تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
←‏منع الحمل الهرموني في السياق الثقافي والاجتماعي: تحرير وتعديل واعادة ترتيب الفقرات
سطر 124: سطر 124:  
==منع الحمل الهرموني في السياق الثقافي والاجتماعي==
 
==منع الحمل الهرموني في السياق الثقافي والاجتماعي==
   −
كان عزل الهرمونات الجنسية الأنثوية لأول مرة وتخليق بدائل مصنعة عنها أو مشتقات لها خطوة لها تأثير ثوري في عالم الطب والفسيولوجيا، حيث كانت هذه هي الخطوة الأولى في الطريق نحو تصنيع موانع حمل كيميائية في عالم كان لا يزال يعاني من قبول فكرة منع الحمل من الأساس. في ذلك الوقت كانت الوسائل المتوفرة لمنع الحمل تعتمد على [[وسائل منع حمل حاجزية]] مثل الواقي الذكري أو غطاء عنق الرحم، وكانت هذه الوسائل في بدايات القرن العشرين محدودة الفعالية أو مرتفعة الثمن ومرفوضة من قبل السلطات على الرغم من تعطش المجتمع ذاته لوجود آليات فعالة وآمنة ومضمونة لمنع الحمل، كما أن البحث عن وسائل منع للحمل كان هاجسًا اجتماعيًا في ظل انتشار الأفكار المالتوسية عن شح الموارد في مقابل ارتفاع لوغاريتمي للسكان والذي سيصل بالكوكب يومًا ما إلى حد الاختناق السكاني.  
+
كان عزل الهرمونات الجنسية الأنثوية لأول مرة وتخليق بدائل مصنعة عنها أو مشتقات لها خطوة لها تأثير ثوري في عالم الطب والفسيولوجيا، حيث كانت هذه هي الخطوة الأولى في الطريق نحو تصنيع موانع حمل كيميائية في عالم كان لا يزال يعاني من قبول فكرة منع الحمل من الأساس. في ذلك الوقت كانت الوسائل المتوفرة لمنع الحمل تعتمد على [[وسائل منع حمل حاجزية]] مثل الواقي الذكري أو غطاء عنق الرحم، وكانت هذه الوسائل في بدايات القرن العشرين محدودة الفعالية أو مرتفعة الثمن ومرفوضة من قبل السلطات على الرغم من تعطش المجتمع ذاته لوجود آليات فعالة وآمنة ومضمونة لمنع الحمل، كما أن البحث عن وسائل منع للحمل كان هاجسًا اجتماعيًا في ظل انتشار الأفكار المالتوسية عن شح الموارد في مقابل ارتفاع تعداد السكان والذي سيصل بالكوكب يومًا ما إلى حد الاختناق السكاني. كان توماس مالتوس باحثًا انجليزيًا نشر نظرية في 1798<ref>[https://www.google.ps/books/edition/An_Essay_on_the_Principle_of_Population/Yxoe-sEcHNgC?hl=ar&gbpv=0 Thomas Robert Malthus: An Essay o the Principle of Population]</ref> تتنبأ بأن الزيادة في عدد السكان بدون تدخل ستصل إلى مرحلة تتجاوز قدرة الكوكب على توفير ما يلزم من موارد وبشكل خاص الغذاء، وهو ما سيؤدي إلى حدوث كوارث مثل الفقر والمجاعة، على الرغم من أن مالتوس باعتباره رجل دين كان يرفض التدخل الخارجي للتحكم في الخصوبة ووسائل الحمل الصناعية وكان يدعو تبعًا لذلك إلى التحكم الذاتي بالرغبة الجنسية وتأخير الزواج، إلا أن أفكاره ألهمت حراكات سياسية واجتماعية لم تشارك صاحب النظرية توجهاته الدينية وفضلت في المقابل العمل على إيجاد وسائل فعالة لمنع الحمل،<ref>[https://embryo.asu.edu/pages/malthusian-league-1877-1927 Embryo Project Encyclopedia:  The Malthusian League (1877–1927)]</ref> وقد تقاطعت هذه الجهود في بدايات القرن العشرين مع جهود حركة تحديد النسل التي ألهمتها أفكار الموجة النسوية الأولى في الولايات المتحدة.
   −
===تنظيم النسل في الإسلام===
+
===حركة تحديد النسل في الولايات المتحدة===
   −
يقبل  علماء المسلمون منع الحمل كوسيلة لتنظيم النسل، وذلك من أجل الحفاظ على صحة الأمهات وتحاشي تأثير الولادات المتلاحقة على صحة الأجنة وحمايتها من العيوب الخلقية.<ref>المكتب المرجعي للسكان: الصحة الإنجابية والجنسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ص16</ref> إلا أن هذا القبول لتنظيم النسل يظل متحفظًا في أحسن الأحوال، وعلماء المسلمون يشددون دومًا على الفارق الجوهري بين تنظيم النسل وتحديد النسل، أي رفض الإنجاب بشكل كامل، كما أن النبي محمد قد ورد عنه في كثير من الأحاديث الصحيحة دعوات صريحة للتزاوج والتكاثر، منها الحديث الشريف: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم".<ref>[https://dorar.net/hadith/sharh/83095 الدرر السنية - الموسوعة الحديثية]</ref>
+
في بدايات القرن العشرين ونهايات القرن التاسع عشر ظهرت حركة تحديد النسل في الولايات المتحدة وقادتها ناشطات مثل '''مارجريت سانجر'''وأختها '''إيثيل بيرن''' وصديقتها '''فانيا مندل'''، كانت سانجر تعمل ممرضة في عيادة موجودة في أحد الأحياء العشوائية في نيويورك، وشاهدت تأثير الحمل غير المنظم وحالات الاجهاض غير المصرحة أو المراقبة طبيًا على حياة النساء ورفاه عائلاتهم، وافتتحت مع زميلاتها ورفيقاتها في حركة تحرير النسل عيادة لتحديد النسل في المدينة،<ref>[https://embryo.asu.edu/pages/first-american-birth-control-clinic-brownsville-clinic-1916#:~:text=The%20police%20arrested%20Sanger%20again,and%20the%20clinic%20permanently%20closed. Arizona State University - Embryo Project Encyclopedia: First American Birth Control Clinic (The Brownsville Clinic), 1916 ]</ref> كانت سانجر قد استلهمت من تجربة تحديد النسل التي كانت أكثر قبولًا مجتمعيًا وقانونيًا في دول أوروبية مثل هولندا. أغلقت السلطات عيادة سانجر بعد عدة أيام فقط بدعوى مخالفتها '''قوانين كومستوك''' الصادرة عام 1873 التي كانت تمنع استخدام هيئة البريد والعاملين فيها من أجل الترويج لأي مواد تحرض على نشر الرذيلة أو ارتكاب أي جريمة أو تحرض على استخدام وسائل منع الحمل، وفُسرت لاحقًا باعتبارها أساسًا لتجريم أي نشاط عن طريق أي وسيلة للترويج لوسائل منع الحمل، حيث اعتبرت وسائل منع الحمل وسيلة لنشر الرذيلة والانحلال الأخلاقي لأنها تشجع النساء على ممارسة الجنس خارج الزواج بدون الخوف من حدوث الحمل غير المرغوب. وقد اعتقلت سانجر استنادًا إلى قانون كومستوك وأدينت مع إيثل بيرن وفانيا مندل اللتان شاركتا في افتتاح العيادة وتقديم الخدمات فيها بتهم مثل نشر الرذيلة، وبعد عدة استئنافات ومحاكمات نجحت سانجر في انتزاع قرار قضائي شكل سابقة تاريخية قانونية، حيث استثنى قاضي الاستئناف تقديم خدمات منع الحمل المصرح بها من خلال طبيب ممارس من التجريم.
   −
ويمكن المحاججة، بعيدًا عن صحة نسبة الأحاديث للنبي محمد، أن مثل هذه الدعوات قد كانت ضرورية لرفاه الدولة الإسلامية في العصور الوسطى خاصة وأنها كانت دولة تتوسع جغرافيًا باستمرار بالاعتماد على جهود عسكرية تتطلب وجود تعداد سكاني كبير لدعمها.
+
===المسؤولية الاجتماعية على النساء في منع الحمل===
 +
 
 +
اعتبرت الناشطات [[نسوية|النسويات]] من [[موجة نسوية أولى|الموجة النسوية الأولى]] وسائل منع الحمل الفعالة ضرورة حيوية ومقدمة لحدوث ثورة جنسية، وقد نُظر إلى هذا الاكتشاف على أنه حدث تاريخي، إذ ستساعد النساء على تحقيق السيطرة على خصوبتهن وأجسادهن ويحصلن على الحق في التحكم في الوقت المناسب للإنجاب بدون معرفة الرجل أو مشاركته في حدوث القرار. في سبيل ذلك دفعت ناشطات نسويات مثل '''مارجريت سانجر وكاثرين ماكورماك''' باتجاه حث وتمويل تجارب ذات أبعاد متطرفة أخلاقيًا يجريها علماء معروفون بأفكارهم الذكورية المعارضة للحرية الجنسية، في 1967 قام جريجوري بينكوس في مقابلة أنه يرفض منح الحرية الجنسية للنساء ويرفض منحها أيضًا للذكور وبالنسبة له فإن جهوده في ابتكار أول حبة لمنع الحمل كانت من أجل الإجابة على سؤال علمي لا اجتماعي.
   −
===حركة تحديد النسل في الولايات المتحدة===
+
لقد بدأت حركة تحديد النسل على أساس منح النساء القدرة على التحكم في أجسادهم، بالإضافة إلى أفكار الانتقاء الجيني التي لا تزال ادعاءات خاضعة للجدال، وعندما حققت حركة تحديد النسل أكبر نجاحاتها بدعمها لجهود انتاج حبوب منع الحمل وهي وسيلة رخيصة وفعالة، ظهرت معضلة أخرى مع انتشار حبوب منع الحمل وهي الأعراض الجانبية الكثيرة لاستخدامها لفترة طويلة. بالإضافة إلى تغيير الخطاب السائد في المجتمع الأبوي في ظل انتشار الحرية الجنسية نحو تحميل مسؤولية الحمل والتحكم به للنساء دونًا عن الرجال، ورفض الرجال غالبًا لاستخدام وسائل الحماية الحاجزية مثل الواقي الذكري. وبالإمكان استقراء مثل هذه المعضلة في حقيقة أن أكثر وسيلة منع حمل مستخدمة حاليًا في الولايات المتحدة هي التعقيم الدائم للإناث (18%) في مقابل (14%) لحبوب منع الحمل.
   −
في بدايات القرن العشرين ونهايات القرن التاسع عشر ظهرت حركة تحديد النسل في الولايات المتحدة وقادتها ناشطات مثل مارجريت سانجر والعديد من زميلاتها، كانت سانجر تعمل ممرضة في عيادة موجودة في أحد الأحياء العشوائية في نيويورك، وشاهدت تأثير الحمل غير المنظم وحالات الاجهاض غير المصرحة أو المراقبة طبيًا على حياة النساء ورفاه عائلاتهم، وافتتحت مع زميلاتها ورفيقاتها في حركة تحرير النسل عيادة لتحديد النسل في المدينة،<ref>[https://embryo.asu.edu/pages/first-american-birth-control-clinic-brownsville-clinic-1916#:~:text=The%20police%20arrested%20Sanger%20again,and%20the%20clinic%20permanently%20closed. Arizona State University - Embryo Project Encyclopedia: First American Birth Control Clinic (The Brownsville Clinic), 1916 ]</ref> كانت سانجر قد استلهمت من تجربة تحديد النسل التي كانت أكثر قبولًا مجتمعيًا وقانونيًا في دول أوروبية مثل هولندا. أغلقت السلطات عيادة سانجر بعد عدة أيام فقط لمخالفتها كومستوك الصادرة عام 1873 التي كانت تمنع استخدام هيئة البريد والعاملين فيها من أجل الترويج لأي مواد تحرض على نشر الرذيلة أو ارتكاب أي جريمة أو تحرض على استخدام وسائل منع الحمل، وفُسرت لاحقًا باعتبارها أساسًا لتجريم أي نشاط عن طريق أي وسيلة للترويج لوسائل منع الحمل، حيث اعتبرت وسائل منع الحمل وسيلة لنشر الرذيلة والانحلال الأخلاقي لأنها تشجع النساء على ممارسة الجنس خارج الزواج بدون الخوف من حدوث الحمل غير المرغوب. وقد اعتقلت سانجر استنادًا إلى قانون كومستوك وأدينت بتهم مثل نشر الرذيلة مع أختها إيثل بيرن وصديقتها فانيا مندل اللتان شاركتا في افتتاح العيادة وتقديم الخدمات فيها، وبعد عدة استئنافات ومحاكمات نجحت سانجر في انتزاع قرار قضائي شكل سابقة تاريخية قانونية، حيث استثنى قاضي الاستئناف تقديم خدمات منع الحمل المصرح بها من خلال طبيب ممارس من التجريم.
+
معضلة أخرى بخلاف الأعراض الجانبية أيضًا هي سيطرة الرجال، خاصة في المجتمعات النامية، على قرار استخدام وسائل منع الحمل حتى المخصصة للنساء منها، ولذا فإن ما تمنحه حبوب منع الحمل من تمكين للنساء يظل منقوصًا وغير فعال إلا تحت ظروف خاصة وفي مجتمعات محددة.
   −
===أبعاد أخلاقية واستعمارية في تجارب بوسطن وبورتو ريكو===
+
===أبعاد أخلاقية واستعمارية===
   −
قدم '''جريجوري بينكوس''' دواء ''"إينوفيد" Enovid'' كعلاج لاضطرابات الدورة الشهرية في خمسينات القرن الماضي، وكان ملزما بإجراء كم كافٍ من التجارب السريرية (على البشر) لاستخراج نتائج كافية لاعتماد الدواء من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية قبل أن يتمكن من إيصال الدواء إلى السوق لأول مرة، كما أنه لاقى مشكلة في تمويل التجارب كذلك. تواصل بينكوس في 1954 مع زميله السابق في جامعة هارفارد جون روك وهو طبيب نسائية يعمل في مستشفى في مدينة بوسطن من أجل تجريب الدواء على المريضات في مستشفاه. لاحقًا أجرى بينكوس تجارب على مرضى في مصحة للأمراض العقلية والنفسية في بوسطن، وقد اختار الرجل هذا المكان بالذات من أجل تحاشي التعقيدات القانونية. ناشطة نسوية تُدعى '''كاثرين كورماك''' عرضت على مدير المستشفى في ذلك الوقت تمويل تجديد المستشفى في مقابل السماح بإجراء التجارب. أجرى بينكوس تجاربه على 16 سيدة من نزيلات المستشفى، وأجرى لكل منهن عملية استئصال للرحم من أجل دراسة تأثير الأدوية التي حقنهم بها على الاباضة معمليًا.<ref name="bitterpill">[https://www.thecrimson.com/article/2017/9/28/the-bitter-pill/ The Harvard Crimson: The Bitter Pill - Harvard and the Dark History of Birth Control]</ref> لقد دعمت نسويات مثل كورماك ومارجريت سانجر السلوك البحثي لجريجوري بينكوس انطلاقًا من أفكار يوجينية تدعم تحسين النسل بناء على انتخابات جينية، حيث يمكن استخدام وسائل منع العمل لتخفيض أعداد مجموعات سكانية مثل الفقراء والملونين والمصابين بالاضطرابات النفسية والعقلية،<ref>[https://www.history.com/articles/birth-control-pill-history-puerto-rico-enovid History.com: The First Birth Control Pill Used Puerto Rican Women as Guinea Pigs]</ref> ولا تزال هذه الأفكار محط جدال حتى الآن ويرفضها بعض المؤرخين كذلك.<ref>[https://time.com/4081760/margaret-sanger-history-eugenics/ What Margaret Sanger Really Said About Eugenics and Race]</ref>
+
قدم '''جريجوري بينكوس''' دواء ''"إينوفيد" Enovid'' كعلاج لاضطرابات الدورة الشهرية في خمسينات القرن الماضي، وكان ملزما بإجراء كم كافٍ من التجارب السريرية (على البشر) لاستخراج نتائج كافية لاعتماد الدواء من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية قبل أن يتمكن من إيصال الدواء إلى السوق لأول مرة، كما أنه لاقى مشكلة في تمويل التجارب كذلك.  
   −
إلا أن تجارب بوسطن لم تكن كافية من حيث عدد المشاركين من أجل الحصول على ترخيص من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لتداول "إينوڤيد" في السوق.  اختار جريجوري بينكوس السفر إلى بورتو ريكو في 1956 من أجل القيام بالمزيد من التجارب، بورتو ريكو تابعية أمريكية تخضع للقوانين الأمريكية ويمكن إجراء التجارب السريرية داخلها واعتماد نتائجها في هيئة الغذاء والدواء مع الأخذ بالاعتبار أن غالبية سكانها لاتينيون وقد ارتبطت بالولايات المتحدة عبر نشاط استيطاني استعماري بدأ منذ القرن التاسع عشر، وقد قامت طبيبة من بورتو ريكو هي '''إدرس رايس-راي''' تعمل مديرة لاتحاد تنظيم الأسرة بتسهيل الطريق أمام إجراء هذه التجارب.
+
====تجارب بوسطن====
   −
كانت بورتو ريكو مكانًا مثاليًا بمعايير جريجوري بينكوس وزميله جون روك الذي شاركه في إجراء التجارب، حيث أن عدد سكانها كبير وكانت من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، وكان سكانها متعطشون لوسائل منع وتنظيم حمل آمنة وفعالة وفيها قوانين تسهل عملهم وتنتشر فيها عيادات تنظيم النسل كما أن مجتمعها كان فقيرًا ونسبة التعليم فيه منخفضة. وقد أجرى بينكوس تجارب على عدد كبير من النساء (حوالي 200 سيدة) وأثبتت تجاربه نجاح دوائه "إينوڤيد" وقام لأول مرة في بورتو ريكو بمزج المركب الإستروجيني مع المشتق البروجستيني في الدواء من أجل زيادة الفعالية، وبحسب تجاربه فإن نسبة نجاحه كانت 100%. نقلت إدرس رايس-راي مخاوفها لجريجوري بينكوس وجون روك بسبب الأعراض الجانبية الشديدة التي أظهرها عقارهم المانع للحمل، حيث أن 17% من النساء المشاركات في التجربة لمدة سنة كاملة قد اشتكين من أعراض جانبية متعددة مثل الغثيان والقيء والمغص والإرهاق. مع الأخذ بعين الاعتبار أن 70 سيدة لم تكمل التجارب كاملة بسبب هذه الأعراض الجانبية، وبالنسبة لبينكوس وروك فقد كانت هذه إدعاءات مبالغ فيها، لأن العدد القليل من المشاركين في تجارب الاينوفيد في بوسطن (بما فيهم مريضات نفسيات) لم يشتكوا من أي أعراض جانبية مماثلة لما تصفه رايس-راي. واعتبروا أن منشأ هذه الأعراض نفسي لا أكثر. جدير بالذكر أن أدلة جديدة كُشفت لاحقًا أثبتت أن كثيرًا من النساء المشاركات في تجارب بوسطن قد انسحبن من التجربة مبكرًا كذلك بسبب الأعراض الجانبية، وقد عبرت ممولة التجارب الناشطة النسوية كاثرين كورماك عن امتعاضها في رسالة أرسلتها لصديقتها مارجريت سانجر قالت فيها "أريد قفصًا من نساء في فترة الاباضة كي نجري عليهن التجارب".<ref name="bitterpill></ref>
+
تواصل بينكوس في 1954 مع زميله السابق في جامعة هارفارد جون روك وهو طبيب نسائية يعمل في مستشفى في مدينة بوسطن من أجل تجريب الدواء على المريضات في مستشفاه. لاحقًا أجرى بينكوس تجارب على مرضى في مصحة للأمراض العقلية والنفسية في بوسطن، وقد اختار الرجل هذا المكان بالذات من أجل تحاشي التعقيدات القانونية. ناشطة نسوية تُدعى '''كاثرين كورماك''' عرضت على مدير المستشفى في ذلك الوقت تمويل تجديد المستشفى في مقابل السماح بإجراء التجارب. أجرى بينكوس تجاربه على 16 سيدة من نزيلات المستشفى، وأجرى لكل منهن عملية استئصال للرحم من أجل دراسة تأثير الأدوية التي حقنهم بها على الاباضة معمليًا.<ref name="bitterpill">[https://www.thecrimson.com/article/2017/9/28/the-bitter-pill/ The Harvard Crimson: The Bitter Pill - Harvard and the Dark History of Birth Control]</ref> لقد دعمت نسويات مثل كورماك ومارجريت سانجر السلوك البحثي لجريجوري بينكوس انطلاقًا من أفكار يوجينية تدعم تحسين النسل بناء على انتخابات جينية، حيث يمكن استخدام وسائل منع العمل لتخفيض أعداد مجموعات سكانية مثل الفقراء والملونين والمصابين بالاضطرابات النفسية والعقلية،<ref>[https://www.history.com/articles/birth-control-pill-history-puerto-rico-enovid History.com: The First Birth Control Pill Used Puerto Rican Women as Guinea Pigs]</ref> ولا تزال هذه الأفكار محط جدال حتى الآن ويرفضها بعض المؤرخين كذلك.<ref>[https://time.com/4081760/margaret-sanger-history-eugenics/ What Margaret Sanger Really Said About Eugenics and Race]</ref>
   −
يُؤخذ بعين الاعتبار كذلك أن بينكوس قد دفع باتجاه استخدام جرعات عالية من البروجستين في دواء اينوفيد على السيدات المشاركات في التجربة من أجل ضمان نتائج سريعة ودرجة فعالية عالية بدون أي اهتمام بما ستسببه من أعراض جانبية، وقد ساعده في ذلك القوانين الفضفاضة التي نظمت التجارب الدوائية السريرية في ذلك الوقت حيث أن إجراء تجربة سريرية لاختبار دواء جديد لم يكن يتطلب حدًا واضحًا من اختبارات الأمان. ولم تتوقف المخالفات الأخلاقية لبينكوس وروك عند هذا الحد، فقد عُرف لاحقًا أن السيدات اللواتي شاركن في التجربة في بورتو ريكو لم يكن يعلمن أصلًا أنهم "عينات اختبار" لدواء جديد، وكل ما عرفنه أنهن سيتناولن دواءًا لمنع الحمل و/أو علاج اضطرابات الدورة الشهرية، بدون أي معلومات إضافية لا عن تأثيراته المتوقعة ولا أعراضه الجانبية. لقد توفيت ثلاثة سيدات من المشاركات في تجارب بورتو ريكو ولم يُجر أي تحقيق الحادثة ولم يعرف لحد الآن إن كانت وفاتهن مرتبطة بالتجربة أم لا، كما أن نتائجهم قد استبعدت من نتائج التجربة.
+
====تجارب بورتو ريكو====
   −
اتهم جريجوري بينكوس وجون روك لاحقًا بالخداع والتزييف واستغلال النساء الفقيرات والملونات من أجل إجراء تجارب غير أخلاقية. تجادل بعض المؤرخات أن القوانين الفضفاضة في بداية ومنتصف القرن العشرين قد سهلت إجراء تجارب علمية وطبية على البشر إلا أنه لا يمكن إنكار أن المجتمع العلمي والطبي كان أكثر قبولًا وميلًا لإجراء مثل هذه التجارب على المجتمعات الأكثر هشاشة، كالنساء والفقراء والمصابين بالأمراض العقلية. وبالنسبة لبينكوس وروك وممولتهم كاثرين ماكورماك كانت النتائج أهم بكثير من الوسيلة المستخدمة لتحقيقها، حتى لو تضمنت الوسائل انتهاك حرمة أجساد نساء مضطربات نفسيًا أو استغلال نساء فقيرات ملونات من مجتمع يخضع لاستعمار الولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر.
+
لم تكن تجارب بوسطن كافية من حيث عدد المشاركين من أجل الحصول على ترخيص من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لتداول "إينوفيد" في السوق.  اختار جريجوري بينكوس السفر إلى بورتو ريكو في 1956 من أجل القيام بالمزيد من التجارب، بورتو ريكو تابعية أمريكية تخضع للقوانين الأمريكية ويمكن إجراء التجارب السريرية داخلها واعتماد نتائجها في هيئة الغذاء والدواء مع الأخذ بالاعتبار أن غالبية سكانها لاتينيون وقد ارتبطت بالولايات المتحدة عبر نشاط استيطاني استعماري بدأ منذ القرن التاسع عشر، وقد قامت طبيبة من بورتو ريكو هي '''إدرس رايس-راي''' تعمل مديرة لاتحاد تنظيم الأسرة بتسهيل الطريق أمام إجراء هذه التجارب.  
   −
===المسؤولية الاجتماعية على النساء في منع الحمل===
+
كانت بورتو ريكو مكانًا مثاليًا بمعايير جريجوري بينكوس وزميله جون روك الذي شاركه في إجراء التجارب، حيث أن عدد سكانها كبير وكانت من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، وكان سكانها متعطشون لوسائل منع وتنظيم حمل آمنة وفعالة وفيها قوانين تسهل عملهم وتنتشر فيها عيادات تنظيم النسل كما أن مجتمعها كان فقيرًا ونسبة التعليم فيه منخفضة. وقد أجرى بينكوس تجارب على عدد كبير من النساء (حوالي 200 سيدة) وأثبتت تجاربه نجاح دوائه "إينوڤيد" وقام لأول مرة في بورتو ريكو بمزج المركب الإستروجيني مع المشتق البروجستيني في الدواء من أجل زيادة الفعالية، وبحسب تجاربه فإن نسبة نجاحه كانت 100%.
   −
اعتبرت الناشطات [[نسوية|النسويات]] من [[موجة نسوية أولى|الموجة النسوية الأولى]] وسائل منع الحمل الفعالة ضرورة حيوية ومقدمة لحدوث ثورة جنسية، حيث ولأول مرة في التاريخ تسيطر النساء على خصوبتهن وأجسادهن ويحصلن على الحق في التحكم في الوقت المناسب للإنجاب بدون معرفة الرجل أو مشاركته في حدوث القرار. في سبيل ذلك دفعت ناشطات نسويات مثل '''مارجريت سانجر وكاثرين ماكورماك''' باتجاه حث وتمويل تجارب ذات أبعاد متطرفة أخلاقيًا يجريها علماء معروفون بأفكارهم الذكورية المعارضة للحرية الجنسية، في 1967 قام جريجوري بينكوس في مقابلة أنه يرفض منح الحرية الجنسية للنساء ويرفض منحها أيضًا للذكور وبالنسبة له فإن جهوده في ابتكار أول حبة لمنع الحمل كانت من أجل الإجابة على سؤال علمي لا اجتماعي.
+
====نتائج وتبعات====
   −
لقد بدأت حركة تحديد النسل على أساس منح النساء القدرة على التحكم في أجسادهم، بالإضافة إلى أفكار الانتقاء الجيني التي لا تزال ادعاءات خاضعة للجدال، وعندما حققت حركة تحديد النسل أكبر نجاحاتها بدعمها لجهود انتاج حبوب منع الحمل وهي وسيلة رخيصة وفعالة، ظهرت معضلة أخرى مع انتشار حبوب منع الحمل وهي الأعراض الجانبية الكثيرة لاستخدامها لفترة طويلة. بالإضافة إلى تغيير الخطاب السائد في المجتمع الأبوي في ظل انتشار الحرية الجنسية نحو تحميل مسؤولية الحمل والتحكم به للنساء دونًا عن الرجال، ورفض الرجال غالبًا لاستخدام وسائل الحماية الحاجزية مثل الواقي الذكري. وبالإمكان استقراء مثل هذه المعضلة في حقيقة أن أكثر وسيلة منع حمل مستخدمة حاليًا في الولايات المتحدة هي التعقيم الدائم للإناث (18%) في مقابل (14%) لحبوب منع الحمل.
+
نقلت إدرس رايس-راي مخاوفها لجريجوري بينكوس وجون روك بسبب الأعراض الجانبية الشديدة التي أظهرها عقارهم المانع للحمل، حيث أن 17% من النساء المشاركات في التجربة لمدة سنة كاملة قد اشتكين من أعراض جانبية متعددة مثل الغثيان والقيء والمغص والإرهاق. مع الأخذ بعين الاعتبار أن 70 سيدة لم تكمل التجارب كاملة بسبب هذه الأعراض الجانبية، وبالنسبة لبينكوس وروك فقد كانت هذه إدعاءات مبالغ فيها، لأن العدد القليل من المشاركين في تجارب الاينوفيد في بوسطن (بما فيهم مريضات نفسيات) لم يشتكوا من أي أعراض جانبية مماثلة لما تصفه رايس-راي. واعتبروا أن منشأ هذه الأعراض نفسي لا أكثر. جدير بالذكر أن أدلة جديدة كُشفت لاحقًا أثبتت أن كثيرًا من النساء المشاركات في تجارب بوسطن قد انسحبن من التجربة مبكرًا كذلك بسبب الأعراض الجانبية، وقد عبرت ممولة التجارب الناشطة النسوية كاثرين كورماك عن امتعاضها في رسالة أرسلتها لصديقتها مارجريت سانجر قالت فيها "أريد قفصًا من نساء في فترة الاباضة كي نجري عليهن التجارب".<ref name="bitterpill></ref>
   −
معضلة أخرى بخلاف الأعراض الجانبية أيضًا هي سيطرة الرجال، خاصة في المجتمعات النامية، على قرار استخدام وسائل منع الحمل حتى المخصصة للنساء منها، ولذا فإن ما تمنحه حبوب منع الحمل من تمكين للنساء يظل منقوصًا وغير فعال إلا تحت ظروف خاصة وفي مجتمعات محددة.
+
يُؤخذ بعين الاعتبار كذلك أن بينكوس قد دفع باتجاه استخدام جرعات عالية من البروجستين في دواء اينوفيد على السيدات المشاركات في التجربة من أجل ضمان نتائج سريعة ودرجة فعالية عالية بدون أي اهتمام بما ستسببه من أعراض جانبية، وقد ساعده في ذلك القوانين الفضفاضة التي نظمت التجارب الدوائية السريرية في ذلك الوقت حيث أن إجراء تجربة سريرية لاختبار دواء جديد لم يكن يتطلب حدًا واضحًا من اختبارات الأمان. ولم تتوقف المخالفات الأخلاقية لبينكوس وروك عند هذا الحد، فقد عُرف لاحقًا أن السيدات اللواتي شاركن في التجربة في بورتو ريكو لم يكن يعلمن أصلًا أنهم "عينات اختبار" لدواء جديد، وكل ما عرفنه أنهن سيتناولن دواءًا لمنع الحمل و/أو علاج اضطرابات الدورة الشهرية، بدون أي معلومات إضافية لا عن تأثيراته المتوقعة ولا أعراضه الجانبية. لقد توفيت ثلاثة سيدات من المشاركات في تجارب بورتو ريكو ولم يُجر أي تحقيق الحادثة ولم يعرف لحد الآن إن كانت وفاتهن مرتبطة بالتجربة أم لا، كما أن نتائجهم قد استبعدت من نتائج التجربة.
    +
اتهم جريجوري بينكوس وجون روك لاحقًا بالخداع والتزييف واستغلال النساء الفقيرات والملونات من أجل إجراء تجارب غير أخلاقية. تجادل بعض المؤرخات أن القوانين الفضفاضة في بداية ومنتصف القرن العشرين قد سهلت إجراء تجارب علمية وطبية على البشر إلا أنه لا يمكن إنكار أن المجتمع العلمي والطبي كان أكثر قبولًا وميلًا لإجراء مثل هذه التجارب على المجتمعات الأكثر هشاشة، كالنساء والفقراء والمصابين بالأمراض العقلية. وبالنسبة لبينكوس وروك وممولتهم كاثرين ماكورماك كانت النتائج أهم بكثير من الوسيلة المستخدمة لتحقيقها، حتى لو تضمنت الوسائل انتهاك حرمة أجساد نساء مضطربات نفسيًا أو استغلال نساء فقيرات ملونات من مجتمع يخضع لاستعمار الولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر.
    
===تحيزات طبية===
 
===تحيزات طبية===
   −
جدير بالذكر أن عددًا من التجارب الخاصة بموانع الحمل الهرمونية كان تُجرى أيضًا على ذكور خصيصا من أجل فحص التأثيرات الفسيولوجية والأعراض الجانبية للأدوية على عينات اختبار محايدة، وعلى الرغم من الشكوك التي أثيرت حول هذا السلوك إلا أنه لا يزال مستمرًا، فالبديهي أن تثير هذه الأدوية أعراضًا جانبية مختلفة على الذكور خاصة وأنها بدائل لهرمونات طبيعية موجودة في أجساد الذكور بتراكيز أقل بكثير مقارنة بأجساد الإناث.
+
جدير بالذكر أن عددًا من التجارب الخاصة بموانع الحمل الهرمونية كان تُجرى أيضًا على ذكور إذ اعتُبروا بمثابة عيّنة مرجعية "محايدة" لاختبار التأثيرات الفسيولوجية والأعراض الجانبية للأدوية. ، وعلى الرغم من الشكوك التي أثيرت حول هذا السلوك إذ يكشف افتراض ضمني بأن جسد الذكر هو النموذج المعياري للتجارب الطبية، إلا أنه لا يزال مستمرًا، فالبديهي أن تثير هذه الأدوية أعراضًا جانبية مختلفة على الذكور خاصة وأنها بدائل لهرمونات طبيعية موجودة في أجساد الذكور بتراكيز أقل بكثير مقارنة بأجساد الإناث
 +
 
 +
===تنظيم النسل في الإسلام===
 +
 
 +
يقبل علماء المسلمون منع الحمل كوسيلة لتنظيم النسل، وذلك من أجل الحفاظ على صحة الأمهات وتحاشي تأثير الولادات المتلاحقة على صحة الأجنة وحمايتها من العيوب الخلقية.<ref>المكتب المرجعي للسكان: الصحة الإنجابية والجنسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ص16</ref> إلا أن هذا القبول لتنظيم النسل يظل متحفظًا في أحسن الأحوال، وعلماء المسلمون يشددون دومًا على الفارق الجوهري بين تنظيم النسل وتحديد النسل، أي رفض الإنجاب بشكل كامل، كما أن النبي محمد قد ورد عنه في كثير من الأحاديث الصحيحة دعوات صريحة للتزاوج والتكاثر، منها الحديث الشريف: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم".<ref>[https://dorar.net/hadith/sharh/83095 الدرر السنية - الموسوعة الحديثية]</ref>
 +
 
 +
ويمكن المحاججة، بعيدًا عن صحة نسبة الأحاديث للنبي محمد، أن مثل هذه الدعوات قد كانت ضرورية لرفاه الدولة الإسلامية في العصور الوسطى خاصة وأنها كانت دولة تتوسع جغرافيًا باستمرار بالاعتماد على جهود عسكرية تتطلب وجود تعداد سكاني كبير لدعمها.
    
==مصادر==
 
==مصادر==
156

تعديل

قائمة التصفح