تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ط
لا يوجد ملخص تحرير
سطر 28: سطر 28:  
في البداية، لا يمكن إلا أن نتفق على أن اللغة هي موطن التمثيلات، والعواطف، والسلطة، ومناهضة السلطة، والمَعيَرة وما يقابلها من هرطقةٍ كمقاومةٍ للمَعيَرة. سأعتبر هذا مبدأً أوليًا لا جدال فيه، لكني سأجادل بشأن "كيفية" تلك المقاومة.
 
في البداية، لا يمكن إلا أن نتفق على أن اللغة هي موطن التمثيلات، والعواطف، والسلطة، ومناهضة السلطة، والمَعيَرة وما يقابلها من هرطقةٍ كمقاومةٍ للمَعيَرة. سأعتبر هذا مبدأً أوليًا لا جدال فيه، لكني سأجادل بشأن "كيفية" تلك المقاومة.
   −
أحد التساؤلات التي أودّ طرحها يتعلّق بتعريب واجتراح المصطلحات المرتبطة [[النوع الاجتماعي|بالنوع الاجتماعي]] (الجندر) بغية التخلص من التبعية للغرب. في الحقيقة، إنّ فكرة تفكيك التبعية ونزع الاستعمار عن اللغة والعلوم والممارسات الإنسانية هي نظريةٌ غربيةٌ أيضًا، وُلدَت في لدُن الجامعات الأميركية بعد أن تأثرت بالنظرية التفكيكية الفرنسية التي كان من أبرز روّادها لويس ألتوسير (Louis Althusser)، وميشال فوكو (Michel Foucault)، وجاك دريدا (Jacques Derrida) وغيرهم. ويُطلق على هذه النظريات من باب التندّر لقب "نظريات الكامبوسات" من Campus، أي الحرم الجامعي. ويجدر الالتفات إلى أن تلقّينا العربي للنظرية ما بعد الاستعمارية أخذ في أحيانٍ كثيرةٍ شكل تمثلاتٍ وشخصياتٍ قمعيةٍ وقفَت ضد انتفاضات شعوب المنطقة باسم مقاومة الإمبريالية والممانعة، فكان موقفها أقرب إلى الديكتاتوريات الجاثمة على بلداننا. هذا ليس شططًا عن موضوعنا الرئيس، بل هو في صلب حديثنا. ما أريد قوله هو أن صنع باراديم ما بعد كولونيالي متصلّبٍ للفكر هو تضييقٌ مسبقٌ لطرائقنا في جعل اللغة أكثر تناغمًا مع مشاعرنا. وتجدر الإشارة - من منطلقٍ إيجابي تجاه هذه العدّة النظرية - إلى أن فكرة التشكّل الخطابي للذّوات لدى ميشال فوكو ومن بعده جوديث باتلر (Judith Butler)، بما في ذلك الجانب البيولوجي منها، واعتبار أن لا وجود للذّات يسبق التشكيل الخطابي الاجتماعي، هي أداةٌ نظريةٌ تفكيكيةٌ ساعدتنا في الفهم والنضال، وإن كانت عدّتها المفاهيمية غير متوفرةٍ بالضرورة في التراث العربي بشكلٍ مباشر. فالتراث العربي، رغم احتوائه إحالاتٍ ومصادر غنية، لا يتضمّن بحسب معرفتي المتواضعة فكرة أن الكينونات مصنوعةٌ خطابيًا، وما يستتبع ذلك من أنّ تفكيك الخطاب يساعد في تفكيك تمثيل تلك الكينونات. لذلك، فإنّ أقلمَة المفردات هي بلا ريبٍ مهمةٌ محبّذة، لكن لا ينبغي بأيّ شكلٍ أن تكون سيفًا مصلتًا يمنع المساميّة وتناقل الأفكار أو حتى تلقيها كما هي أحيانًا عند استعصاء التعريب.
+
أحد التساؤلات التي أودّ طرحها يتعلّق بتعريب واجتراح المصطلحات المرتبطة [[النوع الاجتماعي|بالنوع الاجتماعي]] (الجندر) بغية التخلص من التبعية للغرب. في الحقيقة، إنّ فكرة تفكيك التبعية ونزع الاستعمار عن اللغة والعلوم والممارسات الإنسانية هي نظريةٌ غربيةٌ أيضًا، وُلدَت في لدُن الجامعات الأميركية بعد أن تأثرت بالنظرية التفكيكية الفرنسية التي كان من أبرز روّادها لويس ألتوسير (Louis Althusser)، [[ميشيل فوكو|وميشال فوكو]] (Michel Foucault)، وجاك دريدا (Jacques Derrida) وغيرهم. ويُطلق على هذه النظريات من باب التندّر لقب "نظريات الكامبوسات" من Campus، أي الحرم الجامعي. ويجدر الالتفات إلى أن تلقّينا العربي للنظرية ما بعد الاستعمارية أخذ في أحيانٍ كثيرةٍ شكل تمثلاتٍ وشخصياتٍ قمعيةٍ وقفَت ضد انتفاضات شعوب المنطقة باسم مقاومة الإمبريالية والممانعة، فكان موقفها أقرب إلى الديكتاتوريات الجاثمة على بلداننا. هذا ليس شططًا عن موضوعنا الرئيس، بل هو في صلب حديثنا. ما أريد قوله هو أن صنع باراديم ما بعد كولونيالي متصلّبٍ للفكر هو تضييقٌ مسبقٌ لطرائقنا في جعل اللغة أكثر تناغمًا مع مشاعرنا. وتجدر الإشارة - من منطلقٍ إيجابي تجاه هذه العدّة النظرية - إلى أن فكرة التشكّل الخطابي للذّوات لدى ميشال فوكو ومن بعده [[جوديث بتلر|جوديث باتلر]] (Judith Butler)، بما في ذلك الجانب البيولوجي منها، واعتبار أن لا وجود للذّات يسبق التشكيل الخطابي الاجتماعي، هي أداةٌ نظريةٌ تفكيكيةٌ ساعدتنا في الفهم والنضال، وإن كانت عدّتها المفاهيمية غير متوفرةٍ بالضرورة في التراث العربي بشكلٍ مباشر. فالتراث العربي، رغم احتوائه إحالاتٍ ومصادر غنية، لا يتضمّن بحسب معرفتي المتواضعة فكرة أن الكينونات مصنوعةٌ خطابيًا، وما يستتبع ذلك من أنّ تفكيك الخطاب يساعد في تفكيك تمثيل تلك الكينونات. لذلك، فإنّ أقلمَة المفردات هي بلا ريبٍ مهمةٌ محبّذة، لكن لا ينبغي بأيّ شكلٍ أن تكون سيفًا مصلتًا يمنع المساميّة وتناقل الأفكار أو حتى تلقيها كما هي أحيانًا عند استعصاء التعريب.
    
فكرتي شديدة الأمبريقية، نابعةٌ من مشاهداتي وخبرتي الشخصية، فلطالما شعرتُ بأنّ قسر اللغة لخدمة بعدٍ نضالي دوغمائي هو أمرٌ رغبوي ينكر حالاتٍ نفسانيةً ووجدانيةً شديدة التنوع والسيولة، كما ينكر غنى المفاوضات اللحظية واليومية التي نجريها في بلداننا للنجاة أولًا، وللعيش بقليلٍ من السعادة ثانيًا. لا يمكن القول إنّ هناك لغةٌ جنسانيةٌ مناسبةٌ وأخرى غير مناسبةٍ للتعبير عن الذات، إذ نكون بذلك دخلنا في مَعيرَةٍ سلطويةٍ مرةً أخرى. الصدق في هذه الأمور ليس قيمةً أخلاقيةً فوقية، بل هو معيارٌ تجريبي لنكون متناغماتٍ ومتناغمين مع مشاعرنا.
 
فكرتي شديدة الأمبريقية، نابعةٌ من مشاهداتي وخبرتي الشخصية، فلطالما شعرتُ بأنّ قسر اللغة لخدمة بعدٍ نضالي دوغمائي هو أمرٌ رغبوي ينكر حالاتٍ نفسانيةً ووجدانيةً شديدة التنوع والسيولة، كما ينكر غنى المفاوضات اللحظية واليومية التي نجريها في بلداننا للنجاة أولًا، وللعيش بقليلٍ من السعادة ثانيًا. لا يمكن القول إنّ هناك لغةٌ جنسانيةٌ مناسبةٌ وأخرى غير مناسبةٍ للتعبير عن الذات، إذ نكون بذلك دخلنا في مَعيرَةٍ سلطويةٍ مرةً أخرى. الصدق في هذه الأمور ليس قيمةً أخلاقيةً فوقية، بل هو معيارٌ تجريبي لنكون متناغماتٍ ومتناغمين مع مشاعرنا.
staff
2٬193

تعديل

قائمة التصفح