تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الربط دوما يكون باسم الشيء المربوط له، و يجب دوما تلافي استعمال "اضغط هنا" كمربط للرابط.
سطر 1: سطر 1:  
[[تصنيف:وثائق مطلوب تحديث قالب بياناتها]]{{بيانات وثيقة
 
[[تصنيف:وثائق مطلوب تحديث قالب بياناتها]]{{بيانات وثيقة
 
|المصدر= جدلية  
 
|المصدر= جدلية  
 +
|ملاحظة=هذه المقالة الجزء الأول من بحث للكاتبة [[رجاء نعمة]]. الجزآن [[وثيقة:جسد المرأة الغواية ومحنة الإنسان - الجزء الثاني|الثاني]] و [[وثيقة:جسد المرأة الغواية ومحنة الإنسان - الجزء الثالث|الثالث]] محفوظان في الويكي.'''
 
|نوع المحتوى=رأي
 
|نوع المحتوى=رأي
 
|مؤلف=رجاء نعمة  
 
|مؤلف=رجاء نعمة  
سطر 8: سطر 9:  
|تاريخ الاسترجاع=11-02-2018
 
|تاريخ الاسترجاع=11-02-2018
 
|مسار الاسترجاع=http://www.jadaliyya.com/Details/28825/جسد-المرأة-الغواية-ومحنة-الإنسان-الجزء-الأول
 
|مسار الاسترجاع=http://www.jadaliyya.com/Details/28825/جسد-المرأة-الغواية-ومحنة-الإنسان-الجزء-الأول
|شعار=شعار موقع جدلية.png
   
}}
 
}}
'''تشكل هذه المقالة الجزء الأول من بحث للكاتبة [[رجاء نعمة]]. [[وثيقة:جسد المرأة الغواية ومحنة الإنسان - الجزء الثاني |اضغط/ي هنا]] لقراءة الجزء الثاني و[[وثيقة:جسد المرأة الغواية ومحنة الإنسان - الجزء الثالث | هنا]] لقراءة الجزء الثالث.'''
  −
----
     −
=مقدمة: العولمة وعرش الجسد=
+
== مقدمة: العولمة وعرش الجسد ==
 
يتزامن نظام العولمة مع حضور طاغِ ل[[جسد]] المرأة في الإعلام والإعلان. حضور يشتد يوماً بعد يوم، إن لجهة الكم أم النوع حيث يزداد هذا الجسد، في المرئي والمقروء، عرياً وأوضاعه غواية أو محاولة لها على الأقل. وتساهم تكنولوجيا التصوير وتأثيراته في لعبة الفتنة والترويج حتى ليكاد الإهتمام بالجسد، في الإعلان "الفذ" للألفية الثالثة، يغدو عديل الاهتمام بالفكر والأدب والفنون الذي استحوذ على الصحافة في العقود السابقة. مما يدعونا لتأمل هذا الموضوع الذي لولا أهميته في اللاوعي الجماعي والفردي البعيد منه والجديد، وقابلية استثماره في "اقتصاد السوق" لما تمكن من أن يتصدر المكانة التي "استحقها".
 
يتزامن نظام العولمة مع حضور طاغِ ل[[جسد]] المرأة في الإعلام والإعلان. حضور يشتد يوماً بعد يوم، إن لجهة الكم أم النوع حيث يزداد هذا الجسد، في المرئي والمقروء، عرياً وأوضاعه غواية أو محاولة لها على الأقل. وتساهم تكنولوجيا التصوير وتأثيراته في لعبة الفتنة والترويج حتى ليكاد الإهتمام بالجسد، في الإعلان "الفذ" للألفية الثالثة، يغدو عديل الاهتمام بالفكر والأدب والفنون الذي استحوذ على الصحافة في العقود السابقة. مما يدعونا لتأمل هذا الموضوع الذي لولا أهميته في اللاوعي الجماعي والفردي البعيد منه والجديد، وقابلية استثماره في "اقتصاد السوق" لما تمكن من أن يتصدر المكانة التي "استحقها".
   −
في هذه اللعبة يتقاسام المروّج والمنفذ والفاتنة الأدوار. المروّج/المفكر يشهر الحيثيات التي تصب غالبيتها في خانة "الثورة على [[نظام أبوي |  النظام الأبوي]]"، وضرورة "فضح المسكوت عنه". كلام يستهلك عناوين لنظريات قيِّـمة وجديرة بالتأمل والجدل، برزت في القرن العشرين مع نهوض الفكر التحليلي والمدارس الحديثة لعلم النفس وعلم الاجتماع. استهلاك لا يدل على استيعاب هذه النظريات ولا حتى على إلمام بسيط بها؛ بل يجعل عناوينها شعارات/مشاجب يحمّلها ما يريد تحميله وما يلائم "الثقافة الجديدة" التي انخرط في إرسائها، عن دراية أو غفلة.  
+
في هذه اللعبة يتقاسم المروّج والمنفذ والفاتنة الأدوار. المروّج/المفكر يشهر الحيثيات التي تصب غالبيتها في خانة "الثورة على [[نظام أبوي |  النظام الأبوي]]"، وضرورة "فضح المسكوت عنه". كلام يستهلك عناوين لنظريات قيِّـمة وجديرة بالتأمل والجدل، برزت في القرن العشرين مع نهوض الفكر التحليلي والمدارس الحديثة لعلم النفس وعلم الاجتماع. استهلاك لا يدل على استيعاب هذه النظريات ولا حتى على إلمام بسيط بها؛ بل يجعل عناوينها شعارات/مشاجب يحمّلها ما يريد تحميله وما يلائم "الثقافة الجديدة" التي انخرط في إرسائها، عن دراية أو غفلة.  
    
لا بد أنه قد أسقط في يد هؤلاء، عندما وجدوا من يزايد عليهم في "التصدي للنظام الأبوي" بالتظاهر عرياً. حين خرجت في الغرب متظاهرات "ثوريات" عاريات الصدور، حذت حذوهن شابات في بعض البلدان العربية. من ناحية أخرى وتجاوزاً للعري، بدأت أخريات يسجلن أسماءهن لتأدية واجب نبيل، يقوم به "الجسد"  لمن انخرط في "خدمة العلم" أو "الثورة". تطوعا! لجهة العري والملبس، وفي نظرة استرجاعية لصورة الجسد في التاريخ يمكننا رصد ثلاث محطات رئيسية: العري البدائي ورمزه في الأديان عري حواء وآدم؛ والملبس على أنماطه؛ والعري الإعلاني الإعلامي المرتبط بال[[بورنو]] والمال؛ والعري الاحتجاجي لتحقيق مكاسب "ديموقراطية" وهي كما سابقتها في التسلسل ظاهرة ما بعد حداثية. هذه المظاهر التي تزداد تطرفاً، مدعومة من بعض وسائل الإعلام العالمي والمحلي، تثير عدداً كبيراً من الأسئلة وتدعونا من جديد، انطلاقاً من حاضر الجسد، إلى قراءة تاريخه.
 
لا بد أنه قد أسقط في يد هؤلاء، عندما وجدوا من يزايد عليهم في "التصدي للنظام الأبوي" بالتظاهر عرياً. حين خرجت في الغرب متظاهرات "ثوريات" عاريات الصدور، حذت حذوهن شابات في بعض البلدان العربية. من ناحية أخرى وتجاوزاً للعري، بدأت أخريات يسجلن أسماءهن لتأدية واجب نبيل، يقوم به "الجسد"  لمن انخرط في "خدمة العلم" أو "الثورة". تطوعا! لجهة العري والملبس، وفي نظرة استرجاعية لصورة الجسد في التاريخ يمكننا رصد ثلاث محطات رئيسية: العري البدائي ورمزه في الأديان عري حواء وآدم؛ والملبس على أنماطه؛ والعري الإعلاني الإعلامي المرتبط بال[[بورنو]] والمال؛ والعري الاحتجاجي لتحقيق مكاسب "ديموقراطية" وهي كما سابقتها في التسلسل ظاهرة ما بعد حداثية. هذه المظاهر التي تزداد تطرفاً، مدعومة من بعض وسائل الإعلام العالمي والمحلي، تثير عدداً كبيراً من الأسئلة وتدعونا من جديد، انطلاقاً من حاضر الجسد، إلى قراءة تاريخه.
   −
="أصل" الحكاية: أنا "عاري" إذن أنا موجود؟=
+
== "أصل" الحكاية: أنا "عاري" إذن أنا موجود؟ ==
    
إضافة إلى دوره الإنساني العظيم في استمرارية الكائن البشري على الأرض، كان الجسد، جسد المرأة بصورة خاصة، وما يزال موضوع الرغبات والهوامات والمخاوف والتحريم والتحليل والشتائم والتعيير. وأيضاً موضوع الفنون والآداب، والفلسفات؛ وموضوعاً محورياً في التصورات والحكايات والميثولوجيا، في الأديان السماوية كما في النظريات الحديثة لعلم النفس وعلم الاجتماع.   
 
إضافة إلى دوره الإنساني العظيم في استمرارية الكائن البشري على الأرض، كان الجسد، جسد المرأة بصورة خاصة، وما يزال موضوع الرغبات والهوامات والمخاوف والتحريم والتحليل والشتائم والتعيير. وأيضاً موضوع الفنون والآداب، والفلسفات؛ وموضوعاً محورياً في التصورات والحكايات والميثولوجيا، في الأديان السماوية كما في النظريات الحديثة لعلم النفس وعلم الاجتماع.   
سطر 36: سطر 34:  
الجواب المباشر ماثل في الأذهان، فالوعي يميّز الإنسان العارف عن الحيوان الغافل. على أن هناك تفسيرات أخرى لا تندرج في خانة التلقائي. والوعي يرتبط أيضا "بالتصور" و"التخيّل"؛ أي بالقدرة على الغواية. القدرات "السحرية" للجسد هو ما شغل البشرية والأديان وما زال يشغلها حتى الآن. إذا كان الحيوان لا يعي جسده بل يمارس رغباته مع شريكه بالغريزة، فالإنسان، بوعيه الرغبة وتصوراته وافتتانه بأداء جسده وجسد شريكه، يتمكن، لا من تحقيق الرغبة وحسب، بل ومن العبث بها أيضاً؛ جاعلاً الجسد موضوع غواية ووسيلة عبث وإيقاع. إيقاع بالذات وبالآخر، بواسطة ما يُسمى في علم النفس "بهوامات" الرغبة التي تُضاف إلى الدافع الغريزي والتي لا مراء في صفتها البشرية، مقارنة بالعجز المفترض للحيوان عن الاستيهام. ولعل "ملكة" التصور والتخيل هي ينبوع محنة الإنسان التي أفقدته "البراءة الأصلية".
 
الجواب المباشر ماثل في الأذهان، فالوعي يميّز الإنسان العارف عن الحيوان الغافل. على أن هناك تفسيرات أخرى لا تندرج في خانة التلقائي. والوعي يرتبط أيضا "بالتصور" و"التخيّل"؛ أي بالقدرة على الغواية. القدرات "السحرية" للجسد هو ما شغل البشرية والأديان وما زال يشغلها حتى الآن. إذا كان الحيوان لا يعي جسده بل يمارس رغباته مع شريكه بالغريزة، فالإنسان، بوعيه الرغبة وتصوراته وافتتانه بأداء جسده وجسد شريكه، يتمكن، لا من تحقيق الرغبة وحسب، بل ومن العبث بها أيضاً؛ جاعلاً الجسد موضوع غواية ووسيلة عبث وإيقاع. إيقاع بالذات وبالآخر، بواسطة ما يُسمى في علم النفس "بهوامات" الرغبة التي تُضاف إلى الدافع الغريزي والتي لا مراء في صفتها البشرية، مقارنة بالعجز المفترض للحيوان عن الاستيهام. ولعل "ملكة" التصور والتخيل هي ينبوع محنة الإنسان التي أفقدته "البراءة الأصلية".
   −
=في البدء كان التمرد=
+
== في البدء كان التمرد ==
    
تجمع الأديان السماوية على أن "إدراك العري" لم يتم تلقائياً في علاقة تقتصر "أخلاقياً" على الثنائي آدم وحواء؛ بل قد تمّ بواسطة طرف ثالث هو إبليس أو بديله (الأفعى في التوراة). فهو الذي وسوس لهما بالأكل من "شجرة المعرفة". وجزاءً له طرد ابليس من االجنة "مذموماً" محقراً، مما جعله يشق عصا الطالعة على الخالق ويهدد بالانتقام.  
 
تجمع الأديان السماوية على أن "إدراك العري" لم يتم تلقائياً في علاقة تقتصر "أخلاقياً" على الثنائي آدم وحواء؛ بل قد تمّ بواسطة طرف ثالث هو إبليس أو بديله (الأفعى في التوراة). فهو الذي وسوس لهما بالأكل من "شجرة المعرفة". وجزاءً له طرد ابليس من االجنة "مذموماً" محقراً، مما جعله يشق عصا الطالعة على الخالق ويهدد بالانتقام.  
سطر 42: سطر 40:  
يدعونا طرد إبليس من الجنة للتساؤل عمَّ إذا كان "التمرد"، تمرد إبليس على مشيئة الخالق، هو "البدء" الذي نتج عنه هبوط آدم وحواء على الأرض، أم أن "الوعي بالعري" كان البداية؟ تسلسل الحكاية كما وردت في الآيات والإصحاح تشير إلى أن "التمرد" كان سابقاً على الإغواء، بل وكان السبب المباشر له. فبعد حياة الرغد في المنظومة السماوية، ولسبب "يعجز عقل الانسان عن إدراكه"، طلب الله من الملائكة السجود لآدم. جميعها امتثلت وسجدت بلا تساؤل فيما عدا إبليس الذي اعترض وتساءل: "ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ. قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ".
 
يدعونا طرد إبليس من الجنة للتساؤل عمَّ إذا كان "التمرد"، تمرد إبليس على مشيئة الخالق، هو "البدء" الذي نتج عنه هبوط آدم وحواء على الأرض، أم أن "الوعي بالعري" كان البداية؟ تسلسل الحكاية كما وردت في الآيات والإصحاح تشير إلى أن "التمرد" كان سابقاً على الإغواء، بل وكان السبب المباشر له. فبعد حياة الرغد في المنظومة السماوية، ولسبب "يعجز عقل الانسان عن إدراكه"، طلب الله من الملائكة السجود لآدم. جميعها امتثلت وسجدت بلا تساؤل فيما عدا إبليس الذي اعترض وتساءل: "ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ. قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ".
   −
=الانشقاق الأول=
+
== الانشقاق الأول ==
    
يشكل رفض إبليس السجود منعطفاً جوهرياً في تاريخ المنظومة "الأولى" كما في طبيعة "المخلوقين" الذين  كانوا يعيشون فيها في انسجام ملائكي؛ ومنعطفاً في طبيعة الأدوار التي سيضطلعون بها حتى "يوم الدين". كان هذا المنعطف هو الانشقاق الأول الذي أنتج التمايز:
 
يشكل رفض إبليس السجود منعطفاً جوهرياً في تاريخ المنظومة "الأولى" كما في طبيعة "المخلوقين" الذين  كانوا يعيشون فيها في انسجام ملائكي؛ ومنعطفاً في طبيعة الأدوار التي سيضطلعون بها حتى "يوم الدين". كان هذا المنعطف هو الانشقاق الأول الذي أنتج التمايز:
سطر 56: سطر 54:  
لا نغفل ما لهذه "التلازم" من مغزى بالنسبة لمحنة الإنسان. فالرب المسؤول عن جميع مظاهر الكون يبدو (لعقل الإنسان القاصر على الأقل) كما لو أنه قد "تخلّى" جزئياً عن مسؤوليته عن الإنسان حين أتاح لإبليس مشاركته السلطة في النسق الدنيوي، موقعاً مخلوقه المفضل وخليفته على الأرض في المحنة. محنة "الامتحان" اللانهائي المستدام ديمومة حياة الانسان على الأرض. ولكأنما مثل هذا  "الامتحان" شرط  "للحياة". وفي هذا الصدد تتأكد جوهر الصلة بين الرؤية والمنظومة  الاجتماعية الأبوية للحياة وبين الحياة الغريزية خارج تلك الرؤية/المنظومة.
 
لا نغفل ما لهذه "التلازم" من مغزى بالنسبة لمحنة الإنسان. فالرب المسؤول عن جميع مظاهر الكون يبدو (لعقل الإنسان القاصر على الأقل) كما لو أنه قد "تخلّى" جزئياً عن مسؤوليته عن الإنسان حين أتاح لإبليس مشاركته السلطة في النسق الدنيوي، موقعاً مخلوقه المفضل وخليفته على الأرض في المحنة. محنة "الامتحان" اللانهائي المستدام ديمومة حياة الانسان على الأرض. ولكأنما مثل هذا  "الامتحان" شرط  "للحياة". وفي هذا الصدد تتأكد جوهر الصلة بين الرؤية والمنظومة  الاجتماعية الأبوية للحياة وبين الحياة الغريزية خارج تلك الرؤية/المنظومة.
   −
=الغواية بين الدين وعلم النفس=
+
== الغواية بين الدين وعلم النفس ==
    
محنة الرغبة والغواية، شغلت وما تزال تشغل الفكر الإنساني. إضافة إلى الأديان، نرى أن الفلسفات جميعها تناولت هذه المسألة الجوهرية. على أن أكثرها أهمية في تشكيل الوعي الإنساني ولا وعيه، وفي تفسيرهما، إثنتان: رؤية الأديان السماوية من ناحية؛ ورؤية مدارس علم النفس والاجتماع من ناحية أخرى. تتفق الأديان السماوية وعلم النفس على أن الجسد وغوايته يتصلان بمحنة الإنسان. فهذا يأتي إلى الدنيا حاملاً رغبته المقدرة عليه، إنما غير موقن من قدرته على استيعابها واستلام مسؤولياتها: المسؤولية الصغرى، تمثل في استيعاب البعد النفسي والوجداني لتحقيق الرغبة؛ والمسؤولية الكبرى، تمثل في قبول البعد الاجتماعي لتحقيق الرغبة، مثل الوعي بالتناسل والاعتراف به وتنظيمه. ما يشكل جوهر النظام الأبوي.
 
محنة الرغبة والغواية، شغلت وما تزال تشغل الفكر الإنساني. إضافة إلى الأديان، نرى أن الفلسفات جميعها تناولت هذه المسألة الجوهرية. على أن أكثرها أهمية في تشكيل الوعي الإنساني ولا وعيه، وفي تفسيرهما، إثنتان: رؤية الأديان السماوية من ناحية؛ ورؤية مدارس علم النفس والاجتماع من ناحية أخرى. تتفق الأديان السماوية وعلم النفس على أن الجسد وغوايته يتصلان بمحنة الإنسان. فهذا يأتي إلى الدنيا حاملاً رغبته المقدرة عليه، إنما غير موقن من قدرته على استيعابها واستلام مسؤولياتها: المسؤولية الصغرى، تمثل في استيعاب البعد النفسي والوجداني لتحقيق الرغبة؛ والمسؤولية الكبرى، تمثل في قبول البعد الاجتماعي لتحقيق الرغبة، مثل الوعي بالتناسل والاعتراف به وتنظيمه. ما يشكل جوهر النظام الأبوي.
سطر 76: سطر 74:  
كلا الرؤيتين تتعاملان من الشخصية ضمن منظومة متفق عليها ومتفق في الوقت عينه على إمكانية "الخروج عليها"؛ إنما هو خروج مشروط بحماية الذات والأخرين.  في علم النفس قد يقبل الشخص "خروجه" المشروط بعدم الأذى؛ وفي المعتقد الديني يطلب الغفران أو التوبة او السعي للإصلاح.
 
كلا الرؤيتين تتعاملان من الشخصية ضمن منظومة متفق عليها ومتفق في الوقت عينه على إمكانية "الخروج عليها"؛ إنما هو خروج مشروط بحماية الذات والأخرين.  في علم النفس قد يقبل الشخص "خروجه" المشروط بعدم الأذى؛ وفي المعتقد الديني يطلب الغفران أو التوبة او السعي للإصلاح.
   −
=الرغبة/الغواية وخصوصية المرأة=
+
== الرغبة/الغواية وخصوصية المرأة ==
    
وهي خصوصية شغلت وتشغل علماء النفس وعلماء الاجتماع والحركات النسوية، كما لها حيز كبير في المعتقد الديني وورؤيته. في التوراة تتحمل "حواء" وِزر المبادرة للمعصية إذ سبقت آدم إلى اشتهاء الثمرة المحرّمة وتذوقها، ومن ثم أعطته إياها فأكل. وإذ سألها الرب أجابت إن الأفعى هي التي زيّنت لها ذلك. أما في الآيات القرآنية التي ذكرت الحكاية (وهي كثيرة، البقرة، الأعراف، الكهف إلخ...) فيتساوى الطرفان أمام الله بالنسبة للمعصية التي أنزلتهما من الجنة. إنما لتختلف مسؤولياتهما في سياقات أخرى: في الثقافة الاجتماعية وفي المتخيّل الفردي والجماعي كما في الممارسات عبر العصور.   
 
وهي خصوصية شغلت وتشغل علماء النفس وعلماء الاجتماع والحركات النسوية، كما لها حيز كبير في المعتقد الديني وورؤيته. في التوراة تتحمل "حواء" وِزر المبادرة للمعصية إذ سبقت آدم إلى اشتهاء الثمرة المحرّمة وتذوقها، ومن ثم أعطته إياها فأكل. وإذ سألها الرب أجابت إن الأفعى هي التي زيّنت لها ذلك. أما في الآيات القرآنية التي ذكرت الحكاية (وهي كثيرة، البقرة، الأعراف، الكهف إلخ...) فيتساوى الطرفان أمام الله بالنسبة للمعصية التي أنزلتهما من الجنة. إنما لتختلف مسؤولياتهما في سياقات أخرى: في الثقافة الاجتماعية وفي المتخيّل الفردي والجماعي كما في الممارسات عبر العصور.   
    
نظريات كثيرة تناولت هذه الخصوصية، لا سيما بعد قيام حركات التحرر، فوضعت في غالبيتها النظام الأبوي موضع الجدل والمساءلة حتى لا يمر يوم لا نقرأ فيه مقولة أو رأيا ونشاهد صوراً تؤكد على هذه الخصوصية. حتى ليكاد فضاء "الميديا" يغدو لجهة المظهر أنثوياً بامتياز. الجزء الثاني من هذا البحث الذي سيأتي لاحقاً، سيتناول المسار الثقافي غواية الجسد ورؤية كل من الجنسين ومعايشته لها.
 
نظريات كثيرة تناولت هذه الخصوصية، لا سيما بعد قيام حركات التحرر، فوضعت في غالبيتها النظام الأبوي موضع الجدل والمساءلة حتى لا يمر يوم لا نقرأ فيه مقولة أو رأيا ونشاهد صوراً تؤكد على هذه الخصوصية. حتى ليكاد فضاء "الميديا" يغدو لجهة المظهر أنثوياً بامتياز. الجزء الثاني من هذا البحث الذي سيأتي لاحقاً، سيتناول المسار الثقافي غواية الجسد ورؤية كل من الجنسين ومعايشته لها.
      
[[تصنيف:دراسات الجسد]]
 
[[تصنيف:دراسات الجسد]]
 
[[تصنيف:علم النفس النسوي]]
 
[[تصنيف:علم النفس النسوي]]

قائمة التصفح