وثيقة:السفور والحجاب واستبداد الرجال في نسائيات ملك حفني ناصف

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقالة رأي
العنوان السفور والحجاب واستبداد الرجال في نسائيات مَلَك حفني ناصف
تأليف منى علي علاّم
تحرير غير معيّن
المصدر السفير العربي
اللغة العربية
تاريخ النشر 2020-06-05
مسار الاسترجاع https://assafirarabi.com/ar/31567/
تاريخ الاسترجاع 2022-02-26
نسخة أرشيفية https://archive.fo/waSB5


هذا النص جزء من ملف "من تراث ربّات القلم" الذي نشرته منصة السفير العربي.



قد توجد وثائق أخرى مصدرها السفير العربي



هذه الحلقة الثانية من مجموعة أبحاث تناولت بعضا من تراث رائدات النهضة النسائية العربية الذي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. هنّ بالترتيب التاريخي: عائشة تيمور، زينب فواز، ملك حفني ناصف، نبوية موسى.. ولا يزال التاريخ يحفل بالعديد من الأسماء.

انتقدت مَلـَك استبداد الرجل وتسلّطه داخل الأسرة. ونجدها تربط بينه وبين الاستبداد على المستوى العام، وتؤكد أنه من غير المعقول أن يكون الرجال مستبدين متسلطين داخل أسرهم وفي الوقت نفسه "يأملون إصلاح الأمة وتربية أبنائها على حب الاستقلال والدستور!".


على صفحات جريدة "الجريدة" كانت ملك حفني ناصف (1886-1918) تلتقي قرّاءها عبر مقالاتها "النسائيات" التي تناولت فيها قضايا المرأة المصرية وسبل الارتقاء بها. وقد جمعت ملك هذه المقالات التي بلغ عددها 24 مقالاً مع خطبتين وقصيدة واحدة في كتاب حمل العنوان نفسه، بمقدمة لأحمد لطفي السيد مدير "الجريدة". وبعد وفاة ملك بعامين، صدرت طبعة ثانية من "النسائيات" تضمنت ترجمة لحياة الكاتبة بقلم شقيقها مجد الدين، وأُلحق بهذه الطبعة جزء ثان يضم مراسلات ملك ومي زيادة التي جرت على صفحات "الجريدة" و"المحروسة"، وقطعة نثرية لها في وصف البحر. وفي الستينيات أصدرت وزارة الثقافة كتابا جمع ما أمكن جمعه من آثار ملك النثرية والشعرية بعنوان "آثار باحثة البادية"، وهو اللقب الذي اتخذته بعد زواجها وانتقالها للعيش ببادية الفيوم.وتضمن هذا الكتاب المزيد من مقالاتها وخطبها ومحاضراتها، منها ما ألقته في الجامعة المصرية، وكذلك أشعارها التي نظمتها في مناسبات مختلفة، ومنها أبيات كتبتها وهي في الثالثة عشرة من عمرها بعد حصولها على الشهادة الابتدائية، وكانت الأولى على أول دفعة بنات يحصلن عليها، وبعدها نالت دبلوم المعلمات. وهناك قصيدة نددت فيها بإحياء قانون المطبوعات عام 1909، وأكثر من قصيدة رثاء، فقد رثت الشيخ محمد عبده وعائشة التيمورية.

تطوير مدارس البنات

كان من الطبيعي أن تنشغل ملك، من واقع دراستها وعملها كمعلمة، بقضايا التعليم والتربية، فقدمت مقترحاتها لتطوير مدارس البنات، وانتقدت طرق التعليم المتبعة في المدارس لأنها تركز على "استظهار المحفوظات بغير فهم لمعانيها أو تروٍّ في دقائقها" فتنمي ملكة واحدة و"تخفي سائر الملكات أو تقتلها قتلاً". وفصّلت الحديث في المواد المختلفة التي يتلقاها التلاميذ وكيف يمكن تطوير مقرراتها وطرق تدريسها، ابتداء من الهجاء والقراءة الأولية مروراً بالدين والخط والحساب واللغة والتاريخ، وحتى الأشغال اليدوية، والموسيقى التي تؤكد أهمية تدريسها للبنات في المدارس، مع تفضيلها الآلات الشرقية كالعود والقانون على الغربية كالبيانو. وطالبت بجعل التعليم الأوّلي إجبارياً، وبتكثير المجانية، وحسن اختيار المعلمين وإعطائهم أجوراً مرضية، وتفضيل المعلمات الوطنيات الأكفاء على الأجنبيات.

لا لتأليه البعول

كما اهتمت ملك بقضايا الزواج والأسرة، إذ كانت ترى الزواج سبيل سعادة الأمة وترقّيها، فانتقدت الزواج المبكر والقسري والزواج لأجل المال، وعدّت الزواج "العمياني" السبب الأهم وراء شقاء أغلب الأسر المصرية، فعادة الشرقيين الاتكال في كل أمورهم على القضاء والقدر والحظوظ، بالرغم من أن مسألة الزواج "مسألة اختيار محض، للعقل أن يحكم فيها وحده، فإذا أحسن الاختيار حسنت عاقبته وإذا قصر أو أهمل ساءت العقبى". ومن ثم دعت إلى اتباع الطريقة الشرعية في الخطبة، فلا يتزوج اثنان قبل أن يجتمعا في حضور محرم، ليرى كل منهما الآخر ويتحادثا. وكما طالبت بسفور الفتاة أمام من يتقدم لخطبتها، طالبت بعدم التشدد في احتجاب الفتيات حتى يتمكن الشباب الراغبون في الزواج من رؤيتهن.

وبعد الزواج وداخل الأسرة، انتقدت مَلـَك استبداد الرجل وتسلّطه. ونجدها تربط بينه وبين الاستبداد على المستوى العام، وتؤكد أنه من غير المعقول أن يكون الرجال مستبدين متسلطين داخل أسرهم وفي الوقت نفسه "يأملون إصلاح الأمة وتربية أبنائها على حب الاستقلال والدستور!". كما انتقدت الكلفة بين الزوجين بدلا من البساطة في التعامل، وأن تنادي الزوجة زوجها ب"يا سيدي" أو "يا أفندي" أو "حضرتك" و"سعادتك"، وتعيش منه في خوف ووجل دائمين، وتتقبل إهانته لها بل تخطّيء نفسها وتسترضيه. وهذا الخضوع - كما تقول - سببه احتياجها لإنفاقه أو خوفاً من الطلاق أو لأجل أولادها، مشيرة إلى أن "تأليه البعول" أمر يعود لزمن الجواري، أما الحرّة فلا يليق بها هذا المسلك، وإذا كانت الزوجة اليابانية التي تضربها مثلاً تسجد لزوجها، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يكون مقبولاً من "مسلمات مؤمنات لا نشرك مع الله أحدا"، وأن المفترض أن الزوجة مساوية لزوجها وندّة، لا جارية لسيد.

ازدواجية الرجال

تؤكد أيضاً مسئولية الرجل في تربية الأبناء وفي تعليم زوجته وتثقيفها وعدم إهمالها، فهي تنتقد ازدواجية بعض الرجال"المستنيرين" بين حضورهم العام وحضورهم داخل أسرهم، إذ لا يهتمون بالتحدث مع زوجاتهم وبناتهم ونقل معارفهم إليهن، ويكونون في غاية اللطف مع الغرباء خارج المنزل بينما هم داخله أشدّاء قساة يرهبون الزوجات والبنات.

تحت عنوان "لماذا يضيع الرجل تأثيره الحسن في أسرته" كتبت تقول إن مما يثير تعجبها أن زوجات بعض العلماء أو الشيوخ أو المثقفين وذوي المهن كالأطباء يكنّ جاهلات غارقات في سفاسف الأمور وفي الخرافات، مما ينطبق عليه المثل القائل "باب النجار مخلّع"، ومردّ ذلك في رأيها انغماس هؤلاء الرجال في أشغالهم أو مع أصدقائهم -بعد العمل- في المقاهي والبارات، فلا يعودون لبيوتهم إلا للنوم، دون أن يختلط الرجل بزوجته أوأبنائه ويتحدث معهم، "كأنه يأنف أن يضيع وقاره في محادثة الصغار". وإن جلسوا يصابون بالخرس مع زوجاتهم. وهي هنا تؤكد مسئولية الرجل عن تربية الأبناء وإرشادهم: "إن المدرسة وحدها لا تفي لأن تُكيِّف ملكة الشخص، والأم لا تجد من وقتها فراغاً لتجالس أولادها وتثبت فيهم أخلاقها.."، والضحية الأكبر في هذا الوضع الفتاة، أما الصبي فـ"لاعتناء والده به ولكثرة اختلاطه بأخدانه خارج المنزل، تفيده التجارب ويعرك الحوادث.." بعكس الفتاة التي تكون -في ذلك العصر- محجوبة في المنزل.


تقول "لا أحب الأب يتكبّر على أهله وأولاده، فيظهر لهم بمظهر الجبار العنيف ويظن أن ذلك استجلاب للهيبة.."، مفرّقة بين الهيبة التي هي "واجبة في حد الاعتدال" والخوف الذي "يفقد الوالد الرحمة على أولاده، ويفقدون هم كثيراً من المحبة والثقة بوالدهم". وتؤكد أن تجبّر الأب "يضعف الأخلاق في الطفل ويفسدها، إذ يربّي فيه الجبن والذل، ثم الاستبداد متى كبر". وأن الأب القاسي حتى إذا أراد أن يعلّم أفراد أسرته لا يجدي ولا يفلح، "لأن شدة الخوف تذهب بالفكر". مشيرة إلى أن القسوة والجفاء يضيعان الحبّ الذي يربط الأسرة الواحدة.

من النصّ إلى الواقع

وعن تعدد الزوجات قالت إنه مفسدة للرجل والصحة والمال والأخلاق والأولاد وقلوب النساء، وإنه عادة تتقلص كلما ارتفعت درجة التمدين والاستنارة. ودعت إلى السعي إلى تقليل تعدد الزوجات لغير داع، لما يترتب عليه من اختلاف الإخوة وانشقاق الأسر و"كل شيء مباح يترتب على عمله ضرر للفرد أو الأمة يلتحق بالمحظور، فللإمام شرعاً أن يمنع كل مباح يؤدي إلى ضرر"، وتقترح ألا يتزوج الرجل على امرأته أو يطلقها إلا بإذن من المحكمة الشرعية. "إن الدين لم يسمح بتعدد الزوجات وبالطلاق هكذا من غير شرط كما يفعل الآن رجالنا، وإنما جعل لهما شروطاً وقيوداً لو اتبعت لما أنّ منها النساء البائسات".. فملك، بالرغم من انطلاقها من أرضية الدين والشريعة،لا تقف عند حدود النص الحرفية وتتمسك بها تمسّك الجامد ضيّق الأفق، بل تنظر كيف يطبّق الناس النص وما آثار هذا التطبيق في حياة الفرد والأمة، فالأديان "لم تخلق لجلب البؤس وإنما خلقت لإسعاد البشر".

تقسيم العمل

تؤمن ملك بتقسيم العمل بين الرجل والمرأة، فلكلٍّ طبيعة مختلفة، ومساواتهما في الحقوق والواجبات لا تعني أن يكون عملهما واحداً، فألصق الوظائف بطبيعة المرأة التي تتسم باللطف والحنان، تدبير المنزل وتربية الأولاد، ومن ثم وجوب اختصاص المرأة بالبيت، ولكن دون أن تُسجن فيه أو تُمنع من أن تتعلم وتتثقف، فتعلّمها ينعكس إيجاباً على أدائها لوظيفتها كأم وربة منزل، بينما يزاول الرجل الأعمال الخارجية، خاصة الشاقة أو التي تتطلب سفراً بعيداً. حتى إنها طالبت بأن يكون لمدارس البنات بعض الاختلاف في برامجها عن مدارس البنين لاختلاف طباع كل منهما ووظيفته في المستقبل، فتربَّى الفتاة على أن تكون زوجة صالحة وربة بيت وأمًّاً رءوما، ولكنها لم تطالب بحصر الفتيات في علوم معينة، بل تدعو لإطلاق الحرية في تعلم أي من العلوم لمن تريد. ولا تعارض خروج المرأة للعمل في أي مهنة شريفة إن لضرورة أو من منطلق الحرية الشخصية، وإن كانت ترى أن هناك وظائف معينة أنسب لطبيعة المرأة كتعليم الأطفال والتمريض والطب، والخطابة والكتابة والعلم والأدب "أما المُلك فقد تولّته نساء كثيرات ومنهن من أحسن سياسته كل الإحسان".

السفور والحجاب

وقد أثار رأي ملك في قضية السفور والحجاب الجدل في زمانها وجعلها موضع انتقاد من أنصار السفور، مما جعلها تكتب في هذه القضية مرّات موضحة ومفصّلة دون أن تتخلى عن رأيها المعارض للسفور، متخذة–كما تقول- مسلكاً وسطاً بين التفرنج والجمود. وإذا كانت تيارات سلفية معاصرة قد احتفت برأيها هذا واستشهدت به مقابل رأي قاسم أمين ومن نهج نهجه، دون أن ترضى هذه التيارات عن ملك كل الرضى، فإن ملك لم تبنِ رأيها على أساس ديني بل تقول إنها لا تنتقد ترك البرقع من الوجهة الدينية "لأني أعلم أن الدين لم يحرجنا في هذه المسألة" وإنما من الوجهة الاجتماعية بناء على ما خبرتْه من أحوال النساء والمجتمعات في الطبقات والأجناس المختلفة، و"التجارب يجب أن تقدَّم أوامرها على أوامر البحث والتخيّل".فهي ترى أن واقع النساء في مجتمعها وما هنَّ عليه من جهل مطبق، وما عليه الرجال (إلا القليل) من فساد مستحكم يجعلهم يتحرشون بالنساء ويتباهون بعلاقاتهم غير الشرعية، لا يجوز معه مطلقاً إباحة الاختلاط ولا أن نأمر نساء متعوّدات الحجاب بالسفور مرة واحدة بل يأتي الأمر بالتدرّج، لأن التغيير الفجائي ستكون نتيجته شرا على الوطن والدين.

فالقضية عند ملك قضية أولويات، والأولوية ينبغي أن تكون لتعليم المرأة وتربيتها وتهذيب النشء وإصلاح أخلاق الرجال. وإن كانت تنبّه إلى ضرورة التحفظ تجاه الاختلاط في أي حال لأن "الطبيعة البهيمية في الإنسان تجتاز عقبات التربية وتخترق سياجها". تقول: "نحن نعلم أن هذا الحجاب لن يدوم ولكن ليس هذا أوان السفور لأننا غير مستعدات له"، وإن "الأهم الآن هو تربية الفتيات وتعليمهن حتى يصلحن يوماً لأن يكن قيّمات على أنفسهن فيخترن السفور أو الحجاب"، "وبالجملة أريد تعويد الناشئات السفور إلى الحد الذي يبيحه الدين الإسلامي الشريف بغير شطط في تأويل معناه".

وكما تنتقد السفور الفوري تنتقد التشدد في الحجاب وما يفعله المتطرفون من حبس المرأة والتضييق عليها، وتسمي ذلك وأداً لا حجاباً. ومع دفاعها عن النقاب لا تعتبره معيارا للأفضلية: "يتساوى عندي السفور والحجاب ما دامت العفة والحشمة لا غبار عليهما"، "وعندي أن المرأة السافرة الجادة في أخلاقها وسيرها خير من المؤتزرة بأثقل الحرير وأمنع النقاب وهي خليعة لعوب".

ولم يقتصر نشاط ملك على الكتابة والخطابة، فقد أسّست جمعية "الاتحاد النسائي التهذيبي" لترقية المرأة، وجعلت من بيتها مقرا لتعليم النساء التمريض، وكانت تخطط لإنشاء مشغل وملجأ للنساء ولكنّ العمر لم يسعفها للتنفيذ إذ رحلت وهي في ريعان الشباب.