تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وصلات وتنسيق
سطر 143: سطر 143:  
===  المقاربات الليبرالية، والراديكالية، والماركسية/الاشتراكية، ومتعددة الثقافات، والعالمية، والبيئية===
 
===  المقاربات الليبرالية، والراديكالية، والماركسية/الاشتراكية، ومتعددة الثقافات، والعالمية، والبيئية===
 
كان لدى [[نسوية ليبرالية | النسويين الليبراليين]] جذورهم التاريخية متمثلة في دفاع ماري ولستونكرافت عن [[حقوق النساء]]، وكتاب جون ستيوارت مِل “[[استعباد النساء | خضوع النساء]]“، وحركة حق المرأة في الانتخاب في القرن التاسع عشر. ومن ضمن المنظمات التي ينحاز لها الليبراليون النسويون المعاصرون بشدة، المنظمة الأممية للنساء (National Organization of Women). وأكد الليبراليون النسويون أن السبب المبدئي في إخضاع النساء للرجال هو مجموعة من المعايير الاجتماعية والقوانين الرسمية التي تصّعب النجاح على النساء في العالم العام، فلو لم يحصل النساء على نفس فرص الرجال، لن يكنّ قادرات على تحقيق أقصى جهدهن في التعليم، والمنتديات، وساحات السوق، وغرف العمليات، وما إلى ذلك. ورغم أن كثيرا من الناس يعتقدون أن النسوية الليبرالية عتيقة، وأن القضايا الأخلاقية التي شغلتها قد حُلّت، فالحقيقة أن وثيقة حقوق النساء التي أعلنتها (NOW) عام 1967 في الولايات المتحدة -مثلا – لم تُحقّق بالكامل حتى عام 2009، [[حقوق إنجابية | فحقوق]] نساء الولايات المتحدة في الإنجاب ما زالت غير آمنة، وتحسين الحقوق المتساوية لم يَسرِ بعد. والأكثر من ذلك، أنه في عام 2009 ما زال معدل كسب الأنثى العاملة في الولايات المتحدة أقل من معدل كسب الذكر العامل بنسبة 20% (Maher, The Wall Street Journal, 2008)، فقط 17 من أعضاء مجلس النواب المائة من النساء (Confessore and Hakim, NYTimes, January 21, 2009)، وفي ديسمبر 2008 كان نصيب النساء 13 فقط من مجموع 500 رئيس تنفيذي (CNNMoney.com, 2009). فإذا كان هدف النسوية الليبرالية هو دفع قوة النساء الكاملة إلى العالم العام ورفعهن إلى أعلى مداراته، فإن عملها بعيد عن التطبيق، فالنساء يتجهن إلى ممارسة الوظائف الاعتمادية -التي ركزت عليها إيفا فيدير كيتاي-، ولهذا العمل الذي يقدم الرعاية مكانة منخفضة وأجر زهيد في العالم العام.
 
كان لدى [[نسوية ليبرالية | النسويين الليبراليين]] جذورهم التاريخية متمثلة في دفاع ماري ولستونكرافت عن [[حقوق النساء]]، وكتاب جون ستيوارت مِل “[[استعباد النساء | خضوع النساء]]“، وحركة حق المرأة في الانتخاب في القرن التاسع عشر. ومن ضمن المنظمات التي ينحاز لها الليبراليون النسويون المعاصرون بشدة، المنظمة الأممية للنساء (National Organization of Women). وأكد الليبراليون النسويون أن السبب المبدئي في إخضاع النساء للرجال هو مجموعة من المعايير الاجتماعية والقوانين الرسمية التي تصّعب النجاح على النساء في العالم العام، فلو لم يحصل النساء على نفس فرص الرجال، لن يكنّ قادرات على تحقيق أقصى جهدهن في التعليم، والمنتديات، وساحات السوق، وغرف العمليات، وما إلى ذلك. ورغم أن كثيرا من الناس يعتقدون أن النسوية الليبرالية عتيقة، وأن القضايا الأخلاقية التي شغلتها قد حُلّت، فالحقيقة أن وثيقة حقوق النساء التي أعلنتها (NOW) عام 1967 في الولايات المتحدة -مثلا – لم تُحقّق بالكامل حتى عام 2009، [[حقوق إنجابية | فحقوق]] نساء الولايات المتحدة في الإنجاب ما زالت غير آمنة، وتحسين الحقوق المتساوية لم يَسرِ بعد. والأكثر من ذلك، أنه في عام 2009 ما زال معدل كسب الأنثى العاملة في الولايات المتحدة أقل من معدل كسب الذكر العامل بنسبة 20% (Maher, The Wall Street Journal, 2008)، فقط 17 من أعضاء مجلس النواب المائة من النساء (Confessore and Hakim, NYTimes, January 21, 2009)، وفي ديسمبر 2008 كان نصيب النساء 13 فقط من مجموع 500 رئيس تنفيذي (CNNMoney.com, 2009). فإذا كان هدف النسوية الليبرالية هو دفع قوة النساء الكاملة إلى العالم العام ورفعهن إلى أعلى مداراته، فإن عملها بعيد عن التطبيق، فالنساء يتجهن إلى ممارسة الوظائف الاعتمادية -التي ركزت عليها إيفا فيدير كيتاي-، ولهذا العمل الذي يقدم الرعاية مكانة منخفضة وأجر زهيد في العالم العام.
--
+
 
 
يعتقد [[نسوية راديكالية | النسويون الراديكاليون]] أن الأجندة النسوية الليبرالية ركزت أكثر من اللازم على إصلاحات ضعيفة لـ “الفعل الإيجابي” مثل مفهوم (الأجر المتساوي للعمل المتساوي)، أو إجازة الولادة. ستظل النساء جنسا آخر -في تقديرهم- حتى يأتي الوقت الذي يكتسبن فيه سيطرة كاملة على قدرتهن الإنجابية وشهواتهن الجنسية. في البداية، كان النسويون الراديكاليون يخالفون “الليبرتاريين” في مفاهيمهم عن الجنس والإنجاب، فقد شجعوا النساء أن يجربن كل أنواع الجنس الذي يحصل برضى الطرفين، بما في ذلك الأنواع المثيرة للجدل أخلاقيا مثل السادية الماسوشية، وحثوا النساء أيضا على أن يلدن الأطفال بأقل ألم ممكن، فلم الخوض في تجربة حمل متعب وولادة مؤلمة إذا كنتِ تستطيعين استخدام أم بديلة، وأفضل من ذلك استخدام رحم صناعي لتحصلي على طفل لكِ؟ وفي النهاية، دفع النسويون الراديكاليون ” الليبرتاريون” النساء ليصبحن خنثويات قدر المستطاع، فكلما قلت محاولة النساء في تجسيد صفات “المرأة” كما وجهها المجتمع، كلما كانت النساء أكثر حرية ومساواة بالرجال.
 
يعتقد [[نسوية راديكالية | النسويون الراديكاليون]] أن الأجندة النسوية الليبرالية ركزت أكثر من اللازم على إصلاحات ضعيفة لـ “الفعل الإيجابي” مثل مفهوم (الأجر المتساوي للعمل المتساوي)، أو إجازة الولادة. ستظل النساء جنسا آخر -في تقديرهم- حتى يأتي الوقت الذي يكتسبن فيه سيطرة كاملة على قدرتهن الإنجابية وشهواتهن الجنسية. في البداية، كان النسويون الراديكاليون يخالفون “الليبرتاريين” في مفاهيمهم عن الجنس والإنجاب، فقد شجعوا النساء أن يجربن كل أنواع الجنس الذي يحصل برضى الطرفين، بما في ذلك الأنواع المثيرة للجدل أخلاقيا مثل السادية الماسوشية، وحثوا النساء أيضا على أن يلدن الأطفال بأقل ألم ممكن، فلم الخوض في تجربة حمل متعب وولادة مؤلمة إذا كنتِ تستطيعين استخدام أم بديلة، وأفضل من ذلك استخدام رحم صناعي لتحصلي على طفل لكِ؟ وفي النهاية، دفع النسويون الراديكاليون ” الليبرتاريون” النساء ليصبحن خنثويات قدر المستطاع، فكلما قلت محاولة النساء في تجسيد صفات “المرأة” كما وجهها المجتمع، كلما كانت النساء أكثر حرية ومساواة بالرجال.
    
وفيما بعد، بدأت الشكوك تنتاب بعض النسويين الراديكاليين بشأن الحقوق الليبرتارية للنساء، وتُعرف هذه المجموعة من النسويين الراديكاليين أحيانا بالنسويين “الثقافيين”، فتعجبوا من أن تكون الرغبة في الجنس الآخر مؤذية وحتمية بالنسبة للنساء أكثر من كونها مفيدة وقائمة على التراضي، ودافعوا عن أن الرغبة في الجنس الآخر -التي تبدو كمفهوم- لها هدفها من التحكم في شهوة النساء الجنسية لإشباع الرجال وتشييئها. وأوضح النسويون الثقافيون الراديكاليون أن وسائل الإنجاب الصناعية/التكنولوجية تمثل تهديدا للنساء، لأنها تعني حرمان النساء تدريجيا من قدرتهن الخاصة على الإتيان بحياة جديدة للعالم، ومن شأن حرمان النساء من تلك القدرة أن يجعل قيمتهن في كونهن “أداة للجنس” بالدرجة الأولى. وأخيرا، وفي مواجهتهم للنموذج “الخنثوي” المثالي للإنسان الخيّر، رفضوا الطرق “الذكورية/المذكّرة” للوجود، والتفكير، والتصرف كناقصات، لماذا تحاولين التشبه بالرجل ذلك الفرد العدواني، الأناني، تاجر الحرب، إذا كان بإمكانك أن تكوني امرأة، تلك المتعاونة، الراعية، صانعة السلام؟ (Tong, Feminist Thought, 2009).
 
وفيما بعد، بدأت الشكوك تنتاب بعض النسويين الراديكاليين بشأن الحقوق الليبرتارية للنساء، وتُعرف هذه المجموعة من النسويين الراديكاليين أحيانا بالنسويين “الثقافيين”، فتعجبوا من أن تكون الرغبة في الجنس الآخر مؤذية وحتمية بالنسبة للنساء أكثر من كونها مفيدة وقائمة على التراضي، ودافعوا عن أن الرغبة في الجنس الآخر -التي تبدو كمفهوم- لها هدفها من التحكم في شهوة النساء الجنسية لإشباع الرجال وتشييئها. وأوضح النسويون الثقافيون الراديكاليون أن وسائل الإنجاب الصناعية/التكنولوجية تمثل تهديدا للنساء، لأنها تعني حرمان النساء تدريجيا من قدرتهن الخاصة على الإتيان بحياة جديدة للعالم، ومن شأن حرمان النساء من تلك القدرة أن يجعل قيمتهن في كونهن “أداة للجنس” بالدرجة الأولى. وأخيرا، وفي مواجهتهم للنموذج “الخنثوي” المثالي للإنسان الخيّر، رفضوا الطرق “الذكورية/المذكّرة” للوجود، والتفكير، والتصرف كناقصات، لماذا تحاولين التشبه بالرجل ذلك الفرد العدواني، الأناني، تاجر الحرب، إذا كان بإمكانك أن تكوني امرأة، تلك المتعاونة، الراعية، صانعة السلام؟ (Tong, Feminist Thought, 2009).
 +
 
ورغم وجود مشكلات بين التشكلات المتطرفة للنسوية الراديكالية الليبرتارية من ناحية، والتشكلات المتطرفة للنسوية الراديكالية الثقافية من ناحية أخرى، إلا أن الفكر النسوي الراديكالي قد أنتج بعض الدراسات الأخلاقية المفيدة جدا، فما تسمى بالأخلاقيات المثلية -مثلا- ثريّة بشكل خاص، رغم الإضافة المثيرة للجدل للنظرية الأخلاقية النسوية، فهي تنازع الطبيعية الناجمة من الحقيقة التي قد طورتها أساسا لتخدم تمركز النساء حول النساء، وفي بعض الروايات، لتخدم النساء المثليات فقط.
 
ورغم وجود مشكلات بين التشكلات المتطرفة للنسوية الراديكالية الليبرتارية من ناحية، والتشكلات المتطرفة للنسوية الراديكالية الثقافية من ناحية أخرى، إلا أن الفكر النسوي الراديكالي قد أنتج بعض الدراسات الأخلاقية المفيدة جدا، فما تسمى بالأخلاقيات المثلية -مثلا- ثريّة بشكل خاص، رغم الإضافة المثيرة للجدل للنظرية الأخلاقية النسوية، فهي تنازع الطبيعية الناجمة من الحقيقة التي قد طورتها أساسا لتخدم تمركز النساء حول النساء، وفي بعض الروايات، لتخدم النساء المثليات فقط.
فوفقا للفيلسوفة سارة لوشيا هواجلاند -إحدى مطوري الأخلاقيات المثلية المعروفين-، فالسؤال الأخلاقي الجوهري للمثليات هو “هل هذا يتماشى مع إبداعي وحريتي وتحرري؟” بدلا من: “هل هذا خير؟”، أو: “هل أنا خيّرة؟” (Hoagland, Lesbian Ethcs, 1989). وتثنية لفكرة هواجلاند، أكدت مارلين فري أن الأخلاقيات التقليدية مليئة بالأسئلة عن الخير لأن لدى أنصارها رغبة راسخة ليس فقط في أن يكونوا خيّرين، ولكن في أن يجعلوا الآخرين خيّرين أيضًا. فعلى سبيل المثال، يؤسس الذكر الأمريكي الأبيض المسيحي ذو الطبقة الوسطى الراغب في الجنس الآخر تصوره عن نفسه كصاحب سلطة، أو قائد، أو زعيم على دفاعه عن أنه على حق في كونه يعرف ما فيه خير للآخرين ولنفسه على حد سواء، وما دام النساء يقبلن تصور الوساطة الأخلاقية هذا، سيبقين -مثل الرجال- يعتقدن أن الأخلاقيات هي في معرفة ما هو الأفضل لكل شخص ومن ثمّ فرض هذا الأفضل عليهم بغض النظر عن ثبوت كونه مؤلما أو ضارا (Frye, “A Response to Lesbian Ethics: Why Ethics?”, 1991).
+
 
 +
فوفقا للفيلسوفة [[سارة لوشيا هواجلاند]] -إحدى مطوري الأخلاقيات المثلية المعروفين-، فالسؤال الأخلاقي الجوهري للمثليات هو “هل هذا يتماشى مع إبداعي وحريتي وتحرري؟” بدلا من: “هل هذا خير؟”، أو: “هل أنا خيّرة؟” (Hoagland, Lesbian Ethcs, 1989). وتثنية لفكرة هواجلاند، أكدت مارلين فري أن الأخلاقيات التقليدية مليئة بالأسئلة عن الخير لأن لدى أنصارها رغبة راسخة ليس فقط في أن يكونوا خيّرين، ولكن في أن يجعلوا الآخرين خيّرين أيضًا. فعلى سبيل المثال، يؤسس الذكر الأمريكي الأبيض المسيحي ذو الطبقة الوسطى الراغب في الجنس الآخر تصوره عن نفسه كصاحب سلطة، أو قائد، أو زعيم على دفاعه عن أنه على حق في كونه يعرف ما فيه خير للآخرين ولنفسه على حد سواء، وما دام النساء يقبلن تصور الوساطة الأخلاقية هذا، سيبقين -مثل الرجال- يعتقدن أن الأخلاقيات هي في معرفة ما هو الأفضل لكل شخص ومن ثمّ فرض هذا الأفضل عليهم بغض النظر عن ثبوت كونه مؤلما أو ضارا (Frye, “A Response to Lesbian Ethics: Why Ethics?”, 1991).
 +
 
 
معلنتين أن الأخلاقيين المثليين لا يهتمون بفرض الجيّد من وجهة نظرهم على الآخرين، نظّرت هواجلاند وفري لأن القدر الذي تُعنى به المثليات هو أن ممارسة الاختيار في حد ذاتها تجعل الشيء أو الفعل جيدا، وهذه القضية هي التي أثارت تعليقا من النقاد أكثر من أي قضية أخرى للأخلاقيات المثلية، فقد شككوا في أن يكون الاختيار الحر للمرأة المثلية في فعل شيء ما تسويغا أخلاقيا لها في فعله.
 
معلنتين أن الأخلاقيين المثليين لا يهتمون بفرض الجيّد من وجهة نظرهم على الآخرين، نظّرت هواجلاند وفري لأن القدر الذي تُعنى به المثليات هو أن ممارسة الاختيار في حد ذاتها تجعل الشيء أو الفعل جيدا، وهذه القضية هي التي أثارت تعليقا من النقاد أكثر من أي قضية أخرى للأخلاقيات المثلية، فقد شككوا في أن يكون الاختيار الحر للمرأة المثلية في فعل شيء ما تسويغا أخلاقيا لها في فعله.
 
ولدى هواجلاند رد على هذا الاعتراض، فقد لاحظت أن المجتمع فرض الكثير من الحدود والحواجز على خيار المثلية الذي ربما يكون خيارا له أهمية أخلاقية للمثليات أكبر من الأمور التي يخترنها. لكن هواجلاند ليست مستعدة تماما لتعلن أنه لا توجد حدود على خيار المثلية، ففي إحدى نقاط تحليلها لما ينشئ الوكالة الأخلاقية أو التفاعل -على سبيل المثال-، لاحظت هواجلاند أنه أثناء اختيار المرأة المثلية لنفسها فإنها تختار لصالح المثليات، اللاتي بدورهن يخترن لصالحها. فالمثليات لا ينسجن القيمة في عزلة عن بعضهن، وإنما ينسجنها معا، فالأخلاقيات ليست مطالبة فردية بقيمة أخلاقية منبثقة من أعماق المرء أو خارجة عنه. على النقيض، تنبثق القيمة الأخلاقية -بالمعنى الشخصي- مما سمّته هواجلاند بـ”السياق المثلي” من مجال للطاقة قادر على مقاومة الاضطهاد. ومن ثم، فالمقاربة المثلية للأخلاق هو عن أن تصبح المثليات نوعا من البشر يرفض أن يتسلّط أو يُتسلّط عليه (Hoagland, Lesbian Ethics, 1989).
 
ولدى هواجلاند رد على هذا الاعتراض، فقد لاحظت أن المجتمع فرض الكثير من الحدود والحواجز على خيار المثلية الذي ربما يكون خيارا له أهمية أخلاقية للمثليات أكبر من الأمور التي يخترنها. لكن هواجلاند ليست مستعدة تماما لتعلن أنه لا توجد حدود على خيار المثلية، ففي إحدى نقاط تحليلها لما ينشئ الوكالة الأخلاقية أو التفاعل -على سبيل المثال-، لاحظت هواجلاند أنه أثناء اختيار المرأة المثلية لنفسها فإنها تختار لصالح المثليات، اللاتي بدورهن يخترن لصالحها. فالمثليات لا ينسجن القيمة في عزلة عن بعضهن، وإنما ينسجنها معا، فالأخلاقيات ليست مطالبة فردية بقيمة أخلاقية منبثقة من أعماق المرء أو خارجة عنه. على النقيض، تنبثق القيمة الأخلاقية -بالمعنى الشخصي- مما سمّته هواجلاند بـ”السياق المثلي” من مجال للطاقة قادر على مقاومة الاضطهاد. ومن ثم، فالمقاربة المثلية للأخلاق هو عن أن تصبح المثليات نوعا من البشر يرفض أن يتسلّط أو يُتسلّط عليه (Hoagland, Lesbian Ethics, 1989).
 +
 
لا يتفق النسويون الماركسيون/الاشتراكيون عموما مع النسويين الليبراليين، فقد أكدوا أنه من الصعب -إن لم يكن من المحال- على المضطهدين -وخصوصا النساء- أن يعملن جيدا في نظام طبقي. والطريق المؤثر الوحيد لإنهاء خضوع النساء للرجال هو استبدال الأنظمة الرأسمالية بأنظمة اشتراكية يتمتع فيها النساء والرجال بأجور عادلة لعملهم. يجب على النساء المساواة الاقتصادية بالرجال قبل أن تساويهم في القوة.
 
لا يتفق النسويون الماركسيون/الاشتراكيون عموما مع النسويين الليبراليين، فقد أكدوا أنه من الصعب -إن لم يكن من المحال- على المضطهدين -وخصوصا النساء- أن يعملن جيدا في نظام طبقي. والطريق المؤثر الوحيد لإنهاء خضوع النساء للرجال هو استبدال الأنظمة الرأسمالية بأنظمة اشتراكية يتمتع فيها النساء والرجال بأجور عادلة لعملهم. يجب على النساء المساواة الاقتصادية بالرجال قبل أن تساويهم في القوة.
ومما له دلالته، أن النسويين الماركسيين/الاشتراكيين المعاصرين لا يدينون بالفضل للرؤية الماركسية التقليدية بأن مقياس الوضع الاجتماعي المتدني للنساء هو فقط ما إذا كانت المرأة جزءا من القوى العاملة المنتجة مدفوعة الأجر. وعبر السنين، وباتحاد كثير من الأفكار الراديكالية النسوية بنظريتهم وتطبيقهم، تزايدت الأعمال التي ينتجها النسويون الماركسيون/الاشتراكيون مثل “ملكية النساء” لجوليت ميتشل الذي تحتج فيه بأن أربعة من البنى الاجتماعية-الاقتصادية تحدد وضعية النساء، وهي تحديدا: دور المرأة في الإنتاج، والإنجاب، والجنس، والتنشئة الاجتماعية للأطفال، فدور المرأة في كل من هذه البنى لابد أن يتغير إن كنّ يردن المساواة بالرجال. والأكثر من ذلك، كما تضيف ميتشل في التحليل “النفسي والنسوية“، لابد أن يتبدل عالم النساء الداخلي (العقل/النفس)، لأنه لن يستطيع التغييرُ في عالم النساء الخارجي تحريرهن كليا إلا إذا كنّ واثقات من قيمتهن.
+
 
يؤكد أرباب النسوية متعددة الثقافات (Multicultural feminists) الكثير من أفكار المدارس النسوية الأخرى عن وضع النساء، لكنهم عابوا عليهم كونهم لم ينتبهوا بشكل كامل إلى تلازم بُنى وأنظمة النوع والعرق والطبقة. فكما يرون، لا ينبغي أن يركز النسويون حصرا على اضطهاد النساء كنساء، أو عاملات، أو أعضاء في مجموعة تفتقر للعرق أو الأصل. وبدلا من ذلك، عليهم استيعاب أن كل شيء عن المرأة -لون بشرتها، وما تملكه من مال، واتجاه رغباتها الجنسية، وعمر شهادة ميلادها- يفسر وضعها في المجتمع. فحتى لو كانت العنصرية، والميل الجنسي، والطبقية، أمورا قابلة للانفصال نظريا، فهي ليست كذلك في الحقيقة، فكثير من النساء ضحايا “الأخطار المضاعفة” و”أنظمة القمع المتشابكة” (bell hooks, Yearning: Race, Gender, and Cultural Politics, p. 59). على سبيل المثال، عمل امرأة غير موثقة من أصل لاتيني في الولايات المتحدة كمساعدة منزلية بأجر زهيد لامرأة بيضاء تعمل محامية بأجر كبير هو اضطهاد مضاعف، فهي تظهر على هيئة متطفلة، وأجنبية، وغريبة، وواحدة من هؤلاء الذين ليس لهم “الحق” أن يكونوا في الولايات المتحدة، وربما تشعر بشعور سيء حيال نفسها، فهويّتها ونظرتها لنفسها كامرأة تعمل بمسئولية بقدر الإمكان في ظروف شاقة ربما تتآكل، فالاضطهاد المضاعف له ضريبة روحية/نفسية على الناس بالإضافة للضريبة المادية.
+
ومما له دلالته، أن [[نسوية ماركسية | النسويين الماركسيين/الاشتراكيين]] المعاصرين لا يدينون بالفضل للرؤية الماركسية التقليدية بأن مقياس الوضع الاجتماعي المتدني للنساء هو فقط ما إذا كانت المرأة جزءا من القوى العاملة المنتجة مدفوعة الأجر. وعبر السنين، وباتحاد كثير من الأفكار الراديكالية النسوية بنظريتهم وتطبيقهم، تزايدت الأعمال التي ينتجها النسويون الماركسيون/الاشتراكيون مثل “ملكية النساء” لجوليت ميتشل الذي تحتج فيه بأن أربعة من البنى الاجتماعية-الاقتصادية تحدد وضعية النساء، وهي تحديدا: دور المرأة في الإنتاج، والإنجاب، والجنس، والتنشئة الاجتماعية للأطفال، فدور المرأة في كل من هذه البنى لابد أن يتغير إن كنّ يردن المساواة بالرجال. والأكثر من ذلك، كما تضيف ميتشل في التحليل “النفسي والنسوية“، لابد أن يتبدل عالم النساء الداخلي (العقل/النفس)، لأنه لن يستطيع التغييرُ في عالم النساء الخارجي تحريرهن كليا إلا إذا كنّ واثقات من قيمتهن.
رغم أن النسويين العالميين (Global feminists) وما بعد الكولونياليين يمتدحون بشكل كبير عمل النسويين متعددي الثقافات إلا أنهم يعتبرونها نقاشات غير مكتملة عن اضطهاد النساء، فهم يؤكدون أن النساء فيما يعرف ببلدان العالم الأول (التي تقع في نصف الكرة الشمالي) يحتجن إلى إدراك وضع وحال النساء فيما يعرف ببلدان العالم الثالث (التي تقع في نصف الكرة الجنوبي). وغالبا، يركز النسويون على نسق كلّي في السياسات الجندرية/الجنوسية في بلادهم. ومن ثم، بينما يناضل النسويون في الولايات المتحدة لسنّ قوانين تمنع التحرش الجنسي في أماكن العمل، تُرجَم النساء حتى الموت في بلدان أخرى لأجل العهر أو التعرض للختان (بما في ذلك الختان الفرعوني في بعض الحالات). وبالمثل، بينما تشكوا نسويات الولايات المتحدة من الصيادلة الذين يملي عليهم ضميرهم الاعتراض على الإجهاض فيصعّبون على بعض النساء الحصول على حبوب منع الحمل الضرورية، لا تتوفر لكثير من النساء في بلدان أخرى خدمات تنظيم الأسرة، فيلاقين حتفهن نتيجة الإجهاضات الغير شرعية الفاسدة أو المتابَعة السيئة للحمل والولادة. أرعت نسويات مابعد الكولونيالية (global and postcolonial feminists) مزيدا من الاهتمام لحقيقة أن نساء العالم الأول يحظين بمزايا مادية أكثر من نساء العالم الثالث، وأكدن أيضا حقيقة أن بعض ممتلكات النبيلات من نساء العالم الأول اشتُريت على حساب نساء العالم الثالث اللاتي يصدّرن لنساء العالم الأول للعمل كمساعدات في رعاية المنزل أو خادمات أو مربيات بأجور زهيدة.
+
 
  تتفق نسويات البيئة (Ecofeminists) مع نسويات العالمية ومابعد الكولونيالية في أهمية أن تفهم النساء التقارب والتباعد بين اهتماماتهن. ومع ذلك، فقد عابوا عليهم وعلى كثير من النسويين أنهم لا ينتبهون إلى مسئوليات البشر تجاه الحيوانات، فقد طورت بعض نسويات البيئة أخلاقيات غليغان للرعاية كأساس لنظرية الدفاع عن الحيوان. ومثل الأخلاقيات النسوية، نشأت النظرية النسوية لرعاية الحيوان كردّة فعل ناقدة للأخلاقيات النفعية القائمة على الحقوق (Singer, Animal Liberation, 1974; Regan, The Case for Animal Rights, 1983). تحتج الانتقادات بأن هذه الأنظمة غير ملائمة لأنها تدافع عن أهمية المركزية البشرية (كلما كانت الحيوانات أكثر شبها بنا، كلما تمتعوا باعتبارات أخلاقية أكثر) والنتيجة هي الفشل في رؤية الحيوانات في نطاقها تتمتع بأولويات وحاجات وحقائق مميزة. يقوم نقد آخر من المقاربات المتعلقة بالعدالة على إنكارهم الواضح أو تقليلهم من شأن دور التعاطف في تداولنا الأخلاقي بشأن إساءة الحيوانات، فعندما يعتبر المرء الشح في الاستجابة العاطفية لمعاناة الحيوان سببا رئيسا في استمرار الإساءة، فإنه من التناقض أن نستبعد الرعاية عند معالجة المعاملة الخاصة للحيوانات (Donovan and Adams, Feminist Care Tradition in Animal Ethics, 2007). وهذا لا يعني أنه يجب علينا الاستغناء عن النماذج النفعية والقائمة على الحقوق، إنها تقدم مناقشات مفيدة للمعاملة الأخلاقية للحيوانات. الفكرة -وفقا لـ جوزفين دونوفان- هي أنه “من الممكن أيضا بل من الضروري اعتبار ما هو أخلاقي في التداول العاطفي والروحي مع طرق حياة الحيوانات، ومن خلال ثقافة النساء العقلانية للرعاية والحب، تنبثق أسس الأخلاق النسوية لمعاملة الحيوانات، فلا ينبغي أن نقتل الحيوانات أو نأكلها أو نعذّبها أو نستغلها لأنها لا تريد أن تُعامل بهذه الطريقة، ونحن نعلم أننا لو استمعنا إليها لسمعنا ذلك” (Donovan, Signs, p. 375). تتكون المقاربة الأخلاقية لرعاية الحيوان من طريقة عطوفة لاستيعاب مأزق الحيوانات الفردية في النظام البطريركي والرأسمالي. يؤكد الأنصار أن الاستجابة الودية والتعاطف والرعاية تستطيع وينبغي أن تفهمنا لماذا تقع على كاهلنا مسئولية تحرير الحيوانات من سيطرة الإنسان، فمعاملتنا مع العالم الطبيعي شيء آخر. تقول نسويات البيئة أن جزءا من سبب تميّز عالمنا بالظلم، وقلة الرعاية، والتباين الطبقي بين الناس، هو أننا نتعامل مع العالم الطبيعي بلامبالاة، وأحيانا باحتقار، فنحن نختزن أسلحة الدمار الشامل، ونستهلك مصادر الطاقة كأنها لانهائية، ونلقي النفايات في ماءنا، ونذبح الحيوانات لأجل اللحم الذي لا نحتاج أكله بالفعل، وبذلك، نبرهن على اعتقادنا أنه من حقنا التحكم في الطبيعة لنخلق عالما أفضل لأنفسنا، لكننا موهومون في محاولتنا المحمومة للسيطرة على الطبيعة -كما تقول ينسترا كينغ-، فالطبيعة متمردة، والنوع الإنساني يحفر قبره بيديه بمَساعٍ مثل اقتلاع الغابات والقضاء على الحيوانات (Ynestra King, “Healing the Wounds: Feminism, Ecology, and Nature/Culture Dualism,” 1995).
+
يؤكد أرباب [[نسوية متعددة الثقافات | النسوية متعددة الثقافات]] (Multicultural feminists) الكثير من أفكار المدارس النسوية الأخرى عن وضع النساء، لكنهم عابوا عليهم كونهم لم ينتبهوا بشكل كامل إلى تلازم بُنى وأنظمة النوع والعرق والطبقة. فكما يرون، لا ينبغي أن يركز النسويون حصرا على اضطهاد النساء كنساء، أو عاملات، أو أعضاء في مجموعة تفتقر للعرق أو الأصل. وبدلا من ذلك، عليهم استيعاب أن كل شيء عن المرأة -لون بشرتها، وما تملكه من مال، واتجاه رغباتها الجنسية، وعمر شهادة ميلادها- يفسر وضعها في المجتمع. فحتى لو كانت العنصرية، والميل الجنسي، والطبقية، أمورا قابلة للانفصال نظريا، فهي ليست كذلك في الحقيقة، فكثير من النساء ضحايا “الأخطار المضاعفة” و”أنظمة القمع المتشابكة” (bell hooks, Yearning: Race, Gender, and Cultural Politics, p. 59). على سبيل المثال، عمل امرأة غير موثقة من أصل لاتيني في الولايات المتحدة كمساعدة منزلية بأجر زهيد لامرأة بيضاء تعمل محامية بأجر كبير هو اضطهاد مضاعف، فهي تظهر على هيئة متطفلة، وأجنبية، وغريبة، وواحدة من هؤلاء الذين ليس لهم “الحق” أن يكونوا في الولايات المتحدة، وربما تشعر بشعور سيء حيال نفسها، فهويّتها ونظرتها لنفسها كامرأة تعمل بمسئولية بقدر الإمكان في ظروف شاقة ربما تتآكل، فالاضطهاد المضاعف له ضريبة روحية/نفسية على الناس بالإضافة للضريبة المادية.
 +
 
 +
رغم أن [[نسوية عالمية | النسويين العالميين]] (Global feminists) و[[نسوية ما بعد الكولونيالية | ما بعد الكولونياليين]] يمتدحون بشكل كبير عمل النسويين متعددي الثقافات إلا أنهم يعتبرونها نقاشات غير مكتملة عن اضطهاد النساء، فهم يؤكدون أن النساء فيما يعرف ببلدان العالم الأول (التي تقع في نصف الكرة الشمالي) يحتجن إلى إدراك وضع وحال النساء فيما يعرف ببلدان العالم الثالث (التي تقع في نصف الكرة الجنوبي). وغالبا، يركز النسويون على نسق كلّي في السياسات الجندرية/الجنوسية في بلادهم. ومن ثم، بينما يناضل النسويون في الولايات المتحدة لسنّ قوانين تمنع التحرش الجنسي في أماكن العمل، تُرجَم النساء حتى الموت في بلدان أخرى لأجل العهر أو التعرض للختان (بما في ذلك الختان الفرعوني في بعض الحالات). وبالمثل، بينما تشكوا نسويات الولايات المتحدة من الصيادلة الذين يملي عليهم ضميرهم الاعتراض على الإجهاض فيصعّبون على بعض النساء الحصول على حبوب منع الحمل الضرورية، لا تتوفر لكثير من النساء في بلدان أخرى خدمات تنظيم الأسرة، فيلاقين حتفهن نتيجة الإجهاضات الغير شرعية الفاسدة أو المتابَعة السيئة للحمل والولادة. أرعت نسويات مابعد الكولونيالية (global and postcolonial feminists) مزيدا من الاهتمام لحقيقة أن نساء العالم الأول يحظين بمزايا مادية أكثر من نساء العالم الثالث، وأكدن أيضا حقيقة أن بعض ممتلكات النبيلات من نساء العالم الأول اشتُريت على حساب نساء العالم الثالث اللاتي يصدّرن لنساء العالم الأول للعمل كمساعدات في رعاية المنزل أو خادمات أو مربيات بأجور زهيدة.
 +
 
 +
  تتفق [[نسوية البيئة | نسويات البيئة]] (Ecofeminists) مع نسويات العالمية ومابعد الكولونيالية في أهمية أن تفهم النساء التقارب والتباعد بين اهتماماتهن. ومع ذلك، فقد عابوا عليهم وعلى كثير من النسويين أنهم لا ينتبهون إلى مسئوليات البشر تجاه الحيوانات، فقد طورت بعض نسويات البيئة أخلاقيات غليغان للرعاية كأساس لنظرية الدفاع عن الحيوان. ومثل الأخلاقيات النسوية، نشأت النظرية النسوية لرعاية الحيوان كردّة فعل ناقدة للأخلاقيات النفعية القائمة على الحقوق (Singer, Animal Liberation, 1974; Regan, The Case for Animal Rights, 1983). تحتج الانتقادات بأن هذه الأنظمة غير ملائمة لأنها تدافع عن أهمية المركزية البشرية (كلما كانت الحيوانات أكثر شبها بنا، كلما تمتعوا باعتبارات أخلاقية أكثر) والنتيجة هي الفشل في رؤية الحيوانات في نطاقها تتمتع بأولويات وحاجات وحقائق مميزة. يقوم نقد آخر من المقاربات المتعلقة بالعدالة على إنكارهم الواضح أو تقليلهم من شأن دور التعاطف في تداولنا الأخلاقي بشأن إساءة الحيوانات، فعندما يعتبر المرء الشح في الاستجابة العاطفية لمعاناة الحيوان سببا رئيسا في استمرار الإساءة، فإنه من التناقض أن نستبعد الرعاية عند معالجة المعاملة الخاصة للحيوانات (Donovan and Adams, Feminist Care Tradition in Animal Ethics, 2007). وهذا لا يعني أنه يجب علينا الاستغناء عن النماذج النفعية والقائمة على الحقوق، إنها تقدم مناقشات مفيدة للمعاملة الأخلاقية للحيوانات. الفكرة -وفقا لـ جوزفين دونوفان- هي أنه “من الممكن أيضا بل من الضروري اعتبار ما هو أخلاقي في التداول العاطفي والروحي مع طرق حياة الحيوانات، ومن خلال ثقافة النساء العقلانية للرعاية والحب، تنبثق أسس الأخلاق النسوية لمعاملة الحيوانات، فلا ينبغي أن نقتل الحيوانات أو نأكلها أو نعذّبها أو نستغلها لأنها لا تريد أن تُعامل بهذه الطريقة، ونحن نعلم أننا لو استمعنا إليها لسمعنا ذلك” (Donovan, Signs, p. 375). تتكون المقاربة الأخلاقية لرعاية الحيوان من طريقة عطوفة لاستيعاب مأزق الحيوانات الفردية في النظام البطريركي والرأسمالي. يؤكد الأنصار أن الاستجابة الودية والتعاطف والرعاية تستطيع وينبغي أن تفهمنا لماذا تقع على كاهلنا مسئولية تحرير الحيوانات من سيطرة الإنسان، فمعاملتنا مع العالم الطبيعي شيء آخر. تقول نسويات البيئة أن جزءا من سبب تميّز عالمنا بالظلم، وقلة الرعاية، والتباين الطبقي بين الناس، هو أننا نتعامل مع العالم الطبيعي بلامبالاة، وأحيانا باحتقار، فنحن نختزن أسلحة الدمار الشامل، ونستهلك مصادر الطاقة كأنها لانهائية، ونلقي النفايات في ماءنا، ونذبح الحيوانات لأجل اللحم الذي لا نحتاج أكله بالفعل، وبذلك، نبرهن على اعتقادنا أنه من حقنا التحكم في الطبيعة لنخلق عالما أفضل لأنفسنا، لكننا موهومون في محاولتنا المحمومة للسيطرة على الطبيعة -كما تقول ينسترا كينغ-، فالطبيعة متمردة، والنوع الإنساني يحفر قبره بيديه بمَساعٍ مثل اقتلاع الغابات والقضاء على الحيوانات (Ynestra King, “Healing the Wounds: Feminism, Ecology, and Nature/Culture Dualism,” 1995).
 
   
 
   
   −
2.3 مقاربات الوجودية، والتحليل النفسي، وما بعد الحداثة، والموجة الثالثة:
+
=== مقاربات الوجودية، والتحليل النفسي، وما بعد الحداثة، والموجة الثالثة:===
 
انبثاقا من نماذج الفكر النسوي التي تشدد على النتائج المادية لوضع الجنس الآخر، ركزت النسويات الوجوديات على النتائج النفسية/السيكولوجية. فقد كتبت سيمون دي بوفوار في كتابها “الجنس الآخر” أن الرجل منذ البداية سمى نفسه “النفس” وسمى المرأة “الآخر”، فلو كان الآخر تهديدا للنفس، فإن النساء تهديد للرجال، وإذا أراد الرجال أن يبقوا أحرارا، فعليهم -ليس فقط إخضاع النساء لهم- ولكن إقناعهن أيضا بعدم استحقاقهن معاملة أفضل. ومن ثم، إذا كان على النساء أن يكنّ ذواتا حقيقية، يجب عليهن تعريف أنفسهن كعوامل مستقلة تخطط لمسار أقدارها بحرية. على النساء أن يرفضن تعريف أنفسهن تبعا للرجال وأن يسلكن سبيلهم ببساطة.
 
انبثاقا من نماذج الفكر النسوي التي تشدد على النتائج المادية لوضع الجنس الآخر، ركزت النسويات الوجوديات على النتائج النفسية/السيكولوجية. فقد كتبت سيمون دي بوفوار في كتابها “الجنس الآخر” أن الرجل منذ البداية سمى نفسه “النفس” وسمى المرأة “الآخر”، فلو كان الآخر تهديدا للنفس، فإن النساء تهديد للرجال، وإذا أراد الرجال أن يبقوا أحرارا، فعليهم -ليس فقط إخضاع النساء لهم- ولكن إقناعهن أيضا بعدم استحقاقهن معاملة أفضل. ومن ثم، إذا كان على النساء أن يكنّ ذواتا حقيقية، يجب عليهن تعريف أنفسهن كعوامل مستقلة تخطط لمسار أقدارها بحرية. على النساء أن يرفضن تعريف أنفسهن تبعا للرجال وأن يسلكن سبيلهم ببساطة.
تسعى نسويات التحليل النفسي -مثل النسويات الوجوديات- إلى تفسير وضع النساء في خبايا نفوسهن. فعندهن أن الأولاد والبنات ينشؤون اجتماعيا بطرق مختلفة لأن تربية الأطفال تكاد تكون محصورة على النساء، ينشأ الأولاد على رغبة الانفصال عن الآخرين وعن القيم الأنثوية المرتبطة ثقافيا بأمهاتهم وأخواتهم. وعلى النقيض، تنشأ الفتيات كـ “نساء صغيرات”، يقلدن سلوك أمهاتهن، ويردن البقاء في ارتباط بهن وبالآخرين. والأكثر من ذلك، بسبب الطرق التي تشكّل بها الأنظمة والبنى البطريركية/الأبوية القيمَ الإنسانية، يشرع الأولاد والبنات في الاعتقاد بأن القيم الذكورية ظاهريًّا مثل العدالة والوعي -والتي يربطونها بالثقافة- تامّة الإنسانية أكثر من القيم الأنثوية ظاهريًّا مثل الرعاية والتعاطف، التي يربطونها بالطبيعة.
+
 
 +
تسعى [[علم نفس نسوي | نسويات التحليل النفسي]] -مثل النسويات الوجوديات- إلى تفسير وضع النساء في خبايا نفوسهن. فعندهن أن الأولاد والبنات ينشؤون اجتماعيا بطرق مختلفة لأن تربية الأطفال تكاد تكون محصورة على النساء، ينشأ الأولاد على رغبة الانفصال عن الآخرين وعن القيم الأنثوية المرتبطة ثقافيا بأمهاتهم وأخواتهم. وعلى النقيض، تنشأ الفتيات كـ “نساء صغيرات”، يقلدن سلوك أمهاتهن، ويردن البقاء في ارتباط بهن وبالآخرين. والأكثر من ذلك، بسبب الطرق التي تشكّل بها الأنظمة والبنى البطريركية/الأبوية القيمَ الإنسانية، يشرع الأولاد والبنات في الاعتقاد بأن القيم الذكورية ظاهريًّا مثل العدالة والوعي -والتي يربطونها بالثقافة- تامّة الإنسانية أكثر من القيم الأنثوية ظاهريًّا مثل الرعاية والتعاطف، التي يربطونها بالطبيعة.
 +
 
 
وسعيا لتحرير النساء من جرعات الجنس النفسي التي تجعل النساء تبدو للنساء والرجال أقل قيمة من الرجال، تعتقد بعض نسويات التحليل النفسي أن السبب في تلك النظرة الخاطئة للنساء متجذرة في اعتماد المجتمع على النساء في القيام بمهام تقديم الرعاية، وعلى الرجال في القيام بمهام بناء العالم، وادّعوا أنه إذا كرّس الرجال أوقاتا كثيرة للأبوة كالتي تكرسها النساء للأمومة، وإذا عملت النساء بجدّ في عالم المغامرة كما يعمل الرجال، فلن يصنّف الأطفال البيت على أنه للنساء والعمل على أنه للرجال، ولكنهم سينشئون معتقدين أن والديهم شخصان يقدّران -بمقياس متساو نسبيا-فوائد كلا من حياة البيت وحياة العمل.
 
وسعيا لتحرير النساء من جرعات الجنس النفسي التي تجعل النساء تبدو للنساء والرجال أقل قيمة من الرجال، تعتقد بعض نسويات التحليل النفسي أن السبب في تلك النظرة الخاطئة للنساء متجذرة في اعتماد المجتمع على النساء في القيام بمهام تقديم الرعاية، وعلى الرجال في القيام بمهام بناء العالم، وادّعوا أنه إذا كرّس الرجال أوقاتا كثيرة للأبوة كالتي تكرسها النساء للأمومة، وإذا عملت النساء بجدّ في عالم المغامرة كما يعمل الرجال، فلن يصنّف الأطفال البيت على أنه للنساء والعمل على أنه للرجال، ولكنهم سينشئون معتقدين أن والديهم شخصان يقدّران -بمقياس متساو نسبيا-فوائد كلا من حياة البيت وحياة العمل.
 +
 
وعموما، ليس كل نسويات التحليل النفسي يعتقدن أن تنظيمات الأبوة المزدوجة/العمل المزدوج هي علاج عقدة أوديب (Oedipus complex) المشينة الموضحة أعلاه، فخلال تلك العقدة، يندمج الولد بالثقافة تماما، وفي محاولته التخلي عن أمه -موضع حبه الأول-، لا يهرب الولد من الخصي على يدي أبيه فقط، إنه يتحكم في القوى اللامنطقية لكل من الطبيعة والنساء. وبصفتهن غير قادرات على تخطي عقدة أوديب مثل كما فعل الأولاد، لا تنفصل البنات -اللاتي لا يملكن عضوا ذكريا كي يخشين فقدانه- عن أمهاتهن كليا، ونتيجة ذلك أن اندماج البنات مع الطبيعة لن يكتمل أبدا. تظهر النساء على حدود المجتمع وهوامشه على أنهن المحكومات لا الحاكمات. ومن ثم، فالطريق الوحيد لتغيير وضع المرأة في المجتمع في تقدير بعض نسويات التحليل النفسي هو رفض وجهة النظر القائلة أن البشر سيظلون في وضعهم الطبيعي إذا لم يتجاوزوا عقدة أوديب. نصحت لوس أريغاراي وجوليا كريستيفا النساء أن يبقين فيما سمتاه الخيال الافتراضي (Imaginary)، حيث المكان الذي تتحد فيه الأم بطفلها في تناغم تام، فمغادرة هذا المكان لدخول ما يسمى الترتيب الرمزي -عالم لغة الرجال وقواعدهم وقوانينهم- يبدو قليل المعقولية عند المرأة. وبدلا من دخول هذا العالم الذي هن فيه مضطهدات ومقموعات لا محالة، عليهن البقاء في الخيال الافتراضي حيث يتمتعن باختلافهن عن الرجال ويعشن حياة وفقا لمنطلقاتهن. لن تنهدم المدنيّة إذا بقيت النساء في الخيال الافتراضي، ولكن البطريركية ستقوّض.
 
وعموما، ليس كل نسويات التحليل النفسي يعتقدن أن تنظيمات الأبوة المزدوجة/العمل المزدوج هي علاج عقدة أوديب (Oedipus complex) المشينة الموضحة أعلاه، فخلال تلك العقدة، يندمج الولد بالثقافة تماما، وفي محاولته التخلي عن أمه -موضع حبه الأول-، لا يهرب الولد من الخصي على يدي أبيه فقط، إنه يتحكم في القوى اللامنطقية لكل من الطبيعة والنساء. وبصفتهن غير قادرات على تخطي عقدة أوديب مثل كما فعل الأولاد، لا تنفصل البنات -اللاتي لا يملكن عضوا ذكريا كي يخشين فقدانه- عن أمهاتهن كليا، ونتيجة ذلك أن اندماج البنات مع الطبيعة لن يكتمل أبدا. تظهر النساء على حدود المجتمع وهوامشه على أنهن المحكومات لا الحاكمات. ومن ثم، فالطريق الوحيد لتغيير وضع المرأة في المجتمع في تقدير بعض نسويات التحليل النفسي هو رفض وجهة النظر القائلة أن البشر سيظلون في وضعهم الطبيعي إذا لم يتجاوزوا عقدة أوديب. نصحت لوس أريغاراي وجوليا كريستيفا النساء أن يبقين فيما سمتاه الخيال الافتراضي (Imaginary)، حيث المكان الذي تتحد فيه الأم بطفلها في تناغم تام، فمغادرة هذا المكان لدخول ما يسمى الترتيب الرمزي -عالم لغة الرجال وقواعدهم وقوانينهم- يبدو قليل المعقولية عند المرأة. وبدلا من دخول هذا العالم الذي هن فيه مضطهدات ومقموعات لا محالة، عليهن البقاء في الخيال الافتراضي حيث يتمتعن باختلافهن عن الرجال ويعشن حياة وفقا لمنطلقاتهن. لن تنهدم المدنيّة إذا بقيت النساء في الخيال الافتراضي، ولكن البطريركية ستقوّض.
وأخيرا، كما ترى نسويات الموجة الثالثة وما بعد الحداثة، كل المحاولات الفردية لتفسير اضطهاد المرأة باءت بالفشل، فلا توجد كينونة واحدة تدعى “المرأة” ينطبق عليها هذا الوصف، فالنساء أفراد، لدى كل منهن قصة فريدة ترويها عن نفسها. وبناء على ذلك، فأي تفسير فردي لوضع “المرأة” هو مماثلة أخرى لما يسمى بالفكر “الفالوغوسنتري”، وهو نوع من “التفكير الذكوري” الذي يصر -كحقيقة مطلقة- على رواية قصة واحدة، وواحدة فقط، عن الحقيقة. وفي تقدير نسويات الموجة الثالثة وما بعد الحداثة، يجب على النساء كشف اختلافاتهن لبعضهن البعض لكي يستطعن مقاومة النزعة البطريركية لتمركز وتحجر الفكر بصدد حقيقة صارمة، كانت دوما، وتكون، وستبقى كذلك إلى الأبد. ولكي يثبت النساء أنفسهن، يجب عليهن أن يتقبلن التناقض بسرور، حتى التناقض الذاتي، فليس هناك ما يضطرهن لاتباع أي نص، بما في ذلك ما فُرض عليهن طوال حياتهن.
  −
     −
    4. الخلاصة
+
وأخيرا، كما ترى نسويات [[موجة نسوية ثالثة | الموجة الثالثة]] و[[نسوية ما بعد الحداثة | ما بعد الحداثة]]، كل المحاولات الفردية لتفسير اضطهاد المرأة باءت بالفشل، فلا توجد كينونة واحدة تدعى “المرأة” ينطبق عليها هذا الوصف، فالنساء أفراد، لدى كل منهن قصة فريدة ترويها عن نفسها. وبناء على ذلك، فأي تفسير فردي لوضع “المرأة” هو مماثلة أخرى لما يسمى بالفكر “الفالوغوسنتري”، وهو نوع من “التفكير الذكوري” الذي يصر -كحقيقة مطلقة- على رواية قصة واحدة، وواحدة فقط، عن الحقيقة. وفي تقدير نسويات الموجة الثالثة وما بعد الحداثة، يجب على النساء كشف اختلافاتهن لبعضهن البعض لكي يستطعن مقاومة النزعة البطريركية لتمركز وتحجر الفكر بصدد حقيقة صارمة، كانت دوما، وتكون، وستبقى كذلك إلى الأبد. ولكي يثبت النساء أنفسهن، يجب عليهن أن يتقبلن التناقض بسرور، حتى التناقض الذاتي، فليس هناك ما يضطرهن لاتباع أي نص، بما في ذلك ما فُرض عليهن طوال حياتهن.
 +
 
 +
==الخلاصة==
 +
 
 
لا تفرض مقاربات الرعاية النسوية أو المقاربات النسوية المرتكزة على القوة للأخلاق مقياسا معياريا واحدا على النساء. وإنما تعرض عليهن طرقا متعددة لفهم الطرق التي يؤثر بها الجندر، والعرق، والطبقة وما إلى ذلك على قراراتهن الأخلاقية. ولأن المقاربات النسوية للأخلاق تميل إلى كونها خنثوية وحساسة للجندر على حد سواء، تحتج الانتقادات الغير نسوية على هذه المقاربات بأنها “منحازة للإناث”. وتؤكد تلك الانتقادات أن الأخلاقيات لا يمكن أن تبدأ من نقطة انطلاق خاصة -من المرأة في هذه الحالة- ثم تظل معتبرة كأخلاقيات. وعلى النقيض، تنطلق الأخلاقيات التقليدية من افتراض أن القيم والقواعد تطبق على كل العقلاء بالتساوي. بيْد أن معظم نظريات الأخلاقيات التقليدية تبدو مؤسسة على خبرة الرجال الأخلاقية -الخبرات القوية غالبا- في مقابل النساء.
 
لا تفرض مقاربات الرعاية النسوية أو المقاربات النسوية المرتكزة على القوة للأخلاق مقياسا معياريا واحدا على النساء. وإنما تعرض عليهن طرقا متعددة لفهم الطرق التي يؤثر بها الجندر، والعرق، والطبقة وما إلى ذلك على قراراتهن الأخلاقية. ولأن المقاربات النسوية للأخلاق تميل إلى كونها خنثوية وحساسة للجندر على حد سواء، تحتج الانتقادات الغير نسوية على هذه المقاربات بأنها “منحازة للإناث”. وتؤكد تلك الانتقادات أن الأخلاقيات لا يمكن أن تبدأ من نقطة انطلاق خاصة -من المرأة في هذه الحالة- ثم تظل معتبرة كأخلاقيات. وعلى النقيض، تنطلق الأخلاقيات التقليدية من افتراض أن القيم والقواعد تطبق على كل العقلاء بالتساوي. بيْد أن معظم نظريات الأخلاقيات التقليدية تبدو مؤسسة على خبرة الرجال الأخلاقية -الخبرات القوية غالبا- في مقابل النساء.
 +
 
تحتج النسويات اللاتي يطورن مقاربات الرعاية والمقاربات الوضعية النسوية للأخلاق بشكل آمن بأنهن يحاولن فعل ما كان ينبغي أن تفعله الأخلاقيات التقليدية في المقام الأول، وهو أن تعير اهتماما أكثر لخبرة النساء الأخلاقية كالذي تعيره لخبرة الرجال. وبنفس الطريقة التي تجاهل بها المؤرخون ضغط وجهد وصراعات العالم الخاص للأطفال، والكنيسة، والمطبخ ليركزوا على الثورات الاقتصادية والانقلابات السياسية والاحتلالات المسلحة للعالم العام، ركز الأخلاقيون التقليديون على اهتمامات الرجال الأخلاقية، وقضاياهم، وقيمهم، متجاهلين المرأة. وبناء على ذلك، فعندما تؤكد إحدى أنصار الأخلاقيات النسوية أهمية أخلاق النساء، فهي تقوم ببعض العمل الإصلاحي، فتضيف خبرات النساء الأخلاقية إلى التقليد الأخلاقي المنحاز للرجال، والذي يحتاجها على نحو خطير.
 
تحتج النسويات اللاتي يطورن مقاربات الرعاية والمقاربات الوضعية النسوية للأخلاق بشكل آمن بأنهن يحاولن فعل ما كان ينبغي أن تفعله الأخلاقيات التقليدية في المقام الأول، وهو أن تعير اهتماما أكثر لخبرة النساء الأخلاقية كالذي تعيره لخبرة الرجال. وبنفس الطريقة التي تجاهل بها المؤرخون ضغط وجهد وصراعات العالم الخاص للأطفال، والكنيسة، والمطبخ ليركزوا على الثورات الاقتصادية والانقلابات السياسية والاحتلالات المسلحة للعالم العام، ركز الأخلاقيون التقليديون على اهتمامات الرجال الأخلاقية، وقضاياهم، وقيمهم، متجاهلين المرأة. وبناء على ذلك، فعندما تؤكد إحدى أنصار الأخلاقيات النسوية أهمية أخلاق النساء، فهي تقوم ببعض العمل الإصلاحي، فتضيف خبرات النساء الأخلاقية إلى التقليد الأخلاقي المنحاز للرجال، والذي يحتاجها على نحو خطير.
 +
 
ومع ذلك، فربما تفعل أكثر من هذا، ربما تقترح أنه لا يكفي الأخلاقيات التقليدية أن تمزج اهتمامات النساء وقضاياهن وتعترف بهن كعوامل أخلاقية ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار بجدية. فعلى النقيض، ربما تناقش الأخلاقيات التقليدية في إعادة النظر في الفروض الأنطولوجية والابستمولوجية التي تأسس عليها تفكيرهم، وأن تعتبر الإمكانية البعيدة عن كونهم مصادر تحرر الإنسان، ومبادئهم، وقواعدهم، وضوابطهم، وأعرافهم، ومعاييرهم، تخدم في النهاية أنماطا من الهيمنة والخضوع تعيد بناء أخلاق كل شخص.
 
ومع ذلك، فربما تفعل أكثر من هذا، ربما تقترح أنه لا يكفي الأخلاقيات التقليدية أن تمزج اهتمامات النساء وقضاياهن وتعترف بهن كعوامل أخلاقية ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار بجدية. فعلى النقيض، ربما تناقش الأخلاقيات التقليدية في إعادة النظر في الفروض الأنطولوجية والابستمولوجية التي تأسس عليها تفكيرهم، وأن تعتبر الإمكانية البعيدة عن كونهم مصادر تحرر الإنسان، ومبادئهم، وقواعدهم، وضوابطهم، وأعرافهم، ومعاييرهم، تخدم في النهاية أنماطا من الهيمنة والخضوع تعيد بناء أخلاق كل شخص.
 +
 
إذا كانت الأخلاقيات تُعنى بتحرر البشر، فملخص أليسون جاغر عن الأسس الأربعة للأخلاقيات النسوية لا يعلى عليه في أي طريقة ذات مغزى. فوفقا لجاغر، تسعى كل المقاربات النسوية إلى (1) تقديم انتقادات أخلاقية للأعمال والممارسات التي تديم إخضاع المرأة. (2) وصف طرق مقبولة أخلاقيا لمقاومة هذه الأعمال والممارسات. (3) تصور بدائل مرغوبة لهذه الأعمال والممارسات. (4) أخذ خبرة المرأة الأخلاقية على محمل الجد، لكن ليس بلا نقد (Jaggar, “Feminist Ethics,” 1992). ينبغي أن يهدف الأخلاقيون النسويون أولا وقبل كل شيء إلى تحسين حالة المرأة على وجه الخصوص، وأيضا حالة الضعفاء مثل الأطفال، وكبار السن، والعجزة، والمعاقين، والمتخلفين عقليا.
 
إذا كانت الأخلاقيات تُعنى بتحرر البشر، فملخص أليسون جاغر عن الأسس الأربعة للأخلاقيات النسوية لا يعلى عليه في أي طريقة ذات مغزى. فوفقا لجاغر، تسعى كل المقاربات النسوية إلى (1) تقديم انتقادات أخلاقية للأعمال والممارسات التي تديم إخضاع المرأة. (2) وصف طرق مقبولة أخلاقيا لمقاومة هذه الأعمال والممارسات. (3) تصور بدائل مرغوبة لهذه الأعمال والممارسات. (4) أخذ خبرة المرأة الأخلاقية على محمل الجد، لكن ليس بلا نقد (Jaggar, “Feminist Ethics,” 1992). ينبغي أن يهدف الأخلاقيون النسويون أولا وقبل كل شيء إلى تحسين حالة المرأة على وجه الخصوص، وأيضا حالة الضعفاء مثل الأطفال، وكبار السن، والعجزة، والمعاقين، والمتخلفين عقليا.
 +
 
رغم التفسيرات المختلفة للنسويات الأخلاقيات لما يمكن اعتباره خيارا تطوعيا ومقصودا، أو ممارسة غير شرعية أو شرعية للسيطرة، أو علاقة صحية أو ممرضة، فإن المجتمع الفكري والأخلاقي يطمأن إلى أن النسوية بعد كل شيء ليست أيديولوجية متجانسة تصف طريقا واحدا فقط لكل النساء، هذه الطريقة في التفكير هي أيضا المناسَبة لما يمكن اعتباره انقساما سياسيا بين النسويات. فإذا أتينا لطاولة السياسة وطلبنا التعبير عن وجهة النظر النسوية لقضية أخلاقية ما، فسيستطيع كل خبير أخلاقي نسوي أمين أن يقول أن وجهة النظر تلك لا وجود لها، وإذا كانت النسويات لا يملكن موقفا واضحا وملائما وموحدا للقضايا الأخلاقية الرئيسية، فإن وجهات النظر الأقل ملاءمة للنساء قد تملأ الفجوة.
 
رغم التفسيرات المختلفة للنسويات الأخلاقيات لما يمكن اعتباره خيارا تطوعيا ومقصودا، أو ممارسة غير شرعية أو شرعية للسيطرة، أو علاقة صحية أو ممرضة، فإن المجتمع الفكري والأخلاقي يطمأن إلى أن النسوية بعد كل شيء ليست أيديولوجية متجانسة تصف طريقا واحدا فقط لكل النساء، هذه الطريقة في التفكير هي أيضا المناسَبة لما يمكن اعتباره انقساما سياسيا بين النسويات. فإذا أتينا لطاولة السياسة وطلبنا التعبير عن وجهة النظر النسوية لقضية أخلاقية ما، فسيستطيع كل خبير أخلاقي نسوي أمين أن يقول أن وجهة النظر تلك لا وجود لها، وإذا كانت النسويات لا يملكن موقفا واضحا وملائما وموحدا للقضايا الأخلاقية الرئيسية، فإن وجهات النظر الأقل ملاءمة للنساء قد تملأ الفجوة.
 +
 
رغم أنه من المحتم على النسويين الأخلاقيين أن يؤكدوا -على سبيل المثال- كيف أن السياسة التي تفيد مجموعة من النساء قد تضر مجموعة أخرى في الوقت نفسه، ربما كان من خطأهم عدم تأييد سياسات قادرة على خدمة أهم المصالح لأوسع نطاق من النساء. ولهذا السبب، يعتقد كثير من الأخلاقيين النسويين أن عليهم لزاما الاستماع أولا لوجهات النظر المختلفة للنساء، ثم صياغة رؤية مُجمع عليها، بغض النظر عما إذا كان تحقيق هذا الهدف مؤكدا أم لا. ومع هذا كله، مازال على الأخلاقيين النسويين الالتزام بمهمة دفع النساء نحو هدف المساواة الجنوسية بالرجال. وسيشهد القرن الحادي والعشرون -بلا شك- تقدما جديدا في الأخلاقيات النسوية لأنه يواجه تحدي العيش في عالم معولَم.
 
رغم أنه من المحتم على النسويين الأخلاقيين أن يؤكدوا -على سبيل المثال- كيف أن السياسة التي تفيد مجموعة من النساء قد تضر مجموعة أخرى في الوقت نفسه، ربما كان من خطأهم عدم تأييد سياسات قادرة على خدمة أهم المصالح لأوسع نطاق من النساء. ولهذا السبب، يعتقد كثير من الأخلاقيين النسويين أن عليهم لزاما الاستماع أولا لوجهات النظر المختلفة للنساء، ثم صياغة رؤية مُجمع عليها، بغض النظر عما إذا كان تحقيق هذا الهدف مؤكدا أم لا. ومع هذا كله، مازال على الأخلاقيين النسويين الالتزام بمهمة دفع النساء نحو هدف المساواة الجنوسية بالرجال. وسيشهد القرن الحادي والعشرون -بلا شك- تقدما جديدا في الأخلاقيات النسوية لأنه يواجه تحدي العيش في عالم معولَم.
     −
   
==المراجع==
 
==المراجع==
  
7٬893

تعديل

قائمة التصفح