تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ط
اضافة روابط داخلية
سطر 33: سطر 33:       −
في العام 1949، ردّدت [[لطيفة الزيّات|لطيفة الزيات]]، المعتقلة السياسيّة آنذاك، هذه الأبيات بتحدٍّ في المحكمة (الزيّات، 1996). وبعد ذلك بسنواتٍ قليلةٍ، تحرّرت مصر من الإحتلال البريطاني، لكن من غير المؤكّد ما إذا كان بلدها قد صار “أرضًا حرّةً حرّة”، حيث يمكن للزيّات كناشطةٍ يساريّةٍ وكامرأةٍ أن “تُحِبّ وتُحَبّ”. وبالنسبة إلى كثيرٍ من الناشطين/ات المصريين/ات، فإن الفورة الوطنيّة والثوريّة المرتبطة بمشروع ما بعد الإستعمار عنت ما هو أكثر من التحرّر من نير الإستعمار. وكما تشير الأبيات الواردة أعلاه، عنت هذه الفورة لكثيرٍ من النساء مستقبلًا يعِد بالمساواة وبـ”عصرٍ جديدٍ من الحبّ والحريّة” (إقتباس عن شفيق في نيلسون، 1996، ص. 185). ويمكن فهم هذا التركيز على الحبّ في أغنية الزيّات مجازيًّا، إذ أمِلت النساء في أمّةٍ جديدةٍ تبادلهنّ الحبّ كمواطناتٍ كاملاتٍ ومتساوياتٍ مع المواطنين، كما يمكن فهمه حرفيًّا أيضًا كتوقٍ إلى وطنٍ يمكن للنساء فيه الوقوع في الحبّ بحريّة.
+
في العام 1949، ردّدت [[لطيفة الزيات|لطيفة الزيّات]]، المعتقلة السياسيّة آنذاك، هذه الأبيات بتحدٍّ في المحكمة (الزيّات، 1996). وبعد ذلك بسنواتٍ قليلةٍ، تحرّرت مصر من الإحتلال البريطاني، لكن من غير المؤكّد ما إذا كان بلدها قد صار “أرضًا حرّةً حرّة”، حيث يمكن للزيّات كناشطةٍ يساريّةٍ وكامرأةٍ أن “تُحِبّ وتُحَبّ”. وبالنسبة إلى كثيرٍ من الناشطين/ات المصريين/ات، فإن الفورة الوطنيّة والثوريّة المرتبطة بمشروع ما بعد الإستعمار عنت ما هو أكثر من التحرّر من نير الإستعمار. وكما تشير الأبيات الواردة أعلاه، عنت هذه الفورة لكثيرٍ من النساء مستقبلًا يعِد بالمساواة وبـ”عصرٍ جديدٍ من الحبّ والحريّة” (إقتباس عن شفيق في نيلسون، 1996، ص. 185). ويمكن فهم هذا التركيز على الحبّ في أغنية الزيّات مجازيًّا، إذ أمِلت النساء في أمّةٍ جديدةٍ تبادلهنّ الحبّ كمواطناتٍ كاملاتٍ ومتساوياتٍ مع المواطنين، كما يمكن فهمه حرفيًّا أيضًا كتوقٍ إلى وطنٍ يمكن للنساء فيه الوقوع في الحبّ بحريّة.
      سطر 45: سطر 45:       −
في هذا المقال، أجادل أنّ تصوير شفيق والزيّات لحياتَيهما يُبرز كيف كانت أجساد الناشطات ومظهرهنّ وجنسانيّتهن تُستخدَم جميعها ضدّهن. في الواقع، أشير هنا إلى أن شفيق والزيّات كانتا أكثر قدرةً على مواجهة القمع السياسي من مواجهة القمع الموجّه ضد جسديهما ورغباتهما. لكن في مراحل لاحقةٍ من حياتهما، تمكّنت المرأتان من رؤية جسديهما كأداةٍ للمقاومة، ولا سيما في خلال تجاربهما في السجن.
+
في هذا المقال، أجادل أنّ تصوير شفيق والزيّات لحياتَيهما يُبرز كيف كانت أجساد الناشطات ومظهرهنّ [[جنسانية|وجنسانيّتهن]] تُستخدَم جميعها ضدّهن. في الواقع، أشير هنا إلى أن شفيق والزيّات كانتا أكثر قدرةً على مواجهة القمع السياسي من مواجهة القمع الموجّه ضد جسديهما ورغباتهما. لكن في مراحل لاحقةٍ من حياتهما، تمكّنت المرأتان من رؤية جسديهما كأداةٍ للمقاومة، ولا سيما في خلال تجاربهما في السجن.
    
   
 
   
سطر 52: سطر 52:  
==وضع التحليل في سياق==
 
==وضع التحليل في سياق==
   −
قبل البدء بتحليل النصّين، لا بدّ من تعريفٍ موجزٍ لحياتَي المرأَتين. شفيق هي نسويّة مصريّة، شاعرة، وناشطة. وُلدت في العام 1908 لأسرةٍ من الطبقة المتوسّطة، وسافرت الى فرنسا لاستكمال البكالوريوس والدكتوراه، ثم أخذت تنشط بشكلٍ متزايدٍ بعد عودتها الى مصر. إنطلقت نضال شفيق من اهتمامها بالقضيّة النسويّة، وفي العام 1936، قامت بتحرير مجلّة المرأة الجديدة التي ركّزت على مسائل أدبيّةٍ وثقافيّة. وفي العام 1945، أطلقت شفيق مجلّتها الخاصّة بنت النيل التي كانت تُنشر بالعربيّة بهدف الوصول الى جمهورٍ أكبر. وهاتان التجربتان في النشر قادتا شفيق لتؤسّس منظّمةً نسويّةً بإسم “إتحاد بنت النيل” في العام 1948، بدأن بمناصرة المساواة الجندريّة وتحرير النساء بشكلٍ علنيّ. رُويدًا رُويدًا، بدأت شفيق تبتعد عن الأطر النسويّة التي لم تكن في مواجهةٍ مباشرةٍ مع سلطة الدولة[3]، لتتّجه نحو تكتيكاتٍ تتّسم أكثر بالمواجهة وبالجرأة السياسيّة. تكثّف نضالها خلال السنين الأخيرة للعهد الملكيّ، ثم في عهد عبد الناصر. في العام 1951، إقتحمت شفيق مقرّ البرلمان المصري واحتلّت مكتب رئيس المجلس مطالبةً بتمثيلٍ متساوٍ للنساء في المجلس التشريعي، بالإضافة الى حقوقٍ سياسيّةٍ أخرى. كذلك عملت شفيق على التعبئة من أجل إصلاح قوانين تعدّد الزوجات والطّلاق، وقادت إضرابَين عن الطّعام في عامَي 1954 و1957 ليس فقط من أجل المساواة الجندريّة، بل ضدّ ديكتاتوريّة عبد الناصر أيضًا. وتسبّب الإضراب الثاني عن الطعام بوضعها قيد الإثامة الجبريّة في العام 1957، استمرّت بعده في عزلةٍ ذاتيّةٍ حتى انتحارها المحتمل في العام 1975.
+
قبل البدء بتحليل النصّين، لا بدّ من تعريفٍ موجزٍ لحياتَي المرأَتين. شفيق هي [[نسوية|نسويّة]] مصريّة، شاعرة، وناشطة. وُلدت في العام 1908 لأسرةٍ من الطبقة المتوسّطة، وسافرت الى فرنسا لاستكمال البكالوريوس والدكتوراه، ثم أخذت تنشط بشكلٍ متزايدٍ بعد عودتها الى مصر. إنطلقت نضال شفيق من اهتمامها بالقضيّة النسويّة، وفي العام 1936، قامت بتحرير مجلّة المرأة الجديدة التي ركّزت على مسائل أدبيّةٍ وثقافيّة. وفي العام 1945، أطلقت شفيق مجلّتها الخاصّة بنت النيل التي كانت تُنشر بالعربيّة بهدف الوصول الى جمهورٍ أكبر. وهاتان التجربتان في النشر قادتا شفيق لتؤسّس منظّمةً نسويّةً بإسم “إتحاد بنت النيل” في العام 1948، بدأن بمناصرة [[مساواة جندرية|المساواة الجندريّة]] وتحرير النساء بشكلٍ علنيّ. رُويدًا رُويدًا، بدأت شفيق تبتعد عن الأطر النسويّة التي لم تكن في مواجهةٍ مباشرةٍ مع سلطة الدولة[3]، لتتّجه نحو تكتيكاتٍ تتّسم أكثر بالمواجهة وبالجرأة السياسيّة. تكثّف نضالها خلال السنين الأخيرة للعهد الملكيّ، ثم في عهد عبد الناصر. في العام 1951، إقتحمت شفيق مقرّ البرلمان المصري واحتلّت مكتب رئيس المجلس مطالبةً بتمثيلٍ متساوٍ للنساء في المجلس التشريعي، بالإضافة الى حقوقٍ سياسيّةٍ أخرى. كذلك عملت شفيق على التعبئة من أجل إصلاح قوانين تعدّد الزوجات والطّلاق، وقادت إضرابَين عن الطّعام في عامَي 1954 و1957 ليس فقط من أجل المساواة الجندريّة، بل ضدّ ديكتاتوريّة عبد الناصر أيضًا. وتسبّب الإضراب الثاني عن الطعام بوضعها قيد الإثامة الجبريّة في العام 1957، استمرّت بعده في عزلةٍ ذاتيّةٍ حتى انتحارها المحتمل في العام 1975.
      سطر 73: سطر 73:       −
ولأنّ السلطويّة هي بنيةٌ مُجندَرةٌ، صار جسدا شفيق والزيّات الأنثويّان أكثر ظهورًا وغالبًا ما استُخدما ضدّهما (النويحي، 2001). وكما تقول إنلو (2000) بالمختصر المفيد، إن أنوثة المرأة يُنظر إليها على أنها “المكان الوحيد الذي يمكن المرأة عبره أن تقدِم على الفعل السياسي” (ص. 20). بهذا المعنى، يُنظر إلى النضال السياسيّ للنساء ويُفسّر بشكلٍ رئيسٍ من خلال نوعهن الإجتماعي أو الجندر خاصّتهن. في خلال إعتقالها المرة الأولى في العام 1949، سأل المحقّق الزيّات: “لمَ تهتمّين بالسياسة وأنتِ جميلةٌ؟” )الزيّات، 1996، ص. 95). ويدلّ هذا السؤال على النظرة المُجندَرة لنضال النساء: في التحقيق معها، شكّلت السلطات الزيّات كامرأةٍ قبل أن ترى فيها الخصم الشيوعيّ. كذلك، يشير السؤال إلى أنّ النضال تمارسه فقط إنسانةُ تشكو “عيبًا” أو “نقيصةً” في أنوثتها أو جسدها، وربّما في أخلاقيّاتها أيضًا. وبحسب المحقّق، لا تحتاج النساء الجميلات لأن يكنّ متمرّدات سياسيًّا. باختصارٍ، هو استخدم جندرها ليهزأ بها ويعايرها. وفي خلال فترة سجنها الثانية في العام 1981، واجهت الزيّات شكلًا أكثر وضوحًا من قمع الدولة المُجندَر، لاسيما حملات التفتيش في السجن التي تعمّدت إهانة السجينات. وكتبت الزيّات عن الحارسات اللواتي كنّ يخفين أغراضها، ما يضطرّها للوقوف عاريةً أمام الحرّاس والحارسات (الزيّات، 1996). وكما تجادل النويحي، “القمع على أساس الجندر والقمع على أساس النضال السياسيّ يتصلان بشكلٍ وثيقٍ ]…[ ببُنى القوّة ذاتها التي تحاول إسكات المعارضة” (ص. 495). وفي حال الزيّات، يمثّل جسدها العاري الإخضاع المزدوج للسلطويّة السياسيّة من جهةٍ وللأبويّة من جهةٍ أخرى: فحرّاس السّجن كانوا في الوقت عينه ممثّلي/ات الدّولة والناظرين/ات الى جسدها الأنثوي، وكانت هي تواجههم/ن في الوقت عينه كمتمرّدةٍ وكإمرأة.
+
ولأنّ السلطويّة هي بنيةٌ مُجندَرةٌ، صار جسدا شفيق والزيّات الأنثويّان أكثر ظهورًا وغالبًا ما استُخدما ضدّهما (النويحي، 2001). وكما تقول إنلو (2000) بالمختصر المفيد، إن أنوثة المرأة يُنظر إليها على أنها “المكان الوحيد الذي يمكن المرأة عبره أن تقدِم على الفعل السياسي” (ص. 20). بهذا المعنى، يُنظر إلى النضال السياسيّ للنساء ويُفسّر بشكلٍ رئيسٍ من خلال [[نوع إجتماعي|نوعهن الإجتماعي]] أو الجندر خاصّتهن. في خلال إعتقالها المرة الأولى في العام 1949، سأل المحقّق الزيّات: “لمَ تهتمّين بالسياسة وأنتِ جميلةٌ؟” )الزيّات، 1996، ص. 95). ويدلّ هذا السؤال على النظرة المُجندَرة لنضال النساء: في التحقيق معها، شكّلت السلطات الزيّات كامرأةٍ قبل أن ترى فيها الخصم الشيوعيّ. كذلك، يشير السؤال إلى أنّ النضال تمارسه فقط إنسانةُ تشكو “عيبًا” أو “نقيصةً” في أنوثتها أو جسدها، وربّما في أخلاقيّاتها أيضًا. وبحسب المحقّق، لا تحتاج النساء الجميلات لأن يكنّ متمرّدات سياسيًّا. باختصارٍ، هو استخدم جندرها ليهزأ بها ويعايرها. وفي خلال فترة سجنها الثانية في العام 1981، واجهت الزيّات شكلًا أكثر وضوحًا من قمع الدولة المُجندَر، لاسيما حملات التفتيش في السجن التي تعمّدت إهانة السجينات. وكتبت الزيّات عن الحارسات اللواتي كنّ يخفين أغراضها، ما يضطرّها للوقوف عاريةً أمام الحرّاس والحارسات (الزيّات، 1996). وكما تجادل النويحي، “القمع على أساس الجندر والقمع على أساس النضال السياسيّ يتصلان بشكلٍ وثيقٍ ]…[ ببُنى القوّة ذاتها التي تحاول إسكات المعارضة” (ص. 495). وفي حال الزيّات، يمثّل جسدها العاري الإخضاع المزدوج للسلطويّة السياسيّة من جهةٍ وللأبويّة من جهةٍ أخرى: فحرّاس السّجن كانوا في الوقت عينه ممثّلي/ات الدّولة والناظرين/ات الى جسدها الأنثوي، وكانت هي تواجههم/ن في الوقت عينه كمتمرّدةٍ وكإمرأة.
      سطر 108: سطر 108:       −
إذًا، إنّ إستبطان كلٍّ من شفيق والزيّات لقمع الحبّ والجنسانيّة يظهر الصعوبة التي تواجهها النساء للتخلّص من شراك الأبويّة حين يقمن بتشكيل هويّاتهنّ. إنّ قلقهما تجاه جسديهما كان أيضًا ذا صلةٍ بالسّياق التاريخي الذي عاشتا فيه، أيّ الفترة الإنتقاليّة من الإستعمار إلى ما بعد الإستعمار، وهو إنتقالٌ وعد بتجاوز القمع عبر الحريّة، ما جعلهما غير أكيدتَين من مكانة الحبّ والجنسانيّة في مساحة التحرّر الموعودة. وكما تشير الزيّات من خلال الشخصيّة الرئيسة في رواية الباب المفتوح[9]، “لا إحنا فاهمين إذا كنا حريم ولا مش حريم، إن كان الحب حرام ولا حلال” (مقتبس في باير، 2011، ص. 24). وبدلًا من التصادم مع العالم لإيجاد الجواب، غالبًا ما نبذت الزيّات جسدها وأقفلت على رغباته في سجنٍ كان أصعب السّجون على الإطلاق (الزيّات، 1996، ص. 102).
+
إذًا، إنّ إستبطان كلٍّ من شفيق والزيّات لقمع الحبّ والجنسانيّة يظهر الصعوبة التي تواجهها النساء للتخلّص من شراك [[نظام أبوي|الأبويّة]] حين يقمن بتشكيل هويّاتهنّ. إنّ قلقهما تجاه جسديهما كان أيضًا ذا صلةٍ بالسّياق التاريخي الذي عاشتا فيه، أيّ الفترة الإنتقاليّة من الإستعمار إلى ما بعد الإستعمار، وهو إنتقالٌ وعد بتجاوز القمع عبر الحريّة، ما جعلهما غير أكيدتَين من مكانة الحبّ والجنسانيّة في مساحة التحرّر الموعودة. وكما تشير الزيّات من خلال الشخصيّة الرئيسة في رواية الباب المفتوح[9]، “لا إحنا فاهمين إذا كنا حريم ولا مش حريم، إن كان الحب حرام ولا حلال” (مقتبس في باير، 2011، ص. 24). وبدلًا من التصادم مع العالم لإيجاد الجواب، غالبًا ما نبذت الزيّات جسدها وأقفلت على رغباته في سجنٍ كان أصعب السّجون على الإطلاق (الزيّات، 1996، ص. 102).
     
staff
2٬186

تعديل

قائمة التصفح