تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ط
اضافة روابط ونسخة ارشيفية
سطر 23: سطر 23:       −
تعدّ القبالة من أقدم المهن في التاريخ، وقد ارتبطت بشكل وثيق وعضوي بالنساء اللواتي زاولنها وكأنهن فُطرن على التمرس بأساليبها ومهاراتها عبر توارث المعارف والخبرات المتراكمة والمتناقلة من أمهاتهن وجداتهن منذ مئات السنين وحتى يومنا هذا. وهنّ تسمّين قابلة وجمعها قابلات أو داية وجمعها دايات، وما من مفردة في اللغة للمذكر. وفي حين كانت القابلات صمّام أمان ودعم بالنسبة للنساء الحوامل والمجتمعات التي كنّ جزءًا منها، حيث كنّ يقدّمن أنفسهن كرفيقات للمشورة وسند يعمل ضمن مجتمعات يؤازر أفرادها فيها بعضهم البعض، إلّا أن النظام الأبوي والرأسمالي الذي أقصى النساء كليًا عن القطاع الطبي استطاع أن يسلب القابلة مكانتها الاجتماعية وحيّزها في المجال الصحّي، وخاصة في مجال صحّة الأمومة، بعد أن أقصى النساء المداويات والشافيات قبل ذلك عن ممارسة الطب عبر العنف والترهيب والتشهير. والنتيجة كانت سلبًا منظّمًا لعلاقة الرعاية والدعم التي حظيت بها النساء الحوامل، واستبدالها بالاختصاص الطبي عامة، وخصوصًا ما يعرف اليوم بطبّ التوليد، ليحلّ الرجل/الطبيب مكان المرأة/القابلة قائمًا ومشرفًا ومقرّرًا في أكثر مواضع المرأة حميمية ودقّة: الحمل والولادة.
+
تعدّ القبالة من أقدم المهن في التاريخ، وقد ارتبطت بشكل وثيق وعضوي بالنساء اللواتي زاولنها وكأنهن فُطرن على التمرس بأساليبها ومهاراتها عبر توارث المعارف والخبرات المتراكمة والمتناقلة من أمهاتهن وجداتهن منذ مئات السنين وحتى يومنا هذا. وهنّ تسمّين قابلة وجمعها قابلات أو داية وجمعها دايات، وما من مفردة في اللغة للمذكر. وفي حين كانت القابلات صمّام أمان ودعم بالنسبة للنساء الحوامل والمجتمعات التي كنّ جزءًا منها، حيث كنّ يقدّمن أنفسهن كرفيقات للمشورة وسند يعمل ضمن مجتمعات يؤازر أفرادها فيها بعضهم البعض، إلّا أن [[نظام أبوي|النظام الأبوي]] والرأسمالي الذي أقصى النساء كليًا عن القطاع الطبي استطاع أن يسلب القابلة مكانتها الاجتماعية وحيّزها في المجال الصحّي، وخاصة في مجال [[صحة انجابية|صحّة الأمومة]]، بعد أن أقصى النساء المداويات والشافيات قبل ذلك عن ممارسة الطب عبر العنف والترهيب والتشهير. والنتيجة كانت سلبًا منظّمًا لعلاقة الرعاية والدعم التي حظيت بها النساء الحوامل، واستبدالها بالاختصاص الطبي عامة، وخصوصًا ما يعرف اليوم بطبّ التوليد، ليحلّ الرجل/الطبيب مكان المرأة/القابلة قائمًا ومشرفًا ومقرّرًا في أكثر مواضع المرأة حميمية ودقّة: الحمل والولادة.
    
دفعني الالتزام بإنصاف القابلات إلى اعتماد منهجية تعتمد بشكل أساسي على مقابلات معهن، ليكنّ المصدر الأساسي لهذه الورقة. وقد قمت بإجراء خمس مقابلات مع خمس قابلات من مناطق مختلفة وفي أطر مختلفة، إثنتين تعملان في مستشفى، واحدة في عيادتها الخاصة، واحدة تعلّم في الجامعة اليسوعية وهي النقيبة المؤسسة لنقابة القابلات القانونيات، والأخيرة تعمل في النقابة، ولكن جميعهن عملن في المستشفى في مرحلة ما. ولكن، بالإضافة إلى العمل الميداني، اعتمدت على مراجعة الأدبيات والدراسات حول تاريخ الطب والنساء والقبالة القانونية، بالإضافة إلى إحصائيات وبيانات مرتبطة بالصحة الإنجابية وصحّة الأمهات والمؤشرات العالمية. وقد اعتمدت في الغالب على أدبيّات ودراسات أجنبية لوضع البحث في سياق تاريخي وسياسي يفسّر مسارات وتطورعمل النساء في المجال الصحي وكيفية تبلور مفاهيمنا ورؤيتنا للصحة وللنساء وانتقالها نتيجة الاستعمار. أمّا بالنسبة للسياق اللبناني، واجهت صعوبة في العثور على نصوص وفيرة تؤرّخ لعمل القابلات القانونيات وتقدّم صورة مكتملة وواضحة عن انتقال النساء من العمل في التوليد من دايات إلى قابلات، وثمّ قابلات مساعدات لأطباء التوليد، فاستندت إلى المقابلات التي تمّ إجراؤها وبضعة موارد تقدّم لمحات حول تاريخ نشوء الطب وتطوّره في لبنان، ووروايات وأحاديث شفهية مع نساء.
 
دفعني الالتزام بإنصاف القابلات إلى اعتماد منهجية تعتمد بشكل أساسي على مقابلات معهن، ليكنّ المصدر الأساسي لهذه الورقة. وقد قمت بإجراء خمس مقابلات مع خمس قابلات من مناطق مختلفة وفي أطر مختلفة، إثنتين تعملان في مستشفى، واحدة في عيادتها الخاصة، واحدة تعلّم في الجامعة اليسوعية وهي النقيبة المؤسسة لنقابة القابلات القانونيات، والأخيرة تعمل في النقابة، ولكن جميعهن عملن في المستشفى في مرحلة ما. ولكن، بالإضافة إلى العمل الميداني، اعتمدت على مراجعة الأدبيات والدراسات حول تاريخ الطب والنساء والقبالة القانونية، بالإضافة إلى إحصائيات وبيانات مرتبطة بالصحة الإنجابية وصحّة الأمهات والمؤشرات العالمية. وقد اعتمدت في الغالب على أدبيّات ودراسات أجنبية لوضع البحث في سياق تاريخي وسياسي يفسّر مسارات وتطورعمل النساء في المجال الصحي وكيفية تبلور مفاهيمنا ورؤيتنا للصحة وللنساء وانتقالها نتيجة الاستعمار. أمّا بالنسبة للسياق اللبناني، واجهت صعوبة في العثور على نصوص وفيرة تؤرّخ لعمل القابلات القانونيات وتقدّم صورة مكتملة وواضحة عن انتقال النساء من العمل في التوليد من دايات إلى قابلات، وثمّ قابلات مساعدات لأطباء التوليد، فاستندت إلى المقابلات التي تمّ إجراؤها وبضعة موارد تقدّم لمحات حول تاريخ نشوء الطب وتطوّره في لبنان، ووروايات وأحاديث شفهية مع نساء.
سطر 153: سطر 153:     
والمطلوب اليوم، العمل على فضح هذه المنظومة، وتخصيص مزيد من الموارد والدعم للقابلات بكافة الأشكال المتاحة. فهذه الورقة هي نتاج عمل تطوّعي محدود الموارد، بينما يبقى الكثير من الحقائق المستورة قسرًا برداء الأبوية المقيت، وهناك أصوات تنتظر لتخبر قصتها سواء من ناحية التفاني الذي قدمته الدايات سابقًا والقابلات اليوم، أو من قبل النساء غير المرتاحات في علاقاتهن مع أطباء التوليد. وقد حاولت هذه الورقة الإجابة عن أسئلة كثيرة، ولكنها انتهت بأسئلة أكبر وأعمق تتطلب جهدًا وموردًا والتزامًا بانصاف جداتنا وأسلافنا وطبيعتنا الأم.
 
والمطلوب اليوم، العمل على فضح هذه المنظومة، وتخصيص مزيد من الموارد والدعم للقابلات بكافة الأشكال المتاحة. فهذه الورقة هي نتاج عمل تطوّعي محدود الموارد، بينما يبقى الكثير من الحقائق المستورة قسرًا برداء الأبوية المقيت، وهناك أصوات تنتظر لتخبر قصتها سواء من ناحية التفاني الذي قدمته الدايات سابقًا والقابلات اليوم، أو من قبل النساء غير المرتاحات في علاقاتهن مع أطباء التوليد. وقد حاولت هذه الورقة الإجابة عن أسئلة كثيرة، ولكنها انتهت بأسئلة أكبر وأعمق تتطلب جهدًا وموردًا والتزامًا بانصاف جداتنا وأسلافنا وطبيعتنا الأم.
 +
 +
[[تصنيف:اقتصاد نسوي]]
 +
[[تصنيف:مجلد 5 عدد 2 من مجلة كحل]]
staff
2٬193

تعديل

قائمة التصفح