وثيقة:أسطورة الجمال - بين تسليع جسد المرأة وتحررها
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | العالية ماء العينين |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | نحو وعي نسوي |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | https://feministconsciousnessrevolution.wordpress.com/2018/09/17/%20أسطورة-الجمال-بين-تسليع-جسد-المرأة-و-تط/
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | https://archive.is/n3Mfs
|
قد توجد وثائق أخرى مصدرها نحو وعي نسوي
تتخذ السيطرة على المرأة أشكالا عديدة. فبالإضافة إلى الأساليب الجلية لإخضاع المرأة، من قيم دينية وعادات وتقاليد، توجد أدوات بغلاف أكثر جمالا، لكنّها لا تقل عنفا وخطرا عن غيرها. إحدى هذه الأدوات هي “جمال” المرأة نفسه.
“أسطورة الجمال” هي حركة مقاومة ضد الحريات التي نالتـها المرأة في العقود الأخيرة، فالقيود الاجتماعية التي كانت تحاصر حياة المرأة، صارت اليوم تحاصر وجهها وجسدها. وفي حين كان تركيز المجموعات النسوية منصبا على تخطي العقبات المادية والقانونية والسياسية الحائلة دون تحسين وضع المرأة، ظهر عائق آخر، وهو الصور الشائعة حول الجمال الأنثوي. يمكن القول أن هذه الأسطورة -“أسطورة الجمال”- هي ردُّ فعلٍ انتقامي على المكاسب التي حققتها الحركات النسوية في العقود الأخيرة، ما جعل المرأة تعاني وتعيش ضمن سجن ذكوري تحت ضغط اجتماعي يفرض عليها الإمتثال لمعايير الأنوثة.
مع خرق المرأة لبنية السلطة السائدة من جهة، ظهرت من جهة أخرى مشكلات اجتماعية وصحية عميقة لها علاقة بمظهر المرأة وسياسة الجسد، كإضطرابات الطعام، وازدهرت قطاعات اقتصادية تعتمد على الإتجار بجسد المرأة كصناعة مستحضرات التجميل والجراحة التجميلية. وتقوم على ذلك شركات رأسمالية ومصحات عالمية كبيرة بداية من إنتاج أدوات التجميل، مرورا بآخر صيحات الموضة، وصولا إلى تنظيم مسابقة ملكة جمال العالم وتطوير وسائل عمليات التجميل .
وتسعى الأنظمة الذكورية بفرضها لهذه المعايير الأسطورية إلى استنزاف طاقة المرأة وسلب تقديرها لذاتها، إذ تخلق لها دواماً ثالثاً إلى جانب مهنتها وأعمالها المنزلية، ما يُقلِّص من طموحاتها ودوافعها وحتى ثقتها بقدرتها على تحسين ظروف عملها وحياتها فتلجأ إلى الجراحة التجميلية و الحميات الغذائية. ووجب الذكر أن هذه الأخيرة قد باتت شريطًا مشروخًا يقبع في خلفية حياة معظم النساء ما قد ينتج عنه أمراض و اضطرابات نفسية نذكر منها : فقدان الشهية العصبي الذي يتمثل في الخوف المرضي والرعب الزائد من زيادة الوزن وقلة الثقة بالنفس نتيجة الوزن مما يدفع الشخص إلى النفور من الطعام، و نجد أيضا فرط الشهية المرضي الذي يتمثل في الشهية المفرطة لتناول الطعام، ثم الإحساس بالذنب ومحاولة التخلص من السعرات الحرارية بطريق غير صحية كالتقيؤ القسري أو الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية.
في كتاب “The beauty myth” للصحافية والسياسية نعومي وولف توضح أن خطايا اليوم، لم تعد تتمثل في الانسياق وراء الرغبة الجنسية، بل وراء الرغبة الغذائية. وللتكفير عن هذه الخطايا، والعودة إلى جادّة الإيمان القويم، يتحتم على المرأة أن تقاسي في سبيل تحقيق معايير الجمال.
و إذا كان هاجس النساء في العالم الجسم النحيف، فإن النساء في مجتمعنا الحساني يخضعن لسلطة التسمين حيث تسعى النساء إلى البدانة والجسم الممتلئ عبر إتباع نظام غذائي قاس في الغالب للحصول على جسد لائق تكون به محل احترام داخل مجتمعها حيث تعتبر الفتاة الممتلئة رمزا لثراء عائلتها، أما النحيفة فتعد رمزا للفقر والحرمان. لذلك تلجأ النساء لاستخدام أساليب خطيرة وخلطات كيميائية oradixon nuravit/ pernabol / مواد تستخدم لعلاج الربو والحساسية قد تكون لها عواقب و اضرار صحية على المدى البعيد اذا ما تم الافراط في تناولها، نذكر منها العقم وأمراض القلب وهشاشة العظام وغيرها .
لا تستوعب المرأة في مجتمعنا الحساني أنها لن تسمو أبدا للنموذج الذي يقدمه مجتمعها حيث لن ترتقي إلى المعايير الخيالية المفروضة عليها، فهي بذلك تضرب عرض الحائط جوهر وجودها و تشرعن استمرارية بقاءها مضطهدة وخاضعة للسلطة الذكورية. لكن ما يجب أن تستوعبه المرأة هو أن الجمال فكرة لا يتلقاها عقلان بنفس الطريقة لذا يصبح تحديد معايير ثابتة له أمرا مستحيلا ولو خلق الجمال على هيئة واحدة لكان مُملا لذلك على المرأة أن تحب ذاتها كما هي.
من جهة أخرى نجد الإعلام كأداة أبوية يساهم في هذه الأسطورة حيث يروج خصوصاً المجلات الموجهة إلى النساء، للنموذج السائد للمرأة التي لا تتجاوز طموحاتها جدران المنزل وهو سيدة المنزل المثالية المهووسة بالتنظيف والطبخ وإعداد جو منزلي “مثالي” للزوج والأولاد، هذا النموذج -نموذج ربة البيت المتمرسة- صنع قاعدة استهلاكية مواتية للنظام الرأسمالي، صارت المرأة فيه تتابع آخر صيحات أجهزة التنظيف مستثنين دور هذه المرأة في المجال العام، كأنه غير موجود. لكن مع تحصيل النساء لحريات سياسية وقانونية تهدد المنظومة القائمة، سارع الإعلام إلى استبدال دور المرأة كربة منزل بدورها كرمز للجمال و التعاطي مع جسدها كموضوع.
تنافست المنابر الاعلامية التي تحكمها العقلية الذكورية في تسليع وتنميط جسد المرأة عن طريق تقديم و ترسيخ صورة مغلوطة عنها ما جعلها حبيسة تفاصيل جسدها دون أن تتعداها فلا يمكن أن تفتح التلفاز أو تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي إلا وتواجهك عشرات الإعلانات التي تخبر المرأة كيف عليها أن تظه، وتقدم لها أمثلة عليا في الجمال ليس من السهل الوصول إليها. وبذلك فالإعلام يمارس نوعا من العنف ضد المرأة يتجلى في النيل من وجودها الانساني عن طريق اهمال مشاركتها في الحياة العامة وما حققته من انجازات والتركيز فقط على تشييئها قولبتها وفق معايير جمال وأنوثة متغيرة هي الاخرى.
بعد أن كانت المرأة تبحث عن مكانتها في المجتمع أصبحت اليوم تبحث عنها بين أجساد النساء الأخريات ولعلنا سنعود إلى الوراء في ما يخصّ تحرّر المرأة من قيود الانظمة الأبوية، وذلك مع توسع انتشار هذه الأسطورة في العصر الرقمي. استمرار أسطورة الجمال هذه بأذرعها التي تتداخل في أهم تفاصيل حياة النساء ليس من مصلحة أحد فهذه المعارك الجمالية لن تجلب سوى البؤس للنساء لذلك وجب التحرر من هذه القيود وبذلك سنحقق ثورة استثنائية.