تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إضافة روابط داخلية
سطر 42: سطر 42:  
يقول "سيدي البشير" متحسّرًا على تهافت نفوذ الباي:
 
يقول "سيدي البشير" متحسّرًا على تهافت نفوذ الباي:
   −
- وفات (انتهت) الرجال الصحاح '''''(الرجال الأشدّاء أو "الحقيقيّين")''''' مالقصر!
+
- وفات (انتهت) الرجال الصحاح <small>'''''(الرجال الأشدّاء أو "الحقيقيّين")'''''</small> مالقصر!
    
فيجيبه "سيدي علي"، مشيرًا إلى بروز الثوريّين:
 
فيجيبه "سيدي علي"، مشيرًا إلى بروز الثوريّين:
سطر 50: سطر 50:  
فيجيب "سيدي البشير":
 
فيجيب "سيدي البشير":
   −
- الصحاح اللّي تحكي عليهم ناقصتهم الوهرة، الوهرة '''''(الوقار)''''' ما تتفكّش وما تتشراش. يلزمهم أجيال وأجيال بش يوليوْ كبارات.
+
- الصحاح اللّي تحكي عليهم ناقصتهم الوهرة، الوهرة <small>'''''(الوقار)'''''</small> ما تتفكّش وما تتشراش. يلزمهم أجيال وأجيال بش يوليوْ كبارات.
    
يكشف هذا الحوار عن الدور المحوري الذي تؤدّيه "الوهرة" في المفاوضات "الفحولية" بين صنفَين من الذكور، وهي سمةٌ ترتبط في المخيال التونسي بالرفعة والهيبة والوقار. عادت هذه الصفة - وإن لم تغب - لتظهر في صراع "الرجال الصحاح" ضدّ الفرارات؛ صراعٌ تجلّى إلكترونيًا عبر أكثر الهاشتاڨات الساخرة تداولًا على فيسبوك: "#موهّر_فرار". يؤدي هذا الهاشتاڨ وظيفةً تهكّميةً إنكارية، تنفي بديهيًا صفة الوهرة عن الفرارات. ففي وقتٍ يسخر فيه هذا الهاشتاڨ من "هوسهم الساذج" في تجسيد صفة "الوهرة"، يشير إلى فشلهم المحتوم وتصنيعهم نسخةً كاريكاتورية عنها، فتتعمّق بذلك الصورة النمطية عن أذواق الفرارات وسلوكهم وطرق تعبيرهم، كنقيضٍ بديهي للتحضّر والأصالة والرقي.
 
يكشف هذا الحوار عن الدور المحوري الذي تؤدّيه "الوهرة" في المفاوضات "الفحولية" بين صنفَين من الذكور، وهي سمةٌ ترتبط في المخيال التونسي بالرفعة والهيبة والوقار. عادت هذه الصفة - وإن لم تغب - لتظهر في صراع "الرجال الصحاح" ضدّ الفرارات؛ صراعٌ تجلّى إلكترونيًا عبر أكثر الهاشتاڨات الساخرة تداولًا على فيسبوك: "#موهّر_فرار". يؤدي هذا الهاشتاڨ وظيفةً تهكّميةً إنكارية، تنفي بديهيًا صفة الوهرة عن الفرارات. ففي وقتٍ يسخر فيه هذا الهاشتاڨ من "هوسهم الساذج" في تجسيد صفة "الوهرة"، يشير إلى فشلهم المحتوم وتصنيعهم نسخةً كاريكاتورية عنها، فتتعمّق بذلك الصورة النمطية عن أذواق الفرارات وسلوكهم وطرق تعبيرهم، كنقيضٍ بديهي للتحضّر والأصالة والرقي.
سطر 70: سطر 70:     
إن الخطابات التي تُسوِّق للفرارات كنموذجٍ مُستهجَنٍ للذكورة، تُخبِر بالمقابل - وفي الوقت عينه - عن ملامح الذكورة المنشودة: ذكورةٌ عصريةٌ على المنوال الغربي، ذات نكهةٍ رأسماليةٍ ونيوليبرالية. ذكورةٌ تتسلّح برأسمالٍ ثقافي يوفّر لها قدرًا من الاحترام، ويتيح لها التنقل والصعود الاجتماعي. يصف عالِمَا الاجتماع الفرنسيَين، إيف شيابيلو (Eve Chiapello) ولوك بولتانسكي (Luc Boltanski)، هذا الرجل المعولَم بـ"رجل العلاقات أو الشبكات. من أولى ميزاته الحركة، أي قدرته على التنقل من دون أن تحدّه الحواجز - سواء كانت جغرافية أو بفعل الانتماءات المهنية أو الثقافية - ومن دون أن تحدّه الفروقات والتراتبيات".<ref>Luc Boltanski et Eve Chiapello, Le nouvel esprit du capitalisme, Paris, Ed. Gallimard, 1999, p. 123</ref> أما كونيل فتصفه بـ"الرجل الجديد مرهف الحسّ، الذي أضحى وجهًا إعلاميًا يوظفه المُشهِرون في دول العالم المتقدّم، لتسويق ملابس صنعَتها نساءُ العالم الثالث بأدنى الأجور".<ref>R. W. Connell, Masculinities (Second Edition), University of California Press, 2005, p.139</ref> أما في المقابل، فيقع تصدير فحولة الطبقة الكادحة ومغاربيّي الأحياء الشعبية الفرنسية كنموذجٍ سيءٍ يَرُوج تداوله في الإعلام الفرنسي.
 
إن الخطابات التي تُسوِّق للفرارات كنموذجٍ مُستهجَنٍ للذكورة، تُخبِر بالمقابل - وفي الوقت عينه - عن ملامح الذكورة المنشودة: ذكورةٌ عصريةٌ على المنوال الغربي، ذات نكهةٍ رأسماليةٍ ونيوليبرالية. ذكورةٌ تتسلّح برأسمالٍ ثقافي يوفّر لها قدرًا من الاحترام، ويتيح لها التنقل والصعود الاجتماعي. يصف عالِمَا الاجتماع الفرنسيَين، إيف شيابيلو (Eve Chiapello) ولوك بولتانسكي (Luc Boltanski)، هذا الرجل المعولَم بـ"رجل العلاقات أو الشبكات. من أولى ميزاته الحركة، أي قدرته على التنقل من دون أن تحدّه الحواجز - سواء كانت جغرافية أو بفعل الانتماءات المهنية أو الثقافية - ومن دون أن تحدّه الفروقات والتراتبيات".<ref>Luc Boltanski et Eve Chiapello, Le nouvel esprit du capitalisme, Paris, Ed. Gallimard, 1999, p. 123</ref> أما كونيل فتصفه بـ"الرجل الجديد مرهف الحسّ، الذي أضحى وجهًا إعلاميًا يوظفه المُشهِرون في دول العالم المتقدّم، لتسويق ملابس صنعَتها نساءُ العالم الثالث بأدنى الأجور".<ref>R. W. Connell, Masculinities (Second Edition), University of California Press, 2005, p.139</ref> أما في المقابل، فيقع تصدير فحولة الطبقة الكادحة ومغاربيّي الأحياء الشعبية الفرنسية كنموذجٍ سيءٍ يَرُوج تداوله في الإعلام الفرنسي.
هذه الصراعات الفحولية على نيل المنزلة الأرفع في عالم الذكور هي من الممارسات الممتدّة عبر الأزمنة. فقبل تصدّر "الفرارات" قائمة النماذج الرجالية السيئة، عملَت الذكورة المهيمنة في تونس لتحقير ذكورة الرجل "المثلي-السالب" (الميبون)، و"الزمڨري"<ref>نعت تحقيري يستعمل في تونس لوصف مهاجري/ات الطبقات الكادحة من شمال إفريقيا إلى أوروبا.</ref> (immigré) و"الجبري"،<ref>صفة تحقيرية تفيد نقيض التحضّر والتمدّن.</ref> ورجل المناطق الداخلية (من وراء البلايك،<ref>حرفيًا وراء اللافتات، أي من يقطنون خارج المدن التونسية الكبرى.</ref> كشطة وأربط)، والرجل الأسود (عبد، شوشان، وصيف)<ref>عبارات تستعمل في تونس لوصف ذوي البشرة السوداء، وهي عبارات مستمدّة من وظائف اقترنت في المخيال التونسي بالسود، ولها علاقة وثيقة بالعبودية.</ref> و"الزوفري"<ref>وصف تحقيري مستمّد من الكلمة الفرنسية (ouvrier) أي العامل اليدوي من الطبقات الكادحة. انزلق معناها فأصبح يفيد الصعلكة والانحراف.</ref> (ouvrier)... وما إلى ذلك من تصنيفاتٍ يُستعمل بعضها اليوم مرادفًا لـ "فرارات". بهذا المعنى، يصفُ أحد الروّاد الإلكترونيّين الفرارات بـ"الصعالكة الجدد لكن [ليس] بالمعنى النبيل للصعلكة بل بالمعنى القميء المقزّز ومرادفها التجوبير" '''''(تجوبير: مصدر من جبري، أي همجي)'''''.
+
هذه الصراعات الفحولية على نيل المنزلة الأرفع في عالم الذكور هي من الممارسات الممتدّة عبر الأزمنة. فقبل تصدّر "الفرارات" قائمة النماذج الرجالية السيئة، عملَت الذكورة المهيمنة في تونس لتحقير ذكورة الرجل "المثلي-السالب" (الميبون)، و"الزمڨري"<ref>نعت تحقيري يستعمل في تونس لوصف مهاجري/ات الطبقات الكادحة من شمال إفريقيا إلى أوروبا.</ref> (immigré) و"الجبري"،<ref>صفة تحقيرية تفيد نقيض التحضّر والتمدّن.</ref> ورجل المناطق الداخلية (من وراء البلايك،<ref>حرفيًا وراء اللافتات، أي من يقطنون خارج المدن التونسية الكبرى.</ref> كشطة وأربط)، والرجل الأسود (عبد، شوشان، وصيف)<ref>عبارات تستعمل في تونس لوصف ذوي البشرة السوداء، وهي عبارات مستمدّة من وظائف اقترنت في المخيال التونسي بالسود، ولها علاقة وثيقة بالعبودية.</ref> و"الزوفري"<ref>وصف تحقيري مستمّد من الكلمة الفرنسية (ouvrier) أي العامل اليدوي من الطبقات الكادحة. انزلق معناها فأصبح يفيد الصعلكة والانحراف.</ref> (ouvrier)... وما إلى ذلك من تصنيفاتٍ يُستعمل بعضها اليوم مرادفًا لـ "فرارات". بهذا المعنى، يصفُ أحد الروّاد الإلكترونيّين الفرارات بـ"الصعالكة الجدد لكن [ليس] بالمعنى النبيل للصعلكة بل بالمعنى القميء المقزّز ومرادفها التجوبير" <small>'''''(تجوبير: مصدر من جبري، أي همجي)'''''</small>.
    
وبغرض فهم هذه المفاوضات والتحولات التي تعتري خريطة الذكورة المعاصرة، تدعونا كونيل لاستحضار الأزمات التي عصفَت بالنُظُم الجندرية المهيمنة والتقليدية، ودفعَت بها لتعديل مسارها واستراتيجياتها؛ كتهافت نفوذ البطريركية وتنامي الحركات النسوية. تعرّف كونيل الذكورة المهيمِنة بأنها "صياغةٌ للممارسات الجندرية التي تحقّق ردًا مستساغًا على مأزق الشرعية الذي أصبحَت تعانيه البطريركية، بما يضمن للرجال مواصلة الهيمنة وفرض التبعية على النساء".<ref>R. W. Connell, Masculinities (Second Edition), University of California Press, 2005, p. 77</ref> كما تستبعد كونيل أن يكون العنف المباشر أو الهيمنة العضلية من صفات الذكورة المرموقة، بل من أهمّ خصالها "السّعي الموفق نحو السلطة"،<ref>R. W. Connell, Masculinities (Second Edition), University of California Press, 2005, p. 77</ref> حيث "تقترن الذكورة المهيمِنة ثقافيًا بالسلطة والعقل، وهي من الثيمات المفتاحية التي تشرّع للبطريركية".<ref>R. W. Connell, Masculinities (Second Edition), University of California Press, 2005, p. 90</ref>
 
وبغرض فهم هذه المفاوضات والتحولات التي تعتري خريطة الذكورة المعاصرة، تدعونا كونيل لاستحضار الأزمات التي عصفَت بالنُظُم الجندرية المهيمنة والتقليدية، ودفعَت بها لتعديل مسارها واستراتيجياتها؛ كتهافت نفوذ البطريركية وتنامي الحركات النسوية. تعرّف كونيل الذكورة المهيمِنة بأنها "صياغةٌ للممارسات الجندرية التي تحقّق ردًا مستساغًا على مأزق الشرعية الذي أصبحَت تعانيه البطريركية، بما يضمن للرجال مواصلة الهيمنة وفرض التبعية على النساء".<ref>R. W. Connell, Masculinities (Second Edition), University of California Press, 2005, p. 77</ref> كما تستبعد كونيل أن يكون العنف المباشر أو الهيمنة العضلية من صفات الذكورة المرموقة، بل من أهمّ خصالها "السّعي الموفق نحو السلطة"،<ref>R. W. Connell, Masculinities (Second Edition), University of California Press, 2005, p. 77</ref> حيث "تقترن الذكورة المهيمِنة ثقافيًا بالسلطة والعقل، وهي من الثيمات المفتاحية التي تشرّع للبطريركية".<ref>R. W. Connell, Masculinities (Second Edition), University of California Press, 2005, p. 90</ref>
سطر 102: سطر 102:  
هذا التصوّر المبني على التعارض بين ذكورة الفرارات كقطعانٍ بدائيةٍ هجينةٍ تُمحى عنها قيَمُ الفرادة والذاتية، وذكورة الرجل العصري المُرهف والفريد والمثقف، يخدم مسعى تسويق النجاح والصعود الاجتماعي كاستحقاقٍ ذاتي، لا دخل فيه لعوامل هيكليةٍ وثقافيةٍ وطبقيةٍ تعزل وتهمّش أصنافًا من الذكور وفئاتٍ أوسع من النساء، وتحول دون وصولهمـ/ـن إلى رأس-المال الثقافي، أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
 
هذا التصوّر المبني على التعارض بين ذكورة الفرارات كقطعانٍ بدائيةٍ هجينةٍ تُمحى عنها قيَمُ الفرادة والذاتية، وذكورة الرجل العصري المُرهف والفريد والمثقف، يخدم مسعى تسويق النجاح والصعود الاجتماعي كاستحقاقٍ ذاتي، لا دخل فيه لعوامل هيكليةٍ وثقافيةٍ وطبقيةٍ تعزل وتهمّش أصنافًا من الذكور وفئاتٍ أوسع من النساء، وتحول دون وصولهمـ/ـن إلى رأس-المال الثقافي، أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
   −
تصِفُ أستاذة الجندر والجنسانية سليا كتزنجر (Celia Kitzinger) التركيبة النفسية والاجتماعية للبطل المعاصر: هو "الذي يُقرن النجاح أو الفشل الفردي بالميزات الذاتية أو بعدم الجدارة، عوض البحث عن تفسيراتٍ تنحدر من البُنى الاجتماعية أو القوى الخارجية".<ref>
+
تصِفُ أستاذة الجندر [[الجنسانية|والجنسانية]] سليا كتزنجر (Celia Kitzinger) التركيبة النفسية والاجتماعية للبطل المعاصر: هو "الذي يُقرن النجاح أو الفشل الفردي بالميزات الذاتية أو بعدم الجدارة، عوض البحث عن تفسيراتٍ تنحدر من البُنى الاجتماعية أو القوى الخارجية".<ref>
 
Celia Kitzinger, “The individuated self concept: A critical analysis of social-constructionist writing on individualism”, In Glynis M. Breakwell (Ed.), Social psychology of identity and the self-concept, London, Surrey University Press, 1992, p. 232</ref> نتيجةً لذلك، يرى فابيو لورنزي-شيولدي أن الفئات الأكثر حظوة تفسّر "المنزلة الدونية التي تحتلها المجموعات الأسفل في سلم التراتبيات، كنتاجٍ طبيعي للإخفاق والقصور الشخصي لأفرادها".<ref>Fabio Lorenzi-Cioldi, “Group status and individual differentiation”, In Tom Postmes & Jolanda Jetten (Eds.), Individuality and the group: Advances in social identity, 2006, p. 106</ref>
 
Celia Kitzinger, “The individuated self concept: A critical analysis of social-constructionist writing on individualism”, In Glynis M. Breakwell (Ed.), Social psychology of identity and the self-concept, London, Surrey University Press, 1992, p. 232</ref> نتيجةً لذلك، يرى فابيو لورنزي-شيولدي أن الفئات الأكثر حظوة تفسّر "المنزلة الدونية التي تحتلها المجموعات الأسفل في سلم التراتبيات، كنتاجٍ طبيعي للإخفاق والقصور الشخصي لأفرادها".<ref>Fabio Lorenzi-Cioldi, “Group status and individual differentiation”, In Tom Postmes & Jolanda Jetten (Eds.), Individuality and the group: Advances in social identity, 2006, p. 106</ref>
    
******
 
******
   −
في ختام محاولتي الأولى لقراءة الخطابات المتعلقة بالفرارات، أودّ الإفصاح عن أمرَين، أوّلهما منهجي وثانيهما وجداني. أقرّ أولًا بأنّي لا أشذّ في هذا المقال عن الكتابة المُتمَوقِعة. فبالرغم من التواري أحيانًا خلف الاقتباسات، إلا أني لم أترجّل عن موقعي كذاتٍ كويرية، فارتحلتُ في النص حاملةً معي معيشي "الخنثوي" وما يقتضيه من تفاعلٍ دائمٍ مع مفاهيم الذكورة والأنوثة، وما راكمَته لديّ تلك التفاعلات من حساسيةٍ جندرية. كما ارتحلتُ متأثرةً بخلفياتي وقراءاتي الكويرية والنسوية والتقاطعية، فحاولتُ التشبيك والانتقال بين المركّبات الجندرية والثقافية والطبقية والإثنية، محاوِلةً ربط تلك الأبعاد بتعاضد بُنى الهيمنة.
+
في ختام محاولتي الأولى لقراءة الخطابات المتعلقة بالفرارات، أودّ الإفصاح عن أمرَين، أوّلهما منهجي وثانيهما وجداني. أقرّ أولًا بأنّي لا أشذّ في هذا المقال عن الكتابة المُتمَوقِعة. فبالرغم من التواري أحيانًا خلف الاقتباسات، إلا أني لم أترجّل عن موقعي كذاتٍ [[كويرية الجندر|كويرية]]، فارتحلتُ في النص حاملةً معي معيشي "الخنثوي" وما يقتضيه من تفاعلٍ دائمٍ مع مفاهيم الذكورة والأنوثة، وما راكمَته لديّ تلك التفاعلات من حساسيةٍ جندرية. كما ارتحلتُ متأثرةً بخلفياتي وقراءاتي الكويرية والنسوية [[تقاطعية|والتقاطعية]]، فحاولتُ التشبيك والانتقال بين المركّبات الجندرية والثقافية والطبقية والإثنية، محاوِلةً ربط تلك الأبعاد بتعاضد بُنى الهيمنة.
    
ثانيًا، أقرّ بانحيازي المُسبَق إلى صفوف الفرارات، انحيازًا يبلغ حدّ التماهي أحيانًا. فأنا لا تستهويني المعلبّات الجندرية الباردة، بل يستهويني الرقص على حبال الفحولة المتآكلة. ربما لكلّ منا - أنا والفرار - طريقته في الانقلاب على المعايير، إمّا بالرفض والتقويض، أو بالمبالغة والتكثيف، لكن حتمًا يجمعنا ذاتُ القعر والهامش و"الحُڨرة" (من التحقير) والمسافة التي تفصلنا عن المركز، أي عن الذكورة المُهيمِنة والمرموقة التي ترى في كلَينا انحرافًا عن النُظُم الجندرية السائدة أو خللًا في المصفوفة يستوجب تشخيصًا وتصنيفًا وتطويقًا وإعادة ضبط.
 
ثانيًا، أقرّ بانحيازي المُسبَق إلى صفوف الفرارات، انحيازًا يبلغ حدّ التماهي أحيانًا. فأنا لا تستهويني المعلبّات الجندرية الباردة، بل يستهويني الرقص على حبال الفحولة المتآكلة. ربما لكلّ منا - أنا والفرار - طريقته في الانقلاب على المعايير، إمّا بالرفض والتقويض، أو بالمبالغة والتكثيف، لكن حتمًا يجمعنا ذاتُ القعر والهامش و"الحُڨرة" (من التحقير) والمسافة التي تفصلنا عن المركز، أي عن الذكورة المُهيمِنة والمرموقة التي ترى في كلَينا انحرافًا عن النُظُم الجندرية السائدة أو خللًا في المصفوفة يستوجب تشخيصًا وتصنيفًا وتطويقًا وإعادة ضبط.
    
==هوامش==
 
==هوامش==
staff
2٬186

تعديل

قائمة التصفح