تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سطر 53: سطر 53:  
تزامنت التحولات على المؤسسة الطبية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين أيضًا مع تطورين مهمين، أولهما البدء بتنظيم مهنة القبالة بحيث تصبح خاضعة لاشتراطات محددة، ولا يمكن القيام بها أو ممارستها إلا بواسطة متدربات حاصلات على ترخيص ومسجلات لدى الدولة، كما أن حدود تدخل القابلات في الولادة قد تم تقليصها بحيث لا تتجاوز الولادات الطبيعية، وحُظر عليهن التعامل مع الولادات الخطيرة أو المتعسرة. صدر في إنجلترا تشريع مفصل يحدد الإطار القانوني الرسمي لمهنة القبالة في 1902، حيث أصبحت القابلات مسجلات ومرخصات لدى الدولة ويعملن بعد الحصول على تدريب رسمي، كما حُظر على شبكات القابلات التقليدية العمل في حال لم يقمن بتوفيق وتقنين أوضاعهن، وبحلول العام 1910 أصبح محظورًا بشكل كلي على القابلة أن تمارس عملها بدون ترخيص مسبق وإشراف طبي. تزامن ذلك مع إعادة هيكلة مهنة رعاية النساء خلال الولادة كعلم طبي، في إنجلترا على سبيل المثال تأسست جمعية أطباء الولادة والنسائية College of Obstetrics and Gynecology في 1929، ونتج عن تأسيسها ترسيم الشكل الجديد من القبالة وربط الولادة بالطب السريري أو المؤسسة الطبية، وقد تم ذلك بالتزامن مع العديد من الدول الغربية الأخرى. من أحد أهم المظاهر الرمزية لهذا الترسيم كان استبدال مصطلح Midwifery الانجليزي وما يقابله في اللغات الأوروبية الأخرى (بالفرنسية Sage‑femme وبالإسبانية Partería) بمصطلحات أخرى مشتقة من كلمة Obstetrix اللاتينية والتي تعني أيضًا قابلة، وذلك من أجل منح صبغة علمية للتسمية والممارسة المرتبطة بها.
 
تزامنت التحولات على المؤسسة الطبية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين أيضًا مع تطورين مهمين، أولهما البدء بتنظيم مهنة القبالة بحيث تصبح خاضعة لاشتراطات محددة، ولا يمكن القيام بها أو ممارستها إلا بواسطة متدربات حاصلات على ترخيص ومسجلات لدى الدولة، كما أن حدود تدخل القابلات في الولادة قد تم تقليصها بحيث لا تتجاوز الولادات الطبيعية، وحُظر عليهن التعامل مع الولادات الخطيرة أو المتعسرة. صدر في إنجلترا تشريع مفصل يحدد الإطار القانوني الرسمي لمهنة القبالة في 1902، حيث أصبحت القابلات مسجلات ومرخصات لدى الدولة ويعملن بعد الحصول على تدريب رسمي، كما حُظر على شبكات القابلات التقليدية العمل في حال لم يقمن بتوفيق وتقنين أوضاعهن، وبحلول العام 1910 أصبح محظورًا بشكل كلي على القابلة أن تمارس عملها بدون ترخيص مسبق وإشراف طبي. تزامن ذلك مع إعادة هيكلة مهنة رعاية النساء خلال الولادة كعلم طبي، في إنجلترا على سبيل المثال تأسست جمعية أطباء الولادة والنسائية College of Obstetrics and Gynecology في 1929، ونتج عن تأسيسها ترسيم الشكل الجديد من القبالة وربط الولادة بالطب السريري أو المؤسسة الطبية، وقد تم ذلك بالتزامن مع العديد من الدول الغربية الأخرى. من أحد أهم المظاهر الرمزية لهذا الترسيم كان استبدال مصطلح Midwifery الانجليزي وما يقابله في اللغات الأوروبية الأخرى (بالفرنسية Sage‑femme وبالإسبانية Partería) بمصطلحات أخرى مشتقة من كلمة Obstetrix اللاتينية والتي تعني أيضًا قابلة، وذلك من أجل منح صبغة علمية للتسمية والممارسة المرتبطة بها.
   −
نتج عما سبق تطور آخر، وهو انتقال الولادة بالتدريج من الحيز الاجتماعي إلى الحيز الطبي المؤسسي، وأصبحت الولادات تتم داخل المستشفى بنسبة أعلى في كل عام، انخفضت نسبة الولادات المنزلية في بريطانيا من 99% إلى 33% خلال الفترة من نهاية القرن 19 حتى 1955، كما أنها انخفضت إلى 2.1% بحلول 1998،<ref name="GPOBG"/> في الولايات المتحدة ارتفعت نسبة الولادات خارج المستشفى كذلك من أكثر من 99% في مطلع القرن العشرين إلى أقل من 1% خلال عقدي السبعينيات والثمانينات.<ref>[https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK555491/ Birth Settings in America: Outcomes, Quality, Access, and Choice. (NLM Bookshelf)]</ref>
+
نتج عما سبق تطور آخر، وهو انتقال الولادة بالتدريج من الحيز الاجتماعي إلى الحيز الطبي المؤسسي، وأصبحت الولادات تتم داخل المستشفى بنسبة أعلى في كل عام، انخفضت نسبة الولادات المنزلية في بريطانيا من 99% إلى 33% خلال الفترة من نهاية القرن 19 حتى 1955، كما أنها انخفضت إلى 2.1% بحلول 1998،<ref name="GPOBG"/> في الولايات المتحدة انخفضت نسبة الولادات خارج المستشفى كذلك من أكثر من 99% في مطلع القرن العشرين إلى أقل من 1% خلال عقدي السبعينيات والثمانينات.<ref>[https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK555491/ Birth Settings in America: Outcomes, Quality, Access, and Choice. (NLM Bookshelf)]</ref>
    
;كيف تغيرت الولادة تحت الإشراف الطبي؟
 
;كيف تغيرت الولادة تحت الإشراف الطبي؟
   −
شهدت الولادة تحت الإشراف الطبي تحولات في البنية والممارسة والمعنى الاجتماعي، وبعد أن كانت عملية طبيعية تجري في فضاء اجتماعي تحت إشراف القابلات التقليديات، تحولت إلى إجراء طبي مؤسسي يُدار داخل المستشفى وفق منطقٍ سريري وحسب تعليمات الطبيب والقرارات التي يتخذها غالبًا بنفسه وبدون إشراك الحامل فيها. لقد أصبحت الولادات أكثر تدخلاً من الناحية الطبية، فبدل أن تُترك العملية لتأخذ مجراها الطبيعي، أُدخلت أدوية متعددة لتسريع الطلق وأدوية أخرى للتخدير وتسكين الألم، استخدم الاسكتلندي جيمس سيمبسون الكلوروفورم أول مرة في 1847 كمسكن للألم خلال الولادة، ليس من أجل تخفيف الألم ولكن من أجل تسهيل التدخلات الجراحية خلال الولادة عند الضرورة،<ref name="ign"/> ولاحقًا بدأ استخدام إجراء تخديري يُدعى '''نوم الشفق''' '''Midnight Sleep'''، يستخدم لخلق حالة تخدير جزئي - باستخدام المورفين والسكوبولامين - بحيث تظل المريضة قادرة على الحديث والتجاوب مع الطبيب ولكن بدون شعور بالألم أو قدرة على الحركة، وعادة ما يسبب هذا الإجراء فقدًا للذاكرة قصيرة المدى ويؤدي في بعض الأحيان إلى هذيان وردود فعل عنيفة تشكل خطرًا على حياة المريضة. انتشر استخدام خليط المورفين والسكوبولامين خلال بدايات القرن العشرين، واستبُدل لاحقًا بأدوية أخرى أكثر أمانًا من حيث الأعراض الجانبية والقدرة على التحكم في مخرجاتها. هناك أدوية أخرى كان لها تأثير إيجابي كبير على مخرجات عملية الولادة داخل المستشفى، منها الإرجوتامين الذي استخدم لإيقاف نزيف ما بعد الولادة، بالإضافة إلى المضادات الحيوية (مركبات السلفا والبنسلين)  التي استخدمت لعلاج حمى النفاس، وبخلاف التدخلات الدوائية فإن أكثر ما ميز الشكل الحديث للولادة هو التدخل الجراحي، خاصة استخدام الملاقط المعدنية من أجل تسريع الولادة بالإضافة إلى قطع / شق العجان من أجل توسيع فتحة المهبل لتسهيل خروج الجنين، وهي القطوع التي تُرمم باستخدام الخيوط الجراحية ويُحرص عند ترميمها تضييق فتحة المهبل قدر الإمكان. أما التدخل الجراحي الأكثر استخدامًا وانتشارًا على مستوى العالم هو العمليات القيصرية، والتي ظهرت بداية كإجراء أخير لتفادي مضاعفات الولادة المهبلية في حالات الطوارئ، ولكن يُلجأ إليها الآن بشكل كبير ومعدلات عالية حتى لو لم يكن لها أي داعي.
+
شهدت الولادة تحت الإشراف الطبي تحولات في البنية والممارسة والمعنى الاجتماعي، وبعد أن كانت عملية طبيعية تجري في فضاء اجتماعي تحت إشراف القابلات التقليديات، تحولت إلى إجراء طبي مؤسسي يُدار داخل المستشفى وفق منطقٍ سريري وحسب تعليمات الطبيب والقرارات التي يتخذها غالبًا بنفسه وبدون إشراك الحامل فيها. لقد أصبحت الولادات أكثر تدخلاً من الناحية الطبية، فبدل أن تُترك العملية لتأخذ مجراها الطبيعي، أُدخلت أدوية متعددة لتسريع الطلق وأدوية أخرى للتخدير وتسكين الألم، استخدم الاسكتلندي جيمس سيمبسون الكلوروفورم أول مرة في 1847 كمسكن للألم خلال الولادة، ليس من أجل تخفيف الألم ولكن من أجل تسهيل التدخلات الجراحية خلال الولادة عند الضرورة،<ref name="ign"/> ولاحقًا بدأ استخدام إجراء تخديري يُدعى '''نوم الشفق''' '''Midnight Sleep'''، يستخدم لخلق حالة تخدير جزئي - باستخدام المورفين والسكوبولامين - بحيث تظل المريضة قادرة على الحديث والتجاوب مع الطبيب ولكن بدون شعور بالألم أو قدرة على الحركة، وعادة ما يسبب هذا الإجراء فقدًا للذاكرة قصيرة المدى ويؤدي في بعض الأحيان إلى هذيان وردود فعل عنيفة تشكل خطرًا على حياة المريضة. انتشر استخدام خليط المورفين والسكوبولامين خلال بدايات القرن العشرين، واستبُدل لاحقًا بأدوية أخرى أكثر أمانًا من حيث الأعراض الجانبية والقدرة على التحكم في مخرجاتها. هناك أدوية أخرى كان لها تأثير إيجابي كبير على مخرجات عملية الولادة داخل المستشفى، منها الإرجوتامين الذي استخدم لإيقاف نزيف ما بعد الولادة، بالإضافة إلى المضادات الحيوية (مركبات السلفا والبنسلين)  التي استخدمت لعلاج حمى النفاس. وبخلاف التدخلات الدوائية، فإن أكثر ما ميز الشكل الحديث للولادة هو التدخل الجراحي، خاصة استخدام الملاقط المعدنية من أجل تسريع الولادة بالإضافة إلى قطع / شق العجان من أجل توسيع فتحة المهبل لتسهيل خروج الجنين، وهي القطوع التي تُرمم باستخدام الخيوط الجراحية ويُحرص عند ترميمها تضييق فتحة المهبل قدر الإمكان. أما التدخل الجراحي الأكثر استخدامًا وانتشارًا على مستوى العالم هو العمليات القيصرية، والتي ظهرت بداية كإجراء أخير لتفادي مضاعفات الولادة المهبلية في حالات الطوارئ، ولكن يُلجأ إليها الآن بشكل كبير ومعدلات عالية حتى لو لم يكن لها أي داعٍ.
    
نشأت على هامش طب الولادة الحديث مهنة جديدة مثلت شكلًا حديثًا للقبالة، القابلات الحديثات هن ممرضات درسن التمريض بشكل أكاديمي ومتخصصات في العمل داخل أكشاك الولادة في المستشفيات، وقد ظهرت مهنتهن نتيجة لتهميش القابلات التقليديات اللواتي كُن العماد الأساس لعملية الولادة لقرون طويلة، واللواتي أقصين بدلا من السعي لدمج خبراتهن ضمن النظام الطبي. نتج  عن ذلك انحسار مهنة القبالة التقليدية، لأن الحاجة إليها تقلصت، وفي بعض الأحيان انتفت بشكل نهائي.
 
نشأت على هامش طب الولادة الحديث مهنة جديدة مثلت شكلًا حديثًا للقبالة، القابلات الحديثات هن ممرضات درسن التمريض بشكل أكاديمي ومتخصصات في العمل داخل أكشاك الولادة في المستشفيات، وقد ظهرت مهنتهن نتيجة لتهميش القابلات التقليديات اللواتي كُن العماد الأساس لعملية الولادة لقرون طويلة، واللواتي أقصين بدلا من السعي لدمج خبراتهن ضمن النظام الطبي. نتج  عن ذلك انحسار مهنة القبالة التقليدية، لأن الحاجة إليها تقلصت، وفي بعض الأحيان انتفت بشكل نهائي.
staff
2٬222

تعديل

قائمة التصفح