تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا يوجد ملخص تحرير
سطر 13: سطر 13:  
وربما يتجلى ذلك في الجملة التي انتشرت مؤخراً و صارت رد الفعل الطبيعي لدي سماع خبر عن اعتداء جنسي جديد: "هو ايه اللي وداها هناك؟". وقد صاحب هذا الخطاب الشعبي خطاب ثقافي  يبدو أكثر تقدمية وإن كان لا يختلف كثيرا في منطقه وفي مآلات تأويله المجتمعي عن الخطاب الأول والذي ركز على إحالة تلك الظاهرة للتفاوت الاجتماعي والطبقي في المجتمع وكأن الأمر يمكن تفسيره بانتشار أحزمة الفقر في القاهرة، وكأن الرجال الفقراء أو المحرومين هم فقط من [[تحرش جنسي | يتحرشون]] بالنساء اللاتي تم قصرهن هنا على نساء الطبقة الوسطى القاهريات تحديداً. والجدير بالذكر إن هذا الخطاب قد لاقى قبولاً لدى قطاعات عريضة من الطبقة الوسطي نفسها التي آثرت أن تتعامل مع الظاهرة بوصفها تجلياً آخر للانحطاط المجتمعي في مصر، وباعتبارها ناقوس خطر لما يمكن أن يقوم به الفقراء لو تركوا بلا رادع أمني قوي . ويشترك كلٌّ من الخطاب التبريري الشعبي والخطاب الأكثر تقدمية في أنهما يتجاهلان، وعن عمد، مدى انتشار تلك الظاهرة في مختلف محافظات مصر وتعدد أشكالها وتجلياتها وتعرض كافة النساء المصريات بمختلف خلفياتهن الاجتماعية والاقتصادية لها.فما يجري الآن هو تطبيع حقيقي مع ثقافة العنف الجنسي بصورة غير مسبوقة
 
وربما يتجلى ذلك في الجملة التي انتشرت مؤخراً و صارت رد الفعل الطبيعي لدي سماع خبر عن اعتداء جنسي جديد: "هو ايه اللي وداها هناك؟". وقد صاحب هذا الخطاب الشعبي خطاب ثقافي  يبدو أكثر تقدمية وإن كان لا يختلف كثيرا في منطقه وفي مآلات تأويله المجتمعي عن الخطاب الأول والذي ركز على إحالة تلك الظاهرة للتفاوت الاجتماعي والطبقي في المجتمع وكأن الأمر يمكن تفسيره بانتشار أحزمة الفقر في القاهرة، وكأن الرجال الفقراء أو المحرومين هم فقط من [[تحرش جنسي | يتحرشون]] بالنساء اللاتي تم قصرهن هنا على نساء الطبقة الوسطى القاهريات تحديداً. والجدير بالذكر إن هذا الخطاب قد لاقى قبولاً لدى قطاعات عريضة من الطبقة الوسطي نفسها التي آثرت أن تتعامل مع الظاهرة بوصفها تجلياً آخر للانحطاط المجتمعي في مصر، وباعتبارها ناقوس خطر لما يمكن أن يقوم به الفقراء لو تركوا بلا رادع أمني قوي . ويشترك كلٌّ من الخطاب التبريري الشعبي والخطاب الأكثر تقدمية في أنهما يتجاهلان، وعن عمد، مدى انتشار تلك الظاهرة في مختلف محافظات مصر وتعدد أشكالها وتجلياتها وتعرض كافة النساء المصريات بمختلف خلفياتهن الاجتماعية والاقتصادية لها.فما يجري الآن هو تطبيع حقيقي مع ثقافة العنف الجنسي بصورة غير مسبوقة
   −
تنقسم هذه المقالة إلى قسمين رئيسيين: يتناول القسم الأول معنى العنف الجنسي وتجلياته في الواقع المصري وأبرز المحطات في تشكيل ما نُطلق عليه "[[ثقافة العنف الجنسي]]". نحاول في هذا الجزء تتتبع جذور تلك الثقافة من خلال رصد ثلاث علاقات جدلية أساسية: العلاقة بين العنف المجتمعي والعنف المؤسسي، أي ذلك التي تتورط فيه الدولة، علاقة [[مجال خاص | المجال الخاص]] [[مجال عام | بالمجال العام]] والتأثير المتبادل بينهما، وأخيراً تأصيل منطق الحماية كغطاء لانعدام المساءلة المجتمعية لتلك الظاهرة وكيف تترجم الحماية في الواقع إلى وسيلة للتحصين الاجتماعي والقانوني لمرتكبي جرائم العنف الجنسي.
+
تنقسم هذه المقالة إلى قسمين رئيسيين: يتناول القسم الأول معنى العنف الجنسي وتجلياته في الواقع المصري وأبرز المحطات في تشكيل ما نُطلق عليه "[[ثقافة العنف الجنسي]]". نحاول في هذا الجزء تتتبع جذور تلك الثقافة من خلال رصد ثلاث علاقات جدلية أساسية: العلاقة بين العنف المجتمعي والعنف المؤسسي، أي ذلك التي تتورط فيه الدولة، علاقة [[مجال خاص | المجال الخاص]] [[مجال عام | بالمجال العام]] والتأثير المتبادل بينهما، وأخيراً تأصيل منطق الحماية كغطاء لانعدام المساءلة المجتمعية لتلك الظاهرة وكيف تترجم الحماية في الواقع إلى وسيلة للتحصين الاجتماعي والقانوني لمرتكبي جرائم العنف الجنسي.
    
ويتناول القسم الثاني من المقالة الجهود المختلفة لمقاومة تلك الظاهرة والتي باتت تشكل حركة اجتماعية مستقلة قوامها المئات بل الآلاف من الشابات والشبان الذين اختاروا التصدي لتلك الظاهرة بأساليب وأدوات شديدة التنوع. ونختتم المقال بطرح إشكاليتين نقديتين تتعلقان بمستقبل هذا الحراك. تناقش الإشكالية الأولى طبيعة تلك الحركة كجزء من الخطاب والحراك الثوريين: هل هي جزء من حراك ثوري أشمل أم أنها حركة نسوية منبتة الصلة بالثورة ولها أهدافها المحددة؟ الإشكالية الثانية تتعلق بقدرة تلك الحركة على النمو والاستمرارية في ظل طبيعة التدخلات والمهام التي تقوم بها، وفي إطار العلاقات بين الأطراف المكونة لها نفسها من حركات وتنظيمات مستقلة ومنظمات مجتمع مدني. ينتهي المقال ببعض الاستنتاجات حول مستقبل تلك الحركة وإمكانيات البناء عليها في المستقبل.
 
ويتناول القسم الثاني من المقالة الجهود المختلفة لمقاومة تلك الظاهرة والتي باتت تشكل حركة اجتماعية مستقلة قوامها المئات بل الآلاف من الشابات والشبان الذين اختاروا التصدي لتلك الظاهرة بأساليب وأدوات شديدة التنوع. ونختتم المقال بطرح إشكاليتين نقديتين تتعلقان بمستقبل هذا الحراك. تناقش الإشكالية الأولى طبيعة تلك الحركة كجزء من الخطاب والحراك الثوريين: هل هي جزء من حراك ثوري أشمل أم أنها حركة نسوية منبتة الصلة بالثورة ولها أهدافها المحددة؟ الإشكالية الثانية تتعلق بقدرة تلك الحركة على النمو والاستمرارية في ظل طبيعة التدخلات والمهام التي تقوم بها، وفي إطار العلاقات بين الأطراف المكونة لها نفسها من حركات وتنظيمات مستقلة ومنظمات مجتمع مدني. ينتهي المقال ببعض الاستنتاجات حول مستقبل تلك الحركة وإمكانيات البناء عليها في المستقبل.
سطر 24: سطر 24:  
  بالاغتصاب]] والاغتصاب الجماعي وحتي القتل كذلك.  فقد شهد عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٣ سقوط أول قتيلتين للعنف الجنسي في مصر وهما [[قضية شهيدة التحرش بأسيوط | إيمان مصطفى من أسيوط]] و[[حادثة قتل شروق التربي من الغربية | شروق التربي من الغربية]]، واللتين قتلتا نتيجة لمقاومتهما للتحرش، الأولى برصاص المتحرش والثانية دهساً بعربة متحرشها الذي لاذ بالفرار.
 
  بالاغتصاب]] والاغتصاب الجماعي وحتي القتل كذلك.  فقد شهد عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٣ سقوط أول قتيلتين للعنف الجنسي في مصر وهما [[قضية شهيدة التحرش بأسيوط | إيمان مصطفى من أسيوط]] و[[حادثة قتل شروق التربي من الغربية | شروق التربي من الغربية]]، واللتين قتلتا نتيجة لمقاومتهما للتحرش، الأولى برصاص المتحرش والثانية دهساً بعربة متحرشها الذي لاذ بالفرار.
   −
هل نستطيع إذن البحث في أسباب تفشي ظاهرة العنف الجنسي في مصر بهذا الشكل الجنوني؟ ربما كان الأسلم والأكثر وجاهة هو سرد أكثر التفسيرات شيوعاً و محاولة إثباتها أو نفيها. هل يرتبط العنف الجنسي فقط بالقاهرة والمناطق الحضرية الكبري وبالتالي يمكن تفسيره في إطار ارتفاع معدلات الجريمة عموماً في المدن الكبري؟ الإجابة قطعاً بلا لأن المسوح والشواهد تؤكد انتشار [[عنف ضد المرأة | العنف ضد النساء]] في كافة أنحاء مصر. يكفي أن أول جريمتي قتل عمد في ملابسات محاولات للاعتداء الجنسي وقعتا خارج القاهرة، إلا أنه لا يمكننا كذلك التغاضي عن البعد المديني في جرائم العنف الجنسي، والذي يرتبط بشكل مباشر بانهيار البنية التحتية للمدن وازدحام المناطق الحضرية وعدم آدمية وسائل المواصلات العامة والخاصة والتي تؤثر بشكل أكبر على النساء.
+
هل نستطيع إذن البحث في أسباب تفشي ظاهرة العنف الجنسي في مصر بهذا الشكل الجنوني؟ ربما كان الأسلم والأكثر وجاهة هو سرد أكثر التفسيرات شيوعاً و محاولة إثباتها أو نفيها. هل يرتبط العنف الجنسي فقط بالقاهرة والمناطق الحضرية الكبري وبالتالي يمكن تفسيره في إطار ارتفاع معدلات الجريمة عموماً في المدن الكبري؟ الإجابة قطعاً بلا لأن المسوح والشواهد تؤكد انتشار [[عنف ضد المرأة | العنف ضد النساء]] في كافة أنحاء مصر. يكفي أن أول جريمتي قتل عمد في ملابسات محاولات للاعتداء الجنسي وقعتا خارج القاهرة، إلا أنه لا يمكننا كذلك التغاضي عن البعد المديني في جرائم العنف الجنسي، والذي يرتبط بشكل مباشر بانهيار البنية التحتية للمدن وازدحام المناطق الحضرية وعدم آدمية وسائل المواصلات العامة والخاصة والتي تؤثر بشكل أكبر على النساء.
    
هل نحن بإزاء ظاهرة تنشط فقط في المناسبات السياسية الكبرى؟ الإجابة مرة أخرى هي ذلك أن العبء الأكبر لهذا العنف المجتمعي ينعكس في وقوع حوادث التحرش والاعتداء بشكل شبه يومي  لآلاف النساء في الشوارع وأماكن العمل والمواصلات وغيرها من الفضاءات العامة. ربما كان من المهم هنا أن نطالع جهود مؤسسة مثل [[خارطة التحرش]]، والتي تتيح للنساء وضع المواقع التي تعرضن فيها لاعتداء جنسي على خارطة افتراضية لنفهم مدى انتشار تلك الظاهرة على مستوى الجمهورية بأسرها. ولكن الاحتفالات والاحتجاجات السياسية الكبرى أصبحت مناسبات لعقاب النساء جنسياً بشكل جماعي.
 
هل نحن بإزاء ظاهرة تنشط فقط في المناسبات السياسية الكبرى؟ الإجابة مرة أخرى هي ذلك أن العبء الأكبر لهذا العنف المجتمعي ينعكس في وقوع حوادث التحرش والاعتداء بشكل شبه يومي  لآلاف النساء في الشوارع وأماكن العمل والمواصلات وغيرها من الفضاءات العامة. ربما كان من المهم هنا أن نطالع جهود مؤسسة مثل [[خارطة التحرش]]، والتي تتيح للنساء وضع المواقع التي تعرضن فيها لاعتداء جنسي على خارطة افتراضية لنفهم مدى انتشار تلك الظاهرة على مستوى الجمهورية بأسرها. ولكن الاحتفالات والاحتجاجات السياسية الكبرى أصبحت مناسبات لعقاب النساء جنسياً بشكل جماعي.
سطر 34: سطر 34:  
== من انتهاك الدولة لانتهاك المجتمع: أي إشارات ترسلها الدولة للمجتمع بشأن النساء؟ ==  
 
== من انتهاك الدولة لانتهاك المجتمع: أي إشارات ترسلها الدولة للمجتمع بشأن النساء؟ ==  
   −
يشكل عام 2005 نقطة فاصلة في تطور مسألة العنف الجنسي في مصر. فقد قامت الدولة حينها في حادثة شهيرة، عرفت لاحقاً [[حادثة الأربعاء الأسود بمصر سنة 2005 | بالأربعاء الأسود]]، بتأجير بعض "البلطجية" للاعتداء جنسياً على الصحفيات والناشطات المعترضات على التعديلات الدستورية. كانت مشاهد الصحفيات وملابسهن ممزقة في الشارع صادمة للغاية وغير اعتيادية في ذلك الوقت ومع ذلك لم يتعد رد الفعل وقفة رمزية بالشموع وبملابس سوداء لبعض النشطاء، بينما لم تثر هذه الحادثة حفيظة السواد الأعظم من الناس.
+
يشكل عام 2005 نقطة فاصلة في تطور مسألة العنف الجنسي في مصر. فقد قامت الدولة حينها في حادثة شهيرة، عرفت لاحقاً [[حادثة الأربعاء الأسود بمصر في مايو 2005 | بالأربعاء الأسود]]، بتأجير بعض "البلطجية" للاعتداء جنسياً على الصحفيات والناشطات المعترضات على التعديلات الدستورية. كانت مشاهد الصحفيات وملابسهن ممزقة في الشارع صادمة للغاية وغير اعتيادية في ذلك الوقت ومع ذلك لم يتعد رد الفعل وقفة رمزية بالشموع وبملابس سوداء لبعض النشطاء، بينما لم تثر هذه الحادثة حفيظة السواد الأعظم من الناس.
   −
ولم تتجاوز ردود الأفعال على ما حدث وقتها نطاق داوئر الناشطين السياسيين والحقوقين، وتعامل الجميع مع الحادثة باعتبارها جريمة سياسية تُضاف إلى جرائم نظام مبارك. لم يع أحد وقتها المعنى الكامل لانتهاك الناشطات جنسياً في قلب القاهرة، وفي وضح النهار أمام أعين الجميع. بل لم ينتبه الجميع بعد ذلك بعام واحد - و بالتحديد يوم الثاني والعشرين من أكتوبر عام 2006 الموافق أول أيام عيد الفطر- حين بدأت ولأول مرة، [[حوادث التحرش الجنسي الجماعية في عيد الفطر بمنطقة وسط البلد | حوادث التحرش الجنسي الجماعية بمنطقة وسط البلد]]، حين هاجمت مجموعات من الشباب النساء اللاتي أوقعهن حظهن العاثر في طريقهم وقاموا بجذبهنّ من ملابسهنّ والتعدي عليهنّ جنسياً. وقعت يومئذ الانتهاكات وسط تعتيم إعلامي شبه تام لم يكسره سوى نشر عدد من المدونين لصور وتفاصيل الحادث. وتم وقتها توجيه الاتهامات للمدونين بتشويه سمعة مصر وتلفيق الراويات، وأصدرت وزارة الداخلية بياناً تنكر فيه حدوث أي تحرش جماعي بالنساء.
+
ولم تتجاوز ردود الأفعال على ما حدث وقتها نطاق داوئر الناشطين السياسيين والحقوقين، وتعامل الجميع مع الحادثة باعتبارها جريمة سياسية تُضاف إلى جرائم نظام مبارك. لم يع أحد وقتها المعنى الكامل لانتهاك الناشطات جنسياً في قلب القاهرة، وفي وضح النهار أمام أعين الجميع. بل لم ينتبه الجميع بعد ذلك بعام واحد - و بالتحديد يوم الثاني والعشرين من أكتوبر عام 2006 الموافق أول أيام عيد الفطر- حين بدأت ولأول مرة، [[حوادث التحرش الجنسي الجماعية في عيد الفطر بمصر سنة 2006 | حوادث التحرش الجنسي الجماعية بمنطقة وسط البلد]]، حين هاجمت مجموعات من الشباب النساء اللاتي أوقعهن حظهن العاثر في طريقهم وقاموا بجذبهنّ من ملابسهنّ والتعدي عليهنّ جنسياً. وقعت يومئذ الانتهاكات وسط تعتيم إعلامي شبه تام لم يكسره سوى نشر عدد من المدونين لصور وتفاصيل الحادث. وتم وقتها توجيه الاتهامات للمدونين بتشويه سمعة مصر وتلفيق الراويات، وأصدرت وزارة الداخلية بياناً تنكر فيه حدوث أي تحرش جماعي بالنساء.
    
استمرت الظاهرة بعد ذلك في التصاعد، فقد شهدت السنوات التي تلت هذه الحادثة معدلات مرتفعة من التحرش اللفظي والجسدي بالنساء في الشوارع وأماكن العمل والمواصلات العامة بشكل يومي. وكان الجديد في هذه الحوادث ليس فقط الإنكار المجتمعي وإنما التواطؤ أيضا. فإذا تجرأت إحدى النساء على الاعتراض على المتحرش في أتوبيس نقل عام أو في الشارع، ستجد الجميع يشيح بوجهه، أو يطالبها بالصمت حتى لا تتسبب لنفسها بفضيحة. هذا التعامي عن المستويات الوبائية للتحرش بلغ ذروته في أيام عيد الأضحى في عام 2009 حين نشرت الصحف اليومية صوراً لعصابات صغيرة من الفتيان يقومون بتطويق عدد من الفتيات ويحاولون التحرش بهن ونزع ملابسهن في حي المهندسين. وقد اضطرت وزارة الداخلية يومها أن تجري تحقيقاً أسفر عن تقديم عدد من المتهمين للمحاكمة. في الوقت  نفسه، اعتبرت عدد من المنظمات النسوية هذه الحوادث ناقوسَ خطر حقيقياً، وكتبت العديد من الناشطات عن خطورة ظاهرة "استقواء الرجال ببعضهم البعض". إلا أن التجاهل المؤسساتي والإعلامي استمر وأسهم بالطبع في تفاقم حالة الخزي والعار عند الفتيات والنساء اللاتي يتم التحرش بهن. واستمر الوضع في التفاقم حتى وصلنا لمرحلة اغتصاب النساء في قلب ميدان التحرير نفسه، وهو رمز الثورة المصرية، في ثلاثة حوادث متفرقة: نوفمبر 2012 و يناير 2013 و أخيراً، يونيه ويوليو2013.
 
استمرت الظاهرة بعد ذلك في التصاعد، فقد شهدت السنوات التي تلت هذه الحادثة معدلات مرتفعة من التحرش اللفظي والجسدي بالنساء في الشوارع وأماكن العمل والمواصلات العامة بشكل يومي. وكان الجديد في هذه الحوادث ليس فقط الإنكار المجتمعي وإنما التواطؤ أيضا. فإذا تجرأت إحدى النساء على الاعتراض على المتحرش في أتوبيس نقل عام أو في الشارع، ستجد الجميع يشيح بوجهه، أو يطالبها بالصمت حتى لا تتسبب لنفسها بفضيحة. هذا التعامي عن المستويات الوبائية للتحرش بلغ ذروته في أيام عيد الأضحى في عام 2009 حين نشرت الصحف اليومية صوراً لعصابات صغيرة من الفتيان يقومون بتطويق عدد من الفتيات ويحاولون التحرش بهن ونزع ملابسهن في حي المهندسين. وقد اضطرت وزارة الداخلية يومها أن تجري تحقيقاً أسفر عن تقديم عدد من المتهمين للمحاكمة. في الوقت  نفسه، اعتبرت عدد من المنظمات النسوية هذه الحوادث ناقوسَ خطر حقيقياً، وكتبت العديد من الناشطات عن خطورة ظاهرة "استقواء الرجال ببعضهم البعض". إلا أن التجاهل المؤسساتي والإعلامي استمر وأسهم بالطبع في تفاقم حالة الخزي والعار عند الفتيات والنساء اللاتي يتم التحرش بهن. واستمر الوضع في التفاقم حتى وصلنا لمرحلة اغتصاب النساء في قلب ميدان التحرير نفسه، وهو رمز الثورة المصرية، في ثلاثة حوادث متفرقة: نوفمبر 2012 و يناير 2013 و أخيراً، يونيه ويوليو2013.
سطر 55: سطر 55:  
إن الصلات بين كل من المجال العام والمجال الخاص تحتاج لمقالة مستقلة لما لهذا الموضوع من أهمية شديدة ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن تأثير المجال الخاص على المجال العام يزداد عند توفر شرطين أساسيين:  كلما ضعفت قوة الدولة في مقابل المجتمع - وبالتالي أصبح من السهل أن تتغلغل قيم المجتمع في ممارسات الدولة-  وأيضاً كلما اختفى المجال العام بالمعني الحداثي الكلاسيكي والذي يمثل نقطة لقاء للمواطنين والمواطنات  كشخصيات اعتبارية وليس كمكان لقاء للرجال والنساء ككائنات بيولوجية أو كصياد وفريسة. ونظراً لضعف الدولة في مصر، وكون المجال العام، بالمعني المذكور أعلاه، لا يزال قيد التشكّل، ومجالاً رئيسياً للصراع السياسي منذ 25 يناير 2011، فمن الطبيعي أن نرى ملامح كثيرة من المجال الخاص في المجال العام، تتراءى كأشباح خافتة  لتذكرنا بأن سؤال الحداثة في المجتمع بشكل عام، وفي علاقته بالنساء بشكل خاص، لا يزال حاضراً بشدة وغير محسوما بالمرة.
 
إن الصلات بين كل من المجال العام والمجال الخاص تحتاج لمقالة مستقلة لما لهذا الموضوع من أهمية شديدة ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن تأثير المجال الخاص على المجال العام يزداد عند توفر شرطين أساسيين:  كلما ضعفت قوة الدولة في مقابل المجتمع - وبالتالي أصبح من السهل أن تتغلغل قيم المجتمع في ممارسات الدولة-  وأيضاً كلما اختفى المجال العام بالمعني الحداثي الكلاسيكي والذي يمثل نقطة لقاء للمواطنين والمواطنات  كشخصيات اعتبارية وليس كمكان لقاء للرجال والنساء ككائنات بيولوجية أو كصياد وفريسة. ونظراً لضعف الدولة في مصر، وكون المجال العام، بالمعني المذكور أعلاه، لا يزال قيد التشكّل، ومجالاً رئيسياً للصراع السياسي منذ 25 يناير 2011، فمن الطبيعي أن نرى ملامح كثيرة من المجال الخاص في المجال العام، تتراءى كأشباح خافتة  لتذكرنا بأن سؤال الحداثة في المجتمع بشكل عام، وفي علاقته بالنساء بشكل خاص، لا يزال حاضراً بشدة وغير محسوما بالمرة.
   −
(اضغط/ي هنا لقراءة الجزء الثاني من المقال)
+
([https://genderation.xyz/wiki/مصدر:استباحة_النساء_في_المجال_العام_2 اضغط/ي هنا] لقراءة الجزء الثاني من المقال)
    
[[تصنيف:مقالات]]
 
[[تصنيف:مقالات]]
[[تصنيف:عنف ضد المرأة]]
   
[[تصنيف:عنف جنسي]]
 
[[تصنيف:عنف جنسي]]
7٬899

تعديل

قائمة التصفح