تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قالب فرعي؛ نسخة أرشيفية؛ وصلات؛ حذف تصنيف يدوي زائد
سطر 9: سطر 9:  
|تاريخ الاسترجاع=2017-07-31
 
|تاريخ الاسترجاع=2017-07-31
 
|مسار الاسترجاع=https://www.ikhtyar.org/?page_id=20969
 
|مسار الاسترجاع=https://www.ikhtyar.org/?page_id=20969
|نسخة أرشيفية=
+
|نسخة أرشيفية=https://archive.fo/d6TOC
 
|هل ترجمة=نعم
 
|هل ترجمة=نعم
 
|مترجم=دانا علاونة
 
|مترجم=دانا علاونة
سطر 16: سطر 16:  
|النص الأصلي=
 
|النص الأصلي=
 
|ملاحظة=
 
|ملاحظة=
|قوالب فرعية=
+
|قوالب فرعية={{نص موجود في|نسويات قاتلات البهجة (بالإضافة إلى مواضيع قصدية أخرى).pdf}}
 
}}
 
}}
   −
سارة أحمد كاتبة وباحثة مستقلة وناشطة نسوية  إنجليزية- استرالية من أصول باكستانية، تعرف نفسها كنسوية قاتلة للبهجة، كتبت سياسات المشاعر”، “وعد السعادة”، “عيش حياة نسوية”، وتدون بأستمرار على مدونتها (نسوية تقتل البهجة).1
+
[[سارة أحمد]] كاتبة وباحثة مستقلة وناشطة نسوية  إنجليزية - استرالية من أصول باكستانية، تعرف نفسها كنسوية قاتلة للبهجة، كتبت سياسات المشاعر”، “وعد السعادة”، “عيش حياة نسوية”، وتدون بأستمرار على مدونتها (نسوية تقتل البهجة).1
       
ملحوظة عن هذه المقالة <ref>١. هذه الورقة مهداة لجميع النسويات قاتلات البهجة. أنتن تعرفن من أنتن!</ref>.
 
ملحوظة عن هذه المقالة <ref>١. هذه الورقة مهداة لجميع النسويات قاتلات البهجة. أنتن تعرفن من أنتن!</ref>.
   −
قد يكون من الصعب تذكر كيف أصبحتِ نسوية، وذلك لأنه من الصعب تذكر أي وقت لم تشعرين به بالنسوية. هل من الممكن أنكِ كنتِ نسوية دائما؟ هل من الممكن أنني كنت نسوية منذ البداية؟ يمكن أن تكون قصة نسوية هي بداية. ربما باستطاعتنا تفسير التعقيد في النسوية كمساحة للنشاط السياسي إن استطعنا شرح الكيفية التي تصبح فيها النسوية أداة للمشاعر، كشيء نستثمر فيه، كطريقة تربطنا بالعالم، وطريقة لتفسير كيفية ارتباطنا بالعالم. متى أصبحت “النسوية” كلمة لا تخاطبكِ أنتِ لوحدك بل تتحدث عنكِ، وتتحدث عن وجودكِ أو حتى أنها من جعلتكِ موجودة؟ وقع ذلك على السمع؛ وقع صوتك أنتِ؟ كيف نتجمع حين نلتف حول هذه الكلمة؛ أن نقف مع بعضنا البعض حين نتبنى هذه الكلمة؟ كيف كان معناها، وما معناها الآن؛ التمسك بالـ”نسوية” والمقاتلة تحت اسمها، أن تشعرين بتقلباتها، وبحضورها وغيابها، وبتقلباتكِ وحضوركِ وغيابكِ أنتِ شخصيا؟
+
قد يكون من الصعب تذكر كيف أصبحتِ [[نسوية]]، وذلك لأنه من الصعب تذكر أي وقت لم تشعرين به بالنسوية. هل من الممكن أنكِ كنتِ نسوية دائما؟ هل من الممكن أنني كنت نسوية منذ البداية؟ يمكن أن تكون قصة نسوية هي بداية. ربما باستطاعتنا تفسير التعقيد في النسوية كمساحة للنشاط السياسي إن استطعنا شرح الكيفية التي تصبح فيها النسوية أداة للمشاعر، كشيء نستثمر فيه، كطريقة تربطنا بالعالم، وطريقة لتفسير كيفية ارتباطنا بالعالم. متى أصبحت “النسوية” كلمة لا تخاطبكِ أنتِ لوحدك بل تتحدث عنكِ، وتتحدث عن وجودكِ أو حتى أنها من جعلتكِ موجودة؟ وقع ذلك على السمع؛ وقع صوتك أنتِ؟ كيف نتجمع حين نلتف حول هذه الكلمة؛ أن نقف مع بعضنا البعض حين نتبنى هذه الكلمة؟ كيف كان معناها، وما معناها الآن؛ التمسك بالـ”نسوية” والمقاتلة تحت اسمها، أن تشعرين بتقلباتها، وبحضورها وغيابها، وبتقلباتكِ وحضوركِ وغيابكِ أنتِ شخصيا؟
    
ما هي قصتي؟ نفس حالك، لدي العديد القصص. إحدى الطرق لسرد قصتي النسوية تبدأ بمائدة طعام تتجمع حولها العائلة. دائما نجلس في نفس المكان: أبي على إحدى أطراف المائدة، أنا على الطرف الآخر، أخواتي الاثنتين على إحدى الجوانب وأمي على الجانب الآخر. دائما نجلس بهذا الشكل، وكأننا نحاول تأمين أكثر من مكاننا فقط. أجل، إنها ذكريات الطفولة. ولكنها أيضا ذكريات تجارب يومية بكل معناها الحرفي؛ أي أنها تجربة تحصل كل يوم. حياة يومية مكثفة: أبي يلقي الأسئلة، أنا وأخواتي نجيب على تلك الأسئلة، وأمي صامتة معظم الوقت. متى تتحول الكثافة إلى توتر؟
 
ما هي قصتي؟ نفس حالك، لدي العديد القصص. إحدى الطرق لسرد قصتي النسوية تبدأ بمائدة طعام تتجمع حولها العائلة. دائما نجلس في نفس المكان: أبي على إحدى أطراف المائدة، أنا على الطرف الآخر، أخواتي الاثنتين على إحدى الجوانب وأمي على الجانب الآخر. دائما نجلس بهذا الشكل، وكأننا نحاول تأمين أكثر من مكاننا فقط. أجل، إنها ذكريات الطفولة. ولكنها أيضا ذكريات تجارب يومية بكل معناها الحرفي؛ أي أنها تجربة تحصل كل يوم. حياة يومية مكثفة: أبي يلقي الأسئلة، أنا وأخواتي نجيب على تلك الأسئلة، وأمي صامتة معظم الوقت. متى تتحول الكثافة إلى توتر؟
سطر 38: سطر 38:  
لا يمكنك دائما أن تغلقي الفجوة بين ما تشعرين به وما عليك أن تشعرين به. ويكمن خلف ذلك محيط كبير من الإمكانيات. هل ينبع النشاط السياسي من تلك الفجوة، وهل يقوم بفتحها وتوسيعها؟ إن عدم إغلاق الفجوة بين ما تشعرين به وما عليكِ أن تشعرين به، قد يبدأ بشعور خيبة الظن، أو يكون مصاحبا بذلك الشعور. قد يتضمن الشعور بالخيبة حكاية مقلقة من الشك بالنفس والتساؤل (لما لست سعيدة بما يحدث؟ ماذا بي؟) أو بحكاية من الغضب، حيث أن الشيء الذي “يفترض” أن يكون مصدر سعادة يوصف على أنه سبب خيبة الظن. قد توجهين غضبك ضده، أو قد يخرج غضبكِ على هؤلاء الذين وعدوكِ بالسعادة من خلال إظهار تلك الأشياء على أنها جيدة. وفي لحظات كتلك، نصبح غرباء، أو غرباء بمشاعرنا.
 
لا يمكنك دائما أن تغلقي الفجوة بين ما تشعرين به وما عليك أن تشعرين به. ويكمن خلف ذلك محيط كبير من الإمكانيات. هل ينبع النشاط السياسي من تلك الفجوة، وهل يقوم بفتحها وتوسيعها؟ إن عدم إغلاق الفجوة بين ما تشعرين به وما عليكِ أن تشعرين به، قد يبدأ بشعور خيبة الظن، أو يكون مصاحبا بذلك الشعور. قد يتضمن الشعور بالخيبة حكاية مقلقة من الشك بالنفس والتساؤل (لما لست سعيدة بما يحدث؟ ماذا بي؟) أو بحكاية من الغضب، حيث أن الشيء الذي “يفترض” أن يكون مصدر سعادة يوصف على أنه سبب خيبة الظن. قد توجهين غضبك ضده، أو قد يخرج غضبكِ على هؤلاء الذين وعدوكِ بالسعادة من خلال إظهار تلك الأشياء على أنها جيدة. وفي لحظات كتلك، نصبح غرباء، أو غرباء بمشاعرنا.
   −
غرباء المشاعر هم من يشعورون بأحاسيس غريبة. ويتم عزلك عن مائدة السعادة. ما الذي يحدث حين تخسرين مقعدك؟ يدور النشاط السياسي -في حالات كثيرة- حول المقاعد. فكلمة “dissidence” (انشقاق) باللغة الإنجليزية مشتقة من اللاتينية؛ والشق الأول في اللاتينية “dis” معناه “بعيدا عن”؛ والشق الثاني “sedere” معناه “الجلوس”. فالمنشق هو الشخص الذي يجلس منعزلا عن الآخرين. أو أنه الشخص الذي سيتم إبعاده عن المائدة بأن يأخذ مكانا على تلك المائدة: إن مكانك على المائدة هو موقع الصراع. في الظاهرة الكويرية (أحرار الجنس) كنت مهووسة جدا بالمائدات ولم أنتبه لكويرية المقعد. لكنني اقترحت وقتها أننا لو بدأنا بذلك الجسم الذي يفقد مقعده، فإن العالم الذي نتكلم عنه سيصبح شيئا مختلفا تماما.<ref> سارة أحمد، الظاهرة الكويرية (أحرار الجنس): توجهات، وأجسام، والآخرون (Queer Phenomenology: Orientations, Objects, Others). (دورهام، كارولينا الشمالية: دار نشر جامعة ديوك، ٢٠٠٦)، ١٣٨.</ref>
+
غرباء المشاعر هم من يشعورون بأحاسيس غريبة. ويتم عزلك عن مائدة السعادة. ما الذي يحدث حين تخسرين مقعدك؟ يدور النشاط السياسي -في حالات كثيرة- حول المقاعد. فكلمة “dissidence” (انشقاق) باللغة الإنجليزية مشتقة من اللاتينية؛ والشق الأول في اللاتينية “dis” معناه “بعيدا عن”؛ والشق الثاني “sedere” معناه “الجلوس”. فالمنشق هو الشخص الذي يجلس منعزلا عن الآخرين. أو أنه الشخص الذي سيتم إبعاده عن المائدة بأن يأخذ مكانا على تلك المائدة: إن مكانك على المائدة هو موقع الصراع. في الظاهرة [[كوير | الكويرية]] (أحرار الجنس) كنت مهووسة جدا بالمائدات ولم أنتبه لكويرية المقعد. لكنني اقترحت وقتها أننا لو بدأنا بذلك الجسم الذي يفقد مقعده، فإن العالم الذي نتكلم عنه سيصبح شيئا مختلفا تماما.<ref> سارة أحمد، الظاهرة الكويرية (أحرار الجنس): توجهات، وأجسام، والآخرون (Queer Phenomenology: Orientations, Objects, Others). (دورهام، كارولينا الشمالية: دار نشر جامعة ديوك، ٢٠٠٦)، ١٣٨.</ref>
      −
'''قتل البهجة'''
+
==قتل البهجة===
    
عزلك على مائدة السعادة قد لا يعني مجرد تعريض تلك المائدة للتهديد فقط، بل أيضا ما يتجمع حولها وعليها. حين يتم عزلك، فإنه يمكن أن تعترضين طريق هؤلاء الجالسين، هؤلاء الذين يريدون الاحتفاظ بمقاعدهم أكثر من أي شيء. أن تهددين بفقدان ذلك المقعد، قد يعني قتل بهجة الجالسين. كم نفهم ونميز شخصية قاتلة البهجة! وكم هي منطقية! فلنأخذ شخصية قاتلة البهجة على محمل الجد. يمكن أن تكون إحدى مشاريع النسوية هو أن يُردّ لقاتلة البهجة صوتها. قد يعني ذلك أن نسمع أن النسويات قاتلات للبهجة على أنه شكل من أشكال الرفض والعزلة، إلا أن هناك سخرية ما في ذلك، وهي أن ذلك الرفض يكشف لنا عن حرية غير ظاهرة. وعليه يمكننا الإجابة بالموافقة على تلك الاتهامات الموجهة للنسويات.
 
عزلك على مائدة السعادة قد لا يعني مجرد تعريض تلك المائدة للتهديد فقط، بل أيضا ما يتجمع حولها وعليها. حين يتم عزلك، فإنه يمكن أن تعترضين طريق هؤلاء الجالسين، هؤلاء الذين يريدون الاحتفاظ بمقاعدهم أكثر من أي شيء. أن تهددين بفقدان ذلك المقعد، قد يعني قتل بهجة الجالسين. كم نفهم ونميز شخصية قاتلة البهجة! وكم هي منطقية! فلنأخذ شخصية قاتلة البهجة على محمل الجد. يمكن أن تكون إحدى مشاريع النسوية هو أن يُردّ لقاتلة البهجة صوتها. قد يعني ذلك أن نسمع أن النسويات قاتلات للبهجة على أنه شكل من أشكال الرفض والعزلة، إلا أن هناك سخرية ما في ذلك، وهي أن ذلك الرفض يكشف لنا عن حرية غير ظاهرة. وعليه يمكننا الإجابة بالموافقة على تلك الاتهامات الموجهة للنسويات.
   −
إن شخصية النسوية قاتلة البهجة تصبح منطقية إن وضعناها في سياق النسويات اللواتي تنتقدن السعادة، وكيفية استعمال السعادة لتبرير العادات الاجتماعية على أنها عادات جيدة (العادات الاجتماعية الجيدة هي التي تجلب السعادة، السعادة التي تـُمنح لك هي التي نفهمها على أنها الجيدة). وصفت (سيمون دبوفوار) ذلك بذكاء، قائلة “من السهل دائما أن نصف مكانا نريد وضع الآخرين فيه بأنه مكان سعيد”.<ref>سيمون ديبوفوار، الجنس الآخر (The Second Sex)، ترجمة إتش.إم. بارشلي (لندن: دار نشر فينتيج بووكس، ١٩٩٧)، ٢٨.</ref> وعدم الموافقة على البقاء في هذا المكان قد يعني أننا نرفض السعادة التي يتمناها لنا الآخرون. أن تنخرط في النشاط السياسي يعني أن تتورط في صراع ضد السعادة. حتى لو كنا نتصارع على أشياء مختلفة، وحتى لو كانت لنا عوالم مختلفة نريد خلقها، فإنه يمكننا أن نجتمع على الشيء الذي سنناهضه. لذا فإن أرشيفاتنا الخاصة بالنشاط السياسي ليست بسعيدة. فكري فقط بالعمل النقدي الذي نقوم به: نقد نسوي لشخصية “ربة المنزل السعيدة”، النقد الأسود لأسطورة “العبد السعيد”، النقد الكويري لرومانسية الغيرية الجنسية على أنها “هبة منزلية”. النزاع حول السعادة يوفر أفقا، وفي تلك الأفق تُصنع المطالب السياسية. ونحن نرث تلك الأفق.
+
إن شخصية النسوية قاتلة البهجة تصبح منطقية إن وضعناها في سياق النسويات اللواتي تنتقدن السعادة، وكيفية استعمال السعادة لتبرير العادات الاجتماعية على أنها عادات جيدة (العادات الاجتماعية الجيدة هي التي تجلب السعادة، السعادة التي تـُمنح لك هي التي نفهمها على أنها الجيدة). وصفت ([[سيمون دي بوفوار | سيمون دبوفوار]]) ذلك بذكاء، قائلة “من السهل دائما أن نصف مكانا نريد وضع الآخرين فيه بأنه مكان سعيد”.<ref>سيمون ديبوفوار، [[الجنس الآخر]] (The Second Sex)، ترجمة إتش.إم. بارشلي (لندن: دار نشر فينتيج بووكس، ١٩٩٧)، ٢٨.</ref> وعدم الموافقة على البقاء في هذا المكان قد يعني أننا نرفض السعادة التي يتمناها لنا الآخرون. أن تنخرط في النشاط السياسي يعني أن تتورط في صراع ضد السعادة. حتى لو كنا نتصارع على أشياء مختلفة، وحتى لو كانت لنا عوالم مختلفة نريد خلقها، فإنه يمكننا أن نجتمع على الشيء الذي سنناهضه. لذا فإن أرشيفاتنا الخاصة بالنشاط السياسي ليست بسعيدة. فكري فقط بالعمل النقدي الذي نقوم به: [[نقد نسوي]] لشخصية “ربة المنزل السعيدة”، النقد الأسود لأسطورة “العبد السعيد”، [[نقد كويري | النقد الكويري]] لرومانسية [[غيرية جنسية | الغيرية الجنسية]] على أنها “هبة منزلية”. النزاع حول السعادة يوفر أفقا، وفي تلك الأفق تُصنع المطالب السياسية. ونحن نرث تلك الأفق.
   −
أن تكوني على استعداد أن تعارضي نظاما اجتماعيا -وهو مصون كنظام أخلاقي ونظام للسعادة- يعني أنك على استعداد للتسبب بعدم السعادة؛ حتى وإن لم يكن هدفك هو التسبب عن التعاسة. أن تكوني على استعداد أن تتسببي عن التعاسة قد تكون الطريقة التي نعيش بها حياتنا (بعدم اختيار “الطريق الصحيح” يمكن أن يفهم أن معناه هو التخلي عن السعادة التي المفترض أن ذلك الطريق يوفرها). كإجابات الأهل حين يخبرهم أولادهم عن ميولهم الجنسية المثلية مثلا؛ تلك الإجابات قد لا تظهر على أن الأهل مستائون كون طفلهم مثلي، ولكنها تكون على هيئة استياء لأن الطفل غير سعيد.<ref>انظر، مثلا: نانسي جاردن، آني في بالي (Annie on My Mind) (نيويورك: فارار، ستراوس و جيروكس، ١٩٨٢)، ١٩١.</ref> حتى إن لم تكن تقصد أن تتسبب في حزن أولائك الذين تحبهم، إلا أن الحياة الكويرية قد تعني العيش بذلك الحزن والتعاسة. أن تكون على استعداد بأن تتسبب عن التعاسة قد يكون أيضا الكيفية التي ندخل فيها أنفسنا في الصراع الجماعي، وذلك حين نعمل مع ومن خلال الآخرين الذين يشاركوننا آرائنا وعزلتنا. هؤلاء الذين فقدوا أماكنهم/ن على طاولة السعادة يمكنهم/ن إيجاد أحدهم/ن الآخر.
+
أن تكوني على استعداد أن تعارضي نظاما اجتماعيا -وهو مصون كنظام أخلاقي ونظام للسعادة- يعني أنك على استعداد للتسبب بعدم السعادة؛ حتى وإن لم يكن هدفك هو التسبب عن التعاسة. أن تكوني على استعداد أن تتسببي عن التعاسة قد تكون الطريقة التي نعيش بها حياتنا (بعدم اختيار “الطريق الصحيح” يمكن أن يفهم أن معناه هو التخلي عن السعادة التي المفترض أن ذلك الطريق يوفرها). كإجابات الأهل حين يخبرهم أولادهم عن [[ميل جنسي | ميولهم الجنسية]] [[مثلية جنسية | المثلية]] مثلا؛ تلك الإجابات قد لا تظهر على أن الأهل مستائون كون طفلهم مثلي، ولكنها تكون على هيئة استياء لأن الطفل غير سعيد.<ref>انظر، مثلا: نانسي جاردن، آني في بالي (Annie on My Mind) (نيويورك: فارار، ستراوس و جيروكس، ١٩٨٢)، ١٩١.</ref> حتى إن لم تكن تقصد أن تتسبب في حزن أولائك الذين تحبهم، إلا أن الحياة الكويرية قد تعني العيش بذلك الحزن والتعاسة. أن تكون على استعداد بأن تتسبب عن التعاسة قد يكون أيضا الكيفية التي ندخل فيها أنفسنا في الصراع الجماعي، وذلك حين نعمل مع ومن خلال الآخرين الذين يشاركوننا آرائنا وعزلتنا. هؤلاء الذين فقدوا أماكنهم/ن على طاولة السعادة يمكنهم/ن إيجاد أحدهم/ن الآخر.
    
ولذلك، فإننا سنأخذ شخصية النسوية قاتلة البهجة على محمل الجد. هل تقتل النسوية بهجة الآخرين حين تلفت الانتباه للحظات التفرقة الجنسية؟ أو حين تكشف عن المشاعر السيئة المخفية أو الشاردة أو المهمَل-ة تحت شعارات البهجة العامة؟ هل تدخل المشاعر السيئة إلى الغرفة حين يعبر أحدهم/ن عن غضبه/ا على سير الأمور، أم هل الغضب هو اللحظة التي تطفح فيها تلك المشاعر السيئة التي تدور بين الأجسام بطريقة ما إلى السطح؟ حين يعني وجود الموضوع النسوي “في الغرفة” أنه “يحبط الآخرين”، وليس بمجرد الكلام عن مواضيع غير سعيدة مثل التفرقة الجنسية، بل أيضا بالكشف عن الكيفية التي يتم بها المحافظة على السعادة، من خلال محي علامات عدم التفاهم. إنهن يقتلن السعادة بطريقة ما: إنهن يشوهن تصور أن السعادة يمكن أن توجد في أماكن معينة. أن تقتلين تصورا يمكن أن يقتل شعورا. إنه ليس مجرد أن النسويات قد لا تكن متأثرات ببهجة بالشيء الذي يفترض أن يسبب تلك البهجة ، إلا أن عدم قدرتنا على أن نكون سعداء يفهم على أنه تخريب لسعادة الآخرين.
 
ولذلك، فإننا سنأخذ شخصية النسوية قاتلة البهجة على محمل الجد. هل تقتل النسوية بهجة الآخرين حين تلفت الانتباه للحظات التفرقة الجنسية؟ أو حين تكشف عن المشاعر السيئة المخفية أو الشاردة أو المهمَل-ة تحت شعارات البهجة العامة؟ هل تدخل المشاعر السيئة إلى الغرفة حين يعبر أحدهم/ن عن غضبه/ا على سير الأمور، أم هل الغضب هو اللحظة التي تطفح فيها تلك المشاعر السيئة التي تدور بين الأجسام بطريقة ما إلى السطح؟ حين يعني وجود الموضوع النسوي “في الغرفة” أنه “يحبط الآخرين”، وليس بمجرد الكلام عن مواضيع غير سعيدة مثل التفرقة الجنسية، بل أيضا بالكشف عن الكيفية التي يتم بها المحافظة على السعادة، من خلال محي علامات عدم التفاهم. إنهن يقتلن السعادة بطريقة ما: إنهن يشوهن تصور أن السعادة يمكن أن توجد في أماكن معينة. أن تقتلين تصورا يمكن أن يقتل شعورا. إنه ليس مجرد أن النسويات قد لا تكن متأثرات ببهجة بالشيء الذي يفترض أن يسبب تلك البهجة ، إلا أن عدم قدرتنا على أن نكون سعداء يفهم على أنه تخريب لسعادة الآخرين.
   −
يمكننا أن نعتبر العلاقة ما بين سلبية شخصية النسوية قاتلة البهجة وبين الطريقة التي “تلاقى” بها أجسام معينة على أنها سلبية. تقول “مارلين فراي” أن الاضطهاد يستدعي أن يظهر الشخص علامات السعادة في الوضع الذي يتواجد به. كما تقول: “عادة يكون مطلوب من الأشخاص المضطهدين أن يبتسموا ويكونوا مرحين. إن امتثلنا لذلك، فإننا ندلل على رضوخنا وإذعاننا في موقفنا”. حين تكون مضطهدا فإنه يطلب منك أن تظهر علامات السعادة، ما يدل على أنه تم ضبطك. بالنسبة لفراي “إن أظهرنا أي ملامح لا تعبر عن بهجة وسعادة فنحن مُعرّضين أن يرانا الآخرون على أننا لئيمات أو مريرات أو غاضبات أو خطيرات”.<ref>مارلين فراي، سياسة الواقعية: مقالات في النظرية النسوية (The Politics of Reality: Essays in Feminist Theory) ( ترومانزبورج، نيويورك: دار نشر ذا كروسينج، ١٩٨٣).</ref>
+
يمكننا أن نعتبر العلاقة ما بين سلبية شخصية النسوية قاتلة البهجة وبين الطريقة التي “تلاقى” بها أجسام معينة على أنها سلبية. تقول “[[مارلين فراي]]” أن الاضطهاد يستدعي أن يظهر الشخص علامات السعادة في الوضع الذي يتواجد به. كما تقول: “عادة يكون مطلوب من الأشخاص المضطهدين أن يبتسموا ويكونوا مرحين. إن امتثلنا لذلك، فإننا ندلل على رضوخنا وإذعاننا في موقفنا”. حين تكون مضطهدا فإنه يطلب منك أن تظهر علامات السعادة، ما يدل على أنه تم ضبطك. بالنسبة لفراي “إن أظهرنا أي ملامح لا تعبر عن بهجة وسعادة فنحن مُعرّضين أن يرانا الآخرون على أننا لئيمات أو مريرات أو غاضبات أو خطيرات”.<ref>مارلين فراي، سياسة الواقعية: مقالات في النظرية النسوية (The Politics of Reality: Essays in Feminist Theory) ( ترومانزبورج، نيويورك: دار نشر ذا كروسينج، ١٩٨٣).</ref>
    
أن يتم وصفنا بالنسويات يعني أنه سيتم تصنيفنا في فئة صعبة وكفئة صعبة أيضا. حين تعرّفين نفسك بالنسوية فإنه يتم تصنيفك على أنه “ليس من السهل التعامل معك”. ويفترض عليك أن تظهري للآخرين بأنك لست صعبة من خلال إظهار علامات النية الحسنة والسعادة. تتحدث (فراي) عن تلك التجارب حين تصف كيفية حدوث ذلك وتقول “هذا يعني، إن أقل ما يمكنه أن يحدث هو أنهم قد يجدوننا صعبات أو غير مريحات للعمل معهم، وهذا الأمر جدير بأن يكلف المرء مصدر رزقه” <ref>فراي، ٢-٣.</ref>. بإمكاننا أيضا أن نلحظ تطورا في التعاسة النسوية (أسطورة أن النسويات قاتلات للبهجة لأنهن غير سعيدات في الأساس). هناك رغبة في الاعتقاد أن النساء يصبحن نسويات لأنهن غير سعيدات. وتلك الرغبة تعمل كطريقة للدفاع عن السعادة في وجه النقد النسوي. هذا لا يعني أن النسويات قد لا تكن تعيسات فعليا، فحين تصبحين نسوية فإنه قد يترتب على ذلك أن تصبحين واعية بكم الأشياء التي تدعو إلى أن تستائي من أجلها. قد يتم فهم الوعي النسوي على أنه الوعي بالاستياء والتعاسة، لقد وصلنا إلى هذا الوعي حين رفضنا أن نتجاهل ما يحدث. ما أريد قوله هنا هو أنه من المعتقد أن النسويات غير سعيدات، كما يتم الاعتقاد أن مواقف الصراع والعنف والقوة هي نتيجة تعاسة النسويات، بدل أن تكون هي ما يسبب للنسويات تعاستهن.
 
أن يتم وصفنا بالنسويات يعني أنه سيتم تصنيفنا في فئة صعبة وكفئة صعبة أيضا. حين تعرّفين نفسك بالنسوية فإنه يتم تصنيفك على أنه “ليس من السهل التعامل معك”. ويفترض عليك أن تظهري للآخرين بأنك لست صعبة من خلال إظهار علامات النية الحسنة والسعادة. تتحدث (فراي) عن تلك التجارب حين تصف كيفية حدوث ذلك وتقول “هذا يعني، إن أقل ما يمكنه أن يحدث هو أنهم قد يجدوننا صعبات أو غير مريحات للعمل معهم، وهذا الأمر جدير بأن يكلف المرء مصدر رزقه” <ref>فراي، ٢-٣.</ref>. بإمكاننا أيضا أن نلحظ تطورا في التعاسة النسوية (أسطورة أن النسويات قاتلات للبهجة لأنهن غير سعيدات في الأساس). هناك رغبة في الاعتقاد أن النساء يصبحن نسويات لأنهن غير سعيدات. وتلك الرغبة تعمل كطريقة للدفاع عن السعادة في وجه النقد النسوي. هذا لا يعني أن النسويات قد لا تكن تعيسات فعليا، فحين تصبحين نسوية فإنه قد يترتب على ذلك أن تصبحين واعية بكم الأشياء التي تدعو إلى أن تستائي من أجلها. قد يتم فهم الوعي النسوي على أنه الوعي بالاستياء والتعاسة، لقد وصلنا إلى هذا الوعي حين رفضنا أن نتجاهل ما يحدث. ما أريد قوله هنا هو أنه من المعتقد أن النسويات غير سعيدات، كما يتم الاعتقاد أن مواقف الصراع والعنف والقوة هي نتيجة تعاسة النسويات، بدل أن تكون هي ما يسبب للنسويات تعاستهن.
سطر 62: سطر 62:       −
'''مائدات نسوية'''
+
==مائدات نسوية==
    
نداء النسوية قد يكون نداءا للغضب، وتنمية شعور بالغضب ضد الأخطاء الجماعية. ولكن رغم ذلك، من المهم ألا تتحول مشاعر النسوية لمكان للحقيقة المطلقة: وكأنه شيء واضح دائما أو بديهي أن غضبنا صائب. عندما يصبح الغضب مبررا أخلاقيا يمكنه أن يتحول لشيء قامع، من الممكن أن يكون من الخطأ أن نفترض أن الغضب سيبرر موقفنا أخلاقيا. نحن على علم بكيفية سهولة تغير سياسة السعادة إلى سياسة الغضب: أن نفترض أن لنا الحق بأن نكون سعداء قد يتحول بسهولة إلى شعور بالغضب تجاه الآخرين (كالمهاجرين والغرباء و الفضائيين) الذين يعتبرون أن السعادة حقهم بالتبرير الأخلاقي. ما أرمي إليه هنا بالتحديد هو أنه لا يمكننا أن ندافع عن أنفسنا ضد استعمال المشاعر بتلك الطريقة الدفاعية. ليست المشاعر منصفة دائما، حتى تلك المشاعر التي تأخذ قوتها في/ أو من خلال، تجربة ظالمة. مشاعر النسوية غامضة ومنقولة ومعتمة، إنها مواقع للصراع وعلينا أن نستمر في الصراع معها<ref>للأعمال الأولى عن المشاعر النسوية، انظري: أليسون جاجار، “الحب والمعرفة: المشاعر في نظرية المعرفة النسوية” (Love and Knowledge: Emotion in Feminist Epistemology) في آن جاري ومارلين بيرسال (محررات)، النساء والمعرفة والواقعية: استكشافات في الفلسفة النسوية (Women, Knowledge and Reality: Explorations in Feminist Philosophy) (نيويورك: روتلدج، ١٩٩٦) ١٦٦-١٩٠، وإليزابيث سبلمان، “الغضب وعدم الرضوخ” (Anger and Insubordination)، في آن جاري ومارلين بيرسال (محررات)، النساء والمعرفة والواقعية: استكشافات في الفلسفة النسوية Women, Knowledge and Reality: Explorations in) Feminist Philosophy) (نيويورك: روتلدج، ١٩٨٩)، ٢٦٣-٢٧٤. لجدال مهم عن الحاجة لفصل الظلم عن تجربة الألم والوجع، انظري: لورن برلانت، “موضوع المشاعر الحقيقية: الألم، والخصوصية والسياسة” في سارة أحمد، وسيليا لري، وجين كيلبي، ومورين مكنيل، وبيفرلي سكيج (محررات)، تحولات: التفكير من خلال النسوية (Transformations: Thinking Through Feminism) (لندن: روتلدج، ٢٠٠٠)، ٣٣-٤٧. لمزيد من المناقشات عن النسوية والمشاعر انظري في الفصل الأخير من “التعلقات النسوية”(Feminist Attachments)، والتي تعتبر التساؤل والأمل والغضب كمشاعر نسوية في: سارة أحمد، السياسة الثقافية للمشاعر (The Cultural Politics of Emotions) (إدينبرج: دار نشر جامعة إدينبرج، ٢٠٠٤).</ref>.
 
نداء النسوية قد يكون نداءا للغضب، وتنمية شعور بالغضب ضد الأخطاء الجماعية. ولكن رغم ذلك، من المهم ألا تتحول مشاعر النسوية لمكان للحقيقة المطلقة: وكأنه شيء واضح دائما أو بديهي أن غضبنا صائب. عندما يصبح الغضب مبررا أخلاقيا يمكنه أن يتحول لشيء قامع، من الممكن أن يكون من الخطأ أن نفترض أن الغضب سيبرر موقفنا أخلاقيا. نحن على علم بكيفية سهولة تغير سياسة السعادة إلى سياسة الغضب: أن نفترض أن لنا الحق بأن نكون سعداء قد يتحول بسهولة إلى شعور بالغضب تجاه الآخرين (كالمهاجرين والغرباء و الفضائيين) الذين يعتبرون أن السعادة حقهم بالتبرير الأخلاقي. ما أرمي إليه هنا بالتحديد هو أنه لا يمكننا أن ندافع عن أنفسنا ضد استعمال المشاعر بتلك الطريقة الدفاعية. ليست المشاعر منصفة دائما، حتى تلك المشاعر التي تأخذ قوتها في/ أو من خلال، تجربة ظالمة. مشاعر النسوية غامضة ومنقولة ومعتمة، إنها مواقع للصراع وعلينا أن نستمر في الصراع معها<ref>للأعمال الأولى عن المشاعر النسوية، انظري: أليسون جاجار، “الحب والمعرفة: المشاعر في نظرية المعرفة النسوية” (Love and Knowledge: Emotion in Feminist Epistemology) في آن جاري ومارلين بيرسال (محررات)، النساء والمعرفة والواقعية: استكشافات في الفلسفة النسوية (Women, Knowledge and Reality: Explorations in Feminist Philosophy) (نيويورك: روتلدج، ١٩٩٦) ١٦٦-١٩٠، وإليزابيث سبلمان، “الغضب وعدم الرضوخ” (Anger and Insubordination)، في آن جاري ومارلين بيرسال (محررات)، النساء والمعرفة والواقعية: استكشافات في الفلسفة النسوية Women, Knowledge and Reality: Explorations in) Feminist Philosophy) (نيويورك: روتلدج، ١٩٨٩)، ٢٦٣-٢٧٤. لجدال مهم عن الحاجة لفصل الظلم عن تجربة الألم والوجع، انظري: لورن برلانت، “موضوع المشاعر الحقيقية: الألم، والخصوصية والسياسة” في سارة أحمد، وسيليا لري، وجين كيلبي، ومورين مكنيل، وبيفرلي سكيج (محررات)، تحولات: التفكير من خلال النسوية (Transformations: Thinking Through Feminism) (لندن: روتلدج، ٢٠٠٠)، ٣٣-٤٧. لمزيد من المناقشات عن النسوية والمشاعر انظري في الفصل الأخير من “التعلقات النسوية”(Feminist Attachments)، والتي تعتبر التساؤل والأمل والغضب كمشاعر نسوية في: سارة أحمد، السياسة الثقافية للمشاعر (The Cultural Politics of Emotions) (إدينبرج: دار نشر جامعة إدينبرج، ٢٠٠٤).</ref>.
   −
وبعد كل شيء، فإن المساحة النسوية هي مساحة عاطفية، حيث تكون تجربة التضامن بالكاد شاملة. كنسويات لنا مائدتنا الخاصة بنا. إن تم استبعادنا من مائدة العائلة، فهذا لا يعني بالضرورة أننا سنجلس سويا. يمكننا أن نضع شخصية النسوية قاتلة البهجة إلى جانب شخصية المرأة السوداء الغاضبة، والتي تمت دراستها بعمق من قبل كاتبات مثل (أودري لورد) <ref> انظري أودري لورد، الأخت الغريبة: مقالات وخطب (Sister Outsider: Essays and Speeches) (ترومانزبورج، نيويورك: دار نشر كروسينج، ١٩٨٤).</ref> و(بيل هوكس)<ref>انظر بيل هووكس، النظرية النسوية: من الهامش إلى المركز (Feminist Theory: From Margin to Center) (لندن: دار نشر بلوتو، ٢٠٠).</ref>. يمكن وصف المرأة السوداء الغاضبة بأنها قاتلة للبهجة، في استطاعتها أيضا أن تقتل بهجة وسعادة النسويات، فمثلا، حين تشير إلى أشكال التمييز العنصري في السياسة النسوية. ويمكن أيضا ألا تضطر إلى الإشارة إلى أي شيء لتقتل البهجة. انتبهوا إلى الوصف الآتي من قبل (بيل هوكس): “قد تحضر مجموعة من النسويات الناشطات -اللاتي لا تعرفن بعضهن البعض- اجتماعا ليناقشن فيه النظرية النسوية. قد يشعرن بالارتباط ببعضهن البعض على أساس كونهن نساء، إلا أن الأجواء ستتغير بطريقة ملحوظة في اللحظة التي ستدخل فيها إمرأة ملونة إلى الغرفة. ستصبح المرأة البيضاء متوترة، غير مرتاحة، غير محتفلة”. <ref> هوكس، ٥٦.</ref>
+
وبعد كل شيء، فإن المساحة النسوية هي مساحة عاطفية، حيث تكون تجربة التضامن بالكاد شاملة. كنسويات لنا مائدتنا الخاصة بنا. إن تم استبعادنا من مائدة العائلة، فهذا لا يعني بالضرورة أننا سنجلس سويا. يمكننا أن نضع شخصية النسوية قاتلة البهجة إلى جانب شخصية المرأة السوداء الغاضبة، والتي تمت دراستها بعمق من قبل كاتبات مثل ([[أودري لورد]]) <ref> انظري أودري لورد، الأخت الغريبة: مقالات وخطب (Sister Outsider: Essays and Speeches) (ترومانزبورج، نيويورك: دار نشر كروسينج، ١٩٨٤).</ref> و([[بيل هوكس]])<ref>انظر بيل هووكس، النظرية النسوية: من الهامش إلى المركز (Feminist Theory: From Margin to Center) (لندن: دار نشر بلوتو، ٢٠٠).</ref>. يمكن وصف المرأة السوداء الغاضبة بأنها قاتلة للبهجة، في استطاعتها أيضا أن تقتل بهجة وسعادة النسويات، فمثلا، حين تشير إلى أشكال التمييز العنصري في السياسة النسوية. ويمكن أيضا ألا تضطر إلى الإشارة إلى أي شيء لتقتل البهجة. انتبهوا إلى الوصف الآتي من قبل (بيل هوكس): “قد تحضر مجموعة من النسويات الناشطات -اللاتي لا تعرفن بعضهن البعض- اجتماعا ليناقشن فيه النظرية النسوية. قد يشعرن بالارتباط ببعضهن البعض على أساس كونهن نساء، إلا أن الأجواء ستتغير بطريقة ملحوظة في اللحظة التي ستدخل فيها إمرأة ملونة إلى الغرفة. ستصبح المرأة البيضاء متوترة، غير مرتاحة، غير محتفلة”. <ref> هوكس، ٥٦.</ref>
    
لا يقتصر الأمر على أن المشاعر هي التي “توترت”، بل على أن هذا التوتر يلبد في مكان آخر: تشعر بعض الأجساد بذلك التوتر، ويعود ذلك إلى أن جسما آخر تسبب به، ذلك الجسد يعتبر أنه خارج تلك المجموعة، وكأنه يقف في طريق المتعة والروح التضامنية. ذلك التوتر الحاصل ينسب إلى الجسم الملون، والذي يؤدي أيضا إلى فقدان القاسم المشترك بين تلك النساء. كنسوية ملونة، أنت تسببين التوتر حتى لو لم تنطقي بكلمة! إن مجرد قرب بعض الأجسام يتضمن حوارا مؤثرا. نتعلم من هذا المثال أن التاريخ مختزل في حقيقة عدم القدرة على مساس جو معين، أو في قدرة مساس الأجسام التي تعترض الطريق. قد تصبح الأجواء مشتركة إن اتفقنا على المصدر المسبب للتوتر.
 
لا يقتصر الأمر على أن المشاعر هي التي “توترت”، بل على أن هذا التوتر يلبد في مكان آخر: تشعر بعض الأجساد بذلك التوتر، ويعود ذلك إلى أن جسما آخر تسبب به، ذلك الجسد يعتبر أنه خارج تلك المجموعة، وكأنه يقف في طريق المتعة والروح التضامنية. ذلك التوتر الحاصل ينسب إلى الجسم الملون، والذي يؤدي أيضا إلى فقدان القاسم المشترك بين تلك النساء. كنسوية ملونة، أنت تسببين التوتر حتى لو لم تنطقي بكلمة! إن مجرد قرب بعض الأجسام يتضمن حوارا مؤثرا. نتعلم من هذا المثال أن التاريخ مختزل في حقيقة عدم القدرة على مساس جو معين، أو في قدرة مساس الأجسام التي تعترض الطريق. قد تصبح الأجواء مشتركة إن اتفقنا على المصدر المسبب للتوتر.
سطر 78: سطر 78:  
تتحدث سلطة المرأة البيضاء في هذه اللحظة من التوتر. هل نتقبل هذا الموقف؟ وماذا يعني لو رفضنا تقبله؟ أن تخلق موقفا محرجا معناه أنك شخص محرج. المحافظة على راحة عامة الناس تعني أن بعض الأجساد عليها أن تتقبل الوضع العام. أن ترفضين تقبل الموقف، وأن ترفضين قبول المكان الذي تم وضعك فيه، يعني أنكي تتسببين بمشكلة، لأنك تتسببين بعدم راحة الآخرين. هناك صراع سياسي حول الكيفية التي نفسر بها المشاعر الصالحة والسيئة، وتلك تدور بشكل واضح حول سؤال بسيط، ألا وهو: من الذي يفرض مشاعره على الآخر؟ يمكن للمشاعر أن تعلق بإحدى الأجسام بنفس الطريقة التي نصف بها المساحات والمواقف والمآسي. ويمكن للأجسام أن تعلق في سياق معين حسب المشاعر التي تنسب إليها.
 
تتحدث سلطة المرأة البيضاء في هذه اللحظة من التوتر. هل نتقبل هذا الموقف؟ وماذا يعني لو رفضنا تقبله؟ أن تخلق موقفا محرجا معناه أنك شخص محرج. المحافظة على راحة عامة الناس تعني أن بعض الأجساد عليها أن تتقبل الوضع العام. أن ترفضين تقبل الموقف، وأن ترفضين قبول المكان الذي تم وضعك فيه، يعني أنكي تتسببين بمشكلة، لأنك تتسببين بعدم راحة الآخرين. هناك صراع سياسي حول الكيفية التي نفسر بها المشاعر الصالحة والسيئة، وتلك تدور بشكل واضح حول سؤال بسيط، ألا وهو: من الذي يفرض مشاعره على الآخر؟ يمكن للمشاعر أن تعلق بإحدى الأجسام بنفس الطريقة التي نصف بها المساحات والمواقف والمآسي. ويمكن للأجسام أن تعلق في سياق معين حسب المشاعر التي تنسب إليها.
   −
'''اعتراض الطريق'''
+
==اعتراض الطريق==
    
قاتل البهجة: هو الشخص الذي يعترض طريق سعادة الآخرين. أو ببساطة شخص يعترض الطريق – يمكنكِ اعتراض أي شيء طالما تم وصفك بقاطعة الطريق. إن مجرد حضورِك في مكان ما، هو تذكير لتاريخ من “الاعتراض” على احتلال/شغل المكان. كم من قصص النسويات تتكلم عن الأماكن والمساحات، وعن من يشغلها، وعن إفساح المجال؟ اللحظة التي تصلين فيها، هي اللحظة التي يبدأ فيها الاعتراض، ما الذي يحدث، ماذا تفعلين؟ يمكن إعادة التفكير بشخصية قاتلة البهجة في إطار سياسية العناد. لقد ذكرت سابقا أن أرشيف النشاط السياسي هو أرشيف غير سعيد؛ ذلك الأرشيف الذي أخذ هيأته من صراعات جميع أولئك الذين هم على استعداد أن يتصارعوا ضد السعادة. يمكننا إعادة وصف ذلك الصراع في إطار أولئك الذين هم على استعداد أن يتمتعوا بصفة العناد. إن أرشيف التعاسة هو أرشيف العناد.
 
قاتل البهجة: هو الشخص الذي يعترض طريق سعادة الآخرين. أو ببساطة شخص يعترض الطريق – يمكنكِ اعتراض أي شيء طالما تم وصفك بقاطعة الطريق. إن مجرد حضورِك في مكان ما، هو تذكير لتاريخ من “الاعتراض” على احتلال/شغل المكان. كم من قصص النسويات تتكلم عن الأماكن والمساحات، وعن من يشغلها، وعن إفساح المجال؟ اللحظة التي تصلين فيها، هي اللحظة التي يبدأ فيها الاعتراض، ما الذي يحدث، ماذا تفعلين؟ يمكن إعادة التفكير بشخصية قاتلة البهجة في إطار سياسية العناد. لقد ذكرت سابقا أن أرشيف النشاط السياسي هو أرشيف غير سعيد؛ ذلك الأرشيف الذي أخذ هيأته من صراعات جميع أولئك الذين هم على استعداد أن يتصارعوا ضد السعادة. يمكننا إعادة وصف ذلك الصراع في إطار أولئك الذين هم على استعداد أن يتمتعوا بصفة العناد. إن أرشيف التعاسة هو أرشيف العناد.
   −
لنرجع قليلا: لنستمع إلى من هم وما هو وراءنا. تصف (أليس ووكر) “نسوية المرأة الملونة (Womanist)” كالآتي: “النسوية السوداء أو النسوية الملونة… تشير عادة إلى تصرف غاضب، وجريء، وشجاع أو إلى تصرف عنيد. الرغبة في معرفة المزيد وبعمق أكثر عما يعتبر بأنه “جيدا” مسؤولة. متحكمة بزمام الأمور. جادة.” <ref> أليس ووكر، البحث عن الحديقة الأم (In Search of Our Mothers Gardens) (فينيكس: الطبعة الجديدة، ٢٠٠٥).</ref>. “تصف (جوليا بينيلوبي) المثليات بالعناد: “تقف المثلية في وجهه العالم الذي خلقه خيال الذكر. يالا كم العناد الذي نملكه حين نطالب باسترجاع حيواتنا!” <ref> جوليا بينيلوبي، أدعوني بالمثلية: حياة المثلية، النظرية المثلية (Call Me Lesbian: Lesbians Live, Lesbian Theory) (بيركلي، كالفورنيا: دار نشر كروسينج، ١٩٩٢)،٤٢.</ref> تستعمل النسوية المتطرفة لـ(مارلين فراي) مصطلح العناد حين تقول: “الإبتكار العنيد لمعنى جديد، لمكان جديد للكلمة، وطرق جديدة لنكون بها سويا في العالم، يبدو لنا في هذه الأوقات المميتة الخطرة، بأنه أفضل ما يمكن أن نأمل به”. <ref>مارلين فراي، العذراء القصدية: مقالات في النسوية (Wilful Virgin: Essays in Feminism)، ١٩٦٧-١٩٩٢ (بيركلي، كاليفورنيا: دار نشر كروسينج، ١٩٩٢)، ٩.</ref> العناد بمعنى الجرأة والوقاحة، العناد بمعنى الاعتراض، العناد بمعنى الإبداع.
+
لنرجع قليلا: لنستمع إلى من هم وما هو وراءنا. تصف ([[أليس ووكر]]) “نسوية المرأة الملونة (Womanist)” كالآتي: “النسوية السوداء أو النسوية الملونة… تشير عادة إلى تصرف غاضب، وجريء، وشجاع أو إلى تصرف عنيد. الرغبة في معرفة المزيد وبعمق أكثر عما يعتبر بأنه “جيدا” مسؤولة. متحكمة بزمام الأمور. جادة.” <ref> أليس ووكر، البحث عن الحديقة الأم (In Search of Our Mothers Gardens) (فينيكس: الطبعة الجديدة، ٢٠٠٥).</ref>. “تصف (جوليا بينيلوبي) المثليات بالعناد: “تقف المثلية في وجهه العالم الذي خلقه خيال الذكر. يالا كم العناد الذي نملكه حين نطالب باسترجاع حيواتنا!” <ref> جوليا بينيلوبي، أدعوني بالمثلية: حياة المثلية، النظرية المثلية (Call Me Lesbian: Lesbians Live, Lesbian Theory) (بيركلي، كالفورنيا: دار نشر كروسينج، ١٩٩٢)،٤٢.</ref> تستعمل النسوية المتطرفة لـ(مارلين فراي) مصطلح العناد حين تقول: “الإبتكار العنيد لمعنى جديد، لمكان جديد للكلمة، وطرق جديدة لنكون بها سويا في العالم، يبدو لنا في هذه الأوقات المميتة الخطرة، بأنه أفضل ما يمكن أن نأمل به”. <ref>مارلين فراي، العذراء القصدية: مقالات في النسوية (Wilful Virgin: Essays in Feminism)، ١٩٦٧-١٩٩٢ (بيركلي، كاليفورنيا: دار نشر كروسينج، ١٩٩٢)، ٩.</ref> العناد بمعنى الجرأة والوقاحة، العناد بمعنى الاعتراض، العناد بمعنى الإبداع.
    
يمكننا أن نفهم كيف ينبع العناد، هذا إن أخذنا التعريف الاعتيادي للكلمة: “الإصرار أو الاستعداد على تأكيد الإرادة الشخصية ضد محاولات الإقناع، والتعليمات، أو الأوامر، أن يكون الشخص مدفوعا بالإرادة دون منطق، الإصرار على اتباع الاختيار الشخصي، الثبات والعند على المراد الشخصي بإصرار أو اللاعقلانية” (حسب تفسير قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية). أن يتم وصفك بالعند واللاعقلانية لأن الآخرين لم يقنعوكِ بمنطقهم؟ هل هذا مألوف لكِ؟ هل سمعتي ذلك من قبل؟ حين تكونين مليئةَ بالعناد وكأن وجودكِ نفسه هو إثبات على أنك تعيشين، ترفضين إعطاء الطريق، ترفضين الاستسلام، ترفضين أن تتخلى عن اختيارك. هل يمكن أن يتحول هذا الشيء الذي يتهموننا به إلى تهمة بمفهوم تهم “أليس ووكر”، طريقة لأن تكوني متحكمة بها بزمام بالأمور؟ إن اتهمنا بالعناد، فيُمكننا أن نقبل هذه التهمة والتحريك من منطلقها.
 
يمكننا أن نفهم كيف ينبع العناد، هذا إن أخذنا التعريف الاعتيادي للكلمة: “الإصرار أو الاستعداد على تأكيد الإرادة الشخصية ضد محاولات الإقناع، والتعليمات، أو الأوامر، أن يكون الشخص مدفوعا بالإرادة دون منطق، الإصرار على اتباع الاختيار الشخصي، الثبات والعند على المراد الشخصي بإصرار أو اللاعقلانية” (حسب تفسير قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية). أن يتم وصفك بالعند واللاعقلانية لأن الآخرين لم يقنعوكِ بمنطقهم؟ هل هذا مألوف لكِ؟ هل سمعتي ذلك من قبل؟ حين تكونين مليئةَ بالعناد وكأن وجودكِ نفسه هو إثبات على أنك تعيشين، ترفضين إعطاء الطريق، ترفضين الاستسلام، ترفضين أن تتخلى عن اختيارك. هل يمكن أن يتحول هذا الشيء الذي يتهموننا به إلى تهمة بمفهوم تهم “أليس ووكر”، طريقة لأن تكوني متحكمة بها بزمام بالأمور؟ إن اتهمنا بالعناد، فيُمكننا أن نقبل هذه التهمة والتحريك من منطلقها.
سطر 116: سطر 116:  
يصبح الوعي بالتمييز العنصري مفهوما على أنه وعي وهمي؛ وكأنه وعي بشيء أصبح غير موجود. يتم تأطير التمييز العنصري كذكرى لماضٍ لا يفيد الاحتفاظ بها إلا بإرهاقنا. تصبح مهمة أن تكوني مواطنة هي مهمة التحول؛ فإذا كان التمييز العنصري محفوظا في أذهاننا ووعينا كمجرد ذكرى، فإنه لن “يختفي” إلا إذا أعلننا لأنفسنا اختفائه. لا يعني السرد الضمني هنا بأننا “نخترع التمييز العنصري”، بل إننا نحافظ على قوته بالتحكم في حياتنا الاجتماعية عن طريق عدم قدرتنا على تخطيه. بالتالي تكون المهمة الأخلاقية في تلك الحالة هي “تخطي التمييز العنصري”، وكأنه يختفي إذا ما قمنا بتخطيه.
 
يصبح الوعي بالتمييز العنصري مفهوما على أنه وعي وهمي؛ وكأنه وعي بشيء أصبح غير موجود. يتم تأطير التمييز العنصري كذكرى لماضٍ لا يفيد الاحتفاظ بها إلا بإرهاقنا. تصبح مهمة أن تكوني مواطنة هي مهمة التحول؛ فإذا كان التمييز العنصري محفوظا في أذهاننا ووعينا كمجرد ذكرى، فإنه لن “يختفي” إلا إذا أعلننا لأنفسنا اختفائه. لا يعني السرد الضمني هنا بأننا “نخترع التمييز العنصري”، بل إننا نحافظ على قوته بالتحكم في حياتنا الاجتماعية عن طريق عدم قدرتنا على تخطيه. بالتالي تكون المهمة الأخلاقية في تلك الحالة هي “تخطي التمييز العنصري”، وكأنه يختفي إذا ما قمنا بتخطيه.
   −
'''الخلاصة: مانيفستو قاتلات البهجة'''
+
==الخلاصة: مانيفستو قاتلات البهجة==
    
تعلمنا “أودري لورد” كيف أن حرية تحقيق السعادة يمكن ترجمتها بشكل سريع إلى حرية غض البصر عن ما يحول بيننا وبينها<ref> لورد، ٧٦.</ref>. يمكن ترجمة تاريخ النقد النسوي لمفهوم السعادة في المانيفستو التالي: “لا تغض البصر عن المشكلة، لا تتخطى المشكلة”. عدم التخطي هو شكل من أشكال الخيانة. القصدية هي نوع من أنواع الخيانة؛ فلنفكر بذلك في ضوء دعوة “أدريان ريتش” لنا بخيانة الحضارة. لن نتخطى المشكلة إذا لم تختفِ المشكلة. نحن لسنا أوفياء إذا كان الوفاء لوضع خاطىء <ref>أدريان ريتش، “عدم الوفاء للحضارة” (Disloyal to Civilization)، في الكذب، والأسرار والصمت  (Lies, Secrets and Secrets) (نورتن: نيويورك، ١٩٧٩).</ref>. يمكن إعادة النظر في القصدية على أنها أسلوب سياسي؛ فهي رفض للتغاضي عن ما تم التغاضي عنه بالفعل. من يلفتون الانتباه إلى أن التمييز العنصري، والتمييز الجنسي ضد المرأة، وضد المثليين هي مشاكل موجودة بالفعل هم أشخاص مفعمون بالعناد؛ فهم يرفضون بالسماح لذلك الواقع أن يتم التغاضي عنه.
 
تعلمنا “أودري لورد” كيف أن حرية تحقيق السعادة يمكن ترجمتها بشكل سريع إلى حرية غض البصر عن ما يحول بيننا وبينها<ref> لورد، ٧٦.</ref>. يمكن ترجمة تاريخ النقد النسوي لمفهوم السعادة في المانيفستو التالي: “لا تغض البصر عن المشكلة، لا تتخطى المشكلة”. عدم التخطي هو شكل من أشكال الخيانة. القصدية هي نوع من أنواع الخيانة؛ فلنفكر بذلك في ضوء دعوة “أدريان ريتش” لنا بخيانة الحضارة. لن نتخطى المشكلة إذا لم تختفِ المشكلة. نحن لسنا أوفياء إذا كان الوفاء لوضع خاطىء <ref>أدريان ريتش، “عدم الوفاء للحضارة” (Disloyal to Civilization)، في الكذب، والأسرار والصمت  (Lies, Secrets and Secrets) (نورتن: نيويورك، ١٩٧٩).</ref>. يمكن إعادة النظر في القصدية على أنها أسلوب سياسي؛ فهي رفض للتغاضي عن ما تم التغاضي عنه بالفعل. من يلفتون الانتباه إلى أن التمييز العنصري، والتمييز الجنسي ضد المرأة، وضد المثليين هي مشاكل موجودة بالفعل هم أشخاص مفعمون بالعناد؛ فهم يرفضون بالسماح لذلك الواقع أن يتم التغاضي عنه.
سطر 122: سطر 122:  
حتى الحديث عن الظلم، والعنف، والقوة، والامتثال في عالم يستخدم مفهوم “التعددية السعيدة” كتكنولوجيا للوصف الاجتماعي، يمكن أن تعني أن يصبح المرء عائقا، أي أن يتم وصف أولئك على أنهم من “يعترضون طريق” سعادة الآخرين. يتم تفسير حديثك على أنه اجترار لنقاط مؤلمة، وكأنك تتمسكين بشيء ما -سواء كان شخص أو ذكرى جماعية، أو إحساس بعدم انتهاء تاريخ ما- لأنك تجترين الألم. عادة ما يقول الناس بأن الصراع السياسي ضد التمييز العنصري هو بمثابة طرق الرأس بحائط أسمنتي؛ يظل الحائط بمكانه إلا أنك أنت الذي تتعرض للألم. ربما يجب أن نظل نتألم بقدر الألم الذي تسببه تلك النقاط المؤلمة. بالتأكيد لا يعبر ذلك عن كل ما نقوله أو نفعله. ويمكننا تحديد أننا لسنا مصدر عدم السعادة التي تم إلحاقها بنا، بل وأننا أيضا لسنا الآثار الناتجة عن إلحاق أسباب عدم السعادة بنا. يمكننا الحديث عن أننا عناصر قصدية، وقاتلات بهجة نسويات، ونساء سوداء غاضبات، ويمكننا استعادة تبنينا لتلك الصفات، ويمكننا التحدث عن تلك المناقشات التي دارت بيننا وبين الآخرين حول  مائدات العشاء، أو في الاجتماعات والندوات. يمكننا أن نضحك لدى تذكر مدى ألفة احتلال تلك المساحة، حتى مع عدم احتلالنا لنفس المساحة (ونحن بالفعل لا نحتل نفس المساحة). يمكن تواجد السعادة مع الدعوة للسعادة. يمكننا أن نكون قاتلات بهجة، ونحن بالفعل قاتلات بهجة. فلنتمتع بالقصدية!
 
حتى الحديث عن الظلم، والعنف، والقوة، والامتثال في عالم يستخدم مفهوم “التعددية السعيدة” كتكنولوجيا للوصف الاجتماعي، يمكن أن تعني أن يصبح المرء عائقا، أي أن يتم وصف أولئك على أنهم من “يعترضون طريق” سعادة الآخرين. يتم تفسير حديثك على أنه اجترار لنقاط مؤلمة، وكأنك تتمسكين بشيء ما -سواء كان شخص أو ذكرى جماعية، أو إحساس بعدم انتهاء تاريخ ما- لأنك تجترين الألم. عادة ما يقول الناس بأن الصراع السياسي ضد التمييز العنصري هو بمثابة طرق الرأس بحائط أسمنتي؛ يظل الحائط بمكانه إلا أنك أنت الذي تتعرض للألم. ربما يجب أن نظل نتألم بقدر الألم الذي تسببه تلك النقاط المؤلمة. بالتأكيد لا يعبر ذلك عن كل ما نقوله أو نفعله. ويمكننا تحديد أننا لسنا مصدر عدم السعادة التي تم إلحاقها بنا، بل وأننا أيضا لسنا الآثار الناتجة عن إلحاق أسباب عدم السعادة بنا. يمكننا الحديث عن أننا عناصر قصدية، وقاتلات بهجة نسويات، ونساء سوداء غاضبات، ويمكننا استعادة تبنينا لتلك الصفات، ويمكننا التحدث عن تلك المناقشات التي دارت بيننا وبين الآخرين حول  مائدات العشاء، أو في الاجتماعات والندوات. يمكننا أن نضحك لدى تذكر مدى ألفة احتلال تلك المساحة، حتى مع عدم احتلالنا لنفس المساحة (ونحن بالفعل لا نحتل نفس المساحة). يمكن تواجد السعادة مع الدعوة للسعادة. يمكننا أن نكون قاتلات بهجة، ونحن بالفعل قاتلات بهجة. فلنتمتع بالقصدية!
   −
'''ملاحظات ختامية'''
+
==ملاحظات ختامية==
 
  −
 
  −
 
  −
 
  −
 
  −
 
  −
 
  −
 
  −
[[تصنيف:وثائق مصدرها اختيار]]
 
7٬893

تعديل

قائمة التصفح