وثيقة:الرؤية النسوية للذكورية في مجال طب النفس

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.


مقدمة

بمناسبة يوم التوعية العالمية للصحة النفسية، وتبعاً للرغبة في الكتابة عن التجارب الشخصية في الصحة النفسية كإمرأة نسوية قبل كل شيء، بعد قضاء نهاية الأسبوع مع مجموعة من الأشخاص لقراءة بعض النصوص عن الصحة النفسية في ظلّ النظام الأبوي عبر مشروع الألف، قررت أن ألخص وأترجم احدى الكتابات عن رؤية بعض التيارات النسوية لمصدر الذكورية ضمن الطب النفسي كمقدمة، وسأبدأ بورقة بحثية تحت عنوان “التمييز الجنسي والطب النفسي” أو “Sexism and Psychiatry” للكاتبة ’جون بصفيلد‘.

تبدأ الكاتبة بتوضيح أهمية وجود تحليل نسوي للطب النفسي، كونه مجال يخضع للنظام الأبوي ككافة المجالات الطبية، وهو أمر أتطرّق له ببساطة هنا، فتعتمد على كتابين كلاسيكيين لنسويات حاولن اتخّاذ النسوية كمنظار لنقد ذكورية الطب النفسي من قبل: الكتاب الأول هو كتاب “النساء والجنون” او “Women and Madness” للكاتبة ’فيليس شيسلر‘، أما الثاني فهو ورقة بحثية بعنوان “الطب النفسي والمؤنث” او “Psychiatry and the Feminine” للكاتبة ’هيلاري آلين‘. تختلف كلّاً من ’شيسلر‘ و’آلين‘ في تحليلهما لتلك الذكورية، ولكلّ من الرأيين مؤيّدين ومعارضين ضمن المدارس النسوية المختلفة.

الطب النفسي ذكوري جوهرًا

تعتبر ’شيسلر‘ كغيرها العديد من النسويات أن الذكورية تقبع في جوهر الطب النفسي، فهو مبني بشكل أساسي على أفكار المجتمع الأبوي فيما يتعلّق بثنائية المرض والصحّة. المجتمع الأبوي بطبيعة الحال يصنف كل الصفات التي تُربط بالذكورة تحت خانة “الصحّي” و”الطبيعي”، بينما يضع كل ما يشذّ عن تلك القاعدة، أي كل ما هو أنوثي او مفرط الأنوثية، تحت خانة “المرضي” و”غير الطبيعي”. يتبع التشخيص النفسي تلك القاعدة، مسنداّ حجّته بالأدوار الجندرية التي يتوقعها المجتمع، فيجعل كل من يخالف المتوقع منه في محلّ إتّهام. لذلك نجد أن المرأة لا تسلم من التشخيصات المرضية عندما تعبّر عن مشاعرها، حيث يتوقع منها أن تكون أنثى هادئة بتصرّفاتها، فتتجنب التعبير المفرط عن غضبها أو مشاعرها التي يمكن أن تلبسها تهمة “الهسترة”، مثلما عليها أن تتجنب انعدام المشاعر وأن تتصرّف بطرق متوقعة من الرجال، كي لا تُتهم بأنها أيضا مريضة كونها لا تقوم بدورها الأنثوي العاطفي الطبيعي. أما الرجل، فتشخيصه يأتي عبر ممارسته لما يعتبر أنثوي، ولكن أي مبالغة في الممارسات “ الرجولية” لا تضعه محط الإهتمام. “الرجولية” تستحق الإحتفاء بها، لا الرجم.

من هذا المنطلق، تعتبر ’شيسلر‘ أن الأمراض النفسية هي أمراض ناتجة عن التركيب الإجتماعي، يحددها المجتمع عبر رفضه لكل ما هو مختلف وشاذّ عن التوقعات الجندرية. تستند الكاتبة في تحليلها الى حقيقة أن النساء أكثرعرضة للتشخيص، كما أنهّن مُمَثلات بشكل أكبر، أكثر عرضة للتحرّش و الإستغلال الجنسي من قبل أطباء النفس، والأطباء أكثر ميلاً لوصف الأدوية لهن من الرجال.

الطب النفسي يعكس ذكورية المجتمع

جائت هذا التيّار ردّاً على كتابات ’شيسلر‘ بالشكل الأساسي وجوهرة الذكورية في الطب النفسي، فكانت ورقة ’آلين‘ البحثية بمثابة النقلة النوعية في تحليل التمييز في هذا المجل من منظور نسوي. عكس شيسلر، وضعت آلين الأبوية خارج جوهر الطب النفسي، حيث تلعب ذكورية المجتمع والتمييز الجنسي في دفع النساء كي يقعن ضحايا التشخيصات المرضية العديدة. إذا، الأمراض ليست مرّكب إجتماعي مبني على التوقعات المجتمعية للجندر، بل هي الحالة التي تصل لها النساء بسبب الظلم والإضطهاد والتوقعات غير الطبيعية منها في المجتمع. النساء اللواتي يصبن بالجنون لسن مفرطات العاطفة، وبالتالي ضحية تشخيص خاطىء، بل هنّ مجنونات ولكنهن مدفوعات من مجتمع لا يحميهن الى هذا الجنون.

من هذا المنطلق، ترى ’آلين‘ أن انتقاداتنا للذكورية ضمن الطب النفسي هي امتداد لانتقاداتنا للمجتمع والنظام الأبوي، حيث أنّ اي مؤسسة ضمن هذا النظام ستعكس أبويته تلقائياً. تدعم هنا الكاتبة ادعاءاتها بالدراسات التي تربط ازدياد اضطرابات القلق لدى الأفراد عند مرورهم بأوضاع معيشية صعبة، لتثبت أن الأمراض النفسية يمكن أن تكمن أسبابها في عوامل خارجية. كما تأخذ بعض التجارب التي أجرتها طبيبات نفس نسويات على نساء وبنات يعانين من اضطرابات الأكل كفقدان الشهية، حيث استنتجن أن تلك الإضطرابات هي نتيجة المعايير الجمالية القاسية المفروضة من المجتمع والإعلام والتي تدفع الفتيات لتدابير مجحفة كي يشعرن بأنهن جميلات ومقبولات.

ردّا على ’شيسلر‘، تعتبر ’آلين‘ ان الاعتقاد بأن الأبوية تحتل مكانة مركزية في الطب النفسي هو إعتقاد خاطيء، وكأنّ الطب النفسي لن يكن له وجود لولا وجود التمييز ضد المرأة. كما تشير في انتقادها الى ان العوارض المرضية المذكورة في كتب علم النفس لا تفرّق بين رجل وامرأة، كما لا يفصل علم النفس بين الأمراض حسب النوع الإجتماعي. واخيراً، ترى ’آلين‘ أن الأمراض المتعلقة بشكل خاص بالنساء والأفراد الذين يملكون أعضاء تناسلية أنثوية بدأت تُهمّش منذ فترة.

بين ’شيسلر‘ و’آلين‘: نقد وخلاصة

يتضح لنا أن التيارين يمكن نقدهما في نقاط معينة مع الموافقة على نقاط أخرى. ’آلين‘ تسيء فهم نظرية مركزية الذكورية في الطب النفسي عندما تدّعي أن ذلك مطابق لعدم وجود علم النفس دون وجود الأبوية. فالمجتمع الذي نعيش به ذكوري أبوي، ولكن تجاوزنا لذلك لا يعني انتهاء المجتمع بل تغيير شكله وتركيبته، لا أكثر. بالإضافة الى ذلك، النوع الإجتماعي ليس العامل الوحيد الذي يقع في جوهر تشكيل الطب النفسي، فالعرق والطبقة وغيرها من العوامل تؤثر على العديد من التشخيصات. فالسود على سبيل المثال أكثر عرضة للتشخيص بالأمراض المتعلقة بالعنف. كما أن انتقاد الطب النفسي في جوهره لا يعني نفي أن الأمراض النفسية موجودة وحقيقية، فالعديد من النساء يعانين من اضطرابات عدّة لن تختفي اذا انكرنا وجودها. على العكس، انه انتقاد لكيفية سير الأمور عندما يتعلق الموضوع بالتشخيص والعلاج والمتابعة ووصف الأدوية وإدخال المريض/ة الى المؤسسات الطبية.

بينما التيار الأول في تراجع بين النسويات منذ إصدار كتاب ’شيسلر‘ في السبعينات، يمكن إرجاع سبب ذلك لعوامل عدّة منها تراجع حركة مناهضة الطب النفسي وكون التيار الثاني أقل تهديدا لأطباء النفس لأنه يضع المشكة في المجتمع، لا في ممارسات الأطباء أنفسهم. مع ذلك، فإننا اليوم نرى أن عدّة ملاحظات لا تزال تدعم التيار الأول. العوارض الطبية، مثلا، تعتمد على توقعاتنا من الرجل والمرأة ولو لم يكن ذلك مصرّحا به بشكل واضح. كما أن كتب علم النفس تحدد بشكل أساسي النوع الإجتماعي والحالة الإجتماعية والعمر عند إعطاء أي مثل لحالة دراسية معينة: “هناء إمرأة غير متزوجة، تبلغ من العمر 31 عاماً، تعاني من…”وبالتالي، يظهر لنا أن تلك الأمور مهمّة جدّاً للتصنيف والتشخيص. بالإضافة، النساء يخضعن للمعيار المزدوج من الأطباء عند التشخيص، فالمرأة التي تشذّ عن الأخلاق العامّة يمكن تشخيصها بأمراض نفسية بكل سهولة، بينما لا يمر الرجل بهذا الكم من الأحكام، واذا تجاوز حدوده يصبح مجرماً، لا مريضاً. أخيرا وليس آخراً، عندما يصل المرضى الى آخر مراحل العلاج ويبدأ الحديث عن مغادرة المشفى النفسي، يتم إطلاق سراح الرجل بدون تردد كبير، فيُتوقع من عائلته الإعتناء به فور خروجه. أما المرأة، وهي التي تُعتبر المسؤولة الأولى عن حاجاتها الحياتية واليومية، تبقى أكثر عرضةً للبقاء في المؤسسات الطبية عكس إرادتها، لأنها ليست مهيئة للإهتمام بنفسها، ولا أحد يهتم بالمرأة خارج تلك المؤسسات.