تغييرات

اضافة وصلات داخلية
سطر 26: سطر 26:  
تقديم
 
تقديم
   −
ينبغي أن تُفهَم حوادث العنف الجنسي، كالتحرش والاغتصاب على سبيل المثال، بوصفها كذلك، كي يَتسنّى اتّخاذ ما يَلزَم لمجابهتها. لأجل هذا الغرض، تُحاول المجتمعات، رسمية أو غير رسمية، تطوير نظم مختلفة للاستجابة لهذا النوع من العنف. لكن، ماذا لو لم تتمكّن الإجراءات المتّبعة في تلك النظم من التعرّف على العنف الجنسي، ومن ثمّ اتخاذ ما يلزم لمنعه؟ يحاول هذا البحث طرح العدالة الانتقالية كمقاربةٍ بديلةٍ حيال العنف الجنسي. كذلك فإنه يفتح الباب للنقد الذاتي وتحليل كيف تعاملت كلّ من الحركة النسوية المصرية ومنظمات المجتمع المدني والمجموعات غير المنتظمة مع قضية "فتاة الإيميل" على وجه الخصوص، وقضايا العنف الجنسي إجمالًا. هذا البحث هو وقتٌ مستقطع أو فسحةُ للتأمل في كَنَه وأسباب ما حدث، وكيف تفاعلنا معه كنسويات مصريات. وإن لم يكن بوسعنا التخلص من العنف الجنسي بين عشيةٍ وضحاها، لم يزل بالإمكان النظر بعين النقد لتفاعلاتنا معه أملًا في مستقبل أكثر عدلًا.
+
ينبغي أن تُفهَم حوادث العنف الجنسي، كالتحرش والاغتصاب على سبيل المثال، بوصفها كذلك، كي يَتسنّى اتّخاذ ما يَلزَم لمجابهتها. لأجل هذا الغرض، تُحاول المجتمعات، رسمية أو غير رسمية، تطوير نظم مختلفة للاستجابة لهذا النوع من العنف. لكن، ماذا لو لم تتمكّن الإجراءات المتّبعة في تلك النظم من التعرّف على العنف الجنسي، ومن ثمّ اتخاذ ما يلزم لمنعه؟ يحاول هذا البحث طرح العدالة الانتقالية كمقاربةٍ بديلةٍ حيال العنف الجنسي. كذلك فإنه يفتح الباب للنقد الذاتي وتحليل كيف تعاملت كلّ من الحركة [[النسوية|نسوية]] المصرية ومنظمات المجتمع المدني والمجموعات غير المنتظمة مع قضية "فتاة الإيميل" على وجه الخصوص، وقضايا العنف الجنسي إجمالًا. هذا البحث هو وقتٌ مستقطع أو فسحةُ للتأمل في كَنَه وأسباب ما حدث، وكيف تفاعلنا معه كنسويات مصريات. وإن لم يكن بوسعنا التخلص من العنف الجنسي بين عشيةٍ وضحاها، لم يزل بالإمكان النظر بعين النقد لتفاعلاتنا معه أملًا في مستقبل أكثر عدلًا.
    
ينبثق مفهوم العدالة الانتقالية من اتساق جهود المجتمعات المُهمّشة حول العالم لمجابهة العنف دون السقوط في فخ إعادة إنتاج عنف النظام. ينبع ذلك عن إيمانٍ بدور المجتمعات في التخلّص من العنف على المدى الطويل. لذا قد يكون ذا نفع للمجتمعات التي تعيش في ظل سوء الإدارة أو العنف الجنسي من قبل الدولة، أو حيثما تكون الدولة في خلافٍ سياسي مُستحكِم مع المجتمع المدني، كما هو الحال في مصر. ترتكز العدالة الانتقالية على التغيير السلوكي ومنح الوقت اللازم لتعافي الضحايا عبر توسيع تعريف الضحية/الناجي/ـة ليشمل المجتمع ومرتكب الأذى وأشكال التعسف المتقاطعة كافّة. أطرح هنا العدالة الانتقالية كمقاربةٍ بديلة للعدالة تنبني على جهود المجتمع والمساءلة الجمعية.
 
ينبثق مفهوم العدالة الانتقالية من اتساق جهود المجتمعات المُهمّشة حول العالم لمجابهة العنف دون السقوط في فخ إعادة إنتاج عنف النظام. ينبع ذلك عن إيمانٍ بدور المجتمعات في التخلّص من العنف على المدى الطويل. لذا قد يكون ذا نفع للمجتمعات التي تعيش في ظل سوء الإدارة أو العنف الجنسي من قبل الدولة، أو حيثما تكون الدولة في خلافٍ سياسي مُستحكِم مع المجتمع المدني، كما هو الحال في مصر. ترتكز العدالة الانتقالية على التغيير السلوكي ومنح الوقت اللازم لتعافي الضحايا عبر توسيع تعريف الضحية/الناجي/ـة ليشمل المجتمع ومرتكب الأذى وأشكال التعسف المتقاطعة كافّة. أطرح هنا العدالة الانتقالية كمقاربةٍ بديلة للعدالة تنبني على جهود المجتمع والمساءلة الجمعية.
   −
ينطلق تحليلي من السياق المصري، لا سيّما من التجارب المجتمعية التي وقعت بين عامي 2017 و2018. وأعني بالـ"مجتمع" مجموع العاملين/ـات والفاعلين/ـات في دوائر المجتمع المدني المصري. كانت الواقعة نفسها خلافيّة إلى حدٍّ كبير، إذ كان ضمن أطرافها المرشح الرئاسي الأسبق، خالد علي،1 والمحامي الحقوقي ذائع الصيت، محمود بلال. في كانون أول – ديسمبر من العام 2017 أرسلت الضحية / الناجية،2 والتي ظلّت هويتها معمّاةً خلال سير القضية، رسالةً إلكترونية إلى مجموعةٍ من النسويات المصريات تتهم فيها بلال باغتصابها وهي ثملة في منزلها في العام 2014، كما اتهمت علي بمحاولة "مضاجعتها" في مكتبه. مثّلت الواقعة الأخيرة بحسب شهادتها التي وَرَدت في الرسالة الإلكترونية "واحدة من أكثر التجارب تقززًا" في حياتها، ما جعلها تُسائل حياتها الجنسية برمّتها.3 السياق السياسي للواقعة والمواقع المختلفة للنسويات اللاتي استقبلن الرسالة فتحت الباب على سجالٍ واسع بين المجموعات النسوية / اليسارية.
+
ينطلق تحليلي من السياق المصري، لا سيّما من التجارب المجتمعية التي وقعت بين عامي 2017 و2018. وأعني بالـ"مجتمع" مجموع العاملين/ـات والفاعلين/ـات في دوائر المجتمع المدني المصري. كانت الواقعة نفسها خلافيّة إلى حدٍّ كبير، إذ كان ضمن أطرافها المرشح الرئاسي الأسبق، خالد علي،1 والمحامي الحقوقي ذائع الصيت، محمود بلال. في كانون أول – ديسمبر من العام 2017 أرسلت الضحية / الناجية،2 والتي ظلّت هويتها معمّاةً خلال سير القضية، رسالةً إلكترونية إلى مجموعةٍ من النسويات المصريات تتهم فيها بلال باغتصابها وهي ثملة في منزلها في العام 2014، كما اتهمت علي بمحاولة "مضاجعتها" في مكتبه. مثّلت الواقعة الأخيرة بحسب شهادتها التي وَرَدت في الرسالة الإلكترونية "واحدة من أكثر التجارب تقززًا" في حياتها، ما جعلها تُسائل حياتها الجنسية برمّتها.3 السياق السياسي للواقعة والمواقع المختلفة للنسويات اللاتي استقبلن الرسالة فتحت الباب على سجالٍ واسع بين المجموعات [[النسوية|نسوية]] / اليسارية.
   −
ضمن مظلّة العدالة الانتقالية، أحاول أن أعيد قراءة الواقعة كاملةً وأن أقدّم بيانًا بالدروس المستفادة من تجارب نسوية أخرى تستند إلى العدالة الانتقالية المجتمعية. أطرح كذلك واقعًا مغايرًا تكون فيه المساءلة الجمعية نواةً للقضاء على العنف الجنسي في دوائر المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. لذا سأقارن بين كيفية تعامل المشهد المصري الحالي مع العنف الجنسي وتبعات ذلك، وما يمكن أن يبدو عليه هذا المشهد نفسه إذا ما كانت العدالة الانتقالية مُطبّقة. استناداً إلى أدبيات العدالة الانتقالية وتجارب مشابهة، طوّرت أربعة أسئلة: ما هي المنهجية المستخدمة في تناول العنف الجنسي ومن هم/ـن المنخرطون/ـات في عملية تناوله؟ لمَن يحقّ تعريف الضحية/الناجي/ـة؟ من المتسبّب بالأذى؟ كيف تتدخل المجموعات النسوية؟ تُشكّل هذه الأسئلة مجتمعةً إطارًا لعمل العدالة الانتقالية يشمل التدخّل الإجرائي والتعافي والمساءلة والعدالة. هذه الورقة هي بدايةٌ لمناقشة الدروس التي يمكننا كنسويات مصريات الإفادة منها وتكييفها بما يلائم واقعنا.
+
ضمن مظلّة العدالة الانتقالية، أحاول أن أعيد قراءة الواقعة كاملةً وأن أقدّم بيانًا بالدروس المستفادة من تجارب [[نسوية ]]أخرى تستند إلى العدالة الانتقالية المجتمعية. أطرح كذلك واقعًا مغايرًا تكون فيه المساءلة الجمعية نواةً للقضاء على العنف الجنسي في دوائر المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. لذا سأقارن بين كيفية تعامل المشهد المصري الحالي مع العنف الجنسي وتبعات ذلك، وما يمكن أن يبدو عليه هذا المشهد نفسه إذا ما كانت العدالة الانتقالية مُطبّقة. استناداً إلى أدبيات العدالة الانتقالية وتجارب مشابهة، طوّرت أربعة أسئلة: ما هي المنهجية المستخدمة في تناول العنف الجنسي ومن هم/ـن المنخرطون/ـات في عملية تناوله؟ لمَن يحقّ تعريف الضحية/الناجي/ـة؟ من المتسبّب بالأذى؟ كيف تتدخل المجموعات النسوية؟ تُشكّل هذه الأسئلة مجتمعةً إطارًا لعمل العدالة الانتقالية يشمل التدخّل الإجرائي والتعافي والمساءلة والعدالة. هذه الورقة هي بدايةٌ لمناقشة الدروس التي يمكننا كنسويات مصريات الإفادة منها وتكييفها بما يلائم واقعنا.
    
ومن الجدير الإشارة إلى أن هذه الورقة ليست بصدد مناقشة الإلغائية، فذلك يتطلّب ما لا يتسع له المقام هنا. ما أحاول طرحه هو نُظُم عدالةٍ بديلةٍ ورديفة كقنوات تختار الضحية/الناجي/ـة من بينها. أتحدّث من موقعي كنسوية مصرية شابة وكعضوة غير فاعلة في حزب "العيش والحرية" وكباحثة مستقلّة. وأعي محدِّدات عملي البحثي: بشكلٍ متعمّد لم ألتمس أي سبيل للتواصل مع الضحيّة / الناجية بغرض البحث، بُغية احترام قرارها بالانسحاب من المشهد والعملية برمّتها. كما لم يكن لدي اطلاع على تفريغ التحقيقات نظرًا لسريّة الملفات، ولم يتسن لي مقابلة المجموعات التي انخرطت ضمن مفاعيل القضية بسبب ضيق الوقت. عوضًا عن ذلك، أحاول من خلال تحليلي هذا أن أطرح تبنّي العدالة الانتقالية في السياق المصري، ضمن مساعينا الجمعية للتغلّب على المشاكل التي ظهرت لدى مجابهة العنف الجنسي بالوسائل غير الرسمية.
 
ومن الجدير الإشارة إلى أن هذه الورقة ليست بصدد مناقشة الإلغائية، فذلك يتطلّب ما لا يتسع له المقام هنا. ما أحاول طرحه هو نُظُم عدالةٍ بديلةٍ ورديفة كقنوات تختار الضحية/الناجي/ـة من بينها. أتحدّث من موقعي كنسوية مصرية شابة وكعضوة غير فاعلة في حزب "العيش والحرية" وكباحثة مستقلّة. وأعي محدِّدات عملي البحثي: بشكلٍ متعمّد لم ألتمس أي سبيل للتواصل مع الضحيّة / الناجية بغرض البحث، بُغية احترام قرارها بالانسحاب من المشهد والعملية برمّتها. كما لم يكن لدي اطلاع على تفريغ التحقيقات نظرًا لسريّة الملفات، ولم يتسن لي مقابلة المجموعات التي انخرطت ضمن مفاعيل القضية بسبب ضيق الوقت. عوضًا عن ذلك، أحاول من خلال تحليلي هذا أن أطرح تبنّي العدالة الانتقالية في السياق المصري، ضمن مساعينا الجمعية للتغلّب على المشاكل التي ظهرت لدى مجابهة العنف الجنسي بالوسائل غير الرسمية.
65

تعديل