وثيقة:شهادات عابرات جنسيا عن السجون المصرية ما الذي يتعرضن له وراء القضبان؟
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | إيمان منير |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | رصيف22 |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://raseef22.com/article/188190- شهادات-عابرات-جنسياً-عن-السجون-المصري
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | http://archive.is/i0TVz
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها رصيف22
في صباح السادس من مارس، تصدّر مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #ملك_الكاشف_ فين، بحثاً عن الشابة العابرة جنسياً والناشطة والمدافعة عن الحريات وحقوق الأقليات الجنسية في مصر، ملك الكاشف. وفقاً للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، كانت ملك في زيارة لإحدى صديقاتها يوم الخامس من مارس، وفي فجر اليوم التالي تلقت اتصالاً هاتفياً من والدتها طلبت منها فيه الحضور إلى المنزل بسرعة، لأنها مريضة، وفور وصول ملك إلى منزلها، اكتشفت أن الأمر مُجرّد "كمين" قام بإعداده ضُباط شرطة للإيقاع بها. ظل الهاشتاغ مُتصدّراً مواقع التواصل الاجتماعي لساعات طويلة، بسبب عدم معرفة مكان ملك وظروف احتجازها، وفي مساء السابع من مارس، جرى عرضها على نيابة أمن الدولة، والتحقيق معها في القضية رقم 1739 حصر أمن دولة. وُجّهت إليها عدة اتهامات منها: الانضمام إلى جماعة إرهابية، واستخدام حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي لارتكاب جريمة بهدف الإخلال بالنظام العام، وذلك إثر تعبيرها عن رأيها على صفحتها الشخصية حول حادثة قطار محطة مصر ودعوتها للتظاهر في الأول من مارس. ملك، الفتاة ذات الـ18 ربيعاً والتي قصّت سابقاً بالتفصيل لرصيف22 حكاية عبورها الجنسي الشديدة القسوة قد تكون من أوائل العابرين جنسياً المُعتقَلين على ذمة قضايا سياسية في مصر.
ولكن وفقاً للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، جرى القبض على ما يصل إلى 232 شخصاً من الأقليات الجنسية، سواء أكانوا مثليين أو عابرين جنسياً، بين عامي 2013 و2017، ووُجّهت إليهم تهمٌ مثل: ممارسة الفجور والتحريض على الفجور عبر الإنترنت.
اعتقال ملك الكاشف أثار الكثير من المخاوف حول وضعها في السجون المصرية. فهل ستوضع في سجن الرجال أم النساء؟ هي التي تحمل هوية قانونية باسم عبد الرحمن، على الرغم من قيامها بعملية العبور الجنسي، وهو الوضع الذي يُعاني منه كثيرون من العابرين/ات جنسياً في مصر لعدم استطاعتهم تغيير جنسهم في الأوراق الرسمية.
ويتحدث المحامي والحقوقي علي الحلواني لرصيف22 عن الانتهاكات التي يعاني منها العابرون جنسياً في السجون المصرية، ويؤكد أن أبرز أسباب ذلك هو الفراغ التشريعي وعدم وجود نص عن وضع حبسهم داخل الأقسام أو السجون أو أماكن احتجازهم أثناء جلسات التجديد أو المحاكمة، بالإضافة إلى تعرّضهم أحياناً إلى الأذى النفسي والبدني.
ويؤكد أن السبب وراء تعرّضهم باستمرار للاعتقال هو عدم حملهم أيّة أوراق رسمية طبية، وذلك بسبب طول الفترة التي يتطلبها استخراج التقرير الطبي الخاص بحالتهم. بعد فترة وجيزة من هذا الجدل، جرى الإعلان أن ملك وُضعت في حبس انفرادي، فهدأت قليلاً المخاوف التي لم تأتِ من فراغ، وتؤكد مشروعيتها شهادات ثلاث عابرات جنسياً تعرّضن للاعتقال من قَبْل وتحدثن عما حصل معهنّ لرصيف22.
قصة دينا... "أهلك سايبينك كدا إزاي؟"
في الأول من مايو 2018، كانت دينا أحمد (21 عاماً) عائدة من محافظة الشرقية وتحديداً من مدينة الزقازيق، بعد زيارة أصدقائها، وبمجرد وصولها إلى محطة السيارات في "رمسيس"، تفاجأت بشخصين يطلبان منها إبراز هويتها (بطاقة الرقم القومي)، وعندما أجابتهم بأنها تركتها في المنزل، قاما بأخذها إلى سيارة الشرطة حيث بقيت حوالي ساعة قبل نقلها إلى قسم الشرطة. كانت دينا تعتقد أن الأمر سهل، وخصوصاً أنه لم يسبق لها التورّط بأيّة قضايا، كما أن المُخبريْن أبلغاها بأن الأمر بسيط وسيأخذانها إلى قسم الشرطة لتسجيل محضر بحقها لأنها لا تحمل بطاقتها الشخصية.
ولكن بمجرد دخولها إلى قسم الشرطة، اختبرت العكس. اكتشفت أن السبب الحقيقي وراء القبض عليها هو شكلها "الغريب" الذي لم يساعد المخبرين على تحديد ما إذا كانت أنثى أم ذكراً. حاولت دينا الإجابة على كل أسئلتهم وتهكمهم بالتقرير الطبي الذي يشرح حالتها، ولكن كان رد فعلهم هو تمزيقه، بالإضافة إلى ضربها والبصق في وجهها وتوجيه عبارات لها مثل: "أنت ولد ولا بنت؟"، "أنت شاذ"، "أهلك سايبينك كدا إزاي؟".
بعد التحقيق معها، تفاجأت بتوجيه اتهامات لها لم تحدث من الأساس، مثل ممارسة الفجور في مكان عام، والتحريض على الفسق وممارسة الشذوذ مع الرجال، وحُبسَت لمدة 18 يوماً. تتذكر دينا أحمد بداية وعيها بأعراض اضطراب الهوية الجندرية والتي بدأت منذ بلوغها سن الخمس سنوات، الفترة التي يبدأ فيها الطفل بالتعرّف على وجود جنس مُغاير له. كانت، على الرغم من حملها لعضو ذكري، ترتدي ملابس أخواتها، وتضع مساحيق التجميل، وتلعب بالدمى الخاصة بهنّ. وفي سن الـ12 عاماً، أعجبت دينا بولد في سنّها، الأمر الذي جعلها تتساءل: "ما جنسي؟ هل أنا ذكر أم أنثى؟ هل مُباح لي الارتباط بولد وأنا أحمل عضواً ذكرياً؟".
ظل هذا التساؤل يدور كثيراً في بالها، ولكنها لم تجد إجابة مُحدَّدة له. بالصدفة، في سن الـ14، كانت تُشاهد برنامجاً تلفزيونياً يُناقش قضية العابرين جنسياً، وكان في الحلقة أكثر من عابر جنسياً يقصّون حكاياتهم والأعراض التي مرّوا بها ورحلة علاجهم في مستشفى الحسين الجامعي. وجدت أن تلك الأعراض كلها مُشابهة لحالتها، ومن ذلك الوقت اكتشفت أنها تعاني مما يُسمّى بـ"اضطراب الهوية الجنسية". وبالفعل حصلت على تقرير من مستشفى الحسين يُشخص حالتها، وبدأت في العلاج الهرموني.
بعد مرور سبعة أشهر من القبض عليها في المرة الأولى، وتحديداً في 22 ديسمبر 2018، كانت دينا برفقة صديقتها جالستين في أحد المقاهي في القاهرة، تتسامران وتلتقطان الصور، فتقدّم منهما شخص غريب طالبهما بإبراز بطاقتي الرقم القومي الخاصة بهما، وعندما وجد في خانة الجنس ذكر، ولكن مظهرها الخارجي أنثى، قام بأخذهما إلى قسم الشرطة. فور دخولها إلى القسم، استعادت ذاكرة دينا كل ما حدث معها في المرة الأولى. تروي: "كنت حاسة إني في فيلم، والفيلم بيتعاد قدّام عينيا من تاني، عارفة تفاصيله واللي هيحصل فيه". كل ما حدث في المرة الأولى تكرر ثانيةً. لم تستطع تبرير مظهرها لعناصر الشرطة، لأن التقرير الطبي تم تمزيقه. وُجّهت إليها تهمة ممارسة الفجور، مع أنها كانت جالسة مع صديقتها في مقهى عام. تسرد دينا تفاصيل احتجازها لدى الشرطة المصرية وتقول: "في المرة الأولى قام أحد أمناء الشرطة بقص شعري، وحاول أحد الضباط لمس صدري، وعندما اعترضت على طريقة التعامل قام بضربي على وجهي، وحجزني في سجن الرجال".
وتضيف: "في البداية كان الوضع صعباً جداً في السجن الخاص بالرجال. كان شكلي الخارجي مُثيراً لهم، ما جعلهم يحاولون لمس أعضائي، ولكن عندما تحدثت معهم عن مشكلتي الطبية، بدأوا في الابتعاد عني ومراعاة ظروفي، ولكن أمناء الشرطة لم يتركوني بحالي، فكان واحد منهم مهمته الدخول يومياً إلى الحجز وضربي على وجهي". في المرة الثانية كانت الأمور أكثر صعوبة على دينا، لأن أحد المُعتقَلين حاول التحرش بها والاعتداء عليها، ورغم كل محاولاتها لصده، إلا أنه أصرّ على التمادي، فقامت برفع صوتها حتى يُنجدها أمناء الشرطة، فحضر أحدهم وكان ردّه: "سيبوه مع الرجالة يمكن يتعلم الرجولة". وبعد تدخل المحامي الخاص بها، قاموا بوضعها في حبس انفرادي. قضية دينا الثانية لم تنتهِ حتى الآن، فبعد حصولها على البراءة، قامت النيابة بالاستئناف، وتم تحديد جلسة ولكنها لم تحضرها وحُكم عليها بسنة غيابياً.
قصة وسام... "فقط أريد ألا يُلحق أحد الأذى بي"
بدأت مُعاناة وسام (20 عاماً) بعد اعترافها لأهلها بأنها مُصابة باضطراب الهوية الجنسية، وتريد إجراء عملية لتغيير جنسها في أحد المُستشفيات الخاصة لأن الإجراءات الحكومية أصبحت أصعب في تلك الفترة. ردّت عائلتها عليها باحتجازها في مصحة نفسية، لم تجد فيها إلا العنف والإهانة من الأطباء المُعالجين لها، قبل أن تتمكّن من الهرب، بعد انقضاء ستة أشهر هناك، وتلجأ إلى إحدى صديقاتها من العابرات جنسياً للعيش معها. وبعد فترة، تفاجأت وسام بمداهمة الشرطة لمنزل صديقتها، واتهامهما بالعمل في الدعارة.
احتُجزت في قسم الشرطة، وعُرضت على النيابة في اليوم التالي وأثناء الاستجواب وكتابة المحضر، قصت وسام على الضابط ووكيل النيابة قصتها مع أهلها وقصة لجوئها إلى صديقتها بسببهم، وروت لهم أنها تعاني من اضطراب الهوية الجنسية، وأكدت لهم أنها ما زالت في مرحلة العلاج النفسي، فأُمر بحبسها 45 يوماً على ذمة التحقيقات، ووضعها في حجز الرجال.
تحكي وسام تفاصيل الـ45 يوماً وتقول لرصيف22: "حجز الرجال كان عبارة عن حجرة صغيرة جداً، من أول ما وضعت قدمي بها شعرت بالرطوبة في جسمي كله. الحجرة رغم أنها صغيرة جداً، إلا أنه كان فيها 52 رجلاً، كلهم ينامون بجانب بعضهم". اضطرت وسام للكذب على المساجين في الحجز. أخبرتهم أن قضيتها سرقة وليس فجور ودعارة كما كُتب في المحضر الخاص بها، حتى لا يتعرّض لها أحد. ولكن خطتها لم تنجح. فوسام برز لها ثديان بسبب هرمون الأستروجين الذي كانت قد بدأت تتناوله في مرحلة علاجها، ما جعلها تصبح فريسة للمحتجَزين في السجن.
حاول أحدهم الاعتداء عليها ولمس ثدييها وعندما قامت برفع صوتها مستنجدة بأمناء الشرطة، قاموا بإسكاتها وقال المحتجزون لهم: "شاهَدَت صرصاراً". أثناء الحبس، قام أهلها بتعيين محامٍ خاص لها، وبعد انقضاء الـ45 يوماً، خرجت وسام من السجن وعادت إلى العيش مع أهلها مرة أخرى. الآن، تقوم بإخفاء هويتها الأنثوية وترتدي ملابس سوداء واسعة حتى لا تظهر معالمها الأنثوية. تحلم وسام بالهجرة من مصر والذهاب إلى بلد آخر يتقبل حالتها الجندرية، وتقول: "لا بأس أن أكون وحيدة أو لا يحبني أحد. فقط أريد ألا يلحق أحد الأذى بي".
قصة شيري... "انت طري كدا ليه؟"
قصة شيري لا تختلف كثيراً عن قصتي دينا ووسام، فالأعراض متشابهة وواحدة. قد تكون كل منهنّ قد قادها القدر بشكل مختلف للتعرّف على حالتها، ولكن في النهاية اكتشفن أنهن يعانين من "اضطراب الهوية الجندرية". تبلغ شيري من العمر 21 عاماً، تدرس الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى،
وتعمل مغنية في إحدى الفرق. تعاني أشد المعاناة في هذا المجال بسبب صوتها ومشيتها الناعمة وجسدها الأنثوي وهويتها الذكورية. في الكثير من الحفلات يلغي المايسترو الـ"Solo" الخاص بها خوفاً على اسمه. حدث ذلك في حفل غنائي جرى في أكتوبر 2018، وحضرته وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم. أخبرها المايسترو بأن تجهّز نفسها لتغني منفردة، وعندما طلبت منه أن ترتدي ملابس أنثوية وشرحت له حالتها، رفض وقال لها: "لن أضحّي بسمعتي. إنْ أردتِ الغناء ارتدي ملابس ذكورية وقومي بإخفاء شعرك". كانت شيري الأكثر حظاً بين الفتيات الثلاث، لأنها وجدت مَن يشرح لها حالتها منذ البداية، ويضعها على الطريق السليم للعلاج من اضطراب الهوية الجنسية.
وبالفعل قامت بالمتابعة النفسية في مستشفى خاص بسبب صعوبة الإجراءات في المستشفيات الحكومية، وتم تشخيص حالتها وبدأت بالعلاج الهرموني. أيضاً، شيري الأكثر حظاً في تعامل الشرطة المصرية معها، فقد اعتُقلت مرة واحدة مع أصدقائها في أحداث تخص "محمد محمود"، لأنها لم تستطع الجري. أُلقي القبض عليها برفقة عدد من أصدقائها الثوار، ولكنها لم تُحتجز إلا لمدة أربع ساعات. تعرّضت للتنمّر خلال تلك المدة من قبل أمناء الشرطة والضباط. سمعت جملاً مثل "أنت واد ولا بنت"، و"أنت طري كدا ليه"، ولكنها كانت مُحتمية بأصدقائها المحتجَزين معها، لذلك لم يستطع أحد التمادي معها.
يؤكد المحامي والحقوقي علي الحلواني، أن أبرز مطالب الحقوقيين بخصوص العابرين جنسياً تتمثل في: تسهيل الإجراءات لتمكينهم من تغيير بطاقاتهم الشخصية، وإصدار قانون ينظّم أوضاعهم داخل مقار الاحتجاز ويضمن معاملتهم بشكل آدمي، بالإضافة إلى إيجاد ضمانات كافية لعدم التعرّض لهم سواء نفسياً أو بدنياً. ويضيف أنه وفقاً للمادة الثانية من اتفاقية مناهضة التعذيب الدولية لعام 1984، وللمواد 51 و52 و53 و60 من الدستور المصري، فإن مصر مُلزمة بعدم التمييز ووقف العنف ضد الأقليات الجنسية.