وثيقة:معارك مع الرغبة: مركزة الجسد في السرديات الشخصية لدرية شفيق ولطيفة الزيات
محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.
تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.
تأليف | سلمى شاش |
---|---|
تحرير | غير معيّن |
المصدر | مجلة كُحل لأبحاث الجسد والجندر |
اللغة | العربية |
تاريخ النشر | |
مسار الاسترجاع | http://kohljournal.press/ar/battles-with-desire
|
تاريخ الاسترجاع | |
نسخة أرشيفية | http://archive.is/7lI3h
|
هذه المقالة نشرت في المجلد 1 - عدد 2، لمجلة كحل.
هذا النصّ موجود كذلك في ملف: معارك مع الرغبة- مركزة الجسد في السرديات الشخصية لدرية شفيق ولطيفة الزيات.pdf
مقدّمة
في يومٍ من أيّام الحياة
سيزدهر الربيع من جديد
في أرضٍ حرّةٍ حرّة
فيها نحيا من جديد
فيها نُحِبّ ونُحَبّ من جديد.
(الزيّات، 1996، ص. 89)[1]
في العام 1949، ردّدت لطيفة الزيّات، المعتقلة السياسيّة آنذاك، هذه الأبيات بتحدٍّ في المحكمة (الزيّات، 1996). وبعد ذلك بسنواتٍ قليلةٍ، تحرّرت مصر من الإحتلال البريطاني، لكن من غير المؤكّد ما إذا كان بلدها قد صار “أرضًا حرّةً حرّة”، حيث يمكن للزيّات كناشطةٍ يساريّةٍ وكامرأةٍ أن “تُحِبّ وتُحَبّ”. وبالنسبة إلى كثيرٍ من الناشطين/ات المصريين/ات، فإن الفورة الوطنيّة والثوريّة المرتبطة بمشروع ما بعد الإستعمار عنت ما هو أكثر من التحرّر من نير الإستعمار. وكما تشير الأبيات الواردة أعلاه، عنت هذه الفورة لكثيرٍ من النساء مستقبلًا يعِد بالمساواة وبـ”عصرٍ جديدٍ من الحبّ والحريّة” (إقتباس عن شفيق في نيلسون، 1996، ص. 185). ويمكن فهم هذا التركيز على الحبّ في أغنية الزيّات مجازيًّا، إذ أمِلت النساء في أمّةٍ جديدةٍ تبادلهنّ الحبّ كمواطناتٍ كاملاتٍ ومتساوياتٍ مع المواطنين، كما يمكن فهمه حرفيًّا أيضًا كتوقٍ إلى وطنٍ يمكن للنساء فيه الوقوع في الحبّ بحريّة.
وعلى أيّ حالٍ، عجزت الأمّة ما بعد الإستعماريّة عن الوفاء بوعودها في ما يتعلّق بالحريّات السياسيّة والشخصيّة، إذ بقيت الدّولة المصريّة تحت حكم جمال عبد الناصر ومن خلفوه، دولةً مستبدّةً لا ترحّب بالمعارضة. بالإضافة إلى ذلك، تأسّسَت هذه الدّولة على بنًى أبويّةٍ، إذ نكثت الأمّة ما بعد الإستعماريّة بكثيرٍ من وعودها للنساء بعد الإستقلال. وبالتالي، تحمّلت النساء المصريّات وقاومن عقودًا من القهر على يد الحلف المستديم بين الإستبداد والأبويّة. وفي هذا المقال، أركّز بالتحديد على مناضلتَين مصريّتين نذرتا حياتيهما لمحاربة بُنى الإستبداد والأبويّة: دريّة شفيق (1908 – 1975) ولطيفة الزيّات (1923 – 1996)، فأعاين سيرة حياة شفيق التي كتبتها نيلسون (1996) بناءً على مذكّرات شفيق غير المنشورة، كما أنظر في السيرة الذاتيّة للزيّات (1996) التي اقتُطفَت منها الأبيات أعلاه. وتركّز قراءتي لهذين النصّين النسويّين على موقع “الجسد” في قصصهما عن المقاومة، وبالتحديد عن الطرق التي شُكّلت فيها أجساد النساء ورغباتهنّ كأدواتٍ للقمع وللتحرّر، وللتسوية بين هذا وذاك.
شفيق والزيّات هما شخصيّتان رئيستان ذائعتا الصّيت في تاريخ النسويّة المصريّة. وعلى الرغم من قيام النسويّات بتظهير حياتَيهما علنًا، فإنّ نضالهما العامّ والمعارك الصعبة التي خاضتاها من أجل المساواة الجندريّة والحقوق السياسيّة تظلّ الأكثر بروزًا. وفي هذا المقال، أهدف إلى إعادة قراءة قصّتَي حياتهما مع التركيز على موقع الجسد في معاركهما من أجل المساواة والحريّة والحبّ. إنّ أهميّة معاينة الجسد في قصّتَي هاتَين المرأتَين هي أهميّةٌ مزدوجةٌ. أولًا، لا يُعرف عن شفيق والزيّات امتلاكهما جسدَين غير مُتوافقَين مع الأعراف الإجتماعيّة، فهما لم تتجاوزا التوقّعات السّائدة في ما يتعلّق بالرغبة المغايِرة، كما لم يكن هناك ما يوحي بالتمرّد في طريقة تقديمهما لنفسَيهما. في الواقع، لم تتركّز نضالاتهما النسويّة على تحرير أجساد النساء أو حريّاتهنّ الجنسيّة كما هي الحال مع نسويّاتٍ مصريّاتٍ أخريات كنوال السّعداوي. وفي هذا الصّدد، أجد أنّ من الهامّ جدًّا فهم الطرق التي يغدو فيها الجسد ذا اعتبارٍ ليس فقط في قصص التحدّي السّافر للقواعد الجنسيّة والجندريّة. وثانيًا، أُمَوضع فهم جسدَي المرأتَين في سياق ما بعد الإستعمار كلحظةٍ إنتقاليّةٍ محدّدةٍ في تاريخ مصر في عشرينيات القرن الماضي، فسيرَتا شفيق والزيّات تبدآن في مصر الملكيّة وتنتهيان برئاسة أنور السّادات. ويتلازم نضوج وعيهما النسويّ مع تشكّل وعيٍ وطنيٍّ جماعيٍّ وولادة أمّة ما بعد الإستعمار. لقد وعد قدوم الثورة والإستقلال بتحرير النساء ضمن المشروع الوطني “الحديث” (باير، 2001، م. 3)، وارتفعت إحصائيًّا نسبة مشاركة النساء في سوق العمل بعد الإستقلال، كما حصلن رسميًّا على بعضٍ من حقوقهنّ السياسية كمواطناتٍ متساوياتٍ مع الرجال (باير، 2001)[2]. لكن هذا “التحرير” ظلّ بعيد المنال في ما يتعلّق بأجساد النساء. ومن خلال قراءة هذين النصّين، يمكن التقاط لحظة ولادة دولة ما بعد الإستعمار، والآمال والإحباطات التي سبقتها وتلتها من منظور هاتين المرأتَين. ويظهر التركيز على تأمّلاتهما الحميمة عن الحبّ والأنوثة والزواج، استمراريّة قمع النساء قبل وبعد استقلال مصر، وتحديدًا من خلال أجسادهنّ.
إن تاريخ شفيق والزيّات النضالي الطويل خلال اللحظات الحرجة من تاريخ مصر يمنح قصّتيهما قيمةً خاصّةً. فالفترة الزمنيّة التي يعالجها نصّا السيرة توفّر لمحةً نادرةً عن مرحلةٍ ممتدّةٍ من التاريخ المصري يندر وجودها في أيٍّ من سير الحياة أو السير الذاتيّة للنسويّات المصريّات. وعلى الرغم من ذلك، من المهمّ الإشارة الى أن هاتين القصّتين تخدمان الإيضاح وليس التمثيل. لقد كانت شفيق والزيّات إمرأتين صاحبتَي امتيازٍ على مستوى الطبقة الإجتماعيّة والتعليم، وكما أنهما لا تمثّلان جميع نساء مصر، فإنّهما لا تمثّلان كذلك فئة “النساء الناشطات” شديدة التّباين، إذ لطالما كانت هناك أنواعٌ مختلفةٌ من الناشطات الليبراليّات والإسلاميّات واليساريّات العابرات للفئات العمريّة والطبقات الإجتماعيّة والمناطق الجغرافيّة.
في هذا المقال، أجادل أنّ تصوير شفيق والزيّات لحياتَيهما يُبرز كيف كانت أجساد الناشطات ومظهرهنّ وجنسانيّتهن تُستخدَم جميعها ضدّهن. في الواقع، أشير هنا إلى أن شفيق والزيّات كانتا أكثر قدرةً على مواجهة القمع السياسي من مواجهة القمع الموجّه ضد جسديهما ورغباتهما. لكن في مراحل لاحقةٍ من حياتهما، تمكّنت المرأتان من رؤية جسديهما كأداةٍ للمقاومة، ولا سيما في خلال تجاربهما في السجن.
وضع التحليل في سياق
قبل البدء بتحليل النصّين، لا بدّ من تعريفٍ موجزٍ لحياتَي المرأَتين. شفيق هي نسويّة مصريّة، شاعرة، وناشطة. وُلدت في العام 1908 لأسرةٍ من الطبقة المتوسّطة، وسافرت الى فرنسا لاستكمال البكالوريوس والدكتوراه، ثم أخذت تنشط بشكلٍ متزايدٍ بعد عودتها الى مصر. إنطلقت نضال شفيق من اهتمامها بالقضيّة النسويّة، وفي العام 1936، قامت بتحرير مجلّة المرأة الجديدة التي ركّزت على مسائل أدبيّةٍ وثقافيّة. وفي العام 1945، أطلقت شفيق مجلّتها الخاصّة بنت النيل التي كانت تُنشر بالعربيّة بهدف الوصول الى جمهورٍ أكبر. وهاتان التجربتان في النشر قادتا شفيق لتؤسّس منظّمةً نسويّةً بإسم “إتحاد بنت النيل” في العام 1948، بدأن بمناصرة المساواة الجندريّة وتحرير النساء بشكلٍ علنيّ. رُويدًا رُويدًا، بدأت شفيق تبتعد عن الأطر النسويّة التي لم تكن في مواجهةٍ مباشرةٍ مع سلطة الدولة[3]، لتتّجه نحو تكتيكاتٍ تتّسم أكثر بالمواجهة وبالجرأة السياسيّة. تكثّف نضالها خلال السنين الأخيرة للعهد الملكيّ، ثم في عهد عبد الناصر. في العام 1951، إقتحمت شفيق مقرّ البرلمان المصري واحتلّت مكتب رئيس المجلس مطالبةً بتمثيلٍ متساوٍ للنساء في المجلس التشريعي، بالإضافة الى حقوقٍ سياسيّةٍ أخرى. كذلك عملت شفيق على التعبئة من أجل إصلاح قوانين تعدّد الزوجات والطّلاق، وقادت إضرابَين عن الطّعام في عامَي 1954 و1957 ليس فقط من أجل المساواة الجندريّة، بل ضدّ ديكتاتوريّة عبد الناصر أيضًا. وتسبّب الإضراب الثاني عن الطعام بوضعها قيد الإثامة الجبريّة في العام 1957، استمرّت بعده في عزلةٍ ذاتيّةٍ حتى انتحارها المحتمل في العام 1975.
دريّة شفيق: نسويّةٌ مصريّةٌ هو كتاب سيرتها الذاتيّة بقلم سينثيا نيلسون، لكنّه يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على مذكّرات شفيق غير المنشورة، وقد كُتب أيضًا بتعاونٍ وثيقٍ مع بناتها (نيلسون 1996). وتمكن قراءة الكتاب بصفته شبه سيرةٍ ذاتيّة كونه يستقي سرديته بشكلٍ رئيسٍ من كتابات شفيق، بالإضافة إلى تقديم نيلسون السياق التاريخي للسرد. وعلى الرغم من سياقيّة نيلسون الهامّة، إلا أن هدف هذا المقال هو التركيز على سرد النساء لقصصهنّ الخاصّة وتأمّلاتهنّ الذاتيّة في مسائل حميمةٍ مثل الحبّ وأجسادهنّ. بالتالي، سوف أركّز بشكلٍ رئيسٍ على المقاطع التي كتبتها شفيق بنفسها. وينظر الجزء الأول من سيرة حياة شفيق في سنواتها الأكثر نشاطًا، معتمدًا بمعظمه على كتاباتها التي توفّر مواداً كافيةً لاستكشاف حياتها من خلال صوتها هي. في الواقع، كانت شفيق غزيرة الإنتاج، فهي لم تكتفِ بكتابة مذكّراتها بل انخرطت أيضًا في كتابة الشعر وفي الصحافة (نيلسون، 1996). أما نيلسون فقد ساهمت أكثر من شفيق في الكتابة عن حياة الناشطة بعد وضعها قيد الإقامة الجبريّة، إذ قلّت كتابات شفيق في تلك الفترة.
كما شفيق، ولدت الزيّات لأسرةٍ مصريّةٍ من الطبقة المتوسّطة، في العام 1923 في دمياط. ولعلّ حياة الزيّات السياسيّة بدأت في سن الحادية عشرة عندما رأت من شبّاكها رجال الشرطة يطلقون النار على المتظاهرين. أثّرت هذه الحادثة عميقًا فيها، وساهمت في قرارها الإلتزام بالنضال في ذلك العمر الصغير جدًّا. وفي أثناء دراستها في جامعة القاهرة، سرعان ما صارت الزيّات قياديّةً في السياسات الطالبيّة وانضمّت الى الحزب الشّيوعي تحت الحكم الملكي. في باكورة نضالها، كانت الزيّات مصمّمةً على إثبات أن النساء لسن أدنى مرتبةً من نظرائهنّ الرجال، وأن يإمكانهنّ قيادة النضالات الوطنيّة. في العام 1949، أُلقيَ القبض عليها وزوجها الأول أحمد شكري سالم وأودِعا السجن. وفي العام 1952، تزوّجت الزيّات للمرة الثانية من رشاد رشدي، وكان أستاذًا جامعيًّا معروفًا بآرائه المحافظة واليمينيّة، على الرغم من كونها ناشطةً يساريّة. استمرّ الزواج لثلاثة عشر عامًا حتى العام 1965، حين أوقفت الزيّات أنشطتها السياسيّة. من ناحيةٍ أخرى، حصلت الزيّات على درجة الدكتوراه في العام 1957 ونشرت روايتها الأكثر أهميّةً بعنوان الباب المفتوح، والتي وُصفت بأنها “بيان نسويّ جريء” (باير، 2011). استمرّت الزيّات في نشاطاتها السياسيّة بعد هزيمة 1967، وانضمّت لاحقًا الى “حزب التجمّع”، الحزب اليساري المشرّع الوحيد تحت حكم السّادات، قبل أن تُعتقل مجدّدًا في العام 1981 (الزيّات، 1996). وعلى الرغم من أنها لم تنضمّ إلى أيّ حركةٍ نسائيةٍ، فإن نضالاتها النسوية حضرت بقوةٍ من خلال انخراطها في السياسة كما من خلال كتاباتها، بما فيها سيرتها الذاتيّة (الزيّات، 1996).
بالطبع، يمثّل كتاب السيرة الذاتيّة للزيّات بعنوان حملة تفتيش: أوراق شخصيّة نصًّا فريدًا، وقد قسمته الى قسمَين، يركّز كلٌّ منهما على أحداثٍ محدّدةٍ في حياتها. ويصف القسم الأول حياتها قبل سجنها في العام 1981، وتحديدًا بدايات نشاطها واعتقالها المرّة الأولى، وزواجها الثاني، وهزيمة العام 1967 ووفاة شقيقها، علماً أن كلّ هذه الأحداث رُويت متحرّرةً من الترتيب الزمني. أما القسم الثاني من الكتاب فيركّز حصرًا على تجربة سجنها في العام 1981 في سجن القناطر للنساء. وعلى الرغم من رحيلها في العام 1996، فإن سيرتها الذاتيّة تنتهي في العام 1981، إذ تقدّم تأمّلًا ذاتيًّا عن التغيير الذي أحدثته فيها تجربة السجن الثانية. ولعلّ الأكثر إدهاشًا في سيرة الزيّات الذاتيّة هو الطريقة التي يتداخل فيها العامّ بالخاصّ كأنّهما واحدٌ، بالإضافة الى خروج الأحداث من قالب الترتيب الزمني، ما يظهر نسجها لفتراتٍ زمنيّةٍ مختلفةٍ بشكلٍ متداخلٍ. وتصف الزيّات حياتها على أنها “تتّخذ مسارًا دائريًّا” (الزيّات، 1996، ص. 19)، بدلًا من مسارٍ خطيٍّ، تتشابك فيه بقوّةٍ أحزان الماضي/ الحاضر ومعارك الخاصّ/ العامّ.
ولكي أجمع معًا حياتَي هاتين المرأتين ونفهم مركزيّة الجسد في صراعاتهما، أعتمد في هذا المقال على تحليل النصّين المذكورَين، فيما أقوم بالربط حيث يقتضي الأمر بين أحداثٍ معيّنةٍ من جهةٍ والسياق السياسي الأكبر من جهةٍ أخرى. وبدلًا من شرح أهميّة الجسد بالنسبة إلى الصراعات النسويّة، أستكشف كيف توصّلت كلٌّ من شفيق والزيّات لفهم مكانة جسدَيهما الأنثويّين الخاصّين كموضوعَين سياسيّين وحميمَين. وبسبب فارق السنّ، بدأ نضال شفيق باكرًا في مرحلة ما قبل استقلال مصر، بينما امتدّ نضال الزيّات ليطال عهد السّادات. بالتالي، فإن الفترة المدروسة هنا تمتدّ من مرحلة ما قبل استقلال مصر لتتقاطع مع صناعة الدولة الناصريّة في مرحلة ما بعد الإستعمار، ولتلامس أخيرًا عهد السّادات. “السلطويّة” هي مصطلح يُستخدم بوصف الانظمة السياسيّة غير الديموقراطية، بينما تمثّل “الأبويّة” البُنى الهرميّة التي تسمح بسيطرة الذكور، بالإضافة الى “سيطرة الأب على عائلته” (رمضان أوغلو، 1989، ص. 34).
تسييس الجسد: الجسد كموضوعٍ عامٍّ
إن مقولة “ الشخصيّ هو السياسيّ” لكارول هانيتش تُخالف ثنائيّة العام/ الخاصّ في نظريّة الجندر (مقتبس في لي، 2007)، كما أن تسييس ما سُمِّيَ حتّى الآن بالـ”مسائل الشخصيّة” يشير الى “توسيع مفهوم القوّة بغرض إظهار أن المجال الخاصّ هو مجالٌ عامّ وسياسيّ بالقدر ذاته” (رمضان أوغلو، 1989، ص. 63). إن الجسد – الأداة الأكثر حميميّةً – هو أيضًا أداةٌ عامّةٌ لا تُختبر في المجال الخاصّ فقط، بل تُعرّف وتتأثرّ بديناميّات القوى الطاغية. كمتمرّدتَين سياسيّتَين، لم تطابق كلٌّ من شفيق والزيّات توقّع الدولة من الأجساد المُطيعة التي تنتمي إلى المجال الخاصّ، أو تحصر حضورها في المجال العامّ بالعمل والدّراسة. في العام 1949، اعتُقلَت شفيق تحت الحكم الملكيّ لكونها شيوعيّةً، وفي العام 1981، إعتُقلَت مجدّدًا تحت حكم السّادات لكونها عضوًا في “حزب التجمّع” (الزيّات، 1996). كذلك، لم يحتمل نظام عبد الناصر نضال شفيق لوقتٍ طويلٍ، فوُضعت قيد الإقامة الجبريّة في العام 1957 (نيلسون، 1996). بالتالي، ظلّ وجه السلطويّة كما هو على مدى الأزمنة التاريخيّة المختلفة: جسداهما الخاضعان للرّقابة وَسَماهما كخصمَين سياسيّين/ إيديولوجيّين، لكنّهما أيضًا أبرزا واقعهما كامرأتَين.
ولأنّ السلطويّة هي بنيةٌ مُجندَرةٌ، صار جسدا شفيق والزيّات الأنثويّان أكثر ظهورًا وغالبًا ما استُخدما ضدّهما (النويحي، 2001). وكما تقول إنلو (2000) بالمختصر المفيد، إن أنوثة المرأة يُنظر إليها على أنها “المكان الوحيد الذي يمكن المرأة عبره أن تقدِم على الفعل السياسي” (ص. 20). بهذا المعنى، يُنظر إلى النضال السياسيّ للنساء ويُفسّر بشكلٍ رئيسٍ من خلال نوعهن الإجتماعي أو الجندر خاصّتهن. في خلال إعتقالها المرة الأولى في العام 1949، سأل المحقّق الزيّات: “لمَ تهتمّين بالسياسة وأنتِ جميلةٌ؟” )الزيّات، 1996، ص. 95). ويدلّ هذا السؤال على النظرة المُجندَرة لنضال النساء: في التحقيق معها، شكّلت السلطات الزيّات كامرأةٍ قبل أن ترى فيها الخصم الشيوعيّ. كذلك، يشير السؤال إلى أنّ النضال تمارسه فقط إنسانةُ تشكو “عيبًا” أو “نقيصةً” في أنوثتها أو جسدها، وربّما في أخلاقيّاتها أيضًا. وبحسب المحقّق، لا تحتاج النساء الجميلات لأن يكنّ متمرّدات سياسيًّا. باختصارٍ، هو استخدم جندرها ليهزأ بها ويعايرها. وفي خلال فترة سجنها الثانية في العام 1981، واجهت الزيّات شكلًا أكثر وضوحًا من قمع الدولة المُجندَر، لاسيما حملات التفتيش في السجن التي تعمّدت إهانة السجينات. وكتبت الزيّات عن الحارسات اللواتي كنّ يخفين أغراضها، ما يضطرّها للوقوف عاريةً أمام الحرّاس والحارسات (الزيّات، 1996). وكما تجادل النويحي، “القمع على أساس الجندر والقمع على أساس النضال السياسيّ يتصلان بشكلٍ وثيقٍ ]…[ ببُنى القوّة ذاتها التي تحاول إسكات المعارضة” (ص. 495). وفي حال الزيّات، يمثّل جسدها العاري الإخضاع المزدوج للسلطويّة السياسيّة من جهةٍ وللأبويّة من جهةٍ أخرى: فحرّاس السّجن كانوا في الوقت عينه ممثّلي/ات الدّولة والناظرين/ات الى جسدها الأنثوي، وكانت هي تواجههم/ن في الوقت عينه كمتمرّدةٍ وكإمرأة.
وتكشف سيرة حياة شفيق أيضًا قمع الدولة المُجندَر الذي واجهته في باكورة حياتها كناشطةٍ، إذ استخدم الرّجال النافذون مظهرها ليميّزوا ضدّها. على سبيل المثال، بعد عودتها من فرنسا آملةً بأن حصولها على درجة الدّكتوراه مع مرتبة الشرف سيتيح تعيينها في كليّة الآداب، قوبلَت برفضٍ قاطعٍ من عميد الكليّة الذي قال حرفيًّا أنه لا يستطيع “تحمّل المسؤوليّة بتعييني أستاذةً جميلةً في الكليّة” (نيلسون، 1996، ص. 99). في خلال حياتَي شفيق والزيّات، كان مظهرهما سببًا في عزلهما وإقصاء عملهما.
بالإضافة الى ذلك، لم يكن ممثلو الدّولة فقط من استخدموا أجساد النساء لإقصاء نضالهنّ، بل أيضًا الزملاء الناشطون الوطنيون، كما تظهر سيرة حياة شفيق. لطالما احتضنت شفيق أنوثتها واهتمّت بمظهرها وفقًا لمعايير الجمال والأناقة المقبولة إجتماعيًّا، غير أنّ ناقديها ركّزوا على طريقة تقديمها لنفسها بغرض وصمها. في الواقع، عمد كثيرٌ من المناضلين الوطنيّين ضد الإستعمار إلى السّخرية منها بسبب جمالها، وقالوا أنها تبدو كـ”سيّدة صالونٍ” أكثر ممّا تبدو كمناضلة (نيلسون، 1996). ولهذا، جرى إقصاء شفيق لاعتبارها غير “جدّيّةٍ” بما يكفي، أو “ليبراليّةً جدًّا” أو “إستغرابيّةً جدًّا”. لكن في الواقع، أقدمت شفيق على أكثر الأفعال راديكاليّةً في تاريخ النسويّة المصريّة، فقامت مثلًا باقتحام مقرّ البرلمان بالقوّة في العام 1951، وفتحت قاعة النوّاب عنوةً، واحتلّت مكتب رئيس المجلس إلى أن وعد بأخذ مطالبها بعين الإعتبار، وتضمّنت وقتها منح النساء حقوقهنّ السياسية كالحقّ في التصويت والتمثيل في البرلمان.
كذلك عمد الإعلام الى الإستهزاء بشفيق من خلال التركيز الساخر على جسدها ومظهرها. ففي العام 1957، بدأت شفيق إضرابًا عن الطعام ضد حكم عبد الناصر الديكتاتوري. وقتذاك، وبعد تأميم قناة السويس، كان عبد الناصر في أوْج شعبيّته وكان حكمه إلى حدٍّ كبير غير قابلٍ للجدل (نيلسون، 1996؛ باير، 2001). وكردٍّ على ذلك، قامت صحفٌ كثيرةٌ – ومنها صحفٌ خاصّةٌ لا تعود ملكيّتها إلى الدّولة – بإطلاق لقب “السيّدة المعطّرة” على شفيق، ووضع صورة وجهها على جسد راقصة[4]. ومن خلال تصويرها كامرأةٍ تافهةٍ باحثةٍ عن لفت الأنظار إليها، إستخدم الإعلام أنوثتها ومظهرها لمعايرتها، في وقتٍ كانت شفيق تنخرط في معارك من أجل الحريّات السياسيّة والمساواة، لم تجرؤ على دخولها سوى قلّةٌ قليلة. إن ردّ فعل الإعلام على شفيق يظهر بوضوحٍ كيف يُفهم جسد الأنثى في حدّ ذاته كجسدٍ تنقصه الجدّيّة التي يُفترض أن تحتاجها المشاركة السياسيّة.
تكشف الأحداث الواردة أعلاه مدى التناقض المرتبط بالنظرة الى أجساد النساء المناضلات. ففي وقتٍ كان من المرفوض قطعًا للمناضلة أن تتجاوز قواعد الأنوثة من خلال التعبير الجندري المذكّر، كان من غير المقبول أيضًا أن تكون “بالغة” الأنوثة. إنّ حسّ الموضة الباريسي لدى شفيق قد دفع بالوطنيين لوسمها بأنّها “مؤيّدةٌ للإمبرياليّة”، فيما اعتبرتها الشخصيّات الدينيّة المحافظة كشيخ الأزهر خطرًا على القيم الإسلاميّة (نيلسون، 1996). وبينما يندر أن يكون لطريقة لباس الرجل أهميّةً في نضاله، يكتسي مظهر المرأة أهميّةً خاصّةً في نضالها. لهذا، كان على شفيق أن تواظب دومًا على التصرّف الجسدي المناسب في المكان المناسب، وكانت تُرى باستمرارٍ على انّها ناقص (غنّام، 2013). ولعلّ هذا المعيار المزدوج يتّصل بما تشرحه كانديوتي بإقناعٍ عن مكانة المرأة المتناقضة والحسّاسة في المشروع ما بعد الإستعماري[5]. النساء إذًا هنّ حاملات علامات الحداثة بصفتهنّ متعلّماتٍ وعاملاتٍ، وفي الوقت عينه هنّ حاملات علامات التقليد بصفتهنّ عفيفات، وطاهراتٍ وزوجاتٍ صالحات (كانديوتي، 1996). كذلك إنّ حضور الجسد الأنثوي في المجال العام للنضال ليس فقط من أجل حقوق النساء السياسيّة، بل أيضًا من أجل إصلاح قانون الأحوال الشخصيّة القائم على الشريعة، شكّل مصدر قلقٍ لكثيرٍ من الحلفاء والأعداء على حدٍّ سواء[6].
مُحاربة الذّات: مقاومة الجسد
مثلما يُظهر هذا المقال، تُستخدم أجساد النساء المناضلات من قبل السلطات وممثّليها – من محقّقي الشرطة إلى وسائل الإعلام – كوسيلةٍ لقمع وإقصاء النساء وعملهنّ. لكن الأبويّة والقمع لا يعملان فقط من خلال وكلاء خارجيّين، إذ يبدو جليًّا أن شفيق والزيّات قبلتا في بعض الأحيان بالمساومة على تحرّر أجسادهنّ ورغباتهنّ. في الواقع، كما يشرح بورديو، لا يمكن للجسد أن يُختبر بشكلٍ خاصٍّ فقط، فالأجساد هي تعبيراتٌ عن التفاعلات الإجتماعية والثقافية والسياسيّة التي تحيط بالفرد – أو ما يسمّيه بورديو “هابيتوس”[7] (habitus) – الذي يهيّئ الفرد للتصرّف واختيار اللّباس والتحرّك بطرقٍ معيّنةٍ (مقتبس في غنّام، 2013). والأفراد لا يتصرّفون/ يتصرّفن بشكلٍ واعٍ إانطلاقًا من القواعد التي يضعها الهابيتوس خاصّتهم/ن، فكيفية اختبارهم /نّ لأكثر مجالات الوجود حميميّةً كالرغبات والجنسانيّات، تتشكّل بشكلٍ لاواعٍ من هذه التفاعلات.
وإنطلاقًا من إخلاصها لفكرة القبول بقيم وقواعد بيئتها، صادقت شفيق شاعراً فرنسياً في أثناء وجودها في فرنسا، سرعان ما تطوّرت العلاقة بينهما الى قصّة حبٍّ لم تكتمل، إذ تمكّنت رفيقاتها المصريّات من طردها من السكن المشترك بسبب العلاقة المزعومة، فاختارت أن تلجم حبّها له طالبةً منه التوقّف عن الإتّصال بها. وتمكن قراءة هذا الإنهاء المباغت للعلاقة على أنه رضوخٌ للضغط الإجتماعي من أترابها وللمفاهيم المستبطَنة عن الخطيئة والفضيلة. وعلى الرغم من ثورتها السياسيّة ضد الظّلم، فإنّ شفيق “تشاركت قيم الطّبقة الوسطى في ما يتعلّق بالحبّ” (نيسلون، 1996، ص. 34). وحتّى حين طلب الشاعر الزّواج بها، رفضت الدّخول في معركة الزّواج بأجنبيٍّ من دينٍ مختلفٍ على الرغم من حبّها له.
لكن في مسيرتها المهنيّة، لم تتخلّف شفيق عن خوض أيٍّ من المعارك، فحاربت لدراسة الفلسفة في باكورة حياتها الأكاديميّة[8]، كما تصادمت مع الملك فاروق وعبد الناصر من أجل حقوق النساء والحريّات السياسيّة، وحفلت حياتها بمعارك متواصلةٍ كانت سابقةً لأوانها. وتَمَحوَرت هذه المعارك حول الحقوق الجسديّة والسياسيّة الجماعيّة للنساء، ولعلّ شفيق اعتبرتها قضايا أكثر أهميّة. أمّا في ما يتعلّق بجسدها الفردي ورغباتها الشخصيّة فلعلّها رأت في هذه المعارك الإجتماعيّة معارك أنانيّةً وربّما مخزية. وكما تشير تأمّلاتها في مذكّراتها، فإن محيطها المصري جعلها تُقرن “الحبّ” بـ”الرّعب” (مقتبس في نيلسون، 1996، ص. 50(. وبالنسبة إلى كثيرٍ من النساء وقتذاك، لعلّه كان من الأسهل خوض المعارك العامّة من خوض المعارك الحميمة المتّصلة بأجسادهنّ ورغباتهنّ الجنسيّة.
أما بالنسبة إلى الزيّات فإن كبحها لجنسانيّتها و جسدها كان أكثر بروزًا وترك آثارًا أشدّ دراميّةً في حياتها. في الواقع، وعلى الرّغم من محافظة شفيق في مسائل الحبّ والجنسانيّة، إلا أنها كانت دائمة الإحتفاء بجسدها الأنثوي. في المقابل، ظلّت الزيّات مرتبكةً بجسدها حتّى زواجها الثاني. وتستذكر الزيّات أنّها حين كانت طالبةً في الجامعة، كانت تسرع الخطى في المكتبة آملةً ألا يلاحظ أحدٌ قوامها الأنثوي الرشيق (ص. 103). وبحسب تعبيرها، فإنّها “دفنت المرأة عميقًا لدرجة أنّها لم تعد واعيةً لوجودها” (ص. 103). وفي تضادٍّ حادٍّ مع ذلك، لم تشعر الزيّات بأيّ ارتباكٍ تجاه جسدها حين كان الرجال يحملونها على الأكتاف أثناء قيادتها للتظاهرات، فالتظاهر في المساحات العامّة كان الطريقة الوحيدة التي شعرت من خلالها بالإرتياح في جسدها، لاسيما حين كانت تلتحم بكيانٍ أكبر، إذ “لم تعد تشعر بأنّها تمتلك جسدًا، وتنسى تمامًا أنها إمرأة” (ص. 104).
لقد سعت الزيّات إلى محو جسدها كامرأةٍ من خلال مساعيها الفكريّة ونضالها السياسي، كأنّه لم يعد موجودًا في حدّ ذاته، كما حاولت باستمرارٍ أن تخنق جنسانيّتها. وتمثّل محاولاتها لقمع جسدها انعكاسًا لتوقها إلى تجاوز قيود دورها الجندريّ وتوقّعاته، أي أنّها من خلال رغبتها بنسيان كونها إمرأة، كانت الزيّات تحاول التخلّص من “خوف التصادم مع الحياة” (ص. 90). لكن الزيّات كانت بالفعل “تتصادم مع الحياة” من خلال تصدّيها لوحشيّة الضبّاط في التظاهرات، ومواجهتها السجن بشجاعةٍ في العام 1949. وكما شفيق، شكّل قلق الزيّات بشأن حياتها الشخصيّة وجسدها عوائق مستعصيةً أكثر من السجن. وبالنسبة إليهما، فإن لغة الخوف والتهرّب كانت تظهر في كتاباتهما فقط في المواضيع التي تتعلّق بجسديهما وجنسانيّتيهما وتجاربهما في الحبّ.
لماذا كانت كينونة المرأة أو إحتضان الجنسانيّة “صدامًا مع الحياة”، كما عبّرت الزيّات، فيما لم يكن النضال السياسيّ كذلك؟ أجادل هنا أن مواجهات النساء مع القيود الإجتماعيّة المفروضة على أجسادهنّ تتطلّب منهنّ مصارعة ذواتهنّ الداخليّة قبل مواجهة السّلطات الخارجيّة كالأسرة، والمجتمع، والدّولة. وإذا كانت مناهضة الإستعمار والسّلطويّة والهرميّات الجندريّة غير المتساوية واضحةً في الوعي الفتيّ لشفيق والزيّات، فإن الحبّ والحريّات الجنسيّة ظلّت مجالاتٍ مُبهمةٍ، إذ أنّها تطلّبت تبديل منظومة الفرد القيميّة وإيمانها وأخلاقيّاتها، وإعادة النظر في هويّتها ذاتها. ولا يعني ذلك الإستخفاف بالمعارك الأخرى التي خاضتها شفيق والزيّات والتي دفعتا بسببها أثمانًا عاليةً جدًّا، بل الهدف هو فهم صعوبة تحدّي التابوهات المتعلّقة بالجسد والجنسانيّة، حتّى بالنسبة إلى نساءٍ على هذا القدر من الشجاعة. إنّ تشكيل الهويّة يحدث دائمًا من خلال التفاعل بين البُنى المُهيمنة الموجودة (غنّام، 2013).
إذًا، إنّ إستبطان كلٍّ من شفيق والزيّات لقمع الحبّ والجنسانيّة يظهر الصعوبة التي تواجهها النساء للتخلّص من شراك الأبويّة حين يقمن بتشكيل هويّاتهنّ. إنّ قلقهما تجاه جسديهما كان أيضًا ذا صلةٍ بالسّياق التاريخي الذي عاشتا فيه، أيّ الفترة الإنتقاليّة من الإستعمار إلى ما بعد الإستعمار، وهو إنتقالٌ وعد بتجاوز القمع عبر الحريّة، ما جعلهما غير أكيدتَين من مكانة الحبّ والجنسانيّة في مساحة التحرّر الموعودة. وكما تشير الزيّات من خلال الشخصيّة الرئيسة في رواية الباب المفتوح[9]، “لا إحنا فاهمين إذا كنا حريم ولا مش حريم، إن كان الحب حرام ولا حلال” (مقتبس في باير، 2011، ص. 24). وبدلًا من التصادم مع العالم لإيجاد الجواب، غالبًا ما نبذت الزيّات جسدها وأقفلت على رغباته في سجنٍ كان أصعب السّجون على الإطلاق (الزيّات، 1996، ص. 102).
إن إنكار الزيّات لأنوثتها في تلك المرحلة المبكرة من نضوجها الجنسيّ، قد “شوّه” مسار حياتها بحسب تعبيرها (الزيّات، 1996، 103)، وتشرح أنها حتى سجنها في المرّة الثانية، كانت تعيش “بنصف قواها كأنسانٍ” (الزيّات، 1996، ص. 106)، وليس كامرأة. وبعد إطلاق سراحها من السجن، كان الوقت قد حان لنصفها الآخر المكبوت، المرأة، أن تأتي الى الوجود. إن هذه التجزئة لكينونتها تفسّر زواجها الثاني من أستاذٍ جامعيٍّ يمينيّ في العام 1952: فهي تقدّمه في صورةٍ نمطيّة للرجل الذكوريّ الذي جعلها تضيع “القدرة على الإختيار، بل القدرة على الحركة والفعل في فترةٍ طويلةٍ” (الزيّات، 1996، ص. 19). وبعد زواجها، إنكفأت الزيّات عن النضال العام تمامًا حتى نكسة العام 1967.
لكن الزيّات رفضت أن تفسّر هذا العجز على أنه قمعٌ خارجيٌّ من زوجٍ ذكوريٍّ فقط، بل أدركت أنها كانت فاعلةً ومشاركةً في قمعها الخاصّ، وبرّرت بلا إعتذاراتٍ زواجها به في إطار سطوة الجنس، إذ كان الشخص الأوّل الذي “يوقظ الأنثى” فيها (النويحي، 2001، ص. 494). “متى فقدت وعيي؟ في أثناء الحب؟ في أثناء الجنس؟”، تساءلت بصراحة (1996، ص. 105). وفي نهاية الأمر، فهمت الزيّات هذا الزواج على أنّه انتقام المرأة التي كبتتها لفترةٍ طويلة (النويحي، 2001)، فالجسد الذي لطالما أنكرته ساومَ القمع الأبويّ، بل رضيَ به، من أجل إختبار الإرضاء الجنسيّ والإستمتاع بشكلٍ آخر من الحريّة الجسديّة.
لكن، بينما تصالحت الزيّات مع أنوثتها، عمدت إلى قمع رغبةٍ عميقةٍ أخرى هي النضال السياسيّ، الذي كما كانت تكرّر دومًا، منح حياتها المعنى (الزيّات، 1996)، فكانت مجدّدًا تعيش فقط “بنصف قواها”، لكن هذه المرّة من خلال نبذ حبّها للنضال. لقد دلّ إنكفاؤها عن السياسة واستغراقها في كيان زوجها على أنها فهمت جنسانيّتها كشيءٍ كان عليها الإستمتاع به في السرّ، ويتعارض مع نضالها. في تلك اللحظة، باتت رغباتها الجنسيّة مصدر قمعٍ لكينونتها السياسيّة. وعلى الرغم من إدراكها المبكر أن عليها إنهاء زواجٍ يساوم على وجودها، فقد تطلّب الأمر منها ثلاث عشرة سنة لتتّخذ القرار بالمغادرة. لقد أضحت مستعبَدةً لصورتها لديه كامرأةٍ مشتهاةٍ، فاستمعت إليها “لاهثةً […] يخبرها عن إستدارة خدّها، والنغمة في صوتها” (ص. 107).
تشبك الزيّات ببراعةٍ بين زواجها من جهةٍ والسياق السياسي المصري من جهةٍ أخرى. لقد قرأت إختيارها الإنشائيّ لافتتاح الفصل المعنوَن “1967” – الذي نتوقّع أن نقرأ فيه عن النكسة لكنّها تكتب فيه عن طلاقها في العام 1965 – كأسلوبٍ للربط بين المعارك والهزائم العامّة وتلك الخاصّة (الزيّات، 1996). وفي خلال هذا الفصل، يظهر مزيجٌ ضمنيٌّ بين صور الرجل الذكوري في البيت، أي زوجها (الذي تزوّجت به في العام 1952، عام الثورة)، والرجل الأبوي على مستوى الدّولة، أي عبد الناصر. وأجادل هنا أن الزيّات توظّف هذا التبديل بين الرّجلَين لتظهر كيف فقدت رُشدها أمام هذين الشّخصين (الزيّات، 1996). إنّ طلاقها والهزيمة المؤلمة في العام 1967 التي عاشتها “على مستوى شخصيّ” (الزيّات، 1996، ص. 66)، محبوكان معًا كنوعٍ من القيامة، كإستعادةٍ للرّشد والوعي، وهي تدرك أنه كان عليها “أن تقول لا في أغلب الأحيان” لعبد الناصر ولزوجها أيضًا (الزيّات، 1996، ص. 54).
إذًا، يمثّل هذا الفصل سرديّتها الشخصيّة لزوال وهمها بمشروع ما بعد الإستعمار الذي تهافتت فيه الآمال بالحريّة والحبّ والتحرّر على كافّة المستويات. ومرّت شفيق في تجربةٍ مشابهةٍ من زوال الوهم ولكن في وقتٍ أبكر بكثير: في العام 1952، كتبت “إننا نشهد نقطة التحوّل العظيمة التي تشكّل الأزمة التي تجتازها المرأة اليوم: العبور من لحظةٍ إلى لحظةٍ أخرى في تاريخها، إستبدال واقعٍ جديدٍ بواقعٍ آخر” (مقتبس في نيلسون، 1996، ص. 31). لكن هذا الواقع الجديد لم يأتِ قطّ، فسرعان ما خاب أمل شفيق في مشروع عبد الناصر في العام 1954 حين شُكّلت هيئةٌ دستوريّةٌ مؤلّفةٌ بالكامل من الرجال، ما دفعها للبدء بنضالها وحيدةً ضد عبد الناصر. وكما تصف نيلسون (1996) في عنوان الفصل، كان الأمر أشبه بالإستفاقةٍ من “حلمٍ زائفٍ”.
“سجن النساء”: الحريّة للجسد والحريّة منه
من الواضح أن القمع يحدث عبر الجسد، سواء بالعنف، أو السجن، أو نبذ الرّغبات، أو الإستهزاء بطريقة تقديم المرأة لنفسها. لكن في أحيانٍ اخرى، تمكّنت المناضلتان من إختبار التحرّر عبر جسديهما. وللمفارقة، تذكر المرأتان شعورهما بالحريّة لاسيما في العلاقة بالسجن، وتصِفانها كحريّة “من” الجسد لا كحريّةٍ للجسد. إن مفهوم “السجن” يتجاوز القيود الجغرافيّة، ويمتدّ إلى المساحات الخاصّة والسياسيّة، فشفيق تشير إلى البيت الذي تشاركته مع زميلاتها المصريّات في باريس، والبيت الذي عاشت فيه مع جدّتها في طنطا بـ”السجون” (نيلسون، 1996). كذلك، تتحدّث الزيّات عن البيت الذي تشاركته مع زوجها الثاني كسجنٍ مفروضٍ ذاتيًّا (الزيّات، 1996). وهذه السجون غير المرئيّة كانت “كلّها أكثر قمعًا” بحسب شفيق (مقتبس في نيلسون، 1996، ص. 164). إذًا، “سجن النساء” لا يقع فقط في القناطر حيث سُجنت الزيّات، أو في بيت شفيق حيث وُضعت قيد الإقامة الجبريّة. لقد كان السجن موجودًا حيثما شعرتا بالسلاسل تكبّل أفعالهما، أو كلّما أحسّتا بحركتهما تحت المراقبة، وفي المساحات التي مُنعتا فيها من الوقوع في الحبّ. بمعنىً آخر، طغى “السجن” على كلّ مكانٍ كانت فيه القوّة الإنضباطيّة تمارِس فعلها على الجسد.
وعلى العكس من ذلك، تصف المرأتان تجربة السجن الفعليّة في إطار الحريّة. ولا أقصد هنا تقديم صورةٍ رومانسيّةٍ عن السجون أو التخفيف من أهوالها وصعوباتها التي تدركها المرأتان جيّدًا. ففي حال شفيق مثلًا، تسبّبت الإقامة الجبريّة بإصابتها بالإكتئاب الذي دفعها في نهاية الأمر إلى الإنتحار في العام 1975. لكن الربط بين السجن والحريّة يبيّن لنا ما علّمه السجن لهاتين المرأتَين عن نفسَيهما وجسديهما، إذ تتحدّث الزيّات مثلًا عن سجنها الأول في العام 1949 على أنه “البيت” (1996، ص. 39). وعلى الرغم من أن مساحة حركتها كانت محدودةً، إلا أنها أودعت السجن كنتيجةٍ لخياراتها ووكالتها على جسدها في إطار نضالها السياسيّ وحضورها الجسديّ في التظاهرات.
بالإضافة إلى ذلك، إنبعث وسْط أهوال السجن حسٌّ بالحريّة. وتشرح شفيق ذلك في خلال إقامتها الجبريّة بالقول: “لقد وُجدت في أرقى حسٍّ، كنت حرّةً” (مقتبس في نيلسون، 1996، ص. 257). إنّها طريقةٌ مثيرةٌ للإهتمام في فهم المقاومة: حتّى إن لم يكن في وسعها تحرير جسدها كمعتقلةٍ سياسيّةٍ وكامرأةٍ، كان بإمكانها التحرّر منه. إن قمع جسدها أتاح لها المجال لاستكشاف حياةٍ داخليّةٍ لم تستطع ممارسات القوّة أن تصل إليها. وبصفته أداةً أساسيّةً لقمع الدّولة، جعلها الحبس الجسديّ تدرك أن الدّولة مهما نجحت في السيطرة على جسدها، فإنها لم تتمكّن من الوصول إلى حريّة فكرها وتقييدها. وفي خلال إقامتها الجبريّة، توقّفت شفيق عن الإهتمام بجسدها و”عاشت مع روحها” بحسب تعبيرها (مقتبس في نيلسون، 1996، ص. 204). ولم تكمن مقاومتها في القتال من أجل تحرير جسدها أو إستعادة السيطرة عليه، بل إنها أدركت أن حريّتها تمكث في ذهنها ووعيها.
هذه الحريّة للجسد ومن الجسد في خلال السجن تظهر أيضًا في وصف الزيّات لتجربتها الثانية في السجن في العام 1981، إذ تتحدّث عنها على أنّها أكثر التجارب تحرّرًا في حياتها. وتكرّس الزيّات القسم الثاني من كتابها بالكامل للحديث عن هذه المرحلة من الإلهام التي جعلتها تتصالح مع ماضيها. في الليل، حين وقَفَت عاريةً أمام حرّاس وحارسات السّجن، شعرت أخيرًا بالحريّة. وعلى الرّغم من أنها في البداية كانت تدخل في حالةٍ هستيريّةٍ، إلا أنها توقفت في النهاية عن محاولة تغطية نفسها وتقبّلت عُريها. وإذ لحظت أن الحرّاس والحارسات يسيطرون على جسدها، أدركت أن بإمكانها السيطرة على مشاعر العار في داخلها. وفقط حين قرّرت الوقوف حرّةً من هذا العار، تمكّنت من تحويل الهزيمة إلى انتصارٍ، ومن تحويل لحظة الإهانة إلى لحظة تمرّد. وكما تقول الزيّات، “شعرت كأن حملة التفتيش لا تعنيني على الإطلاق” (الزيّات، 1991، ص. 109). وتحمل هذه الجملة صدى حجّة فِلدمان (1991) أن “الجسد بصفته الموضع النهائي للقوّة، يعكس أيضًا إعادة توجيه القوّة وإبطالها” (ص. 178). فهذا الجسد الذي في حدّ ذاته كان من المفترض أن يقف بذلٍّ، قد أبطل معنى إخضاعه من خلال الوقوف بلا مبالاة. في نهاية الأمر، نجحت الزيّات في تحويل جسدها إلى أداةٍ للمقاومة بدلًا من أن يكون أداةً للقمع، إذ فقط في تلك اللحظة التي وقفت فيها بفخرٍ معترفةً بالهزيمة من دون أن تغطّي نفسها في وجه المحاكمة السياسيّة والجندريّة، تمكّنت من أن تصلِح بين أنوثتها ونضالها (الزيّات، 1996، ص. 99). حينذاك، لم يعد جسدها الأنثوي يتعارض مع نضالها كما كانت الحال في باكورة عملها السياسيّ، بل صار من أقوى أدوات المقاومة لديها.
إنّ الإختبار المباشر لهذه اللحظة لا يعرّف وحده فعل المقاومة: فسرديّة الزيّات عن تلك اللحظة تمثّل تحدّيًا لأحد أكثر التابوهات صمتًا في المجتمع، وهو العُري (الزيّات، 1996، عبّود، 2006). لقد توقّفت حياتها عن الدوران في حلقةٍ مستديرةٍ لتسلك بدلًا من ذلك مسارًا خطيًّا، ويدلّ على ذلك تحوّل الزيّات إلى إعتماد التسلسل الزمنيّ لسرد الأحداث في القسم الثاني من الكتاب والمكرّس للعام 1981. وفي المرحلة التي سبقت التوفيق بين ذاتَيها المختلفتَين – المرأة والمناضلة – كانت الزيّات عالقةً في الحركة الدائريّة، ترضي دومًا إحدى ذاتَيها على حساب الأخرى، لتعود دائمًا إلى النقطة التي تشعر فيها بأنّها مقيّدةٌ وغير مكتملةٍ، والتي تعبّر عنها في انعدام المسار الخطيّ للزمن في القسم الأول من الكتاب (الزيّات، 1996).
الخاتمة
على الرّغم من أن “الجسد” و”الجنسانيّة” ليسا جزءًا من السرديّات النسويّة والأدبيّة عن المناضلتَين دريّة شفيق ولطيفة الزيّات، إلا أن القراءة الدقيقة لسيرتَيهما (الذاتيّتَين) تكشف الدور المركزيّ لجسديهما الأنثويّين في قصّتيهما. في الواقع، من خلال تفكيك ثنائيّة العامّ/ الخاصّ، يمكننا أن نفهم الجسد لا كموضوعٍ خاصٍّ، بل كحاملٍ لرسائل معينّةٍ في المجال العام. إذًا، يُختبر الجسد بشكلٍ خاصٍّ بحسب بُنى القوّة الطاغية والتفاعلات الإجتماعية الموجودة. هكذا، يظهر الجسد الأنثوي كموضعٍ رئيسٍ تُمارس القوّةُ القمعَ فيه ضدّ شفيق والزيّات كمناضلتَين وكامرأتَين. وبشكلٍ مثيرٍ للإهتمام، ينبعث هذا الجسد أيضًا كموضعٍ للمساومة على حرّيتهما الخاصّة. وفي فترةٍ متقدّمةٍ من حياتَيهما، تمكّنت كلٌّ من شفيق والزيّات بطرقٍ مختلفةٍ من تحويل الجسد إلى أداةٍ للمقاومة بدلًا من كونه أداةً للقمع.
في سياق ما بعد الإستعمار، يكتسب هذا الفهم للجسد أهميّةً خاصّةً لأسباب عدّة. فعلى الرغم من أن خطاب المشروع الوطني تَركّز على أوراق الإعتماد الثوريّة التي وعدت النساء بالتحرّر إلى جانب الإستقلال، إلا أنّ أجساد النساء لم تتحرّر تلقائيًّا مع تحقّق الإستقلال الوطني، بل في الواقع حدث العكس. وأصابت هذه اللحظة الكثير من النساء – وحتمًا شفيق والزيّات – بالإرتباك في ما يتعلّق بأجسادهنّ وجنسانيّاتهنّ، إذ علقن بين “الرغبة والتوقّع” (باير، 2011، ص. 24). ولعلّ المشروع الوطني منح النساء وصولًا أكبر إلى المجال العامّ، إذ شاركن في النضال ضد الإستعمار، واكتسبن بعض الحقوق السياسيّة، واختبرن حضورًا متزايدًا في سوق العمل بعد ولادة الأمّة ما بعد الإستعماريّة. لكن هذا الوصول الى المجال العام كان مشروطًا للغاية، إذ ارتبط بالسيطرة على الجسد الأنثوي كمستودعٍ للحداثة والتقليد. ولأن الأجساد الأنثويّة تحوّلت إلى رمزٍ للأمّة ما بعد الأستعماريّة، ظلّت الحريّات الجنسيّة وتحرّر الجسد مجالاتٍ لا جدال فيها، إذ كان من شأتها تقويض أساس هذه الأمّة حديثة الإستقلال. هكذا، بدلًا من تحرير النساء، إبتدع المشروع ما بعد الإستعماري وسائل جديدةً للسيطرة على أجساد النساء. وفي خلال هذه اللحظة التاريخية، تشابك العامّ والخاصّ مع بعضهما البعض، وربطت نساءٌ مثل شفيق والزيّات حياتهما بالقضيّة الوطنيّة. بالتالي، من المفهوم أن تعمدا في أحيانٍ كثيرةٍ إلى إستبطان هذه الإلتباسات في ما يتعلّق بجسديهما الخاصَّين.
تمكن رؤية النصّين المدروسَين هنا كوسيطٍ للمقاومة، ما يتيح لنا اختراق وتجاوز السرديّات الكبرى في التاريخ المصري، إذ أنّهما ينقضان وجود مسارٍ خطيٍّ “للمرأة المصريّة” بالمعنى المفرد (باير، 2001) من القمع إلى التحرّر. بدلًا من ذلك، تبدو قصّتا حياة شفيق والزيّات من الملكيّة حتّى عهد السّادات كقراءةٍ معاكسةٍ للتاريخ المصري السّائد، إذ تستعيدان قصص إمرأتين لم تصبحا أكثر حريّةً بعد الإستقلال، بل تمّت إزاحتهما من المجال العامّ جسديًّا وبالقوّة من خلال السجن. لكن الأهمّ أن حياتهما اليوميّة وتجاربهما في الحبّ والزواج تشير إلى أنّهما كانتا بعيدتَين جدًّا عن العيش بحريّةٍ أو الإستمتاع بوكالةٍ أكبر على جسدَيهما. غالبًا ما تُروى قصص المناضلات النسويّات بنبرةٍ بطوليّةٍ وإحتفاليّةٍ، لكن في هذين النصّين تكمن نبرةٌ هزائميّةٌ ضمنيّةٌ تسلّط الضوء على الجوانب المظلمة لمقاومة البُنى الأبويّة، وعلى النّدوب غير المشفيّة التي تتركها هذه الكفاحات على أجساد النساء. لكن الأكيد أن هاتان المرأتان عاشتا حياتَين حافلتَين بالمعارك المتواصلة والمترابطة على الصّعيدين الخارجيّ والداخليّ أيضًا.
الحواشي
- المرجع هو النّسخة العربيّة من كتاب حملة تفتيشٍ: أوراقٌ شخصيّةٌ للطيفة الزيّات.
- تتضمّن هذه الحقوق الحقّ بالتصويت الذي منحه دستور 1956 كنتيجةٍ للنضال النسائيّة المستمرّة بما فيها الإضراب عن الطعام في نقابة الصحافة بقيادة دريّة شفيق في العام 1954 (نيلسون، 1996 وباير 2011). ويُستخدم هنا مصطلح “تحرير” بمعنى الحريّة من كافة أشكال القمع والتحكّم الخارجي.
- في البداية، عملت شفيق على تحرير مجلّة “المرأة الجديدة” بالتعاون مع الاميرة شويكار، إحدى أفراد الأسرة الملكيّة.
- هذه العبارة مأخوذةٌ من صحيفة الجمهوريّة شبه الحكوميّة (مقتبسٌ في نيلسون، 1996).
- لا يشير المشروع ما بعد الإستعماري هنا إلى مرحليّةٍ مؤقّتةٍ تلت الإستعمار، بل يقصد به الجوهر الأيديولوجي للمشروع الوطني حتى قبل تحقيق الإستقلال رسميًّا، وهو المشروع الذي تجسّد لاحقًا بالدولة ما بعد الإستعماريّة.
- تركّز نضال شفيق في مجال الإصلاح الدّيني بشكلٍ خاصٍّ على مسائل تعدّد الزوجات والطّلاق.
- السيماء، أو العادة، أو النزوع الشخصي الإجتماعي.
- لم تكن الفلسفة تُعدّ “مجالًا نسائيًّا”، بل كانت تقدّم للنساء لائحةٌ بالـ”مجالات النسائية” للإختيار منها، وهو ما رفضته شفيق.
- يعتبر كثيرون/ات هذه الرواية بمثابة شبه سيرةٍ ذاتيةٍ (باير، 2011).
المراجع
- Abboud, H. (2006) “Women in Prison: Zaynab al-Ghazali and her Days of my Life.” Bahithat: Out of the Shadows: Investigating the Lives of Arab Women vol. IX. Beirut: Lebanese Association of Women Researchers. 268-89
- Al-Nowaihi, M. M. (2001). “Resisting Silence in Arab Women’s Autobiographies.” International Journl of Middle East Studies, 33(4): 477-502
- Bier, L. (2011). Revolutionary Womanhood: Feminisms, Modernity, and the State in Nasser’s Egypt. Cairo, Egypt: The American University in Cairo Press. Print
- El-Zayyat, L. (1996). The Search: Personal Papers. London: Quartet Books. Print
- Enloe, C. H. (2000). Maneuvers: The International Politics of Militarizing Women’s Lives. Berkeley, Calif: University of California Press. Print
- Feldman, A. (1991). Formations of Violence: The Narrative of the Body and Political Terror in Northern Ireland. Chicago: University of Chicago Press. Print
- Flax, J. (1987). “Postmodernism and Gender Relations in Feminist Theory.” Signs, 12(4): 621-43
- Ghannam, F. (2013). Live and Die like a Man: Gender Dynamics in Urban Egypt. Palo Alto: Stanford University Press. Print
- Kandiyoti, D. (1996). Gendering the Middle East: Emerging Perspectives (1st ed.). London: I.B. Tauris. Print
- Lee, T. M. (2007). “Rethinking the Personal and the Political: Feminist Activism and Civic Engagement.” Hypathia, 22(4): 163-79
- Nelson, C. (1996). Doria Shafik, Egyptian Feminist: a Woman Apart. Cairo, Egypt: American University in Cairo Press. Print
- Ramazanoglu, C. (1989). Feminism and the Contradictions of Oppression (1st ed.). GB: Routledge Ltd. Print
- Ruby, J. (2003). “Resistances to Patriarchy.” Off Our Backs, 33(3/4): 38-40. Print