله بصورة غير متساوية على المجموعات المستضعفة في المجتمع من بينها النساء والأطفال. من هنا، فإنّ هذا السياق المشحون بالتوتّرات المتداخلة والمتعدّدة الأوجه يضاعف أهميّة إعادة النظر في واقع النسويّة وحركاتها المتوزّعة في كافّة أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا بهدف الكشف عن مكامن التوتّر والتحدّيات المتكرّرة في مواجهة النشاط النسويّ في المنطقة فحسب، بل ليتسنّى لنا وضع تصوّرات جديدة متّسقة مع الظروف الراهنة وقادرة على الدفع في اتّجاه تعزيز قدرة هذه الحركات وتوسيع مجال تأثيرها. وتستدعي هذه الخلاصة تقييم السبل التي يمكن للمؤسّسات والمنظّمات العالميّة والإقليميّة والمحليّة انتهاجها لتصبح كمحرّكات فاعلة تدفع باتجاه التغيير الاجتماعي والسياسيّ أو لتتحوّل على النقيض من ذلك إلى مساحات للصراع.
 
ويشهد الوقت الراهن صراعات جيوسياسيّة تعمّ أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يفرض تحدّياته الخاصّة على واقع بناء الحركات النسويّة على المستوى الإقليميّ. فبدءًا من الاحتجاجات الحاليّة ضدّ النخبة السياسيّة الفاسدة في لبنان وصولًا إلى مخطّط "السلام" الأخير الذي باشرته إدارة ترامب، تطرح هذه الديناميكيّات عراقيل جديدة في وجه تعزيز أي نوع من النشاط النسوي في المنطقة، كما تخلق فرصًا لم تكن متاحة من قبل. أمّا التحدّي الحاسم في هذا الإطار فيتمثّل بالجائحة العالميّة التي نتخبّط في وسطها والتي تستدعي، اليوم أكثر من أي وقت مضى، تعزيز شبكات التضامن والتعاون الإقليميّ والعابر للحدود وإعادة تقييم نواقص النظام النيوليبرالي المعولم الذي نعيشه والذي تنعكس مفاعيله بصورة غير متساوية على المجموعات المستضعفة في المجتمع من بينها النساء والأطفال. من هنا، فإنّ هذا السياق المشحون بالتوتّرات المتداخلة والمتعدّدة الأوجه يضاعف أهميّة إعادة النظر في واقع النسويّة وحركاتها المتوزّعة في كافّة أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا بهدف الكشف عن مكامن التوتّر والتحدّيات المتكرّرة في مواجهة النشاط النسويّ في المنطقة فحسب، بل ليتسنّى لنا وضع تصوّرات جديدة متّسقة مع الظروف الراهنة وقادرة على الدفع في اتّجاه تعزيز قدرة هذه الحركات وتوسيع مجال تأثيرها. وتستدعي هذه الخلاصة تقييم السبل التي يمكن للمؤسّسات والمنظّمات العالميّة والإقليميّة والمحليّة انتهاجها لتصبح كمحرّكات فاعلة تدفع باتجاه التغيير الاجتماعي والسياسيّ أو لتتحوّل على النقيض من ذلك إلى مساحات للصراع.
سطر 35: سطر 35:  
   
 
   
   −
'''تعريفات وتمييزات'''
+
==تعريفات وتمييزات==
    
قبل أن أبدأ، أودّ أن أشير إلى حدود المصطلحات المستخدمة والإشكالات التي تنطوي عليها. إذ أن الدعوة إلى تبنّي مفهوم حركة نسويّة عربيّة جامعة تفترض إنشاء شبكات تضامنيّة استنادًا إلى محورين اثنين: الأوّل توافر تصوّر عن العمل الجماعيّ من منطلق "عربيّ"، والثاني تصوّر مفهوم العمل الجماعيّ من منطلق نسائيّ، أي خلق تحالف قائم على أساس القواسم المشتركة من الناحيتين الجندريّة والوطنيّة.
 
قبل أن أبدأ، أودّ أن أشير إلى حدود المصطلحات المستخدمة والإشكالات التي تنطوي عليها. إذ أن الدعوة إلى تبنّي مفهوم حركة نسويّة عربيّة جامعة تفترض إنشاء شبكات تضامنيّة استنادًا إلى محورين اثنين: الأوّل توافر تصوّر عن العمل الجماعيّ من منطلق "عربيّ"، والثاني تصوّر مفهوم العمل الجماعيّ من منطلق نسائيّ، أي خلق تحالف قائم على أساس القواسم المشتركة من الناحيتين الجندريّة والوطنيّة.
سطر 41: سطر 41:  
وأدرك تمامًا أنّ هذين المصطلحين ينطويان على نزعات إقصائيّة كونهما لا يمثّلان تنوّع سياقات الواقع المادّيّ المعاش في المنطقة، ولا سيّما أنّ فرضيّة التجانس على أساس الهويّة العربيّة تستبعد من التمثيل جميع من كانوا تاريخيًّا من المجموعات المهمّشة والمهجّرة والمقموعة من قبل الشعوب العربيّة. تشمل هذه المجموعات على سبيل المثال لا الحصر الأرمن والبربر وأهل النوبة، إضافة إلى مجموعات بارزة من العمّال والعاملات المنزليّين والمنزليّات المهاجرين والمهاجرات في كافّة أنحاء المنطقة. لذا فإن إرغام هذه المجتمعات على الانضواء تحت عباءة مصطلح "العرب" هو بمثابة عنف معرفيّ إبيستيميّ بحقّها إلى ذلك، فإنّ افتراض التجانس على أساس الجندر يهمل الأوجه المتعدّدة التي يتقاطع فيها الجندر مع الهويّات الاجتماعية المختلفة كالعرق والإثنيّة والجنسيّة (ألكوف، 2017، ص. 46).
 
وأدرك تمامًا أنّ هذين المصطلحين ينطويان على نزعات إقصائيّة كونهما لا يمثّلان تنوّع سياقات الواقع المادّيّ المعاش في المنطقة، ولا سيّما أنّ فرضيّة التجانس على أساس الهويّة العربيّة تستبعد من التمثيل جميع من كانوا تاريخيًّا من المجموعات المهمّشة والمهجّرة والمقموعة من قبل الشعوب العربيّة. تشمل هذه المجموعات على سبيل المثال لا الحصر الأرمن والبربر وأهل النوبة، إضافة إلى مجموعات بارزة من العمّال والعاملات المنزليّين والمنزليّات المهاجرين والمهاجرات في كافّة أنحاء المنطقة. لذا فإن إرغام هذه المجتمعات على الانضواء تحت عباءة مصطلح "العرب" هو بمثابة عنف معرفيّ إبيستيميّ بحقّها إلى ذلك، فإنّ افتراض التجانس على أساس الجندر يهمل الأوجه المتعدّدة التي يتقاطع فيها الجندر مع الهويّات الاجتماعية المختلفة كالعرق والإثنيّة والجنسيّة (ألكوف، 2017، ص. 46).
   −
إلى ذلك، لا يقدّم هذا المصطلح الشيء الكثير لدعم بناء التحالفات وحركات التضامن الفعّالة. توضح "موهانتي" أنّ "العمل النسويّ هو في صميمه عمل جماعيّ، وأنّ جوهر الجماعة يُدرك بالنضال اليوميّ ضدّ الحدود المفروضة وعبرها" (كما ورد لدى بولهاوس جونيور، 2017، ص.51). فهي تدعو إذًا إلى "بناء نسويّة الـ99 في المائة"، الملتزمة بالتفاعل والعابرة للاختلافات بين النساء – نسويّة تتّصل "بالممارسة والتجربة الماديّة لمختلف الجماعات النسائيّة المجندرة والعرقيّة (من المعياريّات والعابرات) على اختلاف تموقعاتها الطبقيّة والجنسانيّة والقدراتية1 والمواطنيّة" (موهانتي، 2017، ص. 19). بالتالي، تدعو "موهانتي" إلى تشكيل بنية للتضامن على أساس الصراع والمواجهة الجماعيّة ضدّ الهيكليّات المشتركة للقمع والهيمنة. وتأسيسًا على هذا المفهوم، يمكن القول إنّ الحركة النسويّة العربيّة أقلّ تمسّكًا بمفهوم "الجماعية" المرتكز على الهوية المشتركة للنساء العربيّات وأكثر اتساقًا مع الدعوة لبناء تحالف قائم على النضال الناشط ضدّ المظاهر المتنوّعة للسلطة الأبويّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهنا، أتّفق في هذا الطرح مع ما سبق وعبّرت عنه "ليندا ألكوف":
+
إلى ذلك، لا يقدّم هذا المصطلح الشيء الكثير لدعم بناء التحالفات وحركات التضامن الفعّالة. توضح "[[شاندرا موهانتي | موهانتي]]" أنّ "العمل النسويّ هو في صميمه عمل جماعيّ، وأنّ جوهر الجماعة يُدرك بالنضال اليوميّ ضدّ الحدود المفروضة وعبرها" (كما ورد لدى بولهاوس جونيور، 2017، ص.51). فهي تدعو إذًا إلى "بناء نسويّة الـ99 في المائة"، الملتزمة بالتفاعل والعابرة للاختلافات بين النساء – نسويّة تتّصل "بالممارسة والتجربة الماديّة لمختلف الجماعات النسائيّة المجندرة والعرقيّة (من المعياريّات والعابرات) على اختلاف تموقعاتها الطبقيّة والجنسانيّة والقدراتية1 والمواطنيّة" (موهانتي، 2017، ص. 19). بالتالي، تدعو "موهانتي" إلى تشكيل بنية للتضامن على أساس الصراع والمواجهة الجماعيّة ضدّ الهيكليّات المشتركة للقمع والهيمنة. وتأسيسًا على هذا المفهوم، يمكن القول إنّ الحركة النسويّة العربيّة أقلّ تمسّكًا بمفهوم "الجماعية" المرتكز على الهوية المشتركة للنساء العربيّات وأكثر اتساقًا مع الدعوة لبناء تحالف قائم على النضال الناشط ضدّ المظاهر المتنوّعة للسلطة الأبويّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهنا، أتّفق في هذا الطرح مع ما سبق وعبّرت عنه "ليندا ألكوف":
    
يمكن تحقيق التضامن إذًا فقط من خلال تحالفات مرحليّة أو جزئيّة تنشأ عن الاجتماع حول قضايا ملموسة كبديل عن تشكيل الجماعات الهشّة والمصطنعة التي تنتظم حول أفكار التحرّر من الجندر. وتتطلّب هذه التحالفات المرحليّة نوعًا من الحوار التعدّديّ الثقافيّ الذي يسعى إلى التعبير عن السرديّات المتنازع عليها في سياق يضمن الحدّ الأدنى من التوافق والاصطفاف. (2017، ص. 47)
 
يمكن تحقيق التضامن إذًا فقط من خلال تحالفات مرحليّة أو جزئيّة تنشأ عن الاجتماع حول قضايا ملموسة كبديل عن تشكيل الجماعات الهشّة والمصطنعة التي تنتظم حول أفكار التحرّر من الجندر. وتتطلّب هذه التحالفات المرحليّة نوعًا من الحوار التعدّديّ الثقافيّ الذي يسعى إلى التعبير عن السرديّات المتنازع عليها في سياق يضمن الحدّ الأدنى من التوافق والاصطفاف. (2017، ص. 47)
سطر 60: سطر 60:     
   
 
   
'''
+
==نبذة تاريخيّة (مختصرة) عن الحركة النسويّة العربيّة: إرث الاتحاد النسائيّ العربيّ==
نبذة تاريخيّة (مختصرة) عن الحركة النسويّة العربيّة: إرث الاتحاد النسائيّ العربيّ'''
      
من المفيد أن نبدأ بلمحة تاريخيّة عن انطلاقة الحركة النسويّة العربيّة كإيديولوجية تهدف إلى بناء حركة نسويّة عابرة للحدود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تكمن أهميّة هذه اللمحة في أنّها تلقي الضوء من ناحية على الإخفاقات التي شهدتها هذه الحركة والإمكانات التي تهيّأت لها في لحظة مفصليّة على الصعيدين التاريخيّ والاجتماعيّ السياسيّ، وتطرح الاستفسارات حول مدى تطابقها مع الظروف الراهنة وإمكانيّة تحقيقها في الوقت الحاضر من ناحية ثانية. إلى ذلك، تمثّل هذه العودة إلى مرحلة تاريخيّة من العمل النسويّ فعلًا تضامنيًّا نقوم من خلاله بتكريم نضالات المرحلة ومحاولاتها وانتصاراتها، كما أنّها بمثابة احتفاء بالعمل الجماعي وبالمثابرة اللذين يمثّلان الدعامة الأساسيّة لنجاح العمل النسويّ العابر للحدود. فالحركة النسويّة ليست حدثًا بحدّ ذاته، بل عملية مستمرة.
 
من المفيد أن نبدأ بلمحة تاريخيّة عن انطلاقة الحركة النسويّة العربيّة كإيديولوجية تهدف إلى بناء حركة نسويّة عابرة للحدود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تكمن أهميّة هذه اللمحة في أنّها تلقي الضوء من ناحية على الإخفاقات التي شهدتها هذه الحركة والإمكانات التي تهيّأت لها في لحظة مفصليّة على الصعيدين التاريخيّ والاجتماعيّ السياسيّ، وتطرح الاستفسارات حول مدى تطابقها مع الظروف الراهنة وإمكانيّة تحقيقها في الوقت الحاضر من ناحية ثانية. إلى ذلك، تمثّل هذه العودة إلى مرحلة تاريخيّة من العمل النسويّ فعلًا تضامنيًّا نقوم من خلاله بتكريم نضالات المرحلة ومحاولاتها وانتصاراتها، كما أنّها بمثابة احتفاء بالعمل الجماعي وبالمثابرة اللذين يمثّلان الدعامة الأساسيّة لنجاح العمل النسويّ العابر للحدود. فالحركة النسويّة ليست حدثًا بحدّ ذاته، بل عملية مستمرة.
سطر 75: سطر 74:  
   
 
   
   −
'''الإشكالات والفرص أمام بناء حركة نسويّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا'''
+
==الإشكالات والفرص أمام بناء حركة نسويّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا==
    
على ضوء الإشكالات التي يطرحها السياق الراهن، يكتسب فعل بناء الحركة العابرة للحدود بعدًا "إبداعيًا" "تصوريًا" يقتضي ابتكار سبل التعامل مع هذه الإشكالات ومعالجتها وتخطّيها.
 
على ضوء الإشكالات التي يطرحها السياق الراهن، يكتسب فعل بناء الحركة العابرة للحدود بعدًا "إبداعيًا" "تصوريًا" يقتضي ابتكار سبل التعامل مع هذه الإشكالات ومعالجتها وتخطّيها.
سطر 99: سطر 98:  
   
 
   
   −
'''إعتماد النهج العابر للحدود'''
+
==إعتماد النهج العابر للحدود==
    
يهدف القسم الأخير من هذا النص إلى البحث في موجبات وكيفيّات التفكير ببناء الحركة النسويّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انطلاقًا من إعتماد نهج عابر للحدود. تنبثق مزايا بناء تحالف إقليميّ نسويّ أشمل، من فهم معادلة : الكلّ أكبر من مجموع الأجزاء. بعبارة أخرى، يحقّق التآلف، في شكل تحالفات وشبكات تضامنيّة في وجه المظاهر التقاطعيّة للسلطة الأبويّة، قوّة تفاوضيّة أكبر وتأثيرًا أعمق وموارد أكثر ممّا يحقّقه العمل النسويّ في صيغته الحاليّة المجزّأة والمذرّرة. فمن خلال المزيد من التنسيق والدمج يمكن القول إنّ الأجندات النسويّة ستتمكّن من إحراز التقدّم بمزيد من الكفاءة والنجاح، ولا سيّما أنّ حشد التمويل ورأس المال الاجتماعيّ والسياسيّ والبشريّ ضمن مجمّع واحد يستفيد منه عدد من المنظّمات النسويّة الإقليميّة من شأنه أن يخلخل شبكات التبعيّة التي تتحكّم بالعلاقة بين المنظّمات والحكومة والمؤٍسّسات غير الحكوميّة الممتهنة للعمل النسويّ والجهات المانحة. كما يساهم ذلك في تأسيس أنماط جديدة أكثر ائتمانًا من التكافل والتضامن والتعاضد بين الجهات الفاعلة الساعية إلى تحقيق الهدف المشترك ألا وهو إرساء العدالة الاجتماعيّة والتغيير النسويّ الجذريّ والمستدام. يتحدّد هذا الهدف الأوسع نطاقًا بصورة جماعيّة من خلال النضال ضد كافّة تدخلّات المنظومة الأبويّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وانطلاقًا من هذا الهدف الذي يرسم الخطوط الأوسع نطاقًا يتمّ وضع البرامج بالتزامن وبالتوافق ويتمّ بناءً على ذلك توزيع الموارد بدءًا من التمويل ووصولًا إلى الموارد السياسيّة. فالفكرة من وضع أهداف مشتركة هي أنّها تدفع جميع الأعضاء إلى إطار من التضامن الفعليّ تحت مظلّة الحركة وتضعهم جميعًا في موضع المسؤوليّة عن الإنجازات كافّة. بهذه الطريقة يصبح في الإمكان توفير الإمكانيّات الملائمة للعمل استجابة لمشاريع محدّدة جماعيًّا ومصمّمة لتحقيق الغايات المطلوبة. ويتولّى جميع الأعضاء المساهمين في مجمّع الموارد هذا تقاسم الموارد وإعادة ضخّها دعمًا لروح العمل الجماعيّ. ومن شأن هذا التجميع للموارد الشحيحة أصلًا تفكيك مفاهيم الملكيّة الفرديّة الماديّة والمعنويّة، وتوجيه الأعضاء نحو مزيد من التآلف حول توظيف الموارد المتوفّرة في سبيل تعزيز القدرة على تحقيق الهدف المشترك. علاوة على ذلك، يوفّر الأعضاء على إختلافهم، أنواعا مختلفة من الموارد. وهذا أمر في غاية الأهمية لأنه يسمح بإستخدام بعض هذه الموارد في إطار المشاريع التي أكثر ما تحتاج إليها. كما يمكن الإستفادة من العلاقات الإستراتيجية التي تربط بعض الجهات الفاعلة، مثل المنظمات غير الحكومية، بالحكومات وذلك لتنفيذ بعض مشاريع الحركة النسويّة.
 
يهدف القسم الأخير من هذا النص إلى البحث في موجبات وكيفيّات التفكير ببناء الحركة النسويّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انطلاقًا من إعتماد نهج عابر للحدود. تنبثق مزايا بناء تحالف إقليميّ نسويّ أشمل، من فهم معادلة : الكلّ أكبر من مجموع الأجزاء. بعبارة أخرى، يحقّق التآلف، في شكل تحالفات وشبكات تضامنيّة في وجه المظاهر التقاطعيّة للسلطة الأبويّة، قوّة تفاوضيّة أكبر وتأثيرًا أعمق وموارد أكثر ممّا يحقّقه العمل النسويّ في صيغته الحاليّة المجزّأة والمذرّرة. فمن خلال المزيد من التنسيق والدمج يمكن القول إنّ الأجندات النسويّة ستتمكّن من إحراز التقدّم بمزيد من الكفاءة والنجاح، ولا سيّما أنّ حشد التمويل ورأس المال الاجتماعيّ والسياسيّ والبشريّ ضمن مجمّع واحد يستفيد منه عدد من المنظّمات النسويّة الإقليميّة من شأنه أن يخلخل شبكات التبعيّة التي تتحكّم بالعلاقة بين المنظّمات والحكومة والمؤٍسّسات غير الحكوميّة الممتهنة للعمل النسويّ والجهات المانحة. كما يساهم ذلك في تأسيس أنماط جديدة أكثر ائتمانًا من التكافل والتضامن والتعاضد بين الجهات الفاعلة الساعية إلى تحقيق الهدف المشترك ألا وهو إرساء العدالة الاجتماعيّة والتغيير النسويّ الجذريّ والمستدام. يتحدّد هذا الهدف الأوسع نطاقًا بصورة جماعيّة من خلال النضال ضد كافّة تدخلّات المنظومة الأبويّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وانطلاقًا من هذا الهدف الذي يرسم الخطوط الأوسع نطاقًا يتمّ وضع البرامج بالتزامن وبالتوافق ويتمّ بناءً على ذلك توزيع الموارد بدءًا من التمويل ووصولًا إلى الموارد السياسيّة. فالفكرة من وضع أهداف مشتركة هي أنّها تدفع جميع الأعضاء إلى إطار من التضامن الفعليّ تحت مظلّة الحركة وتضعهم جميعًا في موضع المسؤوليّة عن الإنجازات كافّة. بهذه الطريقة يصبح في الإمكان توفير الإمكانيّات الملائمة للعمل استجابة لمشاريع محدّدة جماعيًّا ومصمّمة لتحقيق الغايات المطلوبة. ويتولّى جميع الأعضاء المساهمين في مجمّع الموارد هذا تقاسم الموارد وإعادة ضخّها دعمًا لروح العمل الجماعيّ. ومن شأن هذا التجميع للموارد الشحيحة أصلًا تفكيك مفاهيم الملكيّة الفرديّة الماديّة والمعنويّة، وتوجيه الأعضاء نحو مزيد من التآلف حول توظيف الموارد المتوفّرة في سبيل تعزيز القدرة على تحقيق الهدف المشترك. علاوة على ذلك، يوفّر الأعضاء على إختلافهم، أنواعا مختلفة من الموارد. وهذا أمر في غاية الأهمية لأنه يسمح بإستخدام بعض هذه الموارد في إطار المشاريع التي أكثر ما تحتاج إليها. كما يمكن الإستفادة من العلاقات الإستراتيجية التي تربط بعض الجهات الفاعلة، مثل المنظمات غير الحكومية، بالحكومات وذلك لتنفيذ بعض مشاريع الحركة النسويّة.
7٬893

تعديل

قائمة التصفح