سطر 24: |
سطر 24: |
| كان لإخضاع النساء منذ ظهور [[نظام أبوي |النظام الأبوي]] أوجه عدة بدأت بإحكام السيطرة الاقتصادية ثم الاجتماعية وبعدها تفرعت الأبوية لتُكَوِن جذورها في باقي البنيات، ونسجت بفعلها المرويات والقصص التي تؤرخ للعلاقة بين المرأة وبين الأفعال “الشيطانية” ترجع في كثير منها لإعتقادات دينية تصور المرأة بأنها خطرة، ونجسة وضعيفة، وغير جديرة بالثقة. | | كان لإخضاع النساء منذ ظهور [[نظام أبوي |النظام الأبوي]] أوجه عدة بدأت بإحكام السيطرة الاقتصادية ثم الاجتماعية وبعدها تفرعت الأبوية لتُكَوِن جذورها في باقي البنيات، ونسجت بفعلها المرويات والقصص التي تؤرخ للعلاقة بين المرأة وبين الأفعال “الشيطانية” ترجع في كثير منها لإعتقادات دينية تصور المرأة بأنها خطرة، ونجسة وضعيفة، وغير جديرة بالثقة. |
| | | |
− | النظرة للمرأة ككيان دنس ترتبط ارتباطاً مباشراً بالظواهر العضوية المرتبطة بتكوينها الجسدي كالحمل والولادة وال[[حيض]] والنفاس. | + | النظرة للمرأة ككيان دنس ترتبط ارتباطاً مباشراً بالظواهر العضوية المرتبطة بتكوينها الجسدي كالحمل والولادة و[[دورة شهرية | الحيض]] والنفاس. |
| وعلى الرغم من أن أهمية المرأة في الأبوية ارتبطت أساسا بخصوبتها أي مقدرتها على إنجاب الأفراد والأتباع للنظام، إلا أن النظر لهذه الظواهر البيولوجية التي يمر بها جسدها انتقلت من الحيرة والدهشة التي دفعت الإنسان لتقديسها إلى النقيض تماما، حيث يظهر الحيض مثلا في عدة ثقافات بأنه يوحي بالموت والدنس والخوف: الخوف خصوصاً مما يمثله الحيض من توقف الخصوبة أو انتهائها. | | وعلى الرغم من أن أهمية المرأة في الأبوية ارتبطت أساسا بخصوبتها أي مقدرتها على إنجاب الأفراد والأتباع للنظام، إلا أن النظر لهذه الظواهر البيولوجية التي يمر بها جسدها انتقلت من الحيرة والدهشة التي دفعت الإنسان لتقديسها إلى النقيض تماما، حيث يظهر الحيض مثلا في عدة ثقافات بأنه يوحي بالموت والدنس والخوف: الخوف خصوصاً مما يمثله الحيض من توقف الخصوبة أو انتهائها. |
| | | |
سطر 32: |
سطر 32: |
| لماذا؟ لأنها مُصابة بعائقٍ جلَلْ، يُجبرها على تحمّل جسدها على شكل فوضى عارمة لا تمكن السيطرة عليها: إنها تحيض! في حين يتمتع الرجل بالسيطرة التامة على جسده و يمكنه أن يتفرغ للنشاط الفكري. | | لماذا؟ لأنها مُصابة بعائقٍ جلَلْ، يُجبرها على تحمّل جسدها على شكل فوضى عارمة لا تمكن السيطرة عليها: إنها تحيض! في حين يتمتع الرجل بالسيطرة التامة على جسده و يمكنه أن يتفرغ للنشاط الفكري. |
| المرأة تفقد دمَها، دون سيطرة منها والرجل يُعطي دمه بطلاً إن أُصيب بجرح. | | المرأة تفقد دمَها، دون سيطرة منها والرجل يُعطي دمه بطلاً إن أُصيب بجرح. |
− | ستكون لهذه التقسيمات عواقب تاريخية على تقسيم العمل وتقسيم المجال العام بين الرجال والنساء. | + | ستكون لهذه التقسيمات عواقب تاريخية على تقسيم العمل وتقسيم [[مجال عام | المجال العام]] بين الرجال والنساء. |
| | | |
| ==من الدهشة إلى السلطة== | | ==من الدهشة إلى السلطة== |
| | | |
− | يُعتقد أن جذور هذا التقسيم قد تعود إلى العصور الغابرة التي لم يكن لدى الإنسان فيها أدنى فكرة عن علم التشريح ولا عن العمل البيولوجي للجسم. | + | يُعتقد أن جذور هذا [[أدوار جندرية | التقسيم]] قد تعود إلى العصور الغابرة التي لم يكن لدى الإنسان فيها أدنى فكرة عن علم التشريح ولا عن العمل البيولوجي للجسم. |
| كان الفرق الأساسي بين الرجال والنساء، والمتكرر عند كل النساء -والذي يميِزهن جوهرياً عن الرجال، فرقا واضحا جليا : هُن يفقدن دمَّهن إنه “فرق أحمر”. | | كان الفرق الأساسي بين الرجال والنساء، والمتكرر عند كل النساء -والذي يميِزهن جوهرياً عن الرجال، فرقا واضحا جليا : هُن يفقدن دمَّهن إنه “فرق أحمر”. |
| تصوروا كيف كانت لتبدو في نظر هؤلاء الرجال تلك المخلوقات المسكينة، ماذا حدث لهن؟ لماذا فجأة يفقدن دمهن؟ أحمر قانٍ، وتارة أسود غريب ومُزعج حيناً، تصاحبه آلام تمنعها من الوقوف عادة ويتحول عندها إلى مادة داكنة متخثرة، لزجة ولاصقة كالحيوان الجريح… يضطررن إلى البحث عن الأوراق والنباتات لمسح تلك السوائل عنهن ويبحثن عن الماء. | | تصوروا كيف كانت لتبدو في نظر هؤلاء الرجال تلك المخلوقات المسكينة، ماذا حدث لهن؟ لماذا فجأة يفقدن دمهن؟ أحمر قانٍ، وتارة أسود غريب ومُزعج حيناً، تصاحبه آلام تمنعها من الوقوف عادة ويتحول عندها إلى مادة داكنة متخثرة، لزجة ولاصقة كالحيوان الجريح… يضطررن إلى البحث عن الأوراق والنباتات لمسح تلك السوائل عنهن ويبحثن عن الماء. |
سطر 78: |
سطر 78: |
| ولكن هذا ليس كل ما في الامر إنها تُلوث أيضاً الهواء وكل ما لامسها، ولذلك يحرم عليها أن تمُدَّه مباشرة وإنما عليها أن ترميه أرضاً ولا تقدم لزوجها طعامه قبل أن تُحيط صحنه بقماش عازل حتى لا تلمسه. | | ولكن هذا ليس كل ما في الامر إنها تُلوث أيضاً الهواء وكل ما لامسها، ولذلك يحرم عليها أن تمُدَّه مباشرة وإنما عليها أن ترميه أرضاً ولا تقدم لزوجها طعامه قبل أن تُحيط صحنه بقماش عازل حتى لا تلمسه. |
| أما الكتاب المقدس التوراة فيحرم عليها لمسه نهائياً وإن فعلت قد يسبب ذلك الإثم انهيار معبد أورشليم ولذلك يحرم عليها دخول المعبد . | | أما الكتاب المقدس التوراة فيحرم عليها لمسه نهائياً وإن فعلت قد يسبب ذلك الإثم انهيار معبد أورشليم ولذلك يحرم عليها دخول المعبد . |
− | “من لامس مقعداً أو فراشاً جلست عليه الحائض، عليه أن يُظهر ثيابه، أن يغتسل بالماء، وسيظل نجساً حتى الليل” كما في التوراة… | + | “من لامس مقعداً أو فراشاً جلست عليه الحائض، عليه أن يُطهر ثيابه، أن يغتسل بالماء، وسيظل نجساً حتى الليل” كما في التوراة… |
| لا يجوز مصافحتها ولا النظر إلى عينيها، لا يجوز الاضطجاع بالقرب منها ولا استنشاق رائحتها ولا حتى الإنصات إلى غنائها. | | لا يجوز مصافحتها ولا النظر إلى عينيها، لا يجوز الاضطجاع بالقرب منها ولا استنشاق رائحتها ولا حتى الإنصات إلى غنائها. |
| | | |
سطر 94: |
سطر 94: |
| “الخنزير، الديك، الكلب، المرأة الحائض، المَخْصِيُ هؤلاء لا يحق لهم النظر إلى البراهمان عند تناوله للطعام “. والبراهمان هم أعلى درجة النبلاء العلماء بمثابة الفقهاء أو الكهنة . | | “الخنزير، الديك، الكلب، المرأة الحائض، المَخْصِيُ هؤلاء لا يحق لهم النظر إلى البراهمان عند تناوله للطعام “. والبراهمان هم أعلى درجة النبلاء العلماء بمثابة الفقهاء أو الكهنة . |
| | | |
− | في النيبال مازالت هذه الطقوس تطبق اليوم وتعرف بعادات الشاوبادي Chaapaudi، تُعتبر النساء في مقام الحيوان وتُطرد إلى الأعرشة والكهوف، يُحرم عليهن ارتداء الثياب واستعمال منابع المياه العامة كي لا يلوثنها كما يعرضهن هذا النفس المتعمد للإغتصاب المشرع بحكم حيونتهن وقت الحيض، الكثيرات يمتن من البرد، ومن الجوع أثناء تلك الخلوة . | + | في النيبال مازالت هذه الطقوس تطبق اليوم وتعرف بعادات الشاوبادي Chaapaudi، تُعتبر النساء في مقام الحيوان وتُطرد إلى الأعرشة والكهوف، يُحرم عليهن ارتداء الثياب واستعمال منابع المياه العامة كي لا يلوثنها كما يعرضهن هذا النفس المتعمد لل[[اغتصاب]] المشرع بحكم حيونتهن وقت الحيض، الكثيرات يمتن من البرد، ومن الجوع أثناء تلك الخلوة . |
| | | |
| يعتقد الهنود أن المرأة الحائض إذا لامست قنينة من الخيار فإنها تفسد ذلك الخيار كله. | | يعتقد الهنود أن المرأة الحائض إذا لامست قنينة من الخيار فإنها تفسد ذلك الخيار كله. |
سطر 116: |
سطر 116: |
| | | |
| بالنسبة للمسيحية لا تُعتبر من أشرس الديانات إقصاءً للحائض، ربما لعلاقة المسيحية الوطيدة بدم المسيح عند الصلب. | | بالنسبة للمسيحية لا تُعتبر من أشرس الديانات إقصاءً للحائض، ربما لعلاقة المسيحية الوطيدة بدم المسيح عند الصلب. |
− | لكن دم الحيض يبقى مادة نجسة , في القرون الوسطى حث البير الأكبر Albert Le grand ,(الذي سينال مرتبة دكتور كنيسة وقديس ) الرجال على الابتعاد عن النساء أثناء الحيض لأن تلك النساء يحملن سماً يُعطي مرض الجذام والسرطان… | + | لكن دم الحيض يبقى مادة نجسة , في القرون الوسطى حث ألبير الأكبر Albert Le grand ,(الذي سينال مرتبة دكتور كنيسة وقديس ) الرجال على الابتعاد عن النساء أثناء الحيض لأن تلك النساء يحملن سماً يُعطي مرض الجذام والسرطان… |
| نفس الشيء بالنسبة لدم “البكارة” الذي كان يُعتبر مشؤوماً، وعن دم النفاس الذي كان يجب التطهر منه بصرامة وحتى مريم العذراء لم تُستثنى من ذلك التطهر بعد وضع عيسى لتتمكن من الدخول إلى معبد أورشليم. | | نفس الشيء بالنسبة لدم “البكارة” الذي كان يُعتبر مشؤوماً، وعن دم النفاس الذي كان يجب التطهر منه بصرامة وحتى مريم العذراء لم تُستثنى من ذلك التطهر بعد وضع عيسى لتتمكن من الدخول إلى معبد أورشليم. |
| | | |
سطر 133: |
سطر 133: |
| ==الحيض اليوم بين الإسكات والتقنين== | | ==الحيض اليوم بين الإسكات والتقنين== |
| | | |
− | رسخ النظام الأبوي قبضته في كل ثقافة استطاع اختراقها، يجر خلفه قرونا من الاعتقداءات والتصورات التي شحنت بالأساطير عن جسد المرأة ومايمثله، أثر ذلك في الطب، والسياسة، والأديان، والمجتمع، لم يعد الجسد الأنثوي بعد أول مظهر للإقصاء والسلطة يعني صاحبته أو يمثل لها فضاءً حميما تفرض به ومن خلاله قواعدها، بل أصبح ملكية يصيغ عنه الرجل الغريب تماما خصائصه ومايجب أن تعرف عنه وكيف تتعامل معه، فقد أثر احتكار الرجال للامتيازات الذكورية ومن بينها سن الأعراف والقيم وتمرريها وفرضها كتصورات عامة على مدى وصول المرأة لمعلومات كافية عن جسدها وما يكابده من ظواهر عضوية كالحيض والحمل والنفاس، وأصبح هو من يحدد كم المعلومات التي تعرفها والفضاء الذي تناقش فيه وتسأل فيه عن شيء يلتصق بها بشكل كلي لكنها في معظم المجتمعات تجهله بشكل كامل أيضاً. | + | رسخ النظام الأبوي قبضته في كل ثقافة استطاع اختراقها، يجر خلفه قرونا من الاعتقداءات والتصورات التي شحنت بالأساطير عن جسد المرأة ومايمثله، أثر ذلك في الطب، والسياسة، والأديان، والمجتمع، لم يعد الجسد الأنثوي بعد أول مظهر للإقصاء والسلطة يعني صاحبته أو يمثل لها فضاءً حميما تفرض به ومن خلاله قواعدها، بل أصبح ملكية يصيغ عنه الرجل الغريب تماما خصائصه ومايجب أن تعرف عنه وكيف تتعامل معه، فقد أثر احتكار الرجال للامتيازات ال[[ذكورية]] ومن بينها سن الأعراف والقيم وتمرريها وفرضها كتصورات عامة على مدى وصول المرأة لمعلومات كافية عن جسدها وما يكابده من ظواهر عضوية كالحيض والحمل والنفاس، وأصبح هو من يحدد كم المعلومات التي تعرفها والفضاء الذي تناقش فيه وتسأل فيه عن شيء يلتصق بها بشكل كلي لكنها في معظم المجتمعات تجهله بشكل كامل أيضاً. |
| | | |
| مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي انكبت النساء بنهم بحثا عن مصادر لمعلومات عن أجسادهن فحتى وجود المستشفيات لم يغير من امكانية وصولهن للمعرفة اليقينة مادامت كل امرأة تبحث عن جسدها في الفضاء العام ومؤسساته تعامل بريبة كيف تتحدث عن ذلك علناً؟ أين الحياء؟ ألم تُقنن سابقاً الطرق التي يتوجب عليها اتباعها للحصول على المعلومات عن جسدها أي سراً وهمساً؟ | | مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي انكبت النساء بنهم بحثا عن مصادر لمعلومات عن أجسادهن فحتى وجود المستشفيات لم يغير من امكانية وصولهن للمعرفة اليقينة مادامت كل امرأة تبحث عن جسدها في الفضاء العام ومؤسساته تعامل بريبة كيف تتحدث عن ذلك علناً؟ أين الحياء؟ ألم تُقنن سابقاً الطرق التي يتوجب عليها اتباعها للحصول على المعلومات عن جسدها أي سراً وهمساً؟ |