تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا يوجد ملخص تحرير
سطر 35: سطر 35:  
يوجد هنا اشتغال عن قرب على العلاقة المُتبادلة ما بين الغريزة الفعالة وتحولها اللاحق الى الشكل النرجسي). وعلى الرغم من أن هذا الدافع يَمر بتقلبات تحت تأثير عواملَ إضافيةٍ وخصوصا تكوين الأنا، إلا انّه يُواصل وجوده كقاعدةٍ شَبقية للّذة المُتحققة من النَظر الى الآخرين بوصفِهم موضوعا. وفي شَكله الاكثر تَطرُفا يَتم تثبيته على شَكِل انحرافٍ جنسيّ في هَيئة المُتلصصين القَهريين وPeeping Tom<ref>Peeping Tom: دلالة على المتلصص التلذذي، ويعود أصل المصطلح الى حكاية شعبية بريطانية قديمة، حيث تقوم سيدة البلدة بالتجول عارية في محاولة لإقناع زوجها تخفيض الضرائب عن السكان، يمتنع سكان البلدة عن النظر الى سيدتهم عارية ما عدا “توم” (Tom)</ref>، حيث يكون الاشباع الجنسيّ الوحيدُ مُمكنا فقط من خلال المشاهدة بمعناها الفعَّال والمُتحكِم هذه المُشاهَدة التي تَجعل من الآخر موضوعا.
 
يوجد هنا اشتغال عن قرب على العلاقة المُتبادلة ما بين الغريزة الفعالة وتحولها اللاحق الى الشكل النرجسي). وعلى الرغم من أن هذا الدافع يَمر بتقلبات تحت تأثير عواملَ إضافيةٍ وخصوصا تكوين الأنا، إلا انّه يُواصل وجوده كقاعدةٍ شَبقية للّذة المُتحققة من النَظر الى الآخرين بوصفِهم موضوعا. وفي شَكله الاكثر تَطرُفا يَتم تثبيته على شَكِل انحرافٍ جنسيّ في هَيئة المُتلصصين القَهريين وPeeping Tom<ref>Peeping Tom: دلالة على المتلصص التلذذي، ويعود أصل المصطلح الى حكاية شعبية بريطانية قديمة، حيث تقوم سيدة البلدة بالتجول عارية في محاولة لإقناع زوجها تخفيض الضرائب عن السكان، يمتنع سكان البلدة عن النظر الى سيدتهم عارية ما عدا “توم” (Tom)</ref>، حيث يكون الاشباع الجنسيّ الوحيدُ مُمكنا فقط من خلال المشاهدة بمعناها الفعَّال والمُتحكِم هذه المُشاهَدة التي تَجعل من الآخر موضوعا.
   −
قد يبدو وللوهلة الاولى وكأن السينما بَعيدة عن عالم الخِفية، عالم اختلاس النَظر والمُراقب ضحيةً غيرَ واعيةٍ أو رَاغبة. فما تتم مُشاهدته (على الشاشة) يُعرض عَلنًا لكي يُشاهَد. لكن مُعظم افلام التيار المركزيّ بتقاليده المُتعارف عليها تَرسم عالما مُغلقا بإحكام وينفتح بشكل سحري غير مُكترثٍ لوجود المُشاهِدين، مُولدا لاجلهم شُعورا بالعُزلة ومُتلاعبا بأوهامهم التلصُصية. زِد على هذا التناقض المُتطرف بين العَتمة التي تَسود صَالة العرض (والتي تفصل ايضا المشاهدين الواحد عن الآخر) وتألق الصُور المُراوغة ما بين الضوء والظِل على الشاشة، كلها تساعد على تعزيز وهْم العُزلة التلصُصية. وعلى الرغم من أن الفيلم يُشاهد فِعليا وهو هنا لكي يُشاهد الا ان شروط العرض على الشاشة وتقاليد السرد المُتعارف عليها تمنح المُشاهِد وهما بأنَّه يُشاهد عالما شَخصيا وخاصا.
+
قد يبدو وللوهلة الاولى وكأن السينما بَعيدة عن عالم الخِفية، عالم اختلاس النَظر والمُراقب ضحيةً غيرَ واعيةٍ أو رَاغبة. فما تتم مُشاهدته (على الشاشة) يُعرض عَلنًا لكي يُشاهَد. لكن مُعظم افلام التيار المركزيّ بتقاليده المُتعارف عليها تَرسم عالما مُغلقا بإحكام وينفتح بشكل سحري غير مُكترثٍ لوجود المُشاهِدين، مُولدا لاجلهم شُعورا بالعُزلة ومُتلاعبا بأوهامهم التلصُصية. زِد على هذا التناقض المُتطرف بين العَتمة التي تَسود صَالة العرض (والتي تفصل ايضا المشاهدين الواحد عن الآخر) وتألق الصُور المُراوغة ما بين الضوء والظِل على الشاشة، كلها تساعد على تعزيز وهْم العُزلة التلصُصية. وعلى الرغم من أن الفيلم يُشاهد فِعليا وهو هنا لكي يُشاهد الا ان شروط العرض على الشاشة وتقاليد السرد المُتعارف عليها تمنح المُشاهِد وهما بأنَّه يُشاهد عالما شَخصيا وخاصا.
    
وبين سائر الأمور فإنَّ موقع السينما هو بوضوح موقعُ كبتِ الرَغبة الاستعراضية الاستعرائية Exhibitionism<ref>الاستعراضية الاستعرائية (Exhibitionism): هي القيام بعرض أجزاء من الجسد والتي لا تعرض في العادة للمشادة، كالثدي أو الاعضاء التناسلية في مكان عام أو شبه عام، وتنبع هذه الممارسة عادة من رغبة أو هوس قهري في إشباع اللذة لدى الآخر أو إحداث صدمة لديه.</ref> لديهم واسقاط هذه الرَغبة المكبوتة على المُمثِّل.
 
وبين سائر الأمور فإنَّ موقع السينما هو بوضوح موقعُ كبتِ الرَغبة الاستعراضية الاستعرائية Exhibitionism<ref>الاستعراضية الاستعرائية (Exhibitionism): هي القيام بعرض أجزاء من الجسد والتي لا تعرض في العادة للمشادة، كالثدي أو الاعضاء التناسلية في مكان عام أو شبه عام، وتنبع هذه الممارسة عادة من رغبة أو هوس قهري في إشباع اللذة لدى الآخر أو إحداث صدمة لديه.</ref> لديهم واسقاط هذه الرَغبة المكبوتة على المُمثِّل.
سطر 82: سطر 82:  
يستطيع هذا التوتر والمُتنقل من قُطب الى آخر بناءَ نصٍ واحد وحيد. وهكذا في كلٍ من (Only Angels Have Wings) و(To Have and Have Not ) يبدأ الفيلم بمشهد المَرأة كموضوع للنَظرة المُحدِقة التي يشترك فيها المُشاهِد مع جميع الشخصيات الذُكورية في الفيلم. ويتم عزل المرأة وتقديمها بشكل جنسي وفاتن، لكن ومع تقدم السرد تقع المَرأة في حُب البطل لتصبح مُلكا له فتفقد تأثيرها الفاتن على الخارج، تفقد جنسانيتها المُعمَمة وإيحاءات فتاة الاستعراض، ويتم اخضاع شَهوانيتها للرجل النَجم وحده. من خلال التماهي مع البطل يستطيع المُشاهِد مُشاركته في سُلطته وتملكها بشكل غير مباشر.
 
يستطيع هذا التوتر والمُتنقل من قُطب الى آخر بناءَ نصٍ واحد وحيد. وهكذا في كلٍ من (Only Angels Have Wings) و(To Have and Have Not ) يبدأ الفيلم بمشهد المَرأة كموضوع للنَظرة المُحدِقة التي يشترك فيها المُشاهِد مع جميع الشخصيات الذُكورية في الفيلم. ويتم عزل المرأة وتقديمها بشكل جنسي وفاتن، لكن ومع تقدم السرد تقع المَرأة في حُب البطل لتصبح مُلكا له فتفقد تأثيرها الفاتن على الخارج، تفقد جنسانيتها المُعمَمة وإيحاءات فتاة الاستعراض، ويتم اخضاع شَهوانيتها للرجل النَجم وحده. من خلال التماهي مع البطل يستطيع المُشاهِد مُشاركته في سُلطته وتملكها بشكل غير مباشر.
   −
لكنّ شخصية الأنثى في نظرية التحليل النفسي تطرح إشكالا أكثر عمقا، إذ إنها تُفيد ضِمنا أمرا تقوم النظرة بالدوران حوله وتُنكره؛ فقدانها عُضو الذُكورة مما يعني تهديدا بالخِصاء وبالتالي إنعدام اللذة. وفي نهاية المطاف فإن ما تَعنيه المَرأة هو وجود فارق جنسي وغياب عُضو الذُكورة قابلٌ للتحقق بالنظر وهو الدليل المادي الذي تتأسس عليه عقدة الخِصاء الضرورية لتنظيم الدخول الى النظام الرمزي وقانون الأب. لهذا فإن المَرأة معروضةً كأيقونة للنَظرة المُحدِقة وللّذة الرجل المُتحكم بهذه النَظرة، هي مصدرُ تهديدٍ دائمٍ ومصدرُ القلق الذي تدل عليه أصلا. يقف اللاوعي الذكوريّ أمام أحد مخرجين اثنين ممكنين للهرب من قلق الخصاء: إعادة الاشتغال على وتجديد الصدمة الاصلية ( اكتشاف المرأة وإزالة غموض أُحجيتها) يعادله سعي لانزال العقوبة بالموضوع الآثم، الابتعاد عنه أو خَفض قيمته (يتجسد هذا المسار في اهتمامات الفيلم الاسود Film Noir<ref><ref>Film Noir "الفيلم الأسود": بالفرنسية في الأصل، فيلم النوار هو مصطلح سينمائي وضعه الناقد الفرنسي نينو فرانك، ويُستخدم للتعبير عن أفلام الجريمة والدراما هوليودية الأسلوب وتدور حول قصص الجريمة المشبعة بالاثارة الجنسية وبالعنف. وتمتد حقبة أفلام النوار الكلاسيكية الهوليودية من بداية أربعينيات القرن العشرين حتى أواخر الخمسينيات منه. وقد لازمها في تلك الفترة تحديدًا أسلوب بصري قائم على التصوير القاتم بالأبيض والأسود، ويعود بجذوره إلى التصوير السينمائي الخاص بالموجة التعبيرية الألمانية. واستُمدت أفلام النوار الأولى من مدرسة قصص الجريمة البوليسية والمعروفة باسم (Hardboiled) والتي اشتهرت في فترة الكساد الاقتصادي. الأفلام الحديثة والتي تستخدم هذه الأجواء تدعى أحيانا " نيو- نوار". </ref></ref>، أما المَخرَج الثاني فهو الانكار الكامل للخِصاء بواسطة التعويض من خلال موضوع - فيتيشي او بتحويل الشخصية المعروضة ذاتها الى فيتيش ليتحول مصدر التهديد الى مصدر طمأنينة (ومن هنا التقدير المبالغ فيه وطقوس عبادة البطلة النجمة).
+
لكنّ شخصية الأنثى في نظرية التحليل النفسي تطرح إشكالا أكثر عمقا، إذ إنها تُفيد ضِمنا أمرا تقوم النظرة بالدوران حوله وتُنكره؛ فقدانها عُضو الذُكورة مما يعني تهديدا بالخِصاء وبالتالي إنعدام اللذة. وفي نهاية المطاف فإن ما تَعنيه المَرأة هو وجود فارق جنسي وغياب عُضو الذُكورة قابلٌ للتحقق بالنظر وهو الدليل المادي الذي تتأسس عليه عقدة الخِصاء الضرورية لتنظيم الدخول الى النظام الرمزي وقانون الأب. لهذا فإن المَرأة معروضةً كأيقونة للنَظرة المُحدِقة وللّذة الرجل المُتحكم بهذه النَظرة، هي مصدرُ تهديدٍ دائمٍ ومصدرُ القلق الذي تدل عليه أصلا. يقف اللاوعي الذكوريّ أمام أحد مخرجين اثنين ممكنين للهرب من قلق الخصاء: إعادة الاشتغال على وتجديد الصدمة الاصلية ( اكتشاف المرأة وإزالة غموض أُحجيتها) يعادله سعي لانزال العقوبة بالموضوع الآثم، الابتعاد عنه أو خَفض قيمته (يتجسد هذا المسار في اهتمامات الفيلم الاسود Film Noir، أما المَخرَج الثاني فهو الانكار الكامل للخِصاء بواسطة التعويض من خلال موضوع - فيتيشي او بتحويل الشخصية المعروضة ذاتها الى فيتيش ليتحول مصدر التهديد الى مصدر طمأنينة (ومن هنا التقدير المبالغ فيه وطقوس عبادة البطلة النجمة).
    
يُرَفِّع المخرج الثاني-إنحراف الدافع البَصري في المسارالفيتيشي- من منزلة الجمال الجسدي للموضوع مُحولا إياه الى ما هو مُثير بحدّ ذاته للاشباع. بينما يرتبط المَخرَج الأول- شهوة التلصُص- [[سادية | السادية]]: حيث تَنبُع اللّذة من تثبيت الإثم ( في اتصال مباشر مع عُقدة الخِصاء) وفي تعميم السيطرة وإخضاع الشخص الآخر من خلال عملية فَرض العِقاب / ومنح العَفو. ويتلاءم هذا الجانب السادي مع السرد، إذ انه يتطلب وجود حكاية ما وتتعلق بإحداث نشاط وتغيرات في الشخص الآخر، في معركة ارادة وسيطرة، نصر /هزيمة، وتحدث جميعُها في زمن خطيّ له بداية ونهاية. بينما تستطيع انحرافات الدافع البَصري الفيتيشية، الحدوث خارج الزمن الخطيّ حيث تتركز الغريزة الشهوانية في النَظر وحده.  
 
يُرَفِّع المخرج الثاني-إنحراف الدافع البَصري في المسارالفيتيشي- من منزلة الجمال الجسدي للموضوع مُحولا إياه الى ما هو مُثير بحدّ ذاته للاشباع. بينما يرتبط المَخرَج الأول- شهوة التلصُص- [[سادية | السادية]]: حيث تَنبُع اللّذة من تثبيت الإثم ( في اتصال مباشر مع عُقدة الخِصاء) وفي تعميم السيطرة وإخضاع الشخص الآخر من خلال عملية فَرض العِقاب / ومنح العَفو. ويتلاءم هذا الجانب السادي مع السرد، إذ انه يتطلب وجود حكاية ما وتتعلق بإحداث نشاط وتغيرات في الشخص الآخر، في معركة ارادة وسيطرة، نصر /هزيمة، وتحدث جميعُها في زمن خطيّ له بداية ونهاية. بينما تستطيع انحرافات الدافع البَصري الفيتيشية، الحدوث خارج الزمن الخطيّ حيث تتركز الغريزة الشهوانية في النَظر وحده.  
7٬902

تعديل

قائمة التصفح