سطر 50: |
سطر 50: |
| | | |
| ==في اللاهوت== | | ==في اللاهوت== |
− | كانت عالمة اللاهوت النسوية البيئية [[إليزابيث دودسون غراي]] من بين أوائل مفكري النسوية الإيكولوجية الذين يتفحصون الأدوار التي يلعبها الخيال الجنسي والديني في التراث البطريركي اليهودي-المسيحي والتقاليد الفكرية الغربية. ففي كتابها الفردوس الأخضر المفقود الصادر عام 1979، تزعم غراي أن تراتبية للكائنات مدمِّرة تقبع في قلب الوصف التوراتي لحدث الخلق:
| + | ===الديانات الإبراهيميّة=== |
| + | تعد دراسات اللاهوت النسوي-البيئي جزء من [[علم اللاهوت النسوي]] و[[اللاهوت التحرري]] والذي يركز في جوهره على استخدام الأطر الدينية لدعم حركات التحرر الاجتماعية. وظهر اللاهوت النسوي في أميركا اللاتينية في السبعينات حيث أدّى القمع والتهميش والسيطرة على الأراضي من قبل الشركات والهجمة النيوليبرالية الشرسة إلى دفع مجموعات كبيرة من الأشخاص إلى إعادة التفكير في التقليد المسيحي تحديدًا. ويضع اللاهوت النسوي من تحرر النساء قضية مركزية للمهمة اللاهوتية؛ لذلك بنت عدة عالمات لاهوت أبحاث وتأويلات عديدة وكذلك نماذج تفسيرية نسوية للدين من أجل وضع علاقة حاسمة بين النظرية (أي الدين) والتطبيق (أي الحركات الاجتماعية). وكان للسياق المتعلق بالحق في الأرض والدفاع عنها ومناهضة الاستعمار أثرًا واضحًا لدفعه إلى إعادة تفكيك العلاقة الثنائية بين الطبيعة والإنسان والمرأة والرجل والهرمية الحاكمة لتلك العلاقات الثنائية، وخاصة تلك التي بنيت عليها الديانات الإبراهيمية. وبالتالي، يدعوا اللاهوت النسوي البيئي إلى إعادة التفكير في الكون؛ الأرض والطبيعة بجميع كائنتها والعلاقة بين العدالة للنساء والبيئة.<ref>Ioanna Sahinidou, ''[https://www.researchgate.net/publication/318424559_Ecofeminist_Theologies_Challenge_Domination Ecofeminist Theologies Challenge Domination]'' Open Journal of Philosophy, 7, 249-259, 2017. </ref> |
| | | |
− | في هذه النظرة التوراتية لطبيعة الأشياء، تأتي المرأة بعد الرجل وأدنى منه. خلقت المرأة (تبعًا لهذا الوصف المبكر السردي لخلق العالم في سفر التكوين) من جسم رجل (وليس من جسم امرأة كما يحدث طبيعيًا)... ثم ينشأ الأطفال، وهم ثانويون جدًا حتى أن قصة الخلق لاتذكرهم... ثم تنشأ الحيوانات التي لا تمتلك الروح البشرية الفريدة إطلاقًا... ولذلك فالحيوانات أدنى منزلة. وبالمضي نحو الأدنى ثمة النباتات التي لا تتحرك حتى. وأدنى منهم أساس الطبيعة نفسها - الهضاب والجبال، الأنهار والأودية - وهي في قعر كل شيء، تمامًا كما أن السماوات والقمر والنجوم أقرب إلى الله وأعلى من كل شيء. | + | وركزت عالمات الأخلاق الرومانيّة الكاثوليكيّة التقليديّة وعالمات [[اللاهوت التحرري]] في أميركا اللاتينية على القضايا الأخلاقية المتعلقة بالفقر وعدم المساواة الاجتماعية. وهذا ما خلق مساحة للاهوت التحرري والذي يركز بشكل أساسي على المجتمعات الأكثر هشاشةً، وهنا توصلت العديد من المنتميات إلى هذة المدرسة إلى واقع أن أكثر المتضررين من تدمير البيئة هم النساء. أدى هذا الاستخلاص إلى ربط اللاهوت التحرري في أميركا اللاتينية بين تدمير البيئة والنسوية وتطوير أخلاقيات بيئية قائمة على اللاهوت. <ref>Gillian McCulloch,''[https://books.google.com.lb/books/about/The_Deconstruction_of_Dualism_in_Theolog.html?id=NPgQAQAAIAAJ&redir_esc=y The Deconstruction of Dualism in Theology: With Special Reference to Ecofeminist Theology and New Age Spirituality], 2002.</ref> |
| | | |
− | في هرم "الهيمنة والمنزلة" التراتبي هذا، كلما صعد المرء نحو الأعلى يقترب من كل ما هو روحي وسامٍ، وتحاجج غراي بأن أساطير الخلق الدينية القديمة كانت في الوقت ذاته بطريركية وذات نزعة طبيعية: | + | ترى [[روزماري روثر]] في تحليلها للسياق الذي أنتج لاهوت الشرق الأدنى والثقافات المسيحية المبكرة أنّه كان ينظر للنساء والطبيعة على أنهن مساحات يجب أن تُحكم. وكما أن تقسيم العمل المجندر في ذلك الوقت كان يرى أن عمل المرأة هو محصور في ضمان استمرارية الحياة (أي الولادة) بينما عمل الرجال هو ما يتعلق بإدارة تلك الحياة وتنظيمها. <ref>Rosemary Radford Ruether,''[https://books.google.com.lb/books/about/Women_Healing_Earth.html?id=6D0qAAAAYAAJ&redir_esc=y Women Healing Earth: Third World Women on Ecology, Feminism, and Religio]'', 1996.</ref> |
| | | |
− | فترى غراي أن هناك نظام تراتبي للوجود، المراتب الدنيا فيه - سواء من الإناث أو الأطفال أو الحيوان أو النبات - يمكن معاملتها، أو إساءة معاملتها، أو التعدي عليها، أو المتاجرة بها، أو التضحية بها، أو قتلها باسم المراتب العليا للوجود الروحاني المتجسد في الذكور أو الإله. والطبيعة، التي ليست وحسب في أسفل هذا الهرم، بل ومليئة بالقذارة والدم والمفاجآت الطبيعية البغيضة من قبيل الزلازل والفيضانات والعواصف الطائشة، هذه الطبيعة مرشَّحة بجلاء لتكون جائزة يفوز بها "السيد" الأكثر بطشًا من الجميع.
| |
| | | |
− | كما أنه تاريخيًا، وتحديدًا في سياق أميركا اللاتينية، ركزت عالمات الأخلاق الرومانية الكاثوليكية التقليدية وعالمات [[اللاهوت التحرري]] على القضايا الأخلاقية المتعلقة بالفقر وعدم المساواة الاجتماعية. وهذا ما خلق مساحة للاهوت التحرري والذي يركز بشكل أساسي على المجتمعات الأكثر هشاشةً، وهنا توصلت المنتميات إلى هذا الفكر إلى واقع أن أكثر المتضررين من تدمير البيئة هم النساء. أدى هذا الاستخلاص إلى جعل اللاهوت التحرري في أميركا اللاتينية يربط ما بين تدمير البيئة والنسوية وتطوير أخلاقيات بيئية قائمة على اللاهوت.
| + | وعليه فإن أساس علم اللاهوت النسوي، واللاهوت النسوي-البيئي تحديدًا هتحليل الأطر اللاهوتية التي تساعد في قمع النساء والطبيعة من منطلق السيطرة والهيمنة والذي يشرّع القمع المشترك للمرأة والطبيعة. وبالتالي، تعزيز المفاهيم الروحانية المرتبطة بالطبيعة تدعم النسوية-البيئية حيث تعمل على تحدي الهياكل والممارسات الأبوية في سياق الديانات. |
− | ترى روزماري روثر في تحليلها للسياق الذي أنتج لاهوت الشرق الأدنى والثقافات المسيحية المبكرة أنّه كان ينظر للنساء والطبيعة على أنهن مساحات يجب أن تُحكم. وكما أن تقسيم العمل المجندر في ذلك الوقت كان يرى أن عمل المرأة هو محصور في ضمان استمرارية الحياة (أي الولادة) بينما عمل الرجال هو ما يتعلق بإدارة تلك الحياة وتنظيمها.
| |
| | | |
− | وترى روزماري روثر في تحليلها للسياق الذي أنتج لاهوت الشرق الأدنى والثقافات المسيحية المبكرة أنّه كان ينظر للنساء والطبيعة على أنهن مساحات يجب أن تُحكم. وكما أن تقسيم العمل المجندر في ذلك الوقت كان يرى أن عمل المرأة هو محصور في ضمان استمرارية الحياة (أي الولادة) بينما عمل الرجال هو ما يتعلق بإدارة تلك الحياة وتنظيمها.
| + | ====تراتبية الكائنات التوراتيّة==== |
− | | + | تعد عالمة اللاهوت [[إليزابيث دودسون غراي]] من أوائل مُفكرات النسوية البيئية اللاتي درسن الأدوار التي يلعبها الخيال الديني والجنسي في التراث الأبوي اليهودي-المسيحي والتقاليد الفكرية الغربية.<ref>Karen Warren, ''[https://books.google.com.eg/books?id=HsNM29FGblgC&pg=PA30&lpg=PA30&dq=Elizabeth+Dodson+Gray+and+ecofeminism&source=bl&ots=_rqGBRNooE&sig=ACfU3U2rWPTgdxpQmghgGK0UoyKPWkjI_w&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwiLu-2_ttvpAhVG1hoKHTEAD2MQ6AEwEHoECAgQAQ#v=onepage&q=Elizabeth%20Dodson%20Gray%20and%20ecofeminism&f=false Ecofeminist Philosophy: A Western Perspective on what it is and why it Matters]'', P.30, 2000. </ref>ففي كتابها الفردوس الأخضر المفقود (Green Paradise Lost (1979، تشير إليزابيث إلى وجود تراتبية مدمِّرة للكائنات في جوهر الوصف التوراتي لحدث الخلق، فتشير أنه في القصة التوراتية لطبيعة الأشياء تأتي المرأة بعد بل وأدنى من الرجل؛ فخُلقت المرأة من جسم رجل وليس من جسم امرأة كما يحدث طبيعيًا ومن ثم يخلق الأطفال، وهم كائنات ثانويّة لا يتم حتى ذكرهم في قصة الخلق. ثم تخلق الحيوانات التي لا تمتلك الروح البشرية "الفريدة" ولذلك تأتي في منزلة أدنى. ويأتي بعدها النباتات التي لا تتحرك حتى. وتعد أساس الطبيعة نفسها - الهضاب والجبال والأنهار والأودية - قعر كل الخلق. أما السماوات والقمر والنجوم فهي أقرب إلى الإله وأعلى من كل المخلوقات. وكلما صعد المرء في "هرم الهيمنة والمنزلة" التراتبية هذا إلى الأعلى اقترب من كل ما هو روحي وسامٍ. |
− | إن الأمثلة أعلاه تثبت أنّ تحليل الأطر اللاهوتية التي تساعد في قمع النساء والطبيعة من منطلق السيطرة هو أساس علم اللاهوت النسوي، واللاهوت النسوي-البيئي تحديدًا. وترى عالمات اللاهوت النسوي أن منطق الهيمنة يشرّع القمع المشترك للمرأة والطبيعة. وبالتالي، تعزيز المفاهيم الروحانية المرتبطة بالطبيعة تدعم النسوية-البيئية من ناحية تحديها للهياكل والممارسات الأبوية في سياق الديانات.
| |
− | ولذلك يتم وضع اللاهوت النسوي-البيئي في إطار اللاهوت التحرري (أي استخدام الأطر الدينية من أجل دعم حركات التحرر الإجتماعية). وظهر اللاهوت النسوي تحديدًا في أميركا اللاتينية في السبعينات حيث أدّى القمع والتهميش والسيطرة على الأراضي من قبل الشركات والهجمة النيوليبرالية الشرسة إلى دفع مجموعات كبيرة من الأشخاص إلى إعادة التفكير في التقليد المسيحي تحديدًا. واللاهوت النسوي يجعل من تحرر النساء قضية مركزية للمهمة اللاهوتية؛ لذلك بنت عدة عالمات لاهوت أبحاث وتأويلات عديدة وكذلك نماذج تفسيرية نسوية للدين من أجل وضع علاقة حاسمة بين النظرية (أي الدين) والتطبيق (أي الحركات الإجتماعية). وكان للسياق المتعلق بالحق في الأرض والدفاع عنها ومناهضة الاستعمار أثرًا واضحًا من حيثية دفعه إلى اعادة تفكيك العلاقة الثنائية بين الطبيعة والإنسان، وكذلك المرأة والرجل وإعادة التفكير في الهرمية التي تحكم تلك العلاقات الثنائية، وخاصة تلك التي قامت عليها الديانات الإبراهيمية. ولذلك، يدعوت اللاهوت النسوي البيئي إلى إعادة التفكير في الكون، الأرض والطبيعة والبيئة والعلاقة بين العدالة للنساء والبيئة.
| |
− | | |
− | أمّا فيما يتعلق بالإسلام والنسوية البيئية، فترى نوال عمّار أنّ القراءة الأبوية للقرآن وذلك بنية السلطة الدينية في المجتمعات الإسلامية هي التي تميّز ضد النساء وليس الإسلام نفسه؛ حيث تعد عمّار أنّ النص الديني يجسّد المساواة بين النساء والرجال من ناحية المسؤولية الأخلاقية. وكما ترى أن الإسلام يرى أنّ الطبيعة هي خلق الله وتعكس قدسيّته، وكل الخليقة هي أيضًا انعكاس لعظمته ووحدة خليقة الله تثبت أن الكون كله نظام واحد؛ وتم اعطاء البشر مسوؤلية إدارة الأرض لأنهم يمتلكون صفات خاصة، وليس لامتلاكهن صفات أفضل ولذلك على الناس تحسين الأرض والاستمتاع بخيراتها بدلًا من تدميرها. وانطلاقًا من تجسيده للمساواة، وهي ترى ذلك في صميم النسوية البيئية، فتخلص عمّار إلى أنّ الإسلام متوافق مع النسوية البيئية.
| |
| | | |
| + | وتحاجج إليزابيث أن أساطير الخلق الدينية القديمة بطريركية وذات نزعة طبيعية؛ ففي النظام التراتبي للوجود يمكن إساءة معاملة أو التعدي أو المتاجرة أو التضحية أو قتل المراتب الدنيا فيه - سواء الإناث أو الأطفال أو الحيوان أو النباتات - باسم المراتب العليا للوجود الروحاني المتجسد في الذكور أو الإله. والطبيعة، التي لا تعتبر فقط في أسفل هذا الهرم، بل ومليئة بالقذارة والدم والمفاجآت الطبيعية البغيضة مثل الزلازل والفيضانات والعواصف الطائشة، هذه الطبيعة مرشَّحة بجلاء لتكون جائزة يفوز بها "السيد" الأكثر بطشًا من الجميع. <ref>Elizabeth Dodson Gray, ''Green Paradise Lost'', P.03-05, 1981.</ref> |
| | | |
| + | ====الإسلام والطبيعة==== |
| + | أمّا فيما يتعلق بالإسلام والنسوية البيئية، فترى [[نوال عمار | نوال عمّار]] أنّ القراءة الأبوية للقرآن وذلك بنية السلطة الدينية في المجتمعات الإسلامية هي التي تميّز ضد النساء وليس الإسلام نفسه؛ حيث تعد عمّار أنّ النص الديني يجسّد المساواة بين النساء والرجال من ناحية المسؤولية الأخلاقية. وكما ترى أن الإسلام يرى أنّ الطبيعة هي خلق الله وتعكس قدسيّته، وكل الخليقة هي أيضًا انعكاس لعظمته ووحدة خليقة الله تثبت أن الكون كله نظام واحد؛ وتم اعطاء البشر مسوؤلية إدارة الأرض لأنهم يمتلكون صفات خاصة، وليس لامتلاكهن صفات أفضل ولذلك على الناس تحسين الأرض والاستمتاع بخيراتها بدلًا من تدميرها. وانطلاقًا من تجسيده للمساواة، وهي ترى ذلك في صميم النسوية البيئية، فتخلص عمّار إلى أنّ الإسلام متوافق مع النسوية البيئية.<ref>Nawal Ammar ''[https://crcs.ugm.ac.id/are-islamic-thinking-and-ecofeminism-possible/ Are Islamic Thinking and Ecofeminism Possible?]'',The Center for Religious .and Cross-cultural Studies, 2007</ref> |
| | | |
| ==النسوية البيئية كحركة اجتماعية== | | ==النسوية البيئية كحركة اجتماعية== |