تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تعديل تنسيق
سطر 3: سطر 3:  
ترجمة: غير معروف
 
ترجمة: غير معروف
   −
استرجعت بتاريخ 17-11-2017 من موقع [[ http://civilsociety-centre.org/sites/default/files/papers/alteriteidentite_ar.pdf دعم لبنان The Civil Society Knowledge Centre]]
+
استرجعت بتاريخ 17-11-2017 من موقع [[http://civilsociety-centre.org/node/43347 دعم لبنان The Civil Society Knowledge Centre]]
      −
== ملخص ==
+
== '''ملخص''' ==
   −
تُظهر قصة نور كيف أن هذه الأخيرة تمكَّنت من بناء ذاتها كشخص فاعل ضمن مسار محفوف بالألم. فعلى الرغم من مُعاشها الأليم، استطاعت أن تبني "أنا" قوية، حتى إن كان عليها الإمتثال لبعض المتطلبات، والقبول بالقيوض المفروضة عليها، والتصدي لعلاقات تسودها الهيمنة. في هذا المقال، تكشف نور عمّا يختلج في داخلها من مشاعر في لحظة تغوص فيها في نفسها مبتعدةً (بصورة استبطانية أو مُدركة) عما يدور من حولها، في محاولة منها لإعادة صياغة دلالات سلوكها.
+
تُظهر قصة نور كيف أن هذه الأخيرة تمكَّنت من بناء ذاتها كشخص فاعل ضمن مسار محفوف بالألم. فعلى الرغم من مُعاشها الأليم، استطاعت أن تبني "أنا" قوية، حتى إن كان عليها الإمتثال لبعض المتطلبات، والقبول بالقيود المفروضة عليها، والتصدي لعلاقات تسودها الهيمنة. في هذا المقال، تكشف نور عمّا يختلج في داخلها من مشاعر في لحظة تغوص فيها في نفسها مبتعدةً (بصورة استبطانية أو مُدركة) عما يدور من حولها، في محاولة منها لإعادة صياغة دلالات سلوكها.
      −
== النص كاملًا==
+
== '''النص كاملًا '''==
   −
تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على عوامل مختلفة تطبع القصة العائلية والمسار الإجتماعي لإمرأة فلسطينية تعيش في مخيم للاجئين في لبنان. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن مكوِّنَيْن من الهوية يضطلعان بدور اساسي في بلورة مسألتنا، وهما [[الهوية الجندرية]]، والهوية الوطنية. فواقع أن نور تجمع بين كونها امرأة وفلسطينية يجعلها تواجه أشكالا عديدة من [[العنف]]، وذلك بسبب الديناميات و/أو حالات التوتر القائمة بين الرجال والنساء من جهة، والفلسطينيين واللبنانيين من جهة أخرى.
+
تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على عوامل مختلفة تطبع القصة العائلية والمسار الإجتماعي لإمرأة فلسطينية تعيش في مخيم للاجئين في لبنان. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن مكوِّنَيْن من الهوية يضطلعان بدور اساسي في بلورة مسألتنا، وهما [[الهوية الجندرية]]، والهوية الوطنية. فواقع أن نور تجمع بين كونها امرأة وفلسطينية يجعلها تواجه أشكالا عديدة من [[العنف]]، وذلك بسبب الديناميات و/أو حالات التوتر القائمة بين الرجال والنساء من جهة، والفلسطينيين واللبنانيين من جهة أخرى.
   −
وقد استندت المنهجية المُعتمدة لجمع البيانات على السيرة[1] الشخصية. والحقيقة أن هذه السيرة لأساسيةٌ للخروج من لغط المشاعر والغوض في الذكريات بحثا عما يتصل في الواقع. كما أنها تُتيح للشخص إمكانية إعادة بناء قصته الخاصة، والسعي إلى إيجاد كيف ترخي قصة الآخرين بثقلها عليه، وكيف عمل هذا الشخص بالتحديد على بناء ذاته"[2]. وتصف نور عبر سرد قصَّتها الخاصة مختلف جوانب ما وراء مشاعرها، بما يشمل مجموعة مركَّبة من من المؤثِّرات، والإنفعالات، والإستيهامات، وردود الفعل، إلى جانب الخبرات المتراكمة وحالات العنف وسوء الإساءة المُخزية[3]. والواقع أن العنف الذي وقعت ضحيته نور ساهم في تغيير هويتها وعلاقتها بمجتمعها من جهة، كما ساعد على بناء ذاتية مؤلمة، من جهة أخرى؛ ما يظهر بالتالي الألم كعنصرٍ مكوِّن للرابط الإجتماعي.
+
وقد استندت المنهجية المُعتمدة لجمع البيانات على السيرة[1] الشخصية. والحقيقة أن هذه السيرة لأساسيةٌ للخروج من لغط المشاعر والغوض في الذكريات بحثا عما يتصل في الواقع. كما أنها تُتيح للشخص إمكانية إعادة بناء قصته الخاصة، والسعي إلى إيجاد كيف ترخي قصة الآخرين بثقلها عليه، وكيف عمل هذا الشخص بالتحديد على بناء ذاته"[2]. وتصف نور عبر سرد قصَّتها الخاصة مختلف جوانب ما وراء مشاعرها، بما يشمل مجموعة مركَّبة من المؤثِّرات، والإنفعالات، والإستيهامات، وردود الفعل، إلى جانب الخبرات المتراكمة وحالات العنف وسوء الإساءة المُخزية[3]. والواقع أن العنف الذي وقعت ضحيته نور ساهم في تغيير هويتها وعلاقتها بمجتمعها من جهة، كما ساعد على بناء ذاتية مؤلمة، من جهة أخرى؛ ما يظهر بالتالي الألم كعنصرٍ مكوِّن للرابط الإجتماعي.
    
أما التحليل الذي أجريناه، فيقضي بتحديد العناصر المشكِّلة للهوية، التي يحشدها الألم، وذلك بغية تحديد مختلف جوانب هذه العناصر بالتحديد بشكل بارز، واستِبطاني، وسردي. ويُمثِّل تحليل عملية تكوين الهوية ذاتيةَ نور التي تُظهرها بشكل واضح كشخص فاعل من جهة، وإدارتها الخاصة لما تتعرض له من عنف من جهة أخرى. وتكشف هذه الإدارة التي تعتمدها أن للعنف مصادر متعدِّدة. والواقع أنه سيُعمل طوال هذا المقال على تحديد هذين الجانبَيْن من هوية نور وتصنيفهما حسب الفئة التي ينتمي كل منهما إليها، ووفقا لمختلف المراحل التي طبعت حياة هذه الأخيرة، وفي مختلف مستويات الحياة الإجتماعية، وذلك لمساهمتهما في تكوين هويتها.
 
أما التحليل الذي أجريناه، فيقضي بتحديد العناصر المشكِّلة للهوية، التي يحشدها الألم، وذلك بغية تحديد مختلف جوانب هذه العناصر بالتحديد بشكل بارز، واستِبطاني، وسردي. ويُمثِّل تحليل عملية تكوين الهوية ذاتيةَ نور التي تُظهرها بشكل واضح كشخص فاعل من جهة، وإدارتها الخاصة لما تتعرض له من عنف من جهة أخرى. وتكشف هذه الإدارة التي تعتمدها أن للعنف مصادر متعدِّدة. والواقع أنه سيُعمل طوال هذا المقال على تحديد هذين الجانبَيْن من هوية نور وتصنيفهما حسب الفئة التي ينتمي كل منهما إليها، ووفقا لمختلف المراحل التي طبعت حياة هذه الأخيرة، وفي مختلف مستويات الحياة الإجتماعية، وذلك لمساهمتهما في تكوين هويتها.
سطر 21: سطر 21:  
وتجدر الإشارة بهذا الخصوص إلى أن المصطلح "هوية" يُستَخدم للدلالة على شعور المرء بأنه موجود وبأن "الأنا" الخاصة به مختلفة عن "الآخرين"[4]. إلى ذلك، يُتيح هذا التعريف المُعتمد فهما أفضل لكون الغَيْريّة والهوية يمثِّلان الوجهان الذاتي والإجتماعي لتحديد الهوية في سياق عملية تفاعل ضرورية لكل هوية. من جهة أخرى، يرتبط الشِّق النظري للهوية بانتماء مزدوج[5]. فهي في الوقت عينه ذات صلة بشعور ذاتي وشخصي، وبالتالي فردي، ومنبثقة عن العلاقة بالآخر وعن تفاعل اجتماعي. وهكذا فإن الهوية، وبجزئها الذاتي والشخصي، توفِّر خيارا للفرد بأن يحدِّد ذاته وفقا لتطلعاته، كما أنها تترك حيِّزا وافرا للتصنيف الإجتماعي ولما قد يحمله من تأثير على الفرد.
 
وتجدر الإشارة بهذا الخصوص إلى أن المصطلح "هوية" يُستَخدم للدلالة على شعور المرء بأنه موجود وبأن "الأنا" الخاصة به مختلفة عن "الآخرين"[4]. إلى ذلك، يُتيح هذا التعريف المُعتمد فهما أفضل لكون الغَيْريّة والهوية يمثِّلان الوجهان الذاتي والإجتماعي لتحديد الهوية في سياق عملية تفاعل ضرورية لكل هوية. من جهة أخرى، يرتبط الشِّق النظري للهوية بانتماء مزدوج[5]. فهي في الوقت عينه ذات صلة بشعور ذاتي وشخصي، وبالتالي فردي، ومنبثقة عن العلاقة بالآخر وعن تفاعل اجتماعي. وهكذا فإن الهوية، وبجزئها الذاتي والشخصي، توفِّر خيارا للفرد بأن يحدِّد ذاته وفقا لتطلعاته، كما أنها تترك حيِّزا وافرا للتصنيف الإجتماعي ولما قد يحمله من تأثير على الفرد.
   −
== ما تريد حقا قوله نور: صورة الأب والأم==
      +
== ''' ما تريد حقا قوله نور: صورة الأب والأم '''==
    
"العنف موجود في كل مكان من حولك"، بهذه الكلمات تختصر نور السياق الذي تعيش فيه. فبالنسبة إليها الجميع يختبر حالة عنف ويفرضها على الآخرين. فمنذ مرحلة الطفولة، تعمل نور جاهدة لتوفير سبل عيشها ومساعدة عائلتها. فهي تركت المدرسة بحثا عن عمل. وهي غارقة في حزن عميق مرده  لعوامل عديدة. فما عاشته من حالات قمع واستغلال تحول إلى عنف وسوء معاملة مخزية. والحقيقة أن حالات العنف هذه ستجعل نور تعيش في دوامة عنف بحيث تغدو هي في الوقت عينه الضحية والجانية.
 
"العنف موجود في كل مكان من حولك"، بهذه الكلمات تختصر نور السياق الذي تعيش فيه. فبالنسبة إليها الجميع يختبر حالة عنف ويفرضها على الآخرين. فمنذ مرحلة الطفولة، تعمل نور جاهدة لتوفير سبل عيشها ومساعدة عائلتها. فهي تركت المدرسة بحثا عن عمل. وهي غارقة في حزن عميق مرده  لعوامل عديدة. فما عاشته من حالات قمع واستغلال تحول إلى عنف وسوء معاملة مخزية. والحقيقة أن حالات العنف هذه ستجعل نور تعيش في دوامة عنف بحيث تغدو هي في الوقت عينه الضحية والجانية.
سطر 34: سطر 34:  
فوالدة نور هي امرأة ينبذها والداها وزوجها، كما انها ترفض الطلاق خوفا من أن ينبذها المجتمع. والحقيقة ان هذا العنف المخذي الذي تختبره الوالدة ولَّد معاناة في نفس نور التي سرعان ما ستفهم المصائب التي تعيشها والدتها.  
 
فوالدة نور هي امرأة ينبذها والداها وزوجها، كما انها ترفض الطلاق خوفا من أن ينبذها المجتمع. والحقيقة ان هذا العنف المخذي الذي تختبره الوالدة ولَّد معاناة في نفس نور التي سرعان ما ستفهم المصائب التي تعيشها والدتها.  
   −
وبغية سرد هذا الواقع وتسليط الضوء على خنوع والدتها،تروي نور لنا هذه الحكاية المضحكة: "كانت أمي تخشى والدي إلى حد أنها رفضت نقلي إلى المستشفى عندما أُصِبت بحروق خشية أن يأت والدي وألا يجدنا في المنزل؛ ما أدى إلى التهاب جرحي في اليوم التالي".
+
وبغية سرد هذا الواقع وتسليط الضوء على خنوع والدتها، تروي نور لنا هذه الحكاية المضحكة: "كانت أمي تخشى والدي إلى حد أنها رفضت نقلي إلى المستشفى عندما أُصِبت بحروق خشية أن يأت والدي وألا يجدنا في المنزل؛ ما أدى إلى التهاب جرحي في اليوم التالي".
    
إلى ذلك، تربط نور بوالدها علاقة عنف وكبت. فكل ما يدور في البيت يحصل سرّاً. وفي خلال فترة المراهقة، باحت نور بعلاقتها وعلاقة أختها الغرامية لوالدها أملا منها في تشاطر تجربتها المُعاشة مع والدها. ولكن ما كان من الوالد إلا أن قام بأخذ ابنتَيْه عند زوجته. وعمد على سجنهما داخل المنزل مانعا إياهما من مقابلة أي شخص،  كما عمل على إغلاق ستائر البيت بواسطة عصا، قبل أن يذهب لمهاجمة الشابَّيْن.
 
إلى ذلك، تربط نور بوالدها علاقة عنف وكبت. فكل ما يدور في البيت يحصل سرّاً. وفي خلال فترة المراهقة، باحت نور بعلاقتها وعلاقة أختها الغرامية لوالدها أملا منها في تشاطر تجربتها المُعاشة مع والدها. ولكن ما كان من الوالد إلا أن قام بأخذ ابنتَيْه عند زوجته. وعمد على سجنهما داخل المنزل مانعا إياهما من مقابلة أي شخص،  كما عمل على إغلاق ستائر البيت بواسطة عصا، قبل أن يذهب لمهاجمة الشابَّيْن.
سطر 47: سطر 47:       −
== تحوُّل ضعف [7] نور إلى فعل ==
+
== '''تحوُّل ضعف نور إلى فعل ''' ==
   −
نظرا إلى كون نور تعاني ضعفا شديد في فترة المراهقة، أقدمت مرة على الهرب من منزلها وقامت بمحاولتَي انتحار. ومرد ضعفها هذا إلى رؤية والديها يخضعان للتَّنقيص على يد وجوه سلطة. وهذا ما دفعها في ما بعد إلى استبطان وجوه متناقضة من شأنها المساهمة في إضعاف الجهاز النفسي. والحقيقة أن هذه النزاعات تظهر مجددا كلما وجد الفرد نفسه في وضع مذِّل[8].
+
نظرا [7]إلى كون نور تعاني ضعفا شديد في فترة المراهقة، أقدمت مرة على الهرب من منزلها وقامت بمحاولتَي انتحار. ومرد ضعفها هذا إلى رؤية والديها يخضعان للتَّنقيص على يد وجوه سلطة. وهذا ما دفعها في ما بعد إلى استبطان وجوه متناقضة من شأنها المساهمة في إضعاف الجهاز النفسي. والحقيقة أن هذه النزاعات تظهر مجددا كلما وجد الفرد نفسه في وضع مذِّل[8].
    
تجدر الإشارة إلى أن هروب نور مع شقيقتها من المنزل حصل في خلال الصيف فيما كانت في السنة الأخيرة من المرحلة المتوسِّطة. كانت هذه المرة الأولى التي تخرجان منها من المخيم. تركتا المخيم، وتوجهتا إلى المدينة، واستقلتا الباص متوجِّهَتَيْن نحو بيروت. ولدى وصولهما إلى أحد مخيمات العاصمة، استقبلتهما عائلة بعد أن أخبراها أن والديهما متوفَّان. لكن، بعد أن أجرت العائلة تحقيقا بهذا الشأن، اتصلت هذه الأخيرة بالأب الذي سرعان ما أتى برفقة زوجته الثانية لاسترجاع ابنتَيْه. وما إن سمعت شقيقة نور بخبر وصول والدهها حتى تظاهرت بالذهاب إلى الحمام حيث عملت من شدة خوفها على شرب ماء جافيل. فتم نقلها على الفور إلى المستشفى لإخضاعها لغسيل مَعِدة. عندما عرفت الوالدة بخبر هروب ابنتَيها، تركت المنزل الزوجي هربا من الوالد، والتجأت عند والدَيها لتجنُّب رؤية زوجها. وإذ لم يعد بوسعها مواجهة زوجها خوفا من أن يحمِّلها مسؤولية سوء تربية الفتاتَيْن وهروبهما، طلبت الطلاق.
 
تجدر الإشارة إلى أن هروب نور مع شقيقتها من المنزل حصل في خلال الصيف فيما كانت في السنة الأخيرة من المرحلة المتوسِّطة. كانت هذه المرة الأولى التي تخرجان منها من المخيم. تركتا المخيم، وتوجهتا إلى المدينة، واستقلتا الباص متوجِّهَتَيْن نحو بيروت. ولدى وصولهما إلى أحد مخيمات العاصمة، استقبلتهما عائلة بعد أن أخبراها أن والديهما متوفَّان. لكن، بعد أن أجرت العائلة تحقيقا بهذا الشأن، اتصلت هذه الأخيرة بالأب الذي سرعان ما أتى برفقة زوجته الثانية لاسترجاع ابنتَيْه. وما إن سمعت شقيقة نور بخبر وصول والدهها حتى تظاهرت بالذهاب إلى الحمام حيث عملت من شدة خوفها على شرب ماء جافيل. فتم نقلها على الفور إلى المستشفى لإخضاعها لغسيل مَعِدة. عندما عرفت الوالدة بخبر هروب ابنتَيها، تركت المنزل الزوجي هربا من الوالد، والتجأت عند والدَيها لتجنُّب رؤية زوجها. وإذ لم يعد بوسعها مواجهة زوجها خوفا من أن يحمِّلها مسؤولية سوء تربية الفتاتَيْن وهروبهما، طلبت الطلاق.
سطر 55: سطر 55:  
وبعد أن حصلت والدة الفتاتَين على الطلاق، استقرت في منزل والدَيْها برفقة أولادها الثلاثة الآخرين، في حين بقيت الفتاتَيْن مع والدهما. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن هذه الحادثة شكَّلت السبب المباشر للطلاق بين والدي الفتاتَين. كما أتى هذا الإنفصال ليزيد الأمور سوء لنور في خلال إقامتها عند زوجة والدها، رغم أن الوالد كان قد اتخذ قرارا بتغيير سلوكه تجاه ابنتَيْه. وفي هذا السياق، طلب من ابنتَيْه كتابة ما يزعجهم في شخصيته. نزولا عند رغبته، باحت نور له بكل ما يضايقها. وعندما قرأ الأب ذلك، ثارت أعصابه. فانهال ضربا على شقيقتها.
 
وبعد أن حصلت والدة الفتاتَين على الطلاق، استقرت في منزل والدَيْها برفقة أولادها الثلاثة الآخرين، في حين بقيت الفتاتَيْن مع والدهما. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن هذه الحادثة شكَّلت السبب المباشر للطلاق بين والدي الفتاتَين. كما أتى هذا الإنفصال ليزيد الأمور سوء لنور في خلال إقامتها عند زوجة والدها، رغم أن الوالد كان قد اتخذ قرارا بتغيير سلوكه تجاه ابنتَيْه. وفي هذا السياق، طلب من ابنتَيْه كتابة ما يزعجهم في شخصيته. نزولا عند رغبته، باحت نور له بكل ما يضايقها. وعندما قرأ الأب ذلك، ثارت أعصابه. فانهال ضربا على شقيقتها.
   −
وفي دائرة العنف التي عاشت فيها نور، نسجت في خيالها رواية تعطيها أملا في الغد. فهي بحسب ما اختلقته في انتظار والديها الحقيقين، وعلى اقتناع بأن اللذين تجد نفسها مضطرة للعيش معهما، ليسا بوالديها الحقيقين، وبأنهما وجداها في الشارع. ومذذاك الحين، باتت تعيش على أمل بأن يأتي والداها الحقيقيّان ذات يوم لإصطحابها.
+
وفي دائرة العنف التي عاشت فيها نور، نسجت في خيالها رواية تعطيها أملا في الغد. فهي بحسب ما اختلقته في انتظار والديها الحقيقين، وعلى اقتناع بأن الذين تجد نفسها مضطرة للعيش معهما، ليسا بوالديها الحقيقين، وبأنهما وجداها في الشارع. ومذاك الحين، باتت تعيش على أمل بأن يأتي والداها الحقيقيّان ذات يوم لإصطحابها.
      −
== الرجل، والحب والزواج في حياة نور ==
+
== '''الرجل، والحب والزواج في حياة نور '''==
    
في سن المراهقة، وقعت نور في حب جارها، إلا أنه تخلى عنها بعد انقضاء خمس سنوات ليرتبط بفتاة أخرى. وشكَّل هذا الأمر الصدمة الثانية التي تسبَّب لها بها رجلٌ في حياتها، بعد والدها. وبعد أن تلقت صدمة من والدها، باتت نور تقيم علاقة حذرة وقاسية مع بيئتها. والواقع أن معاناتها لم تعد تُحتمل، وتبدَّد أملها. وهذا ما يبدو واضحا في ما قلته: "لقد آلمني ذلك كثيرا. ذرفت الكثير من الدموع إلى حد قالت لي إحدى صديقاتي: "توقفي عن البكاء". فأجبتها: "لا أستطيع ذلك، فليست عيناي اللتان تذرفان الدموع بل قلبي". لقد شعرت أن حياتي كلها ذهبت سدى. لذا كانت أصرخ لشدة الألم".
 
في سن المراهقة، وقعت نور في حب جارها، إلا أنه تخلى عنها بعد انقضاء خمس سنوات ليرتبط بفتاة أخرى. وشكَّل هذا الأمر الصدمة الثانية التي تسبَّب لها بها رجلٌ في حياتها، بعد والدها. وبعد أن تلقت صدمة من والدها، باتت نور تقيم علاقة حذرة وقاسية مع بيئتها. والواقع أن معاناتها لم تعد تُحتمل، وتبدَّد أملها. وهذا ما يبدو واضحا في ما قلته: "لقد آلمني ذلك كثيرا. ذرفت الكثير من الدموع إلى حد قالت لي إحدى صديقاتي: "توقفي عن البكاء". فأجبتها: "لا أستطيع ذلك، فليست عيناي اللتان تذرفان الدموع بل قلبي". لقد شعرت أن حياتي كلها ذهبت سدى. لذا كانت أصرخ لشدة الألم".
سطر 64: سطر 64:  
في هذه الأثناء، دخلت نور الجامعة. وتزوجت شقيقتها بحبيبها. فوجدت عندها نور نفسها مسؤولة وحدها عن إعالة والدتها وإخوتها. كما وجدت أن عليها بمفردها التغلُّب على علاقتها الغرامية الفاشلة، والسيطرة على غضبها، والتعامل مع حزنها، وقلبها المحطم. صحيح أن كثيرين هم الرجال الذين كانوا يطلبون يدها، لكنها كانت ترفض الزواج من كل رجل بتقدم لها لشعورها الدائم بالإشمئزاز، وتضع بالتالي خاتما لكي يظن الجميع أنها مخطوبة ويتركوها وشأنها.
 
في هذه الأثناء، دخلت نور الجامعة. وتزوجت شقيقتها بحبيبها. فوجدت عندها نور نفسها مسؤولة وحدها عن إعالة والدتها وإخوتها. كما وجدت أن عليها بمفردها التغلُّب على علاقتها الغرامية الفاشلة، والسيطرة على غضبها، والتعامل مع حزنها، وقلبها المحطم. صحيح أن كثيرين هم الرجال الذين كانوا يطلبون يدها، لكنها كانت ترفض الزواج من كل رجل بتقدم لها لشعورها الدائم بالإشمئزاز، وتضع بالتالي خاتما لكي يظن الجميع أنها مخطوبة ويتركوها وشأنها.
   −
عانت نور طوال سنة من آثار صدمتها العاطفية، فوضعت حد لتحصيلها العلمي الجامعي، وراحت تعمل في المبيع فتبيع السلع مباشرة في البيوت لمساعدة والدتها التي كانت تعمل في متجر عام كبير. وفي خلال عملها، التقت بعلي. فتزوجت به بدون أن تفكِّر كثيرا بالأمر، بحسب ما قالته لنا: "عندما التقيت بعلي بعد سنة، لم أفكِّر بأي شيء. أردت فقط الزواج".
+
عانت نور طوال سنة من آثار صدمتها العاطفية، فوضعت حد لتحصيلها العلمي الجامعي، وراحت تعمل في المبيع فتبيع السلع مباشرة في البيوت لمساعدة والدتها التي كانت تعمل في متجر عام كبير. وفي خلال عملها،التقت بعلي. فتزوجت به بدون أن تفكِّر كثيرا بالأمر، بحسب ما قالته لنا: "عندما التقيت بعلي بعد سنة، لم أفكِّر بأي شيء. أردت فقط الزواج".
    +
والواقع أن هذا الزواج يشكِّل بالنسبة إلى نور عبورا نحو شيء مختلف. فهو بمثابة هروب نحو المجهول. أما بالنسبة إلى الوالدة[9]، فإن الخطيب سيُخرج ابنتها من البؤس المالي والعاطفي الذي تختبره: "لم يكن أولادي بمحبوبين. وعلاقاتهم بالآخرين كانت محدودة. وفي الحقيقة، يؤثر على الولد أن يشعر بأنه شخص غير محبوب، حتى والدهم لم يكن يهتم لأمرهم وكان جافا، عندما كان يعيش معنا، ولم يكن حتى يراهم. فمشاكلنا في البيت لم تكن تهمّه".
   −
والواقع أن هذا الزواج يشكِّل بالنسبة إلى نور عبورا نحو شيء مختلف. فهو بمثابة هروب نحو المجهول. أما بالنسبة إلى الوالدة[9]، فإن الخطيب سيُخرج ابنتها من البؤس المالي والعاطفي الذي تختبره: "لم يكن أولادي بمحبوبين. وعلاقاتهم بالآخرين كانت محدودة. وفي الحقيقة، يؤثر على الولد أن يشعر بأنه شخص غير محبوب، حتى والدهم لم يكن يهتم لأمرهم وكان جافا، عندما كان يعيش معنا، ولم يكن حتى يراهم. فمشاكلنا في البيت لم تكن تهمّه".
      
== ''' فشل الزواج'''==
 
== ''' فشل الزواج'''==
سطر 75: سطر 75:  
وإذ كانت والدة نور متواجدة لدى إجراء المقابلة، فإنها عملت على المدافعة عن ابنتها، وطلبت عدم الحكم عليها، بل تفهُّم أفعالها والأسباب التي آلت بها إلى ما هي عليه اليوم. فراحت عندها هذه الأخيرة تشرح لي السياق لمساعدتي على بناء فهم أفضل للوضع القائم قائلة: "كنا في مخيَّم آخر على مقربة من والدَّي. كانت عندها تعمل كبائعة. وبما أن نور هي الإبنة البكر في العائلة، كان عليها مساعدتي في الوقت الذي كنت أنا أيضا أعمل. لذا، فإنها كانت تعمل في بيع السلع مباشرة في البيوت. ولهذا الغرض، كانت تذهب في الصباح الباكر لتعود في وقت متأخِّر عند المساء، فتكون رجلاها متنفِّختين من شدة التعب. وكانت تقوم بكل ما تقوم به لكي توفِّر لنا قوتنا اليومي. والحقيقة أن المالك كان قد طردني من الشقة لأنه لم يعد بوسعي تسديد بدل الإيجار. كما أن جدي قد رفض أن يدعني استأجر شقَّته بحجة أنه لو لم نسدِّد بدل الإيجار، سيشعر بالإزعاج إزاء مطالبتنا بتسديد المبلغ المتوجِّب علينا. وفي هذه الأثناء، لم يأت أحد ليطلب يدها. لذا فكان عليها أن تقبل بأول رجل طلب يدها لتضع حدا للحياة التي تعيشها. لم يمد لنا أحدٌ يوما يد العون".
 
وإذ كانت والدة نور متواجدة لدى إجراء المقابلة، فإنها عملت على المدافعة عن ابنتها، وطلبت عدم الحكم عليها، بل تفهُّم أفعالها والأسباب التي آلت بها إلى ما هي عليه اليوم. فراحت عندها هذه الأخيرة تشرح لي السياق لمساعدتي على بناء فهم أفضل للوضع القائم قائلة: "كنا في مخيَّم آخر على مقربة من والدَّي. كانت عندها تعمل كبائعة. وبما أن نور هي الإبنة البكر في العائلة، كان عليها مساعدتي في الوقت الذي كنت أنا أيضا أعمل. لذا، فإنها كانت تعمل في بيع السلع مباشرة في البيوت. ولهذا الغرض، كانت تذهب في الصباح الباكر لتعود في وقت متأخِّر عند المساء، فتكون رجلاها متنفِّختين من شدة التعب. وكانت تقوم بكل ما تقوم به لكي توفِّر لنا قوتنا اليومي. والحقيقة أن المالك كان قد طردني من الشقة لأنه لم يعد بوسعي تسديد بدل الإيجار. كما أن جدي قد رفض أن يدعني استأجر شقَّته بحجة أنه لو لم نسدِّد بدل الإيجار، سيشعر بالإزعاج إزاء مطالبتنا بتسديد المبلغ المتوجِّب علينا. وفي هذه الأثناء، لم يأت أحد ليطلب يدها. لذا فكان عليها أن تقبل بأول رجل طلب يدها لتضع حدا للحياة التي تعيشها. لم يمد لنا أحدٌ يوما يد العون".
   −
وتجدر الإشارة إلى أن الوقائع التي عاشتها نور مع والدها عادت وتكرَّرت في حياتها مع زوجها. فعندما كانت يافعة، كانت تشعر بخوف شديد من والدها عندما يعود غلى المنزل. وعندما تزوَّجت، باتت تعيش المشكلة نفسها مع زوجها؛ فما إن يفتح الباب حتى تشعر بخوف شديد، لا بل اسوأ من ذلك، فإنها تشعر دائما بأنها تختنق على كافة الأصعدة، حتى انها أحيانا تشعر أن حب بناتها يخنقها.
+
وتجدر الإشارة إلى أن الوقائع التي عاشتها نور مع والدها عادت وتكرَّرت في حياتها مع زوجها. فعندما كانت يافعة، كانت تشعر بخوف شديد من والدها عندما يعود إلى المنزل. وعندما تزوَّجت، باتت تعيش المشكلة نفسها مع زوجها؛ فما إن يفتح الباب حتى تشعر بخوف شديد، لا بل اسوأ من ذلك، فإنها تشعر دائما بأنها تختنق على كافة الأصعدة، حتى انها أحيانا تشعر أن حب بناتها يخنقها.
    
إلى ذلك، لا ترى نور نفسها كامرأة، بل إنها تشعر أنها امٌ تبذل كل ما في جهدها في سبيل حماية بناتها. كما أنها تشعر بالوحدة. فهي تواجه بمفردها خوفها، وعنف والدها:
 
إلى ذلك، لا ترى نور نفسها كامرأة، بل إنها تشعر أنها امٌ تبذل كل ما في جهدها في سبيل حماية بناتها. كما أنها تشعر بالوحدة. فهي تواجه بمفردها خوفها، وعنف والدها:
سطر 84: سطر 84:       −
== استنساخ أنماط العنف ==  
+
== '''استنساخ أنماط العنف ''' ==  
    
تعي نور أنها تعمل في خلال تعاملها مع أولادها على استنساخ النمط الأسري. فهي متطلبة مع ابنتها البكر، وتلقي على كاهلها الكثير من المسؤوليات، تماما كما كانت تفعل والدتها معها. كما أنها تعِّول عليها لمساعدتها وتشاطر الأعمال المنزلية معها.
 
تعي نور أنها تعمل في خلال تعاملها مع أولادها على استنساخ النمط الأسري. فهي متطلبة مع ابنتها البكر، وتلقي على كاهلها الكثير من المسؤوليات، تماما كما كانت تفعل والدتها معها. كما أنها تعِّول عليها لمساعدتها وتشاطر الأعمال المنزلية معها.
سطر 121: سطر 121:       −
== لائحة المراجع باللغات الأصلية==
+
== ''' المراجع والمصادر '''==
 +
 
 +
[1] جان فرنسوا لايه، نوما مورارد، "التحقيق، والمحقِّق، والإدراك الحسي"، في جان فرنسوا لايه، نوما مورارد (إشراف)، روايات  الشقاء، باريس، ديكارت وشركاؤه، 1995، ص. 167-180.
 +
 
 +
[2]  فانسان دو غولوجاك، مصادر العار، باريس، ديكلي دو بروير، 1996.
 +
 
 +
[3] حالات العنف وسوء الإساءة هي على صورة  مختلف وجوه السلطة. العنف الإقتصادي (الفقر، البؤس، الإستغلال، البطالة...)، والعنف الإجتماعي (فقدان حقوق، عدم مساواة...)، والعنف الرمزي (وصمة، إلغاء، إقصاء وتجريد من صفة...)، والعنف الجسدي (سوء المعاملة، التعذيب)، والعنف النفسي (الإحساس بالدونية وخَفْض القيمة، الرفض، تنقيص...)، المرجع نفسه.
 +
 
 +
[4] إيزابيل تابوادا-ليونيتي، "الإستراتيجيات الخاصة ببناء هوية والأقليات: من وجهة نظر عالم الإجتماع"، في كاميل كاميليري (إشراف)، الإستراتيجيات الخاصة ببناء هوية، باريس، دور نشر جامعات فرنسا، 1990، ص. 45-83
 +
 
 +
[5] المرجع نفسه
 +
 
 +
[6] لمزيد من المعلومات حول وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، راجع: سُهيل الناطور، أوضاع الشعب الفلسطيني في لبنان، بيروت، دار التقدم العربي، 1993.
 +
 
 +
[7] جاكلين باروس ميشال، "تبدُّل الإدراك ونَقل حالات الإسناد"، في جاكلين باروس ميشال ، فلوران غيست-ديبريري (إشراف)، الساحى الإجتماعية: أزمة، تبدُّل، وبروز، باريس، دار نشر إيسكا، المجلد 4، العدد 9، 1998، ص 77-89.
 +
 
 +
[8] فانسان دو غولوجاك، مرجع سابق، 1996.
 +
 
 +
[9] المقابلة الثانية، 9 شباط/فبراير 2011، طرابلس-لبنان.
 +
 
 +
 
 +
== ''' لائحة المراجع باللغات الأصلية '''==
 +
 
 +
* Michel Agier, « La Force du témoignage. Formes, contextes et auteurs de récits de réfugiés », dans Marc Le Pape, Johanna Siméant, Claudine Vidal (eds.), Face aux crises extrêmes: intervenir et représenter, Paris, La Découverte, 2006, p.151-168.
 +
 
 +
* Souheil Al-Natour, Les Palestiniens du Liban : La situation sociale, économique et juridique, (traduit par Donadieu, L.), Beyrouth, Dar el taqadom al arabi, 1993.
 +
 
 +
* Jacqueline Barus-Michel, « Avatars du sens et déplacement des références », dans Jacqueline Barus-Michel, Florence Giust-Desprairies (eds.), Scène sociale: crise, mutation, émergence. Paris, ESKA, vol. 4, n° 9, 1998, p. 77- 89.
 +
 
 +
* Vincent de Gaulejac, Les sources de la honte, Paris, Desclée de Brouwer, 1996.
 +
 
 +
* Jean-François Laé, Numa Murard, « L'enquête, l'enquêteur et la perception », dans Jean-François Laé et Numa Murard (eds.), Les récits du malheur, Paris, Descartes et Cie, 1995, p. 167-180.
 +
 
 +
* Isabelle Taboada-Léonetti, Stratégies identitaires et minorités: le point de vue du sociologue, dans Camel Camilleri (eds.), Stratégies identitaires, Paris, PUF, 1990, p. 45-83.
2٬800

تعديل

قائمة التصفح