تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ط
تحرير وتنسيق
سطر 23: سطر 23:  
على ورقة صغيرة سلم أحدى المشاركين تلك  الكلمات المكتوبة بخط اليد بالإنجليزية خلال فترة الظهيرة  في نوفمبر عام 2015. نحن نتحدث عن نص سارة أحمد؛ المتاح فقط باللغة الإنجليزية. انتقلت إلى مصر منذ عام مضى وأتحدث بالإنجليزية خلال أغلب الجلسة، اللغة مثقلة بأحمال هائلة وهي ليست اللغة الأم لي ولا للمشاركين/ا، تقوم عضوتان من مجموعة اختيار بالترجمة وحين أنصت لما تشاركه المجموعة الجالسة حول الغرفة عن النص وتجاربها. افهم الحوار بنسبة كبيرة، فسماع اللغة العربية أسهل من التحدث بها. ينتابني مزيج من الخوف من ارتكاب الأخطاء والحرج؛ وأتساءل هل لاحظوا توتري من عائق اللغة وحرجي من ارتكاب الأخطاء.
 
على ورقة صغيرة سلم أحدى المشاركين تلك  الكلمات المكتوبة بخط اليد بالإنجليزية خلال فترة الظهيرة  في نوفمبر عام 2015. نحن نتحدث عن نص سارة أحمد؛ المتاح فقط باللغة الإنجليزية. انتقلت إلى مصر منذ عام مضى وأتحدث بالإنجليزية خلال أغلب الجلسة، اللغة مثقلة بأحمال هائلة وهي ليست اللغة الأم لي ولا للمشاركين/ا، تقوم عضوتان من مجموعة اختيار بالترجمة وحين أنصت لما تشاركه المجموعة الجالسة حول الغرفة عن النص وتجاربها. افهم الحوار بنسبة كبيرة، فسماع اللغة العربية أسهل من التحدث بها. ينتابني مزيج من الخوف من ارتكاب الأخطاء والحرج؛ وأتساءل هل لاحظوا توتري من عائق اللغة وحرجي من ارتكاب الأخطاء.
   −
في كتابها “وعد السعادة” تحلل سارة أحمد كيف تُستخدم السعادة لتبرير الأعراف وما يعنيه استحقاق السعادة. اللحظات التي يفترض أن نشعر فيها بالسعادة معدة لنا سلفا. ولكن ماذا لو إني، على سبيل المثال، لا أشعر بالسعادة مع عائلتي؟ ماذا لو إني لا أشعر بالسعادة في يوم زفافي؟ ماذا لو إني لا أشعر بالسعادة إزاء قرارات الأغلبية السياسية؟ وبناء عليه، تجادل سارة أحمد من أجل مساحة للتعاسة وتلتفت نحو هؤلاء غير السعداء بما ينبغي أن يسعدهم وتفصح عن صوتهم المعارض : الـ نسويات قاتلات البهجة. يبدأ نص نسويات قاتلات البهجة بأسرة جالسة حول مائدة العشاء. يجلس كل فرد من الأسرة في نفس المكان دائما، الأب على رأس المائدة يطرح الأسئلة، دائما نجلس بهذا الشكل، وكأننا نحاول تأمين أكثر من مكاننا فقط“<ref>ما لم يرد ذكر ذلك، كل الاقتباس في النص مأخوذة من نص سارة أحمد: Feminist Killjoys (And Other Willful Subjects).</ref>، وتأتي مواقع الكلام مثبتة بنمط محدد لمن يوجه الأسئلة إلى من، من يجيب، ومن يظل صامتا، كل يوم.
+
في كتابها '''وعد السعادة''' تحلل سارة أحمد كيف تُستخدم السعادة لتبرير الأعراف وما يعنيه استحقاق السعادة. اللحظات التي يفترض أن نشعر فيها بالسعادة معدة لنا سلفا. ولكن ماذا لو إني، على سبيل المثال، لا أشعر بالسعادة مع عائلتي؟ ماذا لو إني لا أشعر بالسعادة في يوم زفافي؟ ماذا لو إني لا أشعر بالسعادة إزاء قرارات الأغلبية السياسية؟ وبناء عليه، تجادل سارة أحمد من أجل مساحة للتعاسة وتلتفت نحو هؤلاء غير السعداء بما ينبغي أن يسعدهم وتفصح عن صوتهم المعارض : الـ نسويات قاتلات البهجة. يبدأ نص نسويات قاتلات البهجة بأسرة جالسة حول مائدة العشاء. يجلس كل فرد من الأسرة في نفس المكان دائما، الأب على رأس المائدة يطرح الأسئلة، '''دائما نجلس بهذا الشكل، وكأننا نحاول تأمين أكثر من مكاننا فقط'''“<ref>ما لم يرد ذكر ذلك، كل الاقتباس في النص مأخوذة من نص سارة أحمد: Feminist Killjoys (And Other Willful Subjects).</ref>، وتأتي مواقع الكلام مثبتة بنمط محدد لمن يوجه الأسئلة إلى من، من يجيب، ومن يظل صامتا، كل يوم.
    
يعبر أحد المشاركين/ات عن تجاوبه، من خلال الترجمة، مع سيناريو سارة أحمد للعائلة المجتمعة حول مائدة العشاء. عائلته أو عائلتها لم تجلس أبدا حول المائدة، وتكاد لا تجتمع لتناول الطعام معا، كما شاركه بعض آخر من المشاركين/ات نفس الملاحظة. فهم أيضا لا يجلسون حول المائدة مع أسرهم. نحن بحاجة إلى ترجمة صورة الأسرة وهي تجلس حول المائدة، الطريقة التي يجلس بها دائما كل فرد في نفس المكان، ودور قتل البهجة. توقعت حدوث ثغرات من شأنها شق مناقشة النص، تنتج فجوات خلال قراءات مختلفة لكلمات مثل “النسوية” أيضا، أو بسبب اللغة الانجليزية والمصطلحات المحددة في النص ولكني لم أكن أتوقع أن السيناريو الذي افتتح النص سيأخذنا بالفعل حيث نحن هنا.
 
يعبر أحد المشاركين/ات عن تجاوبه، من خلال الترجمة، مع سيناريو سارة أحمد للعائلة المجتمعة حول مائدة العشاء. عائلته أو عائلتها لم تجلس أبدا حول المائدة، وتكاد لا تجتمع لتناول الطعام معا، كما شاركه بعض آخر من المشاركين/ات نفس الملاحظة. فهم أيضا لا يجلسون حول المائدة مع أسرهم. نحن بحاجة إلى ترجمة صورة الأسرة وهي تجلس حول المائدة، الطريقة التي يجلس بها دائما كل فرد في نفس المكان، ودور قتل البهجة. توقعت حدوث ثغرات من شأنها شق مناقشة النص، تنتج فجوات خلال قراءات مختلفة لكلمات مثل “النسوية” أيضا، أو بسبب اللغة الانجليزية والمصطلحات المحددة في النص ولكني لم أكن أتوقع أن السيناريو الذي افتتح النص سيأخذنا بالفعل حيث نحن هنا.
   −
السيناريو الأبوي لا يؤدى دائما وفقط حول مائدة، بل يمكن أن يدور في غرفة معيشة، في السيارة في رحلة لزيارة الأقارب وأماكن أخرى كثيرة، بعد العائلة، نجده مرارا وتكرارا، في الفصول الدراسية، في المناسبات الاجتماعية أو على مائدة الأمور السياسية. قاتل/ة البهجة في هذا السياق هو الشخص الذي يشعر بالتوتر ويتحدث عنه، الذي يُعلن عن  الأشياء التي لا ينبغي الإفصاح عنها، فهي مشاعر “غير لائقة”. الشخص الذي يتحدث بصراحة يصنع المشكلة، من يعرقل المناسبة السعيدة، “تصبح أنت المشكلة التي خلقتها“.
+
السيناريو الأبوي لا يؤدى دائما وفقط حول مائدة، بل يمكن أن يدور في غرفة معيشة، في السيارة في رحلة لزيارة الأقارب وأماكن أخرى كثيرة، بعد العائلة، نجده مرارا وتكرارا، في الفصول الدراسية، في المناسبات الاجتماعية أو على مائدة الأمور السياسية. قاتل/ة البهجة في هذا السياق هو الشخص الذي يشعر بالتوتر ويتحدث عنه، الذي يُعلن عن  الأشياء التي لا ينبغي الإفصاح عنها، فهي مشاعر “غير لائقة”. الشخص الذي يتحدث بصراحة يصنع المشكلة، من يعرقل المناسبة السعيدة، '''تصبح أنت المشكلة التي خلقتها'''.
    
يتمهل النص عند الكلمات، يكررها ويقلبها. وهنا أشعر بالأوزان المختلفة التي يمكن للكلمات أن تحملها وفقا لموقعها في الجملة، ما هو قبل وما هو بعد. '''متى أصبحت “النسوية” كلمة لا تتحدث فقط إليك، بل تتحدث عنك، تتحدث عن وجودك أو حتى تحدثك في الوجود؟'''
 
يتمهل النص عند الكلمات، يكررها ويقلبها. وهنا أشعر بالأوزان المختلفة التي يمكن للكلمات أن تحملها وفقا لموقعها في الجملة، ما هو قبل وما هو بعد. '''متى أصبحت “النسوية” كلمة لا تتحدث فقط إليك، بل تتحدث عنك، تتحدث عن وجودك أو حتى تحدثك في الوجود؟'''
   −
نواصل الحديث عن النص، والقفز جيئة وذهابا بين السطور، الفقرات والصفحات، في تلك الغرفة، يتحدث كثيرون عن تجارب شخصية. بدأت الاستراحة في وقت متأخر، ولم يتبق سوى وقت قليل، أقترح حينها مشاهدة فيلم قصير معا: أبجدية المشاعر السيئة4 لـ كارين ميشالسكي5. يظهر الفيديو المُنظِّرة والناشطة آن سفكافيتش6 التي كان عملها عن “المشاعر العامة” <ref> اطلع على An Archive of Feelings: Trauma, Sexuality, and Lesbian Public Cultures, Durham: Duke UP, 2003 and Depression: A Public Feeling, Durham: Duke UP, 2012</ref> مصدر إلهام للفيلم ولنفسي. إنها تسرد في الفيلم قائمة من المشاعر السيئة مثل “الوحدة”، “العجز” أو “الاكتئاب”، وتستفيض في معانيها وهي تجلس على فراش تناثرت عليه ملابس قذرة، أدوية، مناديل ورقية…إلخ وفي غرفة-فضلا عن ذلك- فارغة على نحو غريب. بدلا من اعتبار المشاعر السلبية فشلا شخصيا، تحاول “أبجدية المشاعر السيئة” أن ترى إمكانية التواصل مع الآخرين من خلال المشاعر السيئة وقدرتها على أن تجعلنا ندرك البُنى القمعية التي تجلبها، على سبيل المثال، التفرقة الجنسية، رهاب المثلية، وظروف العمل في ظل الليبرالية الجديدة. المشاعر السيئة تقول لنا شيئا، إنها تشير إلى شيء ما خاطئ. الراء تمثل الرأسمالية، كما في عبارة “ربما أنت تعاني من الرأسمالية.
+
نواصل الحديث عن النص، والقفز جيئة وذهابا بين السطور، الفقرات والصفحات، في تلك الغرفة، يتحدث كثيرون عن تجارب شخصية. بدأت الاستراحة في وقت متأخر، ولم يتبق سوى وقت قليل، أقترح حينها مشاهدة فيلم قصير معا: أبجدية المشاعر السيئة4 لـ كارين ميشالسكي5. يظهر الفيديو المُنظِّرة والناشطة آن سفكافيتش6 التي كان عملها عن “المشاعر العامة” <ref> اطلع على An Archive of Feelings: Trauma, Sexuality, and Lesbian Public Cultures, Durham: Duke UP, 2003 and Depression: A Public Feeling, Durham: Duke UP, 2012</ref> مصدر إلهام للفيلم ولنفسي. إنها تسرد في الفيلم قائمة من المشاعر السيئة مثل “الوحدة”، “العجز” أو “الاكتئاب”، وتستفيض في معانيها وهي تجلس على فراش تناثرت عليه ملابس قذرة، أدوية، مناديل ورقية…إلخ وفي غرفة-فضلا عن ذلك- فارغة على نحو غريب. بدلا من اعتبار المشاعر السلبية فشلا شخصيا، تحاول “أبجدية المشاعر السيئة” أن ترى إمكانية التواصل مع الآخرين من خلال المشاعر السيئة وقدرتها على أن تجعلنا ندرك البُنى القمعية التي تجلبها، على سبيل المثال، التفرقة الجنسية، رهاب المثلية، وظروف العمل في ظل الليبرالية الجديدة. المشاعر السيئة تقول لنا شيئا، إنها تشير إلى شيء ما خاطئ. الراء تمثل الرأسمالية، كما في عبارة '''ربما أنت تعاني من الرأسمالية.'''
   −
يقول مشارك فور انتهاء الفيديو : “أعتقد أنه يمكننا جميعا التجاوب  مع هذه الأبجدية، لكني قد أضيف  كلمات مختلفة”، من هنا تطورت فكرة الإضافة إلى قائمة كلمات الفيلم أو بالأحرى عمل قائمة جديدة تماما، قائمة مؤسسة على الأبجدية العربية. جاءت الكلمة الأولى المقترحة بإلحاح: الذنب. الشعور بالـ “الذنب” المتعلق بذكريات الآونة الأخيرة، عندما كان هو/هي أكثر نشاطا في الشوارع مع مجموعات مختلفة. الشعور بالذنب تجاه الأصدقاء والرفاق الذين هم في السجن. يتسائل أحد المشاركين، “لماذا لا أستطيع أن أشعر بالسعادة لعدم سجني؟ لماذا أظل أتجنب والدتي رغم رؤيتي لمدى تعقيد وضعها؟” تحدثنا عن مشاعر الأسى، الخوف والغضب المرتبطة بالمجال العام، والاضطرار لأن تناسب أدوار النوع الاجتماعي المتوقعة، أو السير في الشوارع المكتظة برجال الأمن. تناول جزء كبير من الحوار التوتر في الأسرة (أغلب المشاركين مازالوا يعيشون مع عائلاتهم). تحدثنا أيضا عن أماكن العمل الباعثة على الاكتئاب وعن المناطق المحيطة بشكل عام، التي ترهقنا. عاد الحوار، مرات عديدة، إلى كيف يُلفظ الشخص الذي يملك مشاعر سلبية إزاء حالة ما، ويُطالب بـ”تجاوزها”، والعودة عند الشعور بالتحسن والقدرة على الاندماج. يسود التوقع بالقدرة على المشاركة، وتصبح مساحة كل ما هو غير مناسب نادرة لحد كبير فهو يثير الاضطراب فيما يمكن أن يكون مناسبة سعيدة. كيف يمكننا خلق مساحات للمشاعر السيئة تساعدنا على الإشارة إلى البني ذاتها التي تجعلنا غير سعداء؟ تذكرنا سارة أحمد بالضرورة الملحة للتساؤل عمن “لا يجلس حول مائدة السعادة…”التي نسميها موائدنا، الموائد النسوية، مائدة النشطاء، الدوائر الصغيرة التي نسميها عائلاتنا الأخرى.
+
يقول مشارك فور انتهاء الفيديو : "أعتقد أنه يمكننا جميعا التجاوب  مع هذه الأبجدية، لكني قد أضيف  كلمات مختلفة"، من هنا تطورت فكرة الإضافة إلى قائمة كلمات الفيلم أو بالأحرى عمل قائمة جديدة تماما، قائمة مؤسسة على الأبجدية العربية. جاءت الكلمة الأولى المقترحة بإلحاح: الذنب. الشعور بالـ “الذنب” المتعلق بذكريات الآونة الأخيرة، عندما كان هو/هي أكثر نشاطا في الشوارع مع مجموعات مختلفة. الشعور بالذنب تجاه الأصدقاء والرفاق الذين هم في السجن. يتسائل أحد المشاركين، “لماذا لا أستطيع أن أشعر بالسعادة لعدم سجني؟ لماذا أظل أتجنب والدتي رغم رؤيتي لمدى تعقيد وضعها؟” تحدثنا عن مشاعر الأسى، الخوف والغضب المرتبطة بالمجال العام، والاضطرار لأن تناسب أدوار النوع الاجتماعي المتوقعة، أو السير في الشوارع المكتظة برجال الأمن. تناول جزء كبير من الحوار التوتر في الأسرة (أغلب المشاركين مازالوا يعيشون مع عائلاتهم). تحدثنا أيضا عن أماكن العمل الباعثة على الاكتئاب وعن المناطق المحيطة بشكل عام، التي ترهقنا. عاد الحوار، مرات عديدة، إلى كيف يُلفظ الشخص الذي يملك مشاعر سلبية إزاء حالة ما، ويُطالب بـ”تجاوزها”، والعودة عند الشعور بالتحسن والقدرة على الاندماج. يسود التوقع بالقدرة على المشاركة، وتصبح مساحة كل ما هو غير مناسب نادرة لحد كبير فهو يثير الاضطراب فيما يمكن أن يكون مناسبة سعيدة. كيف يمكننا خلق مساحات للمشاعر السيئة تساعدنا على الإشارة إلى البني ذاتها التي تجعلنا غير سعداء؟ تذكرنا سارة أحمد بالضرورة الملحة للتساؤل عمن "لا يجلس حول مائدة السعادة" التي نسميها موائدنا، الموائد النسوية، مائدة النشطاء، الدوائر الصغيرة التي نسميها عائلاتنا الأخرى.
    
'''تقترح أيضا أن نعيد التفكير في شكل قاتلة البهجة مثلما يُعبر عنها في “سياسات القصدية.'''
 
'''تقترح أيضا أن نعيد التفكير في شكل قاتلة البهجة مثلما يُعبر عنها في “سياسات القصدية.'''
305

تعديل

قائمة التصفح