تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا يوجد ملخص تحرير
سطر 29: سطر 29:     
=== المشاركة السياسية ===
 
=== المشاركة السياسية ===
يمكن تعريف مبدأ المشاركة السياسية بالنشاط الذي يقوم به المواطنين والمواطنات بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي سواء كان هذا النشاط فرديا أم جماعيا، منظما أم عفويا. ويتضمن المفهوم قدرة المواطنين على التعبير العلني عن آرائهم ومواقفهم والتأثير في عملية صنع القرار إما من خلال خوض الانتخابات كمرشحات ومرشحين وتكوين النقابات والحركات بمختلف أنواعها أو من خلال انتخاب الأحزاب والأفراد للمجالس التشريعية والمحليات والنقابات وغيرها من الكيانات التمثيلية. إضافة إلي ذلك، تتبلور المشاركة السياسية حول أنشطة أخرى غير التي تم ذكرها، فأحيانا تعتبر اختيارات الأشخاص في حياتهم العامة والخاصة بمثابة التعبير عن موقف سياسي أو أيديولوجي ويجب اعتبار القدرة على هذا التعبير أيضا كأحد جوانب المشاركة السياسية في المجال العام والتي تتشكل حسب جملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة. تلك العوامل تساعدنا في فهم وتحليل أحد أهم معايير الحياة السياسية وهو مبدأ المواطنة وهو القائم على فكرة المساواة بين أبناء الوطن بمن فيهم من رجال ونساء بغض النظر عن العمر أو النوع أو العرق أو أي اختلافات أخرى. ولكن بسبب تباين الفرص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية نجد أن المواطنين ليسوا متساوون بهذا الشكل، بل تفتقد بعض الفئات الموارد الاقتصادية والمعرفية والمقومات الاجتماعية التي تساعدهم على ممارسة حقوقهم كمواطنين متساويين يمارسون اختياراتهم الشخصية والفكرية دون إرهاب أو تخويف، فالفرد لا يستطع المشاركة سياسيا إلا إذا توافرت لديه وسائل حمايته.
+
يمكن تعريف مبدأ [[مشاركة سياسية | المشاركة السياسية]] بالنشاط الذي يقوم به المواطنين والمواطنات بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي سواء كان هذا النشاط فرديا أم جماعيا، منظما أم عفويا. ويتضمن المفهوم قدرة المواطنين على التعبير العلني عن آرائهم ومواقفهم والتأثير في عملية صنع القرار إما من خلال خوض الانتخابات كمرشحات ومرشحين وتكوين النقابات والحركات بمختلف أنواعها أو من خلال انتخاب الأحزاب والأفراد للمجالس التشريعية والمحليات والنقابات وغيرها من الكيانات التمثيلية. إضافة إلي ذلك، تتبلور المشاركة السياسية حول أنشطة أخرى غير التي تم ذكرها، فأحيانا تعتبر اختيارات الأشخاص في حياتهم العامة والخاصة بمثابة التعبير عن موقف سياسي أو أيديولوجي ويجب اعتبار القدرة على هذا التعبير أيضا كأحد جوانب المشاركة السياسية في المجال العام والتي تتشكل حسب جملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة. تلك العوامل تساعدنا في فهم وتحليل أحد أهم معايير الحياة السياسية وهو مبدأ المواطنة وهو القائم على فكرة المساواة بين أبناء الوطن بمن فيهم من رجال ونساء بغض النظر عن العمر أو النوع أو العرق أو أي اختلافات أخرى. ولكن بسبب تباين الفرص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية نجد أن المواطنين ليسوا متساوون بهذا الشكل، بل تفتقد بعض الفئات الموارد الاقتصادية والمعرفية والمقومات الاجتماعية التي تساعدهم على ممارسة حقوقهم كمواطنين متساويين يمارسون اختياراتهم الشخصية والفكرية دون إرهاب أو تخويف، فالفرد لا يستطع المشاركة سياسيا إلا إذا توافرت لديه وسائل حمايته.
   −
وتعتبر العلاقات المتبادلة بين الفرد والدولة وما بين الأفراد وبعضهم البعض في المجالين الخاص والعام أحد المعايير لتحليل مستويات المواطنة والتي يحدد إطارها الدستور والقانون والأعراف الاجتماعية على حد سواء. وانطلاقا من هذا التعريف نجد أن المرأة في مصر تتراجع عن الرجل بشكل واضح فيما يخص حقوقها السياسية المرتبطة بالمجال العام وحقوقها الشخصية في المجال الخاص. فيبدو وأن الهياكل القانونية لحقوق المواطنة قد وضعت حول نوع مجتمعي واحد ولم تتضمن حقوق تمس واقع المرأة المجتمعي بشكل خاص، فهي هياكل لا تضمن مساواة في الإمكانيات المتوفرة بين الرجال والنساء ولكنها تعبر عن منظومة علاقات اجتماعية وسياسية وجنسية ترى المرأة على هامش الحياة العامة، ونفتقد لأدلة تشير إلى الرغبة في تغيير تلك الرؤية. وربما أصبحت المشاركة النسائية في السياسة أحد أهم معالم الخريطة السياسية في مصر بعد ثورة 25 يناير، وفي تلك المشاركة -التي تمثلت في المظاهرات والانتخابات سواء كناخبات أو مرشحات، وفي العمل الأهلي والتنموي والحزبي والحركات الاجتماعية ومجموعات الضغط- ظهرت بحدة أشكال التفاوت بين المساحات المتوفرة لحرية حركة وتعبير النساء وبين المساحات المتوفرة للرجال أثناء تأديتهم الأنشطة نفسها. ولفهم واقع النساء المصريات من المشاركة في المجال العام وقدرتهن على ممارسة حقوقهن الكاملة كمواطنات، لابد من نظرة متأنية لوضع المرأة في عدة محاور رئيسية.
+
وتعتبر العلاقات المتبادلة بين الفرد والدولة وما بين الأفراد وبعضهم البعض في المجالين الخاص والعام أحد المعايير لتحليل مستويات المواطنة والتي يحدد إطارها الدستور والقانون والأعراف الاجتماعية على حد سواء. وانطلاقا من هذا التعريف نجد أن المرأة في مصر تتراجع عن الرجل بشكل واضح فيما يخص حقوقها السياسية المرتبطة بالمجال العام وحقوقها الشخصية في المجال الخاص. فيبدو وأن الهياكل القانونية لحقوق المواطنة قد وضعت حول [[جندر | نوع مجتمعي]] واحد ولم تتضمن حقوق تمس واقع المرأة المجتمعي بشكل خاص، فهي هياكل لا تضمن مساواة في الإمكانيات المتوفرة بين الرجال والنساء ولكنها تعبر عن منظومة علاقات اجتماعية وسياسية وجنسية ترى المرأة على هامش الحياة العامة، ونفتقد لأدلة تشير إلى الرغبة في تغيير تلك الرؤية. وربما أصبحت المشاركة النسائية في السياسة أحد أهم معالم الخريطة السياسية في مصر بعد ثورة 25 يناير، وفي تلك المشاركة -التي تمثلت في المظاهرات والانتخابات سواء كناخبات أو مرشحات، وفي العمل الأهلي والتنموي والحزبي والحركات الاجتماعية ومجموعات الضغط- ظهرت بحدة أشكال التفاوت بين المساحات المتوفرة لحرية حركة وتعبير النساء وبين المساحات المتوفرة للرجال أثناء تأديتهم الأنشطة نفسها. ولفهم واقع النساء المصريات من المشاركة في المجال العام وقدرتهن على ممارسة حقوقهن الكاملة كمواطنات، لابد من نظرة متأنية لوضع المرأة في عدة محاور رئيسية.
    
== وضع المرأة في دستور مصر الأخير (المعطل) وقانون الانتخابات ==
 
== وضع المرأة في دستور مصر الأخير (المعطل) وقانون الانتخابات ==
 
تناول وضع النساء في دستور مصر بعد ثورة 25 يناير يستلزم نقاشا مطولا ولكن لأغراض السياق الراهن يجب الالتفات إلى أمرين: وضع النساء في اللجنة التأسيسية للدستور وأثر الدستور على حقوق المصريات وحرياتهن في المجال العام. فالدستور الذي بدأت لجنته التأسيسية عملها في 30 نوفمبر 2012، كتب في أجواء سياسية محتدمة، استبقها الإعلان الدستوري الذي أعلن عنه الرئيس المعزول محمد مرسى في 22 نوفمبر 2012 ليعطى لنفسه صلاحيات مطلقة من خلاله والتي أضفت أجواء عدائية حول عملية كتابة الدستور والاستفتاء على مواده. وفي تلك الأجواء تمت كتابة الدستور في غياب للتيارات الفكرية والسياسية المختلفة والذي تجلى في غياب صارخ للتمثيل النوعي للمسيحيين والنوبيين والبدو ومجموعات عقائدية وعرقية أخرى مختلفة، بالإضافة إلى غياب واضح للنساء الغير تابعات للحزب الإسلامي الحاكم وقلة عدد من تم تمثيلهن حتى انتهاء فترة عمل اللجنة. فنسبة تمثيل المرأة في اللجنة التأسيسية للدستور كانت لا تتعدى الـ6%، ومن ثم غابت رؤى وتصورات النساء المصريات عن دستور مصر بعد الثورة، فضلا عن غياب الخبرات السياسية والقانونية والمجتمعية التي تمتلكها تلك النساء اللاتي خضن  تجارب طويلة في العمل السياسي وعلى دراية بالمشكلات الهيكلية التي تواجه نساء مصر.
 
تناول وضع النساء في دستور مصر بعد ثورة 25 يناير يستلزم نقاشا مطولا ولكن لأغراض السياق الراهن يجب الالتفات إلى أمرين: وضع النساء في اللجنة التأسيسية للدستور وأثر الدستور على حقوق المصريات وحرياتهن في المجال العام. فالدستور الذي بدأت لجنته التأسيسية عملها في 30 نوفمبر 2012، كتب في أجواء سياسية محتدمة، استبقها الإعلان الدستوري الذي أعلن عنه الرئيس المعزول محمد مرسى في 22 نوفمبر 2012 ليعطى لنفسه صلاحيات مطلقة من خلاله والتي أضفت أجواء عدائية حول عملية كتابة الدستور والاستفتاء على مواده. وفي تلك الأجواء تمت كتابة الدستور في غياب للتيارات الفكرية والسياسية المختلفة والذي تجلى في غياب صارخ للتمثيل النوعي للمسيحيين والنوبيين والبدو ومجموعات عقائدية وعرقية أخرى مختلفة، بالإضافة إلى غياب واضح للنساء الغير تابعات للحزب الإسلامي الحاكم وقلة عدد من تم تمثيلهن حتى انتهاء فترة عمل اللجنة. فنسبة تمثيل المرأة في اللجنة التأسيسية للدستور كانت لا تتعدى الـ6%، ومن ثم غابت رؤى وتصورات النساء المصريات عن دستور مصر بعد الثورة، فضلا عن غياب الخبرات السياسية والقانونية والمجتمعية التي تمتلكها تلك النساء اللاتي خضن  تجارب طويلة في العمل السياسي وعلى دراية بالمشكلات الهيكلية التي تواجه نساء مصر.
   −
وبالتالي كانت نسب تمثيل التيارات الفكرية المختلفة محبطة للغاية في ظل استحواذ عضوات حزب الحرية والعدالة على ثلثي مجموع النساء في اللجنة. ويجب التنويه أن الإخفاق في ضمان تمثيل عادل للتيارات المختلفة بمن فيهم من شخصيات نسائية كان من الضروري لها أن تشاركن بقوة في كتابة دستور مصر ما هو إلا إشارة واضحة إلى ثقافة مجتمعية تمييزية تجاه مشاركة النساء السياسية على قدم متساوية مع الرجال، ويتضح ذلك إما في معايير اختيار أعضاء اللجنة أو التعمد في تقليص عدد العضوات بها. وكانت نتائج تقليص قدرة النساء على المشاركة في صياغة مواد الدستور هو أنها جعلت من دستور مصر بعد الثورة دستور "للرجال فقط". فالنص الدستوري المتمثل في المادة 33 بباب الحقوق والحريات والذي نص على أن "المواطنون لدى القانون سواء؛ وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك"، لا يكفي، ويرسم صورة زائفة للواقع. ولعل أحد الدلائل على غياب المساواة بين الجنسين هو أن تقلصت المواد الخاصة بالنساء في باب الحقوق والحريات من أربعة مواد في دستور 1971 إلى مادة واحدة في الدستور الجديد، كما اقتصرت الإشارات للمرأة في الدستور على ما يتصل بالبيت والأسرة ولم تتم الإشارة إلى حقوق المرأة في العمل العام سوى بالترابط مع دورها الأسرى وهو الدور الذي أعطاه أعضاء لجنة كتابة الدستور الأهمية الأكبر، ونرى ذلك متمثلا في المادة 10 والتي نصت على أن "تكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام".  
+
وبالتالي كانت نسب تمثيل التيارات الفكرية المختلفة محبطة للغاية في ظل استحواذ عضوات حزب الحرية والعدالة على ثلثي مجموع النساء في اللجنة. ويجب التنويه أن الإخفاق في ضمان تمثيل عادل للتيارات المختلفة بمن فيهم من شخصيات نسائية كان من الضروري لها أن تشاركن بقوة في كتابة دستور مصر ما هو إلا إشارة واضحة إلى ثقافة مجتمعية تمييزية تجاه مشاركة النساء السياسية على قدم متساوية مع الرجال، ويتضح ذلك إما في معايير اختيار أعضاء اللجنة أو التعمد في تقليص عدد العضوات بها. وكانت نتائج تقليص قدرة النساء على المشاركة في صياغة مواد الدستور هو أنها جعلت من دستور مصر بعد الثورة دستور "للرجال فقط". فالنص الدستوري المتمثل في المادة 33 بباب الحقوق والحريات والذي نص على أن "المواطنون لدى القانون سواء؛ وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك"، لا يكفي، ويرسم صورة زائفة للواقع. ولعل أحد الدلائل على غياب المساواة بين الجنسين هو أن تقلصت المواد الخاصة بالنساء في باب الحقوق والحريات من أربعة مواد في دستور 1971 إلى مادة واحدة في الدستور الجديد، كما اقتصرت الإشارات للمرأة في الدستور على ما يتصل بالبيت والأسرة ولم تتم الإشارة إلى حقوق المرأة في العمل العام سوى بالترابط مع دورها الأسرى وهو الدور الذي أعطاه أعضاء لجنة كتابة الدستور الأهمية الأكبر، ونرى ذلك متمثلا في المادة 10 والتي نصت على أن "تكفل الدولة خدمات [[أمومة | الأمومة]] والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام".  
   −
إضافة إلي ذلك، أتى الدستور الجديد ليذكر النساء "كمطلقات وأرامل ونساء معيلات" وكأن النساء المصريات مواطنات من الدرجة الثانية في حاجة إلى الرعاية الدائمة، متجاهلين أنهن شريكات في الوطن على قدم المساواة مع الرجال. كما تم قصر قضايا النساء في "الأطر الأخلاقية التقليدية التي اتفقت المجتمعات الأبوية على أن تكون هي الأدوات التي يتم بها تحديد أدوار للنساء" فلم يتم الإشارة إلى حقوق النساء في مختلف المجالات السياسية فلم يضمن الدستور نظام انتخابي يسمح بمشاركة نسائية أكبر، كما جاء بأطر مقيدة للحق في التنظيم مما يؤثر سلبا على قدرة النساء في التنظيم داخل النقابات العمالية أو المهنية أو غيرها من التنظيمات مما يحد من مشاركتهن في مجالات العمل ويحد من قدرتهن على الضغط من أجل ظروف عمل أفضل. وأخيرا وليس أخرا، ركز دستور مصر بعد الثورة على النساء وموقفهن من أشكال الاستغلال القسري والتجارة بالجنس والذي تمثل في المادة 73 بباب الحقوق والحريات الذي نص على أن "يحظر كل صور القهر، والاستغلال القسرى للإنسان،  وتجارة الجنس، ويجرم القانون ذلك." والإشكالية الأكبر تتمثل في وجود تلك المادة ضمن باب "الحقوق والحريات" بينما فرغ الباب ذاته من أي مادة حول [[حقوق النساء]] وحرياتهن وما في ذلك من تأكيد على عدم اعتماد تلك الوثيقة [[مساواة بين النوع الاجتماعي | المساواة بين النساء والرجال]] وتمركز فلسفتها حول وضع ودور النساء الأخلاقي في تجاهل تام لدورهن كمواطنات لهن الحق في مجالات الحياة العامة والخاصة بعيدا عن الأحكام الأخلاقية والأدوار الجنسية والأسرية التي رأي أعضاء اللجنة التأسيسية أنها كافية لضمان حقوق المرأة في هذا المجتمع.
+
إضافة إلي ذلك، أتى الدستور الجديد ليذكر النساء "كمطلقات وأرامل و[[نساء معيلات]]" وكأن النساء المصريات مواطنات من الدرجة الثانية في حاجة إلى الرعاية الدائمة، متجاهلين أنهن شريكات في الوطن على قدم المساواة مع الرجال. كما تم قصر قضايا النساء في "الأطر الأخلاقية التقليدية التي اتفقت المجتمعات الأبوية على أن تكون هي الأدوات التي يتم بها تحديد أدوار للنساء" فلم يتم الإشارة إلى حقوق النساء في مختلف المجالات السياسية فلم يضمن الدستور نظام انتخابي يسمح بمشاركة نسائية أكبر، كما جاء بأطر مقيدة [[حق التنظيم | للحق في التنظيم]] مما يؤثر سلبا على قدرة النساء في التنظيم داخل النقابات العمالية أو المهنية أو غيرها من التنظيمات مما يحد من مشاركتهن في مجالات العمل ويحد من قدرتهن على الضغط من أجل ظروف عمل أفضل. وأخيرا وليس أخرا، ركز دستور مصر بعد الثورة على النساء وموقفهن من أشكال الاستغلال القسري و[[تجارة الجنس | التجارة بالجنس]] والذي تمثل في المادة 73 بباب الحقوق والحريات الذي نص على أن "يحظر كل صور القهر، والاستغلال القسرى للإنسان،  وتجارة الجنس، ويجرم القانون ذلك." والإشكالية الأكبر تتمثل في وجود تلك المادة ضمن باب "الحقوق والحريات" بينما فرغ الباب ذاته من أي مادة حول [[حقوق النساء]] وحرياتهن وما في ذلك من تأكيد على عدم اعتماد تلك الوثيقة [[مساواة النوع الاجتماعي | المساواة بين النساء والرجال]] وتمركز فلسفتها حول وضع ودور النساء الأخلاقي في تجاهل تام لدورهن كمواطنات لهن الحق في مجالات الحياة العامة والخاصة بعيدا عن الأحكام الأخلاقية والأدوار الجنسية والأسرية التي رأي أعضاء اللجنة التأسيسية أنها كافية لضمان حقوق المرأة في هذا المجتمع.
    
وفي امتداد لنفس البيئة الفكرية الاحتكارية تبلور قانون الانتخابات التشريعية والذي كتب بمشاركة نسائية لا تتعدى الـ3% كما أن تلك النسبة خلت من مشاركة النساء المتخصصات في المجالات السياسية والاقتصادية اللاتي لديهن خبرة واسعة في المجال التشريعي. وربما تساعد تلك النسبة وتركيبتها في فهم أحد الأسباب خلف صدور قانون انتخابات غافل عن حقوق النساء في التمثيل والعمل السياسي ومتجاهل العوائق التي تواجه المرشحات في خوض المعارك الانتخابية والانخراط في العمل العام. وفي ظل تلك التركيبة السياسية للمشرعين جاءت المادة الثالثة من قانون مجلس النواب والتي نصت على أن تحتوى كل قائمة مرشحة واحدة على الأقل دون تحديد موقعها من القائمة. وتمثل تلك المادة أحد أشكال التمييز الايجابي للمرشحات، إلا أنه تبين أنها لفتة رمزية، وأنها فشلت في تحقيق آلية تساعد المرشحات على المنافسة على قدم متساوية مع الرجال. وبتمرير تلك المادة ضرب المشرعون بعرض الحائط كافة مشاريع القوانين التي تقدمت باقتراحات إيجابية حول تحديد وضع النساء في النصف الأول من القائمة لمساواة فرص فوزهن بالرجال وضمان تمثيلهن لنسبتهن الحقيقية في المجتمع.  
 
وفي امتداد لنفس البيئة الفكرية الاحتكارية تبلور قانون الانتخابات التشريعية والذي كتب بمشاركة نسائية لا تتعدى الـ3% كما أن تلك النسبة خلت من مشاركة النساء المتخصصات في المجالات السياسية والاقتصادية اللاتي لديهن خبرة واسعة في المجال التشريعي. وربما تساعد تلك النسبة وتركيبتها في فهم أحد الأسباب خلف صدور قانون انتخابات غافل عن حقوق النساء في التمثيل والعمل السياسي ومتجاهل العوائق التي تواجه المرشحات في خوض المعارك الانتخابية والانخراط في العمل العام. وفي ظل تلك التركيبة السياسية للمشرعين جاءت المادة الثالثة من قانون مجلس النواب والتي نصت على أن تحتوى كل قائمة مرشحة واحدة على الأقل دون تحديد موقعها من القائمة. وتمثل تلك المادة أحد أشكال التمييز الايجابي للمرشحات، إلا أنه تبين أنها لفتة رمزية، وأنها فشلت في تحقيق آلية تساعد المرشحات على المنافسة على قدم متساوية مع الرجال. وبتمرير تلك المادة ضرب المشرعون بعرض الحائط كافة مشاريع القوانين التي تقدمت باقتراحات إيجابية حول تحديد وضع النساء في النصف الأول من القائمة لمساواة فرص فوزهن بالرجال وضمان تمثيلهن لنسبتهن الحقيقية في المجتمع.  
   −
ولذلك، يجب لفت الانتباه إلى الإشكاليات حول فكرة التمييز الإيجابي بشكل عام مع العلم بأن جدوى الآلية يعتمد على توفيق وسائل التمييز مع الواقع المجتمعي والسياسي. فمثلا نجد أن طريقة تطبيق كوته المرأة في الماضي أخفقت في التوصل إلى وجود نسائي داخل البرلمان بما يضمن تمثيل واقعي لفئات الشعب المختلفة حيث كان المستفيد الأول والأخير منها نساء الحزب الوطني الديمقراطي المنحل. كما أن الكوتة التي طبقت في برلمان 2010، تم تفريغها من معناها حين تم إضافة مقاعد مخصصة للنساء بالإضافة إلي عدد المقاعد البرلمانية الأساسية. أما الدفاع عن موقف إلغاء تلك الحصص المخصصة للنساء في أول برلمان بعد الثورة فتم تبريره بحجة أن المواطنين كلهم متساويين في الحياة السياسية ولا يحق لأحد أن يميز بقانون عن الآخر. وعلى الرغم من ذلك نجد أن المقاعد المخصصة للعمال والفلاحين أي كوتة العمال والفلاحين- رغم أنها كانت ضمن الأحكام الانتقالية للدستور والذي يعنى استمرار تطبيقها لمدة دورة برلمانية واحدة- قد وجدت مكانا لها في الدستور على عكس وضع المرأة الذي ألغى تماما وما في ذلك من إخلال لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون. إضافة إلي ذلك، فالنساء اللاتي ترشحن تبعا للنظام الفردي والذي مثله ثلث مقاعد البرلمان وجدن صعوبة في الفوز والتنافس، خاصة بالنسبة للمرشحات اللاتي لا يتمتعن بدعم مالي أو جماهيري أو خبرة في خوض الانتخابات البرلمانية. و كان أثر مجمل تلك العوامل هو أن عدد عضوات البرلمان لم تتعدى الإحدى عشرة عضوه وعدد عضوات مجلس الشورى لم يتعد الثمانية، من أصل 270 عضوا. وبالتالي نجد أن قانون الانتخابات التشريعية ككل فشل في توفير العوامل الملائمة لخوض النساء الانتخابات، خاصة وأن معظمهن كانوا يخوضونها للمرة الأولى.
+
ولذلك، يجب لفت الانتباه إلى الإشكاليات حول فكرة التمييز الإيجابي بشكل عام مع العلم بأن جدوى الآلية يعتمد على توفيق وسائل التمييز مع الواقع المجتمعي والسياسي. فمثلا نجد أن طريقة تطبيق [[كوته]] المرأة في الماضي أخفقت في التوصل إلى وجود نسائي داخل البرلمان بما يضمن تمثيل واقعي لفئات الشعب المختلفة حيث كان المستفيد الأول والأخير منها نساء الحزب الوطني الديمقراطي المنحل. كما أن الكوتة التي طبقت في برلمان 2010، تم تفريغها من معناها حين تم إضافة مقاعد مخصصة للنساء بالإضافة إلي عدد المقاعد البرلمانية الأساسية. أما الدفاع عن موقف إلغاء تلك الحصص المخصصة للنساء في أول برلمان بعد الثورة فتم تبريره بحجة أن المواطنين كلهم متساويين في الحياة السياسية ولا يحق لأحد أن يميز بقانون عن الآخر. وعلى الرغم من ذلك نجد أن المقاعد المخصصة للعمال والفلاحين أي كوتة العمال والفلاحين- رغم أنها كانت ضمن الأحكام الانتقالية للدستور والذي يعنى استمرار تطبيقها لمدة دورة برلمانية واحدة- قد وجدت مكانا لها في الدستور على عكس وضع المرأة الذي ألغى تماما وما في ذلك من إخلال لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون. إضافة إلي ذلك، فالنساء اللاتي ترشحن تبعا للنظام الفردي والذي مثله ثلث مقاعد البرلمان وجدن صعوبة في الفوز والتنافس، خاصة بالنسبة للمرشحات اللاتي لا يتمتعن بدعم مالي أو جماهيري أو خبرة في خوض الانتخابات البرلمانية. و كان أثر مجمل تلك العوامل هو أن عدد عضوات البرلمان لم تتعدى الإحدى عشرة عضوه وعدد عضوات مجلس الشورى لم يتعد الثمانية، من أصل 270 عضوا. وبالتالي نجد أن قانون الانتخابات التشريعية ككل فشل في توفير العوامل الملائمة لخوض النساء الانتخابات، خاصة وأن معظمهن كانوا يخوضونها للمرة الأولى.
   −
وغياب المشاركة النسائية المتساوية   لم يكن مشكلة في المؤسسات التشريعية فحسب، ولكن كان انعكاسه جليا على ظروف النساء في حياتهن اليومية حيث نجد أن وضعهن في سوق العمل مثلا لا يزال أكثر ترديا من وضع العاملين الرجال متمثلا في مفارقة واضحة بين أجور العاملات والعاملين. كما تفتقد العاملات الأمهات لتعاون جهات العمل بالرغم من وجود قانون يلزم بتوفير حضانات للأطفال في مكان العمل. هذا فضلا عن وقائع التحرش الجنسي التي تتعرضن لها العاملات في جهات العمل المختلفة. ونتيجة لذلك ولأسباب عديدة أخرى منها عدم وجود تمثيل نسائي كاف في النقابات العمالية والمهنية في مواقع صنع القرار، نجد أن سوق العمل الرسمي في مصر يعانى من إحدى أقل النسب لتمثيل النساء وهى النسبة التي لا تتعدى الـ23%. ويتحتم الإشارة في هذا الموضوع إلى وضع النساء في سوق العمل الغير رسمي أيضا، والذي يتجاهله قانون العمل حيث أن أحد أهم سماته عدم تمتع صاحبات المهن غير الرسمية بالأمان الاجتماعي والاقتصادي لعدم حصولهن على عقد عمل أو تأمين اجتماعي وصحي يضمن لهن ولأسرهن حياة كريمة، فالنساء العاملات بسوق العمل الغير رسمي لا يتمتعن بأي غطاء قانوني يحميهن، كما أن الدراسات تشير إلى أن حصول النساء على أجور تقل عن تلك التي يحصل عليها الرجال في سوق العمل الغير رسمي، لا يعتمد فقط على تركزهن في مهن تقع أسفل السلم الوظيفي، ولكن في ذلك إشارة أيضا إلى التمييز القائم على النوع، والذي لا يتصدى القانون له بأي شكل من الأشكال وإن كان كل هذا يدل على شيء فهو يدل على ضرورة توفير وتقنين الحق في التنظيم، والعمل على إطلاق قانون الحريات النقابية والذي قد يتيح المساحات لتشمل حقوق النساء العاملات في المجالين الرسمي والغير رسمي والذي تعنت نظام الإخوان ضده في محاولة لبسط سيطرته على الفئة العمالية المصرية، النساء ورجال.
+
وغياب المشاركة النسائية المتساوية لم يكن مشكلة في المؤسسات التشريعية فحسب، ولكن كان انعكاسه جليا على ظروف النساء في حياتهن اليومية حيث نجد أن وضعهن في سوق العمل مثلا لا يزال أكثر ترديا من وضع العاملين الرجال متمثلا في مفارقة واضحة بين [[فجوة الأجور بين الجنسين | أجور العاملات والعاملين]]. كما تفتقد العاملات الأمهات لتعاون جهات العمل بالرغم من وجود قانون يلزم بتوفير حضانات للأطفال في مكان العمل. هذا فضلا عن وقائع [[تحرش جنسي | التحرش الجنسي]] التي تتعرضن لها العاملات في جهات العمل المختلفة. ونتيجة لذلك ولأسباب عديدة أخرى منها عدم وجود تمثيل نسائي كاف في النقابات العمالية والمهنية في مواقع صنع القرار، نجد أن سوق العمل الرسمي في مصر يعانى من إحدى أقل النسب لتمثيل النساء وهى النسبة التي لا تتعدى الـ23%. ويتحتم الإشارة في هذا الموضوع إلى وضع النساء في سوق العمل الغير رسمي أيضا، والذي يتجاهله قانون العمل حيث أن أحد أهم سماته عدم تمتع صاحبات المهن غير الرسمية بالأمان الاجتماعي والاقتصادي لعدم حصولهن على عقد عمل أو تأمين اجتماعي وصحي يضمن لهن ولأسرهن حياة كريمة، فالنساء العاملات بسوق العمل الغير رسمي لا يتمتعن بأي غطاء قانوني يحميهن، كما أن الدراسات تشير إلى أن حصول النساء على أجور تقل عن تلك التي يحصل عليها الرجال في سوق العمل الغير رسمي، لا يعتمد فقط على تركزهن في مهن تقع أسفل السلم الوظيفي، ولكن في ذلك إشارة أيضا إلى التمييز القائم على النوع، والذي لا يتصدى القانون له بأي شكل من الأشكال وإن كان كل هذا يدل على شيء فهو يدل على ضرورة توفير وتقنين الحق في التنظيم، والعمل على إطلاق قانون الحريات النقابية والذي قد يتيح المساحات لتشمل حقوق النساء العاملات في المجالين الرسمي والغير رسمي والذي تعنت نظام الإخوان ضده في محاولة لبسط سيطرته على الفئة العمالية المصرية، النساء ورجال.
    
فهناك ضرورة لانعكاس الحاجة لتمثيل نسائي أكبر في المؤسسات التشريعية لما تخرجه من قوانين تمس الحياة العامة للمواطنات، بالإضافة إلى تواجدهن الفعال في النقابات والمحليات. وبالتالي نجد أن قانون الانتخابات والقوانين الخاصة بالتنظيم النقابي، وغيرهم من القوانين المتعلقة بممارسات الحياة العامة، ينتقص من النساء فرصهن في المشاركة في الحياة السياسية، ويستبعدهم عن المنظومة التشريعية والتي تعيد إنتاج قوانين تفتقد لرؤية النساء المصريات وما لذلك أثر في ترسيخ المفاهيم الاجتماعية المعيبة عن دور المرأة و حقها في المشاركة في كافة المساحات العامة. وتتبلور تلك المفاهيم في عدة أشكال وأحيانا تأتى بردود فعل عنيفة ضد النساء المشاركات في الأنشطة السياسية العامة مثل المظاهرات والاعتصامات أو في صورة تفعيل قوانين مضرة بالنساء وغافلة عن واقعهم الاجتماعي والأمني. وأحد أمثلة تلك القوانين المضرة بتواجد النساء في المجال العام كان قانون الضبطية القضائية للمواطنين الذي كان قد أعلن النائب العام السابق المستشار طلعت عبد الله عن بداية العمل به.   
 
فهناك ضرورة لانعكاس الحاجة لتمثيل نسائي أكبر في المؤسسات التشريعية لما تخرجه من قوانين تمس الحياة العامة للمواطنات، بالإضافة إلى تواجدهن الفعال في النقابات والمحليات. وبالتالي نجد أن قانون الانتخابات والقوانين الخاصة بالتنظيم النقابي، وغيرهم من القوانين المتعلقة بممارسات الحياة العامة، ينتقص من النساء فرصهن في المشاركة في الحياة السياسية، ويستبعدهم عن المنظومة التشريعية والتي تعيد إنتاج قوانين تفتقد لرؤية النساء المصريات وما لذلك أثر في ترسيخ المفاهيم الاجتماعية المعيبة عن دور المرأة و حقها في المشاركة في كافة المساحات العامة. وتتبلور تلك المفاهيم في عدة أشكال وأحيانا تأتى بردود فعل عنيفة ضد النساء المشاركات في الأنشطة السياسية العامة مثل المظاهرات والاعتصامات أو في صورة تفعيل قوانين مضرة بالنساء وغافلة عن واقعهم الاجتماعي والأمني. وأحد أمثلة تلك القوانين المضرة بتواجد النساء في المجال العام كان قانون الضبطية القضائية للمواطنين الذي كان قد أعلن النائب العام السابق المستشار طلعت عبد الله عن بداية العمل به.   
سطر 55: سطر 55:  
وعلى الرغم من أن معظم أنواع القانون المصري من المفترض أنها قد مرت بعملية تدريجية من الانفصال عن شكل المحاكم الشرعية عند نهاية القرن التاسع عشر إلا أن الأحكام القانونية الصادرة عن المحاكم المصرية في حالة اشتباك وإعادة إنتاج للواقع الاجتماعي المحافظ والذي تعد التعاليم والتقاليد الدينية المحافظة مجتمعيا أحد أعمدته، بحيث تصبح الثقافة المجتمعية المحافظة المغلفة بأطر دينية جزء من النسيج الاجتماعي الذي تفصل فيه تلك القوانين والتي تستمد منها الكثير من أحكامه. وفي الوقت نفسه نجد أن قانون الأحوال الشخصية قد شهد وتيرة انفصال أقل حدة من فروع القوانين الأخرى. وتوجب قراءة هذا القانون من خلال التطورات الاجتماعية والسياسية التي أثرت على طرق ومعايير استخدام المذاهب الفقهية الأربعة، بحيث تتباين أشكال مرجعية قانون الأحوال الشخصية على حسب قراءات المذاهب المختلفة بالإضافة إلى العادات والأنماط الاجتماعية السائدة، والتي تتشكل نتيجة لواقع سياسي. وبهذا الشكل، توجب قراءة قانون الأحوال الشخصية بعيدا عن كونه مجموعة من التشريعات الدينية الثابتة، ولكنها نتيجة لتفاعلات بين أنماط دينية واجتماعية، أثرت عليها صراعات قوى تبنت أطرافها أيديولوجيات مختلفة، ونتجت عنها أشكال مختلفة للقانون تختلف في الدول الإسلامية الأخرى.
 
وعلى الرغم من أن معظم أنواع القانون المصري من المفترض أنها قد مرت بعملية تدريجية من الانفصال عن شكل المحاكم الشرعية عند نهاية القرن التاسع عشر إلا أن الأحكام القانونية الصادرة عن المحاكم المصرية في حالة اشتباك وإعادة إنتاج للواقع الاجتماعي المحافظ والذي تعد التعاليم والتقاليد الدينية المحافظة مجتمعيا أحد أعمدته، بحيث تصبح الثقافة المجتمعية المحافظة المغلفة بأطر دينية جزء من النسيج الاجتماعي الذي تفصل فيه تلك القوانين والتي تستمد منها الكثير من أحكامه. وفي الوقت نفسه نجد أن قانون الأحوال الشخصية قد شهد وتيرة انفصال أقل حدة من فروع القوانين الأخرى. وتوجب قراءة هذا القانون من خلال التطورات الاجتماعية والسياسية التي أثرت على طرق ومعايير استخدام المذاهب الفقهية الأربعة، بحيث تتباين أشكال مرجعية قانون الأحوال الشخصية على حسب قراءات المذاهب المختلفة بالإضافة إلى العادات والأنماط الاجتماعية السائدة، والتي تتشكل نتيجة لواقع سياسي. وبهذا الشكل، توجب قراءة قانون الأحوال الشخصية بعيدا عن كونه مجموعة من التشريعات الدينية الثابتة، ولكنها نتيجة لتفاعلات بين أنماط دينية واجتماعية، أثرت عليها صراعات قوى تبنت أطرافها أيديولوجيات مختلفة، ونتجت عنها أشكال مختلفة للقانون تختلف في الدول الإسلامية الأخرى.
   −
من هذه النقطة يجب توضيح أمرين وهما أن قانون الأحوال الشخصية كما هو محكوم بمبادئ دينية فهو أيضا محكوم بمبادئ مجتمعية، يتأثر بها وله دور في إعادة إنتاجها. والأمر الثاني هو أن قانون الأحوال الشخصية كغيره من القوانين له أبعاد سياسية تختلف مع طبيعة نظام الحكم، وما لذلك أثر في تشكيل المجال الخاص الذي ينظم الشئون الخاصة للمواطنين. والدولة المصرية في عصورها المختلفة كانت دائما ما تتوخى الحذر عند التدخل في تغيير القانون، خاصة حينما تأتى تلك التدخلات بمساحات أوسع لحقوق المرأة في شئون الزواج والطلاق والميراث والوصاية على الأطفال. وربما يتمثل ذلك الحذر في عدة أسباب منهم الطبيعة الاجتماعية والسياسية المحافظة لدى الحكام والقطاعات الأكبر من المواطنين، ومحاولات للتوازن بين القوى الإسلامية المحافظة من جهة وقوى مدنية من جهة أخرى تطالب بتعديلات بالقانون لضمان حقوق وحريات أوسع للنساء. وبالتالي استمر التمييز للكثير من الفتيات والزوجات والأمهات المصريات وتعرضهن لأشكال متباينة من العنف والاضطهاد في المجالات الخاصة والتي يجب أن يُنظر لها كأحد العوامل المركزية المعيقة لتقدم النساء للمشاركة في العمل العام والمشاركة السياسية على وجه الخصوص.  
+
من هذه النقطة يجب توضيح أمرين وهما أن قانون الأحوال الشخصية كما هو محكوم بمبادئ دينية فهو أيضا محكوم بمبادئ مجتمعية، يتأثر بها وله دور في إعادة إنتاجها. والأمر الثاني هو أن قانون الأحوال الشخصية كغيره من القوانين له أبعاد سياسية تختلف مع طبيعة نظام الحكم، وما لذلك أثر في تشكيل المجال الخاص الذي ينظم الشئون الخاصة للمواطنين. والدولة المصرية في عصورها المختلفة كانت دائما ما تتوخى الحذر عند التدخل في تغيير القانون، خاصة حينما تأتى تلك التدخلات بمساحات أوسع لحقوق المرأة في شئون الزواج و[[طلاق | الطلاق]] والميراث و[[وصاية على الأطفال | الوصاية على الأطفال]]. وربما يتمثل ذلك الحذر في عدة أسباب منهم الطبيعة الاجتماعية والسياسية المحافظة لدى الحكام والقطاعات الأكبر من المواطنين، ومحاولات للتوازن بين القوى الإسلامية المحافظة من جهة وقوى مدنية من جهة أخرى تطالب بتعديلات بالقانون لضمان حقوق وحريات أوسع للنساء. وبالتالي استمر [[تمييز جنسي | التمييز]] للكثير من الفتيات والزوجات والأمهات المصريات وتعرضهن لأشكال متباينة من [[عنف ضد المرأة | العنف]] والاضطهاد في المجالات الخاصة والتي يجب أن يُنظر لها كأحد العوامل المركزية المعيقة لتقدم النساء للمشاركة في العمل العام والمشاركة السياسية على وجه الخصوص.  
    
ولكن رغم هذا التضييق إلا أن بعض المنظمات النسائية نجحت في تمرير عدة تعديلات مهمة على القانون. ومن أهم هذه التعديلات كان قانون الخلع الذي مرر في عام 2000 بعد معارك طويلة خاضتها المدافعات عن حقوق المرأة من ناشطات سياسيات وقانونيات ومتخصصات في الشريعة والقانون الإسلامي، ضد أجهزة الدولة والمجموعات الدينية الأكثر تشددا. وتضمنت تلك التعديلات أيضا قانون الوصاية على الأطفال رقم 25 لعام 1929 والذي أعطى الأم المطلقة الحق في تربية أطفالها حتى سن الخامسة عشر بدلا من سن العاشرة للبنين والثانية عشر للبنات. وأخيرا رفع سن الزواج إلى 18 سنة بدلا من 16 لإعطاء الفتيات فرص أكبر في التعليم واكتساب الخبرات الحياتية خارج تحديات ومسئوليات العلاقات الزوجية. وفي تلك التغيرات تتضح ضرورة سد الفجوة بين الحقوق التي يقرها قانون الأحوال الشخصية للمرأة والواقع الثقافي والاجتماعي المتغير الذي يستلزم قوانين جديدة للتعامل مع هذا الواقع. إضافة إلي ذلك، لازالت تحتاج قوانين الأحوال الشخصية، وحتى النصوص الجديدة منها، إلى رؤية شاملة ناتجة عن حوار مجتمعي مع الفئات التي لها تعامل مباشر مع القانون وتتأثر به، حتى يتم التعرف على واقع الحياة الأسرية والزوجية الأكثر تضررا منه. كما يتوجب العمل على تقصير فترات التقاضي والتي ينتج طول مدتها عن تهرب الأزواج من أداء الأحكام، خاصة في ظل ثقافة الفساد وأبوية النظام التي تعمل خلالها مؤسسات الدولة المختلفة. فعلى سبيل المثال وجد أنه نتيجة لعدم وجود عقوبات رادعة للأزواج الذين لا يقومون بسداد النفقة لزوجاتهم، مفضلين الحبس على عدم سدادها، هو أن عدد قضايا الحبس ازدادت من 3849 قضية في عام 2006 بالقاهرة إلى 5378 قضية في 2007 فقط. و في الريف يتكرر السيناريو ذاته حيث ارتفعت حالات الحبس في المناطق الريفية في عام 2006 من 717 قضية لتصل إلى 1134 قضية في 2007.  نظرا لمركزية الجانب المادي في خلق فرص للزوجات والأمهات للسعي وراء غاياتهن وطموحاتهن خارج نطاق العمل الأسرى، فمن المهم تبنى قوانين بديلة تسمح بتقسيم متساو للثروة الزوجية خاصة ليتم العمل بها في حالات الطلاق والطلاق التعسفي والغيابي للاقتراب من تصور أكثر مساواة بين الطرفين و للسماح للنساء بإمكانيات أكبر لتحقيق طموحاتهن خارج العلاقات المنزلية.
 
ولكن رغم هذا التضييق إلا أن بعض المنظمات النسائية نجحت في تمرير عدة تعديلات مهمة على القانون. ومن أهم هذه التعديلات كان قانون الخلع الذي مرر في عام 2000 بعد معارك طويلة خاضتها المدافعات عن حقوق المرأة من ناشطات سياسيات وقانونيات ومتخصصات في الشريعة والقانون الإسلامي، ضد أجهزة الدولة والمجموعات الدينية الأكثر تشددا. وتضمنت تلك التعديلات أيضا قانون الوصاية على الأطفال رقم 25 لعام 1929 والذي أعطى الأم المطلقة الحق في تربية أطفالها حتى سن الخامسة عشر بدلا من سن العاشرة للبنين والثانية عشر للبنات. وأخيرا رفع سن الزواج إلى 18 سنة بدلا من 16 لإعطاء الفتيات فرص أكبر في التعليم واكتساب الخبرات الحياتية خارج تحديات ومسئوليات العلاقات الزوجية. وفي تلك التغيرات تتضح ضرورة سد الفجوة بين الحقوق التي يقرها قانون الأحوال الشخصية للمرأة والواقع الثقافي والاجتماعي المتغير الذي يستلزم قوانين جديدة للتعامل مع هذا الواقع. إضافة إلي ذلك، لازالت تحتاج قوانين الأحوال الشخصية، وحتى النصوص الجديدة منها، إلى رؤية شاملة ناتجة عن حوار مجتمعي مع الفئات التي لها تعامل مباشر مع القانون وتتأثر به، حتى يتم التعرف على واقع الحياة الأسرية والزوجية الأكثر تضررا منه. كما يتوجب العمل على تقصير فترات التقاضي والتي ينتج طول مدتها عن تهرب الأزواج من أداء الأحكام، خاصة في ظل ثقافة الفساد وأبوية النظام التي تعمل خلالها مؤسسات الدولة المختلفة. فعلى سبيل المثال وجد أنه نتيجة لعدم وجود عقوبات رادعة للأزواج الذين لا يقومون بسداد النفقة لزوجاتهم، مفضلين الحبس على عدم سدادها، هو أن عدد قضايا الحبس ازدادت من 3849 قضية في عام 2006 بالقاهرة إلى 5378 قضية في 2007 فقط. و في الريف يتكرر السيناريو ذاته حيث ارتفعت حالات الحبس في المناطق الريفية في عام 2006 من 717 قضية لتصل إلى 1134 قضية في 2007.  نظرا لمركزية الجانب المادي في خلق فرص للزوجات والأمهات للسعي وراء غاياتهن وطموحاتهن خارج نطاق العمل الأسرى، فمن المهم تبنى قوانين بديلة تسمح بتقسيم متساو للثروة الزوجية خاصة ليتم العمل بها في حالات الطلاق والطلاق التعسفي والغيابي للاقتراب من تصور أكثر مساواة بين الطرفين و للسماح للنساء بإمكانيات أكبر لتحقيق طموحاتهن خارج العلاقات المنزلية.
7٬893

تعديل

قائمة التصفح