وثيقة:الحركة النسوية - البدايات والمال بين فعالية الميدان والمراوحة بالمكان

من ويكي الجندر
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
Emojione 1F4DC.svg

محتوى متن هذه الصفحة مجلوب من مصدر خارجي و محفوظ طبق الأصل لغرض الأرشيف، و ربما يكون قد أجري عليه تنسيق و/أو ضُمِّنَت فيه روابط وِب، بما لا يغيّر مضمونه، و ذلك وفق سياسة التحرير.

تفاصيل بيانات المَصْدَر و التأليف مبيّنة فيما يلي.

Circle-icons-document.svg
مقال
تأليف رلى أبو دحو
تحرير غير معيّن
المصدر بوابة الهدف الإخبارية
اللغة العربية
تاريخ النشر 2020-01-09
مسار الاسترجاع https://hadfnews.ps/post/63726/الحركة-النسوية-البدايات-والمآل-بين-فعالية-الميدان-والمراوحة-بالمكان
تاريخ الاسترجاع 2020-09-19



قد توجد وثائق أخرى مصدرها بوابة الهدف الإخبارية



الحركة النسوية: البدايات والمآل بين فعالية الميدان والمراوحة بالمكان

(تنشر بوابة الهدف مواد الملف الخاص الذي تناولته مجلة الهدف في عددها الأخير التاسع رقميًا (1483) بالتسلسل التاريخي، بعنوان: الذكرى 52 لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ).


نشهد في الفترة الأخيرة تصاعد الجدل حول جملة من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، جدل فرضه الواقع السيء الذي خلفته مرحلة أوسلو من انتكاسه على مجمل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للجماهير عامة وللمرأة خاصة، وتوسع دائرة النقاش الحاد والاصطفافات المختلفة مع وضد هذه الحقوق. هل ستكون الحركة النسوية بمؤسساتها وأطرها قادرة على أن تشكل رافعة تجاه استعادة المبادرة والفاعلية التي شهدتها البدايات في علاقة المرأة بالنضال الوطني والاجتماعي؟ وهل ستتمكن من انتزاع الحق في العودة للميدان كفاعل في عملية التغيير المجتمعي والتحرر الوطني؟

ستحاول هذه المقالة وعلى عجالة استعراض تاريخي لتجربة الحركة النسوية في معمعان النضال الوطني ومراكمة الإنجازات على الصعيد الاجتماعي، مقابل التحولات التي عصفت وأثرت سلبًا ما بعد أوسلو، في محاولة لفهم جدلية العلاقة وديناميكية التحولات والبناء عليها واستعادة المبادرة الفاعلة للحركة النسوية، في واقع نحتاج لتجميع القوى الاجتماعية والثورية لمواجهة سياسات الاحتلال وظروف المعيشة القاسية.

لقد ارتبط طابع الحركة النسوية الفلسطينية على مدار تاريخها بمتغيرين اثنين لم يتوازنا بتأثيريهما، الأول في الصراع مع المشروع الكولونيالي الاستعماري في فلسطين عبر مراحله المختلفة، أي ما يمكن تسميته بالمتغير الوطني السياسي، والثاني التغيرات على البنية الاجتماعية، والتي أثرت بالتالي على مكانة المرأة وطابع حركتها، أي ما يمكننا تسميته بالمتغير الاجتماعي-الاقتصادي. ومن اللافت أن المتغير الأول كان يحدد باستمرار طابع الحركة النسوية وأشكال تنظيمها ومهماتها أكثر من – وأحيانًا رغمًا- عن المتغير الثاني.

عبر الاستعراض التاريخي الذي يقدم لتطور حركة النساء الفلسطينيات فإن التغيرات الأبرز التي تركت تأثيرها كانت ثلاثًا حصرًا: نشوء حركة المقاومة الفلسطينية، الانتفاضة عام 1987، وتوقيع اتفاق أوسلو وما لحقه من تأثيرات إن كان لجهة مكانة القوى السياسية أو لجهة نشوء السلطة الفلسطينية.

إن الحديث عن تأثير متغير ما لا يعني العزل التام لمتغير ثاني، بقدر ما يعني العامل الأكثر حسمًا في لحظة معينة بين عوامل حاسمة كثيرة. فأثر متغير الانتفاضة مثلًا ما كان ليمارس تأثيره القوي دون الاستناد لمتغير ارتفاع دور النساء في قطاع التعليم وزيادة أعدادهن في مؤسساته، واتساع خروج المرأة للعمل وتلك كانت مواقع هامة لتنظيم النساء سياسيًا واجتماعيًا، وبالتالي فإن الانتفاضة أوجدت" تغييرات عميقة" على مشاركة النساء.

إن كانت حركة النضال والتحرر الوطني الحاضنة الأساسية لنضال النساء، فإن فلسطين ليست باستثناء، وحين نقلب صور التاريخ، تبرز أمامنا تشكل الاتحاد النسائي الفلسطيني في العام 1919، بعدها بسنوات نرى مجموعة من النساء في القدس معتصمات أمام مكتب المندوب السامي البريطاني مطالبات بوقف الهجرة الصهيونية لفلسطين، إلا أن هذه الصور وبرغم عمق مضامينها، تبقى باهتة، حيث لا نرى الكثير من الأبعاد لها في المدن والريف الفلسطيني أولًا، ولم تستطع تطوير أجندة اجتماعية ثانيًا، وبقيت محكومة بالأطر الاجتماعية والتقليدية، ومنتمية إلى الطبقات العليا. أما نشاط المرأة الريفية فتجلى في مساهمتها بالنضال خاصة في ثورة العام 1936-1939، حيث تعدت مساهمتها شكلها التقليدي من الحفاظ على العائلة إلى النضال مع الثوار، وتشكيل أول خلية عسكرية "زهرة الأقحوان"، وسرعان ما تحولت إلى حركة إغاثية وجمعيات خيرية بحلول العام 1948، أي النكبة، ولكن يمكن القول أن هذه المرحلة من النشاط النسوي وتأسيس الجمعيات النسوية قد أذنت لمشاركة علنية ودخول النساء علم السياسة والحيز العام، وكانت النساء لا ترى في حينها خروجها للسياسة تغيير للمجتمع وإنما مساهمة في النضال الوطني.

في العام 1965 عقد المؤتمر الأول لاتحاد المرأة الفلسطينية في القدس مدشنًا مرحلة جديدة إضافية في نضالات المرأة الفلسطينية؛ اتحاد يعمل ويخاطب كافة النساء الفلسطينيات وليس مقتصرًا على المدينة أو فئة اجتماعية واحدة، ومهد الاتحاد لمشاركة أوسع لاحقًا في النضال الوطني الفلسطيني ضمن بنية منظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة.

أما عن تأثير هذا الانخراط على مكانة المرأة الاجتماعية ومطالبها بتعديل علاقات القوة فإن طغيان المسألة الوطنية من جهة، والتركيبة الذكورية للعمل الوطني أعاقت التحولات على هذه المكانة، حيث منحت المقاومة الشرعية لحركة النساء، ولكن دون أن تدخل في مواجهة مع البنية البطريركية. ورغم نقد المقاومة كبنية تقليدية، وباعتبارها ساومت البنية المجتمعية القائمة، إلا إنها شكلت حالة متقدمة عما هو قائم في البنية المجتمعية، وأعطت دفعة وقوة للنساء على حساب البنية البطريركية، وفتحت المجال لتحديها، والتواجد في الحيز العام، وأعادت النظر فيما هو قائم، وهي عملية تقييم للقيم التقليدية الاجتماعية – الاقتصادية، وتختلف حسب الجماعات والطبقات المختلفة، وبالتالي خلق ثقافة جديدة بعيدة عن ثقافة العشيرة والقرية وشعارها "العرض قبل الأرض" إلى: المرأة الفلسطينية حامية نارنا المقدسة كما ورد في إعلان الاستقلال الفلسطيني في العام 1988، وذلك في إشارة لدورها النضالي الوطني المميز في المقاومة الفلسطينية وما توجته من عمل نضالي مميز في الانتفاضة الشعبية الفلسطينية عام 1987.

شكل العام 1967 مرحلة قطع بالمعنى الجدلي مع الحركة النسوية السابقة القائمة على النشاط الإغاثي إلى حركة مرتبطة بالمقاومة، وعنى ذلك التطور في الممارسة والبرنامج، من خلال تعزيز مشاركة المرأة في النضال الوطني من خلال المقاومة المسلحة في الخارج والنضال الشعبي المتنوع في الداخل. لقد تشكلت الحركة النسوية في الخارج كحركة مرتبطة بظاهرة الكفاح المسلح بكافة مهامه وتنويعاته، والتي كانت النساء في الصلب منها، وفي الداخل كان على النساء أن تعملن في إطار من السرية للحفاظ على الأمن، ولكن سجلت المرحلة الأولى الممتدة من 1967-1978، مؤشرات هامة على تطور وضعية النساء، سواء في ارتفاع مستوى التعليم، أو الخروج للسوق العمل، وأخيرًا في المشاركة السياسية وتسلم النساء مواقع قيادية في التنظيم وتحمل لمهمات مركزية.

مسألتان ساهمتا بنشوء الأطر الديمقراطية المختلفة، ومنها النسوية في نهاية السبعينيات، الأولى؛ الهجمة الشرسة للاحتلال على المقاومة، ما استدعى حمايتها جماهيريًا وشعبيًا. والثانية؛ الحاجة الملحة لمتابعة التطورات المجتمعية والتي لا يمكن أن تؤجل لما بعد التحرير، وهي الربط الذي انتهجته المقاومة ما بين الوطني والاجتماعي الديمقراطي. ومن هنا تم تشكيل أطر جماهيرية، المرأة كان أحدها وأكثرها فاعلية، تستند لمبدأ الجمع ما بين الوطني والديمقراطي، وذلك لتنمية المجتمع الفلسطيني وتعزيز صموده من جانب، ولحماية المقاومة وإيجاد شبكة حماية شعبية حولها من جانب آخر.

وقد جاء تشكيل أطر نسوية بمبادرة من تنظيمات اليسار، ثم توسع أكثر ليشمل تنظيمات أخرى خاصة فتح، وكانت مرتبطة بالتنظيم والحزب. وأخذت هذه الأطر على عاتقها وارتباطًا بالتنظيم الأم بالعمل وسط قطاع النساء خاصة في الريف والمخيمات، ومن خلال دور الحضانات ومشاريع تعليم الخياطة، والعمل مع ذوي الأسرى والجرحى، ومنها انطلقت نحو تأطير النساء والعمل على رفع وعيهن ومشاركتهن السياسية.

شكلت الانتفاضة الفلسطينية محطة نوعية لنضال الشعب الفلسطيني، وارتقاءً في الأشكال التنظيمية المختلفة للمقاومة، وحولت مركز الثقل النضالي للمرة الأولى منذ الاحتلال إلى الأرض المحتلة، لقد تحولت الفصائل بكل أدواتها التنظيمية عبر المنظمات الجماهيرية وتوسع عضويتها ونضالها، لفصائل شعبية واسعة. كل ذلك كان له تأثير على مكانة المرأة، توسعت منظماتها، وتعددت مجالات عملها الكفاحية والجماهيرية والاجتماعية والإنتاجية، وتبلورت القيادات والكادرات النسوية، وهذا أعطى قوة للنساء، ووسعت من مهامها الوطنية والاجتماعية وجذَّرت من صلاتها مع قطاعات النساء الشعبية في المخيمات والأرياف. وكانت هذه المشاركة النسوية بحد ذاتها دلالة على تعمق البعد الاجتماعي-الديموقراطي للنضال، وأعادت صياغة المسألة الاجتماعية النسوية نتيجة طغيان الهم الوطني. ونتيجة الاعتقال والإبعاد والاستشهاد للكثير من الفلسطينيين، دفعت بالنساء لسد هذا الفراغ حتى على مستوى قيادي؛ فتوسعت الأطر النسوية بشكل مضاعف، وتوسعت المهام من المشاركة السياسية إلى المشاريع التنموية القائمة على الحماية الشعبية في الريف، فيما في المدينة تواجدن ضمن لجان الأحياء ذات الطابع السياسي والتنظيمي مكنها من قيادة المجتمع الفلسطيني في الانتفاضة.

مع اتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، تراجع العمل التنظيمي الحزبي، ودخلت الحركة النسوية في المرحلة الثالثة لتطورها، وبرز كنتاج للمرحلة السابقة صف قيادي نسوي تمرس في العمل عبر الأحزاب، ويمتلك وجهة نظر نسوية، وبمعزل عن تلك الأحزاب؛ وبفعل خبرته السابقة قام بتأسيس العديد من المنظمات النسوية غير الحكومية، والتي وإن جسدت "استقلالية" النساء المنتميات والمستفيدات في منظماتهن عن الأحزاب، ولكنها أيضًا جسدت الانفكاك بين النساء والحزب، فدخلت الحركة النسائية في أزمتها الخاصة بالتوازي مع أزمة الأحزاب، ما ترك علامة استفهام كبيرة على قدرة هؤلاء النساء ومنظماتهن على بناء حركة شعبية بمعزل عن الأحزاب السياسية، وعلى طابع الممارسة الاجتماعية لتلك المنظمات من حيث طغيان الاجتماعي على الوطني، كردة فعل على الطغيان السابق للوطني على النسوي. والأهم من ذلك في ظل تراجع النضال الوطني وبناء مؤسسات السلطة، تم تبهيت الحقوق والمطالب النسوية والفعل النسوي من الوطني والاجتماعي، إلى الاجتماعي عبر أجندات التمويل، ورؤية السلطة للمشاركة الشكلية والسياسية المرتبطة حصرًا في المناصب السياسية بعيدًا عن النضال الوطني. هذه الأزمة البنيوية اليوم تواجه تحديات واستنفاذ للخطاب النسوي المقتصر على الحقوق الاجتماعية المفرغة من مضامين السياق الفلسطيني المحتل، وتراجع حاد في واقع المرأة الحقوقي والإنساني رغم ارتفاع مؤشرات التعليم مثلًا.

انفكاك الحركة النسوية عن شعارها التاريخي الوطني والاجتماعي، أضعف قدراتها على المواجهة وأدى إلى قضم متواصل لإنجازاتها التاريخية، مما حد من تواجدها وفعاليتها في الحيز العام والشارع الفلسطيني، وبدون استعادة هذا الشعار بشقيه، ستظل الحركة النسوية تراوح بالمكان فيما تخسر في المضمون. المطلوب اليوم ربط مجمل المطالبات الحقوقية بالواقع الاستعماري لفلسطين وإعادة بناء أجندة العمل على ضوء ذلك، ما دون هذا الأمر لن نرَ الكثير من التغيير على واقع المرأة في المضمون والمكانة، ولن يتعدى ذلك نص قانوني هنا وسياسة هناك، لا تراكم ولا تغير.