إنها بحق فكرة عبقرية، تلك التي تفتق عنها ذهن محفوظ، حين ربط بين استمرارية المثلية كسلوك وإدمانِ المخدرات. فهي، من ناحية، تعطي المثلية ذلك البعد المرَضي المطلوب، ولكنها تفتح أيضاً مجالاً لبروز تفسير علمي لعدم قدرة المثلي على التخلي عن مثليته، أو لتشبثه بهذا السلوك. فبجانب التوصيف الديني للمثلية كـ«ابتلاء» (كما يصفها السيد رضوان في «زقاق المدق»)، يتجاوز محفوظ الخطاب الديني المعتاد مرة أخرى ويُسبغ على تصوره صبغة حداثية بامتياز، لتصبح المثلية ليست مجرد ابتلاء ولكن عرضاً مرضياً، له بعد سلوكي مدمر. ويجمع محفوظ بين المثلية والإدمان في أكثر من موضع ليؤكد على عدة «حقائق»: أولاً، أن المثلية تطلب أن يتخلى الإنسان عن إرادته<ref>بيد أنه كان رجلاً مسلوب الإرادة، لم يترك له الحشيش من إرادته نفعاً. زقاق المدق، ص 49.</ref> (من هذا الذي يذهب إلى المثلية بكامل إرادته؟)، وبالتالي تصبح المخدرات هي الوسيلة التي يحافظ بها المثلي على مثليته، لأنها «تذهب العقل»، لأنه حالما عادت إرادته وعقله فإنه لا بد له أن يتخلى عن المثلية. ثانياً، تشبيه المثلية بالمخدرات يعطيها ذلك الجانب الوبائي الذي دائماً ما يرتبط بالمخدرات، وكأن المثلية نوع من المخدرات إذا جربه الشخص أدمنه وتمكن منه (استخدم الأسواني ذلك التوصيف في عمارة يعقوبيان<ref>حاتم الذي كان يدرك، بخبرته الطويلة في الغرام الشاذ، أن الشاذ (البرغل) المبتدىء مثل عبد ربه يتملكه عادة شعور هائل بالإثم سرعان ما يتحول إلى مرارة وكراهية سوداء تجاه الشاذ (الكوديانا) الذي يغويه، ويعرف أيضاً أن التجربة الشاذة مع تكرارها وتذوق لذتها تتحول شيئاً فشيء إلى شهوة أصيلة عند الشاذ البرغل مهما كرهها ونفر منها في البداية. عمارة يعوبيان، ص 109.</ref> أيضاً). وثالثاً، مثلها مثل المخدرات، فإن تأثير المثلية تصاعدي، يؤدي إلى هلاك المثلي في آخر الأمر (مثل الفتوة وحيد في ملحمة الحرافيش، «ومات إثر هبوط في القلب نتيجة الإفراط في البلبعة»، ص 319). | إنها بحق فكرة عبقرية، تلك التي تفتق عنها ذهن محفوظ، حين ربط بين استمرارية المثلية كسلوك وإدمانِ المخدرات. فهي، من ناحية، تعطي المثلية ذلك البعد المرَضي المطلوب، ولكنها تفتح أيضاً مجالاً لبروز تفسير علمي لعدم قدرة المثلي على التخلي عن مثليته، أو لتشبثه بهذا السلوك. فبجانب التوصيف الديني للمثلية كـ«ابتلاء» (كما يصفها السيد رضوان في «زقاق المدق»)، يتجاوز محفوظ الخطاب الديني المعتاد مرة أخرى ويُسبغ على تصوره صبغة حداثية بامتياز، لتصبح المثلية ليست مجرد ابتلاء ولكن عرضاً مرضياً، له بعد سلوكي مدمر. ويجمع محفوظ بين المثلية والإدمان في أكثر من موضع ليؤكد على عدة «حقائق»: أولاً، أن المثلية تطلب أن يتخلى الإنسان عن إرادته<ref>بيد أنه كان رجلاً مسلوب الإرادة، لم يترك له الحشيش من إرادته نفعاً. زقاق المدق، ص 49.</ref> (من هذا الذي يذهب إلى المثلية بكامل إرادته؟)، وبالتالي تصبح المخدرات هي الوسيلة التي يحافظ بها المثلي على مثليته، لأنها «تذهب العقل»، لأنه حالما عادت إرادته وعقله فإنه لا بد له أن يتخلى عن المثلية. ثانياً، تشبيه المثلية بالمخدرات يعطيها ذلك الجانب الوبائي الذي دائماً ما يرتبط بالمخدرات، وكأن المثلية نوع من المخدرات إذا جربه الشخص أدمنه وتمكن منه (استخدم الأسواني ذلك التوصيف في عمارة يعقوبيان<ref>حاتم الذي كان يدرك، بخبرته الطويلة في الغرام الشاذ، أن الشاذ (البرغل) المبتدىء مثل عبد ربه يتملكه عادة شعور هائل بالإثم سرعان ما يتحول إلى مرارة وكراهية سوداء تجاه الشاذ (الكوديانا) الذي يغويه، ويعرف أيضاً أن التجربة الشاذة مع تكرارها وتذوق لذتها تتحول شيئاً فشيء إلى شهوة أصيلة عند الشاذ البرغل مهما كرهها ونفر منها في البداية. عمارة يعوبيان، ص 109.</ref> أيضاً). وثالثاً، مثلها مثل المخدرات، فإن تأثير المثلية تصاعدي، يؤدي إلى هلاك المثلي في آخر الأمر (مثل الفتوة وحيد في ملحمة الحرافيش، «ومات إثر هبوط في القلب نتيجة الإفراط في البلبعة»، ص 319). |