انتهاكات جنسية أمام القيادة العامة للجيش في السودان في 2019
المقدمة
حصل الإعتداء في الساعات الأولى من يوم الإثنين 3 حزيران/ يونيو 2019 وتزامن حينها مع عشية آخر أيام رمضان. المتظاهرون والمتظاهرات - الذين أطاحت مظاهراتهم/ن على مدى أشهر بعمر البشير الرئسي الذي حكم البلاد لمدة 30 عامًا في 11 نيسان /أبريل كانوا لا يزالون معتصمين قرب مقر القيادة العامة للجيش. ورغم الشائعات بأن الحكومة كانت على وشك فضّ اعتصامهم/ن، بقي المتظاهرون في الشوارع حتى بعد تنحي البشير، للاحتجاج على حكم "المجلس العسكري الانتقالي" الذي تولى السلطة والدعوة لتسليم الحكم إلى سلطة مدنية. قبيل الفجر، حاصر منطقة الاعتصام عدد كبير من القوات الحكومية بما في ذلك "قوات الدعم السريع"، القوة شبه العسكرية- مليشيات - التي تأسست في 2013 ونفذت حملات تعسفية لمكافحة الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردوفان والنيل الأزرق. عقب محاولة أولى لرجال في زي الشرطة لإزاحة المتاريس، قال شهود إن قوات الدعم السريع أطلقت النار على متظاهرين عُزّل، فقتلت الكثيرين فورًا. حاصر الجنود المعتصمين المحتجين وضربوهم، واعتدوا عليهم وأذلّوهم، وأحرقوا خيمهم، ونهبوا ممتلكاتهم ودمروها. كما اغتصبوا متظاهرات وارتكبوا أعمال عنف جنسي أخرى.
يستُعمل العنف الجنسي كأداة حرب أثناء النزاعات المسلحة في كل العصور وفي جميع القارات وما زال مستخدماً حتى يومنا هذا لإسقاط الثورات وخنق الأصوات المعارضة. وبحسب دراسة نشرت في المجلة الدولية للصليب الأحمر تحت عنوان :"العنف الجنسي في النزاعات المسلحة انتهاك للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان"، فإنّ العنف الجنسي استخدم على نطاق واسع في عدد من النزاعات المسلحة المعاصرة، في جمهورية أفريقيا الوسطى وكولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والسودان وجنوب السودان وسوريا..
ما هو المقصود بالعنف الجنسي المرتبط بالنزاع؟ إن من المهم التفريق بين العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، والذي يعد محور هذا الإعتداء، وبين الأشكال الواسعة للعنف الجنسي على أساس النوع الاجتماعي، حيث تزداد وتيرة ذلك في فترة النزاع و ما بعد النزاع. يشير مصطلح «العنف الجنسي المرتبط بالنزاع» إلى الاغتصاب، أو العبودية الجنسية، أو الدعارة بالإكراه، أو الحمل القسري، أو الإجهاض القسري، أو الإخصاء القسري، أو الزواج القسري، وأية أشكال أخرى للعنف الجنسي الفادحة والمرتكب ضد النساء أو الرجال أو الفتيات أو الأولاد والمرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالمعلومات المتعلقة بالجاني، والذي ينتمي في الغالب إلى مجموعة مسلحة تابعة للدولة أو غير تابعة لها والتي تضم الكيانات الإرهابية. والمعلومات المتعلقة بالضحية أيضًا والذي يكون غالبًا عضو فعلي أو يُعتقد أنه ينتمى إلى مجموعة أقلية سياسية أو عرقية أو دينية أو ذو توجهات جنسية خاصة. بالإضافة إلى مناخ الإفلات من العقاب والذي يرتبط في العادة بانهيار الدولة، أو الحدود أو الاتجار بالبشر خلال أوقات النزاع لأغراض العنف أو الاستغلال الجنسي، و/أو انتهاك لاتفاقيات وقف إطلاق النار.
شهادات عيان
بعد فض اعتصام القيادة العامة انتشرت تقارير وشهادات لأناس شهدوا على اغتصاب عناصر قوات الدعم السريع للنساء والرجال في المكان على حدّ سواء. في مقابلة مع "BBC" أكد شاهد عيان أنه رأى ستّة جنود من الجنجويد يغتصبون فتاتين. وعند محاولته مساعدتهما ألقى الجنود القبض عليه وحاولوا اغتصابه بقضيب معدني إلّا أن إطلاق نار كثيف جعلهم يتركونه ويرحلون الى مكان آخر.
وقال شاهد آخر وهو سائق سيارة إسعاف، إنه شاهد مجموعة من الجنود يتجادلون بشأن من منهم سيغتصب امرأة مصابة وهم يتحسّسون جسدها في الوقت الذي كان رجال الإسعاف ينقلونها نحو سيارة. وقال المُسعف إنه وبعد مغادرة الجنود، سارع وزملاؤه لمساعدة الشابة ليكتشفوا أنها توفيت. مضيفاً: "اكتشفنا أن الفتاة متوفاة منذ البداية. ورغم ذلك، لم يتركوها وشأنها" وأضاف الشاب المسعف لمراسل "BBC" فيرغل كين في تقريره المصوّر: "لقد قلت لك، لن أستطيع أن أصف لك واحداً في المئة ممّا شاهدته، الموت في جميع أشكاله، البشاعة في كلّ أنواعها. التفاصيل.." قبل أن يتوقف عن الكلام ويستبدله بالبكاء الشديد.
قالت مديرة مركز الصدمات النفسية في جامعة الأحفاد للبنات في الخرطوم، سليمة إسحق شريف في مقابلة مع "BBC" إنّ الشهادات عن حالات الاغتصاب ليست مفاجئة. وأشارت إلى أنها وزملاءها في المركز يعالجون 12 امرأة تعرضنَ للاغتصاب يوم الثالث من حزيران. وتشير شريف إلى أنها تعتقد أن عدد الضحايا قد يكون أكبر من ذلك، إلا أن الكثير من النساء لا يبلغن عن اغتصابهنّ بسبب الشعور بالعار المجتمعي المرتبط بالاغتصاب وخوفهنّ منه. قالت شريف أنّ عمليات الاغتصاب التي حصلت هي عنف جنسي منفصل تماماً عن الرغبة الجنسية. "كل ما في الأمر هو الرغبة في التحقير والإذلال وسحق الأرواح. هذا جزء ممّا كانوا يفعلونه في دارفور، كانوا يستخدمون الاغتصاب كوسيلة، كسلاح حرب. والآن يستخدمونه كسلاح لقتل الثورة". وبحسب المعارضة السودانية، قتل الجنجويد 100 شخص في هجومه على المتظاهرين يوم الثالث من حزيران وألقى الجنود 40 جثة منهم في النيل. وتمّ تأكيد تعرّض 70 شخصاً للاغتصاب على يد الجنجويد بحسب بيانات لجنة أطباء السودان المركزية، بعد نقلهم إلى مستشفيات الخرطوم. وأكد طبيب فضّل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية أنّ فريق المستشفى الذي يعمل به وثّق اغتصاب جنود الجنجويد لطبيبات أيضاً.
يروى المعتصم: "بينما كنا مكدسين على الأرض ونتعرض للضرب وأيدينا للخلف، استرقت النظر لعدة مرات على خلفية أصوات البنات المرتفعة وصراخهن، فرأيت مجموعات من الجنود حول أكثر من عشر سيدات، وكل بنت كان يعتدي عليها حوالى أربعة أفراد عسكريين، لكن ما بدا صادمًا ومهينًا هو خلع الجنود لتنانير البنات وتعريتهن، بل أكثر من ذلك رأيت جنودًا خلعوا الملابس الداخلية لفتاتين وعلقوا هذه الملابس على العصي التي يحملونها استفزازا للشباب المعتقلين". ويضيف المعتصم "استمرت هذه الانتهاكات بحق البنات المعتقلات للحظات قبل أن يقتادهن الجنود إلى مبانٍ قريبة من الساحة، ومن داخل المبنى كنا نسمع بوضوح تعالي صرخاتهن قبل أن نتمكن من الهرب أمام بوابة المبنى الذي بداخله الجنود والبنات وهناك شاهدت الجنود وبينهم من كان في أوضاع جنسية مع البنات المختطفات"
يستغل الجنود دورات مياه هذه المؤسسات ويتشاركونها مع الموظفين الحكوميين ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي وهم يحملون السلاح داخل هذه المؤسسات. وفي مبنى وزراه الصحة المطل على شراع النيل وسط العاصمة ارتكزت قوة من هؤلاء الجنود، حسبما تقول موظفة بالوزارة لـ المنصة، فضلت عدم ذكر اسمها "إلى جانب حالة الرعب التي بثها هؤلاء الأفراد المسلحون بين الموظفين في الوزارة، لاحظنا منذ وقت إقدامهم على عمليات تحرش وعنف جنسي عديدة بالموظفات، بجانب تقديمهم عروضًا جنسية لبعضهن بمقابل مادي يصل إلى مبالغ كبيرة، ووصل الحال بالجنود المسلحين إلى تبادل المكاتب مع بعض الموظفين وأخذ قسط من الراحة بداخلها".
وتشير الموظفة الحكومية، إلى أنها وعدد من زميلاتها لجأن للاحتجاج لدى المسؤولين بالوزارة لكن شيئًا لم يحدث، فالجنود ما زالوا يضايقون السيدات الموظفات، اللاتي نفذن في النهاية وقفة احتجاجية أمام مقر الوزارة الأسبوع الفائت، ورفعن لافتات تندد بممارسة قوات الدعم السريع بحقهن. وقالت "كان أفراد من هذه القوات يصورون الوقفة بهواتفهم النقالة، وبعد لحظات من انتهائها حضرت قوة من المخابرات إلى مقر الوزارة تحمل هذه الفيديوهات والصور وتسأل عن الموظفات المشاركات في الوقفة وبالفعل تعرفت هذه القوة على عدد منهن، واعتقلتهن لساعات في مقار أمنية وسط العاصمة قبل أن يطلق سراحهن." كما ذهبت قوة من جنود الدعم السريع إإلى مستشفى إبراهيم مالك جنوبي العاصمة، حيث كانت شابة ثلاثينية تعرضت للاغتصاب تتلقى العلاج، وروعوا المرضى وأمروا الأطباء بعدم كتابة ما تعرضت له الشابة في التقرير الطبي، حسب ما حكت لـ المنصة نهى مصطفى الناشطة في مبادرة شارع الحوادث، وهي مبادرة طوعية تعمل على جمع أموال من أجل علاج الفقراء. وتضيف نهى أن الأطباء رفضوا تهديدات جنود قوات الدعم السريع وأعلنوا إضرابًا عن العمل، قبل ان يتم اغلاق المستشفى الحكومي من قبل القوات ليوم كامل وتهريبهم للضحية.
تقارير هيومن رايتس وتش و منظمة العفو الدولية حول جرام الاغتصاب في يوم 3 يونيو
قدم العديد من العاملين والعاملات بالمجال الطبي ومن المنظمات التي ساعدت الضحايا معلومات حول الاغتصاب لـهيومن رايتس ووتش، وقد تبينت المنظمة أنها معلومات موثوقة، وهي معلومات تخص وقائع عنف جنسي أثناء هجوم 3 يونيو. قالت شاهدة لـ هيومن رايتس ووتش إن منظمتها تأكدت من وقوع 16 حالة اغتصاب بينها أربع حالات اغتصاب جماعي. قالت عاملة أخرى بمجال المساعدات الإنسانية إن منظمتها قابلت أربع نساء ورجل في الثلاثينيات من عمره قالوا إنهم تعرضوا للاغتصاب أثناء الهجوم. قالت مديرة مركز لحقوق المرأة إن منظمتها استقبلت 18 حالة اغتصاب وقعت أثناء أحداث عنف 3 يونيو والأيام التالية. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد مما إذا كانت هذه الحالات هي نفسها التي وثقتها منظمات أخرى.
وصفت "ريم" (20 عاما) كيف تعرضت للاغتصاب فيما كانت مختبئة من القوات المهاجِمة في مسكن جامعي للنساء: "كانت هناك أسرّة في الحجرات واختبأت وراء أحدها. سمعت أصوات [جنود الدعم السريع] فيما كانوا ينهبون الأمتعة اقترب رجل في زي رسمي أسود وقال لهم أن يكفوا عن النهب. لما بدا أنه رجل طيّب، خرجت وأخبرته أنني أريد الذهاب إلى المستشفى. قال إنه سيحميني وأخذني إلى بناية أخرى في المجمع. ثم خلع سرواله وفرض نفسه عليّ بالقوة. أحسست بألم شديد. ثم تصرف وكأننا أصدقاء وحاول أن يكون لطيفا، وأخذني إلى المستشفى وهو ممسك بيدي."
هناك امرأة أخرى طلبت المساعدة من ناشطة بعدما تعرضت للاعتداء، ثم وافقت على تسجيل شهادتها في فيديو شاهدته هيومن رايتس ووتش، قالت إن جنود الدعم السريع أمسكوا بها ومعها نساء أخريات، وأخذوا ثيابهن وهواتفهن وضربوهن بالكابلات، ثم اغتصبوهن بعنف. قالت: "وصفونا بالعاهرات والشيوعيات". هناك امرأة أخرى وثقت ما تعرضت له في مقطع فيديو اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، وصفت كيف وهي مختبئة في مبنى قسم الأشعة بالحرم الجامعي، دخل جنود الدعم السريع وفتشوها وأخذوا هاتفها. ثم حاول جنود الدعم السريع اغتصابها لكن الشرطة العسكرية تدخلت. هاجمت الدعم السريع عاملات بالمجال الطبي في بعض الحالات. على سبيل المثال، اعتدى جنود الدعم السريع على "ليلى"، وهي صيدلانية عمرها 28 عاما، قرب المركز الطبي بالاعتصام، ثم هددوها بالاغتصاب: "قالوا [الجنود] لي: لا نريد أطباء هنا. دفعوني وأمسكوا بجسدي قال أحدهم: ´اليوم اغتصاب´. خفت للغاية. كانوا منتشرين لضرب جميع من بالاعتصام، ولنهب أي شيء يجدونه". ركز العديد من النشطاء والناشطات على الآثار النفسية-الاجتماعية الدائمة للعنف الجنسي. انتحرت امرأة تعرضت للاغتصاب، بحسب وسائل الإعلام.
قد تحدثت منظمة العفو الدولية إلى خبيرتين شاركتا في تقديم الدعم والحماية لضحايا العنف الجنسي إحداهما الدكتورة سليمة إسحاق شريف – وهي محاضرة ومستشارة صدمات نفسية في جامعة الأحفاد للنساء، والدكتورة ناهد جبرالله سيد أحمد مديرة مركز سيما للتدريب وحماية حقوق المرأة والطفل. وقد أنشئ المركز في عام 2008. وهو يقدم الخدمات للضحايا/الناجيات من العنف القائم على النوع الإجتماعي بما في ذلك المساعدة القانونية، والخدمات الصحية، والعلاج النفسي، والدعم الإجتماعي من جملة أمور أخرى. وقد أبلغت الدكتورة سيد أحمد منظمة العفو الدولية أن منظمتها استقبلت نساء تعرضن للاعتداء الجنسي. وفي 22 تموز/ يوليو ظهرت الدكتورة سيد أحمد في برنامج الحصاد على قناة الجزيرة التلفزيونية لمناقشة تقرير النائب العام حول فض االعتصام. وفي 23 تموز/ يوليو ، تعرّض مكتب مركز سيما للمداهمة من قبل أشخاص مجهولين. وذكر بيان سيما أن "الباب الخارجي خُلع، وأن محتويات المركز نُهبت، لكن المعاينة الأولية توحي بعدم سرقة أي شيء... وتشير كل الدلائل إلى أن المداهمة والإقتحام لم يستهدفا السرقة بل الأوراق والمستندات المتعلقة بطبيعة عمل المركز" لقد وثق مركز سيما بين كانون الأول/ ديسمبر 2018 ونيسان/ أبريل 2019 حالات عديدة للعنف الجنسي الذي تعرضت له محتجات، بما في ذلك الإغتصاب في سيارة نقل صغيرة تابعة للأمن استمر ثالث ساعات. ووقع العديد من حوادث التهديد بالإغتصاب والإبتزاز الجنسي. ووثق مركز سيما 18 حادثة اعتبارًا من 11 نيسان/ أبريل 2019، وبعده في 3 حزيران/ يونيو وثق مركز سيما 22 حالة اغتصاب أخرى. "نعتقد أن هذه الحالات الممنهجة للإنتهاك الجنسي والاغتصاب تُستخدم عمدًا كسلاح لترهيب النساء ومشاركتهن". قدمت الدكتورة سليمة – بصفتها مستشارة صدمات نفسية دعمًا اجتماعيًا للعديد من الناجيات من العنف الجنسي. وأبلغت منظمة العفو الدولية أن الجامعة أنشأت، في 6 حزيران/ يونيو مركزًا متحركًا للصدمات النفسية تعامل مع ضحايا العنف الجنسي. وقدم المركز الدعم لما لا يقل عن 12 امرأة، لكن كانت هناك حالات أخرى سمع عنها المركز. وتعامل المركز مع مختلف أنواع الإعتداءات الجنسية وكانت "هناك حالتان أو ثالث حالات حمل نتيجة الإغتصاب". كما قالت "وقدمنا أيضًا استشارات نفسية لبعض الرجال الذين وُجهت إليهم الشتائم وتعرضوا للضرب على أعضائهم التناسلية وشروجهم". التقت منظمة العفو الدولية -إضافة إلى الخبيرتين - مجموعة من المتطوعين الذين ذكروا أنهم وثقوا 10 حالات إغتصاب عنها و63 حالة عنف جنسي في 3 حزيران/ يونيو. "نعتقد أن العديد من الحالات الأخرى لم يُبلغ عنها بسبب العار والوصمة الملازمين للإعتدءات الجنسية." أجرت منظمة العفو الدولية مقابلتين مع ناجيتين من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ارتكب في ساعات الصباح الأولى من يوم 3 يونيو.
- حكاية أمينة
تعرضت أمينة لإغتصاب جماعي من أفراد قوات الأمن، وكانت إحدى المحتجات في أم درمان والخرطوم: "لقد احتججت لأننى تعليما جيدا لي ولشقيقاتي وأسرتي، وأريد الحصول على عمل وأريد بلدا بدون عنصرية، ولكي نعيش بعضنا مع بعض باحترام. وقد انهال علي أفراد الأمن بالضرب، وتعرضت للغاز المسيل للدموع خلال الإحتجاجات شأني شأن المتظاهرين الأخرين. وبعد الإنتصار [الإطاحة بالبشير] شاركت في الإعتصام [عند مقر القيادة العامة للجيش] مع آلاف الأشخاص الآخرين. وبدأت أبيع الشاي للمحتجين وكنت أحيانًا لا أتقاضى أجرًا. عملت أيضًا مع اللجنة الأمنية لمنطقة الإعتصام على أحد المتاريس". كانت أمينة نائمة في جامعة الخرطوم مع نساء أخريات بعد أن أمضين الليل يحرسن المتاريس عندما تعرضن لهجوم من جانب القوات المسلحة. "لقد نزلوا علينا كالمطر من كل اتجاه وهم يصيحون ويطلقون الرصاص. وبدأ المحتجون يردون على الصياح بصياح منشدين شعارات ثورية، لكن عددنا كان قليلًا وبدأت أتمتم آيات من القرآن، وكدت أموت من الرعب والخوف". ثم جرت أمينة مع نساء أخريات إلى مكان اختبأن فيه تحت كومة من الأشياء، لكن ما يزيد على 20 جنديًا مسلحًا اكتشفوا مكانهن. وكانوا يحملون العصي ويطلقون الذخيرة الحية على المحتجين. آذى الجنود النسوة وشتموهن بنعوت عنصرية ومفردات مهينة جنسيًا وهددوهن بالإغتصاب والقتل وبإلقاء جثثهن في النيل. وصرخ ثلاثة رجال مسلحين في وجه أمينة وضربوها بالعصي وأبعدوها عن أصدقائها. وقالوا لها أنهم سيغتصبونها.
"كدت أن أفقد عقلي. لكنني قلت في نفسي إنهم يخدعونني ويريدون فقط أن يخيفوني. فبكيت وتوسلت إليهم أن يدعوني وشأني. ولم أفهم لهجتهم، لكنني عرفت بعض الكلمات، لأنهم كانوا يشيرون إلى أجزاء من جسدي وبدأوا يلمسونني لمسًا مقززًا. واقتادوني إلى خلف سور حجرات التدريب المهني حيث رأيت هناك جثث العديد من المحتجين. وشهر أحدهم سكينًا من حزامه وشق به عباءتي. ثم ضربني آخر وطرحني أرضًا على ظهري. وثبّت أحدهم ساقي بقدميه ووضع الآخر سلاحه على ظهري واغتصبني. وكان آخر يصرخ ويوجه إلي عبارات جنسية وعنصرية ووعد بقتلي. ثم اغتصبني رجل ثان وثالث. وبعد ذلك لم أستطع أن أتذكر شيئًا لأنه أغمي علي وعندما صحوت وجدت أن الدماء تسيل من كافة أنحاء جسدي، ولم أستطع العثور على عباءتي. وبعد ذلك راودتني أفكار بالإنتحار، وفكرت أن أرمي بنفسي في النهر. ولم يكن لدي أدنى فكرة عما حصل لصديقاتي؛ هل اغُتصبن أو قُتلن." أضافت "في هذه الأيام أفكر على الدوام بأنني لا أريد العيش وأنني أكره نفسي كرهًا شديدًا لا ثق بأن القضاة سينصفونني. ولن ينصفني سوى الله. هؤلاء مجرمون. وأريد أن ينال الذين فعلوا بي هذا عقابهم ولا أزال أشم رائحتهم."
- حكاية فاطمة
تعرضت محتجة أخرى هي فاطمة عمرها 24 عامًا لاغتصاب جماعي من أفراد قوات الأمن فعند حوالي الساعة 4:45 صباحًا إستيقظت هي وصديقاتها على أصوات إطلاق نار وصيحات آتية من ناحية شارع النيل. وبعد بضع دقائق، هاجم أكثر من 100 رجل أمن يرتدون الزي الرسمي لقوات الدعم السريع فاطمة وصديقاتها. وكانوا يحملون عصيًا وسياطًا وبنادق وسكاكين استخدموها لإقتحام الغرفة. وضربوا النساء بالسياط والعصي وانهال تسعة من أفراد الأمن بالضرب على فاطمة. "أطلقوا الذخيرة الحية على زملائنا الذكور أمام أعيننا وتركوهم مطروحين أرضًا ووُجهت إلينا الشتائم وهُددنا بالإغتصاب، وقالوا لنا "إننا فتيات خليعات وجئنا إلى هنا من أجل الجنس" "جرجرني ثلاثة من جنود قوات الدعم السريع وضربوني بالسياط والعصي بوحشية. واقتادوني إلى زقاق ضيّق ومظلم. وأرغموني على الإستلقاء على بطني، ووضع أحدهم بندقيته على رأسي، وقيّد الآخر قدمي وواصل ضربي بالسوط فيما اغتصبني ثالث. وواصلوا إهانتي وركلي. وتناوب الثالثة على اغتصابي، وأدخل أحدهم ماسورة بندقيته في شرجي. وداس آخر على صدري بحذائه العالي، ثم فقدت وعيي تمامًا ووجدت نفسي في المساء في بيت ببري وكانت الدماء تسيل من أجزاء مختلفة من جسدي. ولم أستطع التحرك، أو الجلوس، أو الاستلقاء على بطني أو ظهري. لم تُنقل فاطمة إلى المستشفى إلا في فترة لاحقة من تلك الليلة حيث تلقت بعض العلاج الطبي "كنت على شفا الموت ولم أخبر أحدًا من أفراد عائلتي أو أيًا من أصدقائي وقررت أن أضع حدًا لحياتي عقب خروجي من المستشفى. وعدت ومكثت في منزل صديقة مدة تزيد على أسبوع." وأضافت "لم أستطع التكلم أو الأكل وفكرت في الإنتحار بيد أنني ارتأيت أن من الأفضل أن أبقى على قيد الحياة وأصبح شاهدة، لأننى شاهدت اغتصاب محتج كان مصابًا بطلق ناري أيضًا مع أنني لم أعرف اسمه لقد حطمونا وداسوا على شرفنا وأتمنى لو أنهم أردونا بالرصاص أو أعدمونا شنقًا بدلا من أن يُعّرضونا للعار الذي نشعر به الآن."
التداعيات
في 21 أيلول/ سبتمبر، أعلن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تشكيل لجنة تحقيق وطنية، على النحو المتوخى في اتفاق 17 آب/ أغسطس، يقتصر تفويض اللجنة على أحداث 3 يونيو. في 21 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن رئيس الوزراء أسماء أعضاء اللجنة وسلطاتهم. أعربت المجموعات المعنية بشؤون الضحايا والجماعات الحقوقية عن قلقها إزاء عدم تمثيل النساء في اللجنة وإزاء استقلالية اللجنة لأن من بين الأعضاء ممثلين من وزارتي الداخلية والدفاع اللتين تشرفان على القوات المسؤولة عن الجرائم.