أُضيف 5٬771 بايت
، قبل سنة واحدة
تفصح مقولة جون ستيوارت ميل التي مفادها “أن الكولونيالية الاستبدادية تتوافق مع الديمقراطية البريطانية للتدليل على تناقض الخطاب الكولونيالي” عن إشارة دقيقة لنفاق الخطاب الكولونيالي، بينما يرى هومي بابا الأكاديمي الهندي وأستاذ الأدب الأميركي والبريطاني في جامعة هارفارد أن هذا التناقض بين الديمقراطية والاستبداد شرط من شروط خطاب الديمقراطية الغربية التي تقدم مصالحها الاستعمارية على الديمقراطية، ويذكر في كتابه “التمدن الماكر” تناقض الخطاب الكولونيالي وازدواجيته ممثلا في قول ماكولي “فلتكن أبا للشعب وقامعا له ، ولتكن عادلا وظالما ومعتدلا وجشعا”.
يطرح هومي بابا مفهوم “التهجين” لتفسير نشوء أشكال ثقافية جديدة في عالم التعدد الثقافي ما بعد الكولونيالية ويقول “إذا كان ينظر إلى القوة الكولونيالية على أنها إنتاج التهجين، فهي تمكّن شكلا من أشكال التقويض، يحول الظروف الخطابية الخاصة بالهيمنة إلى أسس وقواعد للتدخل، وأن الظروف الخطابية للكولونيالية لا تقوض أشكال السلطة الكولونيالية بل تساعد المقاومة المحلية وتمكنها على نحو فعال، ويحدد في طروحاته فكرة الاختلاف الثقافي من وجهة نظر الأقلية وبهذا يغير من طريقة استخدامنا لمصطلحات بعينها مثل “التعددية الثقافية” و”التنوع الثقافي” و”تعدد الهويات” فيقول بأن “الهجنة والاختلاف الثقافي يعملان على شق مفهوم الهوية ويجعلانها ضربا من التقاطع والتفاوض بين معطيات متناقضة” .
يعنى هومي بابا بموضوع المهاجر والأقليات في المشهد ما بعد الكولونيالي فيرى أن مجمل تواريخ الاستعمار والاستعباد والاستغلال والتمييز الجنسي والاضطهاد والتراتب الطبقي لا تتكلم عن شعوب أو طبقات أو مناطق محددة مرتبطة بالتاريخ الاستعماري، بل تتحدث عن الاختلافات الاجتماعية التي تشكل الحداثة.
بينما تعمل الباحثة الهندية غايتري سبيفاك، وهي ناقدة أدبية وأكاديمية في جامعة كولومبيا الأميركية، على نقد الكولونيالية من خلال المؤسسة التعليمية وممارساتها، وتعترف الناقدة والأكاديمية سبيفاك -التي تصف نفسها بأنها ماركسية نسوية تفكيكية- بمدى تداخل العلوم المختلفة وتضمين كل منها للأخر، وبهذا تعمل في مجال ما وراء الماركسية والتفكيك والحركة النسوية، وقد شرعت في نقد الكولونيالية منذ بدايتها الجادة حين نشرت مقالها المهم الذي شكل أساسا لانطلاقتها الفكرية وعنوانه “الحركة النسائية الفرنسية في إطار دولي” وركزت فيه على علاقة التعليم بالتاريخ، إذ انتقدت الطريقة التي كانوا يدرسون بها تاريخ القرن التاسع عشر حيث “لا يقدم النص التاريخي للدارس المستهلك في الغرب وحده بل كذلك إلى الشعوب الخاضعة لهذا الغرب في الخارج”.
وتهتم باحثة هندية أخرى هي تشاندرا موهانتي بتحليل إنتاج صورة المرأة في العالم الثالث في النصوص النسائية الغربية والعلوم الاجتماعية، وتبين لنا الأساليب والطرق التي يشكل بها العالم الغربي نساء العالم الثالث على هيئة كتلة متجانسة، ليستخدمها بعد ذلك باعتبارها نسق تحليل يتغاضى عن السياقات التاريخية والثقافية، ومن هذا التحليل يظهر لنا أن “النظرة الأبوية” لدى الغرب تتسم بالإخضاع الكلي النمطي العابر للثقافات، مما يمنح مزايا لقيم الحركة النسوية الغربية، في حين يبقى هذا النسق غير مدرك لبنى القوى الاقتصادية السياسية القامعة التي تكون صلة الوصل بين الغرب ودول الهامش. تخلص موهانتي إلى أن الخطاب النسوي الغربي يتسم بالمركزية العرقية ويمثل في بعض سياقاته شكلا معاصرا للخطاب الكولونيالي.
من هنا تترنح الحركات النسوية في عالمنا الثالث على سراط متأرجح غير مستقر ينطوي على مشروع أيديولوجي وسياسي غربي يهتم في جوهره باسترداد الشرق والمرأة.https://alarab.co.uk/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%84%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%8A